Grammar American & British

Tuesday, February 22, 2022

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم - تفسير الجزء الخامس والعشرين ( 25 )

 تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم 

تفسير الجزء الخامس والعشرين

تفسير سورة الشورى

سورة الشورى سورة مكية ، عدد آياتها 53 آية . وفيها كل سمات القرآن المكى من قصر للآيات , والتحدث عن قضية الكفر والايمان ، والتحدث عن آيات قدرة الله فى الكون وفى الخلق ، والتحدث عن قضية البعث والجنة والنار ، وسميت السورة بالشورى لأن الشورى من صفات المؤمنين وم الأعمدة التى يبنى عليها المجتمع الاسلامى وذكرت فى الآية 38 من السورة وسوف يأتى التحدث عنها .

التعريف بسورة الشورى 

سورة الشورى هي سورةٌ مكّيةٌ باتّفاق أهل العلم، باستثناء بعض آياتها، وابتدأ نزول آياتها في السنة الثامنة بعد البعثة، ويرجّح أهل العلم أنّ نزولها استمر إلى السنة التاسعة من البعثة، وهي السورة التاسعة والسّتون من حيث ترتيب النزول؛ إذ إنّها نزلت بعد سورة الكهف، وقبل سورة إبراهيم، وعدد آياتها خمسون آية عند أهل المدينة ومكّة والشام والبصرة، وثلاثاً وخمسين عند أهل الكوفة، واشتهرت تسميتها عند أهل العلم بـ (حم عسق).[١]

مناسبة سورة الشورى لما قبلها وبعدها من السُّور

ترابطت سورة الشورى بالسورة التي سبقتها، والتي تَبِعَتها، وتجدر الإشارة إلى أنّها سُبِقت بسورة فُصِّلت، وسَبقَت سورة الزُّخرف، وبيان الترابُط فيما بين تلك السُّور كما يأتي: مناسبة سورة الشورى للسورة التي قبلها ترابطت سورة الشورى بسورة فُصّلت بأربعة وجوهٍ، بيانها آتياً:[٢] الدفاع عن القرآن الكريم؛ إذ دفعَت السورَتان ما ادّعاه المشركون؛ من التشكيك بالقرآن، وإثارة الشُّبهات نحوه، وبيّنَتا مواساة الله -سبحانه- للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، قال -تعالى- في سورة فُصِّلت: (حم*تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ*كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)،[٣] و قال في سورة الشُّورى: (حم*عسق*كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّـهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).[٤] إثبات وحدانيّة الله -سبحانه-، وتفرّده وحده بخَلْق الكون؛ وذلك بما فيه من مخلوقاتٍ، ومشاهد حسّيةٍ، وإنذار المشركين، وتحذيرهم بسبب أفعالهم، قال الله -تعالى- في سورة فُصِّلت: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ)،[٥] وقال في سورة الشُّورى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ*لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).[٦] بيان رحمة الله الواسعة؛ ومن ذلك لُطفه بعباده جميعاً، وقبول توبتهم، ومغفرة ذنوبهم؛ إذ قال في سورة فُصّلت: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)،[٧] وقال في سورة الشّورى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).[٨] حثّ المؤمنين على أوامر الله؛ وذلك بما أُعِدّ لهم في الآخرة من الجنّة ونعيمها. تنبيه المُشركين وتحذيرهم من العذاب؛ وذلك إن أعرضوا عن طريق الهدى، والاستقامة لأوامر الله.

مناسبة سورة الشورى للسورة التي بعدها 

تضمَّنت سورتَا الشورى والزُّخرف الموضوعات المُتعلِّقة بإثبات وحدانيّة الله، وإثبات وجوده، وبيّنتَا ما ينتظر المؤمنين من جنّات الخُلد، وما ينتظره الكافرون من العذاب العظيم، كما ارتبطت بداية سورة الشورى ونهايتها ببداية سورة الزُّخرف؛ إذ افتتحهما الله -سبحانه- بالحروف المُقطَّعة، وقال الله -تعالى- في نهاية سورة الشورى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٩] وقال في مطلع سورة الزُّخرف: (حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).[١٠][٢] سبب تسمية سورة الشورى ومُسمَّياتها سُمِّيت سورة الشورى بهذا الاسم؛ لبيان أهميّة الشُّورى، وفضلها بين المسلمين، وحثّاً لهم على اتّخاذها سبيلاً ومنهجاً في الحياة العامّة؛ لِما لها من عظيم الأثر في حياة الفرد والجماعة، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)،[١١][١٢] كما تُطلَق عدّة أسماءٍ أخرى على سورة الشورى، ومنها:[١٣] حم عسق: وقد عُرِف هذا الاسم عن السَّلَف الصالح، وأطلقه الإمام البخاريّ في تفسيره، والإمام الترمذي في جامعه، بالإضافة إلى عددٍ من التفاسير والمصاحف التي أطلقت عليها اسم (حم عسق)، وأُطلِق عليها أيضاً اسم (عسق)؛ اختصاراً. شورى: بحذف الألف واللام. المؤمن: وقد سُمِّيت بذلك في عددٍ من التفاسير. سبب نزول سورة الشورى جاءت روايات عدّة تذكر ارتباط نزول بعض آياتٍ سورة الشُّورى بسبب وحدث معيّن، وفيما يأتي بيان جانب من تلك الروايات:[١٤] القول الأوّل: ورد عن ابن المنذر عن عكرمة أنّ قول الله -تعالى- في سورة الشُّورى: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)[١٥] نزل بعد تحدُّث المشركين عن دخول الناس أفواجاً في دين الإسلام بعد نزول سورة النصر، وقِيل إنّ الآية السابقة نزلت في أهل الكتاب؛ بسبب قَوْلهم للمسلمين: "كتابنا قبل كتابكم، ونبيّنا قبل نبيّكم، ونحن خيرٌ منكم"، وقد أخرج ذلك عبدالرزاق عن قَتادة. القول الثاني: ورد في سبب نزول قول الله -تعالى-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّـهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّـهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ*وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)،[١٦] أنّه نزل في الفقراء من المسلمين الذين لا يملكون بيوتاً، وقد أخرج ذلك الحاكم، والطبرانيّ عن عمرو بن حُريث، وقِيل إنّ الآيات السابقة نزلت في الأنصار؛ لِما ورد بأثرٍ ضعيفٍ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (قالت الأنصارُ: لو جمعنا لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مالًا، فأنزل الله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، فقال بعضُهم: إنَّما قال هذا ليُقاتِلَ عن أهلِ بيتِه وينصرَهم، فأنزل اللهُ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، إلى قولِه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} فعرض لهم التَّوبةَ، إلى قولِه: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}).[١٧] مقاصد سورة الشورى وموضوعاتها المتأمل في آيات سورة الشورى يدرك أنّ لها مقاصد سامية، وأنها قد تضمنت موضوعات هامة، وفيما يأتي بيان لبعض موضوعاتها ومقاصدها:[٢] الإقرار بأنّ الله -تعالى- مصدر الرسالات السماويّة كلّها، والإشارة إلى أنّ التنوُّع في التشريعات لا يدلّ على اختلاف مصدرها. مغفرة الله لذنوب عباده، وقبوله للتوبة، وتبشير المؤمنين بما ينتظرهم من ثوابٍ في الآخرة. بيان العديد من الظواهر الطبيعيّة والكونيّة الدالّة على أنّ الله -تعالى- خلق السماوات والأرض، وكلّ ما بينهنّ؛ ولذلك استحقّ وحده العبادة دون الإشراك به، وبذلك يتّبع العبد طريق الحقّ، ويستقيم على ما أمر به، ويجتنب ما نهى عنه. الحثّ على التخلُّق بالعديد من الأخلاق الحميدة، ومنها: الصبر، والعفو، والصفح. الردّ على مُنكِري البعث والجزاء، وإثبات يوم القيامة بلا شكٍّ أو رَيبٍ. فضل سورة الشورى وردت عدّة أحاديث في بيان فضل سورة الشُّورى، ومنها: ما رُوي عن المُهلّب بن أبي صُفرة، أنّه سَمِعَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يقول: (إِنَّكم ستلْقَوْنَ العدُوَّ غدًا، فلْيَكُن شعارُكم حَم لَا يُنصرونَ)،[١٨] كما رُوِي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنها- أنّه قال: (أتى رجلٌ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: أقرِئني يا رسولَ اللَّهِ، قالَ لَهُ: اقرَأ ثلاثًا من ذاتِ الر، فقالَ الرَّجلُ: كبِرَت سنِّي، واشتدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قالَ: فاقرأ مِن ذاتِ حم).[١٩][٢٠]

 حمٓ ١ عٓسٓقٓ ٢ كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ ٤ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيۡهِمۡ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٖ ٦

"حمٓ * عٓسٓقٓ "تقدم الكلام فى سورة البقرة عن الحروف المقطعة فى أوائل السور ، " كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ " يخبر الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه هو الذى أنزل اليه هذا القرآن الكريم وكذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبله ، " ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " وهو العزيز الجانب فى انتقامه الحكيم فى أقواله وأفعاله وعن عائشة رضى الله عنها قالت ان الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشده على فيفصم عنى وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يأتينى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول " قالت عائشة رضى الله عنها فلقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه صلى الله عليه وسلم ليتفصد عرقا " ، " لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ" الجميع فى السموات وفى الأرض بكل ما فيهما من مخلوقات وأشياء عبيد لله عز وجل وملك له تحت قهره وتصريفه ، "وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ " وهو وحده الذى يعلو ولا يعلى عليه وهو العظيم ولا لأحد عظمة الا له وحده كقوله " وهو الكبير المتعال " وكقوله " وهو العلى الكبير " وكلها تاتى فى نهايات الآيات وهى من أسمائه الحسنى الذى تفرد بها لنفسه التى تؤكد مهابته وعظيم سلطانه ، " تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ " السموات تكاد من عظمة الله وذكره أن تتفطر كما قال تعالى " اذا السماء  انفطرت " أى انشقت وكقوله"لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " فكل الكائنات والمخلوقات تخشع لله وذكره ، " مِن فَوۡقِهِنّ" يعود اللفظ على السموات والأرض فهل يقصد ما يحيط بالأرض من سماء ثم السموات السبع فوقهن ويكون هذا من اعجاز القرآن وسبقه فلم يكن فى عهد نزوله عليم يكشف طبقات الأرض وفى اللغة لفظ السماء كل ما على الأرض كما قال فى سورة البقرة  " الذى جعل لكم الارض فراشا  والسماء بناءا وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ---" فهنا السماء ما يظل الأرض وفى سورة الرحمن " يا معشر الجن والانس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرص فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان " والله أعلم بمراده وأتبع الله ذلك بقوله لأن الكلام موصولا " وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ" يتحدث الله عزوجل عن الملائكة وتسبيحهم بحمده فهم كذلك لا يكفون عن الذكر بين ساجد وراكع ومسبح وهم يستغفرون لعباد الله المؤمنين والاستغفار فيه طلب المعونة والرحمة من الله وهو من العبادات التى حث الله عليها وحث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان كثير الاستغفار وهذا كقوله  "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما " ،" أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ "يتحدث الله تعالى مؤكد " ألا ان " أى نعم هو كذلك والله وحده هو الذى يقبل المغفرة ويتوب على عباده برحمته ويعفوعنهم ، وبعد أن تحدث الله عن المؤمنين تحدث عن النقيض المشركين " وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ " يتحدث الله عز وجل عن المشركين الذين أشركوا فى عبادتهم غيره واتخذوا من دونه من أصنام وأوثان وأنداد ، "ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيۡهِمۡ" الله عز وجل شهيد على أقوالهم وأعماله يحصيها ويعدها عدا وسيجزيهم بها أوفر الجزاء ، " وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيل " يخبر الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليس بموكل بهؤلاء المشركين انما هو نذير والله هو وحده على كل شىء وكيل وهو الذى يتولى أمرهم وهذا تخفيف وتسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم  انما أنت عليك البلاغ وعلينا الحساب .

وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ ٧ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ٨

" وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا " يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه كما أوحى الى الرسل من قبله كذلك أوحى اليه القرآن بلسان عربى واضح جلى بين ، " لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ" أم القرى هى مكة وسميت مكة أم القرى لأنها أشرف من سائر البلاد لأدلة كثيرة مذكورة فى مواضعها فقد قال عبد الله بن عدى بن الحمراء الزهرى أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة فى سوق مكة " والله انك لخير أرض الله وأحب أرض الله الى ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت " ، " وَمَنۡ حَوۡلَهَا" من حول مكة من سائر البلاد شرقا وغربا فى كل أنحاء العالم فهو رسول الله لكل البشر وبدأت الرسالة من مكة لتنطلق لمن حولها شرقا وغربا وهذا التدرج فى الدعوة وليس لاكتفاء الدعوة ، " وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ " يوم الجمع هو يوم القيامة الذى يجمع فيه الله العباد الأولينوالآخرين فى صعيد واحد للحساب  ، " لَا رَيۡبَ فِيهِ" وهذا اليوم لا شك في وقوعه وأنه كائن لا محالة ، " فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ " فى هذا اليوم عندما يتم الحساب ويجازى كل بعمله ينقسم العباد الى فريقين فريق من السعداء فى الجنة وفريق من التعساء فى النار وهذا كقوله " يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن " أى يغبن أهل الجنة أهل النار وكقوله " ان فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره الا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقى وسعيد " ، " وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَة" يتحدث الله عز وجل أنه لوشاء لجعل الناس أمة واحدة اما على الهداية أو على الضلالة ولكنه تعالى فاوت بين عباده فهدى من يشاء الى الحق وأضل من يشاء عنه وله الحكمة والحجة البالغة ولهذا قال " وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ " الله وحده هو الهادى فهو بحكمته البالغة مشيئته تتكفل فى اجتباء السعداء من عباده وهم المؤمنون الى الدخول فى رحمته وتنجيهم من عذابه والكفار وهم "الظالمون" لأنفسهم ومن أضلوهم بكفرهم وأبعدوهم عن طريق الحق ليس لهم من دون الله من ينقذهم ويتولاهم وينصرهم من عذاب الله .

 أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِيُّ وَهُوَ يُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٩ وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ١٠ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١ لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ۞ ١٢

" أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِيُّ وَهُوَ يُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير" يقول الله منكرا على المشركين فى اتخاذهم آلهة من دون الله ومخبرا أنه هو الولى الحق الذى لا ينبغى العبادة الا له وحده فانه القادر على احياء الموتى وهو على كل شىء قدير ، " وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ" يقول الله عز وجل مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عام فى جميع الأشياء فالله وحده هو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كقوله " فان تنازعتم فى شىء فردوه الى الله والرسول " ، "ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ " الله عزوجل هو وحده ربى الذى أتوكل عليه وأرجع اليه فى كل الأمور ، "فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ" الله عز وجل الخالق الذى خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما ، "جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا " يتحدث الله عزوجل على قدرته فى الخلق فهو جعل لعباده من جنسهم وشكلهم منة عليهم وتفضلا ذكرا وأنثى فقد بدأ الله ذلك بخلق آدم ثم خلق من ضلعه زوجة له هى حواء وبعد ذلك جعل ذريته من ذكر وأنثى ، " وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا " والأنعام هى الابل والبقر والغنم والمعز وجعل الله منها أزواج كما فى سورة الأنعام وقد خص الله الأنعام لما لها من فوائد ، " يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِ" يخبر الله عز وجل أنه يخلق على هذه الصفة ويستمر فى خلقه من ذكور واناث خلقا من بعد خلق وجيلا بعد جيل ونسلا من بعد نسل من الناس والأنعام وقال البغوى " يذرؤكم فيه " أى فى الرحم وقيل فى البطن وقيل فى الوجه من الخلقة وقال مجاهد نسلا من بعد نسل من الناس والأنعام ، " لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡء" يتحدث الله عزوجل عن ذاته فهو ليس له شبيه ومثيل فى الكون وليس كخالق الأزواج كلها شىء لأنه الفرد الصمد الذى لا نظير له وهو وحده لا شريك له الاله الواحد ، "وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ " وهووحده الذى لا يخفى على سمعه ولا عن بصره شىء فى الأرض ولا فى السماء فهو الذى يسمع دبيب النملة لا يغفل عن بصره شىء من أفعال العباد وغيرهم فكل تحت سمعه وبصره فهو " لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ" كل الأمور فى السموات والأرض هو المتصرف الحاكم فيها ، " يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ" هو عز وجل وحده يوسع فى الرزق على من يشاء ويضيق على من يشاء وله الحكمة والعدل التام فهو " إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم " العليم بكل شىء المحيط به ولا يخفى على علمه شىء .

 شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ ١٣ وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ ١٤

"شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ " يقول الله تعالى لهذه الأمة أنه تعالى أنزل اليهم وشرع لهم من دينه ما أنزله من قبل على الرسل فالرسل دينهم واحد  فذكر أول الرسل بعد آدم عليه السلام نوح عليه السلام وآخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، " وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ" وذكر من هؤلاء الرسل أولى عزم من الرسل وهم ابراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وموسى عليه السلام الذى بعثه الله بالديانة اليهودية وعيسى عليه السلام وبعثه بالنصرانية وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية الأحزاب عليهم فى قوله تبارك وتعالى " واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " والدين الذى جاءت به الرسل كلهم هو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال عز وجل " وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون " وفى الحديث " نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " أى القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له وان اختلفت شرائعهم ومناهجهم كقوله عز وجل " لكل جعلنا منكم شرعو ومنهاجا " ولهذا قال تعالى" أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيه"أوصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم السلام بالاتحاد على دينه الواحد الذى أنزله اليهم وبالائتلاف والجماعة ونهاهم عن الافتراق والاختلاف ، " كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِ" يقول الله عز وجل لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم شق على المشركين وأنكروا ما تدعو اليه من التوحيد ، " ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ " الله وحده عز وجل هو الذى يقدر الهداية لمن يستحقها ويكتب الضلالة على من آثرها على طريق الرشد ولهذا قال تعالى " وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ" انما كان مخالفة الكفار والمشركين للحق بعد بلوغه اليهم وقيام الحجة عليهم وما حملهم على ذلك الا البغى والعناد والمشاقة ثم قال تعالى " وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ " لولا وعد الله تعالى عز وجل وكلمته التى سبقت بانظار العباد باقامة حسابهم الى يوم المعاد لعجل عليهم العقوبة فى الدنيا سريعا ، " وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيب " يتحدث الله تعالى عن الذين أورثوا الكتاب أى الذين جاءوا بعد القرن الأول المؤمن من المكذبين للحق الذين ليسوا على يقين من أمرهم وايمانهم وانما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم الكفار بلا دليل ولا برهان وهم فى حيرة من أمرهم وشك مريب وشقاق بعيد .

فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ١٥

اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات كل منها منفصلة عن التى قبلها حكم برأسها قالوا ولا نظير لها سوى آية الكرسى فانها أيضا عشر فصول ، " فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُ" يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم فادع للذى أوحينا اليك من الدين الذى أوصينا به جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولى العزم من الرسل وغيرهم فادع الناس جميعا اليه ، " وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ"يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم استقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله تعالى كما أمركم الله عز وجل ، "وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ" كذلك ينهى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء المشركين فيما اختلقوه وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان ، " وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰب" ويوجه الله عز وجل الأمر الى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدق بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء ولا يفرق بين أحد منهم كل سواء ، " وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُ" الأمر هنا الى الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل أن يتبع العدل فى الحكم بين من حوله والكلام كذلك موجه لكل المسلمين من بعده ، " ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ" الله هو المعبود لا اله غيره وهو رب الجميع المؤمن والكافر فنحن نقر بذلك اختيارا وأنتم وان لم تفعلوه اختيارا فله يسجد من فى العالمين طوعا واجبارا وهو رب العالمين ، " لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُم" نحن برآء منكم ومن شرككم فلنا عملنا وهو الايمان بالله واتباع سبيله وأنتم فى شرككم تتخذون من دون الله أوثانا وأصناما وأندادا وهذاكقوله تعالى " وان كذبوك فقل لى عملى ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برىء مما تعملون " ، "  لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ " قال مجاهد لا خصومة بيننا وبينكم وقال السدى وذلك قبل نزول آية السيف وهذا متجه لأن هذه الآية مكية وآية السيف بعد الهجرة ،"ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ" الله عزوجل يجمع بيننا يوم القيامة واليه وحده المرجع والمآب يوم الحساب كقوله " قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم .

وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ ١٦ ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ ١٧ يَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَيَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فِي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَٰلِۢ بَعِيدٍ ١٨

"  وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَه" يقول الله متوعدا الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به أى الذين يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى، " حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِم" هؤلاء الكفار دليلهم على ما اتبعوه من شرك وهو اتباع آبائهم باطل عند الله ،"وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ " كذلك عليهم غضب الله وسخطه جراء ما يفعلوه ولهم عذاب شديد من الله يوم القيامة وقال ابن عباس ومجاهد عن المشركين جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله ليصدوهم عن الهدى وطمعوا أن تعود الجاهلية وقال قتادة هم اليهود والنصارى قالوا للمؤمنين وهم مازالوا يقولون ذلك ديننا خير من دينكم ونبينا قبلكم ونحن خير منكم وأولى بالله منكم وقد كذبوا جميعا فيما ادعوا ، " ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ " يعنى الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه أنزلها كلها بالحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، "وَٱلۡمِيزَانَ" الميزان هنا هو العدل والانصاف فالكتب منزلة بالحق وفيها حكم الله بالعدل وهذا كقوله تعالى " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " وكقوله تعالى " والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا فى الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " ، "وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيب" فيه ترغيب فى يوم القيامة وترهيب منه وتزهيد فى الدنيا فعلم الساعة عند الله ولا يعلمها الا هو وستكون بغتة فلابد للكل أن يكون مستعدا لها،"يَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهَا" الذين ينكرون البعث واستبعاد حدوث يوم القيامة يستعجلون الساعة استهزاءا واستبعادا لوقوعها وانما يقولن ذلك الاستعجال تكذيبا واستبعادا وكفرا وعنادا ،"وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَيَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّ " والذين آمنوا ويعلمون أنها متحققة خائفون من وقوعها بما تحمله من أهوال تشق على النفوس فهم مستعدون لها عاملون من أجلها وقد روى من طرق تبلغ درجة التواتر فى الصحاح والحسان والسنن والمسانيد أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت جهورى وهو فى بعض أسفاره فناداه فقال : يا محمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته "هاؤم" فقال له : متى الساعة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحك انها كائنة فما أعددت لها ؟ فقال : حب الله ورسوله " فقال صلى الله عليه وسلم " أنت مع من أحببت " هذا متواتر والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها ، " أَلَآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فِي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَٰلِۢ بَعِيدٍ " يمارون معناه يجادلون فى وجودها ويدفعون وقوعها فى جهل بين لأن الذى خلق السموات والأرض قادر على احياء الموتى بطريق الأولى الأحرى كما قال تعالى " وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " .

ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ ١٩ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ٢٠ أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢١ تَرَى ٱلظَّٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ ٢٢

"ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ" يقول الله تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه فى رزقه اياهم عن آخرهم لا ينسى أحدا منهم سواء فى رزقه للبر وللفاجر فهو يوسع فى الرزق على من يشاء كقوله عزوجل " وما من دآبة فى الأرض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين" ، " وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ " والله هو القوى لا يعجزه شىء وهو ذو العزة والمنعة فيما يقول ويفعل ،" مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِ" حرث الآخرة أى عمل الآخرة وجزاء الآخرة يقول عزوجل من كان يريد ذلك نقويه ونعينه على ما هو بصدده ونكثر نماءه ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها الى سبعمائة ضعف الى ما يشاء الله ، "  وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ " يقول عزوجل ومن كان سعيه انما ليحصل له شىء من الدنيا وليس له الى الآخرة هم البتة بالكلية حرمه الله الآخرة والدنيا ان شاء أعطاه منها وان لم يشأ لم يحصل لا هذه ولا هذه وفاز الساعى بهذه النية بالصفقة الخاسرة فى الدنيا والاخرة والدليل أن هذه الآية مقيدة بالآية " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " وعن أبى بن كعب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين فى الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له فى الآخرة من نصيب " ، " أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ"هؤلاء الكفار لا يتبعون ما شرع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من الدين القويم بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والانس من تحريم ما حرموا عليهم من بحيرة وسائبة ووصيلة وحام ، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار الى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التى كانوا قد اخترعوها فى جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة ولهذا قال تعالى " وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُم" لولا ما تقدم من الانظار من الله عز وجل الى يوم القيامة لعوجلوا بالعقوبة ، " وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم" يتوعد الله عز وجل الكفار بالعذاب الشديد الموجع فى جهنم وبئس المصير ، " تَرَى ٱلظَّٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ" يقول تعالى سوف ترى يوم القيامة الكفار وذلك لتاكيد وقوع الحدث خائفين مما فعلوا فى الدنيا  ،"وَهُوَ  وَاقِعُۢ بِهِمۡ" وأنه فى هذا اليوم واقع بهم لا محالة ما وعدوا به من العذاب وهذا حالهم يوم معادهم وهم فى هذا الخوف والوجل ، " وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ" على النقيض من حال التعساء من الكفار يتحدث عز وجل عن حال المؤمنين يوم القيامة فهم فى روضات الجنات لهم ما يشاءون من مآكل وملابس ومساكن ومناظر وملاذ مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الله سبحانه وتعالى مما وعدهم به فى الدنيا ، " ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ" وهذا الذى ينعم به المؤمنون هو الفوز العظيم والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة .

ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ ٢٣ أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٢٤

" ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ" يقول الله تعالى لما ذكر روضات الجنات لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن هذا حاصل لهم كائن لا محالة ببشارة الله عز وجل لهم به ،" قُل لَّآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ" يقول الله تعالى مخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسالكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالا تعطونيه وانما أطلب منكم أن تكفوا شركم عنى وتذرونى أبلغ رسالات ربى ان لم تنصرونى فلا تؤذونى بما بينى وبينكم من القرابة قال ابن عباس ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش الا كان له فيهم قرابة فقال الا أن تصلوا ما بينى وبينكم من القرابة وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أسألكم عليه أجرا الا أن تؤذونى فى نفسى لقرابتى منكم وتحفظوا القرابة التى بينى وبينكم " وعن مجاهد عن ابن عباس قال " لا أسالكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجرا الا أن توادوا الله تعالى وأن تقربوا اليه بطاعته " ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالاحسان اليهم واحترامهم واكرامهم فانهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على الأرض فخرا وحسبا ونسبا ولا سيما ان كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ، "وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًا" يقول الله عزوجل من يعمل حسنة نزد له فيها حسنا أى أجرا وثوابا كقوله تعالى " ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ " الله عزوجل يغفر الكثير من السيئات ويكثر القليل من الحسنات فيستر ويغفر ويضاعف فيشكر ، "  أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَ" يقول الله عز وجل يدعى هؤلاء الكفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد افترى الكذب على الله فيما جاء به من الرسالة فهو ليس برسول لأن الله لو أراد أن يرسل رسولا لكان ملكا ولن يبعث بشرا رسولا أو أنه لم يأتى بآيات مادية مثل غيره فيصدقوه فيرد الله على الكفار بقوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو افتريت كذبا على الله كما يزعم هؤلاء الجاهلون يطبع الله على قلبك ويسلبك ما كان آتاك من القرآن كقوله " ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " أى لانتقمنا منه أشد الانتقام وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه ، وهذا تأكيد من الله عزوجل على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، " وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ" يقول الله عز وجل أنه يمحو الباطل ويمحقه ويحق الحق ويثبته ويبينه ويوضحه بكلماته أى بحججه وبراهينه فعندما يظهر الحق فهو عكس الباطل فيمحو بنوره ظلمة الباطل فلا يجتمع حق مع باطل ،" إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ " فالله وحده يعلم ما تكنه الصدور وتنطوى عليه السرائر .

وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّئَِّاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ ٢٥ وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ ٢٦ ۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ ٢٧ وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَ ٱلۡوَلِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ٢٨

" وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّئَِّاتِ " يقول الله تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم اليه اذا تابوا ورجعوا اليه أنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر كقوله عز وجل " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع فى ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك اذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدى وأنا ربك - أخطأ من شدة الفرح -  " ، " وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ " الله مطلع على أفعالكم ولا تخفى عليه خافية ومع هذا يتوب على من تاب اليه ويجازى كل بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر فاعلموا ذلك كله وسارعوا بالتوبة ولا تقنطوا من رحمة الله فهو يقبل التوبة فى المستقبل ويعفو عن السيئات فى الماضى، " وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ " قال السدى يعنى يستجيب لهم وقال ابن جرير يستجيب لهم الدعاء لأنفسهم ولأصحابهم واخوانهم  ويزيدهم فوق ذلك كقوله تعالى " فاستجاب لهم ربهم " ، وعن عبد الله رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى " وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِ" قال " الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع اليهم معروفا فى الدنيا " وقال قتادة عن ابراهيم النخعى فى قوله عز وجل " وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ " قال يشفعون فى اخوانهم " وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِ" قال يشفعون فى اخوان اخوانهم ، " وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيد" لما ذكر الله عز وجل المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم ،" وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ " يقول الله عزوجل أنه لو أعطى عباده فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغى والطغيان من بعضهم على بعض أشرا وبطرا كقوله تعالى " ان الانسان ليطغى أن رآه استغنى " ، " وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِ خَبِيرُۢ بَصِير " الله سبحانه وتعالى خبير وبصير بعباده مطلع على أحوالهم يرزق عباده من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك فيغنى من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر كما جاء فى الحديث المروى " ان من عبادى من لا يصلحه الا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه وان من عبادى من لا يصلحه الا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه" ،"وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُواْ " الغيث هو المطر أى بعد اياس الناس من نزول المطر ينزله عليهم فى وقت حاجتهم وفقرهم اليه كقوله عز وجل "وان كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" ، " وَيَنشُرُ رَحۡمَتَهُ" الرحمة هنا هى المطر وهو رحمة من الله يمن به على عباده يعم بها الوجود على ذلك القطر وتلك الناحية فهو وحده المتصرف لخلقه بما ينفعهم فى دنياهم وأخراهم  ، "وَهُوَ ٱلۡوَلِيُّ ٱلۡحَمِيدُ " وهو المحمود العاقبة فى جميع ما يقدره ويفعله .

وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞ ٢٩ وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ ٣٠ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ ٣١

" وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّة" يقول الله تعالى أن من الآيات الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه القاهر خلق السموات والأرض وما ذرأ فيهما من مخلوقات تسعى وهذا يشمل الملائكة والانس والجن وسائر المخلوقات على أجناسها وأشكالها وأنواعها وقد فرقهم فى أقطار السموات والأرض ، " وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِير" والله مع هذا التفرق كله يوم القيامة يجمع الأولين والآخرين وسائر الخلائق فى صعيد واحد يسمعهم الداعى وينفذهم البصر فيحكم فيهم بحكمه العدل الحق ، " وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِير" يقول عز وجل مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فانما عن شيئات تقدمت لكم ومع كل هذه السيئات فان الله لا يجازيكم عليها بل يعفو عنها فقد قال تعالى " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " وفى الحديث الصحيح " والذى نفسى بيده ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن الا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها " وعن على رضى الله عنه قال قال أبى سخلة وهو يفسر الآية : ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء فى الدنيا فبما كسبت أيديكم والله تعالى أحلم من أن يثنى عليه العقوبة فى الآخرة وما عفا الله عنه فى الدنيا فالله تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه يوم القيامة وعن الحسن البصرى قال فى قوله تبارك وتعالى " وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِير " قلب لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذى نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم الا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر " ، "  وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِير " يتحدث الله عن قدرته وعفوه وحلمه فيقول أنتم أيها البشر لا تعجزوا الله فى قدرته وأنتم تسعون فى الأرض فى هذه الحياة الدنيا فهو قادر ولكن يعاملكم بحلمه وعفوه ونحن نرى بأعيننا ما ينزل من كوارث ولا منقذ الا الله فليس من دون الله من يتولى عباده ولا ينصرهم ولا ينقذهم الا هو وحده .

وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ٣٢ إِن يَشَأۡ يُسۡكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظۡلَلۡنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٍ ٣٣ أَوۡ يُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُواْ وَيَعۡفُ عَن كَثِيرٖ ٣٤ وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ ٣٥

" وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ " يقول الله عز وجل أن من آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه تسخيره البحر لتجرى السفن فيه بأمره وهى الجوارى فى البحر كالأعلام أى كالجبال أى هذه السفن فى البحر من كبرها وعظمها ورسوها على الماء كالجبال فى البر ، " إِن يَشَأۡ يُسۡكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظۡلَلۡنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهۡرِهِ" يتحدث الله عز وجل عن قدرته فى تسيير وتحريك الريح التى تسير السفن فى البحر لو شاء لسكنها حتى لا تتحرك السفن بل تبقى راكدة لا تجىء ولا يذهب بل واقفة على ظهره أى على وجه الماء ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٍ " فى تسخير الله عز وجل البحر واجرائه الريح بقدر ما تحتاج اليه السفن لسيرها فى هذا دلائل بينة ظاهرة لكل صبار أى فى الشدائد شكور فى الرخاء على قدرة الله وقد ذكر الله صفة الصبر لما فى البحر وعمله من مشقة ومخاطرة وبخاصة فى الماضى وذكر شكور لأن نعم الله التى يمكن أن يستفيد منها الانسان من البحر كثيرة تستوجب الشكر الجزيل لله مربحة تحتاج الى الاستخراج فحسب غير التى فى البر وتحتاج الى بذل الجهد حتى يمكن الاستفادة منها ،"  أَوۡ يُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُواْ " لو أخذ الله تعالى ما يفعله البشر من معاصى لأهلك السفن وأغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون فيها أوهم ملاك لها ، " وَيَعۡفُ عَن كَثِير" ولكن الله عزوجل عنده العفو الكثير عن ذنوب هؤلاء ولو أخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك كل من ركب البحر وقال بعض علماء التفسير فى معنى قوله " أو يوبقهن بما كسبوا"  أى لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال آبقة لا تسير على طريق ولا الى جهة مقصد وهذا القول هو يتضمن هلاكها وأنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت أو لقواها فشردت وأبقت وهلكت ، ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسل الريح بحسب الحاجة كما يرسل المطر بقدر الكفاية ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان أو قليلا لما أنبت الزرع والثمار ، "وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيص " الذين يتبعون الجدل والتكذيب والمجادلة هى البعد عن الحق والاستعانة بالباطل لا فساد الحق هؤلاء الذين يفعلون ذلك لا محيد لهم عن بأس الله ونقمته فانهم مقهورون بقدرة الله .

فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٣٦ وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ ٣٧ وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣٨ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ ٣٩

يقول الله تعالى محقرا لشأن الدنيا وزينتها وما فيها من الزهرة والنعيم الفانى " فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا" مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به فانما هو متاع الحياة الدنيا وهى دار دنيئة فانية زائلة لا محالة ، " وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ " ثواب الله تعالى خير من الدنيا وهو باق سرمدى فلا تقدموا الفانى على الباقى وهذا للذين صبروا على ترك ملاذ الدنيا وبذلوا كل ما يملكون من جهد ومال تسخيرا لطاعة الله متوكلين عليه ليعينهم على الصبر فى أداء الواجبات وترك المحرمات ، "وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ " ومن صفات هؤلاء المؤمنين كذلك أنهم بعيدون عن الكبائر من الذنوب والأعمال الفاحشة كما تقدم فى سورة الأعراف والذين من سجيتهم الصفح عن الناس والعفو عنهم عند الغضب وليس الانتقام منهم وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط الا أن تنتهك حرمات الله ، " وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ" أى الذين اتبعوا رسل الله واطاعوا أمره واجتنبوا زجره ، "  وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ " ومن صفات المؤمنين اقامة الصلاة أى الانتظام فى آدائها على تمامها من حركات وسكنات وركوع وسجود وفروض ونوافل وهى أعظم العبادات لله عزوجل ، "وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ" من صفات المؤمنين كذلك أنهم لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه فى السلم والحرب ليتساعدوا بآرائهم وبخاصة فى الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم وقد سميت السورة بذلك " الشورى " لما لها من أهمية فى حياة المجتمع المسلم وما للاستبداد بالرأى من عواقب الأمور الوخيمة وهى علة كل الشعوب الاسلامية التى يحكمها طغاة ينفردون بالرأى وينكلون بكل من خالفهم الرأى فالشورى من صفات المؤمنين وهؤلاء الطغاة بذلك بعيدون عن الايمان لو يعلمون وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالا لذلك ولا يتخذ أمرا وبخاصة فى الحرب الا استشار أصحابه والمواقف كثيرة كما فى غزوتى بدر والخندق مما يحتاج الى الكثير للحديث عنه ولما حضرت عمر بن الخطاب رضى الله عنه الوفاة حين طعن على يد المجوسى أبى لؤلؤة جعل الأمر بعده شورى فى ستة نفر وهم عثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهم فاجتمع رأى الصحابة كلهم رضى الله عنهم على تقديم عثمان رضى الله عنه عليهم رضى الله عنهم ، " وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ " ومن صفات المؤمنين الاحسان الى خلق الله الأقرب اليهم منهم فالأقرب بالنفقة فى سبيل الله ويقصد هنا الزكاة والصدقات وغيرها حسب الاستطاعة ،" وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ" البغى هو التعدى والظلم فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم ليسوا بالعاجزين ولا الأذلين بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم وان كانوا مع هذا اذا قدروا عفوا كما قال يوسف عليه السلام لاخوته " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم"  مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم اليه والاحاديث كثيرة عن عفو الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عفا عن أهل مكة حين دخلها وكما عفا عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ونزلوا من جبل التنعيم فلما قدر عليهم من عليهم مع قدرته على الانتقام , وكذلك عفوه عن غورث بن الحارث الذى أراد الفتك به حين اخترط سيفه وهونائم ليقتله فاستيقظ وهو فى يده صلتا فانتهره فوضعه من يده وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فى يده ودعا الصحابة ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل وعفا عنه ، وكذلك عفا عن لبيد بن الأعصم الذى سحره عليه السلام ومع هذا لم يعرض له ولا عاتبه مع قدرته عليه وكذلك عفوه عن المرأة اليهودية - وهى زينب أخت مرحب اليهودى الخيبرى الذى قتله محمود بن سلمة - التى سمت الذراع ذراع الشاة وقدمته له يوم خيبر ليأكل منه - فأخبره الذراع بذلك فدعاها فاعترفت فقال صلى الله عليه وسلم " ما حملك على ذلك ؟ " قالت : أردت ان كنت نبيا لم يضرك وان لم تكن نبيا استرحنا منك فأطلقها عليه الصلاة والسلام ، ولكن لما مات منه بشر بن البراء رضى الله عنه قتلها به .

وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤٠ وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ ٤١ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٤٢ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ٤٣

" وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَا" شرع الله العدل وهو القصاص فجعل السيئة تجازى بمثلها دون تجاوز كقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " وكقوله " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " ، "فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ" وندب الله الى الفضل وهو العفو والسماح فمن تجاوزوسامح فان ذلك لا يضيع عند الله كقوله " والجروح قصاص فمن تصدق به فهوكفارة له " وكما صح فى الحديث وما زاد الله تعالى عبدا بعفو الا عزا ، " إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ " يقول عز وجل أنه لا يحب الظالمين أى المعتدين وهو المبتدىء بالسيئة ، "  وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ " يقول عز وجل أن من حاق به ظلم ليس عليه جناح فى الانتصار ممن ظلمه أى يأخذ حقه ممن ظلمه فليس عليه ملامة ولا اثم , " إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ " الحرج والعنت والذنب والاثم على الذين يبدءون الناس بالظلم ويتجبرون فى الأرض ويظلمون ويسلبون الناس حقوقهم ، " أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم" يتوعدهم الله بالعذاب الشديد الموجع فى الدنيا بالقاص وفى الآخرة بالعذاب فى النار ، " وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ " يقول عزوجل من صبر على الأذى وستر السيئة وعفا وصفح عنها وتجاوز ، " إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُور " عزم الأمور قال سعيد بن جبيسر لمن حق الأمور التى أمر الله تعالى بها أى لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التى عليها ثواب جزيل وثناء جميل وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال ان رجلا شتم أبا بكر رضى الله عنه والنبى صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبى صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقال : يا رسول الله انه كان يشتمنى وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت قال " انه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان - ثم قال - يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيفضى عنها لله الا أعزه بها ونصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة الا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسئلة يريد بها كثرة الا زاده الله عز وجل بها قلة " .

وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ ٤٤ وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ ٤٥ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنۡ أَوۡلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن سَبِيلٍ ٤٦

" وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِ" يقول الله تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة أنه ما شاء كان ولا راد له وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له وأنه من هداه فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادى له كما قال تعالى " ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا " ، " وَتَرَى ٱلظَّٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيل" يتحدث الله تعالى بجذب الانتباه وتصوير ما يحدث يوم القيامة باعطاء صورة مصورة لما سيحدث رأى العيان أنك سوف ترى الظالمين وهم المشركون بالله والكفار حينما يروا العذاب يوم القيامة يتمنوا الرجعة الى الدنيا ويطلبون ذلك ويطلبون طريقة من الله يرجعون بها الى الدنيا ليعملوا الأعمال الصالحة ويغيروا مسلك حياتهم باتباع سبيل الله وهم كاذبون فى ذلك فلو ردوا لعادوا لما كانوا عليه من سيئات كما قال تعالى " ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون " ، " وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ " ويستمرعز وجل فى تصوير المشهد المشاهد نظر العين شاخصا للأبصار باستخدام قوله"وتراهم " أى يشاهد المشركون والكفار وهم يعرضون على النار والذل قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله تعالى ، " يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّ" قال مجاهد يعنى ذليل أى ينظرون بطرف أعينهم الى جهنم مسارقة خوفا منها وذلك عند العرض قبل الدخول اليه حتى يزداد رعبهم وخوفهم وهذا من العقاب النفسى فالذى يحذرون منه واقع بهم لا محالة وما هو أعظم بما فى نفوسهم فهم مرعبون بمجرد النظر اليها فما بالهم اذا دخلوها وهذا تحذير من الله للناس فى الدنيا مما سيقع فى الآخرة وانذار منه عزوجل ليرتدع الناس ، " وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ " ويصور الله عز وجل تصوير الطرف السعيد وهم الذين آمنوا يقولون يوم القيامة " إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ" ما يقوله المؤمنون وهم يعلقون على ما يحدث للكفار ان الخاسرين أى الذين أصابتهم الخسارة فى هذا اليوم الذين ذهب بهم الى النار فعدموا لذتهم فى دار الأبد وخسروا أنفسهم وفرق بينهم وبين أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم فخسروهم وفرق بينهم سواء من دخل الجنة أو تفرق فى النار ففى كلتا الحالتين هناك بعد وحرمان وهذا من الحرمان والعذاب النفسى فالانسان خلقه الله اجتماعى يحب الصحبة ، " أَلَآ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيم" العذاب المقيم هو الدائم السرمدى الأبدى الذى لا خروج لهم منه ولا محيد لهم عنه ، "  وَمَا كَانَ لَهُم مِّنۡ أَوۡلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ" يعقب الله عز وجل ببيان قدرته أن الكفار يوم القيامة لن يجدوا لهم نصراء ومنقذين ينقذونهم مما هم فيه من العذاب والنكال ، " وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن سَبِيلٍ " ويقول عز وجل أن من أبعده عن طريق الحق بما يستحقه من أفعاله ليس له من خلاص ولا طريق نجاة من العذاب ومن المصير السىء الذى وضع نفسه فيه يوم الحسرة والندامة وهذا تأكيد فقد بدأت الآيات " ومن يضلل الله فما له من ولى " وانتهت الى " ومن يضلل الله فما له من سبيل " أى ليس له من أحد ولا من طريق ومخرج فهو فى وضع بالغ السوء لا محيد له عنه .

ٱسۡتَجِيبُواْ لِرَبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۚ مَا لَكُم مِّن مَّلۡجَإٖ يَوۡمَئِذٖ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٖ ٤٧ فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ ٤٨

لما ذكر الله تعالى ما يكون فى يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة حذر منه وأمر بالاستعداد له فقال " ٱسۡتَجِيبُواْ لِرَبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۚ مَا لَكُم مِّن مَّلۡجَإٖ يَوۡمَئِذٖ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِير" يقول عز وجل محذرا ومنبها المشركين  أيها الناس ليكن عندكم استجابة لما دعاكم الله اليه من اتباع سبيله ونحن نعلم أن هذه السورة مكية فالله يمهلكم فى الحياة الدنيا قبل أن يأتى يوم القيامة الذى لا رجعة عنه فهو حق واقع  فان أمره كلمح بالبصر واذا وقع فليس له دافع ولا مانع والنكير هو المخبأ أو المكان الذى يسترهم ويتنكرون فيه فيغيبون عن بصره تبارك وتعالى بل هومحيط بهم بعلمه وبصره وقدرته فلا ملجأ منه الا اليه ، " فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ" يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم مسليا له فى مواجهة المشركين له ومعارضتهم له ان المشركين ان أعرضوا عنك وبعدوا فانك لست عليهم بمسيطر وحافظ لهم وضامن أنهم سيتبعون الحق ويرجعون عن الشرك والكفر فان ما عليك والمكلف به من ربك هو تبليغ الدعوة ورسالة الله اليهم  كما قال تعالى " فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب " ، " وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَا" يخبر الله عز وجل أن الانسان اذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك كما قال تعالى " وانه لحب الخير لشديد " ، " وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُور " واذا أصابت الناس جدب ونقمة وبلاء وشدة فانهم يجحدون ما تقدم من النعم ولا يعرفون الا الساعة الراهنة فان أصابتهم نعمة أشروا وبطروا وان أصابتهم محنة يئسوا وقنطوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء " يا معشر النساء تصدقن فانى رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة : ولم يا رسول الله ؟ فقال صلى اله عليه وسلم" لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير ، لو أحسنت الى احداهن الدهر ثم تركت يوما قالت ما رأيت منك خيرا قط " وهذا حال أكثر النساء الا من هداه الله تعالى وألهمه رشده وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالجات فالمؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم " ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد الا للمؤمن " .

لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ ٤٩ أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ ٥٠ ۞

" لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ "يخبر الله تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكها والمتصرف فيها وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه يعطى من يشاء ويمنع من يشاء ولا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع وأنه يخلق ما يشاء يرزق من يشاء البنات فقط ومنهم من يرزقه البنين فقط  ويعطى لمن يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى أى من هذا وهذا ويجعل بمشيئته من هو عقيم لا يولد له ذكور أو اناث ، فجعل الناس أربعة أقسام منهم من يعطيه البنات ومنهم من يعطيه البنين ومنهم من يعطيه من النوعين ذكرورا واناثا ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيما لا نسل له ولا ولد له،" إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِير " والله عزوجل عليم بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام  قدير على ما يشاء من تفاوت الناس من ذلك  وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى عليه السلام " ولنجعله آية للناس " أى دلالة لهم على قدرته تعالى وتقدس حيث خلق الخلق على أربعة أقسام فآدم عليه السلام مخلوق من تراب لا من ذكر ولا من أنثى ، وحواء عليها السلام مخلوقة من ذكر بلا أنثى ، وعيسى عليه السلام من أنثى بلا ذكر ، وسائر الخلق من ذكر وأنثى .

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ ٥١ وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢ صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ ٥٣

" وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا " هذه مقامات الوحى بالنسبة الى جناب الله عز وجل وهو أنه تبارك وتعالى يقذف فى روح النبى صلى الله عليه وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل كما جاء فى صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان روح القدس نفث فى روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب " ، "أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ " كما كلم الله موسى عليه السلام فانه سأل الرؤية بعد التكلم فحجب عنها وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله رضى الله عنهما " ما كلم الله أحدا الا من وراء حجاب وأنه كلم أباك كفاحا " كذا جاء فى الحديث وكان قد قتل يوم أحد ولكن هذا فى عالم البرزخ والآية انما هى فى الدار الدنيا ، " أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُ" يقول عزوجل أنه كذلك يبعث رسولا وهو الملك كما ينزل جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم السلام فيكون رسول الوحى من الله بمشيئته على من شاء من عباده المرسلين  ، " إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيم" الله على فوق كل شىء ولا يعلوه من شىء  وليس كمثله شىء وهو عزوجل الحكيم فى أقواله وأفعاله ، " وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ " يخبر الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه أوحى اليه القرآن باذنه من لدنه ، " مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ " ويخبره عز وجل  كذلك أنه صلى الله عليه سلم لم يكن على دراية بما نزل عليه فى القرآن بالتفصيل الذى نزل عليه وما جاء فيه من هدى ، " وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَا" يخبر الله عزوجل عن القرآن الكريم أنه نور يهدى به من يشاء من عباده بما يحويه كقوله تعالى " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى"، "وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم " يتحدث الله تعالى عن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أنه بما أنزله اليه من القرآن وبما لديه من سنة يهدى الى الطريق الصحيح وهو الحق القويم ،"  صِرَٰطِ ٱللَّهِ " فسر الله عز وجل الصراط المستقيم أنه شرعه الذى أمر به ، "ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ" هو الله الذى هو رب السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما والحاكم الذى لا معقب لحكمه ، " أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ" الله عزوجل هو من ترجع اليه الأمور فيفصلها ويحكم فيها سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا .

تفسير الجزء الخامس والعشرين

تفسير سورة الزخرف

سورة الزخرف سورة مكية وآياتها 89 آية ، وتتصف بصفات السور المكية من قصر للآيات ومناقشت قضية الكفر والايمان ،وابراز قدرة الله عز وجل فى الخلق  ، وايراد ذكر السابقين من الأنبياء والمرسلين لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم فى الدعوة فى مواجهة المشركين فى مكة .

حمٓ ١ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٣ وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ٤ أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ ٥ وَكَمۡ أَرۡسَلۡنَا مِن نَّبِيّٖ فِي ٱلۡأَوَّلِينَ ٦ وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٧ فَأَهۡلَكۡنَآ أَشَدَّ مِنۡهُم بَطۡشٗا وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٨

" حمٓ " تقدم الحديث فى سورة البقرةعن الحروف المقطعة فى بدايات السور ،" وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ " قسم من الله تعالى بالكتاب وهو القرآن الكريم البين الواضح الجلى المعانى والألفاظ لأنه نزل بلغة العرب التى هى أفصح اللغات للتخاطب بين الناس ، " إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا " يقول الله تعالى أنه أنزل القرآن بلغة العرب فصيحا واضحا ، " لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ " لعلكم وهو يخاطب قريش وغيرها تفهمونه وتتدبرونه كما قال تعالى " بلسان عربى مبين " ، " وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ " بين الله عز وجل شرف القرآن فى الملأ الأعلى ليشرفه ويعظمه ويطيعه من فى الأرض  وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ  عنده فالله أثنى على القرآن بأنه ذو مكانة عظيمة عند الله وشرف وفضل وأنه كما قال قتادة حكيم أى محكم مبرىء من اللبس والزيغ وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله كما قال تعالى " انه لقرآن كريم فى كتاب مكنون * لا يمسه الا المطهرون * تنزيل من رب العالمين " وكما قال تعالى " كلا انها تذكرة * فمن شاء ذكره فى صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدى سفرة كرام بررة " ، ولهذا استنبط العلماء من هاتين الآيتين أن المحدث لا يمس المصحف ، " أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ " اختلف المفسرون فى معناها فقيل معناها أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به وقال قتادة أنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم الى الخير والى الذكر الحكيم وهو القرآن وان كانوا مسرفين معرضين عنه بل يأمر به ليهتدى من قدر هدايته وتقوم الحجة على من كتب شقاوته ، " وَكَمۡ أَرۡسَلۡنَا مِن نَّبِيّٖ فِي ٱلۡأَوَّلِينَ " يقول الله عز وجل مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من قومه وآمرا له بالصبر عليهم أنه سبحانه وتعالى أرسل الكثير لمن سبقه من القوم  من الرسل ، "وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " ولكن كانوا يقابلون كل من أرسل اليهم بالتكذيب والسخرية به ، " فَأَهۡلَكۡنَآ أَشَدَّ مِنۡهُم بَطۡشٗا " يقول الله عزوجل أنه أهلك المكذبين بالرسل وقد كانوا أشد بطشا من هؤلاء المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا كقوله" أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم  وأشد قوة ، " وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلۡأَوَّلِينَ " أى جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم كقوله تعالى " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " وكقوله تعالى " سنة الله التى خلت فى عباده " وكقوله تعالى " ولن تجد لسنة الله تبديلا " .

وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ ٩ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠ وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ ١١ وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مَا تَرۡكَبُونَ ١٢ لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ ١٣ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ١٤

"وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ " يقول الله تعالى مخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم لئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره من خلق السموات والأرض ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له العزيز لا عزيز سواه العليم بكل شىء فى الكون وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد ، "ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا " يتحدث الله عنه قدرته فى تيسير المعيشة على الأرض بأنه جعلها قرارا ثابتة ميسرة للمعيشة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتنصرفون مع أنها مخلوقة على تيار الماء ولكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا وتكون ثابتة فى الكون بفعل جاذبية الأرض والشمس والقمر  ، " وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ " يتحدث الله عن قدرته بأنه جعل فى الأرض طرقا بين الجبال والأودية للحركة والسعى فيها دون أن يحدث فيها توهان ،"وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَر" ويتحدث الله عز وجل أنه أنزل المطر من السماء بحسب الكفاية للزروع والثمار وللشرب والاستعمالات الأخرى فلا هو يزيد فيغرق من على الأرض ولا ينقص فيحدث الجفاف والهلاك ، " فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا" النشور هو الاخراج والبعث بعد الموات أى أن الأرض كانت ميتة قبل نزول المطر فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، "كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ" نبه تعالى على قدرته باحياء الأرض أنه كما يحيى الأرض بعد موتها فانه كذلك يبعث الأجساد يوم المعاد بعد موتها واستخدم " كذلك " للتشبيه أى مثل هذا الذى يحدث للأرض من بعث بعد الموت يحدث لكم البعث بعد الموت والذى كان المشركون يكذبه ، " وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا " يتحدث عز وجل كذلك أنه هو وحده الخالق الذى خلق كل شىء فى الأرض زوجين اثنين مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها وسائر المخلوقات ، " وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مَا تَرۡكَبُونَ" ويتحدث عز وجل عن قدرته فى تسخير السفن فى البحار والأنعام فى البر وتذليلها وتيسيرها وتسخيرها للركوب ولهذا قال "  لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ " لتستووا متمكنين مرتفعين على السفن والدواب ، " ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ " يقول تعالى وتذكروا نعمة ربكم فيما سخر لكم اذا ركبتم واستقريتم فيما سخر لكم وتسبحونه وتقولون وتعترفون أنه لولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما مقرنين أى مطيقين ، " وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ " وتقولون كذلك انا لصائرون الى الله بعد مماتنا واليه سيرنا الأكبر وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة وفى هذا اقران الدنيا بالآخرة  وليس التفضيل كما نبه بالزاد الدنيوى على الزاد الأخروى فى قوله تعالى " وتزودوا فان خير الزاد التقوى " وبالباس الدنيوى على الأخروى فى قوله تعالى " وريشا ولباس التقوى ذلك خير " وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : ان النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال " سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون - ثم يقول - اللهم انى أسالك فى سفرى هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد ، اللهم أنت الصاحب فى السفر والخليفة فى الأهل ، اللهم اصحبنا فى سفرنا واخلفنا فى أهلنا ، وكان صلى الله عليه وسلم اذا رجع الى أهله قال " آيبون تائبون ان شاء الله عابدون لربنا حامدون " .

وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ ١٥ أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ ١٦ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحۡمَٰنِ مَثَلٗا ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٌ ١٧ أَوَ مَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ ١٨ وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡۚ سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسَۡٔلُونَ ١٩ وَقَالُواْ لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُمۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ ٢٠

"وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءً إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ " يقول الله تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه فى جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله تعالى ويعقب عز وجل ان الانسان كثير الجحود لفضل الله ونعمته واضح الجحود والكفر كما ذكر تعالى عنهم فى سورة الأنعام فى قوله تبارك وتعالى"وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون"، " أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ " وكذلك جعلوا من قسمى البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات فأنكر الله عليهم ذلك غاية الانكار فهو الذى يخلق فكيف يحدث ما يقولون كما قال فى آية أخرى " ألكم الذكر وله الأنثى * تلك اذا قسمة ضيزى " ثم قال جل وعلا وذكر تمام الانكار " وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحۡمَٰنِ مَثَلٗا ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٌ " اذا بشر أحد هؤلاء مما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به ويتوارى من القوم من خجله من ذلك ، يقول تعالى فكيف تأنفون أنتم من ذلك وتنسبونه الى الله عز وجل ؟ ، " أَوَ مَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِين" يتحدث الله تعالى عما بالمرأة من نقص كما كانت عقيدة العرب فى العصر الجاهلى فهو يخاطبهم بما كانوا يعتقدون ويواجههم به فى معركة القرآن ضد الشرك والعقائد الباطلة بأسلوب عقلانى ومنطقى يخاطب العقول ويصحح العقائد بالحجة والبرهان والدليل فالآية تذكر من ينشأ فى الحلية وهو المرأة التى تتخذ من الحلى لباس لها منذ صغرها وهى طفلة ونشأتها واذا خاصمت فهى غير واضحة فى خصامها تخاصم لأتفه الأسباب الغير مبينة اى الغير واضحة فهى لديها نقص يكمل نقصها بلبس الحلى وكذلك نقص فى الشخصية وهذه طبيعتها أو أنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار فى الخصومات وهو الأرجح وهذا كان الواقع عند العرب واتخذوه ذريعة لوأد البنات كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت ما هى بنعم الولد نصرها بكاء وبرها سرقة أومن يكون هكذا ينسب الى جناب الله العظيم ؟ ، "وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ" ويتحدث تعالى عن اعتقاد المشركين بأن الملائكة هم بنات الله وهم عباده الذين سخرهم لعبادته وأنكر الله عليهم ذلك بقوله " أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡۚ" يقول الله هل شاهدوا الله وقد خلق الملائكة اناثا ، "سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسَۡٔلُونَ " ستسجل شهادتهم هذه عليهم ويسئلون عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد ووعيد أكيد ، " وَقَالُواْ لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُم" يتحدث الله عن المشركين أنه لو أراد الله لحال بينهم وبين عبادة الأصنام التى هى على صورة الملائكة التى هى بنات الله فانه عالم بذلك وهو يقررنا عليه فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ فى جعلهم لله ولدا تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا ودعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا وعبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا اذن من الله عز وجل بل بمجرد الآراء والأهواء والتقليد للأسلاف والكبراء والآباء واحتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدرا وقد جهلوا فى هذا الاحتجاج جهلا كبيرا ، فانه تعالى قد أنكر عليهم ذلك أشد الانكار بقوله"مَّا  لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ " هم جهلاء ليس لهم من علم بصحة ما قالوه واحتجوا به فهم يكذبون ويتقولون وقال مجاهد يعنى ما يعلمون قدرة الله تبارك وتعالى على ذلك .

أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا مِّن قَبۡلِهِۦ فَهُم بِهِۦ مُسۡتَمۡسِكُونَ ٢١ بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ ٢٢ وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ ٢٣ ۞قَٰلَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَيۡهِ ءَابَآءَكُمۡۖ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ ٢٤ فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٢٥

"أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا مِّن قَبۡلِهِۦ فَهُم بِهِۦ مُسۡتَمۡسِكُونَ " يقول الله تعالى منكرا على المشركين فى عبادتهم غير الله بلا برهان ولا دليل ولا حجة هل أتينا هؤلاء المشركين كتابا قبل شركهم فهم مستمسكون فى ما هم فيه من الشرك وهذا كقوله تعالى " أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون " أى لم يكن ذلك ، " بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّة"" ليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد بأنهم كانوا على أمة والمراد بها هنا الدين وهذا كقوله تعالى " وان هذه أمتكم أمة واحدة" ،"وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ " وأنهم وراءهم يسيرون وهذه دعوى منهم بلا دليل ،" وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ " يقول عز وجل مخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم وبين جل وعلا أن مقالة هؤلاء قد سبقتهم اليها أشباههم ونظراؤهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل تشابهت قلوبهم فقالوا مثل قولهم من أنهم متبعون لآبائهم فى شركهم وهو دين آبائهم ، "قَٰلَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَيۡهِ ءَابَآءَكُمۡۖ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ" يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المشركين هل لوجئتكم بالهدى من عند الله بعيدا عن شرككم الذى اتبعتموه وهو نهج آبائكم لو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به لما اتبعوك وانقادوا لذلك لسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله ، " فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُم" يخبر الله تعالى أنه انتقم من الأمم المكذبة بأنواع من العذاب كما فصله تعالى فى قصصهم ، " فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ " يدعو الله الى أخذ العبرة والنظر فيما حدث للمكذبين كيف بادوا وهلكوا وكيف نجى الله المؤمنين .

وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦٓ إِنَّنِي بَرَآءٞ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ ٢٦ إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ ٢٧ وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٢٨ بَلۡ مَتَّعۡتُ هَٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ وَرَسُولٞ مُّبِينٞ ٢٩ وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ وَإِنَّا بِهِۦ كَٰفِرُونَ ٣٠ وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ ٣١ أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ٣٢ وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ ٣٣ وَلِبُيُوتِهِمۡ أَبۡوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيۡهَا يَتَّكُِٔونَ ٣٤ وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ ٣٥

"وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦٓ إِنَّنِي بَرَآءٞ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله ابراهيم عليه السلام امام الحنفاء ووالد من يعث بعده من الأنبياء الذى تنتسب اليه قريش فى نسبها ومذهبها أنه تبرأ من أبيه وقومه فى عبادتهم الأوثان ، " إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ " قال ابراهيم عليه السلام أنه فى عبادته يتبرأ من الشرك الذى فيه قومه وما هم عليه من عبادة الأوثان فهو يعبد خالقه فهو وحده لا شريك له الكفيل بهدايته ، "  وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِ" الكلمة هى عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان وهى لا اله الا الله وقال ابن زيد كلمة الاسلام أى جعلها دائمة فى ذريته يقتدى به فيها من هداه الله تعالى من ذرية ابراهيم عليه السلام ، ’" لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ " أى يتبعوها ويرجعوا اليها فى عبادتهم ،"بَلۡ مَتَّعۡتُ هَٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ وَرَسُولٞ مُّبِين" هؤلاء أى المشركين تركهم الله فى فترة بين الرسالة والنذارة لم ينزل عليهم العذاب والهلاك فتطاول عليهم العمر فى ضلالهم ، " وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ وَإِنَّا بِهِۦ كَٰفِرُونَ " وعندما أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالحق من عنده كابروه وعاندوه ودفعوا بالصدور والرواح كفرا وحسدا وبغيا واتهموه بالسحر، " وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ " ويخبر الله تعالى عن هؤلاء المشركين أنهم قالوا معترضين على الذى أنزله الله تعالى وتقدس لو كان انزال القرآن على رجل عظيم كبير فى أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف وقال ابن عباس وغيره أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفى وعن مجاهد يعنون عمير بن عمرو بن مسعود الثقفى وعتبة بن ربيعة والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أى البلدتين كان ، " أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَ" يقول الله عز وجل ليس الأمر مردودا اليهم بل الى الله عزوجل والله أعلم حيث يجعل رسالته فانه لا ينزلها الا على أزكى الخلق قلبا ونفسا وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصلا ، " نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰت " يقول عز وجل مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة فى الحياة الدنيا ، "  لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗا" هذا التفاوت ليسخر بعضهم بعضا فى الأعمال لاحتياج هذا وهذا الى هذا فهم محتاجون الى بعضهم البعض ، " وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ " رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا ،" وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَة" لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن اعطاء الله المال دليل على محبة الله لمن أعطاه فيجتمعوا على الكفر لأجل المال ،" لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمۡ أَبۡوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيۡهَا يَتَّكُِٔونَ * وَزُخۡرُفٗ" لولا هذا الاعتقاد فى الأفضلية بالمال لأمد الكفار بالكثير حتى يتمادوا ويمهل لهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر فهو عز وجل يمكن أن يجعل لبيوتهم سقفا وسلالم يصعدون عليها الى بنيانهم من الفضة وهذا دليل على ارتفاع البنيان لكثرة المال وكذلك أبواب بيوتهم من الفضة وكذلك سررهم تكون من الفضة وزخرفا أى ذهبا أو كل من هو من الزينة والمتاع الدنيوى النفيس ،"وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا"هذا كله من متاع الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى أى يعجل الله لهم بحسناتهم التى يعملونها فى الدنيا من مآكل ومشارب وغيرها ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها كما ورد فى الحديث الصحيح ، وورد فى حديث آخر"لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء " وعن سهل بن سعد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما أعطى كافرا منها شيئا "، " وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ " الآخرة خالصة يخص الله بها المتقين لا يشاركهم فيها أحد غيرهم ولهذا لما قال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد اليه ورآه على رمال حصير قد أثر بجنبه فابتدرت عيناه بالبكاء وقال يا رسول الله : هذا كسرى وقيصر فيما هم فيه وأنت صفوة الله من خلقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس وقال " او فى شك أنت يا ابن الخطاب ؟" ثم قال صلى الله عليه وسلم " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى حياتهم الدنيا " وفى رواية " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ " وفى الصحيحين أيضا وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا فى صحافها فانها لهم فى الدنيا ولنا فى الآخرة " .

وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ ٣٦ وَإِنَّهُمۡ لَيَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ ٣٧ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ ٣٨ وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ ٣٩ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٤٠ فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ ٤١ أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ ٤٢ فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِيٓ أُوحِيَ إِلَيۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٤٣ وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسَۡٔلُونَ ٤٤ وَسَۡٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ ٤٥

"وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِين" العشا فى العين ضعف بصرها والمراد هنا عشا البصيرة  يقول تعالى من يعش أى يتعامى ويتغافل ويعرض عن ذكر الله ويتغافل عن الهدى يتسلط عليه شيطان يصاحبه ويقترن به لا يفارقه ويسول له أقواله وأفعاله ويضله ويهديه الى صراط الجحيم وهذا كقوله تعالى "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " ولهذا قال تعالى "وَإِنَّهُمۡ لَيَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ " هؤلاء القرناء من الشياطين يبعدونهم عن الهدى ويضلونهم وهم فى غيهم واتباعهم للشياطين يعتقدون وهم يسولون لهم المعاصى أنهم على الهدى والصواب ، " حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ " حتى اذا وافى الله عز وجل يوم القيامة وجاء القرين والمقارن يتبرا المقارن من الشيطان الذى وكل به ويتمنى أن لو كانت المسافة بينهما بعد المشرق عن المغرب ويذمه سوء الذم كقرين للسوء واستعمل تغليبا كما يقال : القمران والأبوان ، " وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ " يخبر الله عز وجل أنه فى هذا الموقف يوم القيامة أنه لا يغنى عنهم اجتماعهم فى النار واشتراكهم فى العذاب الأليم ، "  أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِين " يقول الله عزوجل مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم أنك لن تسمع من أعرض عن السمع والانصياع الى الحق وكأن فى أذنيه صمم أو تعامى عن الحق فلم يبصر طريق الحق ومن هو على ضلال واضح ليس ذلك اليك انما عليك البلاغ وليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل فى ذلك ،" فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ " يقول الله متوعدا المشركين ومتهددهم لابد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت ورحلت عنهم ، " أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ " ويقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم ونحن قادرون كذلك أن نريك ما وعدنا هؤلاء المشركين من العذاب فى حياتك ونحن قادرون على هذا وذلك ، ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينيه من أعدائه وحكمه فى نواصيهم وملكه ما تضمنته صياصيهم ويقال أيضا فى التفسير عن قتادة " فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ" قال ذهب النبى صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ولم ير الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فى أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبى قط الا وقد رأى العقوبة فى أمته الا نبيكم صلى الله عليه وسلم وهناك أحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرى ما يصيب أمته من بعده فما رئى ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله عز وجل وفى الحديث " النجوم أمنة السماء فاذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة أصحابى فاذا ذهبت أتى أصحابى ما يوعدون " وقد وردت أحاديث تخبر بما سيلحق بالمسلمين وأخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم وهى من معجزاته ثم قال عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم " فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِيٓ أُوحِيَ إِلَيۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم" خذ بالقرآن المنزل على قلبك فانه هو الحق وما يهدى اليه هو الحق المفضى الى صراط الله المستقيم ، الموصل الى جنات النعيم ، والخير الدائم المقيم ، " وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَ" يخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم  أن هذا القرآن  شرف له ولقومه من العرب فهو بلسان عربى مبين وشرف لهم أن ينزل اليهم على رسول منهم وأن ينزل بلسانهم وهذا اعلاء من الله وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأمته وانه شرف لهم من حيث أنه أنزل بلغتهم فهم أفهم الناس له فينبغى أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم  وعن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان هذا الأمر فى قريش لا ينازعهم فيه أحد الا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين" وقيل معناه " وانه لذكر لك ولقومك " أى لتذكيرك ولقومك ، وتخصيصهم بالذكر لا ينفى من سواهم كقوله تعالى " لقد أنزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون " وكقوله تعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين " ، " وَسَوۡفَ تُسَۡٔلُونَ " سوف تسألون عن هذا القرآن وكيف كنتم فى العمل به والاستجابه له ، " وَا سَۡٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ " يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أنك لو سألت واستفسرت عن الرسل الذين جاءوا من قبلك جميعهم فقد دعوا الى ما دعوت اليه الناس من عبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد كقوله عز وجل " ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقال مجاهد فى قراءة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه واسئل الذين أرسلنا اليهم قبلك رسلنا .

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٦ فَلَمَّا جَآءَهُم بَِٔايَٰتِنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَضۡحَكُونَ ٤٧ وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَاۖ وَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٤٨ وَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهۡتَدُونَ ٤٩ فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ ٥٠

" وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يقول الله عزوجل مخبرا عن عبده ورسوله موسى عليه السلام أنه ابتعثه الى فرعون وملئه من الأمراء والوزراء والقادة والأتباع والرعايا من القبط وبنى اسرائيل وأخبرهم أنه رسول مرسل اليهم من الله رب العالمين  يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له وينهاهم عن عبادة ما سواه وأنه بعث معه آيات عظاما كيده وعصاه ، " فَلَمَّا جَآءَهُم بَِٔايَٰتِنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَضۡحَكُونَ " لما جاء موسى عليه السلام بالآيات من ربه التى تؤكد صدق دعوته وكذلك ما أيده الله به من آيات أخرى ما أرسله من عذاب لقوم فرعون من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ومن نقص الزروع والأنفس والثمرات مع هذا كله استكبروا عن تصديقه واتباع سبيل الله وكذبوا هذه الآيات وسخروا منها وضحكوا ممن جاءهم بها ، "وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَا" ورغم أن الله تعالى كان يرسل عليهم الآيات كل آية أكبر وأعظم من الأخرى ما رجعوا عن غيهم وضلالهم ، وجهلهم  وخيالهم ، وكلما جاءتهم آية من هذه الآيات يضرعون الى موسى عليه السلام ويتلطفون له فى العبارة بقولهم ففى كل مرة يعدون موسى عليه السلام ان كشف عنهم هذا أن يؤمنوا به ويرسلوا معه بنى اسرائيل ، وفى كل مرة ينكثون ما عاهدوا عليه ، "وَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ " يخبر الله تعالى أنه من آياته ارسال العذاب على قوم لفرعون لعلهم يرجعون عن كفرهم وغيهم وتكذيبهم لموسى عليه السلام ،" وَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهۡتَدُونَ " كلما كان موسى عليه السلام يأتيهم يآية يعدوه أنهم سيتبعونه اذا صرف عنهم العذاب بدعوته لله عز وجل أن يرفع العذاب عنهم ومدحوه بقولهم"يا أيها الساحر" أى العالم وكان علماء زمانهم هم السحرة ، ولم يكن السحر فى زمانهم مذموما عندهم فليس هذا منهم على سبيل الانتقاص لأن الحال حال ضرورة منهم اليه وهو تعظيم له فى زعمهم ، " فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ " كلما رفع الله العذاب عن فرعون وقومه نكثوا بعهدهم ورجعوا الى ما كانوا عليه من الكفر والتكذيب وهذا كقوله تعالى " فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين * ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى اسرائيل * فلما كشفنا عنهم الرجز الى أجل هم بالغوه اذا هم ينكثون ".

وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ٥١ أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ٥٢ فَلَوۡلَآ أُلۡقِيَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٞ مِّن ذَهَبٍ أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مُقۡتَرِنِينَ ٥٣ فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ ٥٤ فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٥٥ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ ٥٦ ۞

" وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ " يقول الله تعالى مخبرا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده أنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحا مفتخرا بملك مصر وتصرفه فيها وما كان فيها من جنات وأنهار وكان قصره على نهر النيل كما علمنا من قصة موسى عليه السلام وكيف حمل الماء مهده الى قصر فرعون ، "أَفَلَا تُبۡصِرُونَ "يقول فرعون موجها كلامه الى قومه أفلا ترون ما أنا عليه وما أنا فيه من العظمة والملك يفتخر فرعون بما لديه مقارنة بما فيه موسى عليه السلام وأتباعه من الفقر والضعف كقوله تعالى " فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " ، " أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِين" يقول فرعون مفتخراو"أم" هنا بمعنى " بل " بل أنا خير من هذا ويقصد موسى عليه السلام الذى هو ضعيف كما قال قتادة والسدى وقال ابن جرير يعنى لا ملك له ولا سلطان ولا مال وهذا كذب من فرعون واختلاق حمله على هذا الكفر والعناد وهو ينظر الى موسى عليه السلام بعين كافرة شقية وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء فى صورة يبهر أبصار ذوى الألباب بما تمتع به من قوة فى البنيان  ، "وَلَا يَكَادُ يُبِينُ " لايكاد يفهم وقال قتادة والسدى وابن جرير يعنى عيى اللسان وقال سفيان يعنى فى لسانه شىء من الجمرة حين وضعها فى فمه وهو صغير وهذا افتراء فانه وان كان قد  أصاب لسانه فى صغره شىء من جهة تلك الجمرة فقد سأل الله عزوجل أن يحل عقدة لسانه ليفقهوا قوله وقد استجاب الله له فى قوله " قد أوتيت سؤلك يا موسى " وانما أراد فرعون التجريح والترويج على رعيته فانهم كانوا جهلة أغبياء وهذا قوله " فَلَوۡلَآ أُلۡقِيَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٞ مِّن ذَهَبٍ " ويقول فرعون أيضا مفتخرا بما لديه من ذهب وما يتزين به من حلى أن موسى ليس لديه ذهب مثله فهو من اختصه الله بالثروة والجاه وأتبع قوله " أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مُقۡتَرِنِينَ " يخبر فرعون أن موسى عليه السلام لوكان صادقا مبعوثا من عند الله لما بعثه الله وحده بل لكان بعثه وبعث معه الملائكة يكنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه ، "  فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُ" يقول تعالى عن فرعون وعن جهل قومه واتباعه دون تفكر أنه فيما قال وادعى فقد استخف عقولهم فدعاهم الى الضلالة فاستجابوا له ،"إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ " يقول الله تعالى واصفا قوم فرعون فى اتباعهم لفرعون دون عقل أنهم خارجين عن طاعة الله واتباع منهجه ، " فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ " قال ابن عباس " آسفونا " اسخطونا وقال الضحاك عن ابن عباس أغضبونا يقول عز وجل أن قوم فرعون لما وقع عليهم غضب الله وسخطه انتقم منهم فأهلكهم بالغرق ولم ينجو منهم أحد وعن عقبة بن عامر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا رأيت الله تبارك وتعالى يعطى العبد ما يشاء وهو مقيم على معاصيه فانما ذلك استدراج منه له " ثم تلا " فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ " ، " فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ " يقول الله عز وجل أنه جعل من فرعون وقومه وما وقع عليهم من عقاب عبرة لمن بعدهم وقال أبو مجلز سلفا لمثل من عمل بعملهم .

وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ ٥٧ وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ ٥٨ إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٥٩ وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ ٦٠ وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٦١ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٦٢ وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ٦٣ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٦٤ فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ ٦٥

ان السبب فى نزول هذه الآيات ما ذكره محمد بن اسحاق فى السيرة حيث قال :وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى يوما مع الوليد بن المغيرة فى المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفى المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم " انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبد الله بن الزبعرى التميمى حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة له : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب وما قعد ، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم  ، فقال عبد الله بن الزعبرى أما والله لو وجدته لخصمته ، سلوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله فى جهنم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم ، فعجب الوليد ومن كان معه فى المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى ورأوا أنه قد احتج وخاصم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده فانهم انما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته " فأنزل الله عز وجل  "ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " أى عيسى وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل فاتخذوهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ونزل فيما يذكر من أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " ونزل فيما يذكر من أمر عيسى عليه السلام وأنه يعبد من دون الله وعجب الوليد ومن حضر معه من حجته وخصومته فنزل " وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَ " يتحدث الله عز وجل الى رسوله صلى الله عليه وسلم  يقول الله تعالى مخبرا عن تعنت قريش فى كفرهم وتعمدهم العناد والجدل أنه لما ضرب المثل بعيسى ابن مريم لمن يعبد من دون الله اذا هم يصدون عن أمرك بذلك قال مجاهد قالت قريش انما محمد يريد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى عليه السلام وقال قتادة يقولون أن آلهتنا خير منه وقال قتادة قرأ ابن مسعود رضى الله عنه أنهم قالوا أآلهتنا خير أم هذا يعنون محمدا عليه الصلاة والسلام ،  "مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ " يقول الله تعالى أن هذا المثل الذى ضربوه نوع من الجدل وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية التى ذكرت" انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " ثم هى خطاب لقريش وهم انما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه فتعين أن مقالتهم كانت جدلا منهم ليسوا يعتقدونصحتها  وعن أبى أمامة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أورثوا الجدل " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ" وفى رواية أخرى عن أبى أمامة رضى الله عنه قال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يتنازعون فى القرآن فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ثم قال صلى الله عليه وسلم " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فانه ما ضل قوم قط الا أورثوا الجدل " ثم تلا صلى الله عليه وسلم " مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ " ، " إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ " يرد الله على جدل المشركين فى عيسى عليه السلام أنه ما هو الا عبد من عباد الله عز وجل أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة ،" وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ " يقول عز وجل أنه جعل عيسى عليه السلام دلالة وحجة وبرهانا على قدرته على ما يشاء فهو عبد من عباده خلقه من أم ومن غير أب ،"  وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ " يقول عزوجل ردا على الكفار أنه لو أراد بمشيئتهأزالهم ولبدلهم من الأرض ملائكة يخلفونهم فيها وقال ابن عباس وقتادة يخلف بعضهم بعضا فى الأرض كما يخلف بعضكم بعضا وقال مجاهد يعمرون الأرض بدلكم ، " وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ " أى أن نزول المسيح عليه السلام وبعثه قبل يوم القيامة هو امارة ودليل على وقوع الساعة وقال مجاهد " وانه لعلم للساعة " أى آية للساعة خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة اماما عادلا وحكما مقسطا ، "  فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا " لا تشكوا فى وقوع يوم القيامة فانه واقع وكلئن لا محالة ، " وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيم" يتحدث الله تعالى مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله لقومه اتبعونى فيما أخبركم به من حق منزل من عند الله وهو الطريق المستقيم ، " وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِين" ولا يبعدكم الشيطان عن اتباع الحق فهو عدو لكم واضح ظاهر العداوة ، " وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ " الحكمة هى النبوة والآيا ت ما نزل اليه من ربه يخبر الله عن عيسى عليه السلام أنه لما بعث بالنبوة توجه بكلامه الى بنى اسرائيل أنه قد جاءهم بالنبوة ليوضح لهم ما اختلفوا فيه من الأمور قال ابن جرير من الأمور الدينية لا الدنيوية وأمرهم بتقوى الله وطاعته  فيما أمرهم به، "إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيم" يقول عيسى ابن مريم لبنى اسرائيل أنا وأنتم عبيد لله فقراء اليه مشتركون فى عبادته وحده لا شريك له وان ما جاءهم به هو الصراط المستقيم وهو عبادة الله عزوجل وحده لا يشركون به شيئا ، "  فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡ" لكن بنى اسرائيل اختلفت فيهم الفرق وصاروا شيعا فى عيسى منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله وهو الحق ومنهم من يدعى أنه ولد الله ومنهم من يقول انه الله ولهذا قال تعالى " فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ " يقول الله تعالى متوعدا الهلاك للذين كفروا يوم القيامة وبالعذاب الأليم .

هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ٦٦ ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ ٦٧ يَٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ ٦٨ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ مُسۡلِمِينَ ٦٩ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ أَنتُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ تُحۡبَرُونَ ٧٠ يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٧١ وَتِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِيٓ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٧٢ لَكُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ كَثِيرَةٞ مِّنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٧٣

" هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ "يقول تعالى هل ينتظرهؤلاء المشركون المكذبون الرسل وقوع الساعة وهى آتية لا محالة وهم غافلون عنها غير مستعدين لها فانها اذا جاءت انما تجىء بغتة وهم لا يشعرون بها فحينئذ يندمون كل الندم حيث لا ينفعهم ولا يدفع عنهم ،"ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ " كل صداقة وصحابة لغير الله فانها تنقلب يوم القيامة عداوة الا ما كان لله عز وجل من المتقين الذين يحبون لله فانه أى حبهم وصحابتهم كل ذلك دائم بدوامه وقال ابن عباس وغيره صارت كل خلة عداوة يوم القيامة الا المتقين كما قال ابراهيم عليه السلام لقومه " انما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لوأن رجلين تحابا فى الله أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب لجمع الله تعالى بينهما يوم القيامة يقول هذا الذى أحببته فى " ،" يَٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ " يتحدث الله عن الحفاوة بعباده المؤمنين يوم القيامة فهم فى مأمن فى هذا اليوم من كل خوف وبعيدين عن كل حزن على ما فارقوا ومن فارقوا فى الدنيا ،"ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ مُسۡلِمِينَ " يذكر الله عزوجل من هم فى مأمن من عباده وهم الذين آمنت قلوبهم وبواطنهم وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم وملأ الاسلام قلوبهم وفى هذه الآية اقترن الايمان  بالاسلام ، " ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ أَنتُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ تُحۡبَرُونَ " يقال لهم ادخلوا الجنة أنت ونظراؤكم تتنعمون وتسرون ، " يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَاب" تقدم فى سورة الروم الحديث عن ذلك يكون طعامهم وشرابهم فى أطباق وأكواب من الذهب  أى ما حرم عايهم فى الدنيا أباحه الله لهم فى الآخرة وهم فى أماكنهم يصلهم الطعام والشراب دون تعب أو عناء ، " وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ " وفيها أى فى الجنة كل ما تتمناه الأنفس وتتلذ برؤيته الأعين ففيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكل شىء تشتهييه النفس تجده دون حرمان فى وجود سرمدى وحياة أبدية لا انتهاء لها ولا انقضاء لايخرجون منها أبدا  ياله من نعيم لا يحرم منه الا شقى ولا يلقاه الا سعيد ،" وَتِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِيٓ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " يقول الله عز وجل على وجه الامتنان والتفضيل لعباده هذه هى الجنة التى لكم ارث أبدى من الله التى أنعم الله بها عليكم لأن أعمالكم الصالحة هى التى كانت سببا لشمول رحمة الله اياكم فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله الا أن يتغمده الله برحمته وفضله والدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات  وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل أهل النار يرى منزله من الجنة حسرة فيقول " لو أن الله هدانى لكنت من المتقين " وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول " وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله " فيكون له شكرا " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من أحد الا وله منزل فى الجنة ومنزل فى النار فالكافر يرث المؤمن منزله من النار ،والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة " وذلك قوله تعالى" وَتِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِيٓ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ" ، " لَكُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ كَثِيرَةٞ مِّنۡهَا تَأۡكُلُونَ " ويخبر الله عن النعيم الذى يلاقيه عباده فى الجنة فهم لهم فى الجنة فاكهة من جميع الأنواع ما يتمنون أكله يجدونه مهما اختاروا وطلبوا ، ولما ذكر الطعام والشراب ذكر بعده الفاكهة لتتم النعمة والغبطة .

إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ ٧٤ لَا يُفَتَّرُ عَنۡهُمۡ وَهُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ ٧٥ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٧٦ وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ ٧٧ لَقَدۡ جِئۡنَٰكُم بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ ٧٨ أَمۡ أَبۡرَمُوٓاْ أَمۡرٗا فَإِنَّا مُبۡرِمُونَ ٧٩ أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ ٨٠

" إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ " لما ذكر الله حال السعداء ثنى بذكر الأشقياء وهم الكفار فهم فى عذاب جهنم خالدين فيه لا يحول عنهم ولا يبعد ،" لَا يُفَتَّرُ عَنۡهُمۡ وَهُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ "هذا العذاب لا يفتر أى لا يضعف ساعة واحدة بل يظل شديدا عليهم وهم فيه مبلسون أى آيسون من كل خير ، " وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّٰلِمِينَ " هؤلاء الكفار الله لم يظلمهم فى حكمه عليهم بأن يكونوا فى النار خالدين فيها ولكن هم الذين ظلموا وفرطوا فى حق أنفسهم بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجة عليهم وارسال الرسل اليهم فكذبوا وعصوا فجوزوا بذلك جزاءا وفاقا وما ربك بظلام للعبيد ،" وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَ" مالك هو خازن النار من شدة العذاب ينادى أهل النار خازنها ويتمنوا لو أنه سأل الله أن يقضى عليهم بقبض أرواحهم فيريحهم مم هم فيه ويتخلصوا من العذاب وهذا كقوله تعالى " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " وكما قال تعالى "ويتجنبها الأشقى الذى يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا " ، " قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ " لما سالوا أن يموتوا أجابهم مالك أنتم ماكثون فى النار لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها ، " لَقَدۡ جِئۡنَٰكُم بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ " ذكر عزوجل سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له يقول عزوجل لقد بينا لكم الحق وهو سبيل الله وما أرسل به الرسل  ووضحناه لكم وفسرناه ولكن الغالبية منكم كرهوا ذلك وقاوموه وكانت سجاياهم لا تقبله ولا تقبل عليه وانما تنقاد للباطل وتعظمه وتصد عن الحق وتأباه وتبغض أهله ومن اتبع الرسل هم الأقلية فعاد ذلك عليكم بالملامة حيث لا ينفع الندم ،" أَمۡ أَبۡرَمُوٓاْ أَمۡرٗا فَإِنَّا مُبۡرِمُونَ " يتحدث الله عن كيد المشركين وما يدبرونه الأمر الذى يبرمه الكفار هوالكيد بالشر للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فيقول تعالى أرادوا كيد شر فكدناهم كما قال تعالى "ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون "  وذلك لأن المشركين كانوا يتحيلون فى رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه فكادهم الله تعالى ورد وبال ذلك عليهم ولهذا قال " أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ " هؤلاء المشركون وهم يكيدون يعتقدون أن الله ليس مطلع على أعمالهم ويعلم سرهم وعلانيتهم وهم يكيدون ويرد الله عز وجل عليهم  أنه يعلم ما هم عليه والملائكة أيضا يكتبون أعمالهم صغيرها وكبيرها .

قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ ٨١ سُبۡحَٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ ٨٢ فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٨٣ وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ ٨٤ وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَعِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٥ وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٨٦ وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٨٧ وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ ٨٨ فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٨٩

" قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر الكفار أنه لو لو فرض وكان للرحمن وهو الله عز وجل ولد لكنت أول العابدين له وليس عندى استكبار ولا اباء عن عبادته وهذا ممتنع فى حقه تعالى والشرط لا يلزممنه الوقوع ولا الجواز كما قال تعالى " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار "  وهذا لا ينبغى وهذا ممتنع فى حقه تعالى وقال السدى لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولد ولكن لا ولد له ولهذا قال تعالى "سُبۡحَٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ " تعالى وتقدس وتنزه الله الخالق عما يصفوه به  أن يكون له ولد فانه فرد أحد صمد لا نظير له فهو له الحكم والنهى رب كل شىء وربيبه ، " فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ " يقول الله تعالى مخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم دعهم فى جهلهم وضلالهم وأن يلتهوا فى دنياهم فان موعدهم يوم القيامة وسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ومآلهم وحالهم فى ذلك اليوم وهذا تهديد ووعيد من الله للمشركين ، " وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ " الله عزوجل هو اله من فى السماء واله من فى الأرض يعبده أهلها وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه وهو الحكيم فى أفعاله وأقواله وهو العليم بكل شىء لا يخفى عليه خافية  وهذا كقوله تعالى " وهو الله فى السموات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون " هو المدعو الله فى السموات والأرض ،" وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا " يقول الله تعالى ممجدا نفسه الكريمة ويخبر بأنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما بلا مدافعة ولا ممانعة فسبحانه وتعالى عن الولد وتبارك أى استقر لهما السلامة من العيوب والنقائص لأنه الرب العلى العظيم المالك للأشياء الذى بيده أزمة الأمور نقضا وابراما ، " وَعِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ " الله عز وجل وحده يعلم الساعة لا يجليها لوقتها الا هو ،" وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " الله عزوجل هو الذى اليه المرجع يوم القيامة حين تأتى الساعة فيجازى كلا بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر ، " وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ " الأصنام والأوثان الذين يدعون المشركون من دون الله من لا يقدرون على الشفاعة لهم ، "إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ " وهذا استثناء منقطع أى لكن من له الشفاعة عند الله ويستحقها من شهد بالحق على بصيرة وعلم والشهادة بالحق هى أن تشهد أن الله هو وحده منزه عن الشرك مستحق للعبادة وتتبع سبيله فانه تنفع شفاعته عنده باذنه له ، "وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ" ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره عن من خلقهم وخلق الكون يعترفون أنه هو الخالق للأشياء جميعها وحده لا شريك له فى ذلك ومع هذا يعبدون غير ممن لا يملك شيئا ولا يقدرون على شىء فهم فى ذلك فى غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ولهذا قال تعال " فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ " الافك هو الكذب والمعنى فكيف يكذبون ويتبعون الافك والباطل أو من أين لهم هذا الافك ، " وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ " أى وقال محمد صلى الله عليه وسلم قيله أى شكى الى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه فقال " إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ " هؤلاء القوم لا يؤمنون بالله كما أخبر تعالى فى الآية الأخرى " وقال الرسول يا رب ان قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا " وقال قتادة هو قول نبيكم صلى الله عليهوسلم يشكو قومه الى ربه عز وجل ، " فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰم" يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم تجاوز عن هؤلاء المشركين ولا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السىء ولكن ـالفهم واصفح عنهم فعلا وقولا، "  فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ " هذا تهديدمن الله تعالى للمشركين أنهم سوف يعلمون ما سيحل بهم منجراء شركهم ولهذا أحل بهم بأسه الذى لا يرد وأعلى دينه وكلمته ونصر رسوله وشرع بعد ذلك الجهاد حتى دخل الناس فى دين الله أفواجا وانتشر الاسلام فى المشارق والمغارب والسورة كما نعلم مكية قبل أن شرع الله الجهاد لمقاومة الكفار وعدوانهم .

 

تفسير الجزء الخامس والعشرين

تفسير سورة الدخان

سورة الدخان سورة مكية وعدد آياتها 59 آية وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ حم الدخان فى ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك قال الترمذى غريب لانعرفه الا من هذا الوجه والأحاديث التى وردت ضعيفة ، ولكنالسورة تتصف بصفات السور المكية من قصر للآيات والتحدث عن القرآن وقضية الكفر والايمان وقدرة الله فى الكون والخلق ،والتسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواجهة المشركين وعنادهم بذكر أخبار من سشبقه من الرسل وما حدث من تكذيب لهم ونصر الله لهم .

حمٓ ١ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ ٤ أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ ٥ رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٦ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ٧ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٨

" حمٓ " سبق الحديث عن الحروف المقطعة فى أوائل السور فى سورة البقرة ، " وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ " الكتاب الواضح هو القرآن الذى يخبر الله عنه ، " إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ" الليلة المباركة هى ليلة القدر الذى أنزل فيها القرآن كما قال تعالى " انا أنزلناه فى ليلة القدر " وكان ذلك فى شهر رمضان كما قال تعالى  "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " ، " إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ " يقول عزوجل أنه أنزل هذا القرآن ليكون معلما للناس ما ينفعهم ويضرهم شرعا لتقوم حجة الله على عباده ، " فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ " الأمر الحكيم الذى لا يبدل ولا يغير  فى ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ الى الكتبة من الملائكة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال وما يكون فيها الى آخرها كما قال ابن عمر ومجاهد وغيرهما ، " أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ" يقول عز وجل أن جميع ما يكون ويقدره وما يوحيه فبأمره واذنه وعلمه  ، "إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ " يقول تعالى أنه أرسل الى الناس رسولا يتلو عليهم آياته مبينات وهو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فان الحاجة كانت ماسة اليه ولهذا قال تعالى "  رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ" أى أنه تعالى ارسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبعثه بالرسالة لينقذهم ويرشدهم الى طريق الحق والى نعمته الكبرى ليخرجهم مما هم فيه من ضلال كما قال " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " ، " إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ " الله عز وجل هو الذى يسمع كل شىء من أمر العباد لا يخفى عليه شىء من أمرهم فهو كذلك العليم بكل الأمور المحيط بها ، "رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَآ" الذى أنزل القرآن والذى أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هو رب السموات والأرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما ، " إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ " يقول الله تعالى مخاطبا العباد ان هذه الأفعال كلها منسوبة لله ان كنتم متحققين مؤمنين بذلك ،" لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ" يعقب الله عز وجل أنه هو الاله الواحد الذى لا شريك له وهو الذى يحيى ويميت أى بيده الخلق والحياة والموت والبعث والنشور ، " رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ " الله عز وجل هو ربكم ورب من سبققم من آبائكم الأولين منذ خلق آدم  ورب كل شىء وربيبه له الأمر والنهى وهو سيد الكون .

بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ يَلۡعَبُونَ ٩ فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٞ ١١ رَّبَّنَا ٱكۡشِفۡ عَنَّا ٱلۡعَذَابَ إِنَّا مُؤۡمِنُونَ ١٢ أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكۡرَىٰ وَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مُّبِينٞ ١٣ ثُمَّ تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٞ مَّجۡنُونٌ ١٤ إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلۡعَذَابِ قَلِيلًاۚ إِنَّكُمۡ عَآئِدُونَ ١٥ يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ١٦ ۞

" بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ يَلۡعَبُونَ " يقول تعالى بل هؤلاء المشركون قد جاءهم الحق اليقين وهم يشكون فيه ويكذبون ولا يصدقون به " فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِين" يقول الله عز وجل مهددا للمشركين متوعدا لهم انتظروا وترقبوا ما سيحل بكم يوم القيامة يوم تأتى فيه السماء بدخان واضح جلى بين وهذا أمر من أمور الله يعلمه هو وحده وكل ما يقال فيه هو اجتهادات قال بعض المفسرين أن الدخان لم يمض بعد بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث أبى سريحة بن أسيد الغفارى رضى الله عنه قال أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم والدجال وثلاثة خسوف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس - أو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا،وتقيل معهم حيث قالوا "وعن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان أول الآيات الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليهما السلام ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس الى المحشر تقيل معهم اذا قالوا ، والدخان - قال حذيفة رضى الله عنه يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِين* يَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيم" - يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة ، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره "  قال ابن جرير لو صح هذا الحديث لكان فاصلا وانما لم أشهد له بالصحة وفى حديث عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"يهيج الدخان بالناس فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه " ،"يَغۡشَى ٱلنَّاسَ" هذا الدخان يتغشى الناس ويعميهم ، "هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيم"يقال للناس تقريعا وتوبيخا هذا عذاب شديد موجع جزاءا لكم كقوله تعالى "يوم يدعون الى نار جهنم دعا هذه النار التى كنتم بها تكذبون" أو يقول بعضهم لبعض ذلك القول أن هذا عذاب شديد موجع ،" رَّبَّنَا ٱكۡشِفۡ عَنَّا ٱلۡعَذَابَ إِنَّا مُؤۡمِنُونَ " يقول الكافرون اذا عاينوا عذاب الله وعقابه أنهم قد آمنوا سائلين رفعه وكشفه عنهم وهذا كقوله تعالى " ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين " وكقوله تعالى"وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا الى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " وهنا قال تعالى "أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكۡرَىٰ "  كيف لهم بالتذكر وهذا كقوله عز وجل " يوم يتذكر الانسان وأنى له الذكرى " ، " وَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مُّبِين " وقد أرسلنا اليهم رسولا بين الرسالة والنذارة  ، " ثُمَّ تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٞ مَّجۡنُونٌ " ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه بل كذبوه وقالوا معلم أى تعلم من غيره ممن سبقه واتهموه كذلك بان به مس من الجنون،"إِنَّا  كَاشِفُواْ ٱلۡعَذَابِ قَلِيلًاۚ إِنَّكُمۡ عَآئِدُونَ " يحتمل معنيين أحدهما أنه يقول تعالى ولوكشفنا عنكم العذاب ورجعناكم الى الدار الدنيا لعدتم الى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى " ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجو فى طغيانهم يعمهون " وكقوله عز وجل " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون" ، والثانى أن يكون المراد أن الله تعالى يقول لهم انا مؤخر العذاب عنكم قليلا بعد انعقاد أسبابه ووصوله اليكم وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى " الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين " ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم ، ولا يلزم أيضا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا اليه قال تعالى اخبارا عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه حين قالوا "لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن فى ملتنا قال أولو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا ان عدنا فى ملتكم بعد اذ نجانا الله منها " وشعيب عليه السلام لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم وقال قتادة انكم عائدون الى عذاب الله ، " يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ " البطشة الكبرى هى يوم القيامة الذى سيقع بطش الله فيه وانتقامه والبطشة الكبرى هى بطش الله وعقابه بالكافرين والظالمين  وستكون بطشة كبرى ليس بعدها بطشة وستكون الضربة القاضية التى ينتقم فيها الله من الظالم وينصر المظلوم وينتقم له وستكون انتقام الله من كل من تجاوز فى حقه وحق عباده وخرج عن طريقه وهذا تهديد من الله ووعيد مؤكذ باستخدام لفظ "انا" الدال على العظمة له وحده .

وَلَقَدۡ فَتَنَّا قَبۡلَهُمۡ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَ وَجَآءَهُمۡ رَسُولٞ كَرِيمٌ ١٧ أَنۡ أَدُّوٓاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ ١٨ وَأَن لَّا تَعۡلُواْ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنِّيٓ ءَاتِيكُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ ١٩ وَإِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمۡ أَن تَرۡجُمُونِ ٢٠ وَإِن لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ لِي فَٱعۡتَزِلُونِ ٢١ فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ مُّجۡرِمُونَ ٢٢ فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ٢٣ وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ ٢٤ كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ ٢٥ وَزُرُوعٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ ٢٦ وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ ٢٧ كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ ٢٨ فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ٢٩ وَلَقَدۡ نَجَّيۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ ٣٠ مِن فِرۡعَوۡنَۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَالِيٗا مِّنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ ٣١ وَلَقَدِ ٱخۡتَرۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ عِلۡمٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٢ وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ ٣٣

" وَلَقَدۡ فَتَنَّا قَبۡلَهُمۡ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَ " يقول الله عز وجل ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون ،  "وَجَآءَهُمۡ رَسُولٞ كَرِيمٌ " يقول الله تعالى أن رسوله موسى عليه السلام ووصفه بالكريم  قد أرسل الى قوم فرعون وذهب اليهم ، " أَنۡ أَدُّوٓاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِين" دعى موسى عليه السلام قوم فرعون أن يستجيبوا اليه ويتبعوه فيما ارسل به من ربه فهم عباد الله  وهو رسول مرسل اليهم من ربه أمين على رسالته مأمون على ما يبلغهم ، " وَأَن لَّا تَعۡلُواْ عَلَى ٱللَّهِ" دعى موسى عليه السلام قوم فرعون أن لا يستكبروا عن اتباع آيات الله وأن ينقادوا لحججه وأن يؤمنوا ببراهينه كقوله تعالى " ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين " ، " إِنِّيٓ ءَاتِيكُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِين" ويقول موسى عليه السلام لقوم فرعون أنى قد جئتكم بالسلطان الواضح من الله والسلطان هو الحجج الظاهرة الواضحة وهى ما أرسله الله تعالى به من البينات والأدلة القاطعات على صدقه ، " وَإِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمۡ أَن تَرۡجُمُونِ" قال قتادة الرجم بالحجارة أى أعوذ بالله الذى خلقنى وخلقكم من أن تصلوا الى بسوء من قول أو فعل يصل الى الرجم بالحجارة ،" وَإِن لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ لِي فَٱعۡتَزِلُونِ " قال موسى عليه السلام لقوم فرعون ان لم تؤمنوا بى وبما ارسلت به اليكم من ربكم فلا تتعرضوا لى ودعوا الأمر بينى وبينكم مسالمة الى أن يقضى الله بيننا ، " فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ مُّجۡرِمُونَ " لما طال مقام موسى عليه السلام بين قوم فرعون وأقام حجج الله عليهم كل ذلك وما زادهم ذلك الا كفرا وعنادا دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم كما قال تعالى " وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا فى الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " وهنا قال عنهم أنهم قوم قد أجرموا فى حق الله وحق العباد ، " فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ " عند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج بنى اسرائيل من بين أظهر قوم فرعون من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه والسرى هو الخروج ليلا دون أن يشعر أحد به ففرعون يتتبعهم ولن يتركهم يخرجوا ، " وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ " ذلك أن موسى عليه السلام لما جاوز هو وبنو اسرائيل البحر أراد موسى عليه السلام أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ليصير حائلا بينهم وبين فرعون فلا يصل اليهم فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكنا وبشره بأنهم جند مغرقون وأنه لا يخاف دركا ولا يخشى قال ابن عباس " واترك البحر رهوا " كهيئته وامضه وقال مجاهد طريقا يبسا كهيئته يقول لا تأمره يرجع اتركه حتى يرجع آخرهم ، " كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّٰتٖ وَعُيُون" يقول الله عن قوم فرعون بعد هلاكهم أنهم تركوا الكثير من البساتين والأنهار والآبار ، " وَزُرُوع ٖ وَمَقَامٖ كَرِيم" وتركوا من رائهم بعد هلاكهم الكثير من الزرع والمساكن الأنيقة والأماكن الحسنة ،  "وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ " أهلك الله قوم فرعون فتركوا وراءهم ما أنعم الله به عليهم من  نعمة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاشأوا ويلبسون ما أحبوا مع الأموال والجاهات والحكم فى البلاد نعمة يتيهون فى ذكرها كما كان فرعون يفتخر بما آتاه الله " أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى " فسلبوا ذلك جميعه فى صبيحة واحدة وفارقوا الدنيا وصاروا الى جهنم وبئس المصير ، "  كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ " استولى على البلاد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية والممالك القبطية بنو اسرائيل كما قال تعالى " كذلك وأورثناها بنى اسرائيل " وقال فى آية أخرى " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى اسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون " وقال كذلك " كذلك وأورثناها قوما آخرين " وهم بنو اسرائيل ، " فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ " يقول الله تعالى معلقا على اهلاك قوم فرعون لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد فى أبواب السماء فتبكى على فقدهم ولا لهم فى الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهمواجرامهم وعتوهم وعنادهم وعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد الا وله فى السماء بابان : باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه فاذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية " فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ " ثم قال - انهما لا يبكيان على الكافر ، " وَلَقَدۡ نَجَّيۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ " يمتن الله تعالى على بنى اسرائيل أنه أنقذهم من اهانة فرعون واذلاله لهم وتسخيره اياهم فى الأعمال المهينة الشاقة ، " مِن فِرۡعَوۡنَۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَالِيٗا مِّنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ " أنقذ الله تعالى بنى اسرائيل من فرعون الذى كان مستكبرا جبارا عنيدا كقوله تعالى " ان فرعون علا فى الأرض " وكان مسرفا متجاوزا فى فسقه وكفره وأعماله الفاسدة وطغيانه  ، "  وَلَقَدِ ٱخۡتَرۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ عِلۡمٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ " قال مجاهد أن بنى اسرائيل اختارهم الله على من هم بين ظهريه وقال قتادة اختيروا على أهل زمانهم ذلك وكان يقال لكل زمان عالما وهذا كقوله تعالى " قال يا موسى انى اصطفيتك على الناس " أى أهل زمانه ذلك كقوله عز وجل لمريم" واصطفاك على نساء العالمين " أى فى ومنها فان خديجة رضى الله عنها اما أفضل منها أومساوية لها فى الفضل وكذا أمرأة فرعون وفضل عائشة رضى الله عنها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ، " وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ " بقول تعالى متحدثا عن بنى اسرائيل أنه آتاهم من الحجج والبراهين وخوارق العادات ما فيه اختبار ظاهر جلى لمن اهتدى به وهذا قد فصل فى سور القرآن .

إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَيَقُولُونَ ٣٤ إِنۡ هِيَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِينَ ٣٥ فَأۡتُواْ بَِٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣٦ أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ ٣٧

"إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَيَقُولُونَ إِنۡ هِيَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِينَ " يقول الله تعالى منكرا على المشركين فى انكارهم البعث والمعاد وأن ماثم الا هذه الحياة الدنيا ولا حياة بعد الممات ولا بعث ولا نشور ، " فَأۡتُواْ بَِٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يحتج المشركون فى انكارهم البعث بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا بان آبائهم قد فنوا وطلبوا تحديا استرجع آبائهم كدليل على البعث ولكن الله رد عليهم ان هذه حجة باطلة وشبهة فاسدة فان المعاد انما هو يوم القيامة لا فى الدار الدنيا بل بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد الله العالمين خلقا جديدا ، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودا ، " أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ "ليس هؤلاء بأفضل من قوم تبع والذين سبقوهم الذين أهلكهم الله وقد كانوا كفار مثلهم ، قال الله تعالى متهددا ومتوعدا ومنذرا للمشركين بأسه الذى لا يرد كما حل بأشباههم ونظرائهم من المشركين المنكرين للبعث كقوم تبع وهم سبا حيث أهلكهم الله عز وجل وخرب بلادهم وشردهم فى البلاد وفرقهم كما تقدم ذلك فى سورة سبأ وهى مصدرة بانكار المشركين للمعاد وكذلك هنا شبههم بأولئك وقد كانوا عربا من قحطان كما أن هؤلاء عرب من عدنان وقد كانت حمير وهم سبأ كلما ملك فيهم رجل سموه تبعا كما يقال كسرى لمنملك الفرس وقيصر لمن ملك الروم وفرعون لمن ملك مصر كافرا والنجاشى لمن ملك الحبشة وغير ذلك من أعلام الأجناس .

وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ ٣٨ مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٩ إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ مِيقَٰتُهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٤٠ يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ٤١ إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٤٢

يقول الله عز وجل مخبرا عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل "وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ " يقول سبحانه وتعالى ما خلق لالسماء والأرض لعبا وعبثا ولهوا ولكن لغرض وهدف كقوله تعالى " أفحسبتم أنما خلقناكم هبثا وأنكم الينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو رب العرش الكريم " وكقوله " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من عذاب النار " ،" مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ " يقول عز وجل أنه خلق السموات والأرض لحق أراد أن يظهره وأكثر العباد لا يعلمون الحكمة من ذلك ، " إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ مِيقَٰتُهُمۡ أَجۡمَعِينَ " يوم الفصل هو يوم القيامة الذى يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين فى هذا اليوم يجمع الله العباد كلهم أولهم وآخرهم ، " يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ " فى هذا اليوم لا ينفع قريب قريبا ولا ينصر القريب قريبه ولا يأتيه نصره من خارج، " إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ" لا ينفع يومئذ الا رحمة الله عز وجل بخلقه ، " إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ " الله هو الذى له العزة والمنعة وهو ذو رحمة واسعة وسعت كل شىء .

إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ ٤٣ طَعَامُ ٱلۡأَثِيمِ ٤٤ كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ ٤٥ كَغَلۡيِ ٱلۡحَمِيمِ ٤٦ خُذُوهُ فَٱعۡتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ ٤٧ ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ ٤٨ ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ ٤٩ إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِۦ تَمۡتَرُونَ ٥٠

" إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ " يقول الله تعالى مخبرا عما يعذب به الكافرين الجاحدين للقائه فهم سيأكلون من شجرة الزقوم ، " طَعَامُ ٱلۡأَثِيمِ " وهذه الشجرة هى طعام الآثم فى قوله وفعله وهو الكافر وقال أبو الدرداء رضى الله عنه ان شجرة الزقوم طعام الفاجر أى ليس له طعام من  غيرها وقال مجاهد لو وقعت قطرة منها الى الأرض لأفسدت على أهل الأرض معايشهم وقد تقدم نحوه مرفوعا ، " كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ* كَغَلۡيِ ٱلۡحَمِيمِ "  قالوا أن المهل كعكر الزيت هو شراب الكفار فى جهنم يتناولونه كشراب يغلى فى بطونهم من شدة حرارته ورداءته كالمعدن المذاب ، " خُذُوهُ فَٱعۡتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ " يقول الله تعالى لزبانية جهنم آمرا لهم أن يأخذوا الكافر ويسوقوه سحبا ودفعا فى ظهره الى وسط الجحيم ، " ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ " يأمر الله تعالى الزبانية أن يصبوا فوق رأس الكافر المغلى من المعدن ليعذب به ويخص الرأس التى كانت تحمل الكفر وتنطق به وهذا كقوله " يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما فى بطونهم والجلود " وقد تقدم أن الملك يضربه بمقمعة من حديد فتفتح دماغه ثم يصب الحميم على رأسه فينزل فى بدنه فيسلت ما فى بطنه من أمعائه حتى تمرق من كعبيه ، " ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ " يأمر الله تعالى الزبانية أن يقولوا للكافر تهكما وتوبيخا ذق هذا العذاب كما قال ابن عباس يا من لست بعزيز ولا كريم فنحن نعلم أن التهكم يقصد العكس من القول ، " إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِۦ تَمۡتَرُونَ " تمترون أى تكذبون يقول خزنة جهنم للكفار هذا الذى تذوقوه من العذاب هو ما كذبتم وقوعه فى حياتكم الدنيا وقد تحقق الآن .

إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٖ ٥١ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ ٥٢ يَلۡبَسُونَ مِن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَقَٰبِلِينَ ٥٣ كَذَٰلِكَ وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ ٥٤ يَدۡعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَٰكِهَةٍ ءَامِنِينَ ٥٥ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ ٥٦ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٥٧ فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٥٨ فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ ٥٩

لما ذكر الله تعالى حال الأشقياء عطف بذكر السعداء ولهذا سمى القرآن مثانى  " إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِين" المتقون لله فى الدنيا فى مقام آمن فى الآخرة وهو الجنة قد أمنوا فيها من الموت والخروج من كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب ومن الشيطان وكيده وسائر الآفات والمصائب ، " فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُون" يتمتع المتقون بمتع الجنة من زروع وثمار وعيون متدفقة فى مقابلة ما فيه الكفار من شجرة الزقوم وشراب الحميم ، " يَلۡبَسُونَ مِن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَقَٰبِلِينَ " لباس أهل الجنة هو السندس وهو رفيع الحرير والاستبرق وهو ما فيه بريق ولمعان كالرياش وما يلبس على أعالى القماش فقد أحل الله لهم فى الجنة ما حرموا منه فى الدنيا اما لعلة التحريم او الفاقة وهم متقابلون على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره الى غيره  ، "  كَذَٰلِكَ وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِين" يزوج أهل الجنة من الحور العين الذى يعلم حسنهن الله وحده وقد جاء لهم ذكر فى القرآن كقوله " لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان " وكذلك قوله " كأنهن الياقوت والمرجان " وكقوله " وحور عين كأمثال اللؤلؤ المنثور "، "يَدۡعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَٰكِهَةٍ ءَامِنِينَ" يقول عز وجل أن أهل الجنة مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه بل يحضر اليهم كلما أرادوا لا يحجب عنهم شىء ، "  لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰ" هذا استثناء يؤكد النفى فانه استثناء منقطع ومعناه أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدا كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يؤتى بالموت فى صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت " وعن أبى سعيد وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقال لأهل الجنة ان لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وان لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وان لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ، وان لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا " رواه مسلم وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اتقى الله دخل الجنة ينعم فيها ولا يبأس ويحيا فيها ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه " وعن جابر رضى الله عنه قال : سئل نبى الله صلى الله عليه وسلم:أينام أهل الجنة ؟ فقال"النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون" ، "وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ " مع هذا النعيم العظيم المقيم لأهل الجنة وقاهم الله وسلمهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم فى دركات الجحيم فحصل لهم المطلوب ونجاهم من المرهوب ولهذا قال تعالى " فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ " أى انما كان هذا بفضل ربك وسيدك عليهم واحسانه اليهم كما ثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا لن يدخله عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم " ولا أنا الا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل " ، " فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ "يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم  انما يسرنا هذا القرآن الذى أنزلناه سهلا واضحا بينا جليا بلسانك الذى هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها " لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ " أى لعلهم يتفهمون ويعملون بما جاء به  ، " فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين مبشرا انتظر فسيعلمون لمن تكون النصرة والظفر وعلو الكلمة فى الدنيا والآخرة فانها لك يا محمد ولاخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين كما قال تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلى " وكما قال تعالى " انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " .

تفسير الجزء الخامس والعشرين

تفسير سورة الجاثية

سورة الجاثية سورة مكية ، فيها سمات السور المكية من قصر الايات ، عدد آياتها 37 آية ، تتحدث عن قدرة الله فى خلقه ، وعن قضية الكفر والايمان وعن الجنة والنار ، وعن أخبار الأمم السابقة وما حدث لهم هذا لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم فلى دعوته فى مقابلة ما يواجهه من تكذيب له ولرسالته من جانب المشركين .

حمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٣ وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٤ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ٥

"حمٓ " تقدم الحديث عن الحروف المقطعة فى بدايات السور فى سورة البقرة ، " تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ " الكتاب هو القرآن يقول الله عز وجل أن هذا القرآن هو تنزيل من الله ذو العزة والمنعة الحكيم فى أقواله وأفعاله ، " إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ " يرشد الله تعالى خلقه الى التفكر فى آلائه ونعمه وقدرته العظيمة التى خلق بها السموات والأرض فهى دلائل على قدرته ووحدانيته ولكن لمن آمن به وبقدرته وبوحدانيته  ، " وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ " يقول الله عز وجل أن فى خلق الانسان من عدم وفى تكوينه وما تحويه النفس البشرية من معجزات خلقه والتى تختص بدراستها العلوم المختلفة من طب وغيره وعلوم نفسية ورياضية تدرس الجسم البشرى والنفس البشرية  وما فى الأرض من مخلوقات من دواب كمثل فقط من خلق الله وهذه دعوة من القرآن لدراسة العلوم المادية والتعلم منها قدرة الله وهى دلالات على قدرة الله ووحدانيته وأنه الخالق العظيم لمن يوقنون والايقان أو الايمان اليقينى هو الايمان الراسخ فى النفس ، " وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ " ويذكر الله عز وجل من الآيات الدالة على عظمة خلقه خلق الليل والنهار واختلافهما فالليل بظلمته ترتاح فيه الأجساد من التعب والعناء وتخلد فيه الى النوم والنهار بضيائه جعل للسعى فهذا اختلاف وكذلك الاختلاف فى حلولهما وتعاقبهما دائبين لا يفتران ففى أماكن يكون نهار وفى أخرى يكون ليل وهذا اختلاف ، " وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا " ومن آيات الله عز وجل نزول المطر وهو رزق منزل من السماء يرزقه الله من يشاء فينبت به الزرع وتدب به الحياة وهذا كقوله تعالى " وجعلنا من الماء كل شىء حى "  ،"  وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ " ومن آيات الله وقدرته كذلك تصريف الرياح جنوبا وشمالا ومنها ما هو للمطر ومنها ما هو للقاح ونحن نعلم دور الرياح فى الحياة على الأرض وهى مسيرة باذن الله اذا اشتدت كانت دمارا واذا رقت كانت نعمة من الله ، " ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ " فى كل هذا آيات على قدرة الله وخلقه ووحدانيته  لمن له عقل يعقل به ، وترادفت الألفاظ " لآيات للمؤمنين " " آيات لقوم يوقنون " " آيات لقوم يعقلون " أى أن آيات الله فقط لمن هو مؤمن وموقن وعاقل وهناك آيات أخرى فى القرآن كما فى قوله فى آل عمران  " ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب " أى أصحاب العقول التى تفهم وكذلك فى قوله  فى سورة البقرة " ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون" .

تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۢ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ ٦ وَيۡلٞ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٖ ٧ يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٨ وَإِذَا عَلِمَ مِنۡ ءَايَٰتِنَا شَيًۡٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ٩ مِّن وَرَآئِهِمۡ جَهَنَّمُۖ وَلَا يُغۡنِي عَنۡهُم مَّا كَسَبُواْ شَيۡٔٗا وَلَا مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٠ هَٰذَا هُدٗىۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٌ ١١ ۞

" تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۢ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ " آيات الله هى القرآن بما فيه من الحجج والبينات متضمنة الحق فان كان هؤلاء الكفار لا يؤمنون بها ولا ينقادون اليها فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون ؟ ، " وَيۡلٞ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم" يقول الله تعالى مهددا ومتوعدا الهلاك لكل من هو كاذب فى قوله وآثم فى فعله قلبه كافر بآيات الله ولهذا قال عنه " يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَا" يوضح الله تعالى من هو الأفاك الأثيم  وهو من يسمع آيات الله تقرأ فلا ينصت اليها ويتبعها بل يصر على اعراضه وكفره وجحوده استكبارا وعنادا فيسمعها من أذن ويخرجها من الأخرى كما كان يفعل المشركون كما قالوا " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " ،  " فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيم" يقول الله عز وجل أن من يفعل ذلك أخبره أن له عند الله تعالى يوم القيامة عذابا أليما موجعا ،"  وَإِذَا عَلِمَ مِنۡ ءَايَٰتِنَا شَيًۡٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًا" واذا حفظ أو وصل الى علمه شيئا من القرآن كفر به واتخذه سخريا وهزوا ، " أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِين" من يفعلون ذلك لهم عذاب مذل فى مقابلة ما استهان بالقرآن واستهزأ به ولهذا روى مسلم فى صحيحه عن ابن عمر رضى الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو مخافة أن يناله العدو ،" مِّن وَرَآئِهِمۡ جَهَنَّمُ" كل من اتصف بذلك سيصيرون الى جهنم يوم القيامة ،" وَلَا يُغۡنِي عَنۡهُم مَّا كَسَبُواْ شَيۡٔٗا " فلا تنفعهم أموالهم ولا أولادهم ، " وَلَا مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآء" ولا تغنى عنهم الآلهة التى عبدوها من دون الله شيئا ، " وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ " توعدهم الله بالعذاب العظيم يوم القيامة جزاء فعلهم ،" هَٰذَا هُدٗى" يعنى القرآن أنه هدى أى فيه الهدى من الله ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٌ " ويتوعد الله الذين كفروا بما أنزله الله من آيات الهدى بالعذاب المؤلم الموجع .

ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٢ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ١٣ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٤ مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ ١٥

" ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِ" يذكر الله عز وجل نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر وجعله صالحا لسير السف بأمره فانه هو الذى أمر البحر بحملها ونحن نعلم ما يحدث فى البحر اذا اشتدت الريح والأمواج كما يحدث فى التوسنامى ، " وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِ" من منة الله ونعمه ابتغاء الكسب من البحر من ثروات يحويها وكذلك من حركة على مياهه فى المتاجر والمكاسب ،" وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ " هذه النعمة من الله تستوجب الشكر ، " وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُ" ومن نعم الله تسخر كل ما تحويه السموات والأرض من كواكب وجبال وبحار وأنهار وغير ذلك الجميع من فضله واحسانه وامتنانه ولهذا قال " جميعا منه " أى من عنده وحده لا شريك له فى ذلك كما قال تعالى " وما بكممن نعمة فمن الله ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون " ،" إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ " فى كل هذا دلالات على قدرة الله لمن يتفكر من القوم وهذا امتداد لما ذكر فى الآيات السابقة ،" قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ " أى يصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم وكان هذا فى ابتداء الاسلام ، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكونةذلك كالتأليف لهم ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد كما قال ابنةعباس وقتادة وقال قتادة " لا يرجون أيام الله " لا ينالون نعم الله تعالى ،" لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ " أى اذا صفحوا عنهم فى الدنيا فان الله عز وجل مجازيهم بأعمالهم السيئة فى الآخرة ولهذا قال تعالى " مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ " من عمل صالحا سيجازى خيرا ومن عمل سيئا سيجازى بعمله عندما تعودون الى الله يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها .

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦ وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ١٧ ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨ إِنَّهُمۡ لَن يُغۡنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡٔٗاۚ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۖ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ١٩ هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٢٠

"وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ " يذكر الله عزوجل ما أنعم به على بنى اسرائيل من انزال الكتاب عليهم وهو التوراة وارسال الرسل اليهم وجعل الملك فيهم والرزق من المآكل والمشارب - مانزال الله عليهم من المن والسلوى وتفضيلهم على العالمين فى زمانهم ، " وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ" يتحدث الله عز وجل أنه آتى بنى اسرائيل حججا وبراهين وأدلة قاطعات فقامت عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة وانما كان ذلك بغيا منهم على بعضهم بعضا ، " إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ"يخبرالله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيفصل بينهم بحكمه العدل يوم القيامة وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم وأن تقصد منهجهم ولهذا قال تعالى " ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ" يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبع ما شرعه له وما أوحى اليه لا اله الا هو وأن يعرض عن المشركين وجهلهم  ، " إِنَّهُمۡ لَن يُغۡنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡٔٗا" يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن حذره من سلوك منهج المشركين أنهم لن يغنوا عنه من الله شيئا أى لن ينفعوه اذا عدل عن منهج الله ولن ينقذوه من سخط الله ،" وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡض" وماذا تغنى عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا فانهم لا يزيدون بعضهم بعضا الا خسارا ودمارا وهلاكا ، " وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُتَّقِينَ " الله هو المؤيد والمساند للمتقين وهو تعالى يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ، " هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ " يتحدث الله عز وجل عن القرآن أنه فيه هداية وتبصرة للناس جميعا وارشادا الى طريق الله وفيه الرحمة لمن يؤمنون بالله ايمانا يقينيا راسخا .

أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّئَِّاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٢١ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٢ أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٢٣

" أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّئَِّاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡ" يقول تعالى لا يستوى المؤمنون والكافرون الذين عملوا السيئات وكسبوها لا يستوون مع الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة فهم لا يستوون فى الدنيا فى حالة حياتهم ولا فى الآخرة فى حالة مماتهم ثم بعثهم يوم القيامة ، " سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ " ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نساوى بين الأبرار والفجار فى هذه الدار وفى الدار الآخرة ، " وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ " يتحدث الله عزوجل عن خلقه السموات والأرض بالعدل وعلى العدل فكل الأمور تسير بميزان عدل من عنده وذلك بعد أن تحدث عن عدم المساواة بين الأبرار والفجار ،" وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ " فالله يجازى بعدله ويحاسب كل نفس بما عملت من خير أو شر وتوفى أجرها المستحق دون ظلم ، " أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ " يتحدث الله عز وجل عن من يأتمر بهواه فما رآه حسنا فعله وما رآه قبيحا تركه وعن مالك قال لا يهوى شيئا الا عبده ، " وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡم" وهذا يحتمل قولين أحدهما أن الله أضله لعلمه أنه يستحق ذلك والآخر أن الله أضله بعد بلوغ العلم اليه وقيام الحجة عليه والثانى يستلزم الأول ، " وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَة" أى فلا يسمع ما ينفعه ولا يعى شيئا يهتدى به ولا يرى حجة يستضىء بها ولهذا قال تعالى " فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِ" ليس له هادى بعد الله فالله يهدى من يشاء ويضل من يشاء كقوله تعالى " من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم فى طغيانهم يعمهون " ، " أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " يقول الله منبها ألم تعتبروا بذلك وتتذكروه .

وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ ٢٤ وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتُواْ بَِٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٢٥ قُلِ ٱللَّهُ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يَجۡمَعُكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢٦

" وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡر" يخبر الله تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركى العرب فى انكار المعاد أى ما ثم الا هذه الدار الدنيا يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا ما يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد وتقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن فى كل ستة وثلاثين الف سنة يعود كل شىء الى ما كان عليه وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى فكابروا المعقول وكذبوا المنقول وهذا ما يقوله الملاحدة فى العصر الحديث الذين ينكرون وجود الله عز وجل ويكفرون بدينه ، " وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ " يرد الله عز وجل على من يزعمون ذلك أن ليس لهم علم وأنهم يتوهمون ويتخيلون وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كان أهل الجاهلية يقولون انما يهلكنا الليل والنهار وهو الذى يهلكنا يميتنا ويحيينا فقال الله تعالى فى كتابه " وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُ" ويسبون الدهر فقال الله عزوجل " يؤذينى ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدى الأمر أقلب الليل والنهار "  وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" يقول الله تعالى يؤذينى ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدى الأمر أقلب ليله ونهاره " وفى رواية " لا تسبوا الدهر فان الله تعالى هو الدهر " قال الشافعى وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة فى تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر " كانت العرب فى جاهليتها اذا أصابهم شدة أو بلاء أونكبة قالوا يا خيبة الدهر فيسندون تلك الأفعال الى الدهر ويسبونه وانما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم انما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك فى الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذى يعنونه ويسندون اليه تلك الأفعال وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية فى عدهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذا من هذا الحديث ، " وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰت" يقول الله عز وجل ان هؤلاء الكفار اذا أستدل عليهم وبين لهم الحق وأن الله تعالى قادر على اعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها ، "مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتُواْ بَِٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يقول هؤلاء الكفار ردا باحتجاجهم اذا كان ما تقولونه حقا أحيوا آبائنا الذين هلكوا وفنوا ، " قُلِ ٱللَّهُ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يَجۡمَعُكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِ " يرد الله عز وجل على الكفار فى ادعائهم أنكم كما تشاهدون أن الله قد أخرجكم الى الحياة وهو الذى يميتكم فهو القادر كذلك أن يجمعكم الى يوم القيامة المتحقق الذى لا شك فيه بطريق الأولى والأحرى كما قال تعالى " وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ " يقول الله عز وجل أن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة عن البعث وينكرون المعاد ويستبعدون قيام الأجساد كما قال تعالى " انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا " أى يرون وقوعه بعيدا والمؤمنون يرون ذلك سهلا قريبا .

وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوۡمَئِذٖ يَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ٢٧ وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٢٨ هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٢٩

"وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ " يخبر الله تعالى أنه مالك السموات والأرض والحاكم فيهما فى الدنيا والآخرة ، " يَوۡمَئِذٖ يَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ " المبطلون هم الكافرون بالله الجاحدون بما أنزله على رسله من الآيات البينات والدلائل الواضحات يكونوا هم الخاسرون يوم اللقيامة لأن مصيرهم الى جهنم وبئس المصير ، " وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَة" كل أمة تكون يوم القيامة من شدة هذا  اليوم وعظمته وفزعه وهوله على ركبها مستندة الى الأرض ويقال ان هذا يحدث اذا جىء بجهنم فانها تزفر زفرة لا يبقى أحد الا جثا لركبتيه حتى ابراهيم الخليل عليه السلام ويقول نفسى نفسى نفسى لا أسألك اليوم الا نفسى وقال مجاهد وغيره " كل أمة جاثية " أى على الركب وقال عكرمة جاثية متميزة عل ناحيتها وليس على الركب والأول أولى وعن عبد الله بن باباه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كأنى أراكم جاثين بالكوم دون جهنم " وعن أبى هريرة فى حديث الصور فيتميز الناس وتجثو الأمم وهى التى يقول الله تعالى" وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا " وهذا فيه جمع بين القولين  وهذا كقوله " ووضع الكتاب وجىء بالنبيين والشهداء "، " كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " يقول الله عزوجل مخبرا عن يوم القيامة فى هذا اليوم كل أمة تدعى الى كتاب أعمالها ويقول لهم فى هذا اليوم تجازون بأعمالكم خيرها وشرها كقوله تعالى " ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر * بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره " ولهذا قال جلت عظمته " هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّ" يقول الله عز وجل فى يوم الحساب عندما تنشر كتب الأعمال وتعرض مشيرا الى أن هذا الكتاب الذى تعرض فيه الأعمال يستحضر أعمالكم من غير زيادة ولا نقص كقوله جل جلاله " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " الكهف 49 ، " إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " نستنسخ أى نطلب ان ينسخوا أى يكتبوا يقول الله عز وجل انا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم خيرها وشرها .

فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُدۡخِلُهُمۡ رَبُّهُمۡ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ ٣٠ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَفَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ وَكُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ ٣١ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ ٣٢ وَبَدَا لَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٣٣ وَقِيلَ ٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰكُمۡ كَمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٣٤ ذَٰلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗا وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُخۡرَجُونَ مِنۡهَا وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ ٣٥ فَلِلَّهِ ٱلۡحَمۡدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلۡأَرۡضِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٦ وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٧

" فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُدۡخِلُهُمۡ رَبُّهُمۡ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ " يخبر الله تعالى عن حكمه فى خلقه يوم القيامة فالذين آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة وهى الخالصة الموافقة للشرع يدخلهم الله فى رحمته وهى الجنة كما ثبت فى الصحيح أن الله تعالى قال للجنة أنت رحمتى أرحم بك من أشاء ، والفوز بالجنة ونعيمها هو الفوز الواضح الجلى الذى لا يخفى عن الأنظار ، "وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَفَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ وَكُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ " وعلى النقيض من ذلك بعد ذكر من فازوا من المؤمنين عرج على ذكر من خسروا من الكافرين فيقال لهم تقريعا وتوبيخا أما قرئت عليكم آيات الله تعالى فاستكبرتم عن اتباعها وأعرضتم عن سماعها وكنتم قوما مجرمين فى أفعالكم مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب ؟ ، " وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ " ويقول عز وجل مخبرا عن الكافرين أنه اذا قال لكم المؤمنون أن يوم القيامة هو حق واقع لا شك فيه وأن الساعة قائمة  قلتم لهم لا نعرفها وانا نتوهم وقوعها الا توهما وما نحن بمتحققين من حدوثها ، " وَبَدَا لَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ" يقول الله معقبا لما حدث للكفار ظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة وأحاط بهم ما كانوا يستهزئون به ويستبعدون وقوعه من العذاب والنكال ، " وَقِيلَ ٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰكُمۡ كَمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا " يقول الله عز وجل معنفا وموبخا للكافرين فى هذا اليوم وهو يوم القيامة نعاملكم معاملة الناسى لكم فى نار جهنم كما نسيتم هذا اليوم وتجاهلتموهم ولم تعملوا له لأنكم لم تصدقوا به ووضعتموه فى طى النسيان كما فى سورة السجدة " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون " السجدة 14 وفى سورة طه " قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"  طه 125 - 126 ، " وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّٰصِرِينَ " يقول عز وجل للكافرين مقركم هو النار لن ينصركم أحد ليبعدكم عنها وما لكم من منقذ من عذاب الله ولا مجير، "  ذَٰلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗا" يقول عزوجل للكافرين هذا العذاب الواقع بكم لأنكم اتخذتم حجج الله عليكم سخريا تسخرون وتستهزئون بها وحجج الله هو ما نزل من الحق من عنده على لسان رسله ، " وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ" خدعتكم الحياة الدنيا وما كنتم فيه فاطمأننتم اليها فاصبحتم من الخاسرين ولهذا قال تعالى ،" فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُخۡرَجُونَ مِنۡهَا وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ " ففى هذا اليوم وهو يوم القيامة فان هؤلاء الكفار لا يخرجون من النار ولا يطلب منهم العتبة ولا يعاتبون على أعمالهم بل يعذبون بغير حساب ولا عتاب كما تدخل طائفة من المؤمنين الجنة بغير عذاب ولا حساب ، " فَلِلَّهِ ٱلۡحَمۡدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلۡأَرۡضِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " لما ذكر الله تعالى حكمه فى المؤمنين والكافرين عقب بقوله أنه هو المستحق الثناء والحمد وحده فهو الواحد الأحد رب السموات والأرض أى المالك لهما وما فيهما ورب كل شىء وربيبه ، " وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ" قال مجاهد يعنى له السلطان أى هو العظيم الممجد الذىكل شىء خاضع له فقير اليه وقد ورد فى الحديث الصحيح " يقول الله تعالى العظمة ازارى ، والكبرياء ردائى فمن نازعنى واحدا منهما أسكنته نارى " رواه مسلم عن أبى هريرة وأبى سعيد رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، "وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " "وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " وهو العزيز الذى لا يغالب ولا يمانع والحكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه وقدره تعالى وتقدس لا اله الا هو .

150-] English Literature

150-] English Literature Letitia Elizabeth Landon     List of works In addition to the works listed below, Landon was responsible for nume...