Grammar American & British

Showing posts with label اصطفاء الله لرسولمحمد صلعم. Show all posts
Showing posts with label اصطفاء الله لرسولمحمد صلعم. Show all posts

Friday, July 10, 2020

الهجرة النبوية اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 26 )

اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 26 ) 

الهجرة النبوية من مكة الى المدينة .

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج الى المدينة والهجرة اليها واللحاق باخوانهم من الأنصار وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" ان الله عز وجل قد جعل لكم اخوانا ودارا تأتمنون فيها ( أى تشعرون بالأمن ) " ، فخرجوا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن الله له بالخروج من مكة والهجرة الى المدينة ، ويوم دعاهم للهجرة الى الحبشة قال لهم :" ان بها ملكا لا يظلم عنده أحد " ، أما هذه المرة فقد جعل الله لهم اخوانا ودارا يأمنون فيها ، والفرق بين المركزين والمنطقتين واضح من حيث الموقع نجد أن الحبشة بعيدة ولا تصلح لتكون مركزا لاقامة الدولة بعيدا عن الأرض والبيئة العربية ، ومهما قويت فستبقى محصورة ضمن اطار محدود وتاحركة ستكون مشلولة للمواجهة ، بينما نجد المدينة وان كانت بعيدة عن مكة لكنها تحتل موقعا حساسا بالنسبة لمكة ، فهى قادرة على خنق مكة اقتصاديا لأن طريق قوافل قريش علبها ، والتجارة عصب الحياة لقريش ، كما أن البيئة واحدة والعرب يمكن أن تتم الدعوة فى صفوفهم وأن يتقبلوها ، ومن حيث الاعتماد فى الحبشة على الحاكم العادل فان الحاكم قد يتغير فى أية لحظة فيسبح المسلمون فى خطر عظيم ، وقد وقع ذلك فعلا ، جيث قامت ثورة ضد النجاشى ، فهيأ للمسلمين سفينتين ليغادروا الحبشة ان تم النصر لعدوهم وهو يعلم أن المسلمين هم المستهدفون من هذه الثورة ، وبقيتالحبشة مأمنا للمسلمين فترة طويلة حتى بعد وجود يثرب ، ولكنها لم تكن مركزا لاقامة دولة ، وحين أتى التوفيق الربانى قبل وفد الحجيج اليثربى الاسلام ، ولم تنجح محادثات " شيبان " أو " كندة " فى صرف هذا الوفد عن الاسلام ، وعندما جاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة رحلت عائلات بأكملها مثل قبيلة "بنى غنم " ، التى رحل منها أربعة عشر رجلا وسبع نسوة ، كما تحرك عمر رضى الله عنه وأهله وحلفاؤه وتتابع المسلمون يهاجرون .خافت قريش من خروج الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، حيث عرفوا أن فى الدار منع، وأن القوم فى يثرب أهل قوة فخافوا من خروج الرسول صلى الله عليه وسلم اليهم ولحاقه بهم ، وعرفوا أنه أجمع لحربهم فأجتمعوا فى دار الندوة ولم يتخلف أحد من ذوى الرأى والحجة منهم ليشاوروا فى أمره فقال أبو جهل :" ان لى فيه رايا ما أراكم وقعتم عليه " ، فقالوا :" وما هو يا أبا الحكم ؟ " ، قال :" أرى أن نأخذ من كل فبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطى كل فتى سيفا صارما ثم يعمدوا عليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه ، فانهم اذا فعلوا ذلك تفرق دمه فى القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ". ، وتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه .

وقد ذكر القرآن ذلك فى سورة الأنفال " اذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك وبمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ".الأنفال30 فجاء جبريل الى الرسول صلى الله عليه وسلم يأمره ألا يبيت هذه الليلة فى فراشه وأن يستعد للهجرة ، قالت عائشة رضى الله عنها :" فبينما نحن يوما جلوس فى بيت أبى بكر فى حر الظهيرة قال قائل لآبى بكر :" هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يأتينا فى مثل هذه الساعة فقال أبو بكر رضى الله عنه :" فاء له أبى وأمى والله ما جاء فى هذه الساعة الا لأمر " ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فاذن له فدخل فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر :" أخرج من عندك ! " ، فقال أبو بكر :" انما هم أهلك بأبى أنت يارسول الله " ، قال :" فانى قد أذن لى فى الخروج " ، فقال أبو بكر :" الصحبة بأبى أنت يا رسول الله " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعم " .

كان الله قادرا على أن يرسل ملكا يحمل الارسول صلى الله عليه وسلم الى يثرب كما حمله من مكة الى بيت المقدس وعرج به الى السماء ، ولكن جعل الهجرة فرصة كبيرة لنتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم دروسا عظيمة فى كيفية التفكير والتخطيط والأخذ بالأسباب التى توصل الى النجاح .

وضع الكفار مجموعة من الشباب أمام بيته ليقتلوه وكانوا بين الحين والآخر  يتطلعون الى فراشه ليطمئنوا على وجوده فأمر النبى صلى الله عليه وسلم على أبن أبى طالب رضى الله عنه بالنوم فى فراشه وأن يتغطى ببردته ، وطمأنه بأن المشركين لن يؤذوه باذن الله ، واستجاب على رضى الله عنه بكل شجاعة وحماس ونفذ ما أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك تضليل الكفار ، فاذا نظروا اليه من الباب ووجدوه فى فراشه ظنوا أنه صلى الله عليه وسلم ما زال نائما ، وقد كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانات كثيرة تركها المشركون عنده ، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يردها الى أصحابها ، فأمر عليا أن ينتظر فى مكة لأداء هذه المهمة ، رغم أ،هم أخرجوا المسلمين من ديارهم وآذوهم ، ونهبوا أموالهم ، ولكن المسلم يجب أن يكون أمينا ، ونام على رضى الله عنه فى فراش النبى صلى اللله عليه وسلم وتوجه النبى صلى الله عليه وسلم الى الباب ، وخرج وفى قبضته جفنة من التراب فنثرها على رؤوس المشركين ، وهو يقرأ سورة يس الى قوله تعالى " وجعلنا منت بين أيديهم سدأ ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون " يس 9 ، واذا برجل يمر عليهم فرأى التراب على رؤوسهم فقال لهم :" خيبكم الله ، قد خرج عليكم محمد " ، فنظروا من الباب فوجدوا رجلا نائما فى مكان الرسول صلى الله عليه وسلم وعليه غطاؤه فقالوا :" هذا محمد ةفى فراشه ، وعليه برده ". ، ثم أقتحموا دار النبى صلى الله عليه وسلم فوجدوا عليا فى فراشه ، فخرجوا يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل مكان ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وصل الى بيت صاحبه أبى بكر رضى الله عنه ، وعزما على الذهاب  الى غار ثور ليختبأ فيه ، وحمل أبو بكر الصديق رضى الله عنه كل ماله وخرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم من باب صغير فى نهاية المنزل حتى لا يراهما أحد ، وانطلقا حتى وصلا الغار ، وهناك وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل أبو بكر أولا ليطمئن على خلو الغار من الحيات والعقارب ، ثم سد ما فيه من فتحات حتى لا يخرج منها شىء ، وبعد ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووقف الكفار حيارى يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه ويضربون كفا بكف من الحيرة والعجب ، فتتبعوا آثار الأقدام فقادتهم الى غار ثور فوقفوا أمام الغار وليس بيتهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه سوى أمتار قليلة ، حتى أن أبا بكر رأى أر جلهم فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :" يا أبا بكر ما ظنك بأثنين الله ثالثهما " متفق عليه .

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انصرف القوم ولم يفكر أحدهم أن ينظر فى الغار ، وسجل القرآن هذا فقال تعالى " الا تنصروه فقد نصره الله اذ أخرجه الذين كفروا ثانى أثنين اذ هما فى الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم " . التوبة 40 .

ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه فى الغار ثلاثة أيام ، وكان عبد الله بن أبى بكر يذهب اليهما بأخبار الكفار ليلا ، وأخته أسماء تحمل لهما الطعام ، أما عامر بن فهيرة راعى غنم أبى بكر فقد كان يسيبر بالأغنام فوق آثار أقدام عبد الله وأسماء حتى لا يترك أثرا يوصل الى الغار ، وبعد انتهاء الأيام الثلاثة خف طلب المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم ، فخرجا من الغار والتقيا بعبد الله بن أريقط ، وقد أتفقا معه على أن يكون دليلهما  فى هذه الرحلة مقابل أجر.

تحرك الركب بسلام وأبو بكر لايكف عن الالتفاف والدوران حول النبى صلى الله عليه وسلم خوفا عليه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ولا يلتفت حوله وهو واثق من نصر الله تعالى له ولا يخشى أحدا ، وبينما أبو بكر يلتفت خلفه اذ بفارس يقبل نحوهما من بعيد ، كان الفارس هو سراقة بن مالك وقد دفعه الى ذلك أنم قريشا لما يئست من العثور على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه جعلوا مائة ناقة جائزة لمن يرده اليهم حيا أو ميتا ، فأنطلق سراقة بن مالك بفرسه وسلاحه فى الصحراء طمعا فى الجائزة فغاصت أقدام فرسه فى الرمال مرتين حين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل سراقة مسرعا عن الفرس ، حتى نزعت أقدامها من الرمال فأيقن سراقة أن الله تعالى يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يستطيع انسان مهما فعل أن ينال منه ، فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفوا عنه وعرض عليه الزاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا حاجة لنا ولكن عم عنا الخبر " ، فوعده سراقة ألا يخبر أحدا ، وعاد الى مكة ، وسار النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه الى مكة تحرسهما عناية الله .

ومر الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بمنازل خزاعة ودخلا خيمة أم معبد الخزاعية فسألاها اذا كان عندها طعام ؟ ، فأخبرتهما أنها لا تملك شيئا فى ذلك الوقت ، فقد كانت السنة شديدة القحط ، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم الى شاة فى جانب الخيمة فقال :" ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ ، فأخبرته أنها شاة منعها المرض عن الخروج الى المراعى مع بقية الغنم  ، فقال :"أتأذنين لى أن أحلبها ؟  " ، قالت :" نعم ان رأيت بها حلبا فاحلبها " ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها وسمى الله ودعا وطلب اناءا فحلب حتى علته الرغوة فسقاها فشربت حتى شبعت ، وسقى رفيقه ابا بكر وعبد الله بن أريقط حتى شبعا ، ثم شرب وحلب فيه ثانية حتى ملأ الاناء ثم تركه صلى الله عليه وسلم وانصرف .

علم أهل المدينة بوصول الرسول صلى الله عليه وسلم فخرجوا فى يوم الأثنين الثانى عشر من ربيع الأول واستقبلوا وأنشدوا نشيدهم " طلع البدر علينا " ، وظل الرسول صلى الله عليه وسلم فى قباء فى بيت سعد بن حيثمه يستقبل الوافدين عليه ، أقبل على بن أبى طالب من مكة بعد أن ظل فيها ثلاثة أيام يرد الأمانات الى أهلها ، وقد ظل الرسول صلى الله عليه وسلم فى قباء أربعة أيام يستقبل أهل المدينة ، وعندما أقبل يوم الجمعة ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء متوجها الى المدينة بعد أن أسس مسجد قباء ، وهو أول مسجد بنى فى الاسلام ، وقال الله عنه " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين " . التوبة 108

وكانت الهجرة حدثا فاصلا بين عهدين ، فقد أعز الله المسلمين بعد أن كانوا مضطهدين ، وصارت لهم دارا يقيمون فيها ، ومسجد يصلون فيه ويؤذن فيه ويؤدون فيه شعائرهم ، ويتشاورون فى أمورهم ، لهذا كله أتفق الصحابة على جعل الهجرة بداية للتاريخ الاسلامى على يد الخليفة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ، فقد تحول المسلمون من الضعف والحصار الى القوة والانتشار ورد العدوان .

 

Thursday, July 9, 2020

الأخلاق النبوية اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 25 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 25 ) 
الأخلاق النبوية .
ما المقصود بالأخلاق ؟
كما ورد فى المعجم الوجيز " فان الخلق حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة الى فكر وروية ، والجمع أخلاق " .وعن النبى صلى الله عليه وسلم قال " البر حسن الخلق " رواه مسلم ، والبر كما نعرف هو لفظ شامل لكل أعمال الخير ، وحسن الخلق هو حسن الخلق مع الله ، ومع عباد الله ، ومع من خلق الله ، فحسن الخلق مع الله أن تتبع ما أمر به من عبادات وغيرها وأن تنتهى عما نهى الله عنه ، وأما حسن الخلق مه عباد الله ومع خلق الله فهو حسن التعامل معهم ، وموضوع الأخلاق النبوية واسع يحتاج الى كتب ، ولكن ينتحدث عن بعض الأخلاق النبوية فى التعامل والصفات الحسنة .كان النبى صلى الله علسه وسلم أحسن الناس خلقا وأكرمهم وأتقاهم , فقد قال القرآن الكريم يمتدح النبى صلى الله عليه وسلم " وانك لعلى خلق عظيم " القلم 4 ، وفى سورة آل عمران " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم " آل عمران 159 ،وفى سورة الأنبياء " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " الأنبياء 107  .ووردت أحاديث كثيرة عن خلق النبى صلى الله عليه وسلم ، فعن صفية بنت حيى رضى الله عنها قالت " ما رأيت أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الطبرانى فى الأوسط باسناد حسن ، ولما سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها عن خلق النبى صلى الله عليه وسلم قالت " كان خلقه القرآن " صحيح مسلم ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم كما أحسنت خلقى فأحسن خلقى " رواه أ حمد ورواته ثقات .وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال "كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول " اللهم انى أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق " رواه أبو داود والنسائى .
أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم مع أهله :
كان النبى صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله ، وخيرهم لأمته ، حيث قال " خيركم ، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى " سنن الترمذى ، ومن كريم أخلقه مع أهله وزوجته أنه كان يحسن اليهم ويتلطف اليهم ويتودد اليهم ، فكان يمازح أهله ويلا طفهم ، فكان من شأنه أن يرقق اسم عائشة رصى الله عنها ، كان يقول   لها "يا عائش " ، ويقول لها "يا حميراء " ، حيث كان وجهها يميل الى الحمرة ، وكان يكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها " يا أبنة الصديق " .
عن الأسود قال " سألت عائشة ما كان النبى صى الله عليه وسلم يصنع فى بيته ؟ قالت " كان يكون فى مهنة أهله( أى خدمتهم ) فاذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج الى الصلاة " رواه مسلم والترمذى ، وقد روى أنه   صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجته صفية رضى الله عنها رجاها حتى تركب على بعيرها " رواه البخارى ، ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته السيدة خديجة رضى الله عنها أنه كان ليذبح الشاة ثم يهديها الى خلائلها ( أى صديقاتها ) وذلك بعد مماتها .ن وكان النبى صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه ويتحمل ما يقع من بعضهن مثل ما كان يقع من السيدة عائشة من غيرة .
أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم مع الأطفال :
عن أنس رضى الله عنه قال " كان النبى صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم " رواه البخارى , واللفظ له ومسلم ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبى فيسرع فى الصلاة مخافة أن تفتتن أمه .
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته أمامة بنت زينب وهو يصلى بالناس ، اذا قام حملها واذا     سجد وضعها ، و جاء الحسن والحسين وهما ابنا ابنته اليدة فاطمة رضى الله عنها وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال قول الله تعالى فى القرآن " واعلموا      أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم " الأنفال 28 ، نظرت الى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما .
أخلق النبى صلى الله عليه وسلم مع الخدم :
كان الرسول صلى الله عليه وسلم لطيفا رحيما ، ولم يكن صخابا فى الأسواق ، ولايجزى السيئة بالسيئة ،     ولكن يعفو ويصفح ، عن أنس رضى الله عنه قال " خدمت النبى صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله           ما قال لى أف قط ، ولا قال لشىء لم فعلت كذا أو هلا فعلت كذا " رواه الشيخان وأبو داود والترمذى .
عن عائشة رضى الله عنها قالت " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما ولا امرأة ، ولا ضرب       بيده شيئا قط الا أن يجاهد فى سبيل الله " رواه ما لك والشيخان وأبو داود ، وعن عائشة رضى الله عنها     قالت " ما خير رول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط الا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن اثما ، فان كان اثما   كان أبعد الناس منه ، وما أنتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط الا أن تنتهك حرمة الله فينتقم " .
من صفات النبى صلى الله عليه وسلم .
رحمة النبى صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " الأنبياء 107 ، وعندما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم أدع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم " انى لم أبعث لعانا ، وانما بعثت رحمة " رواه مسلم .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم " اللهم انما أنا بشر فأى المسلمين سببته أو لعنته فاجعلها له زكاة وأجرا "        رواه مسلم ، وكان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم " اللهم من ولى من أمر أمتى شيئا فشق عليهم ، فاشق      عليه ،   ومن ولى من أمر أمتى شيئا فرفق بهم لإارفق به " ز ، وقال صلى الله عليه وسلم " هل ترزقون      وتنصرون الا بضعافكم " رواه البخارى . ، وقال النبى صلى الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الله ، ارحموا         من فى الأرض يركمكم من فى السماء " رواه الترمذى وصححه الألبانى .
تواضع النبى صلى الله عليه وسلم :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الغنى والفقير ، ويعود المرضى فى أقصى المدينة ، ويقبل  عذر  المعتذر ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد " رواه أبو يعلى      وحسنه الألبانى ، وقال صلى الله عليه وسلم " لو أهدى الى كراع لقبلت ، ولو دعيت عليه لأجبت " رواه الترمذى وصححه الألبانى , وكان صلى الله عليه وسلم يحذر من الكبر فقال " لا يدخل فى الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة     من كبر " رواه مسلم ، ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة ولو الى خبز الشعير ، ويقبل     الهدية ، فعن أنس رضى الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى الى خبز الشعير والاهالة السنخة فيجيب "     رواه الترمذى فى الشمائل – والاهالة البخة هى الدهن الجامد المتغير الريح من طول المكث ، وعن أبى أمامه    الباهلى قال " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا اليه فقال " لاتقوموا كما يقوم  الأعاجم  يعظم بعضهم بعضا " رواه أبو داود وأبن ماجه واسناده حسن .
 زهد النبى صلى الله عليه وسلم :
كان الرسول صلى الله عليه وسلم أزهد الناس فى الدنيا وأرغبهم فى الآخرة، خيره الله تعالى بين أن يكون ملكا نبيا     أوأن يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا ، كان ينام على الفراش تارة ، وعلى الحصير تارة ، وعلى الأرض     تارة ، وعلى السرسر تارة بين رماله، وتارة على كساء أسود، قال أنس بن مالك رضى الله عنه" دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط ، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ، ودخل عمر رضى الله عنه وناس من الصحابة فانحرف النبى صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط فى جنبه فبكى ، فقال النبى صلى   الله عليه وسلم " ما يبكيك يا عمر " ، قال " وما لى لا أبكى وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا    وأنت على الحال الذى أرى " ، فقال " يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة " ، قال " بلى " ، قال         " هو كذلك " .
صبر النبى صلى الله عليه وسلم :
كان النبى صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه ، وكانت شدته من الكفار والمنهكين لحدود     الله ، ومن صبره على الأذى أنه جاءه ملك الجبال يقول " يا محمد ان شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ( أى الجبلين وهما جبلا أبو قبيس وقعيقعان بمكة ) ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من    يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا " .
الخاتمة :
يجب علينا أن نتبع أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم ونطيعه ، يقول تعالى " ومن يطع الله والرسول فأولئك  مع    الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى     بالله عليما " سورة النساء 69 – 70 ، وقال تعالى " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله   واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " الأحزب 21 ، ، وقال صلى الله عليه وسلم " ان من أحبكم الى وأقربكم منى مجلسا    يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " ، وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان من خياركم أحسنكم خلقا " ، وقال صلى الله عليه وسلم " ما من شىء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وان الله يبغض الفاحش البذىء " ، وقال صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين ليمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لأهله " وفى رواية      ( لنسائهم ) ، وقال صلى الله عليه وسلم " ان هذه الأخلاق من الله تعالى فمن أراد الله به خيرا منحه خلقا حسنا " ، وقال صلى الله عليه وسلم " ان الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد " .

Wednesday, July 8, 2020

قالوا عن الرسول صلعم -اصطقاء الله لرسوله محمد صلعم ( 24 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 24 )
 قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
برنارد شو ( 1856 – 1910 م ) الكاتب المسرحى الأنجليزى  .   فى أثناء سياحته بالهند كتب رسالة أوضح فيها رأيه فى صلاحية الدين الاسلامى لجميع الأمم ، فى كل زمان ومكان ، وشاد بفضل هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وعظمته وعبقريته  قائلا :" لقد وضعت دائما دين محمد موضع الاعتبار السامى بسبب حيوييه العظيمة ، فهو الدين الوحيد الذى يلوح لى أنه حائز أهلية العيش لأطوار الحياة المختلفة ، بحيث يستطيع أن يكون جذابا لكل زمان ومكان " واستطرد يقول :" لقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولا لدى أوروبا فى الغد القريب ، وقد بدأ يكون مقبولا لديها اليوم ، ولقد صور اكليروس القرون الوسطى الاسلام بأحلك الألوان ، اما بسبب الجهل ، أو بسبب التعصب الذميم .. ولقد كانوا فى الواقع يمرنون على كراهية محمد وكراهية دينه ، وكانوا يعتبرونه خصما للمسيح .. ولقد درسته باعتباره رجلا عظيما ، فرأيته بعيدا عن مخاصمة المسيح ، بل يجب أن يدعى منقذ الانسانية ، وانى لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثله حكم العالم الحديث لنجح فى حل مشكلاته بطريقة تجلب الى العالم السلام والسعادة اللذين هو فى أشد الحاجة اليهما ... ولقد ادرك قى القرن التاسع عشر مفكرون مخلصون أمثال كارليل وجوت ( 1749 – 1832 م ) وجيبون ( 1737 – 1794 ) القيمة الذاتية لدين محمد ، وهكذا وجد نحول حسن فى موقف أوروبا من الاسلام ، ولكن أوروبا فى القرن الراهن تقدمت فى ها السبيل كثيرا ، فبدأت تعشق عقيدة محمد ، وفى القرون القادمة قد تذهب أوروبا الى أبعد من ذلك ، فتعترف بفائدة هذه العقيدة فى حل مشاكلها ، بهه الروح يجب أن تفهموا نبوءتى ، وفى الوقت الحاضر دخل كثير من أبناء قومى من أهل أوروبا فى دين محمد ، حتى ليمكن أن يقال ان تحول أوروبا الى الاسلام قد بدأ  ، لقد بدأت أوروبا الآن تتعشق الاسلام ، ولن يمضى القرن الحادى والعشرين حتى تكون أوروبا قد بدأت تستعين به فى حل مشاكلها , وقال عن النبى صلى الله عليه وسلم :" ان محمدا هو منقذ الانسانية ... اننى أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم فى العالم بأجمعه لتم النجاح فى حكمه ولقاده الى الخير ، وحل مشكلاته على وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة "  
لامرتين شاعر فرنسا الكبير ( 1790 – 1869 م )  درس لامرتين حياة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم دراسة وافية ، وأدرك ما فيها من عظمة وخلود ، ويقول :" أترون محمدا كان أخ خداع وكذب ؟ ، كلا لم يكن خادعا ولا كذبا بعد ما عرفنا تاريخه ودرسنا حياته ، فالكذب والخداع والتليس صفات تتولد من نفاق العقيدة وليس للنفاق قوة العقيدة وليس للكذب قوة الصدق " ، وتناول حياته بالتحليل قئلا :" ان حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته وجاهلية سعبه وخزعبلات قبيلته وشهامته وجرأته ويأسه ، وثباته ثلاثة عشر عاما يدعو دعوته فى وسط أعدائه ، وتقبله سخرية الساخرين وهزأء بهزء الهازئين وحميته فى نشر رسالته ، وتوافره على السعى فى اظهار دعوته ، ووثوقه بالنجاح وايمانه بالفوز وتأسيس العقيدة الاسلامية ، ونجاح دينه بعد موته ، كل ذلك أدلة على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل ، وهذا اليقين الذى ملأ روحه هو الذى وهبه القوة على أن يرد الى الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة ومبدأ مزدوجا ، وهو وحدانية الله وتجرد ذاته عن المادة ، الأولى تدل على من هو اله ، والثانية تنفى ما ألصقه الوثنيون به ، الأولى حطمت آلهة كاذبة ، والأخرى فتحت طريقا الى الفكر والتأمل " ، ويقول فى موضع آخر :" لقد كان محمدا فيلسوفا وخطيبا ومشرعا وقائدا وفاتح فكر وناشر عقائد تتفق مع الذهن ، ومنشىء عشرين دولة فى الأرض ، وفاتح دولة فى السماء من الناحية الروحية ، أى رجل قيس بجميع هذه المقاييس التى وضعت لوزن العظمة الانسانية كان أعظم منه ؟ ، ولو كان مقياس العظمة هو اصلاح شعب متدهور ، فمن ذا يتطاول الى مكان محمد ؟ ، لقد سما بأمة متدهورة ورفعها الى قمة المجد ، وجعلها مشعلا للمدنية وموردا للعلم والعرفان ، لو كان مقياس العظمة فى توحيد البشرية المفككة الأوصال فمن أجدر بهذه العظمة من محمد الذى جمع شمل العرب وجعلهم أمة عظيمة وامبراطورية شاسعة ، ولو كان مقياس العظمة هو اقامة حكم السماء على الأرض فمن ذا الذى ينافس محمدا وقد محا مظاهر الوثنية ليقيم عبادة الخالق وحده ، ولو قسنا العظمة بالنصر الحربى والنفوذ والسلطان فمن يدانيه فى هذا المضمار ؟ ! ، لقد كا يتيما لا حول له ولا قوة ، فأصبح ماكا عظيما ومؤسسا لامبراطورية دامت ثلاثة عشر قرنا من الزمان ، ولو كان مقياس العظمة هو الأثر الذى يخلده فى النفوس على مر الأجيال فهاهو محمد يمجده أربعمائة مليون ( عد المسلمين اليوم مليار وسبعمائة مليون ) من الناس فى مختلف البقاع ، مع تباين أوطانهم وألوانهم وطبقاتهم .
ليو تولستوى ( 1828 – 1910 م ) الكاتب الروسى . لقد كان هذا الفيلسوف الروسى كاتبا منصفا ، فعندما رأى تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الاسلامى هزته الغيرة على الحق الى وضع عجالة عن نبى الاسلام ، وبعض تاريخ حياته فقال فيه :" ولد نبى الاسلام فى بلاد العرب من أبوين فقيرين وكان فى حداثة سنه اعيا ، يميل الى العزلة والانفراد فى البرارى والصحارى ، متأملا فى الله خالق الكون ، لقد عبد العرب المعاصرون له أربابا كثيرة ، وبالغوا فى التقرب اليها واسترضائها ، وأقاموا لها العبادات وقدموا لها الضحايا المختلفة ، وكان كلما تقدم به العمر ازداد اعتقادا بفساد تلك الأرباب ، وأن هناك الها واحدا حقيقيا لجميع الناس والشعوب ، وقد ازداد ايمان محمد بهذه الفكرة فقام يدعو أمته وأهله الى فكرته ، معلنا أن الله أصطفاه لهدايتهم وعهد اليه انارة بصائرهم وهدم دياناتهم وعباداتهم الباطلة ، وراح يعلن عن عقيدته وديانته ، وخلاصة هذه الديانة التى نادى بها هذا الرسول هو أن الله واحد ... لاآله الا هو ، ولذلك لا يجوز عبادة غيره ، وبأن الله عادل ورحيم بعباده ، وأن مصير الانسان النهائى متوقف عليه وحده ، فان الله يؤجره فى الحياة الآخرة أجراحسنا ، واذا خالف شريعة الله تعالى وسار على هواه فانه يعاقب فى الآخرة عقابا أليما ، وأن الله تعالى يأمر الناس بمحبته ومحبة بعضهم بعض ، ومحبة الله تكون بالصلاة ، ومحبة الناس تكون بمشاركتهم فى السراء والضراء ، وأن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر يقتضى عليهم أن يبذلوا وسعهم لابعاد كل من شأنه اثارة الشهوات النفسية والابتعاد عن الملذات الدنيوية ، وانه يحتم عليهم ألا يخدموا الجسد ويعبدونه ، بل عليهم أن يخدموا الروح ويهذبونها ، ومحمد لم يقل عن نفسه أنه نبى الله الوحيد بل أعتقد أيضا بنبوة موسى وعيسى وقال ان اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم ، وفى سنى دعوته الأولى احتمل كثيرا من اضطهادات أصحاب الديانة القديمة شأن كل نبى قبله نادى أمته الى الحق ولكن هذه الضطهادات لم تثن من عزمه بل ثابر على دعوة أمته ، وقد امتاز المؤمنون كثيرا عن العرب بتواضعهم وزهدهم فى الدنيا وحب العمل والقناعة وبذلوا جهدهم فى مساعدة اخوانهم فى الدين عندحلول المصائب بهم ، ولم يمض على جماعة المؤمنين زمن طويل حتى أصبح الناس المحيطون بهم يحترمونهم احتراما عظيما ويعظمون قدرهم ، وراح عدد المؤمنين يتزايد يوما بعد يوم ، ومن فضائل الين الاسلامى أنه أوصى خيرا بالمسيحيين واليهود ورجال دينهم ، فقد أمر بحسن معاملتهم ، وقد بلغ من حسن معاملته لهم أنه سمح لأتباعه بالتزوج من أهل الديانات الأخرى ، ولا يخفى على أصحاب البصائر العالية ما فى هذا من التسامح العظيم ،  وختم كلامه قائلا :" لا ريب أن هذا النبى من كبار الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة ويكفيه فخرا أنه هدى أمته برمتها الى نور الحق وجعلها تجنح للسلام وتكف عن سفك الدماء وتقديم الضحايا ، ويكفيه فخرا أنه فتح لها طريق الرقى والتقدم وهذا عمل عظيم لا يفوز به الا شخص أوتى قوة وحكمة وعلما ، ورجل مثله جدير بالاجلال والاحترام .
الزعيم الهندى المهاتما غاندى .  عندما احتفل الهنود المسلمون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم فى بونا بالهند حضر غاندى هذا الحفل وألقى كلمة خالدة تحمل اعجاب غاندى بنبى الاسلام ورسالته وعظمته فقد قال :" لما كانت علاقتى بالمسلمين على هذا النحو من المتانة والألفة فقد شعرت برغبة لدراسة حياة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وشرعت بذلك فى أفريقيا الجنوبية ، الا أنى لم أكن فى ذلك الحين ملما باللغة الأوردية الماما كافيا ، وسجنى المتتاع أتاح لى فرصة قراءة كتب سيرة النبى الكريم صلى اله عليه وسلم ، وما كتبه عنه حكيم صاحب أحمد خان ، تلك الكتب التى طلبتها وجاءتنى الى السجن ، وقرأت أيضا أحاديث صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت مترجمة الى اللغة الانجليزية ، لقد كان محمد نبيا عظيما وكذلك كان المسيح ، وقد أصبحت أعتقد أنهما كانا لا ينشدان الا الحق ، ولا أجد جديدا فيما أقوله الآن ، وكانا يخافان الله ، وانما أصف فقط ما يخامر نفسى ، لقد لاقى محمد كثير من الاضطهادات ولكنه كان شجاعا لم يخف غير الله ولم يرهب أى انسان ، كان النبى فقيرا ، زاهدا فى متاع الدنيا فى الوقت الذى كان يستطيع فيه أن يكون مثريا كبيرا لو أراد ، لقد ذرفت الدموع وأنا أقرأ تاريخ ذلك الرجل العظيم ، اذ كيف يستطيع باحث عن الحقيقة أن لا يطأطىء الراس أمام هذه الشخصية التى لم تعمل الا من أجل مصلحة البشرية كلها " .
الأديب الأمريكى واشنجطون ارفنج (1783 – 1859 ) . لقد تناول واشنجطون أرفنج حياة النبى صلى اله عليه وسلم فى مختلف مظاهرها ودرس عبقريته فى شتى صورها ، وتحدث عن مدى تعلق النبى صلى الله عليه وسلم برسالته واخلاصه لدعوته وكتب يقول :"تعتمد حياة هذا النبى على الاخلاص ، ولم يكن هناك ما يدفعه الى خوض هذه المصاعب والعقبات التى صادفته عند اعلان دعوته ، لو لم يكن الايمان الخالص لرب العالمين يملأ فراغ عقله وقلبه ، لقد كان قبل دعوته أمينا محبوبا منتميا الى أشرف قبائل العرب ، وكانت زوجته خديجة على ثراء عريض ، فاجتمع لديه قبل دعوته كرم المحتد والنسب ووفرة المال وطيب السمعة ، ومع ذلك أعلن دعوته بالرغم عما كان يحيطها من متاعب واضطهادات ، وهو لا يرجو من ورائها الا اعلاء كلمة ربه ، ومن مظاهر عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم التى أشار اليها أرفنج تسامحه مع خصومه ومعارضيه بعد فتح مكة ، وفى هذا الصدد يقول :" لقد وقف أبو سفيان ، الذى لم يترك فرصة واحدة تمر لايذاء النبى وأتباعه الا انتهزها أمام النبى بعد فتح مكة فعفا عنه ، أما عكرمة بن أبى جهل الذى ورث العداوة عن أبيه ففر عند دخول النبى صلى الله عليه وسلم مكة تاركا زوجته تتقدم الى النبى صلى الله عليه وسلم طالبة العفو عن زوجها ، فتقدم نحوها النبى صلى الله عليه وسلم وأخذ بيدها معلنا عفوه عن زوجها ، فأسرعت الى الشاطىء لتخبر زوجها بهذا العفو قبل أن يرحل من البلاد ، ولما علم عكرمة بتسامح النبى صلى الله عليه وسلم وعفوه عاد هو وزوجته معلنا اسلامه ، وعندما وقفت نساء قريش أمام النبى صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة رأى بينهن هند زوجة أبى سفيان ، تلك الزوجة الى لاك كبد حمزة بعد قتله وقرضته بأسنانها ، وظل النبى صلى الله عليه وسلم شاخصا اليها فترة طويلة ، فشعرت بالندم والخجل ، وأسرعت نحوه طالبة الصفح والغفران فعفا عنها ، وصفح النبى صلى الله عليه وسلم أيضا عمن صفع ابنته وهى فى طريقها من مكة الى المدينة صفعة كانت سببا فى القضاء عليه ، فهل وجدنا فى تايخ العالم تسامحا كالذى رأيناه من هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟ ، لقد كان التسامح سلاحا فعالا من أسلحة المسلمين ، فقد أثرت سماحة النبى صلى الله عليه وسلم وتسامحه فى نفوس العرب فلانت قلوبهم ورقت نفوسهم فأقبلوا نحوه فى نفوس آمنة وقلوب واعية .
وتناول أرفنج بعد ذلك البعوث السياسية والرسل الى القياصرة والملوك من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم فكتب يقول :" أراد لنبى صلى الله عليه وسلم أن ينشر دينه فى نطاق واسع ففكر فى الوسائل السياسية والدبلوماسية ، فأرسل رسله الى القياصرة والملوك والأمراء ، داعيا اياهم الى احتضان دينه ونشه ، ولذلك لم يلجأ الى لسيف الا بعد أن استنفد الوسائل السلمية الأخرى ، لقد أرسل رسله الى كسرى ملك الفرس ، والى قيصر ملك الروم والى المقوقس حاكم مصر ، كما أرسلها الى النجاشى ملك الحبشة ، وعندما ذهب رسوله الى كسرى قدم اليه رسالة نبيه ، فأعطاها كسرى لأحد رجاله الذى بدأ بقرأ ويقول :" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله ورسول الله الى كسرى ملك الفرس ، فصاح كسرى غاضبا :" ماذا يقول ؟! ، هل هناك من يجرؤ على أن يكتب اسمه قبل اسم كسرى ؟! ، وأمسك بالخطاب فى غضب وحقد ومزقه قبل أن يعرف محتويلته ولم يكتف كسر بذلك بل أصدر أوامره الى حاكم اليمن بأن يلقى القبض على نبى الاسلام ، فأرسل هذا الحاكم رجلين الى المدينة لهذا لالغرض ، فلما وصلا الى المدينة أبلغا النبى صلى الله عليه وسلم رسالة ملكهم ، فقال النبى صلى الله عليه وسل :" هل لكما ملك ؟ " ، فبدت الحيرة على وجهيهما ، ولما عادا الى دارهما عرفا أن كسرى قضى نحبه مقتولا بيد ولده فى نفس اللحظة التى كانا يحادثان فيها النبى صى الله عليه وسلم ، أما رسول لنبى صى الله عليه وسلم الى قيصر الروم فكان أوفر حظا ، اذ قابله قيصر مقابلة حسنة ، وحمله عند عودته بالهدايا ، وان كان لم يرد على الرسالة ردا حاسما ، وفى مصر استقبل المقوقس مبعوث النبى صلى الله عليه وسلم أحسن استقبال وأكرم وفادته وحمله بالهدايا عند عودته وكان من بين هذه الهدايا بغلة لركوب النبى صلى الله عليه وسلم وجاريتان ، فوقع النبى فى حيرة من أمر قبول الجاريتين كمحظيات ، فتزوج احداهما وهى مارية القبطية وتزوج أحد أتباعه الجارية الأخرى ، وكان لذلك أثر حسن عند أقباط مصر ، أما النجاشى ملك الحبشة فقد قبل الاسلام بمجرد أن تلقى دعوة النبى صلى الله عليه وسلم ، هذه الرسل والبعوث تدل دلالة واضحة على أن النبى صلى الله عليه وسم لم يلجأ الى القتال الا بعد أن استنفد جميع الأساليب السياسية والدبلوماسية ، وفى هذا حكمة وروية ومحبة للسلام ، وبحث أرفنج انتصاراته الحربية وتوسعه السياسى وأثرها فى تغير نفسيته وخلقه فكتب يقول :" لم توقظ انتصاراته الحربية والسياسية فيه الزهو والفخار ، ولم تثر فى نفسه الأنانية والرغبات الشخصية الجامحة ، بل بقى النبى صلى الله عليه وسلم بالرغم من هذا كله زاهدا متواضعا كما كان فى بداية حياته ، لقد كانت الثروة والجاه بين يديه ورهن اشارته ولكن لم ينفقها الا من أجل الدين واعلاء كلمة الله ، لم يكن فى بيت النبى صلى الله عليه وسلم عند موته دينار ولا درهم ، ولا عبد ولا جارية ، لقد وضع الله كنوز الأرض كلها بين يديه ولكنه كان زاهدا فيها كلها " ، ولكى يصور أرفنج موقف الرسول صلى اله عليه وسلم عند موت ابنه كتب يقول :" وقد بدا خضوعه لارادة الله فى وضوح تام عندما كان واقفا بجانب ابنه ابراهيم وهو على فراش الموت ، وكان عزؤه الوحيد أنه سيلقى ابنه فى الفردوس ، وعندما تبعه الى قبره كان يدعو الى دينه ووحدانية ربه ورسالة نبوته وحتى فى ساعات موته كان يردد صلاته ويتحدث عن دعوته ، وكانت الكلمات الأخيرة التى اضطربت على شفتيه رغبة فى أن يدخل ملكوت الله مع الأنبياء السابقين .
المستشرق الفرنسى اميل درمنغم ( 1892 – 1971 ) .  كتب المستشرق الفرنسى اميل درمنغم كتابا عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم فى شتى مراحلها ، ومن ضمن ما جاء فى الكتاب :" تاريخ البشرية ما هو الا سلسلة من الايحاء والالهام ، اذ يسمع البشر بين وقت وآخر صيحة مدوية ، واذا برجل يسي فى طريق الحق غير متوان ، عاملا على أن يوقظ الآخرين من نومهم العميق ، هكذا يقوم خلاص البش على سلسلة من الأفعال الحرة الطليقة ، وهكذا نهض محمد صلى الله عليه وسلم يدعو قومه الى دين الواحد الأحد ، وهكذا نهض لينبه آسيا وأفريقيا ، وليجدد بلاد فارس الناعسة وليحث نصرانية الشرق التى أفسدتها التأملات الفاترة ، جاء نبى الاسلام يدعو العلماء ليفقهوا ما يقولون ، ويقوم ما يتيه فيه الحكماء من الطرق المعوجة ، فالناس حين يستمعون لكلامه الموحى اليه به يعود اليهم سابق اتصالهم بالسر المحيط بهم ، مهتدين الى مبدأ حى لا يجدون مثله فى نصائح الفلاسفة وأقطاب السياسة والاجتماع ، ويكفى أن نشير الى أن نبى الاسلام ظهر فى وقت من أشد أوق الاريخ ظلاما ، فى وقت كانت فيه الحضارات مضطربة متداعية ، والقرآن هو معجزة محمد الوحيدة ، فأسلوبه المعجز وقوة أبحاثه التى لا تزال لغزا الى يومنا هذا ، يثيران ساكن من يتلونه ، ولو لم يكونوا من الأتقياء العابدين ، وكان محمد يتحدى الانس والجن بأن يأتوا بمثله ، وكان هذا التحدى أقوى دليل على صدق رسالته ، وهذا لا يعنى الاشارة الى قيمة أدبية خاصة فى القرآن ، مادام محمد كارها للشعراء محترزا من أن يكون أحدهم ، وما دام هناك فرق بين وحى الله ونفث الجن ، ولا ريب فى أن كل آية منه ، ولو أشارت الى أدق حادثة فى حياته الخاصة تأتيه بما يهز الروح بأسرها من المعجزة العقلية ، ولا يستطيع أحد أن يشك فى اخلاص محمد صلى الله عليه وسلم ، فحياة محمد مهما كانت وجهة النظر فيها ، شاهدة على اعتقاده صدق الرسالة التى حمل أمانتها الثقيلة ببطولة ، وان قوة ابداعه وعبقريته الواسعة وذكاءه العظيم وبصره النافذ ، وقدرته عل ضبط نفسه وعزمه المكين ، وحذره وحسن تدبيره وطراز عيشه مما يمنع ذلك النبى ، ذلك الموحى اليه الموهوب من أن يكون مبتلى بالصرع ، ولم يدر فى خلد محمد ثانية أن يجعل كلامه ملائما لذهنية معاصريه حى يسهل اقناعهم واجتذابهم اليه ، فاذا كان محمد قد استمال الناس اليه فلم يكن ذلك بما هو هين سهل ، بل يعرض عليهم رسالته الساطعة القاطعة الحادة كالسيف ، المنفصلة عن نظراته الشخصية . 

قالوا عن محمد صلعم اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 23 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم  ( 23 ) 
قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ظل الفكر الغربى قرونا طويلة يكيد للاسلام ويشوهه ويشوه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا ننسى ما حدث فى محاكم التفتيش فى الأندلس من حرق للمسلمين أحياء ، وحرق للمكتبات والتراث الاسلامى ، واستمر هذا النهج مع الحروب الصليبة ( 489 – 690 هجرية / 1096 – 1291 م ) واستمر نهج الاحتلال الغربى لبلاد المسلمين ، ويستمر فى العصر الحديث ، واذا أردنا الاشارة الى نماذج من هذه الشهادات الغربية على هذه الافتراءات فاننا نستطع على سبيل المثال أن نشير الى شهادة المستشرق الفرنسى الكبير " مكسيم رودنسون " ( 1915 – 2004 ) وهو من أصل يهودى والذى تحدث عن الصورة التى يعاد تقديمها أفلاما ورسوما ومقالات هذه الأيام ! ، لقد تحدث عن هذه الصورة فقال :" لقد حدث أن الكتاب اللاتينيين الذين أخذوا على عاتقهم بين سنة 1100 – 1140 م اشباع حاجة الانسان العامى الى كراهية الاسلام ورسوله .. أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد ، دون اعتبار للدقة ، فاطلقوا العنان  " لجهل الخيال المنتصر " .. فى الحروب الصليبية – فكان محمد فى عرفهم ساحرا ، هدم الكنيسة فى افريقيا والشرق عن طريق السحر والخديعة ، وضمن نجاحه بأن اباح الاتصالات الجنسية ! ، وكان محمد – كما صورته الملاحم الشعبية الغربية الصنم الرئيسى الذى يعبده المسلمون !.. وكا معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة البدو ... وكانت تماثيله حسب أقوالهم تصنع من مواد ثمينة ، وذات أحجام هائلة ! " هكذا حكى " مكسيم ردونسون " طرفا من الصورة التى زيفها العقل الصليبى لرسول الاسلام صلى الله عليه وسلم ، والتى صاغها هذا العقل شعرا وملاحم شعبية أشاعها الشعراء الجوالون بين الجماهير والدهماء ، لتستق فى مخزون الثقافة الغربية ، وتشيع فى الكتب الدراسية ، وليستدعيها الرسامون ومنتجو الأفلام فى هذه الأيام ! ، ويحكى المفكر الألمانى " هوبرت مومر " – فى كتابه " صورة الاسلام فى التراث الغربى " " كيف أن الأوربيين ادعوا أت رسول الاسلام كان كاردينالا كاثوليكيا ، تجاهلته الكنيسة فى انتخابات البابا فقام بتأسيس طائفة ملحدة فى الشق انتقاما من الكنيسة ، واعتبرت أوروبا المسيحية – فى القرون الوسطى – محمد المرتد الأكبر عن المسيحية ، الذى يتحمل وزر انقسام البشرية عن الديانة المسيحية ! " ، ويكشف هذا المفكر الألمانى عن أن هذه الصورة الصليبية الزائفة لرسول الاسلام قد شارك فى صنعها كبا الفلاسفة والقديسين والمفكرين الغربيين ! ، فأكبر فلاسفة الكاثوليكية " توما الأكوينى " ( 1225 – 1274 م ) يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انه هو الذى أغوى الشعوب من خلال وعوده الشهوانية ، وقام بتحريف جميع الأدلة الواردة فى التوراة والأناجي من خلال الأساطير والخرافات التى كان يتلوها على أصحابه ولم يؤمن برسالة محمد الا المتوحشون من البشر ، الذين كانوا يعيشون فى البادية ! " هكذا زيف أكبر فلاسفة الكاثوليكية صورة نبى الاسلام صلى الله عليه وسلم ، الذى جاء بكتاب مصدق لما بين الكتب السماوية جميعا ! والذى أعلن أنه لايفرق بين أحد من رسل الله ، ويا ليت توما الأكوينى كان حيا اليوم ليرى حفاظ الاسلام والمسلمين على الأسرة والعفة ، فى الوقت الذى أفلست فيه كثير من الابراشيات الغربية بسبب التعويضات التى تدفع للأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية من كبار وصغار رجال الدين ! ، وياليته يرى ما يحدث من اعتراف بزواج الثليين فى البلاد الأوربية وقيا بعض الكنائس بتوثيق هذا العقد !
واذا كان واقعنا المعاصر يشهد تدنيس المصحف الشريف واحراقه من قبل كنائس بروتستانتية غربية ، فان المفكر الأمانى " هوبرت كومر " يكشف لنا عن حقيقة أن هذه الكنائس البروتستانتية انما تغترف من ثقافة الكراهية السوداء التى وضع أساسها زعيم البوتستانتية " مارتن وثر " ( 1483 – 1546 م ) الذى وصف القرآن الكريم بأنه " كتاب بغيض وفظيع وملعون وملىء بالأكايب والخرافات والفظائع ! " ، ثم نصح أتباعه بتزييف صورة القرآن ، فبدلا من فهم آياته ومقاصده ، دعا الى استخدام الصورة المزيفة لترجمة القرآن وتعرف المسيحيين عليه ، وعلى القساوسة أن يخطبوا أمام الشعب عن ظائع محمد ، حتى يزداد المسيحيون عداوة له ، وأيضا ليقوى ايمانهم بالمسيحية ، وتتضاع جسارتهم وبسالتهم فى الحرب ضد الأتراك المسلمين ، وليضحوا بأموالهم وأنفسهم فى هذه الحروب ! " كما قال مارتن لوثر " ، أما المستشرقة الألمانية " سيجريد هونكة " ( 1913 – 1999  م ) فانه تحكى كيف صورت الكنيسة الأوربية بلاد الاسلام عالما من الخرافات والأساطير ، عبدة الشيطان والسحرة المتضرعين الى الشيطان .. بلاد الأضاحى البشرية من أجل صنم هبى ، تسهر على سلامته عصبة من الشياطين أسمه محمد ! " من مقال الدكتور محمد عمارة فى افتتاحية كتاب الأزهر " نبى الاسلام فى مرآة الفكر الغربى " هدية مجلة " الأزهر " عدد ربيع الآول 1434 هجرية / فبراير 2013   وعلى النقيض من ذلك كان هناك المنصفون الذين درسوا الفكر الاسلامى وكان لهم رأيهم الخاص ، وسوف نورد بعضا من هذا الفكر لبعض منهم .
توماس كارليل ( 1795 – 1881 م ) الكاتب الأنجليزى .   تناول فى كتابه " الأبطال " حياة محمدا صلى الله عليه وسلم بالبحث والتحليل قائلا :" من العار أن يصغى أى انسان متمدين من أبناء هذا الجيل الى وهم القائلين أن دين الاسلام كذب وأن محمدا لم يكن على حق ، لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة ، فالرسالة التى دعا اليها هذا النبى ظلت سراجا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمان ، لملايين كثيرة من الناس ، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التى عاشت عليها هذه الملايين وماتت اكذوبة كاذب أو مخادع ؟ ، ولو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفا وعبثا ، وكان الأجدر بها ألا توجد ، هل رأيتم رجلا كاذبا يستطيع أن يخلق دينا ويتعهده بالنشر بهذه الصورة ؟ ، ان الرجل الكاذب لايستطيع أن يبنى بيتا من الطوب لجهله بخصائص مواد البناء ، واذا بناه فما ذال الذى يبنيه الا كومة من أخلاط هذه المواد ، فما بالك بالذى يبنى بيتا تبقى دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه هذه الملايين الكثيرة من الناس ؟!  ، وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمدا رجلا كاذبا متصنعا متذرعا بالحيل والوسائل لغلية أو مطمع ، وما الرسالة التى أداها الا الصدق والحق ، وما كلمته الا صوت حق صادق صادر من العالم المجهول ، وما هو الا شهاب أضاء العالم أجمع ، ذلك أمر الله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهب جدلا أن لمحمد هفوات ، فانه ليس فى مقدور هذه الهفوات أن تستمر تلك الحقبة الكبرى وهى أنه رجل صادق ونبى مرسل، ثم استرسل توماس كارليل يقول :" أحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع ، ولقد كان ابن الصحراء مستقل الرأى ، لا يعتمد الا على نفسه ، ولا يدعى ما ليس فيه ، ولم يكن متكبرا ، ولا ذليلا ،فهو قائم فى ثوبه المرقع ، كما أوجده الله ، يخاطب بقوله الحر المبين أكاسرةالعجم وقياصرة الروم ، يرشدهم الى ما يجب عليهم لهذه الحياة ، وللحيا ىلآخرة ، وما كان محمد بعابث قط ، وشاب قوله شائبة لعب ولهو ، فكانت المسائل عنده مسئألة فناء وبقاء ، أما التلاعب بالأقوال والعبث بالحقائق فما كان من عادته قط ، وكان محمد اذا سئل أن يأتى بمعجزة قال حسبكم بالكون معجزة ، انظروا الى هه الأرض ، أليست من عجائب صنع الله ؟! ، أليست آية من آيات عظمته ، أنظروا الى هذه الأرض التى خلقها الله لتمشوا فى مناكبها ولتأكلوا من رزقها ، أنظروا الى هذا السحاب المسير فى الآفاق كيف يتحول الى ماء يروى الأرض ويخرج به النبات والزرع ، ألستم أنت معجزات ؟ ، لقد كنتم صغارا ، وقبل ذلك لم تكونوا أبدا ، ثم لكم جمال وقوة وعقل ، ثم يلأتيكم المشيب ثم تموتون ، لقد كان الكون نفسه فى نظره معجزة ! ، لقد كان يرى كل ما كان يراه كبار المفكرين ، وهو أن هذا الكون المادى انما هو فى الحقيقة لا شىء ، وهو ظل علقة الله فى الفضاء لا غير ، وان دل على شىء فهو يدل على أنه آية من آيات الله  ويزعم المتعصبون أن محمدا لم يكن يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والجاه والسلطان ، كلا وأيم الله ، لقد انطلقت من فؤاد ذلك الرجل الكبير النفس – المملوء رحمة وبرا وحنانا وخيرا ونورا وحكمة ، أفكار غير الطمع الدنيوى وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطان ، لم يكن كغيره يرضى بالأوضاع الكاذبة ، ويسير تبعا للاعتبارات الباطلة ، ولم يقبل أن يتشح بالأكاذيب والأباطيل ، لقد كان منفردا بنفسه العظيمة وبحقائق الكون والكائنات ،لقد كان سر الوجود أمام عينيه بأهواله ومحاسنه ومخاوفه ، لهذا جاء صوت الرجل منبعثا من قلب الطبيعة ذاتها ، لهذا وجدنا الآذان اليه مصغية والقلوب لما يقول واعية ، لقد كان يجول فى خاطره منذ رحلاته وأسفاره آلاف من الأفكار ، ماذا أنا ؟ ، ماهى الحياة ؟ ، ما هو الموت ؟ ماذا أفعل ؟ ، لقد أحس هذا الرجل ابن الصحراء أن هذه هى كبرى المسائل وأهمها ، وكل شىء عديم الوجود بجانبها ، ثم استطرد  توماس كارليل يصو شخصية هذا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الى أن قال :" لقد كان زاهدا متقشفا فى مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله ، فكان طعامه عادة الخبز والماء ، وكثيرا ما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار ، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة ؟ فحبذا محمد من رجل متقشف ، خشن الملبس والمأكل ، مجتهد فى الله ، دائب فى نشر دين الله ، غير طامح الى ما يطمح اليه غيره من رتبة أو دولة أو سلطان ، ولو كان غير ذلك لما استطاع أن يلاقى من العرب الغلاظ احتراما واجلالا واكبارا ، ولما استطاع أن يقودهم ويعاشرهم معظم وقته ، ثلاثا وعشرين حجة ، وهم ملتفون حوله ، يقاتلون بين يديه ويجاهدون حوله ؟ ، لقد كان فى قلوب العرب جفاء وغلظة ، وكان من الصعب قيادتهم وتوجيههم ، لهذا كان من يقدر على ترويضهم وتذليلهم بطلا وأيم الله ، ولولا ما وجدوا فيه من آيات النبل والفضل لما خضعوا لارادته ولما انقادوا لمشيئته ، وفى ظنى أنه لو وضع قيصر بتاجه وصولجانه وسط هؤلاء القوم بدل هذا النبى لما أستطاع قيص أن يجبرهم على طاعته كما استطاع هذا النبى فى ثوبه المرقع ! ، هكذا تكون العظمة ؟! ، وهكذا تكون البطولة ؟! ، وهكذا تكون العبقرية ؟! .
تناول " توماس كارليل " الدين الاسلامى ببعض البحث والتحليل فكتب يقول :" لقد أخرج الله العرب  بالاسلام من الظلمات الى النو وأحيا به أمة هامدة ، وما كانت هذه الأمة الا فئة جوالة فى الصحراء خاملة فقفيرة تجوب الفلاوات ، ومنذ بدء العالم لا يسمع لها صوت ولا تحس منها حركة ، فأرسل الله لهم نبيا بكلمة من عنده ورسالة من فبله ، فاذا بالخمول قد استحال شهرة ، والغموض بنباهة ، والضعف قوة ، واذا بالضوء الخافت قد أضحى نورا وهاجا يملأ الأنحاء ويعم الأرجاء ، وما هو الا قرن حتى امتدت دولة العرب الى الهند والى بلاد الأندلس ، وظلت هذه الدولة تشرق حقبا عديدة ودهوا مديدة بين احق والمروءة والعدل والشهامة والنبل .
وفى موضع آخر كتب يقول :" وفى الاسلام صفة أراها أشرف الصفات وأعظمها وهى المساواة بين الناس ، وهذا يدل على صدق النظر وصواب الرأى ، والاسلام لم يقنع بجعل الصدقة سنة محبوبة ، بل جعلها فرضا على كل مسلم ، وجعلها قاعدة من قواعد الاسلام ، وقدرها بنسبة من الثروة ، تعطى للفقراء والمساكين والمنكوبين ، جميل والله كل هذا !! ، جميل والله أن ينبعث صوت الرحمة والاخاء والانسانية من فؤاد هذا النبى الكريم ابن القفار والصحراء ، ولقد رأى توماس كلرليل فى هاتين الميزتين مظهرين مختلفين من مظاهر اصلاح المجتمعات وتقويمها ، لقد رأى فى الصدقات مظهرا من مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعى بين طبقات الشعب الواحد .
وفى معرض الدفاع عن الدين الاسلامى كتب يقول :" وأى دليل يشهد ببراءة الاسلام من الميل الى الملذات من شهر مضان الذى تلجم فيه الشهوات وتزجر فيه النفوس ، ان أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سطان ، وألا يجعل من لذاته أغلالا تقيده ، بل يجعل منها حليا وزخارف متى شاء خلعها ومتى شاء نزعها ، كذلك أمر رمضان ، حيث تلجم فيه الشهوات وتخضع ، ثم استطرد فى دفاعه عن الاسلام يقول :" لقد مضت على هذا الدين مئتان وألف عام وهو الدين القويم والصراط المستقيم لأكثر من سدس سكان العالم ( يكون المسلمين اليوم نحو ربع سكان العالم ) ، ومازال فوق ذلك دينا يؤمن به أهله من حبات أفئدتهم ، ولا احسب أن أمة اعتصمت بدينها اعتصام المسلمين باسلامهم اذ يوقنون به كل اليقين ، ويواجهون به الدهر أبدا ، ان كلمة التوحيد والتكبير لترن آناء الليل وأطراف النهار فى صدور تلك الملايين من البشر ، وان الفقهاء ذوى الغيرة فى الله والتفانى فى حبه يذهبون الى الشعوب الوثنية بالهند والصين والمالاى فيهدمون أضاليلهم ويشيدون مكانها قواعد الاسلام ، ونعم ما يفعلون .
أما عن القرآن فكتب توماس كارليل يقول :" لقد نظر العرب اليه نظرة معجزة لما بين آياته وأذواقهم من ملائمة ، ولعدم وجود ترجمة تذهب بحسنه وابداعه ، لقد أعطاه العرب من النبجيل أكثر مما أعطاه أهل الأديان الأخرى لأديانهم وما برح فى كل زمان ومكان قاعدة التشريع والعمل ، والقانون المتبع فى شئون الحياة ومسائلها ، والوحى المنزل من السماء هدى للناس وسراجا منيرا يضىء لهم سبل العيش ويهديهم صراطا مستقيما ، ومصدر أحكام القضاة ، والدس الواجب على كل مسلم حفظه والاستنارة به فى غياهب الحياة وكذلك ما برح هذا الكتاب يرن صوته فى آذان الألوف من خلق الله وفى قلوبهم فى كل آن ولحظة . 

مرض الرسول صلعم - اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 22 )

اصطفاء الله رسوله محمد صلعم ( 22 )

                 بدء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحلته مع المرض . 

 انصف رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره بعد فراغه من حجه الى منزله بالمدينة فى بقية ذى الحجة فأقام بها ما بقى من ذى الحجة والمحرم والصفر ثم ابتدىء شكواه فى ليال بقين من صفر أو فى أول شهر ربيع لأول ، وكان قد أعد بعثة الشام فى شهر محرم سنة 11 هجرية وأمر عليها أسامة بن زيد بن حارثة لتقوم بحملة على تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، وفى سيرة ابن هشام " حدثنا ابن سعد قال :" حدثنى عمى يعقوب بن ابراهيم قال :" أخبرنا سيف قال :" حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال :" اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذى توفاه الله به فى عقب المحرم " ، وقال الواقدى :" بدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه لليلتين بقيتا من صفر " ، وقال " حدثت عن هشام بن محمد عن أبى مخنف قال :" حدثنا الصقعب بن زهير عن فقهاء أهل الحجاز أن رسول الله صلى اله عليه وسلم وجع وجعه الذى قبض فيه فى آخر صفر فى أيام بقين منه ، وهو ى بيت زينب بنت جحش "  وقال ابن هشا م :" حدثنى محمد بن عمر بن الصباح الهمدانى قال :" حدثنا يحيى بن عبد الرحمن قال :" حدثنا مسلم بن جعفر البجلى قال :" سمعت عبد الملك بن الأصبهانى عن خلاد الأسدى قال :" قال عبد الله بن مسعود نعى الينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر ، فلما دنا الفراق جمعنا فى بيت أمنا عائشة فنظر الينا وشدد ، فدمعت عينه وقال :" مرحبا بكم ! رحمكم الله ! آواكم الله ! حفظكم الله ! رفعكم الله ! نفعكم الله ! وفقكم الله ! نصركم الله ! سلمكم الله ! رحمكم الله ! قبلكم الله ! أوصيكم بتقوى الله ، وأوصى الله بكم ، وأستخلفه عليكم ، وأؤديكم اليه ، انى لكم نذير وبشير ، لا تعلوا على الله فى عباده وبلاده ، فانه قال لى ولكم " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " القصص 83 ، وقال " أليس فى جهنم مثوى للمتكبرين " الزمر 60 ، فقلنا :" متى أجلك ؟" ، قال :" قد دنا الفراق والمنقلب الى الله ، والى سدرةالمنتهى " ، قلنا :" فمن يغسلك يا نبى الله ؟ قال :" أهلى الأدنى فالأدنى " ، قلنا :" ففيم نكفنك يا نبى الله ؟ " ، قال :" فى ثيابى هذه ان شئتم ، أو فى بياض مصر ، أو حلة يمانية " ، قلنا :" فمن يصلى عليك يا نبى الله ؟ " ، قال :" مهلا غفر الله لكم ، وجزاكم عن نبيكم خيرا ! " ، فبكينا وبكى النبى صلى الله عليه وسلم وقال :" اذا غسلتمونى وكفنتمونى فضعونى على سريرى فى بيتى هذا ، على شفير قبرى ، ثم اخرجوا عنى ساعة فان أول من يصلى على جليسى وخليلى جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم اسرفيل ، ثم ملك الموت مع جنود كثير من الملائكة بأجمعها ، ثم ادخلوا على فوجا فوجا ، فصلوا على وسلموا تسليما ، ولا تؤذونى بتزكية ولا برنة ولا صيحة ، وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتى ، ثم نساؤهم ، ثم أنتم بعد ، أقرئوا أنفسكم منى السلام ، فانى أشهدكم أنى قد سلمت على من بايعنى على دينى من اليوم الى يوم القيامة " ، قلنا :" فمن يدخلك فى قبرك يا نبى الله ؟ " ، قال :" أهلى مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم " ، فى هذا الحديث يعلم الرسو ل صلى الله عليه وسلم الصحابة أدب التعامل مع الميت ، ومع زيارته  ، والتوصية بالسلام عليه لأنه يبلغه السلام الى يوم القيامة ، وبخاصة عند زيارته فى قبره ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبى مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" بعثنى رسول لله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال لى :" يا أبا مويهبة انى قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع " ، فانطلق معى ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال :" السلام عليكم أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح النا فيه !  أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى " ، ثم أقبل على فقال :" يا أبا مويهبة انى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، خيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة ، فاخترت لقاء ربى والجنة " ، قال :" قلت بأبى أنت وأمى ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة " ، فقال :" لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاءربى والجنة " ، ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف فبدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجعه الذى قبض فيهوعن عائشة رضى الله عنها قالت :" رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى وأنا أقول :" وارأساه ! "قال :" بل أنا والله يا عائشة وارأساه ! " ، ثم قال :" ما ضرك لو مت قبلى فقمت عليك وكفنتك ، وصليت عليك ، ودفنتك ! " ، قلت :" والله لكأنى بك لو فعلت لك رجعت الى بتى فأعست ببعض نسائك " ، قالت :" فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به ( بضم السين أى اشتد به وجعه وغلبه على نفسه ) وهو فى بيت ميمونة ، فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض فى بيتى فأذن له ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخط قدماه الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيى " ، قال عبيد الله :" فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال :" هل تدرى من الرجل ؟ " ، قلت :" لا " ، قال :" على بن أبى طالب " ، ثم غمر ( بضم العين وكسر الميم  أى أصابته غمرة المرض وهى شدته ) رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الوجع فقال :" أهريقوا على من سبع قرب من آبار شتى ، حتى أخرج الى الناس فأعهد اليهم " ، قالت :" فأقعدناه فى مخضب ) اناء يغتسل فيه ) لحفصة بنت عمر ثم صبينا عليه الماء حتى طفق بقول :" حسبكم ، حسبكم ! " ، وعن ابن عباس عن أخيه الفضل بن عباس قال :" جاءنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت اليه فوجدته موعوكا قد عصب  رأسه فقال :" خذ بيدى يا فضل " ، فأخذت بيده حتى جلس على المنبر ثم قال :" ناد فى الناس " ،  فاجتمعوا اليه فقال :" أما بعد أيها الناس فانى أحمد اليكم الله الذى لا آله الا هو ، وانه قد دنا منى حقوق  من بين أظهركم ، فمن كنت جلت له ظهرا فهذا ظهرى فليستقدمنه ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضى فليستقدمنه ، ألا وان الشحناء ليست من طبعى ولا من شأنى ، ألا وان أحبكم الى من أخذ منى حقا ان كان له ، أو حللنى فلقيت الله وأنا أطيب النفس ، وقد أرى أن هذا غير مغن عنى حتى أقوم فيكم مرارا " ، قال الفضل :" ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر " ، وحث ابن حميد فقال  : " حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن الزهرى عن أيوب بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، ثم كان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم ، وأكثر الصلاة عليهم ، ثم قال :" ان عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند اله " ، قال :"" ففهمها أبو بكر الصديق وعلم أن نفسه يريد فبكى وقال :" بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا " ، فقال :" على رسلك يا أبا بكر ! أنظروا هذه الأبواب الشوارع اللافظة ( الافظة فى المسجد النافذة اليه ) فى المسجد فسدوها الا ما كان من بيت أبى بكر ، فانى لا أعلم أحدا كان أفضل عندى فى الصحبة يدا منه " ، وحدث ابن حميد فقال :" حدثنا سلمة عن محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن عبد الله عن بعض آل أبى سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ فى كلامه هذا :" فانى لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صحبة واخاء ايمان حتى يجمع الله بيننا عنده " ، وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما على المنبر فقال :" ان عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله " ، فبكى أبو بك ثم قال :" فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ! ، قال : فتعجبنا له ، وقال الناس :" انظروا الى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد يخير ويقول :" فديناك بآبائنا وأمهاتنا ! ، قال :" فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان أمن الناس على فى صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خيلا ، ولكن أخوة الاسلام ، لا تبق خوخة فى المسجد الا خوخة أبى بكر " .

وعن ابن عباس قال :" يوم الخميس وما يوم الخميس ! " ، قال :" اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال :" أئتونى أكتب كتابا لا تضلوا بعدى أبدا فتنازعوا ! ولا ينبغى عند نبى أن يتنازع – فقالوا :" ما شأنه ؟ أهجر ! ( أى اختلف كلامه بسبب المرض ) استفهموه ! ، فذهبوا يعيدون عليه فقال :" دعونى فما أنا فيه خير مما تدعون اليه " ، وأوصى بثلاث قال :" أخرجوا المشكين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم " ، وسكت عن الثالثة عمدا – وقال :" فنسيتها " ، وعن ابن عباس أن على بن أبى طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجعه الذى توفى فيه فقال الناس :" يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله ؟ " ، قال :" أصبح بحمد الله بارئا " ، فأخذ بيده بن عاس بن عبد المطلب فقال :ط ألا ترى أنك بعد ثلاث عبد العصا ! ، وأنى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفى فى وجعه هذا ، وانى لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت ، فاذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله فيمن يكون هذا الأمر ؟ فان كان فينا علمنا ذلك ، وان كان فى غيرنا أمر به فأوصى بنا"  ، قال على :" والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا ، والله لا أسألها رسول الله أبدا " ، وعن ابنعباس قال :" خرج يومئذ على بن أبى طالب على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه ، غير أنه قال فى حديثه :" أحلف بالله لقد عرفت الموت فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كنت أعرفه فى وجوه بنى عبد المطلب  ، فانطلق بنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فان كان هذا الأمر فينا علمنا ، وان كان فى غيرنا أمرنا فأوصى بنا الناس ، وزاد فيه أيضا " فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من لك اليوم "  ، وحدث أبو كريب فقال :" حدثنا بن بكير قال حدثنا يونس ب عمرو عن أبيه عن الأرقم بن شرحبيل قال :" سألت ابن عباس :" أوصى رسول الله ؟ قال :" لا " ، قلت :" فكيف كان ذلك ؟ " ، قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ابعثوا الى على فادعوه " ، فقالتعائشة :" لو بعثت الى أبى بكر ! " ، وقالت حفصة :" لو بعث الى عمر ! " فاجتمعوا عنده جميعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" انصرفوا! فان تك لى حاجة أبعث اليكم فانصرفوا " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" آن الصلاة ؟" ، قيل :" نعم " ، قال :" فأمروا أبا بكر ليصلى بالناس " فقالت عائشة :" انه رجل رقيق فمر عمر " ، فقال :" مروا عمر " ، فقال عمر :" ما كنت لأتقدم وأبو بكر شاهد " ، فتقدم أبو بكر ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج ، فلما سمع أبو بكر حركته تأخر فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فأقامه مكانه وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ من حيث انتهى أبو بكر " ، وعن عائشة قالت :ط لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المرض الذى مات يه أذن بالصلاة فقال :" مروا أبا بكر أن يصلى بالناس فقلت :" ان أبا بكر رجل رقيق ، وانه متى يقوم مقامك لا يطيق ! ، فقال :ط مروا أبا بكر يصلى يالناس " ، فقلت مثل ذلك فغضب وقال :" انكن صواحب يوسف .... مروا أبا بكر يصلى بالناس " فخرج يهادى بين رجلين وقدماه تخطان فى الأرض ، فلما دنا من أبى بكر تأخر أبو بكر فأشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم فى مقامك ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الى جنب أبى بكر جالسا ، قالت :" فكان أبو بكر يصلى بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم ، وكان الناس يصلون بصلاة أبى بكر " اللفظ لحديث عيسى بن عثمان ، قال الواقدى :" سألت ابن أبى سبرة كم صلى أبو بكر بالناس ؟ ، قال :" سبع عشرة صلاة " ، قلت :ط من أخبرك ؟ " ، قال :" أيوب بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة  عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم  ، وقال الواقدى :" وحدثنا ابن أبى سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عكرمة قال :" صلى بهم أبو بكر ثلاث أيام " ، وعن عائشة قالت :ط رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت وعنده قدح فيه ماء يدخل يده فى القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول :" اللهم أعنى على سكرة الموت !

قال أنس بن مالك :" لما كان يوم الأثنين اليوم الذى قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى الناس وهم يصلون الصبح فرفع الستر ، وفتح الباب فخرج  رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام بباب عائشة فكاد المسلمون أن يفتنوا فى صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فرحا به وتفرجوا فأشار بيده ان اثبتوا على صلاتكم وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا لما رأى من هيئتهم فى صلاتهم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة ، ثم رجع وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه فرجع أبو بكر الى أهله بالسنح " ، وحث ابن حميد فقال :" حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن أبى كر بن عبد الله بن أبى مليكة قال :" لما كان يوم الأثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه الى الصبح وأبو بكر يصلى بالناس فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم بفعلوا ذلك الا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظهره وقال :" صل بالناس " ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس وكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول :" يا أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ! وانى والله لا تمسكون على شيئا ، انى لم أحل لكم الا ما أحل لكم القرآن ، ولم أحرم عليكم الا ما حرم عليكم القرآن " ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه قال له أبو بكر :" يا نبى الله انى أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب ، واليوم يوم ابنة خارجة فآتيها ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر الى أهله بالسنح " ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت :" رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم حين دخل من المسجد فاضطجع فى حجرى فدخل على رجل من آل بكر فى يده سواك أخضر قالت فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يده نظرا فعرفت أنه يريده فأخذته فمضغته حتى ألنته ثم أعطيته اياه قالت :" فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك فبله ثم وضعه ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل فى حجرى ، قالت :" فذهبت أنظر فى وجهه فاذا نظره قد شخص وهو يقول :" بل الرفيق الأعلى من الجنة ! " ، قالت :" قلت خيرت فاخترت والذى بعثك بالحق ! " ، قالت :" وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وعن يحيى بن عباد بن الزبير عن أبيه عباد قال :" سمعت عائشة تقول :" مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرى ونحرى وفى دورى ، ولم أظلم فيه أحدا ، فمن سفهى وحاثة سنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو فى حجرى ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهى " ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت :" كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء ( ثوب خز أو صوف معلم ) حين اشتد به وجعه " ، قالت :" فهو يضعها على وجهه ومرة يكشفها عنه ويقول :" قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ! " ، وعن عائشة ضى الله عنها قالت :" كان آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا يترك بجزيرة العرب دينان " ، وهكذا كما نرى ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اللحظة الأخيرة من حياته يعلم أمته ويرشدهم ، وذلك يبرز عظمة القائد الذى يضع أمته معه حتى على فراش المرض ، وقال أبو بكر الصديق ضى الله عنه :" انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما قبض نبى الا يدفن حيث قبض " ، فرفه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى توفى عليه فحفر تحته ، ودخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا ( جماعة بعد جماعة ) حتى اذا فرغ الرجال أدخل النساء ، حتى اذا فرغ النساء أدخل الصبيان ، ثم أدخل العبيد ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الليل ليلة الأربعاء وكان قد توفى يوم الأثنين 12 ربيع الأول سنة عش من الهجرة ، وقال الواقدى :" توفى يوم الأثنين لأثنتى عشرة ليلة خلت من شهر بيع الأول 11 هجرية ، ودفن من الغد نصف النهار ، وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى فى ناحية البيت عليه برد حبرة ( ضرب من ثياب اليمن ) فأقبل حتى كشف عن وجهه ثم أقبل عليه فقبله ، ثم رد الثوب على وجهه ، وخرج على الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :" أيها الناس انه من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت " ، ثم تلا آية " وما محمد الا سول قد خلت من قبله الرسل افئن مات أو قيل انتقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين " آل عمران 144 ، وكتن عمر بن الخطاب له رأى آخر فكما قال أبو هريرة :" لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فقال :" ان رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى وان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، ولكنه ذهب ال ربه كما ذهب موسى بن عمران عليه لسلام ، فغاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع بعد أن قيل قد مات ، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات " .


حجة الوداع -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 21 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 21 ) 

                                                    حجة الوداع . 

 كانت آخر حجة حجها الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانت سنة عشر من الهجرة ، وألقى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة ، وتبرز شخصية الرسول القائد فقد وردت فى هذه الخطبة عدة أمور 1-) ذكر الرسول صلى الله عليه فى خطبته أنه قد لايلقاهم أبدا بعد عامهم هذا ، وهنا نبوءة بوفاته وبخاصة بعد أن أنزلت  " ..... اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت ليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم " المائدة 3 ، فعن هارون بن عنترة عن أبيه قال :" لما أنزلت " اليوم أكملت لكم دينكم " وذلك يوم الحج الأكبر فى يوم عرفة بعد العصر فى حجة الوداع سنة عشر هجرية وكان يوم جمعة بكى عمر فقال له النبى صلى الله عليه وسلم :" ما يبكيك ؟ " ، قال :" أبكانى أنا كنا فى زيادة من ديننا فأما اذا أكمل فانه لم يكمل شىء الا نقص " ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم :" صدقت " ، وكانت هذه الآية نعى للنبى صلى الله عليه وسلم ، وعاش بعدها 81 يوما ، وهذا قول أبن عباس والسدى . 2-) دعاهم الى تأدية الأمانة . 3-) دعاهم الى ترك الربا . 4-) مراعاة حرمة دمائهم وأموالهم بينهم . 5-) مراعاة حقوق النساء والتوصية بهن " ان لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا " ، وتوصية النساء بمراعاة حقوق أزواجهن من ألا يوطئن فراش أزواجهن أحدا يكرهونه ( عدم الزنا ) ، وألا يأتين بفاحشة مبينة ، كما أوصى الرجال خيرا بالنساء فقال " واستوصوا بالنساء خيرا ، فانهن عندكم عوان ( جمع عانية وهى الأسيرة ) لا يملكن لأنفسهن شيئا وانكم انما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " . 6-) التوصية بالتمسك بكتاب الله وسنته فقد قال :" فأعقلوا أيها الناس واسمعوا قولى فانى قد بلغت وتركت فيكم ما ان أعتصمتم به فلن تضلوا أبدا : كتاب الله وسنة نبيه " . 7-) الدعوة الى الأخوة بين المسلمين وعدم سلب حقوق بعضهم فقد قال :" كل مسلم أخو المسلم ، وان المسلمين اخوة ، فلا يحل لأمرىء من أخيه الا ما أعطاه عن طيب نفس فلا تظلموا أنفسكم " ، تعتبر هذه الخطبة ميثاق وتوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين فى كل عهد ، توصية من قائد الى أتباعه وأحبابه ليعملوا بها ، وكانت شاملة فليتنا نتمسك بما جاء بها ، وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل وقت يرسل نفحاته لأمته ، علنا نتبع هداه وهديه فهو نعم القائد لنا والقدوة التى ليس بعدها قدوة .

رحلة مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته . عمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته . 
لا خلاف بين أهل العلم بالأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الأثنين من شهر ربيع الأول ، قالت السيدة عائشة رضى الله عنها :" توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول فى اليوم الذى قدم فيه المدينة مهاجرا فاستكمل فى هجرته عشر سنين كوامل " ، واختلف فى مبلغ سنه يوم توفى فقال بعضهم له يومئذ 63 سنة ، فى سيرة ابن هشام يقول :" حدثنا ابن المثنى قال حدثنا حجاج بن المنهال قال :" حدثنا حماد يعنى ابن سلمة عن أبى حمزة عن العباس قال :" أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى اليه ، وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن 63 سنة " وأيضا " حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا يحيى بن سعيد قال :" سمعت سعيد بن المسيب يقول :" أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بعث بالوحى ) وهو ابن 43 سنة وأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفى وهو ابن 63 سنة " وجاء أ يضا " حدثنا محمد بن خلف العسقلانى قال حدثنا آدم قال :" حدثنا بن سلمة قال :" حدثنا أبو حمزة الضبعى ( بضم الضاد ) عن ابن عباس قال :" بعث رسول الله لأربعين سنة ، وأقام بمكة ثلاث عشرة يوحى اليه ، وبالمدينة غشرا ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة "  ، وعن اليوم والشهر اللذين توفى فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " حدثنى ابراهيم بن سعيد الجوهرى قال :" حدثنا موسى بن داود عن ابن لهيعة عن خالد بن أبى عمران عن حنش الصنعانى عن ابن عباس قال :" ولد النبى صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين ، واستنبىء يوم الأثنين ( أى صار نبيا ينزل عليه الوحى ) ، ورفع الحجر يوم الأثنين ، وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الأثنين ، وقدم المدينة يوم الأثنين ، وقبض يوم الأثنين ".

غزو الرسول صلعم لهوازن وثقيف بحنين اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 20 )

اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 20 )

              غزو الرسول صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف بحنين .

  نزلت هوازن وثقيف بحنين ، وهو واد الى جنب ذى المجاز يريدون قتال النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة وهم يظنون أنه انما يريدهم فلما أتاهم أنه قد نزل مكة أقبلت هوازن عامدين الى النبى صلى الله عليه وسلم وأقبلت معهم النساء والصبيان والأموال ورئيس هوازن مالك بن عوف وأقبلت معهم ثقيف حتى نزلوا حنينا ، فعمد النبى صلى الله عليه وسلم فوافاهم بحنين ، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة فكانوا أتنى عشر ألفا واستعمل رسول الله عتاب بن أسيد ابن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس أميرا على مكة ثم مضى يريد هوازن ، وفى عماية الصبح كمن هوازن فى شعاب الوادى وأحنائه ومضايقه وشدوا على المسلمين شدة رجل واحد وانهزموا ، وانحاز الرسول صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال :" أين أيها الناس ! هلم الى ! أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله " ، وبقى مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر الصديق وعمر ، ومن أهل بيته على بن أبى طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وابمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن واسامة بن زيد ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" يا عباس اصدح ! يا معشر الأنصار ! يا أصحاب السمرة ! " ، فناديت :" يا معشر الأنصار ! يا معشر أصحاب السمرة ! " ، قال :" فأجابوا :"ان لبيك لبيك ! " ، حتى اجتمع اليه مائة منهم ، وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم :" الآن حمى الوطيس ! " ، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يرتجز :" أنا النبى لا كذب ! أنا ابن عبد المطلب ! " ، فما رئى من الناس أشد منه ، واستمرت المعركة وهزم الكفار .

وحدث بعد تقسيم الغنائم فى حنين أمر نرى كيف تصرف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبى سعيد الخدرى قال :" لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا فى قريش وقبائل العرب ولم يكن فى الأنصار منها شىء وجد هذا الحى من الأنصار فى أنفسهم حتى كثرت منهم القالة ( القالة هى الكلام السىء ) حتى قال قائلهم :" لقى والله رسول الله قومه ! " ، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال :" يا رسول الله ! ان هذا الحى من الأنصار قد وجدوا عليك فى أنفسهم لما صنعت فى هذا الفىء الذى أصبت ، قسمت فى قومك ، وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب، ولم يكن فى هذا الحى من الأنصار شىء " ، قال :" فأين أنت من ذلك يا سعد ! " ، قال :" يا رسول الله ما أنا الا من قومى !" قال :" فاجمع لى قومك فى الحظيرة " ، قال :" فخرج سعد فجمع الأنصار فى تلك الحظيرة  ، فجاءه رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا اليه أتا سعد فقال :" قد اجتمع لك هذا الحى من الأنصار " ، وأتاهم سول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذى هو له أهل ثم قال :" يا معشر الأنصار مقالة بلغتنى عنكم وموجدة ( بفتح الحاء وتسكين الواو وكسر الجيم ) وجدتموها فى أنفسكم ! ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فاغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوكم ! " ، قالوا :" بلى لله ولرسولهالمن والفضل ! ، فقال : ألا تجيبونى يا معشر الأنصار ! " ،قالوا :" وبماذا نجيبك يا رسول الله ، لله ولرسوله المن والفضل ! " ، قال :" أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم ، ولصدقتم ، أتيتنا مكذبا فصددقناك ، ومخذولا فنصرناك ،  وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، وجددتم فى أنفسكم يا معشر الأنصار فى لعاعة ( بضم الام وفتح العين قال السهيل اللعاعة بقلة ناعمة ) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتم الى اسلامكم ! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم ! فو الذى نفسى بيده لولا الهجرة لكنت أمرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ! اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصر وأبناء أبناء الأنصار ! " ، قال :" فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا :" رضينا برسول الله قسما وحظا " ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا ، ولنا هنا أن نرى رسول الله القائد الذى يتدخل بما له من صيد ومحبة بين أصحابه ليمنع الفتن ومن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لها! ، وفى حيا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحدث فتنة قط ، فقد تدخل فى المواقف بما له من بعد نظر وبصيرة وما له من مكانة ، تتدخل لتحسم المواقف ، وبعد النظر هذا يذكرنا بموقف آخر فقد كان كعب بن مالك من الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وقاطعهم المسلمون حتى أتى أمر الله بالتوبة فكان أعظم من فرح فقال :" يا رسول الله ان من توبتى أن أنخلع من مالى " ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :" أمسك عليك بعض مالك " ، وقد اختلفت الرواية فى ذلك فى الصحيحين " أن النيى صلى الله عليه وسلم قال له أمسك عليك بعض مالك ولم يعين له قدرا بل أطلق ووكله له اجتهاده فى قدر الكفاية وهذا هو الصحيح فان ما نقص عن كفايته وكفاية أهله لا يجوز له التصدق به فنذره لا يكون طاعة فلا يجب الوفاء به وما زاد على قدر كفايته وحاجته فأخراجه والصدقة به أفضل ، وقد نص الامام أحمد على أن من نذر الصدقة بماله كله أجزأه ثلثه واحتج له أصحابه بما روى فى قصة كعب هذه أنه قال :" يا رسول الله ان من توبى الى الله ورسوله أن أخرج من مالى كله الى الله ورسوله صدقة " قال :" لا " قلت :" فنصفه " قال :" لا " قلت :" فثلثه " قال :" نعم " قلت :" فانى أمسك سهمى الذى بخيبر"رواه أبو داود ، وروى الامام أحمد فى مسنده أن أبا لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال :" يا رسول الله ان من توبتى أن أهجر دار قومى فأساكنك وأن أنخلع من مالى صدقة لله عز وجل ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يجزى عنك الثلث " ، والذى جاء بالصرة ليتصدق بها بضربه بها ولم يقبلها منه خوفا عليه من الفقر وعدم الصبر والأرجح أن النبى صلى الله عليه وسلم عامل كل واحد ممن أراد الصدقة بماله بما يعلم من حاله : فمكن أبا بكر الصديق من اخراج ماله كله ، وقال :" ما أبقيت لأهلك " ، فقال :" أبقيت لهم الله ورسوله " ، فلم ينكر عليه ، وأقر عمر على الصدقة بشطر ماله ، ومنع صاحب الصرة من التصدق بها وقال لكعب " أمسك عليك بعض مالك " ، وقال لأبى لبابه :" يجزيك الثلث "

لقد عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بكل مبادىء الحرب المعروفة كقائد ، بالاضافة الى مزاياه الشخصية الأخرى فى القيادة ، لهذا أنتصر على أعدائه ولو أغفل شيئا من الحذر والحيطة والاستعداد لتبدل الحال عير الحال ولكن الله سلم ورعاه حتى يتم أمره ولنا أن نتأمل هذه المواقف من الغزوات الكبرى التى تبرز عظمة القائد فى كل المواقف فى السلم كما فى الحرب : 1-) ماذا كان يحدث لو تردد قبل معركة بدر الكبرى عندما رأى المشركين متفوقين على أصحابه فى العدد والعدة ؟ . 2-) ماذا كان يحدث لو استسلم فى معركة أحد بعد أن طوقته قوات المشركين من كل جانب  ؟.

3-) ماذا كان يحدث لو ضعفت مقاومته للأحزاب فى غزوة الخندق وبخاصة بعد خيانة اليهود حين أصبح مهددا من خارج المدينة المنورة وداخلها ؟

4-) ماذا كان بحدث لو لم يثبت الرسول صلى الله عليه وسلم مع عشرة فقط من آل بيته والمهاجرين بعد فرار المسلمين فى غزوة حنين ؟ 

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...