Grammar American & British

Sunday, February 28, 2021

تبسيط تفسيرأبن كثير للقرآن الكريم ( 10 )

 تبسيط تفسير أبن كثير للقرآن الكريم ( 10 )

الجزء العاشر 

تفسير سورة الأنفال

 وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ 41

ٖ   وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ" توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط ، قال تعالى " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " ، يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصا لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة باحلال الغنائم ، والغنيمة هى المال المأخوذ من الكفار بايجاف الخيل والركاب ، والفىء ما أخذ منهم بغير ذلك كالأموال التى يصالحون عليها أو يتوفون عنها ولا وارث لهم ، والجزية الخراج ،ومن العلماء من يطلق الفىء على ما تطلق عليه الغنيمة وبالعكس أيضا ، وقال قتادة ان هذه الآية ناسخة لآية الحشر " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل "  ، فنسخت آية الأنفال تلك وجعلت الغنائم أربعة أخماس للمجاهدين وخمسا منها لهؤلاء المذكورين لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر وتلك فى بنى النضير ولا خلاف بين علماء السير والمغازى قاطبة أن بنى النضير بعد بدر وهذا أمر لايشك فيه ولا يرتاب فمن يفرق بين معنى الفىء والغنيمة يقول تلك نزلت فى أموال الفىء وهذه فى الغنائم ومن يجعل أمر الغنائم والفىء راجعا الى رأى الامام يقول لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس اذا رآه الامام والله أعلم ، " فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُول" اختلف المفسرون ههنا فقال بعضهم لله نصيب من الخمس يجعل فى الكعبة ، فعن أبى العالية الرياحى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيخمسها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذى قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم ما بقى على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذوى القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبن السبيل ، وقال أبن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بعث السرية فغنموا خمس الغنيمة ، فضرب ذلك الخمس فى خمسة ثم قرأ  " وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ " " فان لله خمسه " مفتاح كلام مثل قوله " لله مافى السموات وما فى الأرض " فجعل سهم الله وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم واحدا ، وهكذا قال كثيرون غيره أن سهم الله ورسوله واحد ويؤيد هذا ما رواه الامام الحافظ أبو بكر البيهقى باسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو بوادى القرى وهو يعرض فرسا فقلت يارسول الله ما تقول فى الغنيمة ؟ فقال " لله خمسها وأربعة أخماس للجيشس " قلت فما أحد أولى به من أحد ؟ " قال : " لا ولا سهم تستخرجه من جيبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم " ، قال أبان عن الحسن أوصى الحسن بالخمس من مالهوقال : " ألا أرضى من مالى بما رضى الله به لنفسه " ، وعن أبن عباس قال كانت الغنيمة تخمس  على خمسة أخماس فأربعة منها بين من قاتل عليها ةخمس واحد يقسم على أربعة أخماس فربع لله وللرسول صلى الله عليه وسلم فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبى صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبى صلى الله عليه وسلم شيئا ، وعن عبد الله بن بريدة قال الذى لله فلنبيه والذى للرسول لأزواجه ، وعن عطاء بن أبى رباح قال خمس الله والرسول واحد يحمل منه ويصنع فيه ما شاء يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وهذا أعم وأشمل وهو أنه يتصرف فى الخمس الذى جعله الله له بما شاء ويرده فى أمته كيف يشاء ، وعن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فى غزوة الى بعير من المغنم فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال : " ان هذه من غنائمكم وانه ليس لى فيها الا نصيبى معكم الخمس والخمسش مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ولا تغلوا فان الغلول عارونار على أصحابه فى الدنيا والآخرة وجاهدوا الناس فى الله القريب والبعيد ولا تبالوا فى الله لومة لائم وأقيموا حدود الله فى السفر والحضر فان الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم ينجى الله به من الهم والغم ، وعن عمرو بن عنبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الى بعير من المغنم فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير ثم قال : " ولا يحل لى من غنائمكم مثل هذه الا الخمس والخمس مردود عليكم " رواه أبو داود والنسائى ، وقال آخرون ان الخمس يتصرف فيه الامام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف فى مال الفىء وهذا رأى مالك وأكثر السلف وهو أصح الأقوال كما قال أبن تيمية ، وقال آخرون بل هومردود على بقية الأصناف ذوى القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل ، وقيل أن الخمس جميعه لذوى القربى ، وعن المنهال بن عمر قال سألت عبد الله بن محمد بن على وعلى بن الحسين عن الخمس فقالا لنا فقلت لعلى فان الله يقول " واليتامى والمساكين وأبن السبيل " فقالا يتامانا ومساكيننا ، واختلف الناس فى هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائلون سهم النبى صلى الله عليه وسلم تسليما للخليفة من بعده ، وقال قائلون لقرابة النبى صلى الله عليه وسلم ، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين فى الخيل والعدة فى سبيل الله فكانا على ذلك فى خلافة أبى بكر وعمر رضى الله عنهما ، وأما سهم ذوى القربى فانه يصرف الى بنى هاشم وبنى المطلب ، " واليتامى " أيتام المسلمين و"المساكين " هم المحاويج الذين لايجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم و"أبن السبيل " هو المسافر أو المريد للسفر الى مسافة تقتصر فيها الصلاة وليس له ما ينفقه فى سفره ، " إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ " أمتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس فى الغنائم ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وما أنزلنا على رسوله ،ولهذا جاء فى الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس فى حديث وفد القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم " وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : آمركم بالايمان بالله - ثم قال - هل تدرون ما الايمان بالله ؟ شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، واقام الصلاة وايتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم " فجعل أداء الخمس من الايمان ، وقد بوب البخارى على ذلك فى كتاب الايمان من صحيحه فقال " باب أداء الخمس من الايمان " وأورد حديث أبن عباس ، " وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ " ينبه تعالى علىةنعمته واحسانه الى خلقه بما فرق به بين الحق والباطل ببدر ،ويسمى الفرقان لأن الله أعلى فيه كلمة للايمان على كلمة الباطل وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه ، وعن أبن عباس قال يوم الفرقان يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل ، وعن على رضى الله عنه قال كانت ليلة التقى الجمعان فى صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان .

  إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢

"  إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ " يقول الله مخبرا عن يوم الفرقان اذ أنتم أيها المؤمنون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نزول بعدوة الوادى الدنيا القريبة الى المدينة وهم المشركون نزول بالعدوة البعيدة من المدينة الى ناحية مكة ، " وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ  " والعير الذى فيه أبو سفيان بما معه من التجارة مما يلى سيف البحر ، " وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ " لو التقيتم أنتم والمشركون الى مكان ، " لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ" وعن عبد الله بن الزبير قال فى هذه الآية ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم ، " وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُول "ليقضى الله ما أراد بقدرته من اعزاز الاسلام وأهله واذلال الشرك وأهله من غير ملأ منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ، وفى حديث كعب بن مالك قال انما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، وقال أبن جرير عن عمير بن أسحاق قال " أقبل أبو سفيان فى الركب من الشام وخرج أبوجهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فالتقوا ببدر ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء حتى التقى السقاة ونهد الناس بعضهم لبعض ، وقال محمد بن اسحاق فى السيرة " ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه ذلك حتى اذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمروعدى بن أبى الزغباء الجهنيين يلتمسان الخبر عن أبى سفيان فانطلقا حتى اذا وردا بدرا فأناخا بعيريهما الى تل من البطحاء فاستقيا فى شن لهما من الماء فسمعا جاريتين يختصمان تقول احداهما لصاحبتها اقضيتى حقى ، وتقول الأخرى انما العير غدا أو بعد غد فأقضيك حقك فخلص بينهما مجدى بن عمرو وقال صدقت فسمع بذلك بسبس وعدى فجلسا على بعيرهما حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه الخبر وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد حدر فتقدم أمام عيره وقال لمجدى بن عمرو هل أحسست على هذا الماء من احد تنكره ؟ فقال لا الا أنى قد رأيت راكبين أناخا الى هذا التل فاستقيا من شن لهما ثم انطلقا فجاء أبو سفيان الى مناخ بعيريهما فأخذ من أبعارهما ففته فاذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب ثم رجع سريعا فضرب وجه عيره فانطلق بها فساحل حتى اذا رأى أنه قد أحرزعيره الى قريش فقال : ان الله قد نجى عيركم وأموالكم ورجالكم فارجعوا " فقال أبوجهل : والله لا نرجع حتى نأتى بدرا " وكانت بدر سوقا من أسواق العرب فنقيم ثلاثا فنطعم بها الطعام وننحر الجرز ونسقى بها الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا فلا يزالون يهابوننا بعدها أبدا " فقال الأخنس بن شريق : يا معشر بنى زهرة ان الله قد أنجى أموالكم ونجى صاحبكم فارجعوا فرجعت بنو زهرة فلم يشهدوها ولا بنى عدى ، قال عروة بن الزبير " وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دنا من بدر على بن أبى طالب وسعد بن وقاص والزبير بن العوام فى نفر من أصحابه يتجسسون له الخبر فأصابوا سقاة لقريش غلاما لبنى سعيد أبن العاص وغلاما لبنى الحجاج فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدوه يصلى فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونهما لمن أنتما ؟ فيقولان نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبى سفيان فضربوهما فلما أزلقوهما قالا نحن لأبى سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتين ثم سلم وقال " اذا صدقاكم ضربتوهما واذا كذباكم تركتمهما صدقا والله انهما لقريش أخبرانى عن قريش " قالا هم وراء هذا الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى ، والكثيب والعقنقل فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم القوم ؟ قالا : كثير قال : ما عدتهم ؟ قالا : ما ندرى قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوما تسعا ويوم عشرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القوم بين التسعمائة الى الألف " ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البحترى بن هشام وغيرهم كثير فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال : هذه مكة قد ألقت اليكم أفلاذ كبده " وقال سعد بن معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما ألتقى الناس يوم بدر : يا رسول الله ألا نبنى لك عريشا تكون فيه وننيخ اليك ركائبك ،ونلقى عدونا فان أظفرنا الله عليهم وأعزنا فذاك ما تحب وان تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبا منهم لو علموا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ويؤزرونك وينصرونك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له به فبنى عريش فكان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر ، وارتحلت قريش حين أصبحت فلما أقبلت ورآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذى جاءوا منه الى الوادى فقال " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم أحنهم الغداة " ، " لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَة " ليكفرمن كفر بعد الحجة لما رآى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك ،وبسط ذلك أنه تعالى انما جمعكم مع عدوكم فى مكان واحد على غير ميعاد لينصركم عليهم ويرفع كلمة الحق على الباطل ليصير الأمر ظاهرا والحجة قاطعة والبراهين ساطعة ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة فحينئذ يهلك من هلك أى يستمر فى الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل لقيام الحجة عليه " ويحيى من حيى " أى يؤمن من آمن " عن بينة " أى حجة وبصيرة والايمان هو حياة القلوب كما قال تعال " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس " ،وقالت عائشة رضى الله عنها فى قصة الأفك فهلك من هلك أى قال فيها ما قال من البهتان والافك ، " وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم " اى أن الله لسميع لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به وعليم بكم وأنكم تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين .

  إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٤٣ وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ٤٤

" إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗا " قال مجاهد أراهم الله والمخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم قليلا وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك فكان تثبيتا لهم وحكى أبن جرير عن بعضهم أنه رآهم بعينه التى ينام بها " وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ " ولو أراكهم كثيرا لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم ، " وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ " ولكن الله سلم من ذلك بأن أراكهم قليلا ، " إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ " والله عليم بما تجنه الضمائر وتنطوى عليه الأحشاء كما قال " يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور " ، " وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا " هذا من لطفه تعالى بهم اذ أراهم اياهم قليل فى رأى العين فيجرؤهم عليهم ويطمعهم فيهم ،وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " لقد قللوا فى أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل الى جنبى تراهم سبعين ؟ قال : لا بل هم مائة حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه فقال كنا ألفا " رواه أبن أبى حاتم وأبن جرير ،" وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِم " يجعل عددكم قليل فىأعينهم فيغتروا ويتهاونوا فى قتالكم ، " لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ " ليلقى بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والانعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر وقلله فى عينه ليطمع فيه وذلك عند المواجهة فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين بقى حزب الكفار يرى حزب الايمان ضعفيه كما قال تعالى " قد كان لكم آية فى فئيتن التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء ان فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار " وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين فان كلا منهما حق وصدق .

 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٤٥ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٤٦

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ " هذا تعليم من الله لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء يأمرهم بالثباتعند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم فلا يفرون ولا ينكلوا ولا يجبنوا وذكر الله كثيرا فى تلك الحال ولا ينسوه بل يستعينوا به ويتوكلون عليه ويسألوه النصر على أعدائهم والفلاح فى الدنيا والآخرة ،ثبت فى الصحيحين عن عبد الله بن أبى أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر فى بعض أيامه التى لقى فيها العدو حتى اذا مالت الشمس قام فيهم فقال : " يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فاذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ، ثم قام النبى صلى الله عليه وسلم وقال : " اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم " ، وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فاذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله فان صخبوا وصاحوا فعليكم بالصمت " ، وقال قتادة افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون عند الضرب بالسيوف ، " وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ " أمرهم أن يطيعوا الله ورسوله فى حالهم ذلك فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا وما نهاهم عنه انزجروا ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضا فيختلفوا فيكون سببا لتخاذلهم وفشلهم ، " وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ " تذهب قةتمكم ووحدتكم وما كنتم فيه من الاقبال ، " وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ " يأمر الله بالتمسك بالصبر عند ملاقاة الأعداء وهو نصير الصابرين وهومعهم ومؤيدهم وقد كان الصحابة رضى الله عنهم فى باب الشجاعة والئتمار بما أمرهم الله ورسوله وامتثال ما أرشدهم اليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد ممن بعدهم فانهم ببركة الرسول صلى اللع عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا فى المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة الى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالية والبربر والحبوش والقبط وطوائف بنى آدم ، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان ، وامتدت الممالك الاسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها فى أقل من ثلاثين سنة فرضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين .  

 وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ ٤٧ وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٤٨ إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٤٩"

 وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيط " يقول الله تعالى بعد أمره المؤمنين بالاخلاص فى القتال فى سبيله وكثرةذكره ناهيا لهم عن التشبه بالمشركين فى خروجهم من ديارهم بطرا أى دفعا للحق والمفاخرة والتكبر على الناس ، فى تفسير الآية قالوا هم المشركون الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقال محمد بن كعب لما خرجت قريش من مكة الى بدر خرجوا بالقيان والدفوف فأنزل الله الآية ، " وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ "حسن لهم الشيطان أى للكفار ما جاءوا له وما هموا به وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا فى ديارهم من عدوهم بنى بكر فقال انى جار لكم ،وذلك أنه تبدى لهم فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم سيد بنى مدلج كبير تلك الناحية وكل ذلك منه كما قال تعالى " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا " ، قال أبن عباس فى هذه الآية لما كان يوم بدر سار ابليس برايته وجنوده مع المشركين وألقى فى قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وانى جار لكم ، فلما التقوا ونظر الشيطان الى امداد الملائكة " نكص على عقبيه وَقَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ " أى رجع مديرا وقال انى أرى ما لا ترون ، وعن شعبة مولى أبن عباس عن أبن عباس قال " لما تواقف الناس أغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كشف عنه فبشر الناس بجبريل فى جند من الملائكة ميمنة الناس وميكائيل فى جند آخر فى ميسرة الناس واسرافيل فى جند آخر ألف ،وابليس قد تصور فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى يدير المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس فلما أبصر عدو الله الملائكة نكص على عقبيه وقال انى برىء منكم انى أرى ما لا ترون فتشبث به الحارث بن هشام وهو يرى أنه سراقة لما سمع منكلامه فضرب فى صدر الحارث فسقط وانطلق ابليس لا يرى حتى سقط فى البحر ورفع ثوبه وقال يارب موعدك الذى وعدتنى ، " إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ " قال أبن جريج هم قوم كانوا من المنافقين بمكةقالوه يوم بدر، وقال عامر الشعبى كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالاسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا قلة المسلمين قالوا غر هؤلاء دينهم ، وقال مجاهد فئة من قريش قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب وعلى بن أمية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا غر هؤلاء دينهم حتى قدموا على ما قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عددهم ، وعن الحسن قال هم قوم لم يشهدوا القتال فى بدر فسموا منافقين ، وقال معمر وقال بعضهم هم قوم كانوا أقروا بالاسلام وهم بمكة فخرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا قلة المسلمين قالوا غر هؤلاء دينهم ،وعن أبن عباس قال لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين فى أعين المشركين ،وقلل المشركين فى أعين المسلمين فقال المشركون غر هؤلاء دينهم وانما قالوا ذلك من قلتهم فى أعينهم فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون فى ذلك فقال الله " وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ " أى يعتمد على جنابه فانه لايضام من التجأ اليه فان الله عزيز منيع الجناب عظيم السلطان حكيم فى أفعاله لا يضعها الا فى مواضعها فينصر من يستحق النصر ،ويخذل من هو أهل لذلك .

 وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ٥٠ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ ٥١

" وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُم وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ " يقول تعالى ولو عاينت يا محمد حال توفى الملائكة أرواح الكفار لرأيت أمرا عظيما هاثلا فظيعا منكرا اذ يضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم ذوقوا عذاب الحريق قال مجاهد أدبارهم أستاههم قال يوم بدر ،وقال أبن عباس اذا أقبل المشركون بوجوههم الى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف واذا ولوا أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم ، وعن الحسن البصرى قال قال رجل يا رسول الله انى رأيت بظهر أبى جهل مثل الشوك قال : " ذاك ضرب الملائكة " رواه بن جرير وهو مرسل ، وان كان هذا السياق سببه وقعة بدر ولكنه عام فى حق كل كافرولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر بل قال تعالى " ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم " ، " ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ " هذا الجزاء بسبب ما عملتم من الأعمال السيئة فى حياتكم الدنيا جازاكم الله بعا هذا الجزاء ، " وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ " أى لا يظلم أحد من خلقه ، بل هو الحكم العدل الذى لا يجور تبارك وتعالى وتقدس وتنزه الغنى الحميد ، وجاء فى الديث الصحيح عن مسلم عن أبى ذر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يقول " يا عبادى انى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادى انما هى أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه " .   

كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُواْ بِ ايَٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّ شَدِيدُ َٔ ٱلۡعِقَابِ ٥٢

" كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡن وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ"َ يقول تعالى هؤلاء من المشركين المكذبين بما أرسلت به يا محمد كما فعل الأمم المكذبه قبلهم ففعلنا بهم ما هو دأبنا أى عادتنا سنتنا فى أمثالهم من المكذبين من آل فرعون ومن قبلهم من الأمم المكذبة بالرسل الكافرين بآيات الله ، " فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ " بسبب ذنوبهم أهلكهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، " إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ " الله قوى لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب عقابه بالكافرين والظالمين شديد أليم .  

ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٥٣كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِ َايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَآٔ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ ٥٤

" ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم " يخبر تعالى عن تمام عدله فى حكمه بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد الا بسبب ذنب ارتكبه كقوله تعالى " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم * واذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال " ،  "وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم "الله سميع لما يقول ويفعل عباده من ذنوب ومن أعمال صالحة ومن توبة  مجيب لهم عليم بكل ما يفعلونه ، " كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِ َايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ ٔ وَأَغۡرَقۡنَآءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ " كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته أهلكهم بسبب ذنوبهم وسلبهم تلك النعم التى أسداها اليهم من جنات وعيون وزروع وكنوز ومقام كريم ،ونعمة كانوا فيها فاكهين وما ظلمهم الله فى ذلك بل كانوا هم الظالمين .

إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٥٥ ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ ٥٦ فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ٥٧

" إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ " أخبر تعالى أن شر ما دب على وجه الأرض هم الذين كفروا فهم لا يؤمنون ، " ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ " الذين كلما عاهدوا عهدا نقضوه وكلما أكدوه بالايمان نكثوه ولا يخافون من الله فى شىء ارتكبوه من الآثام ، " فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ " عندما تغلبهم وتظفر بهم فى الحرب نكل بهم ، قال أبن عباس وغيره ومعناه غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم ويصيروا لهم عبرة ، " لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُون " قال السدى لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك .  َ

وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ ٥٨

" وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ " يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اذا كنت تخشى من قوم قد عاهدتهم نقضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود أعلمهم بأنك قد نَقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم وهمحرب لك وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء أى تستوى أنت وهم فى ذلك ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِين "حتى ولوفى حق الكفار فان الله لا يحب الخيانة أيضا ، عن سليم أبن عامر قال " كان معاوية يسير فى أرض الروم وكان بينه وبينهم أمدا فأراد أن يدنو منهم فاذا انقضى الأمد غزاهم فاذا شيخ على دابة يقول : الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدرا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ومن كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى ينقضى أمدها أ, ينبذ اليهم على سواء " فبلغ ذلك معاوية فرجع فاذا بالشيخ عمرو بن عنبسة رضى الله عنه ، وعن سلمان الفارسى رضى الله عنه أنه انتهى الى حصن أو مدينة فقال لأصحابه دعونى أدعمهم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم فقال : انما كنت رجلا منكم فهدانى الله عز وجل للاسلام فاذا أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، وان أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون ، وان أبيتم نابذناكم على سواء " ان الله لا يحب الخائنين " يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام ، فلما كلن اليوم الرابع ذدا الناس اليها ففتحوها بعون الله .  

وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ ٥٩ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ٦٠ ۞

" وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُون"يقول الله تعالى لنبيه لا تحسبن يا محمد الذين كفروا فاتونا فلا نقدر عليهم بل هم تحت قهر قدرتنا وفى قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا َكقوله تعالى " أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون " أى يظنون وكقوله " لا تحسبن اللذين كفروا معجزين فى الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير " ، " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ  ٱلۡخَيۡلِ " أمر تعالى باعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والامكان والاستطاعة ، وعن عقبة بن عامرقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ارموا واركبوا وان ترموا خير من أن تركبوا " ، وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : " الخيل ثلاثة ، لرجل أجر ، ولرجل ستر وعلى رجل وزر ، فأما الذى له أجر فرجل ربطها فى سبيل الله فأطال بها فى مرج أو روضة فما أصابت فى طيلها ذلك من المرج أوالروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك حسنات له فهى لذلك الرجل أجر ،ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولمينس حق الله فى رقابها وظهورها فهى له ستر ،ورجل ربطها فخرا ورياءا ونواء فهى على ذلكوزر " ، وذهب أكثر العلماء الى أن الرمى أفضل من ركوب الخيل وذهب الامام مالك الى أن الركوب أفضل من الرمى ، وعن الحسن بن أبى الحسن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الخيل معقود فى نواصيها الخير الى يوم القيامة وأهلها معانون عليها ومن ربط فرسا فى سبيل الله كانت النفقة عليه كالماد يده بالصدقة لا يقبضها " ، والأحاديث فى فضل ارتباط الخيل كثيرة ، وفى صحيح البخارى عن عروة بن أبى الجعد البارقى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخيل معقود فى نواصيها الخير الى يوم القيامة الأجر والمغنم " ، " تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُم"تخوفون عدو الله وعدوكم من الكفار وقال عبد الرحمن بن أسلم فى قوله " وآخرين لا تعلموۡۚنهم الله يعلمهم هم المنافقون كما فى قوله تعالى " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم ، " وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ " مهما أنفقتم فى الجهاد فانه يوفى اليكم على التمام والكمال ، ولهذا جاء فى الحديث الذى رواه أبو داود أن الدرهم يضاعف ثوابه فى سبيل الله الى سبعمائة ضعف كما تقدم فى قوله تعالى " مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " .    

وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٦١ وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥعَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٣

" وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا " يقول تعالى اذا خفت من قوم خيانة فانبذ اليهم عهدهم على سواء  فان استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم وان مالوا الى السلم أى المسالمة والمصالحة والمهادنة فمل اليها وأقبل منهم ذلك ، ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم تسع سنين أجابهم الى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر ، وقال أبن عباس وغيره أن هذه الآية منسوخة بآية السيف فى براءة " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " وفيه نظر لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم اذا أمكن ذلك ، فأما اذا كان العدو كثيفا فيجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية وكما فعل النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص والله أعلم ، " وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّه"أى صالحهم وتوكل على الله فان الله كافيك وناصرك ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا " فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ" أى كافيك وحده ، " هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ " ذكر الله نعمته على رسوله صلى الله عليه وسلم مما أيده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار فقال "ِ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡت مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ " يذكر الله نعمته على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أيده به من المؤمنين المهاجرين والأنصاروهو الذى جمع قلوبهم على الايمان به وعلى طاعته ومناصرته ومؤازرته ويذكر رسوله أنه لو أنفق ما فى الأرض جميعا ما ألف بينهم لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فان الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة فى الجاهلية بين الأوس والخزرج وأمور يلزم منها التسلسل فى الشر حتى قطع الله ذلك بنور الايمان كما قال تعالى " واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا * وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار فى شأن غنائم حنين قال لهم " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى وعالة فأغناكم الله بى وكنتم متفرقين فألفكم الله بى " كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن " ، " إِنَّهُۥعَزِيزٌ حَكِيم " أىعزيز الجناب فلا يخيب رجاء من توكل عليه فى أفعاله وأحكامه ، وعن أبن عباس قال قرابة الرحم تقطع ومنة النعمة تكفر ولم ير مثل تقارب القلوب يقول الله تعالى " لَوۡ أَنفَقۡت مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ " ، وعن عبد الله بن مسعود قال هم المتحابون فى الله وفى رواية نزلت فى المتحابين فى الله ، وفى رواية عن أبن عباس قال : ان الرحم لتقطع ، وان النعمة لتكفر ،وان الله اذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شىء ثم قرأ الآية ، وعن عبدة بن أبى لبابة عن مجاهد ولقيته فأخذ بيدى فقال : اذا ألتقى المتحابان فى الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك اليه تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر ، قال عبدة : فقلت له ان هذا ليسير فقال : لا تقل ذلك فان الله يقول " لَوۡ أَنفَقۡت مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ " قال عبدة فعرفت أنه أفقه منى ، وعن سلمان الفارسى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان المسلم اذالقى أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجرة اليابسة فى يوم ريح عاصف ولغفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحر " .

ٰٓيأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٤ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ٦٥ ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٦٦

" يأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ "يخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم ويقول له حسبك الله وحسب من شهد معك يخبر الله أنه كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم وان قل عددهم ،" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ " يحرض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحث ويأمر المؤمنين على القتال ومناجزة الأعداء ومبارزة الأقران ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض على القتال عند صفهم ومواجهة العدو كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون فى عددهم وعددهم قوموا الى جنة عرضها السموات والأرض " فقال عمير بن الحمام عرضها السموات والأرض ؟ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " فقال : بخ بخ فقال : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ " قال : رجاء أن أكون من أهلها قال : فانك من أهلها " فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه وأخرج ثمرات فجعل يأكل منهن ثم ألقى بقيتهن من يده وقال : لئن أنا حييت حتى آكلهن انها لحياة طويلة " ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضى الله عنه"" إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ " يقول تعالى مبشرا المؤمنين بالنصر رغم قلة عددهم حتى ان يكن الواحد بعشرة ثم نسخ الأمر وبقيت البشارة  ، " ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ " قال أبن عباس أن ذلك شق على المسلمين ثم جاء التخفيف حتى فرض الله عليهم الواحد بأثنين فلا ينبغى لمائة أن يفروا من مائتين ،وعن أبن عمر قال نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، قال أبن عباس لما أنزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ومائة ألفا فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال " ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗا " فكانوا اذا كانوا على الشطر من عدوهم لم يسغ لهم أن يفروا من عدوهم ، وان كانوا دون ذلك لم يجب عليهمقتالهم وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم .

مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٧ لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٦٨ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٦٩

" مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ" نزلت الآيات فى أسرى بدر من المشركين ، فعن أنس رضى الله عنه قال استشار النبى صلى الله عليه وسلم الناس فى الأسارى يوم بدرفقال :" ان الله أمكنكم منهم " فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم " فأعرض عنه النبى صلى الله عليه وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس ان الله قد أمكنكم منهم وانما هم اخوانكم بالأمس " فقام عمر فقال : " يارسول الله اضرب أعناقهم " فأعرض عنه النبى صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقال : " يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء " فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم الفداء وأنزل الله عز وجل " لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ" ، وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أسارى يوم بدر ان شئتم قتلتموه وان شئتم فاديتموه واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم " قال فكان آخر السبعين ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة رضى الله عنه ، " لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيم " عن أبن عباس قال فى الآيات غنائم بدر قبل أن يحلها الله لهم يقول لولا أنى لا أعذب من عصانى حتى أتقدم اليه لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ،وقال الأعمش سبق منه أن لا يعذب أحدا شهد بدرا ، وعن مجاهد قال "" لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ" لولا كتاب من الله سبق لهم بالمغفرة ، وعن أبن عباس قال يعنى فى أم الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم لمسكم فيما أخذتم من الأسارى عذاب عظيم قال الله تعالى " فَكُلُواْ ِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا " ، وقال قتادة أن المراد" لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ " لهذه الأمة باحلال الغنائم ، ويستشهد لهذا القول ما ورد فى الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبى يبعث الى قومه وبعثت الى الناس عامة " ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحل الغنائم لسود الرءوس غيرنا " ولهذا قال تعالى " فَكُلُواْ ِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا " فعند ذلك أخذوا من الأسارى الفداء ، وعن أبن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة ، وقد استمر الحكم فى الأسرى عند جمهور العلماء أن الامام مخير فيهم ان شاء قتل كما فعل ببنى قريظة ، وان شاء فادى بمال كما فعل بأسرى بدر ، أو بمن أسر من المسلمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا فى سبى سلمة بن الأكوع حيث ردهما وأخذ فى مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين ، وان شاء استرق من أسر وهذا مذهب الامام الشافعى وطائفة من العلماء .     

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٧٠ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٧١

"يآأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم " عن الزهرى عن جماعة سماهم قالوا بعثت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فداء أسراهم ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا ، وقال العباس يارسول الله قد كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أعلم باسلامك فان يكن كما تقول فان الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابنى أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبى طالب بن عبد الله ، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر " قال : " ما ذاك عندى يا رسول الله ؟ "قال : " فأين المال الذى دفنته أنت وأم الفضل ؟ قلت لها ان أصبت فى سفرى هذا فهذا المال الذى دفنته لبنى الفضل وعبد الله وقثم " قال : " والله يا رسول الله انى لأعلم أنك رسول الله ان هذا لشىء ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل فاحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى عشرين أوقية من مال كان معى " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا : ذاك شىء أعطانا الله تعالى منك " ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه فأنزل الله عز وجل ألاية ، قال العباس فأعطانى الله مكان العشرينالأوقيةفى الاسلام عشرين عبدا كلهم فى يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرةاللععز وجل " ، عن بن عباس قال قال العباس فى نزلت فأخبرت النبى صلى الله عليه مسلم باسلامى وسألته أن يحاسبنى بالعشرين الأوقية التى أخذت منى فأبىفأبدلنى الله بها عشرين عبدا كلهم مالى فى يده ، وعن أبن عباس " يآأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ " أى العباس وأصحابه قال قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم آمنا بما جئت ونشهد أنك رسول الله لننصحن لك على قومنا فأنزل الله " إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ  " ان يعلم الله أن ما فى قلوبكم ايمانا وتصديقا يخلف لكم خيرا مما أخذ منكم " وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم " ةيغفر لكم الشرك الذى كنتم عليه ، قال فكان العباس يقول ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وان لى الدنيا لقد قال " يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ  " فقد أعطانى خيرا مما أخذ منى مائة ضعف وقال " وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ " وأرجو أن يكون قد غفر لى ، وقال قتادة فى تفسير الآية ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه سولم لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا وقد توضأ لصلاة الظهر فما أعطى يومئذ شاكيا ولا حرم سائلا وما صلى يومئذ حتى فرقه ، فأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثى فكان العباس يقول : " هذا خير مما أخذ منا وأرجو المغفرة" ، " وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " زان يريدوا خيانتك فيما أظهروا لك من الأقوال فقد خانوا الله من قبل بدر بالكفر به فأمكن الله منهم بالأسارى يوم بدر والله عليم بفعله حكيم فيه ، قال قتادة نزلت فى عبد الله بن سعد بن أبى سرح الكاتب حين ارتد ولحق بالمشركين ، وقال أبن جريج عن أبن عباس نزلت فى العباس وأصحابه حين قالوا لننصحن لك على قومنا ، وفسرها السدى على العموم وهو أشمل وأظهر .   

إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٧٢

" إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡض " ذكر الله تعالى أصناف المؤمنين وقسمهم الى مهاجرين خرجوا من ديارهم وأموالهم وجاءوا لنصر الله ورسوله واقامة دينه ، وبذلوا أموالهم وأنفسهم فى ذلك ، والى أنصار وهم المسلمون من أهل المدينة اذ ذاك آووا أخوانهم المهاجرين فى منازلهم وواسوهم فى أموالهم ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم فهؤلاء " بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡض " أى كل واحد منهم أحق بالآخر من كل أحد ، ولهذا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كل أثنين اخوان فكانوا يتوارثون بذلك ارثا مقدما على القرابة حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث ، " وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُو" هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين وهم الذين آمنوا ولم يهاجروا بل أقاموا فى بواديهم فهؤلاء ليس لهم فى المغانم نصيب ولا فى خمسها الا ما حضروا فيه القتال ، " وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير " يقول تعلى وان استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا على قوم من الكفار بينكم وبينهم ميثاق أى مهادنة الى مدة فلا تخفروا ذمتكم ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتك وهذا مروى عن أبن عباس رضى الله عنه .

وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ ٧٣

" وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِير " لما ذكر الله أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض قطع الموالاة بينهم وبين الكفار فعن أسامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا يتوارث أهل ملتين ولا يرث مسلمكافرا ولا كافر مسلما " ثم قرأ الآية ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من جامع المشرك وسكن معه فانه مثله " ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا برىء من كل مسلم بين ظهرانى المشركين " ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، الا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد عريض" " إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِير" أى ان لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين والا وقعت فتنة فى الناس وهو التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل .    

وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٧٤ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ ٧٥

" وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيم " لما ذكر الله تعالى المؤمنين فى الدنيا وهم من المهاجرين والأنصار وهم المؤمنون حقا عطف بذكر ما لهم فى الآخرة فأخبر عنهم بحقيقة الايمان وأنه سيجازيهم بالمغفرة والصفح وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثيرالطيب الشريف دائم مستمر أبدا لا ينقطع ولا ينقضى ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه ، " وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ " والذين جاءوا من بعدهم قال أبن عباس وغيره أن الآية ناسخة للارث بالحلف والاخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أولا ، وعلى هذا فتشمل ذوى الأرحام بالأسم الخاص ، ومن لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها " ان الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث " قالوا فلو كان ذا حق لكان ذا فرض فى كتاب مسمى فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثا ، ومعنى فى  " كتاب الله " فى حكم الله ، وعن جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض الى يوم القيامة " .

الجزء العاشر

سورة التوبة

هذه السورة الكريمة من أواخر مانزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما لم يبسمل فى أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة فى أولها فى المصحف الامام بل أقتدوا فى ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عقان رضى الله عنه ، عن أبن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم أن عمدتم الى الأنفال وهى من المثانى والى براءة وهى من المئين وقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر " بسم الله الرحمن الرحيم " ووضعمتوها فى السبع الطول ما حملكم على ذلك فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتى عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان اذا نزل عليه الشىء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هذه الآية فى السور التى يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وخشيت أنها منها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينلنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها فى السبع الطول .

برآءَة من ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١ فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِي ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢

" بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ " أول هذه السورة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم وبعث أبا بكر الصديق رضى الله عنه أميرا الى الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا وأن ينادى فى الناس"بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِه" فلما قفل أتبعه بعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ليكون مبلغا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عصبة له ومعناها هذه براءة أى تبرؤ من الله ومن رسوله ، "ٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُر وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِي ٱلۡكَٰفِرِينَ " اختلف المفسرون ههنا اختلافا كثيرا فقال قائلون هذه الآية لذوى العهود المطاقة غير المؤقتة أو من له عهد دون أربعة أشهر فيكمل له أربعة أشهر فأما من كان له عهد مؤقت فأجله الى مدته مهما كان لقوله تعالى " فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم " ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى اله عليه وسلم فعهده الى مدته ، وعن أبن عباس قال حد الله للذين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشهر يسيحون فى الأرض حيث شاءوا  وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر الى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبليه اذا أنسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا فى الاسلام وأمر بمن كان له عهد اذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر الى عشرين خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضا حتى يددخبوا فى الاسلام ، وقال محمد بن كعب القرظى وغيره بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسعوبعث على بن أبى طالب بثلاثين آية أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون فى الأرض فقرأها عليهم يوم عرفة أجلهم عشرين من ذى الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر وقرأها عليهم فى منازلهم وقال : " لايحجن بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان " ، وعن مجاهد قال " بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ "الى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد أو غيرهم فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ فأراد الحج ثم قال : " انما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك " فأرسل أبا بكر وعليا رضى الله عنهما فطافا بالناس فى ذى المجاز وبأمكنتهم التى كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر فهى الأشهر المتواليات عشرون من ذى الحجةالى عشر يخلون من ربيع الآخر ثم لا عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال الا أن يؤمنوا .   

وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيم٣

" وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ  " يقول الله تعال واعلام من الله ورسوله وانذار الى الناس يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر الذى هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكبرهل جميعا أن الله ورسوله برىء من المشركين ، " فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ  " أى فان تبتم مما أنتم فيه من الشرك والضلال فذلك سيكون خيرا لكم ، " وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ " واذا استمررتم على ما أنتم عليه من الشرك فاعلموا أنكم غير معجزين لله بل هو قادر عليكم وأنتم فى قبضته وتحت قهره ومشيئته ، "ۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيم " بشرهم فى الدنيا بالخزى والنكال وفى الآخرة بالمقامع ةالأغلال ، وعن أبى هريرة قال :" بعثنى أبو بكر رضى الله عنه فى تلك الحجة فى المؤذنين الذين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان " ، وقال حميد ثم أردف النبى صلبى الله عليه وسلم بعلى بن أبى طالب فأمره أن يؤذن ببراءة ، قال أبو هريرة فأذن معنا على فى أهل منى يوم النحر ببراءة وأن لا يحج بعد هذا العاممشرك ولا يطوف بالبيت عريان "فلم يحج عام حجة الوداع الذى حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك ، وعن أبن عمر قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند الجمرات فى حجة الوداع فقال " هذا يوم الحج الأكبر " ، وقال مجاهد يوم الحج الأكبر أيام الحج كلها .   

ٔ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗ ا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ٤

" إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗ ا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ " هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر لمن له عهد مطلق ليس بمؤقت فأجله أربعة أشهر يسيح فى الأرض يذهب فيها لينجو بنفسه حيث يشاء الا من له عهد مؤقت فأجله الى مدته المضروبة التى عوهد عليها ، ومن كان له عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهده الى مدته وذلك بشرط أن لا ينقض المعاهد عهده ولم يظاهر على المسلمين أحدا أى يمالىء عليهم من سواهم فهذا الذى يوفى له بذمته وعهده الى مدته ولهذا حرض تعالى على الوفاء بذلك فقال  "إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ " أى الموفين بعدهم .

فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥

" فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَد" أختلف المفسرون فى المراد بالأشهر الحرم ههنا فذهب أبن جرير الى أنها المذكورة فى قوله تعالى  " منا أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " ، وقال أبن جرير آخر الأشهر الحرم فى حقهم المحرم ، وقال مجاهد وغيره المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها فى قوله " فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُر"، " فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ " اذا انقضت الأشهر الأربعة التى حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتوهم من الأرض  فاقتلوهم لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ثم ان الأشهر الأربعة سيأتى بيان حكمها فى آية أخرى فى هذه السورة الكريمة ، " وَخُذُوهُم" أى وأسروهم ان شئتم قتلا وان شئتم أسرا ، " ۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَد " لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم بل أقصدوهم بالحصار فى معاقلهم وحصونهم والرصد فى طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم الى القتل أو الاسلام ، " فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم " حرمت الآية قتالهم بشرط هذه الأفعال من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة واقامة شعائر الدين كله ، ولهذا اعتمد الصديق رضى الله عنه فى قتال ما نعى الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهى الدخول فى الاسلام والقيا بأداء واجباته ونبه بأعلاها على أدناها فان أشرف أركان الاسلام بعد الشهادتين الصلاة التى هى حق الله عز وجل وبعدها أداء الزكاة التى هى نفع متعد الى الفقراء والمحاويج وهى أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ، ولهذا كثيرا ما يقرن بين الصلاة والزكاة ، وقد جاء فى الصحيحينعن أبن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة " ، وعن عبد الله بن مسعود قال : أمرتم باقام الصلاة وايتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له " ، ، وعن أنس أن رسول الله قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله ، وأن محمدا رسول الله : فان شهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا ، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم الا بحقها : لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم " ، وهذه الآية الكريمة هى آية السيف التى قال عنها الضحاك بن مزاحم أنها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة ، وقال أبن عباس لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة ، ، اختلف المفسرون فى آية السيف هذه فقال الضحاك والسدى هى منسوخة بقوله تعالى " فاما منا بعد واما فداء " وقال قتادة بالعكس .

وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ ٦

" وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ" يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ان أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم استأمنك فأجبه الى طلبته حتى يسمع كلام الله أى القرآن تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من أمر الدين تقيم به عليه حجة الله وهو آمن مستنر ألمان حتى يرجع الى بلاده وداره ومأمنه وقال الله انما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وما أنزل عليك فهو آمن حتى يأتيك فتسمعه كلام الله وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء ، ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى الأمان لمن جاءه مسترشدا أو فى رسالة ، كما جاء يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة بن مسعود ومكرز بن حفص وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدا بعد واحد يترددون فى القضية بينه وبين المشركين فرأوا من اعظام المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر فرجعوا الى قومهم وأخبروهم بذلك وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم ، ولهذا أيضا لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " أتشهد أن مسيلمة رسول الله ؟ " قال : " نعم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقك " وقد قيض الله ضرب العنق فى امارة أبن مسعود على الكوفة ، وكان يقال له أبن النواحة ظهر عنه فى زمان أبن مسعود أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة فأرسل اليه أبن مسعود فقال له انك الآن لست فى رسالة وأمر به فضربت عنقه ، والغرض أن من قدم من دار حرب الى دار السلام فى أداء رسالة أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب وطلب من الامام أو نائبه أمانا أعطى ما دام مترددا فى دار الاسلام وحتى يرجع الى مأمنه ووطنه ، لكن قال العلماء لا يجوز أن يمكن من الاقامة فى دار الاسلام سنة ، ويجوز أن يمكن من اقامة أربعة أشهر ، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولان عن الامام الشافعى وغيره .   

كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ٧

" كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ"ۦ " يبين تعالى حكمته فى البراءة من المشركين ونظرته اياهم أربعة أشهر ثم بعد ذلك السيف المرهف أين ثقفوا والمعنى كيف يكون للمشركين أمان ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون بالله كافرون به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، " ٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَام"ويستثنى من ذلك الذين تم معاهدتهم يوم الحديبية ، "ۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ "فاستمروا فى عهدكم لهم طالما تمسكوا بما عاهدتموهم عليه من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين ،  والله يحب من اتقاه واتبع سبيل ما أمر به من طاعته ،وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ذلك ، استمر العقد والهدنة مع أهل مكة من ذى القعدة فى سنة ست الى أن نقضت قريش العهد ومالؤا حلفاءهم وهم بنو بكر على خزاعة أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوهم معهم فى الحرم أيضا فعند ذلك غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان سنة ثمان ففتح الله عليه البلد الحرام ومكنه من نواصيهم فأطلق من أسلم منهم بعد القهر والغلبة عليهم فسموا الطلقاء وكانوا قريبا من ألفين ومن استمر على كفره وفر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث اليه بالأمان والتسيير فى الأرض أربعة أشهر يذهب حيث شاء ومنهم صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وغيرهما ، ثم هداهم الله بعد ذلك الى الاسلام التام .    ِ

 كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ ٨

" كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُون" يقول الله تعالى محرضا للمؤمنين على معاداتهم والتبرى منهم ومبينا أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عَهد لشركهم بالله تعالى وكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنهم لوظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم لم يبقوا ولم يذروا ولا راقبوا فيهم الا ولا ذمة ، قال أبن عباس الآل القرابة والذمة العهد ، وفى رواية لا يرقبون الله ولا غيره ، ينافقون المسلمين يقولون لهم غير ما يبطنون يقولون ما ليس فى قلوبهم من الكفر والفسق فاكثرهم كافر فاسق لا يظهر ذلك .

ٔ ٱشۡتَرَوۡاْ بِ َايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلٗا فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩ لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ ١٠ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ١١

" ٱشۡتَرَوۡاْ بِ َايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلٗا" يقول الله ذما للمشركين وحثا للمؤمنين على قتالهم أنهم أعتاضوا عن اتباع آيات الله بما ألتهوا به من أمور النيا الخسيسة ، " فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِۦ"منعوا المؤمنين من اتباع الحق ، " إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " يذم الله ما يفعل المشركون من سوء عمل من والتلهى بالدنيا عن اتباع آيات الله وصد عن سبيل الله أى منع المؤمنين من اتباع الحق ، " لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ " وهم لا يراعون الله فهم لو ظهروا على المسلمين لم يبقوا ولم يذروا ولا راعوا فى المؤمنين قرابة ولا عهد وهم معتدون جائرون اذا حانت لهم فرصة ، " فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ" فان خلعوا الأوثان وعبادتها ودخلوا فى الاسلام وقاموا بأداء واجباته ونبه بأعلاها على أدناها فان أشرف أركان الاسلام بعد الشهادتين الصلاة التى هى حق الله عز وجل وبعدها أداء الزكاة التى هى نفع الى الفقراء والمحاويج وهى أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ،ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة فهم قد اتبعوا الاسلام وأصبحوا أخوة لكم فى العقيدة ، ، وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فارق الدنيا على الاخلاص لله وعبادته لا يشرك بهوأقام الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض " ، " وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡم يَعۡلَمُونَ" يقول الله تعالى ونوضح الأيات ونبينها لمن لهم علم بها ويؤمنون بالله .  

وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ ١٢

" وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ" وان نكث هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة أى تراجعوا فى عهودهم ومواثيقهم وعابوا وانتقصوا من دينكم ومن ههنا أخذ قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أومن طعن فى دين الاسلام أو ذكره بنقص  فقاتلوهم على كفرهم وقال قتادة وغيره أئمة الكفر كأبى جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف والأية عامة وان كان سبب نزولها مشركى قريش فهى عامة لهم ولغيرهم قاتلوهم حتى يرجعوا عما هم فيه من الكفر والضلال والعناد.

أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣ قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ ١٤ وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ١٥

" أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ " هذا تهييج وتخصيص واغراء عل قتال المشركين الناكثين بأيمانهم الذين هموا باخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة ، " وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍ" قيل المراد بذلك يوم بدرحين خرجوا لنصرغيرهم فلما نجت وعلموا بذلك استمروا على وجههم طلبا للقتال بغيا وتكبرا ، وقيل المراد نقضهم العهد وقتالهم مع حلفائهم بنى بكر لخزاعة أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سار اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، " أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ " يقول تعالى لا تخشوهم واخشون ان كنتم مؤمنين حقا فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتى وعقوبتى فبيدى الأمر وما شئت كان وما لم أشأ لم يكن ، " قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ " يأمر الله عباده المؤمنين بقتال المشركين الكفار عزيمة على المؤمنين فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على اهلاك الأعداء بأمر من عنده وهذا عام فى المؤمنين كلهم  قتال المشركين تعذيب لهم فى الدنيا بانهاء حياتهم فهى متعتهم على يد المؤمنين ويكون ذلك خزى لهم بالهزيمة والنصر للمؤمنين من عند الله ، قال مجاهد وعكرمة والسدى فى " وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ " يعنى خزاعة حلفاء النبى صلى الله عليه وسلم ، " وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ  " هذا يعود على خزاعة أيضا يذهب عنهم الغيظ الذى لحق بهم من اعتدا بكر عليهم ، " وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ " والله يتوب على من يشاء من عباده ،"ۗوَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " والله عليم بما يصلح عباده وحكيم فى أفعاله وأقواله الكونية والشرعية فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو العادل الحاكم الذى لا يجور أبدا ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر بل يجازى عليه فى الدنيا والآخرة .

 أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٦

" أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ " يقول تعالى أم حسبتم أيها المؤمنون أن نترككم مهملين لا نختبركم بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب والوليجة هى البطانة والدخيلة ، والحاصل أنه تعالى لما شرع لعباده الجهاد بين أن له فيه حكمة وهو اختبار عبيده من يطيعه ممن يعصيه وهو تعالى العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون فيعلم الشىء قبل كونه ومع كونه على ما هو عليه لا اله الاهو ولارب سواه ولا راد لما قدره وأمضاه ، والمعنى أيها المؤمنون لا تظنون أنكم تتركوا دون أختبار ليعلم الله من يجاهدون فى سبيله الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر والمؤمنين الذين الذين هم حزب الله وبطانته ولايمكن أن يكون لهم بطانة من غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا المؤمنين ، " وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ " والله خبير عليم بأفعال العباد وأعمالهم يعلم المصلح من المفسد والمؤمن من الكافر .

 مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ١٧ إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ ١٨ ۞

" مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ " يقول تعالى ما ينبغى للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التى بنيت على اسمه وحده لا شريك له وهم يشهدون لأنفسه أى بحالهم بالكفر ، وقال السدى لو سألت النصرانى ما دينك ؟ لقال نصرانى ، ولو سألت اليهودى ما دينك لقال يهودى ، والصابئى لقال صابئى ، والمشرك لقال مشرك فكل يشهد بما هو عليه ، " أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ  " حبطت أى فشلت وبارت أعمالهم بشركهم ، " وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ" سيجازيهم الله نتيجة شركهم أنهم ستكون النار مثواهم خالدين فيها مخلدون لا يخرجون منها أبدا كما قال تعالى " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه ان أولياؤه الا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون " ، " إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ " شهد الله بالايمان لعمار المساجد ، وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالايمان " قال تعالى " إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ " ، وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انما عمار المساجد هم أهل الله " وعن أنس مرفوعا " اذا أراد الله بفوم عاهة نظر الى أهل المساجد فصرف عنهم " وعن معاذ بن جبل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ان الشيطان ذئب الانسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية فاياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد " ، " وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ " أقام أى استمر فى أداء الصلاة التى هى أكبر عبادات البدن ، "  وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ " يؤدى الزكاة الى مصارفها الشرعية والتى هى أفضل الأعمال المتعدية الى بر الخلائق ، " وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ" ولم يخف الا من الله تعالى ولم يخش سواه وقال أبن عباس لم يعبد الا الله ، " فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ "يقول تعالى ان أولئك هم المفلحون المهتدون كقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " .

أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٩ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٢٠ يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ ٢١ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ٢٢

" أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ " قال أبن  عباس فى تفسيره هذه الآية ان المشركين قالوا عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره فذكر الله استكبارهم واعراضهم فقال لأهل الحرم من المشركين " قد كانت آياتى تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون " يعنى أنهم كانوا يستكبرو بالحرم ، " به سامرا " أى كانوا يسمرون ويهجرون القرآن والنبى صلى الله عليه وسلم فخير الله الايمان والجهاد مع النبى صلى الله عليه وسلم على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به ، وان كانوا يعمرون بيته ويحرمون به ،" لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ " الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسكماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا ، قال أبن عباس أنزلت فى العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال لأن كنتم سبقتمونا بالاسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى ونفك العانى يعنى أن ذلك كله كان فى الشرك ولا أقبل ما كان فى الشرك ، وقال الضحاك بن مزاحم أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك فقال العباس : " أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العانى ونحجب البيت ونسقى الحاج فأنزل الله الآية ، ويقول محمد بن كعب القرظى افتخر طلحة بن شيبة من بنى عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب فقال طلحة : أنا صاحب البيت معى مفتاحه ولو أشاء بت فيه " ، وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت فى المسجد " ، فقال على رضى الله عنه : ما أدرى ما تقولان لقد صليت الى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله الآية ، وفى رواية أخرى عن النعمان بن بشير الأنصارى قال : كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من أصحابه فقال رجل منهم : ما أبالى أن لا أعمل لله عملا بعد الاسلام الا أن أسقى الحاج ، وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام ، وقال آخر : بل الجهاد فى سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن اذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله عز وجل الآية " رواه مسلم فى صحيحه وأبو داود وأبن جرير ، " ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٢٠ يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ ٢١ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ" يؤكد الله أفضلية من آمن به وهاجر وجاهد فى سبيله بالأموال والأنفس فأولئك أعظم درجة عند الله وهم الفائزون برضوانه وبالجنة ويبشرهم الله برحمته الواسعة ونعيمه الكبير الدائم فى الجنة خالدين فيها مخلدين وهو العادل الذى لايضيع أجر من أحسن عملا وسيكون جزاءهم وأجرهم من الله عظيم .

 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٢٣ قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ٢٤

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ" أمر الله تعالى المؤمنين بمباينة الكفار به وان كانوا آباء أو أبناء ، ونهى عن موالاتهم ان استحبوا أى اختاروا الكفر على الايمان وتوعد على ذلك كقوله " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار "، " قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ " أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد فى سبيله وأموال اكتسبها وحصلها وتجارة يخشى أن تكسد نتيجة عدم تركها والاشتغال بها طوال الوقت عن سبيل الله والسكون الى  مساكن يحبها لطيبها وحسنها مفضلها عن سبيل الله ورسوله والجهاد فى سبيل الله فلينتظر ماذا يحل به من عقاب الله ونكاله به والله لايهدى من فسق وخرج عن سبيله ، وعن زهرة بن معبد عنةجده قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال : " والله يا رسول الله لأنت أحب الى من كل شىء الا من نفسى " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه " فقال عمر : " فأنت الآن والله أحب الى من نفسى " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الآن يا عمر " ، وعن أبن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ط اذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم " .

 لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ ٢٥ ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٦ ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٢٧

كانت وقعة حنين بعد فتحمكة فى شوال سنة ثملن من الهجرة وذلك لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة وتمهدت أمورها وأسلم عامة أهلها وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه أن هوازن جمعوا له ليقاتلوه وأن أميرهم مالك بن عوف النضرى ومعه ثقيف بكمالها وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وأوزاع من بنى هلال وهم قليل وناس من بنى عمرو بن عامر وعون بن عامر وقد أقبلوا ومعهم النساء والولدان والشلء والنعم وجاءوا بقضهم وقضيضهم فخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جيشه الذى جاء معه للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب ومعه الذين أسلموا من أهل مكة وهم الطلقاء فى ألفين فسار بهم الى العدو فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له حنين فكانت فيه الوقعة فى أول النهار فى غلس الصبح انحدروا فى الوادى وقد كمنت فيه هوازن فلما توجهوا لم يشعر المسلمون الا بهم قد بادروهم ورشقوا بالنبال وأصلتوا السيوف وحملوا حملة رجل واحد كما أمرهم ملكهم فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين كما قال عز وجل ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها نحو العدو  ، والعباس عمه آخذ بركابها الأيمن وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر يثقلانها لئلا تسرع السير وهو ينوه بأسمه صلى الله عليه وسلم ويدعو المسلمين الى الرجعة ويقول " الى يا عباد الله الى أنا رسول الله " ويقول فى تلك الحال " أنا النبى لا كذب * أنا أبن عبد المطلب " وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ومنهم من قال ثمانون فمنهم أبو بكر وعمر والعباس وعلى والفضل بن عباس ةأبو سفيان بن الحارث وأيمن بن أم أيمن وأسامة بنزيد وغيرهم رضى الله عنهم ثم أمر عمه العباس كان جهير الصوت أن ينادى بأعلا صوته يا أصحاب الشجرة يعنى شجرة بيعة الرضوان التى بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها على أن لا يفروا عنه فجعل ينادى بهم يا أصحاب السمرة ، ويقول تارة يا أصحاب سورة البقرة ، فجعلوا يقولون يا لبيك يا لبيك ، وانعطف الناس فتراجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اجتمعت شرذمة منهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصدقوا الحملة وأخذ قبضة من التراب بعد ما دعا ربه واستنصره وقال " اللهم أنجز لى ما وعدتنى " ثم رمى القوم بها فما بقى انسان منهم الا أصابر منها فى عينيه وفمه ما شغله عن القتال ثم انهزموا فاتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون  ويأسرون وما نراجع بقية الناسالا والأسرى مجندلة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال تعالى " لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيئا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ " قال أبن جريج عن مجاهد هذه أول آية نزلت من براءة يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم واحسانه لديهم فى نصره اياهم فى مواطن كثيرة من غزولتهم مع رسوله ، وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره لا بعددهم ولا بعددهم ونبههم على أن النصر من عنده سواء قل الجمع أو كثر فان يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا فولوا مدبرين " ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ " الا القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده وبامداده وان قل الجمع فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين ،  " ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " أنزل الله طمأنينته وثباته على رسوله والذين معه من المؤمنين ، " وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا " وهم الملائكة ، قال أبن  مسعود رضى الله عنه كنت مع رسول الله صلى الله عليه سلم يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه فى ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار قدمنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء يمضى قدما فحادت بغلته فمال عن السرج فقلت : ارتفع رفعك الله قال " ناولنى كفا من التراب " فناولته فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا قال : أين المهاجرون والأنصار ؟ قلت : هم هناك قال : اهتف بهم " فهتفت فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب وولى المشركون أدبارهم " ، " ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم " قد تاب الله على بقية هوازن فأسلموا وقدموا عليه مسلمين ولحقوه وقد قارب مكة عند الجعرانة وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وبين أموالهم فاختاروا سبيهم وكانوا ستة آلاف أسيرا ما بين صبى وامرأة فرده عليهم وقسم الأموال بين الغانمين ونفل أناسا من الطلقاء ليتألف قلوبهم على للاسلام فأعطاهم مائة من الأبل .     

 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٢٨ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ ٢٩

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَا " أمر الله عباده المؤمنين الطاهرين دينا وذاتا بنفى المشركين الذين هم نجس دينا عن المسجد الحرام وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية وكان نزولها فى سنة تسع ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا صحبة أبى بكر رضى الله عنهما وأمره أن ينادى فى المشركين أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فأتم الله ذلك وحكم به شرعا وقدرا ، قال عطاء الحرم كله مسجد لقوله تعالى " فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَا " ودلت هذه الآية على نجاسة المشرك كما ورد فى الصحيح " المؤمن لا ينجس " ، ,اما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب وذهب بعض الظاهرية الى نجاسة أبدانهم وقال أشعث عن الحسن من صافحهم فليتوضأ ، " وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيم " قال محمد بن اسحاق وذلك أن الناس قالوا لتقطعن عنا الأسواق ولتهلكن التجارة وليذهبن عنا ما كنا نصيب فيها من المرافق فأنزل الله الآية وأنه يرزقهم من وجه غير ذلك بمشيئته فهو العليم بأحوالكم وبما يصلحكم والحكيم فيما يقرربه ويمضيه ويأمر به وينهى عنه لأنه الكامل فى أفعاله وأقواله العادل فى خلقه وأمره تبارك وتعالى عوضهم الله عن تلك المكاسب بأموال الجزية الت يأخذونها من أهل الذمة ، " قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَايُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ "لما كفر الذين أوتوا الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم فهم فى نفس الأمر لم يبق لهم ايمان صحيح بأحد الرسل ولا بما جاءوا به وانما يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه لا لأنه شرع الله ودينه لأنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم ايمانا صحيحا لقادهم ذلك الى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأن جميع الأنبياء بشروا به وأمروا باتباعه فلما جاء كفروا به وهو أشرف الرسل علم أنهم ليسوا متمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنه من الله بل لحظوظهم وأهوائهم فلهذا لا ينفعهم ايمانهم ببقية الأنبياء وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ، ولهذا أمر بقتالهم وهذه الآية أول الأمر بقتال أهل الكتاب ،  بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس فى دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك فى سنة تسع ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس الى ذلك وأظهره لهم وبعث الى أحياء العرب حول المدينة فندبهم فأوعبوا معه واجتمع من المقاتلة نحومن ثلاثين ألفا وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم وكان ذلك فى عام جدب ووقت قيظ وحر وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها وأقام بها قريبا من عشرين يوما ثم استخار الله فى الرجوع فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف الناس ، وقد استدل بهذه الآية من يرى أنه لا تؤخذ الجزية الا من أهل الكتاب أو من أشبههم كالمجوس كما صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وهذا مذهب الشافعى وأحمد وقال أبو حنيفة بل تؤخذ من جميع الأعاجم سواء من أهل الكتاب أو من المشركين ولا تؤخذ من العرب الا من أهل الكتاب ، وقال الامام مالك بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابى ومجوسى ووثنى وغير ذلك ، " حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَد وَهُمۡ صَٰغِرُونَ " أى ان لم يسلموا يعطوا الجزية عن قهر لهم وغلبة وهم ذليلون حقيرون مهانون .   

وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِ ُونَ ٔ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٣٠ ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا ٔ يُشۡرِكُونَ٣١

" وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ " هذا اغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال الكفار من اليهود والنصارى لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة والفرية على الله تعالى فأما اليهود فقالوا فى العزير انه ابن الله وأما ضلال النصارى فى المسيح فظاهر ولهذا كذب الله سبحانه الطائفتين فقال  " ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ" أى لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلافهم " يضاهؤن " أى يشابهون ،" قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ " قول الذين من قبلهم من الأمم ضلوا كما ضلوا ،" قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ" قال أبن عباس لعنهم الله ، " أَنَّىٰ يُؤۡفَكُون"َأى كيف يضلون عن الحق وهو ظاهر ويعدلون الى الباطل ، " ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ا " أى أتبعوهم فيما حللوا وحرموا وقال السدى استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ولهذا قال تعالى  "وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗ" وما أمروا الا بعبادة الله وحده لاشريك له الذى حرم الشىء فهو الحرام وما حلله فهو الحلال وما شرعه أتبع وما حكم به نفذ ، "ۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد والأولاد لا اله الا هو ولا رب سواه .    

 يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ ُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣ ۞

" يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ ُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ " يقول تعالى يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب أن يزيلوا ويخفوا ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم فمثلهم فى ذلك كمثل من يريد أن يطفىء شعاع الشمس أو نور القمر بنفخة وهذا لا سبيل اليه فكذلك ما أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن يتم ويظهر ،
" وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُون " الكافر هو الذى يستر الشىء ويغطيه ومنه سمى الليل كافرا لأنه يستر الأشياء والزارع كافرا لأنه يغطى الحب فى الأرض كما قال " يعجب الكفار نباته " ، والله سبحانه وتعالى أتم دينه ونصره وأظهره رغم عن أنف الكافرين ، وينصر دينه فى كل زمان والحديث متجدد الى يوم القيامة ، " َ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ ۦ " فالهدى هو ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من الاخبارات الصادقة والايمان الصحيح والعلم النافع ودين الحق هو الاعمال الصالحة الصحيحة النافعة فى الدنيا والآخرة ، " لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُون " أى لينصره ويعليه على سائر الأديان كما ثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ان الله زوى لى الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منها " ، وعن تميم الدارى رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر الا أدخله هذا الدين يعز عزيزا ويذل ذليلا ، عزا يعز الله به الاسلام وذلا يذل الله به الكفر " ، فكان تميم الدارى يقول قد عرفت ذلك فى أهل بيتى لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية ، وعن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر الا دخلته كلمة الاسلام يعز عزيزا ويذل ذليلا اما يعزهم فيجعلهم من أهلها واما يذلهم فيدينون لها " ، عن عدى بن حاتم قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عدى أسلم تسلم " فقلت : انى من أهل دين " قال : " أنا أعلم بدينك منك " فقلت : أنت أعلم بدينى منى ؟ " قال : " نعم ألست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك ؟ " قلت : بلى! قال : " فان هذا لا يحل لك فى دينك " قال : فلم يعد أن قالها فتواضعت لها " قال : " أما انى أعلم ما الذى يمنعك من الاسلام ، تقول انما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب ، أتعرف 
الحيرة ؟" قلت : لم أرها وقد سمعت بها " قال : " فو الذى نفسى بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ولتفتحن كنوز كسرى ابن هرمز " قلت : كسرى بن هرمز ؟ " قال : " نعم كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد " قال عدى : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذى نفسى بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها " ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " فقلت : يا رسول الله ان كنت لأظن حين أنزل الله عز وجل " هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " أن ذلك تام " قال : "انه سيكون من ذلك ما شاء الله عز وجل ، ثم يبعث الله ريحا طيبة فيتوفى كل من كان فى قلبه مثقال حبة خردل من ايمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون الى دين آبائهم " ، هذه الأحاديث من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما قد تحقق ومنها سيأتى يوم ويتحقق وبخاصة حديث السيدة عائشة رضى الله عنها .   

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٤ يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ ٣٥

"ٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ "قال السدى الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى وهو كما قال الأحبار عم علماء اليهود كما قال تعالى " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت " ، والرهبان عباد النصارى والقسيسون علماؤهم كما قال تعالى " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا " والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال كما قال سفيان بن عيينه : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى ، وفى الحديث الصحيح " لتركبن سنن من كان من قبلكم حذو القذة بالقذة " قالوا : اليهود والنصارى ؟ " قال : فمن " وفى رواية فارس والروم ؟ " قال : " فمن الناس الا هؤلاء ؟ " ، والحاصل التحذير من التشبه بهم فى أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ولهذا قال تعالى مؤكدا " لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ " وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم فى الناس يأكلون أموالهم بذلك كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجىء اليهم فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات فأطفأها الله بنور النبوة وسلبها اياهم وعوضهم الذل والصغار وباؤا بغضب منالله تعالى ،  " وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ " وهم مع أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع الحق ويلبسون الحق بالباطل ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون الى الخير وليسوا كما يزعمون بل هم دعاة الى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، " وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيم " هؤلاء القسم الثالث من رؤوس الناس الذين يكنزون وأما الكنز فقال أبن عمرهو المال الذى لا تؤدى زكاته وقال ما أدى زكاته فليس بكنز وان كان تحت سبع أرضين وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته فهو كنز ، وقال عمر بن الخطاب أيما مال أديتزكاته فليس بكنز وان كان مدفونا فى الارض ،وأيما مال لا تؤدى زكاته فهوكنز يكوى به صاحبه وان كان على وجه الأرض ، وقال عبد الله بن عمر هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله طهرة للأموال بسخها قوله " خذ من أموالهم صدقة " ، عن ثوبان قال : لما نزل فى الذهب والفضة ما نزل قالوا فأى المال نتخذ ؟ قال عمر فأنا أعلم لكم ذلك فأوضع على بعير فأدركه وأنا فى أثره فقال : يارسول الله أى المال نتخذ ؟ " قال : " قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين أحدكم على أمر الآخرة " ينهى الله عن الكنزوعدم الانفاق فى سبيل الله فى المصارف الشرعية ويتوعد من يفعل ذلك بعذاب أليم فى الآخرة  ، " يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ " ، يفصل الله العذاب الذى يطال من يكنزون لما كانت هذه الأموال أعز الأموال على أربابها كانت أضر الأشياء عليهم فى الدار الآخرة فيحمى عليها فى نار جهنم وناهيك بحرها فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، وعن أبى هريرة قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله الا جعل له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى   النار ".  

 إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٣٦

" إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُم "عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السموات والأرض ، وان عدة السهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات - ذو القعدة وذو الحجة والمحرم - ورجب مضر الذى بين جمادى وشهبان " وعن ابن عمر قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع بمنى فى أوسط أيام التشريق فقال : " أيها الناس ان الزمان قد استدار فهو اليوم كهيأته يوم خلق الله السموات والأرض ، وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم " ، ، كانت الأشهر المحرمة أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد ، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل أشهر الحج شهرا وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذى الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداء المناسك وحرم بعده شهرا آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه الى أقصى بلادهم آمنين ، وحرم رجب فى وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم اليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود الى وطنه فيه آمنا ، " ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ " هذا هو الشرع المستقيم من امتثال أمر الله فيما جعل من الأشهر الحرم والحذو بها على ما سبق من كتاب الله الأول قال تعلى " فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡ" أى فى هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ فى الاثم من غيرها كما أن المعاصى فى البلد الحرام تضاعف لقوله تعالى " ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ، ولهذا تغلظ فيه الدية فى مذهب الشافعى وطائفة كثيرة من العلماء ، وكذا فىحق من قتل فى الحرم أو قتل ذا محرم ، وقال أبن عباس " فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ"ۚ قال فى الشهور كلها ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم ، وقال قتادة ان الظلم فى الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها ، وان كان الظلم على كل حال عظيما ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء ، فانما تعظيم الأمور ما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل ، " وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ َ" كما يجتمعون لحربكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم اذا حاربتموهم وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ، ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال المشركين فى الشهر الحرام اذا كانت البداءة منهم كما قال تعالى " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " وقال تعلى " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم " ،وهكذا الجواب عن حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف واستصحابه الحصار الى أن دخل الشهر الحرام فانه من تتمة قتال هوازن وأحلافها من ثقيف فانهم هم الذين ابتدءوا القتال وجمعوا الرجال ودعوا الى الحرب والنزال فعندها قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  فلما تحصنوا بالطائف وذهب اليهم ليبزلهم من حصونهم فنالوا من المسلمين وقتلوا جماعة ، واستمر الحصار بالمناجيق وغيرها قريبا من أربعين يوما ، وكا ابتداؤه فى شهر حلال ، ودخل الشهر الحرام فاستمر فيه أياما ثم قفا عنهم لأنه يغتفر فى الدوام ما لا يغتفر فى الابتداء ،  "وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِين" ويخبر الله أنه معه الذين يتقونه بتأييده لهم ونصرهم وثوابه الجزيل لهم على تقواه فيما يفعلون من تحريم وتحليل .    

 إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُۥ عَامٗا وَيُحَرِّمُونَهُۥ عَامٗ لِّيُوَاطِٔا ُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ٣٧

" إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِۖۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ " هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم فى شرع الله بآرائهم الفاسدة وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة وتحليلهم ما حرم الله وتحريمهم ما أحل الله ، فانهم كان فيهم من القوة الغضبية والشهامية والحمية ما استطالوا به مدة الأشهر الثلاثة فى التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم فكانوا قد أحدثوا قبل الاسلام بمدة تحليل المحرم فأنسأوه أى فأخروه  الى صفر فيحلون الشهر الحرام ويحرمون الشهر الحلال ليواطؤا أى ليستكملوا عدة ما حرم الله الأشهر الأربعة ، ٱلنَّسِيٓءُ ِ" يُحِلُّونَهُۥ عَامٗا وَيُحَرِّمُونَهُۥ عَام "  يتركون المحرم عاما وعاما يحرمونه ، " لِّيُوَاطِ واْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّه" ليكملوا الأشهر الأُربعة يحلوا ما حرم الله بتأخير شهر المحرم ينسئونه الى صفر أى يؤخرونه  وتقديم صفر وعن مجاهد قال كان رجل من بنى كنانة يأتى كل عام الى الموسم على حمار له فيقول : أيها الناس انى لا أعاب ولا أجاب ولا مرد لما أقول انا قد حرمنا المحرم وأخرنا صفر ، ثم يجىء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ويقول انا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم  " ، وقال محمد بن اسحاق فى كتاب السيرة : كان أول من نسأ الشهور على العرب فأحل منها ما حرم الله وحرم منها ما أحل الله عز وجل القلمس وهو حذيفة بن عبد فقيم بن عدى بن عامر بن ثعلبة ثم قام بعده عل ذلك ابنه عباد واستمر فيهم الأمر وكان آخرهم أبو ثمامة جنادة بن عوف وعليه قام الاسلام فكانت العرب اذا فرغت من حجها اجتمعت اليه فقام فيهم خطيبا فحرم رجبا وذا القعدة وذا الحجة ويحل المحرم عاما ويجعل مكانه صفر ويحرمه عامل ليواطىء عدة ما حرم الله فيحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله ، " زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَٰلِهِمۡۗ " عملهم السىء هذا حسن عندهم وأحلوه ، " وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ" هؤلاء القوم الكافرين الذين يحلون ويحرمون بأهوائهم محرومون من هداية الله جزاء أعمالهم وكفرهم ويدخلون جهنم .  

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ٣٨ إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ٔٗاۗ وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيئاۡ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ٣٩

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ " هذا شروع فى عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك فيقول ما لكم اذا دعيتم الى الجهاد فى سبيل الله تكاسلتم وملتم الى المقام فى الدعة والخفض وطيب الثمار ، " أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰة ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ "ِ هل فعلتم هذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ، " فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ" زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فهذه الحياة الدنيا زائلة قصيرة ومتعتها قليلة لا تقاس بما أعده الله فى ألاخرة من نعيد دائم فى الجنة ، فعن المستورد أخى بنى فهر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما الدنيا فى الآخرة الا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه فى اليم فلينظر بم يرجع ؟ " وأشار بالسبابة ،" إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيما " توعد الله من ترك الجهاد بعذاب أليم ، قال أبن عباس استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم أليم ، " وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ" يستبدلكم الله بآخرين لنصرة نبيه واقامة دينه كما قال تعالى " وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " ، "وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡئا" لاتضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد ونكولكم وتثاقلكم عنه ، "وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير " والله قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم ، وقيل هذه الآية وقوله " انفروا خفافا وثقالا " وقوله " ما كان أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله " أنهن منسوخات بقوله تعال " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة " ، وقال أبن جرير انما هذا فيمن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الجهاد فتعين عليهم ذلك فلو تركوه لعوقبوا عليه .       

 إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٤٠

" إِلَّا تَنصُرُوه فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ ُ " الا تنصروا رسول الله فان الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره ، " إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُول لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاُۖ "أى عام الهجرة لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربا صحبه صديقه وصديقه وصاحبه أبى بكر الصديق رضى الله عنه فلجأ الى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا فى آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة فجعل أبو بكر رضى الله عنه يجزع أن يطلع عليهم فيخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أذى فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يسكنه ويثبته ويقول : " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ، وعن أنس أن أبا بكرحدثه قال : " قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ونحن فى الغار لو أن أحدهم نظر الى قدميه لأبصرنا تحت قدميه " فقال : " يا أبا بكر ما ظنك بأثنين الله ثالثهما " ، " فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ " فأنزل الله تأييده ونصره عليه أى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل على أبى بكر وقال أبن عباس لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تزل معه سكينة وهذا لا ينافى تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ولهذا قال " وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا " أيده الله بالملائكة ، " وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ "قال أبن عباس يعنى بكلمة الذين كفروا الشرك وكلمة الله هى لا اله الا الله ، وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أى ذلك فى سبيل الله ؟ " فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " ، " وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " والله عزيز فى انتقامه وانتصاره منيع الجناب لا يضام من لاذ ببابه ، واحتمى بالتمسك بخطابه حكيم فى أقواله وأفعاله .

ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٤١

"  ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالا "قال سفيان الثورى عن أبيه عن أبى الضحى مسلم بن صبيح هذه الآية أول ما نزل من سورة براءة أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم وحتم على المؤمنين فى الخروج معه على كل حال فى المنشط والمكره والعسر واليسر ، وعن أبى طلحة قال كهولا وشبانا ما سمع الله عذر أحد ثم خرج الى الشام فقاتل حتى قتل ،وقال مجاهد شبانا وشيوخا وأغنياء ومساكين ، وقال كذلك قالوا فان فينا الثقيل وذا الحاجة والضيعة والشغل والمتيسر به أمره فأنزل الله الآية وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم ، " وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " رغب الله فى النفقة فى سبيله ةبذل النهج فى مرضاته ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا خير لكم فى الدنيا والآخرة لأنكم تغرمون فى النفقة قليلا فيغنمكم الله أموال عدوكم فى الدنيا مع ما يدخر لكم من الكرامة فى الآخرة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : " تكفل الله للمجاهد فى سبيله ان توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرده الى منزله بما نال من أجرأوغنيمة "،  ولهذا قال تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " ،   وعن أبن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله " فلولا نفر منكل فرقة منهم طائفة " ، وقال السدى لما نزلت هذه الآية أشتد على الناس فنسخها الله فقال " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله " .

 لَوۡكَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ٤٢  

يقول الله تعالى موبخا للذين تخلفوا عن النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وقعدوا بعد ما استأذنوه فى ذلك مظهرين أنهم ذوو أعذار ولم يكونوا كذلك  " لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا " لو كانت غنيمة قريبة ، "  وَسَفَرٗا قَاصِدٗا " أى سفرا قريبا ، " لَّٱتَّبَعُوكَ " لكانوا جاءوا معك لذلك ، " وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّة" أى بعدت عليهم المسافة الى الشام ، " ُ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ " سيحلفون لكم اذا رجعتم اليهم ،" ۚ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُم " لو لم يكن لنا أعذار لخرجنا معكم ، " يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ " يجلبون على أنفسهم الهلكة بكذبهم فالكذب فيه الهلكة والصدق فيه النجاة عند الله ، الهلكة التى تؤدى بصاحبها الى جهنم .ۡ

عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٤٣ لَا يَسۡتَ ذِنُكَ ٱلَّذِينَ ٔۡ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ ٤٤ إِنَّمَا يَسۡتَأذنك ٔۡ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ ٤٥ ۞ َ

" عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ " هذا نداء بالعفو قبل المعاتبة قال قتادة عاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم لاعطائه اذن فى القعود ثم أنزل فى سورة النور فرخص له فى أن يأذن لهم ان شاء فقال " فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم " ، قال مجاهد نزلت هذه الآية فى أناس قالوا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أذن لكم فاقعدوا وان لم يأذن لكم فاقعدوا ولهذا قال تعالى" حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ " حتى يتضح لك الصادقين فى ابداء الاعذار والذين هم كاذبين ، والمعنى يقول تعالى هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم فى القعود لتعلم الصادق منهم فى اظهار طاعتك من الكاذب فانهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو وان لم تأذن لهم فيه ، " لَا يَسۡتَ ذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ " أخبر الله تعالى أنه لايستأذنه أى الرسول صلى الله عليه وسلم فى القعود عن الغزو أحد يؤمن بالله ورسوله لأنهم يرون فى الجهاد قربة ولما بادرهم الله اليه بادروا وامتثلوا والله وحده هو الذى يعلم من يتقيه ، " إِنَّمَا يَسۡتَأذنك ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ " يستأذنك فى القعود ممن عذر له الذين لايرجون ثواب الله فى الدار الآخرة على أعمالهم ، " وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ" أى شكت فى صحة ما جئتهم به ،" فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِم يَتَرَدَّدُونَ ۡ" أى يتحيرون يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى وليست لهم قدم ثابتة فى شىء فهم قوم حيارى هلكى لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا .

وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ ٤٦ لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ٤٧

" وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّة " يقول تعالى لو أرادوا الخروج معك الى الغزو لكانوا تأهبوا له" وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ " أبغض الله أن يخرجوا معكم قدرا منه فأخرهمثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين  فقال " لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا " لأنهم جبناء مخذولون  وخروجهم يبث الخذى والخبال فى المؤمنين ، " وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ " ولأسرعوا السير والمشى بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة ، " وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ " وبينكم مطيعون لهم ومستجيبون لحديثهم وكلامهم يستنصحونهم وان كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدى الى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير " ، وقال مجاهد " فى ذلك أى هناك عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها اليهم ، وهذا عام فى جميع الأحول ، وقال محمد بن اسحاق كان الذين استأذنوا فيما بلغنى من ذوى الشرف منهم عبد الله بن أبى سلول والجد بن قيس وكانوا أشرافا فى قومهم فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده وكان فى جنده أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم اليه لشرفهم فيهم " وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ "، أخبر الله عن تمام علمه فقال " وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ" أخبر الله أنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ولهذا أخبرعن حالهم كيف يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا " لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا " وقال تعالى " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون"  و كما قال " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا " والآيات فى هذا كثيرة .

لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ ٤٨

" لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ " يقول الله تعالى محرضا نبيه صلى الله عليه وسلم على المنافقين لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم فى كيدك وكيد أصحابك وخذلان دينك واخماده مدة طويلة ،وذلك أول مقدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة رمته العرب عن قوس واحدة ، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها ، فلما نصره الله يوم بدر وأعلا كلمته قال عبد الله بن أبى وأصحابه هذا أمر قد توجه فدخلوا فى الاسلام ظاهرا ثم كلما أعز الله الاسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم ولهذا قال تعالى " حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ " .

وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ ٤٩

" وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ " يقول تعالى ومن المنافقين من يقول لك يا محمد ائذن لى فى القعود ولا تفتنى فى الخروج معك بسبب الجوارى من نساء الروم وهم قد سقطوا فى الفتنة بقولهم هذا ، كما قال محمد بن اسحاق عن الزهرى وغيره قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو فى جهازه للجد بن قيس أخى بنى سلمة : " هل لك يا جد العام فى جلاد بنى الأصفر ؟ " فقال : " يا رسول الله أو تأذن لى ولا تفتنى ، فو الله لقد عرف قومى ما رجل أشد عجبا بالنساء منى ، وانى أخشى ان رأيت نساء بنى الأصفر أن لا أصبر عنهن ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " قد أذنت لك " ففى الجد بن قيس نزلت الآية ، وروى عن أبن عباس ومجاهد وغيرهما أنها نزلت فى الجد بن قيس ،  وتفسير الآية ان كان انما يخشى من نساء بنى الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسع أعظم ، وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبن سلمة : " من سيدكم يا بنى سلمة ؟ " قالوا الجد بن قيس على أنا نبخله " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأى داء أدوأ من البخل ! ولكن سيدكم الفتى الجعد الأبيض بشر بن البراء بن معرور " ، " وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ" الكافرين لا محيد لهم عن جهنم ولا محيص ولا مهرب .

إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٞ يَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ ٥٠ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ٥١

" إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٞ يَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ "يعلم الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بعداوة المنافقين له لأنه اذا أصابته حسنة أى فقح ونصر وظفر على الأعداء مما يسره ويسر أصحابه ساءهم ذلك ، وان تصبه والمؤمنين مصيبة من كرب أو هزيمة يقولون قد احترزنا من متابعته من قبل هذا وينصرفوا وهم فرحون ، " قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا " فأرشد الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جوابهم فى عداوتهم هذه التامة فقال قل لهم نحن تحت مشيئة الله وقدره ، " هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ "  وهو سيدنا وملجؤنا ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل .     

 قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ٥٢ قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ ٥٣ وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ٥٤

" قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ  "يقول تعالى قل لهم يا محمد هل تنتظرون بنا الا أحدى الحسنيين شهادة أو ظفر ، " وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦ أَوۡ بِأَيۡدِينَا " ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعذاب منه يقع بكم أو بأيدينا من قتل أو سبى ، " فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ "انتظروا ما سيقع وانا مثلكم منتظرون ما يقع وما يحدث باذن الله تعالى ، " قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ"أى مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو مكرهين فلن يتقبل الله منكم لأنكم قوما فاسقين خارجين عن طاعة الله ، "وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ " يوضح الله سبب عدم قبول نفقاتهم أنهم كفروا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وانما الأعمال تصح بالايمان  ، " وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ "ليس لهم قدم صحيح ولا همة فى العمل فهم يصلون وهم كسالى ليس لهم همة ولاينفققون الا وهم مرغمون مكرهون  ، وقد أخبر الصادق المصدوقصلى الله عليه وسلم " : " أن الله لا يمل حتى تملوا وأن الله طيب لا يقبل الا طيبا " ، فلهذا لا يقبل الله من هؤلاء نفقة ولا عملا لأنه انما يتقبل من المتقين .

َۖفلا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ٥٥

" فلا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡ"يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم لا تعجبك أموال الكافرين ولا ما معهم من أولاد فى الحياة الدنيا وهذا الخطاب أيضا الى المؤمنين ، كما قال تعالى " ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى " كما قال " أ يحسبون أن ما نمدهم به منمال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون " ، " ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا " انما يريد الله أن يعذبهم بها فى الآخرة وقال قتادة هذا من المقدم والمؤخر تقديره "  وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ " قال الحسن البصرى ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه .

وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡمٞ يَفۡرَقُونَ ٥٦ۡ لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَ ًا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ ٔ أَو مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ٥٧

 " وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ " يخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن المنافقين وجزعهم وفزعهم وفرقهم وهلعهم فهم يحلفون أيمانا مؤكدة انهم من المؤمنين معهم فى نفس الأمر ولكنهم يكذبون ويلجأون الى الحلف لتصدقوهم ، " لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَ ًا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَو مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ" لو يجدون حصنا يتحصنون به وحرزا يتحرزون به أو مغارات فى الجبال أو مدخلا وهو السرب فى الأرض والنفق لأسرعوا فى ذهابهم عنكم لأنهم انما يخالطونكم كرها لا محبة وودوا أنهم لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام ، ولهذا لا يزالون فى هم وحزن وغم لأن الاسلام وأهلة لا يزال فى عز ونصر ورفعة ، فلهذا كلما سر المسلمون ساءهم ذلك فهم يودون أن لا يخالطوا تلمؤمنين .  

وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ ٥٨ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ ٥٩ ۞

" وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ " يقول الله تعالى ومن المنافقين من يعيب عليك فى قسم الصدقات اذا فرقتها ويتهمك فى ذلك وهم المتهمون المأبونون وهم مع هذا لا ينكرون للدين وانما ينكرون لحظ أنفسهم وقال قتادة ومنهم من يطعن عليك فى الصدقات ، " فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ" ان أعطوا من الصدقات رضوا عن ذلك وان لم يعطوا منها يسخطون أى يسخطون لأنفسهم ، قال أبن جريج أخبرنى داود بن أبى عاصم قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت ووراءه رجل من الأنصار فقال ما هذا بالعدل فنزلت هذه الآية ، ذكر قتادة أن رجلا من أهل البادية حديث عهد بأعرابية أتى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا وفضة فقال : يا محمد والله لئن كان أمرك الله أن تعدل ما عدلت " فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم :" ويلك فمن ذا الذى يعدل عليك بعدى ؟ " ثم قال نبى الله صلى الله عليه وسلم : " أحذروا هذا وأشباهه فان فى أمتى أشباه هذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم فاذا خرجوا فاقتلوهم ثم اذا خرجوا فاقتلوهم ثم اذا خرجوا فاقتلوهم " ، وذكر لنا أن نبى الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " والذى نفسى بيده ما أعطيكم شيئا ولا أمنعكم انما أنا خازن "  وكذلك روى السيخان عن أبى سعيد فى قصة ذى الخويصرة واسمه حرقوص لما اعترض على النبى صلى الله عليه وسلم حين قسم غنائم حنين فقال له أعدل فانك لم تعدل فقال : " لقد خبت وخسرت ان لم أكن أعدل " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه مقفيا : "انه يخرج من ضئضئى هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فانهم شر قتلى تحت أديم السماء " ، " وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ  " تضمنت هذه الآية أدبا عظيما وسرا شريفا حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله والتوكل على الله وحده وهو قوله " وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ " وكذلك الرغبة الى الله وحده فى التوفيق لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال أوامره وترك زواجره وتصديق أخباره والاقتفاء بآثاره .
إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٦٠

" إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم "  لما ذكر تعالىاعتراض المنافقين الجهلة على النبى صلى الله عليه وسلم ولمزهم اياه فى قسم الصدقات بين تعالى أنه هو الذى قسمها وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه ولم يكل قسمها الى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين ، الدقات هما أموال الزكاة فهى تعطى للفقراء وهم قد قدموا على البقية لأنهم أحوج من غيرهم على المشهور ولشدةفاقتهم وحاجتهم ، وعند أبى حنيفة أن المسكين أسوأ حالا من الفقير ، وقال عمر رضى الله عنه : الفقير ليس بالذى لا مال له ،ولكن الفقير الأخلق الكسب ، قال أبن علية الأخلق الحارف عندنا والجمهور على خلافه ، واختار أبن جرير وغيره أن الفقير هو المتعفف الذى لا يسأل الناس شيئا ، والمسكين هو الذى يسأل ويطوف يتبع الناس ، ةقال قتادة الفقير من به زمانة والمسكين الصحيح الجسم وناك أحاديث تتعلق بالأصناف الثمانية ، عن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحجل صدقة لغنى ولا لذى مرة سوى " ، وأما المسكين فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين بهذا الطواف الذى يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا فما المسكين يارسول الله ؟ " قال :" الذى لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئا " رواه الشيخان ، وأما العاملون عليها فهم الجباة السعاة يستحقون منها قسطا على ذلك ولا يجوز أن يكونوا من أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم الذين تحرم عليهم الصدقة لما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد المطاب بن ربيعة بن الحارث أنه انطلق هو والفضل بن العباس يسألان  رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملهما على الصدقة فقال : " ان الصدقة لا تحل لممد ولا لآل محمد انما هى أوساخ الناس " ، وأما المؤلفة قلوبهم فأقسام : منهم من يعطى ليسل كما أعطى النبى صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين وقد شهدها مشركا كما قال فلم يزل يعطينى حتى صار أحب الناس الى بعد أن كان أبغض الناس الى ، ومنهم من يعطى ليحسن اسلامه ويثبت قلبه كما أعطى يوم حنين أيضا جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم مائة من الابل وقال " انى لأعطى الرجل وغيره أحب الى منه خشية أن يكبه الله على وجههفى نار جهنم " ، وهل تعطى المؤلفة على الاسلام بعد النبى صلى الله عليه وسلم ؟ فيه خلاف فروى عن عمر وغيره أنهم لا يعطون بعده لأن الله قد أعز الاسلام وأهله ومكن لهم فى البلاد وأذل لهم رقاب العباد ، وقال آخرون بل يعطون لأنه عليه الصلاة والسلام قد أعطاهم بعد فتح مكة وكسر هوازن وهذا أمر قد يحتاج اليه فيصرف اليهم ، وأما الرقاب روى أنهم المكاتبون وقال أبن عباس لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة وقد ورد فى ثواب الاعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه سلم قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : الغازى فى سبيل الله ، والمكاتن الذى يريد الأداء والناكح الذى يريد العفاف " ، وأما الغارمون فهم أقسام فمنهم من تحمل حمالة أو ضمن دينا فلزمه فأجحف بماله أو غرم فى أداء دينه أو فى معصية ثم تاب فهؤلاء يدفع اليهم ، وفىحديث فبيصة بن مخارق قال : " تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أساله فيها فقال : " أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ، وعن أبى سعيد قال : أصيب رجل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار انتاعها فكثر دينه فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " تصدقوا عليه " فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلكوفاء دينه فقال النبى صلى الله عليه وسلم لغرمائه : " خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك " وأما فى سبيل الله فمنهم الغزاة الذين لا حق لهم فى الديوان ، وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تحل الصدقة لغنى الا فى سبيل الله وابن السبيل أوجار فقير فيهدى لك أويدعوك " ، " فريضةمن الله " أى حكما مقدرا بتقدير الله وفرضه وقسمه ، " والله عليم حكيم " أى عليم بظواهر الأمور وبواطنها وبمصالح عباده حكيم فيما يقوله ويفعله ويشرعه ويحكمبه لا اله الا هو ولا رب سواه .

 وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٦١

" وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُن " يقول تعالى ومن المنافقين قوم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام فيه ويقولون من قال له شيئا صدقه فينا ومن حدثه صدقه فاذا جئناه وحلفنا له صدقنا ، " قُلۡ أُذُنُ خَيۡر لَّكُمۡ  "هو أذن خير يعرف الصادق من الكاذب ، " يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم "يؤمن بالله ويصدق المؤمنين ، " وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم "  وهو حجة على الكافرين وهو رحمة للمؤمنين كما قال " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " ، " وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم " يتوعد الله الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل بالعذاب الأليم .

يحلفون بالله لكم ليرضوكم وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ ٦٢ أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ ٦٣

" يحلفون بالله لكم ليرضوكم وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ " قال قتادة ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال : "والله ان هؤلاء لخيارنا وأشرافنا وان كان ما يقول محمد حقا لهم شر من الحمير" فسمعها رجل من المسلمين فقال : والله ان مايقول محمد لحق ولأنت أشر من الحمار " فسعى بها الرجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل الى الرجل فدعاه فقال : " ما حملك على الذى قلت ؟ " فجعل يلتعن ويحلف بالله ما قال ذلك ، وجعل الرجل المسلم يقول : " اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب " فأنزل الله الآية ، " أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ" ألم يتحققوا ويعلموا أنه من حاد الله عز وجل أى وشاقه وحاربه وخالفه وكان فى حد والله ورسوله فى حد ، " فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ " جزء من يفعل ذلك نار جهنم يخلد فيها مهانا معذبا ، " ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ " وهذا هو الذل العظيم والشقاء الكبير .  

يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ ٦٤

" يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ " يخشى المنافقون أن يفضحهم الله يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشى علينا سرنا وهذا كقوله " واذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون فى أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " ،" قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ " أى ان الله سينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ما يفضحكم به ويبين له أمركم كقوله تعالى " أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم - الى قوله - ولتعرفنهم فى لحن القول " ولهذا قال قتادة كانت تسمى هذه السورة فاضحة المنافقين .

وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥ لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ ٦٦

" وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُ "  عن محمد بن كعب القرظى وغيره أن رجل من المنافقين قال : ما أرى قراءنا هؤلاء الا أرغبنا بطونا ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء " فرفع ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال " يارسول الله انما كنا نخوض ونلعب " ، " قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ " ، وعن عبد الله بن عمر قال قال رجل فى غزوة تبوك فى مجلس : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء " فقال رجل فى المسجد : كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يار سول الله انما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ " ، وقال قتادة فبينما النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا : يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها هيهات هيهات " فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فقال : " على بهؤلاء النفر " فدعاهم فقال : " قلتم كذا وكذا " فحلفوا ما كنا الا نخوض ونلعب " ، " لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ "" لا تعتذروا بهذا المقال الذى قلتم أنكم كنت انما تخوضون وتلعبون  فما فعلتموه كفر بعد الايمان ، "  إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ " لايعفى الله عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة وهم من قالوها .  

ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٦٧ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ هِيَ حَسۡبُهُمۡۚ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيمٞ ٦٨

" ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ " يقول الله منكرا على المنافقين الذين هم على خلاف من صفات المؤمنين ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكروينفقون فى سبيل الله فان المنافقين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أى يمسكون أيديهم عن الانفاق فى سبيل الله ، " نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡ " نسوا ذكر الله فعاملهم الله معاملة من نسيهم وأهملهم كقوله تعالى " فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا "، " إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ "المنافقون هم الفاسقون هم  الخارجون عن طريق الحق وطاعة الله الداخلون فى طريق الضلالة ، " وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ هِيَ حَسۡبُهُمۡۚ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيم " توعد الله وأعد للمنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم على الصنيع الذى يفعلونه ماكثين فيها مخلدين هم والكفار وهى كفايتهم فى العذاب وطردهم الله وأبعدهم من رحمته وعذابهم دائم لا يتغير فى جهنم وبئس المصير .

كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٦٩

" كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا "يقول تعالى أصاب هؤلاء من المنافقين من عذاب فى الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم من كانوا أشد منهم فى القوة وأكثر منهم فى الأموال والأولاد أى فى النسل والذرية ، " فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلاَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلاَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلاقِهِمۡ " قال الحسن " بخلاقهم " بدينهم والمعنى أن المنافقين المخاطبين ينغمسون فى المتع فى الحياة الدنيا الحاليين كمن سبقهم من الكافرين قبلهم فهم سواء فى عدم اتباع دين الله ونهجه قال أبن عباس ما أشبه الليلة بالبارحة هؤلاء بنو اسرائيل شبهنا بهم ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعل بباع حتى لودخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ أهل الكتاب " قال : " فمن " وزيد قال أبو هريرة ان شئتم القرآن " كالذين من قبلكم "  ، " وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ " قالوا يا رسول الله كما صنعت فارس والروم ؟ قال فهل الناس الا هم ؟ ، والذين من قبل خاضوا فى الكذب والباطل وكذلك أنتم أيها الكافرون المنافقون ، " أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ "  أولئك بطلت مساعيهم فى الدنيا وفى الآخرة فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة فهم خاسرون فى الدنيا وفى الآخرة .   

أَلَمۡ يَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٰهِيمَ وَأَصۡحَٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٧٠

" أَلَمۡ يَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ " يقول الله تعالى واعظا لهؤلاء المنافقين المكذبين ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من الأمم المكذبة للرسل ، " قوم نوح " قوم نوح وما أصابهم من الغرق العام لجميع أهل الأرض الا من آمن بعبده ورسوله نوح عليه السلام ، " وعاد " وقوم عاد وكيف أهلكوا بالريح العقيم لما كذبوا هودا عليه السلام ، " وثمود " وقوم ثمود وكيف أخذتهم الصيحة لما كذبوا صالحا عليه السلام وعقروا الناقة ،" وقوم ابراهيم " كيف نصره الله عليهم وأيده بالمعجزات الظاهرة عليهم وأهلك ملكهم نمرود بن كنعان بن كوش الكنعانى ، " وأصحاب مدين " وهم قوم شعيب عليه السلام وكيف أصابتهم الرجفة الصيحة وعذاب يوم الظلة ، " والمؤتفكات " قوم لوط وقد كانوا يسكنون فى مدائن كما قال فى آية أخرى " والمؤتفكة أهوى "أى الأمة المؤتفكة وقيل أم قراهم  وهى سدوم والغرض أن الله تعالى أهلكهم عن آخرهم بتكذيبهم نبى الله لوط عليه السلام واتيانهم الفاحشة التى لم يسبقهم بها أحد من العالمين ، " أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ " أتتهم الرسل بالحجج والدلائل القاطعات ، " فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ  فما كان الله ليظلمهم باهلاكه اياهم لأنه أقام عليهم الحجة بارسال الرسل وازاحة العلل ، " وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ " ظلموا أنفسهم بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم الحق فصاروا الى ما صاروا اليه من العذاب والدمار .

وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٧١

" وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡض " لما ذكر الله تعالى صفات المنافقين الذميمة عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فالمؤمنون يتناصرون ويتعاضدون كما جاء فى الصحيح " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه ، وفى الصحيح أيضا " مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " ، " يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَر" من صفات المؤمنين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كقوله تعالى" ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ، " وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ" ومن صفاتهم أنهم يؤدون الصلاة كما يجب أن تكون وهى حق الله ويؤدون الزكاة على الوجه الصحيح فى مصارفها الشرعية وهما ركنان أساسيان فى الدين ، " وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ "من صفات المؤمنين طاعة الله ورسوله فى أقوالهم وأفعالهم فيما أمر الله به وترك ما نهى عنه ، " أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُ " من اتصف بهذه الصفات استحق رحمة الله ، " إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم" ان الله عزيز يعز من أطاعه فان العزة لله ولرسول وللمؤمنين وحكيم فى قسمته هذه الصفات لهؤلاء وتخصيصه المنافقين بصفاتهم المتقدمة فان له الحكمة فى جميع ما يفعله تبارك وتعالى .    

وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٧٢

" وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا " يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين من الخيرات والنعيم المقيم فى جنات تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا ، " وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡن " وعدهم الله مساكن حسنة البناء طيبة القرار فى جنات عدن ففى الصحيحين عن أبى بكر بن أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعرى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جنتن من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما  ، وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن " ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان فان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر فى سبيل الله أو حبس فى أرضه التى ولد فيها " ، قالوا يا رسول الله أفلا نخبر الناس ؟ " قال : " ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فانه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوق عرش الرحمن " ، وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اذا صليتم على فسلوا الله لى الوسيلة " قيل يا رسول الله وما الوسيلة ؟ ؟ قال : " أعلى درجة فى الجنة لا ينالها الا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو "  وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله لى الوسيلة فانه لم يسألها لى عبد فى الدنيا الا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة " ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فانه من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون هو ، فمن سأل الله لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة " ، " وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ" أى رضا الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان الله عز وجل يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك ، فيقول هل رضيتم ؟ " فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون يا رب وأى شىء أفضل من ذلك ؟ فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا " ، وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله عز وجل هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟ قالوا يا ربنا ما خير مما أعطيتنا ؟ قال رضوانى أكبر " .

ٰٓياُّأيهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٧٣ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ ٧٤ ۞

" ياُّأيهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ" أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم ,اخبره أن مصير الكفار والمنافقين الى النارفى الدار الآخرة ، وقال أبن عباس أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم ، وقال الضحاك جاهد الكفار بالسيف وأغلظ  على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم ، وقال قتادة ومجاهد والحسن مجاهدتهم اقامة الحدود عليهم ،" يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِم ۡوَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ " قال قتادة نزلت فى عبد الله بن أبى وذلك أنه أقتتل رجلان جهنى وأنصارى فعلا الجهنى على الأنصارى ، فقال عبد الله للانصار ألا تنصرو أخاكم ؟ والله ما مثلنا ومثل محمد الا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، وقال : لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسعى بها رجل من المسلمين الى النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل اليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله فيه هذه الآية ، وقيل أنزلت فى الجلاس بن سويد وذلك أنه هم بقتل أبن امرأته حين قال لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عروة بن الزبير نزلت هذه الآية فى الجلاس بن سويد بن الصامت أقبل هو وأبن أمرأته مصعب من قباء فقال الجلاس ان كان ما جاء به محمد حقا فنحن أشر من حمرنا هذه التى نحن عليها فقال مصعب أما والله يا عدو الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم وخفت أن ينزل القرآن أو تصيبنى قارعة أو أن أخلط بخطيئة فقلت يارسول الله أقبلت أنا والجلاس من قباء فقال كذا وكذا ولولا مخافة أن أخلط بخطيئة أو تصيبنى قارعة ما أخبرتك ، قال فدعا الجلاس فقال " يا جلاس أقلت الذى قال مصعب ؟ " فحلف فأنزل الله الآية ، وقال محمد بن اسحاق كان الذى قال تلك المقالة فيما بلغنى الجلاس بن سويد بن الصامت فرفعها عليه رجل كان فى حجره يقال له عمير بن سعد فأنكرها فحلف بالله ما قالها فلم نزل القرآن تاب ونزع وحسنت توبته فيما بلغنى ، وقيل فى عبد الله بن أبى هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال السدى نزلت فى أناس أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبى وان لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقدورد أن نفرا من المنافقين هموا بالفتك بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو فى غزوة تبوك فى بعض تلك الليالى فى حال السير وكانوا بضعة عشر رجلا قال الضحاك ففيهم نزلت هذه الآية فعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يمشى الناس فى بطن الوادى وصعد هو وحذيفة وعمار العقبة فتبعهم هؤلاء النفر الأرذلون وهم متلثمون فأرادوا سلوك العقبة فأطلع الله على مرادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر حذيفة فرجع اليهم فضرب وجوه رواحلهم ففزعوا ورجعوا مقبوحين وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة وعمارا بأسمائهم وما كانوا هموا به من الفتك به صلى الله عليه وسلم وأمرهما أن يكتما عليهم ولهذا كان حذيفة يقال له صاحب السر الذى لا يعلمه غيره أى من تعيين جماعة المنافقين ،" وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦ" أى وما للرسول عندهم ذنب الا أن الله أغناهم ببركته ويمن سعادته ولو تمت عليهم السعادة لهداهم الله لما جاء به كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار " ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بى ، وعالة فأغناكم الله بى " كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن ، وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب كقوله " وما نقموا منهم الا أن آمنوا بالله "، "ۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ " دعاهم الله تبارك وتعالى الى التوبة فالتوبة خير لهم مما هم فيه وان يستمروا على طريقهم يعذبهم الله عذابا أليما فى الدنيا أى بالقتل والهم والغم والآخرة بالعذاب والنكال والهوان والصغار ، " وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِير " وليس لهم أحد يسعدهم ولا ينجدهم لايحصل لهم خيرا ولايدفع عنهم شرا .  

وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٧٥ فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ ٧٦ فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ٧٧ أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ ٧٨

" وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " يقول تعالى ومن لمنافقين من أعطى تااه عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكنن من الصالحين ، " فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ " فما وفى بما قال ولا صدق فيما ادعى بعد أغناه الله من فضله بخل وأعرض عن سبيل الله ، " فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ "فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن فى قلوبهم الى يوم يلقوا الله عز وجل يوم القيامة ، وقد ذكر كثير من المفسرين أن سبب نزول هذه الآيات الكريمة فى ثعلبة بن حاطب الأنصارى أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :" ادع الله يرزقنى مالا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك يا ثعلبة قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه " ثم قال مرة أخرى : " أما ترضى أن تكون مثل نبى الله ؟ فو الذى نفسى بيده لو شئت أن تسير الجبال معى ذهبا وفضة لسارت " قال : والذى بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقنى مالا لأعطين كل ذى حق حقه " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ارزق ثعلبة مالا " ، فاتخذ غنما فنمت كما ينمى الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلى الظهر والعصر فى جماعة ويترك ما سواهما ، ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات الا الجمعة وهى تنمى كما ينمى الدود حتى ترك الجمعة ، فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة ليسألهم عن الأخبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة " وأنزل الله جل ثناؤه " خذ من أموالهم صدقة " ونزلت فرائض الصدقة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من الصدقة من المسلمين رجلا من جهينة ورجلا من سليم وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين وقال لهما " مرا بثعلبة وبفلان - رجل من بنى سليم - فخذا صدقاتهما " فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذه الا جزية ما هذه الا أخت الجزية ما أدرى ما هذا ؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودا الى فانطلقا وسمع بهما السلمى فنظر الى خيار أسنان ابله فهزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما رأوها قالوا ما يجب عليك هذا وما نريدأن نأخذ هذا منك فقال بلى فخذوها فان نفسى بذلك طيبة وانما هى له فأخذاها منه ومرا على الناس فأخذا الصدقات ثم رجعا الى ثعلبة فقال أرونى كتابكما فقرأه فقال ما هذا الا جزية ما هذه الا أخت الجزبة انطلقا حتى أرى رأيى فانطلقا حتى أتيا النبى صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال " يا ويح ثعلبة " قبل أن يكلمهما ودعا للسلمى بالبركة فأخبراه بالذى صنع ثعلبة والذى صنع السلمى فأنزل الله عز وجل الآيات ، قال وعند  رسول الله صلى الله عليه وسلم  رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال : " ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال : " ان الله منعنى أن أقبل منك صدقتك " فجعل يحثو التراب على رأسه التراب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا عملك قد أمرتك فلمتطعنى " فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض صدقته رجع الى منزله فقبض رسول الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا ، ثم أتى أبا بكر فلم يقبل منه وأتى عمر بن الخطاب بعده فلم يقبل منه ولم أتى عثمان لم يقبل منه فهلك ثعلبة فى خلافة عثمان رضى الله عنه ، " بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ "أى أعقبهم النفاق فى قلوبهم بسبب اخلافهم الوعد وكذبهم كما فى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : اذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان" ،  " أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ " يخبر الله تعالى أنه يعلم السر وأخفى وأنه أعلم بضمائرهم ، وان أظهروا أنه ان حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها فان الله أعلم بهم من أنفسهم لأنه تعالى علام الغيوب أى يعلم كل غيب وشهادة وكل سر ونجوى ويعلم ما ظهر وما بطن .     

ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٧٩

" ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ " من صفات المنافقين أيضا لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم فى جميع الأحوال حتى ولا المتصدقون يسلمونمنهم انجاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مراء وانجاء بشىء يسير قالوا ان الله غنى عن صدقة هذا ، عن أبى مسعود رضى الله عنه قال : لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشىء كثير فقالوا مرائى وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا ان الله غنى عن صدقة هذا فنزلت الآية ، عن أبن عباس قال جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام فقال بعض المنافقين والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به الا رياء ، وقالوا ان الله ورسوله لغنيان عن هذا الصاع ، وعن أبن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى الناس يوما فنادى فيهم أن اجمعوا صدقاتكم فجمع الناس صدقاتهم ثم جاء رجل من آخرهم بصاع من تمر فقال يا رسول الله هنا صاع من تمر بت ليلتى أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما وأتيتك بالآخر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره فى الصدقات فسخر منه رجال وقالوا ان الله ورسوله لغنيان عن هذا وما يصنعون بصاعك من شىء ، ثم ان عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل بقى أحد من أهل الصدقات ؟ " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يبق أحد غيرك " فقال له عبد الرحمن بن عوف فان عندى مائة أوقية من الذهب فى الصدقات فقال له عمر بن الخطاب رضى الله عنه : أمجنون أنت ؟ : قال : ليس بى جنون " قال : أفعلت ما فعلت ؟ " قال : نعم مالى ثمانية آلاف أما أربعة آلاف فأقرضها ربى وأما أربعة آلاف فلى " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت " ولمزه المنافقون فقالوا والله ما أعطى عبد الرحمن عطيته الا رياء وهم كاذبون انما كان به متطوعا فأنزل الله عز وجل عذره وعذر صاحبه المسكين الذى جاء بالصاع من التمر وأنزل الله الآية ، وقال أبن اسحاق كان من المطوعين من المؤمنين فى الصدقات عبد الرحمن بن عوف تصدق بأربعة آلاف درهم وعاصم بن عدى أخو بنى العجلان وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب فى الصدقة وحض عليها فقام عبد الرحمن فتصدق بأربعة آلاف وقام عاصم بن عدى وتصدق بمائة وسق من تمر فلمزوهما وقالوا ما هذا الا رياء وكان الذى تصدق بجهده أبو عقيل أخو بنى أنيف الاراشى حليف بنى عمرو بن عوف أتى بصاع من تمر فأفرغه فى الصدقة فتضاحكوا به وقالوا ان الله لغنى عن صاع أبى عقيل ، " فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَليمٌ " هذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين لأن الجزاء من جنس العمل فعاملهم معاملة من سخر منهم انتصارا للمؤمنين فى الدنيا وأعد للمنافقين فى الآخرة عذابا أليما لأن الجزاء من جنس العمل . 

ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ٨٠

" ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ " يخبر تعالى نبيه صلى الله عليهوسلم بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلا للاستغفار وأنه لم استغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وقد قيل أن السبعين قد ذكرت حسما لمادة الاستغفار لهم لأن العرب فى أساليب كلامها تذكر السبعين فى مبالغة كلامها ولا تريد التحديد بها ولا أن يكون ما زاد عنها بخلافها ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ" " يوضح الله سبب عدم قبول الاستغفار للمنافقين جراء كفرهم بالله ورسوله ، " وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ" والله لايهديهم جزاء عملهم وجزاء فسقهم أى خروجهم عن طاعته وعن الايمان الصادق به .

فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ ٨١ فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٨٢

" فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ " يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وفرحوا بقعودهم بعد خروجه وكرهوا الجهاد فى سبيل الله سواء أكان بالنفس أو بالمال ، " وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ " قالوا بعضهم لبعض لا تخرجوا فى الحر لأن الخروج فى غزوة تبوك كان فى شدة الحر عند طيب الظلال والثمار فقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهم أن نار جهنم التى تصيرون اليها بمخالفتكم أشد حرا مما فررتم منه من الحر بل أشد حرا من النار لو كان عندهم فهم وعقل ، وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "نار بنى آدم التى توقدونها جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " فقالوا يا رسول الله انكانت لكافية فقال : " فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوقد الله على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهى سوداء كالليل المظلم " ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لوكان فى هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه لاحترق المسجد ومن فيه " ، وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار يغلى دماغه من حرارة نعليه " ، " فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُون " عن أبن عباس قال الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فاذا انقطعت الدنيا وصاروا الى الله عز وجل استأنفوا بكاَءا لا ينقطع أبدا وهذا جزاء ما فعلوا فى الدنيا ، وعن أنس أبن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا فان أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم فى وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتفرح العيون فلو أن سفنا أزجيت فيها لجرت " .    

ٔۡ فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٖ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَ ذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِيَ أَبَدٗا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّاۖ إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٖ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ ٨٣

" فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٖ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَ ذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِيَ أَبَدٗا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّاۖ" يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أذا ردك الله من غزوتك هذه فجاءتك طايفة قال قتادة ذكر لنا أنهم كانوا أثنى عشر رجلا فاستأذنوا للخروج معك الى غزوة أخرى فقل لهم لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا عدوا تعزيرا لهم وعقوبة ثم علل ذلك بقوله " إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٖ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ " لأنكم تخلفتم عن الخروج فى المرة الأولى عندما طلب منكم فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن الغزاة فان جزاء السيئة السيئة بعدها .

وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ ٨٤

" وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِ " أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من المنافقين وأن لا يصلى على أحد منهم اذا مات وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا عليه وهذا حكم عام فى كل من عرف نفاقه وان كان سبب نزول الآية فى عبد الله بن أبى سلول رأس المنافقين ما قال البخارى ، عن أبن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول : لما توفى عبد الله بن أبى دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام اليه فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت فى صدره فقلت يارسول الله أعلى عدو اله عبد الله بن أبى القائل يوم كذا كذا وكذا - بعدد أيامه ؟ قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى اذاأكثرت عليه قال " أخر عنى يا عمر ، انى خيرت فاخترت ، قد قيل لى " استغفر لهم " الآية ، لوأعلم أنى لو زدت على السبعين غفر له لزدت " ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه قال فعحبت من جرأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم ، قال فو الله ما كان الا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان " وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِ " فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل " ، وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلى عل عبد الله بن أبى فأخذ جبريل بثوبه وقال " وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِ "  

وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَأَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ ٨٥

وردت هذه الآية فى الآية 55 من نفس السورةة التى تبدأ " فلا تعجبك "، " وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَأَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ " قال قتادة هذا من المقدم والمؤخر تقديره : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فى الحياة الدنيا انما يريد الله ليعذبهم بها فى الآخرة ويريد الله أن يميتهم على الكفر ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه ، تكرار الآيات تاكيد للمعنى الذى يريد الله توصيله لعباده المؤمنين .

ٔۡ وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَ ذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ ٨٦ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ ٨٧

" وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَ ذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ * رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ" يقول الله تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه مع القدرة عليه ووجود السعة والطول اذا جاء أمر من الله بالجهاد وقرن الايمان بالجهاد استأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى القعود ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود فى البلد مع النساء وهن الخوالف بعد خروج الجيش فاذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس ، " وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ " أى بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى سبيل الله أبعد الله عنهم الفهم فأصبحوا لايفهمون ما فيه صلاح لهم فيفعلوه ولا ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه .

لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٨٨ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٨٩

"َٰلكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ "لما ذكر الله تعالى ذم المنافقين وبين ثناءه على المؤمنين وما لهم فى آخرتهم وهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه من المؤمنين الذين جاهدوا فى سبيل الله بالأموال والأنفس ينالهم خير الدنيا والآخرة من الله من الظفر على أعدائهم فى الدنيا والظفر بالجنة فى الآخرة وهذا هو الفلاح فى الدنيا والآخرة ، " أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيم " وفى الدار الآخرة هم فى جنات الفردوس والدرجات العلى خالدين فيه مخلدين وهذا أعظم فوز وليس بعده فوز .ُ

وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٩٠

" وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُم " بين الله تعالى حال ذوى الأعذار فى ترك الجهاد الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرونۡ اليه ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة وقال أبن اسحاق بلغنى أنهم نفرمن بنى غفار خفاف بن ايماء بن رحضة جاؤا فاعتذروا فلم يعذرهم الله  وهذا القول هو الأظهر فى الآية ، "وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ"  وقعد آخرون من الأعراب عن المجىء للاعتذار وقال مجاهد نفر من بنى غفارجاؤا فلم يعذرهم الله  وهم من المنافقين ، " سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم " وعدهم الله بالعذاب الأليم جزاء كفرهم وعدم طاعتهم أمر الله ورسوله فى الآخرة .   

لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٩١ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ٩٢

" ليس عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ  وَرَسُولِهِۦ" بين تعالى الأعذار التى لاحرج على من قعد معها على القتال فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه وهو الضعف فى التركيب الذى لا يستطيع معه الجلاد فى الجهاد ومنه العمى والعرج ونحوهما ولهذا بدأ به ومنها ما هو عارض بسبب مرض عن له فى بدنه شغله عن الخروج فى سبيل الله أو نسبب فقره لا يقدر على التجهيز للحرب فليس على هؤلاء حرج اذا قعدوا ونصحوا فى حال قعودهم ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم وهممحسنون فى حالهم هذا ولهذا قال " مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم " ، "وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ " نزلت فى بنى مقرن من مزينة قال أبن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل بن مقوى المزنى فقالوا يا رسول الله احملنا فقال لهم : " لا أجد ما أحملكم عليه " فتولوا وهم يبكون وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أنزل عذرهم فى كتابه .    

150-] English Literature

150-] English Literature Letitia Elizabeth Landon     List of works In addition to the works listed below, Landon was responsible for nume...