زيجات الرسول صلى الله عليه وسلم ( 13 )
من
سمات مدرسة النبوة لأمهات المؤمنين
اتسمت مدرسة النبوة بعدة صفات منها
1- ) أنها تسير بوحى من الله سبحانه
وتعالى : فكل أفعال الرسول ﷺ موحاة له من
الله وتتم بمشيئة الله ، وبعضها كان يتم بتدخل مباشر من الوحى ، مثل رؤية الرسول ﷺ
لزواجه بالسيدة عائشة رضى الله عنها كما سبق شرح ذلك ، والأمر الآلهى بالوحى
المنزل فى القرآن ليتزوج ابنة عمته زينب بنت جحش " فلما قضى زيد منها وطرا
زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم اذا قضوا منهن وطرا وكان
أمر الله مقعولا " الأحزاب 37
والانسان منا فى أحواله العادية فى
كتاب من عند الله يكتب فيه مصيره وعمله ، فما بالنا برسول أرسله الله ليكون خاتما
اانبيين ومعلما للبشرية .
2- ) تنوع الثقافات فى مدرسة النبوة
والأنساب والديانات التنى توحدت تحت راية الاسلام : فالرسول ﷺ تزوج سيدات من أعمار مختلفة والبكر الوحيدة كانت السيدة عائشة
رضى الله عنها وباقى زوجاته كن ثيبات ومنهن من كانت معيلة ( السيدة خديجة ، وسودة
بنت زمعة ، وأم سلمة ، وهند بنت أبى سفيان ) ، ومن كانت يهودية ( صفية بنت حيى بن
اخطب ) ، ومن كانت نصرانية ( السيدة مارية القبطية التى أهداها له المقوقس فتزوجها
بعد أن دعاه لدخول الاسلام ، وقيل عنها أنها سرية ولكن لم يكن هناك فارق فى ذلك ) ،
ومن كانت قريبته ( انبة عمته زينب بنت جحش ) ، ومن كانت من القبائل المعادية
الاسلام ( جويرية بنت الحارث ، وهند بنت أبى سفيان ) .
3- ) حرص الرسول ﷺ على توطيد العقيدة
من بعده فقال " عليكم بسنتى وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى تمسكوا بها " وهذه العقيدة توطدت من خلال
النسب والمصاهرة لتتم الوحدة فى فى أعلى صورها وكانت عادة عند العرب أن يزوج الرجل
ابنته لمن يحب أو أن يتزوج من ابنة من يحب لتكون هناك وحدة دم ورباط دائم ، فزوج
الرسول ﷺ بناته لأقرب أصحابه فزوج السيدة فاطمة ابنته لابن عمه على بن أبى طالب
رضى الله عنه ، وزوج ابنتيه رقية وأم كلثوم لعثمان بن عفان رضى الله عنه وسمى ذو
النورين لذلك ، وتزوج انبة صاحبة أبى بكر الصديق رضى الله عنه السيدة عائشة رضى
الله عنها ، وتزوج السيدة حفصة رضى الله عنها ابنة صاحبه عمر بن الخطاب رضى الله
عنه .
لقد كان رباط عقيدة وتوطد بالنسب
والمصاهرة وكان هناك الشرف الحاصل بأن يصبحن من آل البيت النبوى فقد قال الله
سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم " سلام الله عليكم آل البيت " ، فكل من
انضم الى البيت النبوى الشريف نال هذا السلام من الله وهذه منزلة عظيمة من الله
سبحانه وتعالى ، وفى يومنا هذا وعلى مساحة العالم العربى وما تعداه انتشرت صلة
النسب بين عرب الجزيرة العربية وسائر الشعوب الأخرى بالمصاهرة والدين وكانت الأمة
العربية وكان هناك النسب الذى امتد كذلك مع الفنح الاسلامى الى بلدان أخرى فى آسيا
وافريقيا ولازال النسب والمصاهرة حتى الآن يقويان العقيدة ويدخل الكثيرون فى
الاسلام مع هذه المصاهرة .
4- ) تنوع الأعمار والانساب
والديانات أثرى العقيدة الاسلامية فزوجات الرسول ﷺ حفظن عنه الكثير من الأحاديث
التى أفادت الأمة الاسلامية وبخاصة السيدة عائشة رضى الله عنها وأثبت أن العقيدة
تتخطى الحدود والثقافات ولا تعترف بالفوارق الدينية والعرقية والقبلية ، فالكل
سواسية وحديثنا هنا عن مدرسة النساء ، أما مدرسة الرجال من الصحابة الأكثر انساعا
يتضح فيها ذلك بشكل كبير ، فيها الفارسى ( سليمان الفارسى ) والرومى ( صهيب الرومى
) والحبشى ( بلال بن رباح ) والنصرانى واليهودى والوثنى والأبيض والأسود كل ينصهر
فى بوتقة العقيدة ، وهناك الكثير من الأمثلة بل ان الاسلام كان هو الحديث على كل
ذلك حتى فرض نفسه .
5- ) براعة الرسول ﷺ فى التعامل مع
زوجاته فى حالة التعدد فلم نسمع عن واحدة اشتكت منه ، وحتى فى حالة
التخيير تمسكن بالحياة معه رغم شظف العيش وما كان عليه من عيش رغيد كما كان الحال
بالنسبة للسيدة صفية التى كان أبوها رئيس قومه ، وكذلك بعد آية التحديد ، كذلك ضرب
لنا الرسول ﷺ أروع الأمثلة فى العدل بين الزوجات فى كل شىء مما يحتاج الى حديث آخر
موسع .
6- ) الزواج كان ضرورة للمرأة فى
بيئة الصحراء القاسية وبخاصة من فقدت العائل ولنا أن نتخيل أن نعيش فى صحراء الجزيرة العربية
القاسية القاحلة التى لا يوجد بها ماء أو نبات الا القليل الذى ينبت على المطر
وبعض الآبار على خلاف البيئة الزراعية التى تنعم بالرخاء والاستقرار ، وفى عصر
بدائى لا يشبه عصرنا الحالى الذى توافرت فيه المياه والكهرباء والمواصلات وكل
وسائل العيش الرغيد ، فلو أن انسانا وبخاصة اذا كان امرأة توجه الى الصحراء ليعيش
فى خيمة أو بيت بدائى من الطوب اللبن أو الحجارة أو الشعر وطعامه تمر وماء وخبز
شعيروعنده بعض الماعز والابل والغنم ماذا يفعل ؟ ، فلو كانت امرأة وحيدة ومات عنها
زوجها وترك لها أولادا كيف تتصرف فى هذه الحياة ! ، حتى قضاء الحاجة كان يحتاج الخروج
الى بيت الخلاء بما فى ذلك من مشقة وبخاصة فى الحر والبرد الشديد أو الظلمة فلم
تكن البيوت والمساكن مجهزة بشىء مما نحن فيه الآن ، لايمكن لأى امرأة أن تعيش
بمفردها لساعات ، بل لابد من وجود رجل يرعاها ويرعى مصالحها ، لايمكن أن تستمر فى
العيش فى بيت أبيها أو أخيها وكلنا يعرف ذلك ، لابد من وجود بيت زوجية مستقل لها
تنعم فيه بحريتها وتكون لها حياتها الخاصة مع زوج يصونها ، فلابد أن يتزوجها أحد
وبخاصة اذا فقدت الجمال والمال وكانت مسؤولة عن أولاد وفى هذا الموقف لابد أن نقدر
عظيم التقدير موقف الرسول ﷺ عندما تزوج من ترملن وفقدن الزوج فكل من يريد الزواج
يتزوج بكرا أو ذات ثروة أو عائلة وليس من فقدت الجمال والزوج ولها أولاد فى أمس
الحاجة الى عائل .
7- ) ان زيجات الرسول ﷺ بعد السيدة
خديجة رضى الله عنها كانت فى المدينة أم فى مكة لم يتزوج بعدها سوى سودة بنت زمعهة
لفترة قصيرة جدا ورحل الى المدينة ، وبالنسبة للسيدة عائشة رضى الله عنها كانت
الخطبة فى مكة وبنى بها فى المدينة فكان
التعدد بمعناه فى المدينة وليس فى مكة وقد نتساءل لماذا حدث ذلك ؟ وللرد يمكن أن
نقول ان حياة الرسول ﷺ فى مكة كان أغلبها فى وجود السيدة خديجة وكانت تملأ حياته
برجاحة عقلها لأنه تزوجها فى سن الأربعين وهى سن النضج بالنسبة للمرأة ، وكانت
الودود التى ملأت عليه حياته الأولى التى يحتاج فيها الى المساندة والتى كانت فيها
الدعوة ضعيفة وتحتاج الى المساعدة والدعم ، وكانت الولود التى أنجبت له ذريته
استثناء وحيد هو ابنه ابراهيم الذى أنجبته السيدة مارية القبطية وملت صغيرا ومن
عاش من ذريته هى السيدة فاطمة التى شاء الله أنيكون امتداد الذرية النبوية منها
بعد زواجها من سيدنا على رضى الله عنه ، وقد تزوج سيدنا عثمان رضى الله عنه من
ابنتى الرسول ﷺ وقد توفيتا ، وزيجات الرسول ﷺ اللاحقة فى المدينة لم ينتج عنها
ذرية ، لكن تشكلت فى المدينة مدرسة النبوة لأمهات المؤمنين ، فلم يكن زواجا كما
كان الحال بالنسبة للسيدة خديجة رضى الله عنها ، لقد كان قسم كبير فى حياتها قبل
نزول الوحى وبداية الدعوة فكانت حياة زوجية أكثر منها دعوية ، وبدأت الحياة
الدعوية بعد نزول الوحى على الرسول ﷺ ، والسيدة خديجة هى من توجه الى ورقة بن نوفل
الذى أعلن لها أن ما أنزل على الرسول ﷺ فى غار حراء هو الوحى الذى ينزل على
الأنبياء وبذلك أعلنت بداية الدعوة من بيتها ، وكانت الدعوة فى بدايتها تحتاج الى تثبيت
ودعم العقيدة على التوحيد وتحتاج الى القضاء على عقيدة الشرك التى كان عليها العرب
فى مكة معقل الأصنام التى كانت حول الكعبة ، اذن تغيير العقيدة لابد أن ينبع من
منبع الشرك ومن مركز الثقل وهى مكة ، واستمرت الدعوة وكان القرآن الذى نزل فى مكة
معظمه يدعو الى توحيد الله سبحانه وتعالى واثارة الحجج على وحدانية الله وقدرته فى
الكون من خلال السور المكية وكانت الدعوة يتبعها أفراد قلائل مستضعفون ، ولم يتكون
المجتمع الاسلامى بل كانت نواة العقيدة التى بدأت تمد جذورها فكان زواج الرسول ﷺ
يتسم بالتفرد فتزوج بالسيدة خديجة تبعها بسودة بنت زمعة ، وبعد أن ترسخت العقيدة
كان لابد أن تنطلق الى المرحلة المجتمعية بدخول الاسلام أفواجا فى مجتمع المدينة
بدخول الأوس والخزرج فى الاسلام وهم سكان المدينة مع وجود اليهود فيها فانضم
المهاجرون من مكة الى مجتمع المدينة وتشكلت نواة الدعوة الاسلامية التى اختلفت احتياجاتها
فكانت تحتاج الى التشريع فلابد أن تختلف حياة الرسول ﷺ حتى حياته الاجتماعية
والمجتمعية لابد أن تختلف لأنه قائد ومشرع لأمة فحياته هى حياة أمة وهى النبع
الهادى لهذه الأمة فتشكلت مدرسة النبوة التى لابد أن تكون متعددة الأفراد ، فتعددت
زيجات الرسول ﷺ بعد أن كبر سنه ودخلت الدعهوة فى منعطف جديد ، ودخلت فى الصراع
المسلح مع أعدائها من الكفار وغيرهم فبدأت الغزوات وكان هناك الشهداء الذين خلفوا
من ورائهم أرامل وذرية لابد أن يعيلها المجتمع الاسلامى ، اذن لابد أن يكون هناك
التعدد ، وكانت هناك السبايا كما هى عادة الحروب قديما وحديثا تكثر الأرامل وذلك
كان هو السبب الأول لتعدد زيجات الرسول ﷺ وذلك التعدد أتى بفائدة عظيمة وهى تشكيل
مدرسة النبوة لأمهات المؤمنين ، فقد كانت هناك حاجة الى التشريع الأسرى والاجتماعى
والحياتى ، وهذا الجانب لا يكتمل الا فى وجود المرأة المسلمة التى لابد أن تكون
معايشة للرسول ﷺ تشاركه حياته الخاصة لتنقل الصورة الى باقى المسلمين ، وليس أدل
على ذلك من الاحاديث التى روتها زوجات الرسول ﷺ فأكبر عدد روى من الأحاديث كان
للسيدة عائشة رضى الله عنها بعد زواجه منها لما لها من عقلية وذاكرة حافظة لأن
الذاكرة قدرة خاصة وليست قدرة عامة ، فليس كل شخص يتمتع بقوة الذاكرة التى تحفظ ما
تسمع ، ومن زوجات الرسول ﷺ من كانت ذات ذرية شغلتها تربيتها عن الالتفات الى
التلقى والحفظ ، فليست كل واحدة فى الظروف مثل الأخرى .
8- ) تشابه المجتمعات فى اعتقاداتها
وعاداتها فى هذه الفترة وذلك نلاحظه فى ارسال المقوقس الى الرسول ﷺ
لمارية القبطية ، فالمقوقس كان على النصرلنية عند دعوة الرسول ﷺ له للاسلام وارساله رسالته اليه فمعنى ارسال المقوقس مارية
لتكون جارية له كان يشير الى وجود التعدد فى كل المجتمعات ووجود المحظيات كظاهرة
فى كافة المجتمعات القديمة وكذلك وجود السرارى وليس مجتمع الجزيرة العربية وحده
الذى قد يكون أقلها حظا نظرا لمحدوديته وقلة موارده وعدم استقراره وقلة اختلاطه
مقارنة بمجتمعات الروم والفرس التى كانت فى بيئات زراعية غنية وكثرت حروبها نتيجة
لعقيدتها التوسعية فكثر فيها سبايا الحروب من النساء وقد أشار الرسول ﷺ الى ذلك
حيث قال فى وصية له " استوصوا بمصر خيرا فان لها نسبا وصهرا " فالنسب هو
سيدنا اسماعيل أبو العرب فأمه السيدة هاجر مصرية ، وجد سيدنا محمد ﷺ من سيدنا
ابراهيم عليه السلام وكذلك نلاحظ أن ترسيخ الصلات كان من خلال الصهر والنسب ليس
عند العرب فى شبه الجزيرة العربية فحسب فكانت المصاهرة عادة موجودة فى كل مكان
وبخاصة بالنسبة للملوك والحكام فالمقوقس اتجه الى تقوية الرابطة مع الرسول ﷺ
بايجاد صلة للمصاهرة والنسب وكان ذلك من أقوى الاسباب لزيجات الرسول ﷺ .
خاتمة
أرجو أن أكون قد وفقت بعون الله
وحوله فى تغطية هذا الموضوع ، وقد بذلت قصارى جهدى لتقديم الحقيقة للمسلم فى
المقام الأول فهو المستهدف من التشكيك فى اخلاق رسوله الكريم ﷺ وهو المنزه عن كل
الشبهات وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك قربى اليه وأن يكون قربى ليشفع لى
رسوله الكريم ﷺ يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم
وعمل مقبول ، أتمنى من الله أن يكون عملى مقبولا وكل ما أرجو من أى مسلم أن يتحرى
الحقيقة حول رسوله الكريم ﷺ ولا يصدق ما يقال عنه من الحاقدين وأعداء الاسلام بحجة
ما يسمونه حرية الفكر وكأن حرية الفكر لا تكون الا بالتطاول على رسول الله ﷺ وكما
حدث بالنسبة للرسوم المسيئة للرسول ﷺ والتى تتهمه بالارهاب لتتهم المسلمين
بالارهاب ولا يتجرأ أحدهم فى بلاد الحرية أن ينفى المحرقة النازية لليهود وقد شملت
يهود وغيرهم ، لابد أن نرجع الى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ، لابد أن يكون رسول الله ﷺ
أحب الينا من أنفسنا حيث يقول " لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه
" ويقول الله فى القرآن الكريم " وما كان لمؤمن أو مؤمنة اذا قضى الله
ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " فعلينا بطاعة الله والتمسك بسنة
رسوله ﷺ .