Grammar American & British

Monday, November 23, 2020

تبسيط تفسير ابن كثيرللقران ( 3 )

3- ) تبسيط تفسير ابن كثير للقران

تفسير سورة البقرة

 الجزء الثالث

تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى أبن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما أقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد 252

"تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض "يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض كما قال " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا "، " منهم من كلم الله " يعنى موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، " ورفع بعضهم درجات " كما ثبت فى حديث الاسراء حين رأى النبى صلى الله عليه وسلم الأنبياء فى السموات بحجسب تفاوت منازلهم عند الله ، " وآتينا عيسى أبن مريم البينات " أى الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بنى اسرائيل به من أنه عبد الله ورسوله اليهم ، " وأيدناه بروح القدس " يعنى أن الله أيده بجبريل عليه السلام ، " ولو شاء الله ما أقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اققتلوا " لوشاء الله ما حدث من خلاف من بعد الرسل لأنهم كل واحد جاء بما شرعه الله ومن بعده يتبع من قبله ومن بعده يتبعه ولكن حدث هذا الاختلاف لتحكم الأهواء والعصبيات ، فاليهود كانوا يعلمون بمقدم رسول من عند الله وكان موصوفا عندهم فكانوا ينظرون أن يكون منهم ولكن عندما كان من العرب وليس منهم لم يتبعوه ، ولكن كل ذلك عن قضاء الله وقدره وحكمته وعلمه فهو فعال لما يريد " ولكن الله يفعل مايريد .

ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لابيع فيه ولا خلة ولاشفاعة والكافرون هم الظالمون 254

" ياأيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لابيع فيه ولاخلة ولاشفاعة والكافرون هم الظالمون "يأمر تعالى بالانفاق من جانب المؤمنين فى سبيله ، سبيل الخير ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم وليبادروا الى ذلك فى هذه الحياة الدنيا ، " من قبل أن يأتى يوم " يعنى يوم القيامة ، " لابيع فيه ولاخلة ولاشفاعة " أى لايباع أحد من نفسه ولايفادى بمال لو بذله ولو جاء بملء الأرض  ذهبا ولا تنفعه خلة فلا أنساب بينهم يومئذ ولايتساءلون ، " ولاشفاعة " أى ولا تنفعهم شفاعة الشافعين ، " والكافرون هم الظالمون " ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا .

الله لا آله الا هو الحى القيوم لاتأخذه سنة ولانوم له ما فى السموات وما فى الأرض من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولايحيطون بشىء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم 255

هذه آية الكرسى ولها شأن عظيم ، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنا أفضل آية فى كتاب الله ، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" سورة البقرة فيها آية سيد آى القرآن لاتقرأ فى بيت فيه شيطان الا خرج منه - آية الكرسى " ، قال أبنمسعود سمعت رسول الله صلى الله عاليهوسلم يقول : " أعظم آية فى القرآن "الله لا آله الا هو الحى القيوم " ، هذه الآية مشتملة على عشرجمل مستقلة ،، " الله لا آله الا هو " اخبار بأنه المنفرد بالآلهية لجميع الخلائق ، " الحى القيوم" أى الحى فى نفسه الذى لايموت أبدا ، القيم لغيره وجميع الموجودات مفتقرة اليه وهو غنى عنا ولا قوام لها بدون أمره ، " لاتأخذه سنة ولا نوم " لايعتريه نقص ولا غفلة ولاذهول عن خلقه بل هو قائم على كل نفس بما كسبت شهيد على كل شىء لايغيب عنه شىء ولايخفى عليه خلفية ، ومن تمام القيومية أنه لايعتريه سنة ولا نوم ، " لاتأخذه " أى لاتغلبه سنة وهى الوسن والنعاس ولهذا قال " ولانوم " لأنه أقوى من السنة ، " له ما فى السماوات وما فى الأرض " اخبار بأن الجميع عبيده وفى ملكه وتحت قهره وسلطانه كقوله " انكل منالسماوات والأرض الا آتى الرحمن عبدا " ، " من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه"لايتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده الا باذنه له فى الشفاعة كقوله " وكم من ملك شفاعتهم شيئا الا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى " ، وكما فى حديث الشفاعة " آتى تحت العرش فأخر ساجدا فيدعنى ما شاء الله أن يدعنى ،ثميقال أرفع راسك وقل تسمع واشفع تشفع فيحد لى حدا فأدخلهم الجنة "  ، " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " دليل على احاطة علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، " ولا يحيطونبشىء من علمه الا بما شاء " لايطلع أحد من علم الله على شىء الا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه ، " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات السبع فى الكرسى الا كدراهم  سبعة ألقيت فى ترس " ، وقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسى فى العرش الا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهرانى فلاة من الأرض ، "ولا يؤده حفظهما " أى لايثقله ولايكترثه حفظ السماوات والأرض  ومن فيهما ومن بينهما بل ذلك سهل عليه يسير لديه ، وهوالقائم على كل نفس بما كسبت الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شىء ولا يغيب عنه شىء والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة وهو الغنى الحميد الفعال لما يريد ن ط العلى العظيم " الأجود فى هذه الآيات مثل " وهو الكبير المتعال " فيها طريقة السلف الصالح أمروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه .

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)

" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " لاتكرهوا أحدا على الدخول فى دين الاسلام فانه واضح جلى دلائله وبراهينه لايحتاج الى أن يكره أحد على الدخول فيه بل من هداه الله للاسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فانه لا يفيده الدخول فى الدين مكرها مقسورا ، قال أبن عباس نزلت فى رجل من الأنصار من بنى سالم بن عوف يقال له الحصينى كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبى ألا أستكرهما فانهما قد أبيا الا النصرانية فأنزل الله فيه ذلك رواه أبن جرير وكانا قد تنصرا على أيدى تجار قدموا من الشام فلما عزما على الذهاب معهم أراد أبوهما أن يستكرههما وطلب من رسول الله أن يبعث فى آثرهما فنزلت الآية ، وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل فى دينهم قبل النسخ والتبديل اذا بدلوا الجزية قال تعالى " يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين " ، " فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا " أى من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو اليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا اله الا هو فقد استمسك بالعروة الوثقى أى فقد ثبت فى أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم ، قال عمر رضى الله عنه ان الجبت السحر والطاغوت الشيطان أى فقد استمسك من الدين بأقوى سبب وشبه ذلك بالعروة القوية التى لا تنفصم هى فى نفسها محكمة مبرمة قوية وربطها قوى شديد قال مجاهد العروة الوثقى الايمان وقال السدى الاسلام ، " وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " أى الله يسمع ويعلم من هو مؤمن حقيقى ومن هو كافر .

 اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)

" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" يخبر تعالى أنه يهدى من اتبع رضوانه سبل السلام فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب الى نور الحق الواضح الجلى المبين السهل المنير" وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ " الكافرون وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات ويخرجهم ويحيد بهم عن طريق الحق الى الكفر والافك ،  ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة وقال " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " ، " أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " من يتبعون الكفر والشرك هم المخلدون فى النار الوارثون لها .

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)

" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ " ينبه الله تعالى الى ما جرى ما بين ابراهيم عليه السلام وبين من دخل فى محاجة معه فى ادعاء الألوهية ووجود ربه وأنكر أن يكون آله غيره كما قال فرعون " ما علمت لكم من آله غيرى " وحمله على هذا الطغيان والكفر الغليظ والمعاندة الشديدة الا تجبره وطول مدة ملكه ولهذا قال " أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ " وكان طلب من ابراهيم دليلا على وجود الرب الذى يدعو اليه فقال ابراهيم " رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ " أى انما الدليل على وجوده هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها وعدمها بعد وجودها وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة لأنها لم تحدث بنفسها فلابد لها من موجد أوجدها هو الرب الذى أدعو الى عبادته وحده لا شريك له عند ذلك قال المحاج " قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ " أراد أن يدعى لنفسه هذا المقام عنادا ومكابرة ويوهم أنه فاعل لذلك ولهذا قال ابراهيم " فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ " أى اذا كنت كما تدعى من أنك تحيىوتميتفالذى يحيى ويميت هو الذى يتصرف فى الوجود فى خلق ذراته وتسخير كواكبه وحركاته فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق فاذا كنت الها كما تدعى تحيى وتميت فأت بها من المغرب ؟ ، " َفبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ " فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لا يقدر على المكابرة بهت أى أخرس فلا يتكلم وقامت عليه الحجة ، " وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " أى لا يلهمهم حجة ولا برهانا بل حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)

" أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا " "أو " تفيد العطف هل رأيت مثل الذى حاج ابراهيم فى ربه ، قال مجاهد بن جبر هو رجل من بنى اسرائيل وأما القرية فالمشهور أنها بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها وقتل أبنائها " وَهِيَ خَاوِيَةٌ " أى ليس فيها أحد من قولهم خوت الدار تخوى خويا ، "عَلَى عُرُوشِهَا " أى ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها فوقف متفكرا فيما آل أمرها اليه بعد العمارة العظيمة وقال " قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا " لما رأى من دثورها وشدة خرابها وبعدها عن العود الى ما كانت عليه ، " فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ " وعمرت البلدة بعد مضى سبعين سنة من موته وتكامل ساكنوهاورجع بنو اسرائيل اليها فلما بعثه الله بعد موته كان أول شىء أحيا الله فى عينيه لينظر بهماالى صنع الله فيه كيف يحيى بدنه فلما استقل سويا قال الله له أى بواسطة الملك " قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ " قال لبثت يوما أو بعض يوم وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله فى آخر نهار فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال " أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ " ، " قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ " فرد عليه أنه لبث مائة عام ، " فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ " وجد طعامه وشرابه لم يتغير منه شىء ،" وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ " أى أنظر الى حمارك كيف يحييه الله وأنت تنظر اليه ، " وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ  " لنجعلك دليلا للناس على المعاد والبعث بعد الموت ، "وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا  " وانظر الى العظام كيف نرفعها فيركب بعضها على بعض أى نحييها ، "ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا " أعاد الله له خلق حماره أمام عينيه من جمع لعظامه الى نفخ الروح فيه  ، " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " لما تبين له هذا كله قال أنى عالم بهذا كله وأن الله قدير عليه وقد رأيته عيانا وهو على كل شىء قدير .

 وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)

" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى " أحب ابراهيم أن يترقى فى علم اليقين بذلك الى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة ، رد الله عليه " قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي " والمسألة لم تعرض من جهة الشك ولكن من قبل زيادة للعلم بالعيان فان العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال ، " قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ " سأله الله أن يأخذ أربعة من الطير ويقطعهن وقال أبن عباس أوثقهن فلما أوثقهن ذبحهن ، " ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا" أمره الله أن يدعوهن فدعاهن كما أمره فجعل ينظر اليها وهى تتجمع ويتصل بعضها ببعض حتى قام كل طائر على حدته وأتينه يمشين سعيا ، "وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " الله عزيز لا يغلبه شىء ولا يمتنع من شىء وما شاء كان بلا ممانع لأنه القاهر .

 مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)

" مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ " هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق فى سبيله وابتغاء مرضاته وان الحسنة تضاعف بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف قال قال سعيد بن جبير " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " يعنى فى طاعة الله وقال مكحول يعنى به الانفاق فى الجهاد من اعداد السلاح وغيره وعن أبن عباس أن الجهاد والحج يضاعف الانفاق فيهما الى سبعمائة ضعف ولهذا قال تعالى " كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ " قال رسول الله : " من أنفق نفقة فى سبيل الله تضاعف سبعمائة ضعف " وقال رسول الله : " من أرسل بنفقة فى سبيل الله وأقام فى بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة ومن غزا فى سبيل الله وأنفق فى جهة ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم " ، " وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ " أى الله يضاعف الأجر بحسب اخلاص المرء فى عمله وعن أبن عمر قال لما نزلت هذه الآية " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قال النبى : " رب زد أمتى " قال فأنزل الله " من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا " ، قال :" رب زد أمتى" قال فأنزل الله"انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ، " وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " والله فضله واسع كثير على من يشاء من خلقه وهو عليم بمن يستحق ومن لا يستحق سبحانه وبحمده .

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)

" الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " يمدح الله تعالى الذين ينفقون فى سبيله ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منا على من أعطوه فلا يمنون به على أحد ولا يمنون به لا بقول ولا فعل ، وتفسير الآية أن من ينفقون فى سبيل الله "ولا أذى" أى لايفعلون مع من أحسنوا اليه مكروها يحبطون به ما سلف من الاحسان ثم وعدهم الله الجزاء الجزيل على ذلك فقال " لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ " لهم ثوابهم على الله لا على أحد سواه ، " وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ " أى لا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة ، "وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " لاهم يحزنون على ما خلفوه من الأولاد ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها لا أسفون عليها لأنهم قد صاروا الى ما هو خير لهم من ذلك ، " قَوْلٌ مَعْرُوفٌ " أى من كلمة طيبة ودعاء لمسلم ،" وَمَغْفِرَةٌ " أى عفو وغفر عن ظلم قولى أو فعلى ، " خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى " ذلك خير من أن تعطى الصدقة ثم تؤذى من أعطيت سواء بالقول أو الفعل أو بهما معا قال رسول الله : " ما من صدقة أحب الى الله من قول معروف ألم تسمع قوله " قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى " ، "وَاللَّهُ غَنِيٌّ" والله غنى عن خلقه ، " حَلِيمٌ " أى يحكم ويغفر ويصفح ويتجاوز عنهم ونهت الأحاديث عن المن فى الصدقة وعن أى ذر قال قال رسول الله : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المنان بما أعطى والمسبل ازاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى " يخبر الله تعالى أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى ،" كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ " أى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله وانما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس أو يقال كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه ولهذا قال  "وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " ، ضرب تعالى مثلا للمرائى بانفاقه " فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ " جمع صفوانه ويستعمل مفردا أيضا وهو الصفا وهو الضخر الأملس ، "عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ " عليه تراب فأصابه وابل وهو المطر الشديد ، " فَتَرَكَهُ صَلْدًا " أى فترك الوابل ذلك الصفوان صلدا أى أملس يابسا لا شىء عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله أى وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وان ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب ولهذا قال " لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" .

 وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)

" وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ "مثل المؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء مرضات الله وهم متحققون ومتثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء أو تصديقا ويقينا" كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ " كمثل بستان بربوة وهو المكان المرتفع عن الأرض وزاد أبن عباس وتجرى فيه الأنهار ، "أَصَابَهَا وَابِلٌ " وهو المطر الشديد ، "فَآتَتْ أُكُلَهَا " آتت ثمرتها ، " ضِعْفَيْنِ " أى بالنسبة لغيرها من الجنان ، " فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ " الطل هو الرذاذ وهو اللين من المطر أى هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا لأنها ان لم يصبها وابل وهو المطر الشديد وان لم يصبها الوابل ويصبها طل أى الرذاذ وأيما كان فهو كسبها وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدا بل يتقبله الله ويكثره وينميه كل عامل بخسبه ولهذا قال " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " أى لا يخفى عليه من أعمال عباده شىء .

 أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)

" أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ " هذه الآية ضربت مثلا بعمل لرجل غنى يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصى حتى أغرق أعماله ، يعمل أحسن العمل أولا ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات فأبطل بعمله الثانى ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج الى شىء من الأول فى أضيق الأموال فلم يحصل منه شىء وخانه أحوج ما كان اليه ولهذا قال تعالى " وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ "الاعصار هو الريح الشديد الذى جاء وفيه نار فأحرق هذه الجنة فأحرق ثمارها وأباد شجرها فأى حال يكون حاله ، قال أبن عباس ضرب الله مثلا حسنا لمن كان له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات تشبيه عمله الصالح الذى كان يعمله وبدل بالعمل السىء عند كبره فضيع العمل الصالح فى شيبته وأصابه الكبر وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره عند هذا الضعف فى آخر عمره جاءه " اعصار فيه نار " وهو العمل السىء الذى أباد العمل الصالح " فاحترقت " أى احترق بستانه فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه وكذلك الكافر يكون يوم القيامة اذا رد الى الله عز وجل ليس له خير فيستعتب كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه ولا يجده قدم لنفسه خيرا يعود عليه كما لم يغن هذا ولده وحرم أجره عند فقر ما كان اليه كذلك الكافر بيوم القيامة كان يمكن أن يزرع فى الحياة الدنيا ويعمل العمل الصالح ولكن استمر فى كفره وجاءه اليوم الذى يحتاج فيه للعمل فلم يجده اعصار الكفر حرق كل حسنة له ، وهذه هى بلاغة القرآن وأمثاله ولهذا قال تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " يوضح الله لكم الآيات ويضرب لكم الأمثال لعلكم تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعانى وتنزلونها على المراد منها كما قال تعالى " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون" كما كان رسول الله يقول فى دعائه " اللهم اجعل أوسع رزقك على عند كبر سنى وانقضاء عمرى " .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ " يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالانفاق والمراد به الصدقة قال أبن عباس من طيبات ما رزقهم من الأموال التى اكتسبوها وقال أبن عباس كذلك من أطيب المال وأجوده وأنفسه ، " وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ " نهاهم عن التصديق برذالة المال ودنيئة فان الله طيب لا يقبل الا طيبا ، " وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ " أى لو أعطيتموه ما أخذتموه الا أن تتغاضوا فيه ولا ترضوا به فكيف ترضون الانفاق منه  ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ " أى وان أمركم بالصدقات بالطيب منها فهو غنى عنها ومن تصدق بصدقة من كسب طيب فليعلم أن الله غنى واسع العطاء كريم جواد وسيجزيه بها ويضاعفها له أضعافا كثيرة وهو الحميد أى المحمود فى جميع أفعاله وأقواله وشرعه فالله أغنى عنه منكم فلا تجعلوا لله ما تكرهون وقيل لا تعدلوا من المال الحلال وتقصدوا الى الحرام فتجعلوا نفقتكم منه ، وعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال نزلت فى الأنصار اذا كانت أيام جذاذ النخل فكان الرجل يأتى بالقنو أى الردىء فيعلقه فى المسجد فقال الرسول :" لو أن أحدكم أهدى له مثل ما أعطى ما أخذه الا على اغماض وحيا " فكنا بعد ذلك يجىء الرجل منا بصالح ما عنده ، ونهى الرسول عن لونين من التمر الجعرور والحبيق وكان الناس يتممون شراء ثمارهم ثم يخرجونها فى الصدقة فنزلت " وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ " نهى عن التصدق بما لا خير فيه ، " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ " الشيطان يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه فى مرضاة الله ، " وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ " أى مع نهيه لكم بالانفاق خشية الاملاق أى الفقر يأمركم بالمعاصى والمآثم والمحارم ومخافة الخلاق ، " وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ " الله يعدكم بالمغفرة فى مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء ،"وَفَضْلًا "أى فى مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر ، " وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " الله يسع برحمته وحلمه كل ما يصدر من عباده من سوء وهو يعلم كل ما يحدث ويقع فى السموات والأرض ، " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ " قال أبن عباس عن الحكمة المعرفة بالقرآن والعلم والفقه وفى الحديث عن أبن مسعود عن رسول الله قال : " رأس الحكمة مخافة الله " وقيل الحكمة الفهم والفقه فى دين الله ، وعن أبن مسعود قال سمعت رسول الله يقول : " لا حسد الا فى أثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه فى الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضىبها ويعلمها " ، " وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " من أوتى الحكمة فقد أوتى الخير الكثير من الله وما ينتفع بالموعظة والتذكار الا من له لب وعقل يعى به الخطاب ومعنى الكلام .

 وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)

" وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ " يخبر الله تعالى أنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفرالجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعده ، " وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" توعد الله من لا يعمل بطاعته بل خالف أمره وكذب خبره وعبد معه غيره وهم الظالمون يوم القيامة لا يجدوا من ينقذهم من عذاب الله ونقمته ، " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ " أى اذا أظهرتم الصدقات فنعم شىء هى ، " وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ " والأفضل لكم اخفاء الصدقات وهذا فيه دلالة على أن اسرار الصدقة أفضل من اظهارها لأنه أبعد عن الرياء الا أن يترتب على الاظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية وفى الحديث المروى " صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل " وعن أبى هريرة قال قال رسول الله سبعن يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله : امام عادل ، وشاب نشأ فى عبادة الله ، ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل قلبه معلق بالمسجد اذا خرج منه حتى يرجع اليه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال انى أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه " ،" وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"والله لا يخفى عليه من أعمالكم تلك من شىء وسيجزيكم عليها .

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)

" لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " عن أبن عباس قال كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا فرخص لهم فنزلت الآية ، كما قال عن النبى أنه كان يأمر بأت لا يتصدق الا على كل من سألك من كل دين كما قال " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ،" وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ  " نفقة المسلم لنفسه وسيجازيه الله عليها ويمنحه الثواب ويزيل بها عليه من الكرب ، " وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ " ولا ينفق المؤمن اذا أنفق الا ابتغاء وجه الله ، والمتصدق اذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله وهو مثاب على قصده ، " وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " والمتصدق أجره على الله ولا عليه فى الأمر لمن أصاب البر أو فاجر أو مستحق أو غيره مثاب على قصده ، " لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " يعنى المهاجرين الذين انقطعوا الى الله والى رسوله وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم ، "لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ " يعنى سفرا للتسبب فى طلب المعاش والضرب فى الأرض هو السفر كما قال تعالى " واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " ، " يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ " أى الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من التعفف فى لباسهم وحالهم ومقالهم وعن أبى هريرة فى الحديث المتفق على صحته قال رسول الله : " ليس المسكين بهذا الطواف الذى ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذى لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا " رواه أحمد ، "  تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ " يعرفون بما يظهر لذوى الألباب من صفاتهم كما قال تعالى " سيماهم فى وجوههم " ، "لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا " لا يلحون فى المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون اليه فان من سأله وله ما يغنيه عن المسألة فقد ألحف فى المسألة قال أبو هريرة قال رسول الله : " ليس المسكين الذى ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان انما المسكين الذى يعفف اقرأوا ان شئتم قوله " لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا " ، وعن أبى هريرة أن رسول الله قال : " ليس المسكين بالطواف عليكم فتطعمونه لقمة انما المسكين المتعفف الذى لا يسأل الناس الحافا " وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله : " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو كدوحا فى وجهه " قالوا : " يا رسول الله وما غناه ؟ " قال : " خمسون درهما أو حسابها من الذهب " ، " وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ " ما تنفقوا من شىء فان الله لا يخفى عليه شىء منه وسيجزى عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون اليه ، " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " هذا مدح منه تعالى للمنفقين فى سبيله وابتغاء مرضاته فى جميع الأوقات من ليل أو نهار والأحوال من سر وجهار حتى أن النفقة على الأهل تدخل فى ذلك وثبت فى الصحيحين أن رسول الله قال لسعدون بن أبى وقاص حين عاده مريضاعام الفتح وفى رواية عام حجة الوداع " وانك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله الا ازددت بها درجة ورفعة حتى ما تجعل فى امرأتك " ، " فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ  " لهم أجرهم يوم القيامة على ما فعلوا من الانفاق فى الطاعات ،" وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " لا يحزنون على ما خلفوه من الأولاد ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها ولا يأسفون عليه لأنهم قد صاروا الى ما هو خير لهم من ذلك .

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)

" الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ " ذكر الله تعالى الأبرار المؤدين النفقات المخرجين الزكوات المتفضلين بالبر والصدقات لذوى الحاجات والقربات فى جميع الأحوال والأوقات شرع فى ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها الى بعثهم ونشورهم لا يقومون يثوم القيامة منها الا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وقال أبن عباس آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق " ، " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " حالهم يكون كذلك لاعتراضهم على أحكام الله فى شرعه وليس هذا قياسا منهم للربا على البيع لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذى شرعه الله فى القرآن ولو كان هذا من باب القياس لقالوا انما الربا مثل البيع وانما قالوا " إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا " أى هو نظيره فلم حرم هذا وأبيح هذا ؟ وهذا اعتراض على شرع الله وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحه لهم وما يضرهم فينهاهم عنه وهو أرحم بهم ولهذا قال " فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ " من بلغه نهى الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع اليه فله ما سلف من المعاملة أى ما كان أكل من الربا قبل التحريم ، " وَمَنْ عَادَ " أى الى الربا ففعله بعد بلوغه ما نهى الله عنه فقد استوجب العقوبة وقامت عليه الحجة ، " فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " فهم خالدون مخلدون فى النار جزظاء ارتكابهم للربا ، وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم ، وقال عمر من آخر ما نزل آية الربا وان رسول الله قبض قبل أن يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة ، وعن عبد الله بن مسعود عن النبى قال : " الرباثلاثة وسبعون بابا " وعن أبى هريرة قال أن رسول الله قال : " يأتى على الناس زمان يأكلون فيه الربا " قيل له الناس كلهم ؟ " قال : " من لم يأله نال من غباره " ، وقال رسول الله : " لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه " .

 يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)

" يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا " يذهب الله الربا أما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به بل يعدمه به فى الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة قال تعالى " وما آتيتم من ربا ليربو فى أموال الناس فلا يربو عند الله " ، وعن عبد الله بن مسعود عن النبى قال :" ان الربا وان كثر فان عاقبته تصير الى أقل" ، " وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ " من ربا الشىء يربو وأرباه يربيه أى كثره ونماه ينميه أى ينمى الصدقات ويكثرها ، عن أبى هريرة قال قال رسول الله : " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل " ، " وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ " الله لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل والمرابى لا يرضى بما قسم الله له من الحلال ولا يكتفى بما شرع له من الكسب المباح فهو يسعى فى أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه من النعمة ظلوم آثم يأكل أموال الناس بالباطل ، " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " يمدح الله المؤمنين بربهم المطيعين أمره المؤدين شكره المحسنين الى خلقه فى اقامة الصلاة وايتاء الزكاة مخبرا عما أعد لهم من الكرامة وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون .

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ " يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بتقواه ناهيا لهم عما يقربهم الى سخطه ويبعدهم عن رضاه ، "  وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا " أتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال بعد هذا الانذار ، " إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " مؤمنين بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا ، ذكرزيد بن أسلم وأبن جريج ومقاتل بن حيان والسدى أن هذه الآية نزلت فى بنى عمرو بن عمير من ثقيف وبنى المغيرة من بنى مخزوم كان بينهم ربا فى الجاهلية فلما جاء الاسلام ودخلوا فيه طلبت ثقيف أن تأخذه منهم فتشاورا وقالت بنو المغيرة لا نؤدى الربا فى الاسلام فكتب فى ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة الى رسول الله فنزلت هذه الآية " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " فقالوا نتوب الى الله ونذر ما بقى من الربا فتركوه كلهم ، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطى الربا بعد الانذار قال أبن عباس " فأذنوا بحرب " أى استيقنوا بحرب من الله ورسوله ان من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه كان حقا على امام المسلمين أن يستتيبه فان نزع والا ضرب عنقه " ، " وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ " ان تبتم وتخليتم عن الربا فلكم رؤوس أموالك أى ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه ، " لَا تَظْلِمُونَ " بأخذ الزيادة ، " وَلَا تُظْلَمُونَ " بأخذ شىء من أموالكم ، " وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ " أمر تعالى بالصبر على المعسر الذى لايجد وفاء لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه اذا حل عليه الدين اما أن تقضى واما أن تربى ، "  وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " يعد الله الخير والثواب الجزيل لمن ترك رأس المال كليه ووضعه عن المدين قال رسول الله : " من سره أن يظله الله يوم لا ظل الا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه " وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال سمعت النبى يقول : " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة " وعن أبن عمر قال قال رسول الله : " من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر " وعن عثمان رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول : " أظل الله عينا فى ظله يوم لا ظل الا ظله من أنظر معسرا أو ترك لغارم " ، " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " يعظ الله تعالى عباده ويذكرهم بزوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها واتيان الآخرة والرجوع اليه تعالى ومحاسبته خلقه على ما عملوا ومجازاته اياهم بما كسبوا من خير وشر ويحذرهم عقوبته وعن سعيد بن جبير وعن أبن عباس أن هذه كانت آخر ما نزل من القرآن كله ، وعاش النبى بعد نزول هذه الآية تسع ليال ثم مات يوم الأثنين الثانى من ربيع الأول ، هذا ما قاله سعيد بن جبير وقال أبن عباس أنه كان بين نزولها وموت النبى واحد وثلاثون يوما .

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " هذا ارشاد منه تعالى لعبادة المؤمنين اذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها وقد نبه على هذا فى آخر الآية حيث قال " ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا " ، " فَاكْتُبُوهُ " أمر منه تعالى بالكتابة للتوثقة والحفظ ، " وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ " يكتب كاتب بالقسط والحق ولا يجر فى كتابنه على أحد ولا يكتب الا ما اتفقوا عليه من غير زيادة ولا نقصان ،  وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ" لايمتنع من يعرف الكتابة اذا سئل أن يكتب للناس ولا ضرورة عليه فى ذلك فكما علمه الله ما لم يكن يعلم فيتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة ، وفى الحديث " من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار واجب على الكاتب أن يكتب ، " وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ " وليملل المدين على الكاتب ما فى ذمته من الدين وليتق الله فى ذلك ، " وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا " لايكتم منه شيئا ، " فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا " ان كان الذى عليه الحق محجوزا عليه بتبذيره ونحوه ،" أَوْ ضَعِيفًا " أى صغيرا أو مجنونا ، " أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ " لا يتسطيع أن يملى الحق لعدم معرفته بمواضع الصواب من الخطأ ،" َفلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ " الذى يكتب أو يملى الحق وليه ويكون عادلا ، " وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ"أمر الله بالشهادة مع الكتابة لزيادة التوثقة وأن يكون هناك رجلان ، " فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ " يمكن أن يكون رجل وامرأتان وهذا انما يكون فى الأموال وما يقصد به المال وانما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة فعن أبى هريرة عن النبى أنه قال : " يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فانى رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يارسول الله أكثر أهل النار ؟ " قال : " تكثرن اللعن وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذى لب منكن " ، قالت : يارسول الله : " ما نقصان العقل والدين ؟ " قال : " أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالى لا تصلى وتفطر فى رمضان فهذا نقصان الدين" ، " مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ " فيه دلالة على اشتراط العدالة والشهود أن يكون الشاهد عدلا مرضيا " ، " أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا " يعنى المرأتين اذا نسيت الشهادة  ، " فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" أآ يحصل لها ذكر بما وقع به من الاشهاد ، " وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا " اذا دعى الشاهد لأداء الشهادة فعليه أدائها اذا تعينت فهو فرض كفاية ، "وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ " هذا من تمام الارشاد وهو الأمر بكتابة الحق وهو الأمر بكتابة الحق صغيرا كان أو كبيرا ولا تسأموا أى لا تملوا أن تكتبوا الحق على أى حال كان من القلة والكثرة الى أجله ، " ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ " هذا الذى أمرناكم به من الكتابة للحق اذا كان مؤجلا هو أقسط عند الله أى أعدل وأقوم للشهادة أى أثبت للشاهد اذات وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه كما هو الواقع غالبا ، " وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا " هذا أقرب الى عدم الريبة بل ترجعون عند التنازع الى الكتاب الذى كتبتموه فيفصل بينكم بلا ريبة، " إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا " اذا كان البيع بالحاضر يدا بيد فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور فى تركها ، وأما الاشهاد على البيع فقال تعالى " وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ " أشهدوا على حقكم على كل حال وقال الشعبى والحسن هذا الأمر منسوخ بقوله " فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " هذا الأمر محمول عند الجمهور على الارشاد والندب لا على الوجوب ،" وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ " لا يضار الكاتب ولا الشاهد فيكتب هذا خلاف ما يملى ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو يكتمها بالكلية ، " وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ " ان خالفتم ما أمرتم به أو فعلتم ما نهيتم عنه فانه فسق كائن بكم أى لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه ، " وَاتَّقُوا اللَّهَ " أى خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره  ، " وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " الله يعلمكم من علمه وشرعه فهو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها فلا يخفى عليه شىء من الأشياء بل علمه محيط بجميع الكائنات .

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)

" وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ" ان كنتم مسافرين وتداينتم الى أجل مسمى ، " وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا " لم تجدوا كاتبا يكتب لكم أو لم تجدوا ةسيلة الكتابة من أدوات الكتابة أو لم يتيسر فليكن بدل الكتابة " فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ "  رهان مقبوضة أى من يد صاحب الحق والرهن لا يلزم الا بالقبض كما فى مذهب الشافعى والجمهور لابد أن يكون الرهن مقبوضا فى يد المرتهن واستدل آخرون على أنه لا يكون الرهن مشروعا الا فى السقر وثبت فى الصحيحين عن أنس أن رسول الله توفى ودرعه مرهونة عند يهودى على ثلاثين وسقا من شعير رهنا قوتا لأهله ، " فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " عن أبى سعيد الخدرى قال هذه الآية نسخت ما قبلها ، وقال الشعبى اذا ائتمن بعضكم بعضا فلا بأس أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا ، " وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ " يعنى المؤتمن يتقى الله ربه فيما أتمن فيه ، "  وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ " لا تخفوا الشهادة وتغلوها ولا تظهروها ، شهادة الزور من كبر الكبائر وكتمان الشهادة كذلك ولهذا قال " وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ"يعنى من يحكتمها فهو فاجر قلبه كقوله " ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين "، " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ " الله عليم بكل أفعالكم .

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)

" ِللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ " يخبر الله تعالى أن له ملك السموات والأرض ما فيهن وما بينهن وأنه المطلع على ما فيهن لا تتخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وان دقت وخفيت " وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ " يخبر الله تعالى أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه فى صدورهم ، وعن أـبى هريرة قال لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله فأتوا رسول الله ثم جثوا على الركب وقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا تطبقها فقال رسول الله : " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابيين من قبلكم سمعنا وعصينا ؟ ؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير " فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله فى اثرها " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"  عن أبى هريرة قال قال رسول الله : " قال الله اذا هم عبدى بسيئة فلا تكتبوها عليه فان عملها فاكتبوها سيئة ، واذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فان عملها فاكتبوها عشرا " فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ " الله سباحنه بحكمته أعلم بالنفوس والنيات قيغفر لمن يشاء بحكمته ويعذب من يستحق العذاب ، " وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" الله له القوة والجبروت فى السموات والأرض وله العزة والملك .

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(286)

آخر آيتين من سورة البقرة قد وردت أحاديث فى فضلهما ، فعن أبن مسعود قال قال رسول الله ﷺ :" من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه ، وعن عقبة بن عامر الجهنى قال قال رسول الله ﷺ : " اقرأ  الآيتين من آخر سورة البقرة فانى أعطيتهما من كنز تحت العرش " هذا اسناد حسن " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ " اخبار عن النبى ﷺ عن ايمانه القوى الذى لا يتزعزع واقرار الله وشهادته له بالايمان ، " وَالْمُؤْمِنُونَ " عطف على الرسول فهم أتباعه وعلى سنته ، " كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ " أخبر الله بذلك عن الجميع فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد فرد صمد لا اله غيره ولا رب سواه ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء وعلى عباد الله المرسلين والأنبياء ولا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون الى سبيل الخير وان كان بعضهم ينسخ شريعة بعض باذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد خاتم النبيين والمرسلين الذى تقوم الساعة على شريعته ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين ، "  وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه وقمنا به وامتثلنا للعمل بمقتضاه ، "غُفْرَانَكَ رَبَّنَا " سؤال للمغفرة والرحمة واللطف ، " وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " اليك يا الله المرجع والمآب يوم الحساب ، " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" لا يكلف الله أحدا فوق طاقته وهذا من لطفه تعالى ورحمته ، " لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ " لها ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر فى الأعمال التى تدخل تحت التكليف ، "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا " ابتهال الى الله أن لا يؤاخدنا على أعمالنا التى تحدث من دون تعمد عن طريق النسيان أو الخطأ أى ان تركنا فرضا على جهة النسيان أو فعلنا حراما وعن أبن عباس قال قال رسول الله : " ان الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ، "  رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا " ندعو الله أن لا يكلفنا من الأعمال الشاقة وان أطقناها كما شرعته للامم الماضية قبلنا من الأغلال ةالآصار التى كانت عليهم التى بعثت نبيك محمد نبى الرحمة بوضعه فى شرعه الذى أرسلته به من الدين الحنيفى السهل السمح ، وقال رسول الله : " بعثت بالحنيفية السمحة " ، " رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ " يارب لا تحملنا ما لا طاقة لنا به من التكليف والمصائب والبلاء ولا تبتلنا بما لا قبل لنا به ، " وَاعْفُ عَنَّا  " واعف عنا فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وذللنا ، "وَاغْفِرْ لَنَا " أغفر لنا فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوئنا وأعمالنا القبيحة ، " وَارْحَمْنَا " أرحمنا فيما يستقبل فلا توقعنا فى ذنب آخر ، " أَنْتَ مَوْلَانَا " أنت يا الله ولينا وناصرنا  ، " فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ " انصرنا على الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك واجعل لنا العاقبة فى الدنيا والآخرة .

الجزء الثالث

تفسير سورة آل عمران

الٓمٓ ١ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ ٢ نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ ٣ مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ ٤

"ألم " سبق فى شرح سورة البقرة شرح الحروف فى بدايات السور ، " ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ "اخبار بأنه المنفرد بالآلهية لجميع الخلائق ، " الحى القيوم" أى الحى فى نفسه الذى لايموت أبدا ، القيم لغيره وجميع الموجودات مفتقرة اليه وهو غنى عنا ولا قوام لها بدون أمره ، " نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ " نزل عليك القرآن يا محمد بالحق أى لا شك فيه ولا ريب بل هو منزل من عند الله بعلمه والملائكة يشهدون " مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ " مصدقا لما بين يديه من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد الله والأنبياء فهى تصدقه بما أخبرت به وبشرت فى قديم الزمان وهو يصدقها لأنه طابق ما أخبرت به وبشرت بارسال محمد ، " وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ * مِن قَبۡلُ " وأنزل التوراة على موسى عليه السلام والانجيل على عيسى عليه السلام من قبل أى قبل هذا القرآن ، " هُدٗى لِّلنَّاسِ " فى زمانهما ، " وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ " وهو الفارق بين الهدى والضلال وقال قتادة والربيع بن أنس الفرقان هنا القرآن ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ"الذين كفروا بآيات أى جحدوا بها وأنكروها ، " لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ " لهم عذاب شديد يوم القيامة ، " وَٱللَّهُ عَزِيزٞ " والله منيع الجنان عظيم السلطان ، " ذُو ٱنتِقَامٍ " ذو انتقام ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام وانبياءه العظام .

إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَخۡفَىٰ عَلَيۡهِ شَيۡءٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ ٥ هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٦

" إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَخۡفَىٰ عَلَيۡهِ شَيۡءٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ " يخبر تعالى أنه يعلم غيب السموات والأرض ولا يخفى عليه شىء من ذلك ، " هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ " هو الذى يخلقكم فى الارحام كما يشاء من ذكر وأنثى وحسن وقبيح وشقى وسعيد ، "لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " هو الذى خلق وهو المستحق للآلهية وحده لا شريك له وله العزة التى لا ترام والحكمة والأحكام .

هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٧ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ٨ رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ ٩

" هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ " يخبر تعالى أنه نزل القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب أى بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد ، " وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ " ومنه آيات أخر فيها اشتباه فى الدلالات على كثير من الناس أو بعضهم أى تحتمل دلالتها موافقة المحم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب ، " هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ " أى أصله الذى يرجع اليه عند الاشتباه ، وقد اختلفوا فى المحكم والمتشابه قال أبن عباس المحكمات ناسخة وحلاله وحرامه وأحكامه ما يؤمر به ويعمل به ، وقال مقاتل بن حيان المحكمات التى ليس من أهل دين الا يرضى بهن ، والمتشابهات المنسوخة والمقدم والمؤخر والأمثال فيه والأقسام وما يؤمن به ولا يعمل به ، " فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ " وأما الذين فى قلوبهم ضلال وخروج عن الحق الى الباطل ، " فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ " انما يأخذون منه بالمتشابه الذى يمكنهم أن يحرفوه الى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال تعالى " ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ  " ابتغاء الضلال لأتباعهم ايها ، ما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالفرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله " ان هو عبد أنعمنا عليه " وكذلك " ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله وليس " ابن الله " أو " رب " ، "وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ  " أى تحريفه على ما يريدون وعن حذيفة عن رسول الله قال : " ان فى أمتى قوما يقرؤن القرآن ينثرونه نثر الدقل يتأولونه على غير تأويله " وعن عائشة رضى الله عنها قالت قرأ رسول الله " هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ " فقال : " اذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى اله فاحذروهم " ، وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ " قال أبن عباس التفسير على أربعة أنحاء : فتفسير لا يعذر أحد فى فهمه ، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها ، وتفسير يعرفه الرسخون فى العلم ، وتفسير لا يعلمه الا الله ،وعن أبن العاص عن رسول الله قال : " ان القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعلموا به وما تشابه منه فآمنوا به " ، " وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ " ان أريد بالتأويل التفسير والبيان والتعبير عن الشىء كقوله فى سورة يوسف " نبئنا بتأويله " فالوقف على الراسخون فى العلم لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به وان لم يحيطوا علما بحائق الأشياء على كنية ما هو عليه ، " يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ " يقولون آمنا به أى المتشابه كل من عند ربنا أى الجميع المحكم والمتشابه حق وصدق وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له لأن الجميع من عند الله وليس شىء من عند الله بمختلف ولا متضاد ولهذا قال تعالى "وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ " أى انما يفهم ويعقل ويتدبر المعانى على وجهها أولواالعقول السليمة والفهوم المستقيمة وعن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال : " نزل القرآن على سبعة أحرف والمراء فى القرآن – قالها شلاش – ما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه الى عالمه جل جلاله"، الراسخون فى العلم المتواضعون لله المتذللون لله فى مرضاته يقولون" رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا " أى لا تملها عن الهدى بعد اذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين فى قلوبهم زيغ الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبتنا على صراطك المستقيمودينك القويم ، " وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ " هب لنا منك رحمة تثبت بها قلوبنا وتجمع بها شملنا وتزيدنا بها ايمانا ، " إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ " انك يا الله وهاب كثير العطاء والسخاء ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله ﷺ ما يدعو " يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك " قلت يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء فقال : " ليس من قلب الا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن اذا شاء أن يقيمه أقامه واذا شاء أن يزيغه أزاغه أما تسمعى قوله " رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ " ، " رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ " أى يقولون فى دعائهم انك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه وتجزى كلا بعمله وما كان عليه فى الدنيا من خير وشر ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ " الله لا يخلف الميعاد وهو ميعاد البعث يوم القيامة فهو يقينى .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ ١٠ كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ١١

" إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ" يخبر تعالى عن الكفار أنهم وقود النار وورد ذلك فى آيات كثيرة الذين كفروا أى بآيات الله وكذبوا رسله وخالفوا كتابه ولم ينتفعوا بوحيه الى أنبيائه فليس ما أتوه فى الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه وسيكونوا وقود النار أى حطبها الذى تسجر به وتوقد به كقوله " انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " وعن أم الفضل أم عبد الله بن عباس أن رسول الله قام ليلة بمكة فقال " هل بلغت " يقولها ثلاثا فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه اللهم نعم وحرصت وجهدت ونصحت فاصبر " فقال النبى : " ليظهر الايمان حتى يرد الكفر الى مواطنه وليخوض رجال البحار بالاسلام وليأتين على الناس زمان يقرءون القرآن فيقرءونه ويعلمونه فيقولون قد قرأنا وقد علمنا فمن هذا الذى هو خير منا ؟ فما فى أولئك من خير " قالوا يارسول الله فمن أولئك " قال : أولئك منكم أولئك هم وقود النار ؟ ، " كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ " كصنع أو كسنة أو كفعل أو كشبه آل فرعون والألفاظ متقاربة ، والدأب هو الصنيع والحال والشأن والأمر والعادة والمعنى أن الكافرين لا تغنى عنهم الأموال ولا الأولاد بل يهلكون ويعذبون كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل ،" وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ " أى شديد الأخذ أليم العذاب لا يمتنع منه أحد ولا يفوته شىء بل هو الفعال لما يريد الذى قد غلب كل شىء لا اله غيره ولا رب سواه .

 قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ١٢ قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ١٣

" قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ " يقول تعالى قل يا محمد للكافرين ستغلبون فى الدنيا وتحشرون يوم القيامة الى جهنم وبئس المهاد ، وعن عمرو بن قتادة أن رسول الله لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع الى المدينة جمع اليهود فى سوق بنى قينقاع وقال : " يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله مما أصاب قريشا " فقالوا : يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال انك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وانك لم تلق مثلنا فأنزل الله فى ذلك" قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ " ، " قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ" قد كان لكم أيها اليهود القائلون ما قلتم آية أى دلالة على أن الله معزز دينه وناصر رسوله ةمظهر كلمته ومعل أمره فى فئتين أى طائفتين التقتا للقتال ، " فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ " وهم المسلمون مع رسول الله "وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ " وهم مشركو قريش بدر " يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ " ترىالفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم أى ضعفيهم فى العدد ومع هذا نصرهم الله عليهم فعن أبن عباس أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا والمشركين كانوا بين ستمائة وست وعشرين وخلاف المنشور عند الجمهور أن المشركين كانوا بين تسعمائة الى ألف فعن عروة بن الزبير أن رسول الله لما سأل ذلك العبد الأسود لبنى الحجاج عن عدة قريش قال كثير قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قال : يوما تسعا ويوما عشرا " قال النبى : " القوم بين تسعمائة وألف " رأى المسلمون المشركينمثليهم أى أكثر منهم بالضعف ليتوكلوا ويتوجهوا ويطلبون الاعانة من ربهم عز وجل ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والهلع ، " وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ " الله يؤيد بتأييده وقوته وجنوده من يشاء من عباده المؤمنين ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ " ان فى ذلك لعبرة لمن له بصيرة وفهم ليهتدى الى حكم الله وأفعاله وقدره الجارى بنصر عباده المؤمنين فى هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد .

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَ‍َٔابِ ١٤ ۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ١٥

" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ ۗ  " يخبر الله تعالى عما زين للناس فى هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد كما ثبت فى الصحيح أن رسول الله قال : " ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء " ، وحب البنين يكون للتفاخر والزينة ، "وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ " وحب المال يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء  " وعن أنس عن رسول الله فى قوله قنطار يعنى ألف دينار ، وقال الضحاك من العرب من يقول القنطار ألف ومائتا دينار ومنهم من يقول اثنا عشر ألفا وقيل ستون ألفا وقيل سبعون ألفا وقيل ثمانون ألفا وقيل غير ذلك ،" وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ " والخيل المسومة وهنا تربط فخرا وأما المسومة فعن أبن عباس أنها الراعية والمطهمة الحسان " وَٱلۡأَنۡعَٰمِ " يعنى الأبل والبقروالغنم ، " وَٱلۡحَرۡثِ " يعنى الأرض المتخذة للغراس والزراعة ، " ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ " انما هذه زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة ، "وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَ‍َٔابِ " اللع عنده حسن المرجع والثواب ، " قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ " قل يا محمد للناس أخبركم بخير مما زين للناس فى هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها الذى هو زائل لا محالة فقال " لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ " الذين أتقوا جزاءهم فى الآخرة جنات تنخرق بين جوانبها وارجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، " خَٰلِدِينَ فِيهَا " ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا ، " وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ " أزواج مطهرة من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعترى نساء الدنيا ، " وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ " يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبدا كما قال فى سورة التوبة " ورضوان من الله أكبر " أى أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم ، " وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ " والله بصير يعطى كلا بحسب ما يستحقه من العطاء .

ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٦ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ ١٧

" ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا "  يصف الله تعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل وهم الذين يقولون آمنا بك وبرسولك وبكتابك ، " فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ " بايماننا بك وبما شرعته لنا فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك وابعد عنا عذاب النار وأدخلنا الجنة ، " ٱلصَّٰبِرِينَ"الذين يقولون ذلك هم الصابرون فى قياهم بالطاعات وتركهم المحرمات ، " وَٱلصَّٰدِقِينَ " والصادقون فيما أخبروا به من ايمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشاقة ، " وَٱلۡقَٰنِتِينَ " والقنوت الطاعة والخضوع أى الذين يطيعون ويخضعون لله ، " وَٱلۡمُنفِقِينَ " والذين ينفقون من أموالهم فى جميع ما أمروا من الطاعات وصلة الأرحام والقربات ومواساة ذو الحاجات ، " وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ " الذين يستغفرون ربهم وقت الأسحار وهذا يدل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار قال رسول الله فى الصحيحين وغيرهما : " يتنزل الله تبارك وتعالى فى كل ليلة الى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير فيقول هل من سائل فأعطيه ؟ هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ " .

شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١٨ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ١٩ فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٢٠

" شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ " شهد تعالى وكفى به شهيدا وهو أصدق الشاهدين وأصدق القائلين أنه المنفرد لالآلهية لجميع الخلائق وأن الجميع عبيده وخلقه وفقراء اليه وهو الغنى عما سواه ثم قرن شهادة ملائكته ، " وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ " وهذه خصوصية للعلماء فى هذا المقام ، " قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ " قائم بالعدل فى جميع الأمور والأحوال ، " لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ " تأكيد لما سبق بتفرده بالآلهية ، " ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " الله هو العزيز الذى لا يرام جنابه عظمة وكبرياء الحكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه وقدره ، وعن الزبير قال سمعت رسول الله حين قرأ هذه الآية قال " وأنا أشهد أى رب " ، "إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ " اخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الاسلام وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به فى كل حين حتى ختموا بمحمد فمن لقى الله بعد بعثه محمد بدين على غير شريعته فليس بمتقبل كما قال " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يتقبل منه " ، شهد الله والملائكة وأولوا العلم من البشر بأن الدين عند الله هو الاسلام ، " وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ " أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول انما اختلفوا بعد ما قامت الحجة بارسال الرسل اليهم وانزال الكتب بغى بعضهم على بعض فاختلفوا فىى الحق لتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته فى جميع أقواله وأفعاله وان كانت حقا ، "وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ " من جحد ما أنزل الله فى كتابه " فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ " فان الله سيجازيه على ذلك ويحاسبه على تكذيبه ويعاقبه على مخالفته كتابه ، " فَإِنۡ حَآجُّوكَ " فان جادلوك فى التوحيد ، " فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ " فقل أخلصت عبادتى لله وحده لا شريك له ولاند له ولا ولد ولا صاحبة له ، " وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ  " أى على دينى يقول كمقالتى كما قال تعالى " قل هذه سبيلى أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى " ، " وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ " يقول تعالى آمرا لعبده ورسوله محمد أن يدعو الى طريقته ودينه والدخول فى شرعه وما بعثه الله به الكتابيين من المليين والأميين من المشركين والله عليه حسابهم واليه مرجعهم ومآبهم وهو الذى يهدى من يشاء ويضل من يشاء وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ولهذا قال " وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ " الله عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة وما ذلك الا لحكمته ورحمته ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى قال : " والذى نفسى بيده لا يسمع به أحد من هذه الأمة يهودى ولا نصرانى ومات ولم يؤمن بالذى أرسلت به الا كان من أهل النار " رواه مسلم .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٢١ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٢٢

" إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ " هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب بما ارتكبوه من المآثم والمحارم وفى تكذيبهم بآيات الله قديما وحديثا التى بلغتهم اياها الرسل استكبارا عليهم وعنادا لهم وتعاظما على الحق واستنكافا عن اتباعه ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه بغير سبب الا لكونهم دعوهم الى الحق ، "  وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ " ويقتلون من يأمرون بسريان الحق من عند الله ، " فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " من يفعلون ذلك يبشرهم الله بعذاب أليم فى الدنيا والآخرة ، " أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ " أولئك الذين يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط حبطت أعمالهم أى فشلت فى الدنيا والآخرة وخسروا الدنيا والآخرة ولن ينصرهم أحد من بطش الله وعذابه وعقابه وعن أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه قال : قلت يا رسول الله أى الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟ " قال : " رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر؟ ثم قرأ الآية ثم قال رسول الله : " يا أبا عبيدة قتلت بنو اسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار فى ساعة واحدة فقام مائة وسبعون رجلا من بنى اسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله عز وجل ولهذا قابلهم الله على ذلك الذلة والصغار فى الدنيا والعذاب المهين فى الآخرة : " أولئك الذين حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين " .

أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ ٢٣ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٢٤ فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٥

" أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ " يقول تعالى منكرا على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم وهما التوراة والانجيل اذا دعوا الى التحاكم الى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد تولوا وهم معرضون عنهما وهذا فى غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد ثم قال تعالى " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ " انما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم انما يعذبون فى النار سبعة أيام عن كل ألف سنة فى الدنيا يوما كما فى سورة البقرة " وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون " ثبتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم الا أياما معدودات وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم واختلفوا ولم ينزل الله به سلطانا ويقول تعالى متوعدا متهددا لهم "  فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ " كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله وكذبوا رسله وقتلوا أنبياءه والعلماء من قومهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والله تعالى سائلهم عن ذلك كله وحاكم عليهم ومجازيهم به فى يوم لا شك فى وقوعه وكونه ،"وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ " فى هذا اليوم الذى يحاسب الله عباده من يعمل مثقال ذرة خير لها ومن يعمل مثقال ذرة شر يره دون ظلم .

قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٦ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ ٢٧

" قُلِ " يقول تعالى قل يا محمد معظما لربك وشاكرا له ومفوضا اليه ومتوكلا عليه ،" ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ" أى لك الملك كله ، " تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ " تؤتى أى أنت المعطى وأنت المانع وأنت الذى ما شئت كان ولم تشأ لم يكن ، وفى هذه الآية تنبيه وشكر نعمة الله على رسوله محمد وهذه الأمة لأنه تعالى حول النبوة من بنى اسرائيل الى النبى العربى القرشى الأمى المكى خاتم الأنبياء ورسول الله الى جميع الثقلين الانس والجن وهكذا يعطى النبوة لمن يريد كما قال " الله أعلم حيث يجعل رسالته والله هو المعز والمذل وهو الذى بيده كل خير وهو على كل شىء قدير ،" تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ " تأخذ من طول هذا فتزيده فى قصر هذا فيعتدلان ثم تأخذ من هذا فى عذا فيتعاونان ثم يعتدلان وهكذا فى فصول السنة ربيعا وصيفا وخريفا وشتاءا ، " وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ " تخرج الزرع من الحب والحب من الزرع والنخلة من النواة والنواة من النخلة والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة وما جرى هذا المجرى من جميع الأشياء ، "  وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ " تعطى من شئت من المال ما لايعده ولا يقدر على احصائه وتقتر على آخرين لما لك فى ذلك من الحكمة والارادة والمشيئة ، وعن أبن عباس عن النبى قال : " اسم الله الأعظم الذى اذا دعى به أجاب فى هذه الآية من آل عمران .
لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ٢٨

" لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ  " نهى تعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء  ، " مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ " يسرون اليهم بالمودة من دون المؤمنين ثم توعد على ذلك فقال " وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ " ومن يرتكب نهى الله فى هذا فقد برىء من الله كما قال " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة " وقال " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم " ، "  إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ " من خاف فى بعض الابلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ، " وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ"يحذركم الله نقمته فى مخالفتة وسطوته وعذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه ، "  وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ" الى الله المرجع والمنقلب ليجازى كل عامل بعمله. 

 قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٩ يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٣٠

" قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ " يخبر تعالى أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر وأنه لا يخفى عليه منهم خافية بل الله علمه محيط بهم فى سائر الأحوال والأزمان والأيام وجميع الأوقات وجميع ما فى السموات والأرض لا يغيب عنه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك فى جميع أقطار السموات والأرض والبحار والجبال  ، "  وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ الله قدرته نافذة فى جميع ذلك وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته لئلا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم فانه عالم بجميع أمورهم وهو قادر فانه يمهل ويأخذ أخذ عزيز مقتدر لهذا قال " يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا " يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر فما رأى من أعماله حسنا سره وأفرحه ،" وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ  " ما رأى العبد من قبيح عمله ساءه وغصه وود لو أنه تبرأ منه وأن يكون بينهما أمدا بعيدا كما قال " يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس لبقرين " يقول العبد لشيطانه الذى مقرونا به فى الدنيا وهو الذى جرأه على فعل السوء أن يكون بينه وبينه بعد عظيم بعد المشرق والمغرب ، " وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ " يخوفكم الله من عقابه ، " وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ "الله يدعو عباده ألا ييئسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه وهو رحيم بخلقه يحب أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم وان يتبعوا رسوله الكريم .

 قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١ قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٢ ۞

" قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ " الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس على الهدى النبوى فانه كاذب حتى يتبع الشرع المحمدى ودين الله فى جميع أقواله وأفعاله وثبت عن رسول الله فى الصجيجين أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد والتفسير أن ان كنتم تحبون الله وتتبعونى يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم اياه وهو محبته اياكم والمغفرة لذنوبكم ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله : " وهل الدين الا الحب فى الله و البغض فى الله قال تعالى " قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ " ، " وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ " باتباعكم الرسول يحصل لكم هذا من مغفرة ربكم ، " قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ " يدل ذلك أن مخالفة رسول الله فى الطريقة كفر والله لا يحب من اتصف بذلك وان ادعى فى نفسه أنه محب الله ويتقرب اليه حتى يتابع الرسول خاتم النبيين ورسول الله الى جميع الثقلين الجن والانس الذى لو كان الأنبياء والمرسلون فى زمانه ما وسعهم الا اتباعه والدخول فى طاعته واتباع شريعته .

إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٣ ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٣٤ إ

" إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ  * ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " يخبر الله تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض فاصطفى آدم عليه الاسلام نفخ فيه من روحه وأسجد له ملا ئكته وأسكنه الجنة واصطفى نوحا عليه السلام وجعله أول رسول بعثه الى أهل الأرض لما عبد الناس الأوثان وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وانتقم له بعد عدم استجابة قومه ودعوته عليهم فأغرقهم عن آخرهم ولم ينج الا من تبعه ، واصطفى آل ابراهيم ومنهم الأنبياء وسيد البشر خاتم الأنبياء على الاطلاق محمد ، واصطفى آل عمران وهو والد مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام وعيسى عليه السلام من ذرية ابراهيم .

اذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٣٥ فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ٣٦

" اذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ " امرأة عمران أم مريم عليها السلام قال محمد بن اسحاق كانت لا تحمل فرأت يوما طائرا يزق فرخه فاشتهت الولد فدعت الله تعالى أن يهبها ولدا فاستجاب الله دعاءها فحملت فنذرت أن يكون محررا أى خالصا مفرغا  للعبادة لخدمة بيت المقدس وهو سميع لمن يدعوه عليم بحاله ، " فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ "  لم تكن تعلم ما فى بطنها أذكر أم أنثى ووضعتها أنثى ، هنا توجهت الى الله وقالت ياربى أنى وضعت أنثى فرد الله عليها" وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ " أى ان الله يعلم ذلك يعلم أن ما وضعت أنثى واستطردت فى كلامها " وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ" كانت تتمنى أن يكون ما وضعت ذكر حيث يستطيع خدمة المسجد لكن الأنثى ليست فى القوة والعبادة وخدمة المسجد الأقصى كالذكر، " وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ "سمتها مريم وهذا دليل على جواز التسمية يوم الولادة وعوذتها وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى عليه السلام بالله عز وجل من شر الشيطان الرجيم ،فاستجاب الله لها ذلك ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله : " ما من مولود الا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين الا عيسى أبن مريم ومريم " ثم قرأ رسول الله " وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ " .

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ ٣٧

"  فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا " يخبرربنا أنه تقبلها من أمها نذيرة وأنه أنبتها نباتا حسنا أى جعل لها شكلا مليحا ومنظرا بهيجا ويسر لها أسباب القبول ، " وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ " قرنها الله بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فجعل زكريا كفيلا لها لسعادتها لتقتبس منه علما جما نافعا وعملا صالحا وذكر أبن اسحاق وأبن جرير وغيرهما أنه زوج خالتها أو زوج أختها ، " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ " تخبر الآية عن سيادتها وجلادتها فى محل عبادتها قال مجاهد وآخرون وجد عندها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف ، " قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ " سألها زكريا عليه السلام من أين لك هذا ؟ " قالت : " قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ  " أى هذا الرزق من عند الله ، " إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ " الله هو الذى يرزق وله المشيئة وهو الرزاق بغير حساب .  

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ٣٨ فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٣٩ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ ٤٠ قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ ٤١

" هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ  لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم طمع فى رزق ربه من الولد فناداه نداءا خفيا وقال " قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ " طلب من الله أن يمنحه الذرية الطيبة الصالحة وهو سميع مستجيب لمن دعاه فاستجاب الله دعاءه " فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ " خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته وهو قائم يصلى فى المحراب محل عبادته وخلوته ومجلس مناجاته وصلاته ، " أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ " بشرته الملائكة بولد يوجد له من صلبه أسمه يحيى قال قتادة وغيره أنه اسمه يحيى لأن الله أحياه بالايمان ، " مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ " أى بعيسى أبن مريم وهو أول من صدق بعيسى أبن مريم وهو أكبر من عيسى عليه السلام سنا ، " وَسَيِّدٗا " قال أبو العالية وغيره الحليم وقال قتادة سيدا فى العلم والعبادة وقال عطية السيد فى خلقه ودينه ، " وَحَصُورٗا " أى معصوم من الذنوب لا يأتيها كأنه كأنه حصور عنها وقيل مانعا نفسه من الشهوات ، "وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ"هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى كما قال لأم موسى " انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين " ، " قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ " أخذ زكريا يتعجب من هذه البشارة بالولد بعد الكبر وقال كيف يكون له ولد يكبر فيصير غلاما وهو شيخ كبير قد وهن عظمه واشتعل رأسه شيبا وامرأته كبيرة وعاقرا لا تنجب ، فجاءه الرد " قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ " أى هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شىء ولا يتعاظوه أمر ، " قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ " سأل زكريا عليه السلام ربه أن يجعل له علامة استدل بها على وجود الولد متى ، "قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ " الآية أو العلامة هى أنك لا تستطيع النطق مع أنك سوى صحيح لمدة ثلاثة أيام ، " وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ"ثم أمر بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح فى هذه الحال ليلا وصباحا مبكرا .

وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٢ يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ٤٣ ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ ٤٤

" وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ " اخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم عليها السلام عن أمر الله لهم أن الله قد اصطفاها أى اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهارتها من الأكدار والوساوس اصطفاها مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين ، وعن أنس بن مالك قال أن رسول الله قال : " خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت رسول الله" ، " ٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ " أخبر الله تعالى عن الملائكة أنهم أمروها بكثرة العبادة والخشوع والركوع والسجود والدأب فى العمل لما يريد الله والقنوت هو الطاعة فى خشوع وقال الحسن اعبدى ربك كما قال تعالى " وله من فى السموات والأرض كل له قانتون " ، " وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ " أى كونى منهم ، " ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ " هذا من أنباء لم تكن تعلمها وكانت غيبا نقصها عليك ، "وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ " أى ما كنت عندهم يا محمد فتخبرهم عن معاينة عما جرى بل أطلعك الله على هذا كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم حين اقترعوا فى شأن مريم أيهم يكفلها وذلك لرغبتهم فى الأجر ، " إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ " اقترعوا عليها فأقلامهم التى يكتبون بها التوراة فقرعهم زكريا فكفلها وقد ذكر عكرمة وغيره أنهم ذهبوا الى نهر الأردن واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فأيهم يثبت فى جريه الماء فهو كافلها فألقوا أقلامهم فاحتملها الماء الا قلم زكريا فأنه ثبت .

إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٖ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٤٥ وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗا وَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٤٦ قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٤٧

" إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٖ مِّنۡهُ " هذه بشارة لمريم عليها السلام بأنه سيوجد منها ولد عظيم له شأن كبير ، ولد يكون وجوده بكلمة من الله أى يقول له كن فيكون ، " ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ " قال البعض سمى المسيح لكثرة سياحته وقيل لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص لهما وقيل لأنه اذا مسح أحدا من ذوى العاهات برىء باذن الله تعالى وسمى عيسى أبن مريم نسبة الى أمه حيث لا أب له ،" وَجِيهٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ " أى له وجاهة ومكانة عند الله فى الدنيا بما يوحيه الله اليه من الشريعة وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه الله وفى الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه فيقبل منه أسوة باخوانه من أولى العزم صلوات الله وسلامه عليهم ، " وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗا "كلم الناس عند ولادته عندما أشارت اليه أمه وهى تحمله وفى كهولته حين يوحى الله اليه ، تكلم فى صغره يدعو الى عبادة الله وحده لا شريك له ، "وَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " أى فى قوله وعمله له علم صحيح وعمل صالح وعن أبى هريرة عن النبى قال ، " لم يتكلم فى المهد الا ثلاث : عيسى ، وصبى كان فى زمن جريج وصبى آخر " ، " قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞۖ " لما سمعت بشارة الملائكة لها عند الله تعالى قالت فى مناجاتها : كيف يوجد هذا الولد منى وأنا لست بذات زوج ولا من عزمى أن أتزوج ولست بغيا حاشا لله " ، " قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ " قال لها الملك هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شىء يخلق ما يشاء ولم يقل يفعل كما فى قصة زكريا لئلا يبقى لمبطل شبهة " كذلك الله يفعل ما يشاء " أى يوجد من عدم وهذه قدرته ، " إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ " أى اذا قضى بوجود وخلق شىء فلا يتأخر بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة كقوله " وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر " أى نأمر مرة فيكون ذلك الشىء سريعا كلمح البصر .

وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ ٤٨ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بِ‍َٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡ‍َٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٤٩ وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِ‍َٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ٥٠ إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٥١ ۞

" وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ " يقول تعالى مخبرا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام أن الله يعلمه الكتاب أى الكتابه والحكمة كما تم تفسيرها فى سورة البقرة شرع الله وشريعته والتوراة والانجيل فالتوراة الكتاب الذى أنزل على موسى عليه السلام والانجيل الذى أنزل على عيسى أبن مريم عليهما السلام وكان يحفظهما ، " وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ " يبعثه الله رسولا الى بنى اسرائيل قائلا لهم " أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بِ‍َٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡ‍َٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ " كان يفعل بصور من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيطير عيانا باذن الله عز وجل وهذه معجزة تدل على أنه أرسله ،" وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ " قيل الأكمه هو الذى يولد أعمى يشفيه فيصير بصيرا ،"وَٱلۡأَبۡرَصَ" المصاب بمرض البرص ، "وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ " بعث عيسى عليه السلام فى زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة حيث بعث الله كل نبى من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه فكان الغالب على زمن موسى السحر فبعثه الله بمعجزات بهرت الأبصار ، فجاء عيسى عليه السلام من الآيات بما لا سبيل لأحد اليه الا أن يكون مؤيدا من الذى ىشرع الشريعة فمن أين للطبيب قدرة على احياء الجماد أو على مداواة الأكمه والأبرص وبعث من هو فى قبره ، ومحمد بعث فى زمن من الفصحاء والبلغاء والعلم من بعده الى يوم القيامة فكانت القرآن الكريم الذى لا تنقضى عجائبه الى يوم القيامة ، " وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ" أى أخبركم بما أكل أحدكم الآن وما هو مدخر له فى بيته لغد ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ " كل ذلك آية ودليل لكم على صدقى فيما جئتكم به حتى تؤمنوا بما أدعوكم اليه من شرع الله ،" وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ " أى مقررا لهم ومثبتا لم جاء فى التوراة من شرع الله على يد موسى عليه السلام  وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِ‍َٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ "

فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٥٢ رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٥٣ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ ٥٤

" فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ" استشعرعيسى عليه السلام الكفرممن بعث اليهم من بنى اسرائيل والاستمرار على الكفر والضلال ، " قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ " قال عيسى عليه السلام من يتبعتى الى الله أو من أنصارى فى الدعوة الى الله ، " قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ "انتدب الله لعيسى عليه السلام طائفة من بنى اسرائيل آمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه والحوارى هو الناصر كما ورد فى الصحيحين لما ندب رسول الله الزبير رضى الله عنه يوم الأحزاب فقال : " لكل نبى حوارى وحوارى الزبير " ، " رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ " يقول الحواريون قى شهادة أمام الله على صدق ايمانهم أنهم آمنوا وأقروا بما أنزله على عيسى عليه السلام واتبعوه واتبعوا ما جاء به ودعوا الله أن يسجله عنده من المؤمنين الشاهدين بالايمان ،" وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ " تتحدث الآية عن ملأ بنى اسرائيل فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام وارادته بالسوءوالصلب حين تمالؤا عليه ووشوا به الى ملك الروم فى ذلك الزمان وكان كافرا أن هنا رجلا يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا وأنه ولد زنية حتى استثاروا غضب الملك فبعث فى طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به وأحاطوا بمنزله ولكن نجاه الله ورفعه الى السماء وألقى الله شبهه على رجل من الذين وشوا به كان عنده فأخذوه وأهانوه وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك وكان هذا من مكر الله بهم فانه نجى نبيه ورفعه وتركهم فى ضلالهم وأسكن فى قلوبهم قسوة وعنادا للحق.

إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٥٥ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٥٦ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥٧ ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ ٥٨

" إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ " اختلف المفسرون فى ذلك قال أبن جرير توفيه هو رفعه وقال الأكثرون المراد بالوفاة هنا النوم كما قال تعالى " وهو الذى يتوفاكم بالليل " وكان رسول الله ﷺ لليهود : " ان عيسى لم يمت وأنه راجع اليكم قبل يوم القيامة " وعن أبن عباس قال انى متوفيك أى مميتك وقال اسحاق بن بشر عن ادريس عن وهب أماته الله ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعه ، " وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ " مطهرك من الذين كفروا برفعى اياك الى السماء ، " وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ " لما رفع الله عيسى عليه السلام الى الماء تفرقت أصحابه شيعا بعده فمنهم من آمن بما يعثه الله به ومنهم من غلا فيه فجعله أبن الله وآخرون قالوا اله وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة استمروا على ذلك قريبا من ثلثمائة سنة حتى دخل ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين دين النصرانية قيل حيلة ليفسد فانه كان فيلسوفا فبدل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه وأحل لحم الخنزير وصار دين المسيح دين قسطنطين وبنى لهم الكنائس والمعابد وبنى المدينة المنسوبة اليه القسطنطينية فلما بعث الله محمدا كان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق فكانوا أولى بكل نبى من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته وقد نسخ الله شريعة جميع الرسل بما بعث به محمد من الدين الحق لا يبدل ولا يغير الى قيام الساعة لهذا كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقا ولايزال الاسلام وأهله فوقهم الى يوم القيامة وقد أخبر الصادق المصدوق أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويسفيئون ما فيها من الأموال ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدا لم ير الناس مثلها ولهذا قال تعالى " وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ  ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ " ، " فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ " كذلك فعل الله بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه من النصارى فى الدنيا من قتل وسبى وازالة الأيدى عن الممالك وفى الدار الآخرة عذاب أشد وأشق ، " وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ " يوفيهم أجورهم فى الدنيا بالنصر والظفر وفى الآخرة بالجنات العاليات ، " وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ " الله عادل فى حكمه وهو لا يحب الظلم ولا من أرتكبه ، " ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ " هذا الذى قصصنا عليك يا محمد فى أمر عيسى عليه السلام ومبدأ ميلاده وكيفية أمره هو مما قاله تعالى وأوحاه اليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ فلا مرية فيه ولا شك .

إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ ٦٠ فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦١ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٦٢ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ٦٣

" إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ " ان مثل عيسى فى قدرة الله حيث خلقه من غير أب كمثا آدم حيث خلقه من غير أب ولا أم بل خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فالذى خلق آدم من غير أب أو أم قادر على أن يخلق عيسى وأراد الله أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر كما خلق البرية من ذكر وأنثى ،" ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ " أى هذا هو القول الحق فى عيسى الذى لامحيد عنه ولا صحيح سواه ، " فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ " سبب نزول المباهلة وما قبلها من أول السورة الى هذه الآية وفد نجران أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون فى عيسى عليه السلام ويزعمون من النبوة والالهية فأنزل الله صدر هذه السورة ردا عليهم كما ذكر الامام محمد بن اسحاق بن يسار وغيره وكان الوفد ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فكلم رسول الله مجموعة منهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون هو الله ويقولون هو ولد الله ويقولون هو ثالث ثلاثة فلما كلم الحبران رسول الله قال لهما أسلما قالا قد أسلمنا قال انكما لم تسلما فأسلما قالا بلى قد أسلمنا قبلك قال كذبتما بمنعكما من الاسلام أدعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير قالا فمن أبوه يا محمد ؟ فصمت الرسول عنهما فلم يجبهما فأنزل الله فى ذلك من قولهم واختلاف أمرهم سورة آل عمران الى بضع وثمانين آية منها ، فلما أتى الخبر من الله والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم وقصة أهل نجران مطولة ، وقد رجعوا اللا بلادهم وطلبوا من الرسول أن يبعث معهم يحكم بينهم فى أشياء اختلفوا فيها فى أموالهم فبعث الرسول عبيدة بن الجراح وقال عنه " هذا أمين هذه الأمة " وكتب رسول الله الى أهل نجران يدعوهم الى الاسلام وبعثوا وفد منهم الى المدينة وكان ذلك فى سنة تسع وكانوا أول من أدى الجزية الى رسول الله ، " إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ " هذا الذى قصصناه عليك يا محمد فى شأن عيسى عليه السلام هو الحق الذى لامعدل عنه ولامحيد ، " وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " المتفرد بالالهية هو الله ذو العزة والحكمة ، " فَإِن تَوَلَّوۡاْ " أى عن الحق هذا الى غيره ، " فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ " من عدل عن الحق الى الباطل فهو المفسد والله عليم به وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذى لا يفوته شىء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته .

قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤

" قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ" هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم ،" كَلِمَةٖ " الكلمة تطلق على الجملة المفيدة ويقصد بها الدعوة الى الحكم والأمر والمبدأ ، " سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ " أى عدل وانصاف نستوى فيها نحن وأنتم ، " أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا " أن نفرد العبادة لله وحده لا شريك له ولا نعبد وثنا ولا صنما ولا صليبا ولا طاغوتا ولا نارا كما قال تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون " ، " وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ " قال أبن جريج يطيع بعضنا بعضا فى معصية الله ، " فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ " فان تولوا عن هذه الدعوة فاشهدوا أنتم على استمراركم على الاسلام الذى شرعه الله لكم .

 يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٦٥ هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٦٦ مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٦٧ إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٨

" يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ " ينكر الله تعالى على اليهود والنصارى فى محاجتهم فى ابراهيم عليه السلام ودعوى كل طائفة منهم أنه كان منهم قال أبن عباس اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله فتنازعوا عنده فقالت الأحبار ما كان ابراهيم الا يهوديا وقالت النصارى ما كان ابراهيم الا نصرانيا فأنزل الله هذه الآية ومعنى الآية كيف تدعون أيها اليهود أنه كان يهوديا وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى ، وكيف تدعون أيها النصارى أنه كان نصرانيا وانما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر ؟ ولهذا قال تعالى " أَفَلَا تَعۡقِلُونَ " ، " هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞۚ " هذا انكار على من يحاج فيما لا علم له به فان اليهود والنصارى تحاجوا فى ابراهيم بلا علم ولو تحاجوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التى شرعت لهم الى حين بعثة محمد لكان أولى بهم ، " وانما تكلموا فيما لا يعلمون فأنكر الله عليهم ذلك وأمرهم برد ما لا علم لهم به الى عالم الغيب والشهادة الذى يعلم الأمور على حقائقها وجليتها ولهذا قال" وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ " ثم قال " مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا  " ينفى الله سبحانه وتعالى أن يكون ابراهيم عليه السلام يهوديا أو نصرانيا كما وضح من قبل ولكنه كان حنيفا أى متحنفا عن الشرك بعيد عنه قاصدا الى الاسلام والايمان ، " وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ " ينفى الله عن ابراهيم عليه السلام أن يكون مشركا ، " إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ " أحق الناس بمتابعة ابراهيم الخليل عليه السلام الذين اتبعوه على دينه وهذا النبى يعنى محمد والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعدهم وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله : " بأن لكل نبى ولاية من النبيين وان وليى منهم أبى وخليل الله عز وجل ابراهيم عليه السلام ثم قرأ  الآية " ،" وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " الله ولى جميع المؤمنين برسله .

وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٦٩ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ ٧٠ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٧١ وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٧٢ وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ ٧٣ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ٧٤ ۞

" وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ " يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين وبغيهم اياهم الاضلال وأخبر أن وبال ذلك انما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم وقال تعالى منكرا عليهم " ٰٓيا أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ " يوجه الله الخطاب لأهل الكتاب منكراعليهم كفرهم بأيات الله الذى أنزلت على رسوله محمد وهم يعلمون صدقها ويتحققون حقها ، " يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " ويستمر الله تعالى فى أنكاره على مايفعله أهل الكتاب من أنهم يخلطون الأمور ببعضها ويكتمون مت فى كتبهم من صفة محمد وهم يعرفون ذلك ويتحققونه ، " وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ " هذه مكيدة أرادهوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم وهو أنهم يظهروا الايمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح فاذا جاء آخر النهار ارتدوا الى دينهم ليقول لجهلة من الناس انما ردهم الى دينهم اطلاعهم على نقيضه وعيب فى دين المسلمين ولهذا قالوا"لَعَلَّهُمۡ َيرۡجِعُونَ"يقول مجاهد أن يهودا صلت مع النبى صلاة الصبح وكفروا آخر النهار مكرا منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه ، " وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ " ولا تطمئنوا وتظهروا سروركم وما عندكم الا لمن تبع دينكم ولا تظهروا ما بايديكم الى المسلمين فيحتجوا به عليكم ، " قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ " الله هو الذى يهدى قلوب المؤمنين الى أتم الايمان بما ينزله على عبده وروله محمد من الآيات البينات والدلائل القاطعات والحجج الواضحات وان كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبى الأمى فى كتبكم التى نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين ، " أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ " يقولون لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلموه منكم ويساوونكم فيه ويمتازون به عليكم أو يحاجوكم به عند ربكم أى يتخذوه حجة عليكم بما فى أيديكم فتقوم به عليكم الدلالة وترتكب الحجة فى الدنيا والأخرة ، " قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ " الأمور كلها تحت تصرف الله وهو المعطى المانع يمن على من يشاء بالايمان والعلم والتصرف التام ويضل من يشاء فيعمى بصره وبصيرته ويختم على قلبه وسمعه ويجعل على بصره غشاوة وله الحجة التامة والحكمة البالغة ، "وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ  يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ " اختصكم الله برحمته أيها المؤمنون من الفضل بما لايحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمد على سائر الأنبياء وهداكم به الى أكمل الشرائع .

وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارٖ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِينَارٖ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قَآئِمٗاۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ سَبِيلٞ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٧٥ بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ٧٦

" وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارٖ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِينَارٖ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قَآئِمٗاۗ " يخبر الله تعالى عن اليهود بأن منهم الخونة ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم فان منهم من ان تأمنه بقنطار من المال وما دونه بطريق الأولى أن يؤده اليك ومنهم من ان تأمنه حتى بالقليل من المال لا يؤده اليك الا بالمطالبة والملازمة والالحاح فى استخلاص حقك ، "  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ سَبِيلٞ " انما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون ليس علينا فى ديننا رج فى أكل أموال الأميين وهم العرب فان الله قد أحلها لنا فقال تعالى " وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ " لقد ائتفكوا بهذه الضلالة فان الله حرم عليهم أكل الأموال الا بحقها وانما هم قوم بهت ، " بَلَىٰۚ مَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ وَٱتَّقَىٰ " لكن من أوفى بعهده واتقى منكم يا أهل الكتاب الذى عاهدكم الله عليه من الايمان بمحمد اذا بعث كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك اتقى محارم الله واتبع طاعته وشريعته التى بعث بها خاتم رسله وسيدهم " فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ " والله يحب من اتقاه واتبع شرعه .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٧٧

" إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا " يقول تعالى ان الذين يعتاضون عما عاهدوا عليه من اتباع محمد وذكر صفته للناس وبيان أمره وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة وهى عروض هذه تادنيا الفانية الزائلة ، " أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ " هؤلاء لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم منها ، " وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ " لا يكلمهم الله كلام لطف ولا ينظر اليهم بعين الرحمة أى برحمة منه ، " وَلَا يُزَكِّيهِمۡ " ولا يزكيهم الله من الذنوب والأدناس بل يأمر بهم الى النار ،"  وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ " لهم فى النار عذاب أليم وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله : " من اقتطع مال أمرىء مسلم بغير حق لقى الله وهو عليه غضبان " وعن أبى ذر قال قال رسول الله : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " قلت : يارسول الله من هم خسروا وخابوا " قال واعاده رسول الله ثلاث مرات قال : " المسبل ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ، والمنان " رواه مسلم وأهل السنن .

وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٧٨

" وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ " يخبر تعالى عن اليهود أن منهم فريقا يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون كلام الله ويزيلونه عن المراد به ليوهموا الجهلة أنه فى كتاب الله وينسبونه الى الله وهو كذب على الله وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا فى ذلك كله ولهذا قال " وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ " فأما كتب الله فانها محفوظة ولا تحول وقال أبن عباس أنهم يحرفون ويزيلون وقال وهب بن منه ان التوراة والانجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يغير منهما حرف ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل .

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩ وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٨٠

" مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ " ما ينبغى لبشر أتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس اعبدونى من دون الله أى مع الله فان كان هذا لايصلح لنبى ولا لمرسل فلا يصلح لأحد من الناس غيرهم بالأحرى وقال الحسن البصرى لا ينبغى هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته ذلك أن أهل الكتاب كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم كما قال تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وفى المسند والترمذى أن عدى بن حاتم قال : يا رسول الله ما عبدوهم بل أنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم اياهم ،" وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ " الكتاب هذا هو القرآن وقال الضحاك حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيها وتعلمون أى تفهمون معناه وتدرسون تحفظون الفاظة ، " وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ أَرۡبَابًاۗ " ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله لا نبى مرسل ولا ملك مقرب ،" أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ" أى لا يفعل ذلك الا من دعا الى عبادة غير الله ومن دعا الى عبادة غير الله فقد دعا الى الكفر والأنبياء انما يأمرون بالايمان وهو عبادة الله وحده لا شريك له وقال الله عن الملائكة " ومن يقل منهم انى اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين " . 

وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٨١ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٨٢

" وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ " يخبر الله تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبى بعثه من لدن آدم عليه السلام الى عيسى عليه السلام أنه مهما آتى أحدهممن كتاب وحكمه وبلغ أى مبلغ ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصره ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته" ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ  قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ " أقر النبيون بما أخذ الله عليهم من عهد وشهدوا على ذلك وشهد الله عليهم ، " فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ " أى من تولى وبعد عن هذا العهد والميثاق ، " فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ " أى الخارجين عن طاعة الله قال على بن أبى طالب وأبن عباس رضى الله عنهما ما بعث الله نبيا من الأنبياء الا وأخذ عليه الميثاق لئن بعث الله ممد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه وعن جابر قال قال رسول الله : " لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء فانهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، وانكم أما أن تصدقوا بباطل واما أن تكذبوا بحق وانه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له الا أن يتبعنى " فالرسول خاتم الأنبياء الى يوم الدين .

أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ ٨٣ قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ٨٤ وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥

" أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ " يقول تعالى منكرا على من أراد جينا غير دين الله الذى أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو عبادة الله وحده لا شريك له ،"وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا "  الذى له أسلم من فى السموات والأرض أى استسلم له من فيهما طوعا وكرها ، فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله والكافر مستسلم لله كرها فانه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذى لا يخالف ولا يمانع ومن فى السموات قالملائكة وأما من فى الأرض فمن ولد على الاسلام طوعا وكرها فغيرهم وهم مسخرون لارادة الله رغم أنوفهم ، " وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ " أى يرجعون اليه يوم المعد فيجازى كل بعمله ، " قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا  " قل يا محمد أمنا بالله والقرآن الذى أنزل علينا ،  " وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ "  وما أنزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب من الصحف والوحى ، " وَٱلۡأَسۡبَاطِ  " وهم بطون بنى اسرائيل المتشعبة من أولاد اسرائيل وهو يعقوب الاثنى عشر ، " وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ " يعنى التوراة والانجيل ، " وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ " هذا يعم جميع الأنبياء جملة ، " لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ " يعنى بل نؤمن بجميعهم ، " وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ " فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبى أرسل وبكل كتاب أنزل لا يكفرون بشىء يصدقون بما أنزل الله من عنده وبكل نبى بعثه الله ، " وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ " من سلك طريقا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه ، " وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ "فى الأخرة يكون من الخاسرين الذين يدخلون جهنم وبئس المصير كما فال الرسول فى الحديث الصحيح "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٨٦ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمۡ أَنَّ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ٨٧ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ ٨٨ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ٨٩

" كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ " نزلت هذه الآيات فى الحارث بن سويد أسلم مع النبى ثم كفر فرجع الى قومه المشركين ثم ندم فأرسشل الى قومه أن سلوا لى رسول الله هل لى من توبة ومعنى الآية كيف يستحق قوما الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية ؟ قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ووضع لهم ثم ارتدوا الى ظلمة الشرك ، "وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ " هؤلاء قوم ظلموا أنفسهم بالشرك بعد الهدى فلا يستحقون الهداية من الله ، " أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمۡ أَنَّ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ " جزاء هؤلاء أن يلعنهم الله أى يطردهم من رحمته ورضاه وملائكته يطلبون أن يطردهم الله من رحمته ويصب لعنته عليهم وكذلك يفعل خلقه المؤمنون ، " خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ " خالدين فى جهنم لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة ، " إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ " ومن لطف الله ورحمته أن فتح باب التوبة فمن تاب اليه تاب عليه ، فحمل الآيات رجل من قوم الحارث فقرأها عليه فقال الحارث : " انك والله ما علمت لصدق وان رسول الله لأصدق منك ، وان الله لأصدق الثلاثة " فرجع فأسلم فحسن اسلامه .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ ٩٠ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٩١ لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ٩٢ ۞

" إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ " يقول الله تعالى متوعدا ومهددا لمن كفر بعد ايمانه ثم ازداد كفرا أى استمر عليه الى الممات ومخبرا بأنهم لن تقبل لهم توبة عند الممات ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ " من مات على الكفر فلن يقبل منه خيرا أبدا ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا ولا ينقذه من عذاب الله شىء ولو أنفق مثل الأرض ذهبا ولو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهبا بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها ، " أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ " أولئك لهم عذاب أليم فى جهنم وما لهم أحد ينقذهم من عذاب الله ولا يجيرهم من أليم عقابه وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله : " يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له سل وتمن فيقول ما أسأل ولا أتمنى الا أن تردتى الى الدنيا فأقتل فى سبيلك عشر مرار لما يرى من فضل الشهادة ، ويؤترى بالرجل من أهل النار فيقول له يا أبن آدم كيف وجدت منزلك ؟ " فيقول : يارب شر منزل فيقول له : أتفتدى منى بطلاع الأرض ذهبا ؟ " فيقول : أى رب نعم " فيقول : كذبت قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد الى النار " ،" لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ  " لن تنالوا الجنة حتى تنفقوا مما تحبون ، " وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ " أى ان الله يعلم كل شىء تنفقونه كبيرا أو صغيرا وسيجازيكم به كان أنس بن مالك حسب ما قال الامام أحمد يقول كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا وكان أحب أمواله اليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان النبى يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس : فلما نزلت الآية قال ابو طلحة : يا رسول الله ان الله يقول " لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ " وأن أحب أموالى الى بيرحاء وانها صدقة الله أرجو بها برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله " فقال النبى : " بخ بخ ذاك مال رابح ، وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها فى الأقربين " فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله " فقسمها أبو طلحة فى أقاربه وبنى عمه " .


150-] English Literature

150-] English Literature Letitia Elizabeth Landon     List of works In addition to the works listed below, Landon was responsible for nume...