8- ) تبسيط تفسير ابن كثير للقران الكريم
تفسير سورةالمائدة وسورة الانعام
الجزء الثامن
ولوأننا نزلنا اليهم الملائكة
وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شىء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله ولكن
أكثرهم يجهلون 111
" ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة " يقول تعالى ولو أننا أجبنا سؤال الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ونزلت عليهم الملائكة بالرسالة من الله بتصديق السل كما سألوا فقالوا " أو تأتى بالله والملائكة قبيلا " ، " وكلمهم الموتى " واخبرهم الموتى بصدق ما جاءتهم به الرسل ، " وحشرنا عليهم كل شىء قبلا " تعرض عليهم كل أمة بعد أمة فيخبروهم بصدق الرسل فيما جاؤهم ، " ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون " ان الهداية لله لا اليهم بل يهدى من يشاء ويضل من يشاء وهو لفعال لما يريد ، كقوله تعالى " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " .
وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا
شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه
فذرهم وما يفترون * ولتصغى اليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا
ما هم مقترفون 112 - 113
" وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطن
الا نس والجن " يقول تعالى وكما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونك ويعادونك
جعلنا لكل نبى من قبلك أعداء من شياطين الانس والجن ،والشيطان كلا من خرج عن نظيره
بالشر ولا يعادى الرسل الا الشياطين من هؤلاء وهؤلاء من الجن شياطين ومن الانس
شياطين يوحى بعضهم الى بعض فلا يحزنك ذلك ، قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله
عليه وسلم : " انه لم يأت أحد بمثل ما جئت به الا عودى ، وعن أبى ذر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :" يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الانس
والجن ؟ " قلت " يا رسول الله هل للانس من شيطين ؟ " قال :"
نعم " ، قال عكرمة ليس من الانس شياطين ولكن شياطين الجن
يوحون الى شياطين الانس وشياطين الانس يوحون ، ا لى شياطين الجن ، " يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا
" وفى قول آخر قال عكرمة للانس
شياطين وللجن شياطين فيلقى شيطان الانس شيطان الجن فيوحى بعضهم الى بعض زخرف القول
غرورا ، وقال أيضا أما شياطين الانس فالشياطين التى تضل الانس وشياطين الجن التى
تضل الجن يلتقيان فيقول كل واحد منهما لصاحبه انى أضللت صاحبى بكذا وكذا فأضل أنت
صاحبك بكذا وكذا فيعلم بعضهم بعضا ، وعن أبن عباس قال ان للجن شياطين يضلونهم مثل
شياطين الانس يضلونهم قال فيلتقى شياطين الانس وشياطين الجن فيقول هذا لهذا أضلله
بكذا فهو كقوله " يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا " ، والصحيح ما
تقدم من حديث أبى ذر ان للانس شياطين منهم وشيطان كل شىء مارده ، ولهذا جاء فى صحيح
مسلم عن أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الكلب الأسود شيطان
" ومعناه والله أعلم شيطان فى الكلاب ، وقال مجاهد فى تفسير هذه الآية كفار
الجن شياطين يوحون الى شياطين الانس كفار الانس زخرف القول غرورا ، أى يلقى بعضهم
الى بعض القول المزين المزخرف وهو المزوق الذى يغتر سامعه من الجهلة بأمره ،"
ولو شاء ربك ما فعلوه " كل ذلك بقدر الله وقضائه وارادته ومشيئته أن يكون لكل
نبى عدو من هؤلاء ،" فذرهم وما يفترون " فدعهم وما يكذبون ، أىدع أذاهم
وتوكل على الله فى عداوتهم فان الله كافيك وناصرك عليهم ، " ولتصغى اليه
أفئدة الذين لايؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون " ولتميل اليه
أى زخرف القول قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وعقولهم وأسماعهم وقال السدى قلوب
الكافرين ويحبوه ويريدوه وليكتسبوا ما هم مكتسبون وقال السدى وليعملوا ما هم
عاملون من الكفر، وعن أبن عباس لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على
شىء وردت عن كل أمر .
أفغير الله أبتغى حكما وهو
الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا والذين أتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق
فلا تكونن من الممترين * وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لامبدل لكلماته وهو السميع
العليم 114 - 115
" أفغير الله أبتغى حكما " يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله
عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله كيف أبتغى حكما غير الله أى
لا أبتغى حكما غير الله بينى وبينكم ، " وهو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا
" الله الذى أنزل اليكم الكتاب وهو القرآن مبينا واضحا ، " والذين
آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق " الذين آتيناهم الكتاب من
اليهود والنصارى يعلمون أن هذا الكتاب وهو القرآن منزل من ربك بالحق أى بما عندهم
من البشارات بك من الأنبياء المتقدمين ، " فلا تكونن من الممترين " فلا
تكن فى شك، فان كنت فى شك مما أنزلنا اليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك
لقدجاءك الحق من ربك ، " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " وتمت كلمة ربك أى
ما جاءك من ربك هوا لحق لا مرية فيه ولا شك وكل ما أمر به فهو العدل الذى لا عدل
سواه وكل ما نهى عنه فباطل فانه لا ينهى الا عن مفسدة ، قال قتادة تمت صدقا فيما قال
وعدلا فيما حكم يقول صدقا فى الاخبار وعدلا فى الطلب ، " لامبدل لكلماته وهو
السميع العليم " ليس أحد يعقب حكمه تعالى لا فى الدنيا ولا فى الآخرة ،
" وهو السميع العليم " وهو السميع لأقوال عباده والعليم بحركاتهم
وسكناتهم الذى يجازى كل عامل بعمله .
وان تطع أكثرمن فى الأرض يضلوك
عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون * ان ربك هو أعلم من يضل عن
سبيله وهو أعلم بالمهتدين 116 - 117
" وان تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن
سبيل الله " يخبر الله تعالى عن حال أكثر من فى الأرض من بنى آدم أنهم يتبعون
الضلال وبعيدون عن سبيل الله ويحدث الله
رسوله والمؤمنين محذرا من ذلك ، وقال تعالى " ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين
" ، كما قال " وما أكثر الناس ولوحرصت بمؤمنين " ، " ان
يتبعون الا الظن وانهم الا يخرصون "وهم فى ضلالهم ليسوا على يقين من ربهم
وانما هم فى ظنون كاذبة وحسبان باطل الخرص هو الحزر ومنه خرص النخل وهو حزر ما
عليها من التمر أى يبعدون عن الصواب ويتبعون الباطل البعيد عن الحق ، " ان
ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " وذلك عن قدر الله ومشيئته
والله أعلم من يضل عن سبيله فييسره لذلك ويزيده ضلالا وهو اعلم بمن يتبع طريقه
ويتبع الهدى فيزيده هدى .
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه
ان كنتم بآياته مؤمنين * وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما
حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه وان كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ان ربك هو أعلم
بالمعتدين 118 - 119
"
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته مؤمنين " هذا اباحة من الله رب
العالمين أن يأكلوا من الذبائح ما ذكر عليه أسمه ومفهومه أنه لا يباح ما لم يذكر
اسم الله عليه كما كان يستبيحه كفار قريش من أكل الميتات وأكل ما ذبح على النصب
وغيرها ، ثم ندب الى الأكل ذكر اسم الله عليه ، " وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر
اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم " هذا أمر من الله بالأكل مما ذكر
عليه اسم الله و قد بين الله لكم ما حرم عليكم ووضحه ، "الا ما أضطررتم اليه
" فى حال الاضطرار فانه يباح لكم ما وجدتم ، "وان كثيرا ليضلون بأهوائهم
بغير علم ان ربك هو أعلم بالمعتدين " يبين الله تعالى جهالة المشركين فى
آرائهم الفاسدة من استحلالهم الميتات وما ذكرعليه غير اسم الله والله هو أعلم
باعتدائهم وكذبهم وافترائهم.
وذروا ظاهر الاثم وباطنه ان
الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون 120
" وذروا ظاهر الاثم وباطنه " قال مجاهد ذروا وابعدوا عن معصية الله فى السر والعلانية كما قال قتادةكذلكسره وعلانيته قليله وكثيره والآية عامة ،" ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون "سواء كان الاثم ظاهرا أوخفيا فان الله سيجزيهم عليه ، وعن النواس بن سمعان قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاثم فقال : " الاثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه " .
ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم
الله عليع وانه لفسق وان الشياطين ليوحون الى أوليآئهم ليجادلوكم ولئن أطعتموهم
انكم لمشركون 121
" ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق " أستدل بهذه الآية الكريمة من ذهب الى أن الذبيحة لا تحل اذا لم يذكر أسم الله عليها وان كان الذابح مسلما ، ، وقد اختلف الأئمة فى هذه المسألة على ثلاثة أقوال ، 1- ) فمنهم من قال لاتحل هذه الذبيحة الا بهذه الصفة وسواء متروك التسمية عمدا أو سهوا وهومروى عن أبن عمر وغيره ، واحتجوا بهذه الآية وبقوله فى آية الصيد " فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه " ، " وانه لفسق " هذا تأكيد للحكم والضمير قيل عائد على الأكل أو على الذبح لغير الله ، وهناك أحاديث واردة فى الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد كحديثى عدى بن حاتم وأبى ثعلبة " اذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك " وهما فى الصحيحين ، وحديث رافع بن خديج " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ، وعن عائشة رضى الله عنها أن ناسا قالوا يا رسول الله ان قوما يأتوننا باللحم لا ندرى أذكر الله عليه أم لا " قال : " سموا عليه أنتم وكلوا " قالت وكانوا حديثى عهد بالكفر " رواه البخارى ،ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لابد منها وخشوا أن لاتكون وجدت من أولئك لحداثة اسلامهم فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح ان لم تكن وجدت ، 2- ) المذهب الثانى لا يشترط التسمية بل هى مستحبة فان تركها عمدا أو نسيانا لا يضر وهذا مذهب الامام الشافعى ، وحمل الشافعى الآية على ما ذبح لغير الله كقوله تعالى " أو فسقا أهل لغير الله به " ، وقال جريج عن عطاء ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش للأوثان وينهى عن ذبائح المجوس وبعض المتأخرين كما فى قوله " وانه لفسق" حالية أى لاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فى حال كونه فسقا ولا يكون فسقا حتى يكون قد أهل به لغير الله ، وعن أبن عباس فى الآية " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " قال هى الميتة ، وقد استدل لهذا المذهب بما رواه فى المراسيل من حديث ثور بن يزيد عن الصلت السدوسى مولى سويد بن ميمون أحد التابعين الذين ذكرهم أبوحاتم بن حيان فى كتاب الثقات قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر انه ان ذكر لم يذكر الا اسم الله " 3- ) ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يضر وان تركها عمدا لم تحل وهذا من مذهب الامام مالك وأحمد بن حنبل وأبوحنيفة ، وعن أبن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم يكفيه اسمه ان نسى أن يسمى حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله " ، وعن أبى هريرة قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال :" يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمى ؟ " فقال النبى صلى الله عليه وسلم :" اسم الله على كل مسلم " ، قال أبن جرير اختلف فى نسخ هذه الآية ، فقال بعضهم محكمة ، وعن مكحول قال أنزل الله فى القرآن "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب ، وقال أبن جرير أنه لا تعارض بين طعام أهل الكتاب وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، " وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم " ، وعن ابن عباس قال لما نزلت " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " أرسلت فارس الى قريش أن خاصموا محمدا وقولوا له فما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب يعنى الميتة فهو حرام فنزلت الاية " وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم وان أطعتموهم انكم لمشركون" قال يوحى الشياطين الى أوليائهم تأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل الله ؟ ، وقال السدى ان المشركين قالوا للمسلمين كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضات الله فما قتل الله فلا تأكلونه وما ذبحتم أنت تأكلونه ؟ فقال الله تعالى " وان أطعتموهم " فى أكل الميتة انكم لمشركون " وان أطعتموهم انكم لمشركون " حيث عدلتم عن أمر الله وشرعه الى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك ، وهذا كقوله تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " وعن عدى بن حاتم أنه قال :" يا رسول الله ما عبدوهم " فقال : " بلى انهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم اياهم .
أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوايعملون 122
"أومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها "هذامثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذى كان ميتا أى فى الضلالة هالكا حائرا فأحياه الله أى احيا قلبه بالايمان وهداه له ووفقه لاتباع رسله والنور هو القرآن وقال السدى الاسلام أى جعلنا له هدى يهتدى كيف يسلك وكيف يتصرف به ،هل يستوى كمن هوكافر يعيش فى الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة لايهتدى الى منفذ ولا مخلص مما هو فيه ، وفى مسند الامام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ان الله خلق خلقه فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه النور اهتدى ومن أخطأه ضل " ، وكما فى قوله " الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " حسن للكافرين ما هم فيه من الجهالة والضلالة قدرا من الله وحكمة بالغة لا اله الا هو وحده لا شريك له .
وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر
مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون الا بأنسفهم وما يشعرون * واذا جآتهم آيةقالوا لن
نؤمن حتى نؤتى مثل مآ أوتى رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا
صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون 123 - 124
" وكذلك جعلنا فى كل قرية أكتبر مجرميها ليمكروا فيها " يقول تعالى وكما جعلنا فى قريتك يا محمد أكابر من المجرمين ورؤساء ودعاة للكفر والصد عن سبيل الله والى مخالفتك وعداوتك كذلك كانت الرسل من قبلك يبتلون بذلك ثم تكون لهم العاقبة ، كما قال " وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين " ، وكما قال " واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " ، أكابر مجرميها عظماؤها وقال أبنعباس سلطنا شرارهم فعصوا فيها فاذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب والمراد بالمكر دعاؤهم الى الضلالة بزخرف من المقال والفعال كقول نوح عليه السلام " ومكروا مكرا كبارا " ، " وما يمكرون الا بأنفسهم وما يشعرون"وما يعود وبال مكرهم ذلك واضلالهم من أضلوه الا على أنفسهم وهم يفعلون ذلك وبالا على أنفسهم وقد فقدوا الهدى والايمان ، كما قال تعالى " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " ،" واذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله "اذا جاءتهم آية وبرهان وحجة قاطعة قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله أى حتى تأتينا الملائكة من الله بالرسالة كما تأتى الى الرسل ، كقوله " وقال الذين لايرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا " ، " الله أعلم حيث يجعل رسالته " الله أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه ، كما فى قوله " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم* أهم يقسمون رحمة ربك " ، وقد أصطفى الله رسوله برسالته ، وعن وائلة أبن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من بنى اسماعيل بنى كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم " ، وقال العباس بلغه صلى الله عليه وسلم ما يقول الناس فصعد المنبر فقال : " من أنا ؟ " قالوا : " أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال : " أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب " ، ان الله خلق الخلق فى خير خلقه وجعلهم فريقين فجعلنى فىخير فرقة وخلق القبائل فجعلنى فى خيرقبيلة وجعلهم بيوتا فجعلنى فى خيرهم بيتا ، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا " صدق صلوات الله وسلامه عليه ، " سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون " هذا وعيد من الله وتهديد أكيد لمن تكبر عن اتباع رسله والانقياد لهم فيما جاءوا به فانه سصيبه يوم القيامة بين يدى الله صغار وهو الذلة الدائمة كما أنهم استكبروا أعقبهم ذلك ذلا يوم القيامة لما استكبروا فى الدنيا ، كقوله " ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين " أى صاغرين ذليلين حقيرين .
فمن يرد الله أن يهديه يشرح
صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء كذلك يجعل
الله الرجس على الذين لايؤمنون 125
" فمن يرد الله أن يهدبه يشرح صدره للاسلام " من يريد الله لأن
يهديه يشرح صدره للاسلام أى ييسره له وينشطه ويسهله لذلك ، وهذاكقوله " أفمن
شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه " ،وقال أبن عباس أن الله يوسع
قلبه للتوحيد والايمان به ، وعن أبى جعفر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى
المؤمنين أكيس ؟ " قال :" أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم لما بعده استعدادا
" ، قال وسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية " فمن يرد الله أن
يهديه يشرح صدره للاسلام " قالوا :" كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟
" قال : " نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح " قالوا : " فهل
لذلك من أمارة يعرف بها ؟ " قال : " الانابة الى دار الخلود والتجافى عن
دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت " ، " ومن يرد أن يضله يجعل
صدره ضيقا حرجا " ومن يرد الله به الضلال يجعل صدره ليس فيه للخير منفذ ،
وقال أبن جريج حرجا بلا اله الا الله حتى لا يستطيع أن تدخل قلبه كأنما يصعد فى
السماء من شدة ذلك عليه ، وقال السدى كأنما يصعد فى السماء من ضيق صدره ،وعن أبن
عباس يقول فكما لا يستطيع أبن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد
والايمان قلبه حتى يدخله الله فى فلبه ، هذه الآية من آيات الاعجاز العلمى فى القرآن ،
حسب العلم كلما صعد الانسان فى السماء قلة كمية الأكسجين فى الجو ويصبح التنفس صعب
، وكما يحدث فى الاماكن المرتفعة عن الأرض التى يصبح التنفس فيها صعبا ، "
كذلك يجعل الله الرجس على الذين لايؤمنون "كما يجعل الله صدر من أراد اضلاله
حرجا كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الايمان بالله ورسوله
فيغويه ويصده عن سبيل الله ، وعن أبن عباس الرجس الشيطان ، وقال مجاهد الرجس كل
مالا خير فيه ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الرجس العذاب .
وهذا صراط ربك مستقيما قد
فصلنا الآيات لقوم يذكرون * لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون
126 - 127
" وهذا صراط ربك مستقيما " هذا
الدين الذى شرعناه لك يا محمد بما أوحينا اليك هذا القرآن وهو صراط الله المستقيم
وحبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، " قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون "
وضحنا الآيات وبيناها وفسرناها لمن له فهم ووعى يعقل عن الله ورسوله ، " لهم
دار السلام عند ربهم " لهم الجنة يوم القيامة وقد وصف الله الجنة بدار السلام
لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم المقتفى أثر الأنبياء وطرائقعم فكما سلموا
من آفات الاعوجاج أفضوا الى دار السلام ، " هو وليهم " الله هو حافظهم
وناصرهم ومؤيدهم ، " بما كانوا يعملون " جزاءا لهم على أعمالهم الصالحة
تولاهم وأثابهم الجنة بمنه وكرمه .
ويوم يحشرهم جميعا يا معشر
الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الأنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا
أجلنا الذى أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله ان ربك حكيم
عليم 128
" ويوم يحشرهم جميعا يقول تعالى واذكر يا محمد فيما تقصه عليهم وتنذرهم به يعنى الجن وأولياءهم من الأنس الذين كانوا يعبدونهم فى الدنيا ويعوذون بهم ويطيعونهم ويوحى يعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ، " يامعشر الجن قد استكثرتم من الانس " يا معشر الجن قد استكثرتم من اغواء الانس واضلالهم ، وقال أبنعباس يعنى أضللتم منهم كثيرا ، وهذا كقوله " ألم أعهد اليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين * وأن اعبدونى هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون " ،" وقال أولياؤهم من الأنس ربنا استمتع بعضنا ببعض " أولياء الجن من الانس قالوا مجيبين لله تعالى وعن الحسن قال وما كان استمتاع بعضهم ببعض الا أن الجن أمرت وعملت الانس ، وقال أبن جريج أما استمتاع الجن بالانس فانه كان فيما ذكر ما ينال الجن من الانس من تعظيمهم اياهم فى استعانتهم بهم فيقولون قد سدنا الانس والجن ، " وبلغنا أجلنا الذى أجلت لنا " أى بلغنا الموت والنهاية التى كتبتها لنا بعد انتهاء آجالنا فى الدنيا ، " قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله " رد الله عليهم بعد أن بعثوا يوم القيامة للأقرار بما هم فيه أن جزاء ما فعلتموه هو النار وهى مأواكم ومنزلكم أنتم واياهم وأولياؤكم ماكثين فيها مكثا مخلدا الا ما شاء الله ، " ان ربك حكيم عليم " والله هو المسير الأمور بحكمته وهو العليم بما يحدث من خلقه ويجازيهم بما يفعلون بحكمته وحكمه ، قال أبن عباس ان هذه الاية لا ينبغى لأحد أن يحكم على الله فى خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا هو وحده الذى يحكم .
وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا
بما كانوا يكسبون 129
"
وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " قال سعيد عن قتادة فى
تفسيرها انما يولى الله الناس بأعمالهم فالمؤمن ولى المؤمن أين كان وحيث كان
والكافر ولى الكافر أينما كان وحيثما كان ليس الايمان بالتمنى ولا بالتحلى ، وقال
قتادة يولى الله بعض الظالمين بعضا فى النار يتبع بعضهم بعضا ، وقال عبد الرحمن بن
زيد بن أسلم نسلط ظالمى الجن على ظالمى الانس ، وعن أبن مسعود مرفوعا " من
أعان ظالما سلطه الله عليه " ، ومعنى الآية الكريمة كما ولينا هؤلاء الخاسرين
من الانس تلك الطائفة التى أغوتهم من الجن كذلك نفعل بالظالمين نسلط بعضهم على بعض
ونهلك بعضهم ببعض وننتقم من بعضهم ببعض جزاءا على ظلمهم وبغيهم .
يا معشر الجن والانس ألم يأتكم
رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا
وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين 130
"
يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم
هذا " هذا مما يقرع الله به كافرى الجن والانس يوم القيامة حيث يسألهم وهو
أعلم بلغتهم الرسل رسالاته وهذا استفهام تقرير يبلغونهم ما أنزل الله ويبلغوهم بلقاء
الله والحساب والعقاب يوم القيامة ، والرسل من الانس فقط وليس من الجن رسل وقال
أبن عباس الرسل من بنى آدم ومن الجن نذر،والدليل على أن الرسل من الآنس قوله تعالى
" انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده - الى قوله - رسلا
مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " ،وقوله تعالى عن
ابراهيم عليه السلام " وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب " فحصر النبوة
والكتاب بعد ابراهيم فى ذريته ولم يقل أحد من الناس أن النبوة كانت فى الجن قبل
ابراهيم الخليل ثم انقطعت عنهم ببعتثه ، ومعلوم أن الجن تبع الانس فى هذا الباب ،
ولهذا قال تعالى اخبارا عنهم " واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن
فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا الى قومهم منذرين " ، وقد جاء فى
الحديث الذى رواه الترمذى وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا عليهم سورة
الرحمن ، " قالوا شهدنا على أنفسنا " أقررنا أن الرسل قد بلغونا رسالاتك
وأنذرونا لقاءنا وأن هذا اليوم كائن لا محالة ، " وغرتهم الحياة الدنيا
" قد فرطوا فى حياتهم الدنيا وهلكوا بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم للمعجزات لما
اغتروا به من زخرف الحياة الدنيا وزينتها وشهواتها ، " وشهدوا على أنفسهم
أنهم كانوا كافرين " أى يوم القيامة يشهدوا ويبرهنوا كما تشهد عليهم حواسهم
وجوارحهم بما ارتكبوه من معصية فى الدنيا وأنهم كفروا بما جاءتهم به الرسل صلوات
الله وسلامه عليهم .
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى
وأهلها غافلون * ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون 131 - 132
" ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون " يقول الله تعالى أنما أعذرنا الى الثقلين الانس والجن بارسال وانزال الكتب لئلا يؤاخذ أحدا بظلمه وهو لم تبلغه دعوة ولكن أعذرنا الى الأمم وما عذبنا أحدا الا بعد ارسال الرسل اليهم ، وقال الامام أبوجعفر بن جرير " ذلك " أى من أجل أن الله لم يكن يعاجل أهل القرىبالعقوبة حتى يبعث اليهم رسولا ينبههم على حجج الله عليهم وينذرهم عذاب الله يوم معادهم ولم يكن بالذى يؤاخذهم غفلة فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ، والوجه الثانى كما يقول لم يكن ربك ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر فيظلمهم بذلك والله غير ظلام لعبيده ، كما قال تعالى " وان من قرية الا خلا فيها نذير " ، وكما قال تعالى " ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن أعبدوا االله واجتنبوا الطاغوت " ، وكقوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ، " ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون "ولكل عامل من طاعة الله أومعصيته مراتب ومنازل من عمله يبلغه الله اياها ويثيبه بها ان خيرا فخير وان شرا فشر ، ويحتمل أن يكون أن أى من كافرى الجن والانس له درجة فى النار بحسبه كما فى قوله" الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون " ، " وما ربك بغافل عما يعملون " كل ذلك من عملهم يا محمد يعلم الله أعمالهم ويحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم اياه ومعادهم اليه .
وربك الغنى ذو الرحمة ان يشأ
يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين * ان ما توعدون لآت
وما أنتم بمعجزين * قل ياقوم اعملوا على مكانتكم انى عامل فسوف تعلمون من تكون له
عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون 133 - 135
" وربك الغنى ذو الرحمة ان يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء " يقول تعالى ربك يا محمد هو الغنى عن جميع خلقه من جميع الوجوه وهم الفقراء اليه فى جميع أحوالهم وهومع ذلكرحيم بهم ، كما فى قوله " ان الله بالناس لرؤوف رحيم " ، " ان يشأ يذهبكم " اذا خالفتم وعصيتم أمره يمكن بمشيئته وارادته أن يزيلكم من الوجود ، " ويستخلف من بعدكم ما يشاء " أى يأتى بقوم آخرين غيركم يعملون بطاعته ، " كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين " هو قادر على ذلك سهل عليه يسير لديه كما أذهب القرون الأولى وأتى بالذى بعدها وكذلك هو قادر على اذهاب هؤلاء والاتيان بآخرين كقوله تعالى " ان يشأيذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا " ، وكم قال " يأيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغنى الحميد * ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز " ، وكم قال " والله الغنى وأنتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " ، " ان ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين " أخبرهم يا محمد أن الذى يوعدون به من أمر المعاد ويوم القيامة كائن لا محالة ولا تعجزون الله بل هو قادر على اعادتكم وان صرتمترابا رفاتا وعظاما هو قادر لا يعجزه شىء ، وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا بنى آدم ان كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذى نفسى بيده انما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين " ، " قل يا قوم اعملوا على مكانتكم انى عامل فسوف تعلمون " هذا تهديد شديد ووعيد أكيد أى استمروا على طريقتكم وناحيتكم ان كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتى ومنهجى ويوم القيامة ستعلمون مصير ومصيركم ، "من تكون له عاقبة الدار انه لايفلح الظالمون " ستعلمون من له العاقبة الحسنة فى الدنيا والآخرة لى أو لكم ، وقد أنجز الله موعوده لرسول صلى الله عليه وسلم فان الله تعالى مكنه فى البلاد وحكمه فى نواصى مخالفيه من العباد وفتح لهمكة وأظهره على من كذبهمن قومه وعاداه وناوأه واستقر أمره على سائر جزيرة العرب وكذلك اليمن والبحرين وكل ذلك فىحياته صلى الله عليه وسلم ثم فتحت الأمصار والأقاليم بعد وفاته فى أيام خلفائه رضى الله عنهم ، كما قال" كتب الله لأغلبن أنا ورسلى ان الله قوى عزيز " ،وكما قال " انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " ، وكما قال تعالى " ولقدكتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون " ،والظالمون المتعدن حدود الله بالكفر يخيبون ويخيب مسعاهم فى الدنيا والآخرة
جعلوا لله مما ذرأ من الحرث
والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان
لشركائهم فلا يصل الى الله وما
كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون 136
" وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا " هذا ذم وتوبيخ من الله الى المشركين الذين ابتدعوا بدعا وكفرا وشركا وجعلوا لله شركاء وجزأ من خلقه وهوخالق كل شىء فجعلوا لله مماخلق وبرأ من الزرع والثمار جزءا وقسما ، " فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم " قال أبن عباس فى تفسير هذه الآية ان أعداء الله كانوا اذا حرثوا حرثا أوكانت لهم ثمرة جعلوا لله منه جزأ وللوثن جزأ فما كان من حرث أو ثمرة أو شىء من نصيب الأوثان حفظوه وان سقط منه شىء فيما سمى للصمد ردوه الى ما جعلوه للوثن وان سبقهم الماء الذى جعلوه للوثن فسقى شيئا جعلوه لله جعلوا ذلك للوثن وان سقط شىء من الحرث والثمرة التى جعلوها لله فاختلط بالذى جعلوه للوثن قالوا هذا فقير ولم يردوه الى ما جعلوه وان سبقهم الماء الذى جعلوه لله فسقى ما سمى للوثن تركوه للوثن وكانوا يحرمون من أموالهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنهم يحرمونه قربة لله فقال تعالى " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا " ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فى الآية كل شىء يجعلونه لله من ذبح يذبحونه لا يأكلونه أبدا حتى يذكروا معه أسماء الآلهة وما كان للآلهة لم يذكروا اسم الله معه ، " ساء ما يحكمون " ساء ما يقسمون فانهم أخطؤا أولا القسم لأن الله تعالى هو رب كل شىء ومليكه وخالقه وله الملك وكل شىء له وفى تصرفه وتحت قدرته ومشيئته لا اله غيره ولا رب سواه ثم لما قسموا فيما زعموا القسمة الفاسدة لم يحفظوها بل جاروا فيها ، وهذا كقوله " ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون " ،وكما قال " وجعلوا له من عباده جزأ ان الانسان لكفور مبين " .
وكذلك زين لكثير من المشركين
قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم
وما يفترون 137
"
وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " يقول تعالى وكما زينت
الشياطين لهؤلاء أن يجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا كذلك زينوا لهم
قتل أولادهم خشية الاملاق ووأد البنات خشية العار ، وقال مجاهد شركاؤهم شياطينهم
يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خشية العيلة ، وقال السدى أمرتهم الشياطين أن يقتلوا
البنات ،" ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم " ليردوهم أى فيهلكوهم أما
ليلبسوا عليهم دينهم أى فيخلطون عليهم دينهم ونحو ذلك ، كما فى قوله " واذا
بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به
" ، وقد كانوا أيضا يقتلون الأولاد من الاملاق وهو الفقر أو خشية الاملاق أن
يحصل لهم فى تلف المال وقد نهاهم عن قتل أولادهم لذلك وانما كان هذا من تزيين
الشيطان وشرعهم ذلك ، " ولو شاء الله ما فعلوه " كان هذا واقع بمشيئة
الله تعالى وارادته واختياره لذلك كونا وله الحكمة التامة فى ذلك فلا يسأل وهم
يسألون ، " فذرهم وما يفترون " فدعهم واجتنبهم وما هم فيه فسيحكم الله
بينك وبينهم .
وقالوا هذه أنعام وحرث حجر
لايطعمها الا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لايذكرون اسم الله عليها
افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون 138
" وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لايطعمها الا من نشاء بزعمهم " يتحدث سبحانه وتعالى عن الكفار من قريش والعرب من حيث التحريم وكما قال أبن عباس أن الحجر هو الحرام مما حرموا من الوصيلة وتحريم ما حرموا من أنعام وحرث احتجروها لآلهتهم وكان ذلك من الشياطين يقولون حرام أن يطعم الا من شئنا ،" وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها " وعن عاصم بن أبى النجود قال قال لى أبو وائل أتدرى ما فى قوله " وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لايذكرون اسم الله عليها " قلت :"لا" قال:"هى البحيرة كانوا لايحجون عليها ، وقال مجاهد كان من ابلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا فى شىء من شأنها لاان ركبوا ولا ان حلبوا ولا ان حملوا ولا ان نتجوا ولا ان عملوا شيئا ،" افتراء عليه " افتراء على الله وكذبا منهم فى اسنادهم ذلك الى دين الله وشرعه فانه لم يأذن لهم فى ذلك ولا رضية منهم" سيجزيهم بما كانوا يفترون " الله سيجازيهم على هذا الافتراء والكذب .
وقالوا ما فى بطون هذه الأنعام
خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم انه
حكيم عليم 139
" وقالوا ما
فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وان يكن ميتة فه فيه شركاء " قال أبن عباس اللبن كانوا يحرمونه على
اناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت اذا الشاة ولدت ذكرا ذبحوه وكان للرجالدون النساء وان
كانت أنثى تركت فلم تذبح وان كان ميتة فهم فيه شركاء فنهى الله عن ذلك ، وقال
الشعبى البحيرة لا يأكل من لبنها الا الرجال وان مات منها شىء أكله الرجال
والنساء ، " سيجزيهم وصفهم " سيجازيهم الله على قولهم الكذب ، كما قال
تعالى " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على
الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون " ، " انه حكيم
عليم " الله حكيم فى أفعاله وأقواله وشرعه وعليم بأعمال عباده من خير وشر
وسيجزيهم عليه أتم الجزاء .
قد خسر الذين قتلوا أولادهم
سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين 140
" قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله
افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين " يقول تعالى قد خسرفى الدنيا
والآخرة الذين قتلوا أولادهم ، خسروا أولادهم بقتلهم وضيقوا عليهم فى أموالهم
فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم وأما فى الآخرة فيصيرون الى أسوأ المنازل
بكذبهم على الله وافترائهم وهذا كقوله " ان الذين يفترون على الله الكذب
لايفلحون * متاع فى الدنيا ثم الينا مكرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا
يكفرون " .
وهو الذى أنشأ جنات معروشات
وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه
كلوا من ثمره اذا أثمر وأتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين * ومن الأنعام
حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبيين 141
- 142
" وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه " الله يبين أنه الخالق لكل شىء من الزروع والثمار والأنعام التى تصرف فيها المشركون بأرائهم الفاسدة وقسموها وجزؤوها فجعلوا منها حراما وحلالا الجنات المعروشات مسموكات وفى رواية المعروشات ما عرش الناس وغير معروشات ما خرج فى البر والجبال من الثمرات ، وقال أبن عباس معروشات ما عرش من الكرم وغير معروشات ما لم يعرش من الكرم متشابها فى المنظر وغير متشابه فى الطعم ، " كلوا من ثمره اذا أثمر " كلوا من رطبه وعنبه أو من ثمره حين يثمر ، " وآتوا حقه يوم حصاده " قال أب نجرير هى الزكاة المفروضة يوم يكال ويعلم كيله من الحب والثمار وقال أبن عباس أن الرجل كان اذا زرع فكان يوم حصاده لم يخرج مما حصد شيئا فقال تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " ،وعن جابر بن عبد الله أن النى صلى الله عليه وسلم أمر من كل حاذ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق فى المسجد للمساكين" ، وذم الله الذين يصرمون ولا يتصدقون كما ذكر عن أصحاب الجنة فى سورة "ن " ," اذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون * فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم " اصحاب الجنة قرروا بأن يصرموا أى يمسكوا أى ان يمنعوا اعطاء الفقراء من الجنة اذا أصبح عليهم الصباح ولا يستثنون أحد من الاعطاء ، الطائف هو الريح أو الخراب الذى دمرها وأحرقه أثناء نومهم قبل أن يصبحوا فاصبحت كالليل المدلهم سوداء محترقة بمنع الزكاة ، " ولا تسرفوا انه لايحب المسرفين " لاتسرفوا فوق الاعطاء المعروف قال أبو عالية كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ثم تباروا فيه وأسرفوا فأنزل الله " ولا تسرفوا " ، وقال أبن جريج نزلت فى ثابت بن قيس بن شماس جدذ نخلا له فقال لايأتينى اليوم أحد الا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى " ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين " ، وعن عطاء قال نهوا عن السرف فى كل شىء ، وقال اياس بن معاوية ما جاوزت به أمر الله فهو سرف ، وقال السدى لاتعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء ، واختار أبن جرير قول عطاء أنه نهى عن الاسراف فىكل شىء ولا شك أنه صحيح لكن الظاهر والله أعلم من سياق الآية " كلوا من ثمره اذا أثمر وآتوا حقه يومحصاده ولا تسرفوا " أن يكون عائدا على الأكل أى لا تسرفوا فى الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن كقوله " كلوا واشربوا ولا تسرفوا " ، " ومن الأنعام حمولة وفرشا " وأنشأ لكم من الأنعام ما هو حمولة وما هو فرش قيل المراد بالحمولة ما يحمل عليه من الابل والفرش الصغار منها ، وقال أبن عباس الحمولة هى الكبار والفرش الصغار من الأبل ، وفى قول آخر الحمولة هى الأبل والخيل والبغال والحمير وكل شىء يحمل عليه وأما الفرش فالغنم ، وقال أبن جرير انما سمى فرشا لدنوه من الأرض ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أما الحمولة ما تركبون والفرش ما تأكلون وتحلبون ، شاة لاتحمل تأكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا وهذا كقوله " أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " ، " كلوا مما رزقكم الله " كلوا من الثمار والزروع والأنعام فكلها خلقها الله وجعلها رزقا لكم ، " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " لاتتبعوا كريق الشسطان وأوامره كما اتبعها المشركون الذين حرموا ما رزقهم الله أى من الثمار والزروع افتراء على الله " انه لكم عدومبين " الشيطان ععدو ظاهر العداوة لكم ، كما قال تعالى " ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " .
ثمانية أزواج من الضأن اثنين
ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئونى
بعلم ان كنتم صادقين * ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم
الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا فمن
أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدى القوم الظالمين
143 - 144
" ثمانية
أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " هذا بيان لجهل العرب قبل الاسلام
فيما كانوا حرموا من الأنعام وجعلوها أجزاء وأنواع بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما وغير
ذلك من الأنواع التى أبتدعوها فى الأنعام والزروع والثمار فبين تعالى أنه أنشأ
جنات معروشات وغير معروشات وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا ، ثم بين أصناف
الأنعام الى غنم وهو بياض وهو الضأن وسواد وهو المعز ذكره وأنثاه والى ابل ذكورها
واناثها وبقر كذلك وأنه تعالى لم يحرم شيئا من ذلك ولا شيئا من أولادها بل كلها
مخلوقة لبنى آدم أكلا وركوبا وحمولة وحلبا وغير ذلك من وجوه المنافع كما قال تعالى
" وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" ، عن أبن عباس قوله " ثمانية
أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " فهذه أربعة أزواج ، " قل آلذكرين حرم أم الأنثيين "، " ومن الابل اثنين و من البقر
اثنين قل آلذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء
اذ وصاكم الله بهذا " يقول تعالى لم أحرم شيئا من ذلك ، " أم ما اشتملت
عليه أرحام الأنثيين " يعنى هل يشتمل الرحم الا على
ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا ؟ ، " نبئونى بعلم ان كنتم صادقين
" كله حلال ، أخبرونى عن يقين كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة
والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك ،كيف تحرمون وتحلون هل جعل الله لكم من دليل
تحليل وتحريم بل انكم تحرمون وتحلون بأهوائكم كذبا ليس له دليل من عند الله " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل
الناس بغير علم " لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب ليضل الناس بغير علم
أتاه الله فالتحريم والتحليل لابد ان يتبع شرع الله ولا يخضع لأهواء الجهلاء ومن
يفعل ذلك من ضلال للناس فهو أكثر الناس حيادا عن طريق الله وأكثرهم ضلالا وهذا
تهديد ووعيد من الله لمن يفعل ذلك , وأول من دخل فى هذه الآية عمرو بن لحى بن قمعة
لأنه أول من غير دين الأنبياء وأول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامى كما
ثبت فى الصحيح " ان الله لايهدى
القوم الظالمين " الله لايهدى القوم الذين يحيدون عن سبيله بالشرك والكفر كما
قال ان الشرك لظلم عظيم .
قل لا أجد فى ما أوحى الى
محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس أو
فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم 145
" قل لا أجد فى ما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه "يقول تعالى
آمرا عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم لا أجد شيئا مما حرمتم حراما سوى هذه
المحرمات وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه ، " الا أن يكون
ميتة " حرمت الميتة وقد ذكرت فى سورة المائدة المحرمات بالتفصيل ، "
أودما مسفوحا " الدم المهراق ، قال قتادة حرم من الدماء ما كان مسفوحا فأما
اللحم خالطه الدم فلا بأس به ، عن أبن عباس قال ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت
:" يا رسول الله ماتت فلانة تعنى الشاة قال : " فلملا أخذتم مسكها
" قالت : " نأخذ مسك شاة قد ماتت " فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " انما قال الله " قل لاأجد فيما أوحى الى محرما على طاعم
يطعمه الا أن يكون ميتة أودما مسفوحا أو لحم خنزير " وانكم لا تطعمونه ان
تدبغوه فتنتفعوا به " فأرسلن فسلخت مسكها فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها
" ، " أو لحم خنزير " حرم الله لحم الخنزير ، " فانه رجس أو فسقا
أهل لغير الله به "الرجس هو ما خالف شرع الله وكان حراما وحرم أيضا ما أهل لغير الله به أى لم يذكر عليه
اسم الله أو ماكان من الكفار من قريش من تقديم قرابين للاوثان ، " فمن اضطر
غير باغ ولا عاد " فمن اضطر الى أكل شىء مما حرم الله فى هذه الآية الكريمة
وهو غير متلبس ببغى ولا عدوان أى تعدى لحدود الله ، " فان ربك غفور رحيم
" أى غفور له رحيم به ، الغرض من هذه الآية الرد على المشركين الذين ابتدعوا
ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة
والوصيلة والحام ونحو ذلك فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أنه لا يجد
فيما أوحاه الله اليه أن ذلك محرم وانما حرم ما ذكر فى هذه الآية من الميتة والدم
المسفوح ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله وما عدا ذلك فلم يحرم وانما هو عفو
مسكوت عنه فكيف تزعمون أنتم أنه حرام ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله ؟ وعلى هذا
فلا يبقى تحريم أشياء أخر فيما بع هذا كما جاء النهى عن لحوم الحمر الأهليى ولحوم
السباع وكل ذى مخلب من الطير على المشهور من مذاهب العلماء .
وعلى
الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفرومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت
ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهمم ببغيهم وانا لصادقون 146
" وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر "حرم
الله تعالى على اليهود كل ذى ظفر وهو البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع
كالابل والنعام والأوز والبط ، وقال سعيد
بن جبير هو الذى ليس منفرج الاصابع وفى رواية عنه كل مفترق الأصابع ومنه الديك ،
وقال قتادة كان يقال البعير والنعامة وأشياء من الطير والحيتان وفى رواية البعير
والنعامة وحرم عليهم من الطير البط وشبهه وكل شىء ليس بمشقوق الاصابع ، فلا تأكل
اليهود الابل ولا النعامة ولا الوز ولا كل شىء لم تنفرج قائمته ولا تأكل الحمار
الوحشى ، " ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحوحهما " قال السدى يعنى
الثرب وشحم الكليتين وكانت اليهود تقول أنه حرمه اسرائيل فنحن نحرمه , وقال أبن
عباس يعنى ما علق بالظهر من الشحوم ، " أو الحوايا " قال الامام أبو
جعفر بن جرير الحوايا جمع واحدها حاوياء وحاوية وحوية وهو ما تحوى من البطن فاجتمع
واستدار وهى بنات اللبن وهى المباعر وتسمى المرابض وفيها الأمعاء ومعنى الكلام ومن
البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما وما حملت الحوايا ، وقال
أبن عباس الحوايا هى المبعر وقال مجاهد الحوايا المبعر والمربض التى تكون فيها
الأمعاء تكونوسطها وهى بنات اللبن وهى فى كلام العرب تدعى المرابض ، " وما
اختلط بعظم " يعنى الا ما اختلط من الشحوم بعظم فقد أحللناه لهم ، وقال أبن
جريج شحم الألية ما اختلط بالعصعص فهوحلال وكل شىء فى القوائم والجنب والرأس
والعين وما اختلط بعظم فهو حلال ونحوه ، " ذلك جزيناهم ببغيهم " هذا
التييق انما فعلناه بهم وألزمناهم به مجازاة على بغيهم ومخالفتهم ، كما قال "
فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا
" ، " وأنا لصادقون " وانا لعادلون فيما جزيناهم به ،وقال أبنجرير
وانا لصادقون فيما أخبرناك به يا محمد من تحريمنا ذلك عليهم لا كمازعموا من أن
اسرائيل هو الذى حرمه على نفسه ، عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:" قاتل الله اليهود حرمن عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها" وعن أبن
عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا فى المسجد مستقبلاالحجر فنظر الى
السماء فضحك فقال : " لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا
أثمانها وان الله اذا حرم على قوم أكل شىء حرم عليهم ثمنه " .
فان كذبوك
فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين 147
" فان كذبوك فقل ربكم ذورحمة واسعة " يقول تعالى فان كذبوك يا
محمد مخلفوك من المشركين واليهود ومن شابههم فقل لهم ربكم ذو رحمة واسعة وهذا
ترغيب لهم فى ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسوله ، " ولا يرد بأسه عن
القوم المجرمين " ترهيب لهم فى مخالفتهم الرسول خاتم النبيين صلى
اللهعليهوسلم وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين الترغيب والترهيب فى القرآن كما قال
تعالى " ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم " ، وكما قال " ان ربك
لذو مغفرة للناس على ظلمهم وان ربك لشديد العقاب " .
سيقول
الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء كذلك كذب الذين
من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان
أنتم الا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين * قل هلم شهداءكم
الذين يشهدون أن الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا
بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون 148 - 150
" سيقول
الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء " هذه مناظرة
ذكرها الله تعالى وشبهة تشبث بها المشركون فى شركهم وتحريم ما حرموا فان الله مطلع
على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه وهو قادر على تغييره بان يلهمنا
الايمان ويحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره فدل على أنه بمشيئته وارادته ورضاه منا
بذلك ،كما فى قوله " وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم " ،" كذلك
كذب الذين من قبلهم " أى بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء وهى حجة داحضة باطلة
لأنها لوكانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم وأدال عليهم رسله الكرام
وأذاق المشركين من أليم الانتقام ، " قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا "
قل لهم بما أن الله راض عنكم فيما أنتم فيه فهل عندكم من دليل وعلم وبرهان فتظهروه
لنا وتبينوه وتبرزوه لنا ، " ان تتبعون الا الظن " انكم تتبعون التوهم
والخيال والمراد هنا بالظن الاعتقاد الفاسد ، " ان أنتم الا تخرصون " ان
أنتم تكذبون على الله فيما ادعيتموه ، " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء
لهداكم أجمعين " " قل لهم يا محمد أن الله له الحكمة التامة والحجة
البالغة فى هداية من هدى واضلال من ضل ،كما قال " ولو شاء ربك لآمن من فى
الأرض " كل شىء بقدرته لو شاء بقدرته ومشيئته واختياره
لهدى الناس جميعا " قل هلم شهداءكم " احضروا شهداءكم ، " الذين
يشهدون أن الله حرم هذا " الذين يشهدون على هذا الذى حرمتموه وكذبتم وافتريتم
على الله فيه ، " فان شهدوا فلا تشهد معهم " فان فعلوا فلا تشهد معهم
لأنهم انما يشهدون والحالة هذه كذبا وزورا ، " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا
بآياتنا والذين لايؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون " ينهى الله رسول عن اتباع
أهواء الكفار الذين كذبوا بما انزله الى رسوله ويكفرون باليوم الآخر وهم بربهم
يعدلون أى يشركون ويجعلون له عديلا .
قل تعالوا
أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم
من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا
النفس التى حرم الله الا بالحق ذالكم وصاكم به لعلكم تعقلون 151
" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " يقول تعالى لرسوله الكريم قل لهم أى لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشيطان هلموا وأقبلوا سوف أقص عليكم و أخبركم بما حرم الله عليكم لاتخرصا وظنا بل وحيا منه وأمر من عنده ،" ألا تشركوا به شيئا " أوصاكم الله بعدم الشرك به ، وعن حديث أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أتانى جبريل فبشرنى أنه من مات لايشرك بالله شيئا من أمتك دخل الجنة " قلت : " وان زنى وان سرق ؟ " قال : " وان زنى وان سرق ، قلت :" وان زنى وان سرق ؟" قال : " وان زنى وان سرق " ، قلت : " وان زنى وان سرق وان شرب الخمر ؟ " قال : " وان زنى وان سرق وان شرب الخمر " ، وعن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى " يا ابن آدم انك ما دعوتنى ورجوتنى فانى أغفر لك على ما كان منك ولا أبالى ولو أتيتنى بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بى شيئا ، وان أخطأت حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك " ، وقال تعالى "ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ، وفى صحيح مسلم عن أبن مسعود " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " ،" وبالوالدين احسانا " وأوصاكم وأمركم بالوالدين احسانا أى أحسنوا اليهم طلب الله بالاحسان الى الوالدين وجعله من الامور المهمة بعد عدم الشرك به ، وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين طاعته وبر الوالدين ، كما قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا " ووصى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا ، وعن أبن مسعود أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أى العمل أفضل ؟ " قال : " الصلاة على وقتها " قلت : " ثم أى ؟ " قال : " بر الوالدين " قلت : " ثم أى ظ " قال : " الجهاد فى سبيل الله " قال أبن مسعود :" حدثنى بهن رسول الله صلى الله عليهوسلم ولو استزدته لزادنى " ، " ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم " لما أوصى الله تعالى بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الاحسان الى الأبناء والأحفاد ونهى عن قتل الأولاد كما كان يفعل العرب فى الجاهلية ذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك فكانوا يئدون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الفقر فهو الكفيل بالرزق يرزقكم أنتم وأبناءكم ، ولهذا ورد فى الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه سأل ر سول الله صلى الله عليه وسلم : " أى الذنب أعظم ؟ " قال : " ان تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت ثم أآ ؟" قال :" ان تقتل ولدك خشيةأن يطعم معك " قلت : " ثم أى ؟ " قال :" أن تزانى حليلة جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق ولا يزنون " ، وفى عصرنا الحالى دعوات كثير بحجة الفقر بسبب الزيادة السكانية من اجهاض وفى الغرب من اباحية مطلقة خشية تحمل مسؤلية الأبناء ،" ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " نهى الله عن ارتكاب الفواحش كلها ظاهرة وباطنةمثل الزنى ، وفى الصحيحين عن أبن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، وعن أبى هريرة قال قيل يارسول الله انا نغار " قال : " والله انى لأغار والله أغير منى ومن غيرته نهى عن الفواحش " ، " ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق " وهذا مما نص الله تبارك وتعالى عن النهى عنه تأكيدا وهو قتل النفس الا بالحق أى كما شرع الله من قصاص وغيره ، ، فقد جاء فى الصحيحين عن أبن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لايحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " ، وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لايحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث خصال زان محصن يرجم ، ورجل قتل متعمدا فيقتل ، ورجل يخرج عن الاسلام وحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض"، وقد جاء النهى والزجر والوعيد فى قتل المعاهد وهو المستامن من أهل الحرب ، فروى البخارى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله علليه وسلم مرفوعا : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما" ، "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون " هذا مما وصاكم به الله لعلكمتعقلون عن الله أمره ونهيه .
ولا
تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط
لا نكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولوكان ذا قربى وبعهدالله أوفوا ذلكم
وصاكم به لعلكم تذكرون 152
"
ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده " عن أبن عباس قال
أنه لما أنزل الله ´ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى أحسن " و " ان
الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من
طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل الشىء فيحبس له حتى يأكله ويفسد فاشتد ذلك عليهم
فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله " ويسئلونك عن اليتامى
قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فا خوانكم " فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم
بشرابهم " رواه أبو داود ، " حتى يبلغ أشده " ولا تقربوا مال
اليتيم أى تحفظوه له حتى يحتلم وقال السدى حتى يبلغ ثلاثين سنة وقيل أربعون وهذا
كله بعيد ، " وأوفوا الكيل والميزان بالقسط " يأمر تعالى باقامة العدل
فى الأخذ والاعطاء كما توعد على تركه فى قوله " ويل للمطففين الذين اذا
أكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم
مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين " وقد أهلك الله أمة من الأمم
كانوا يبخسون المكيال والميزان ، وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " انكم معشر الموالى قد بشركم الله بخصلتين بها هلكت القرون المتقدمة
المكيال والميزان " ، " لا نكلف
نفسا الا وسعها " من اجتهد فى أداء الحق وأخذه فان أخطأ بعد استفراغ وسعه
وبذل جهده فلا حرج عليه ، وعن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فى الآية " واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكاف نفسا الا وسعها "
فقال من أوفى على يده فى الكيل والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم
يؤاخذ وذلك تأويل وسعها " هذا مرسل غريب ، " واذا قلتم فاعدلوا ولو كان
ذا قربى " يأمر تعالى بالعدل فى الفعال والمقال على القريب والبعيد والله
تعالى يأمر بالعدل لكل أحد فى كل وقت وفى كل حال ، " وبعهد الله أوفوا "
قال أبن جرير وبوصية الله التى أوصاكم بها فأوفوا وايفاء لذلك بأن تطيعوه فيما
أمركم ونها كم وتعملوا بكتابه وسنة رسوله وذلك هو الوفاء بعهد الله ، " ذلكم وصاكم
به لعلكم تذكرون " هذا أوصاكم به وأمركم به وأكد عليكم فيه ، " لعلكم
تذكرون " عسى أنن تتعظون وتنتهون مما كنتم فيه قبل هذا .
وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه
ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون 153
"
وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه " أمر الله بالجماعة فى اتباع دينه ونهاهم عن
الاختلاف وأخبرهم أنه انما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات فى دين الله ونحو
ذلك وعن أبن مسعود رضى الله عنه قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم
قال " هذا سبيل الله مستقيما " وخط عن يمينه وشماله ثم قال " هذه
السبل ليس منها سبيل الا عليه شيطان يدعو اليه " ثم قرأ " وأن هذا صراطى
مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " ، وعن جابر قال كنا
جلوسا عند النبى صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه فقال " هذا سبيل الله
" وخطين عن يمينه وخطينعن شماله وقال " هذه سبل الشيطان " ثم وضع
يده فى الخط الأوسط ثم تلا الآية " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا
الطرق فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " ، " ولا تتبعوا
السبل فتفرق بكم عن سبيله " وحد سبيله لأن الحق واحد وجمع السبل لتفرقها و
تشعبها ، كما قال " الله ولى الذين
آمنوا يخرجهم من الظلما ت الى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من
النور الى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ، " ذلكم وصاكم
به لعلكم تتقون " هذه وصية من الله فى الاتحاد على سبيله ونبذ الخلاف وهى
فيها التقوى لله .
ثم آتينا موسى الكتاب تماما
على الذى أحسن وتفصيلا لكل شىء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون * وهذا كتاب
أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون 154 - 155
" ثم آتينا موسى الكتاب " ثم قل يا محمد مخبرا عنا بأنا آتينا موسى الكتاب وهو التوراة " ، " تماما على الذى أحسن " آتيناه الكتاب الذى أنزلناه اليه تماما كاملا جامعا لما يحتاج اليه فى شريعته ، وهذا كقوله " وكتبنا له فى الألواح من كل شىء " ،" على الذى أحسن " جزاءا على احسانه فى العمل وقيامه بأوامرنا وطاعتنا وهذا كقوله " هل جزاء الاحسان الا الاحسان " , عن الربيع بن أنس " ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذى أحسن " يقول أحسن فيما أعطاه الله ، وقال قتادة من أحسن فى الدنيا تم له ذلك فى الآخرة ،" وتفصيلا لكل شىء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون " فيه مدح لكتابه الذى أنزله الله عليه فهو كتاب مفصل لمنهج الله وفيه هدى لمن يتبعه وهو رحمة من الله وهذا ليهديهم الى الايمان بالله واليوم الآخر الذى هو لقاء الله ، " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون " فى هذا الدعوة الى اتباع القرآن ويرغب سبحانه وتعالى عباده فى كتابه ويأمرهم بتدبره والعمل به والدعوة اليه ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به فى الدنيا والآخرة وفيه الرحمة من الله لأنه حبل الله المتين .
أن تقولوا انما أنزل الكتاب
على طآئفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا
الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جآءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب
بآياتنا وصدف عنها سنجزى الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون 156
- 157
" أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طآئفتين من قبلنا " قال أبن جرير معناه وهذا كتاب أنزلناه لينقطع عذركم أن قولوا أن الكتاب أنزل على طائفتين من قبلنا هم اليهود والنصارى ،" وان كنا عن دراستهم لغافلين " وما كنا نفهم ما يقولون لأنهم ليسوا بلساننا ونحن فى غفلة وشغل مع ذلك عما هم فيه ، " أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم " وقطعنا تعللكم أن تقولوا لو أنا أنزل علينا مأ أنزل عليهم لكنا أهدى منهم فيما أوتوه ، وهذا كقوله " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من احدى الأمم " ، " فقدجآءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة " فقد جآءكم من الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم النبى العربى قرآن عظيم فيه بيان للحلال والحرام وهدى لما فيه القلوب ورحمة من الله لعباده الذين يتبعونه ويقتفون ما فيه ، " فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها " ليس هناك أظلم من لم ينتفع بما جاء به الرسول ولا اتبع ما أرسل به ولا ترك غيره يتبعه بل صدف عن اتباع آيات الله أى صرف الناس وصدهم عن ذلك وقال أبن عباس وصدف عنها أعرض عنها ، وقال قتادة أى لا آمن بها ولا عمل بها كقوله " فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى " ، " سنجزى الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون " الذين يصدفون عن آيات الله أى لم ينتفعوا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا اتبعوا ما أرسل به ولا تركوا غيرهم بل صدفوا عن اتباع آيات الله أى صرفوا الناس وصدوهم عن ذلك من فعل ذلك سوف يجازى باسوأ العذاب فى الدنيا والآخرة جزاء على فعلهم هذا .
هل ينظرون الا أن تأتيهم
الملائكة أو يأتى ربك أو يأتى بعض آيات ربك يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا
ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون 158
"
هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو يأتى ربك "يقول تعالى متوعدا الكافرين به
والمخالفين لرسله والمكذبين والصادين عن سبيله انهم منتظرون حتى يؤمنوا أن تأتيهم
أى تنزل اليهم الملائكة أو أن يروا الله
آتيا اليهم ،" أو يأتى بعض آيات ربك " أو ياتى آيات مادية معجزات دالات
على قدرة الله حتى يؤمنوا بالله وما أرسلت به ، " يوم يأتى بعض آيات ربك
لاينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " يوم تاتى علامات يوم القيامة
لايجدى نفعا ولا تقبل توبة من أحد الا من كان آمن بالله من قبل ،" أوكسبت فى
ايمانهاخيرا "ولا يقبل منها كسب عمل صالح اذا لميكنعاملا به قبل ذلك ، "
قل انتظروا انا منتظرون " تهديد شديد للكافرين ووعيد أكيد لمن سوف بايمانه
وتوبته الى وقت لاينفعه ذلك وانماكان هذا الحكم عند طلوع الشمس من مغربها لاقتراب
الساعة وظهور أشراطها ، كما قال تعالى " فهل ينظرون الا الساعة أن تأتيهم
بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم اذا جاءتهم ذكراهم " ، وكقوله" فلما رأوا
بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا بهم شركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما
رأوا بأسنا " ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتقوم الساعة حتى تطلع الشمس من
مغربها " وفى لفظ " فاذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا
ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " ثم قرأ هذه الآية ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ط ثلاث اذا خرجن " لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل
أوكسبت فى ايمانها خيرا " ، طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض "
، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تاب قبل أن
تطلع الشمس من مغربها قبل منه " ، وعن حذيفة بن أسد الغفارى رضى الله عنه قال
أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن بتذاكر الساعة فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس
من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى أبن مريم ،
وخروج الدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ،
ونار تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث
قالوا " رواهمسل وأهل السنن الأربعة .
ان الذين فرقوا دينهم وكانوا
شيعا لست منهم فى شىء انما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون " 159
"
ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شىء " قال مجاهد وقتادة وغيرهم
نزلت هذه الآية فى اليهود والنصارى ،وقال أبن عباس أن اليهود والنصارى اختلفوا قبل
مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فتفرقوا فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم أنزل الله
عليه " ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شىء " والظاهر أن
الآية عامة فى كل من فارق دين الله وكان مخالفا له فان الله بعث رسوله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه
"وكانوا شيعا" أى فرقا كأهل
الملل والنحل والأهواء والضلالات فان الله تعالى قد برأ رسوله صلى الله عليه وسلم
مما هم فيه ،" انما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون " الله
يتولى أمرهم يوم القيامة فيحاسبهم ويجازيهم على أفعالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر
كقوله " ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين
أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة " .
من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون 160
"
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون
" من فعل حسنة من الحسنات أو الاعمال الصالحة يجزيه الله عشر أمثالها ومن عمل سيئة أوعمل غير صالح فله يحاسبه عليه
وحده ةيجازيه عليه دون مضاعفة للسيئات وهذا من كرم الله ومنته ، والله وساع الكرم
ولا يظلم أحد بل يجازى كل بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر ، وعن أبن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى : " ان ربكم عز
وجل رحيم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت لهحسنة فان عملها كتبت له عشرا الى سبعمائة
الى أضعاف كثيرة ، ومن هم بسيئة فلم
يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت لهواحدة أو يمحوها الله عز وجل ولا يهلك الا
هالك" ، وعن أبى ذر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يقول الله عز وجل من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن عمل سيئة فجزاؤها
مثلها أو أغفر ومن عمل قرابة الأرض خطيئة ثم لقينى لا يشرك بى شيئا جعلت له مثلها
مغفرة ومن اقترب الى شبرا اقتربت اليه ذراعا ونت اقترب الى ذراعا اقتربت اليه باعا
ومن أتانى يمشى أتيته هرولة " .
قل اننى هدانى ربى الى صراط
مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم وما كان من المشركين * قل ان صلاتى ونسكى ومحياى
ومماتى لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين 161 - 163
" قل اننى هدانى ربى الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين " يقول الله تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية الى صراطه المستقيم الذى لا اعوجاج فيه ولا انحراف فقد هداه الله وأرسله بدينه القائم الثابت الذى لا شرك فيه بالحنيفية السمحة التى أتبعها أبو الانبياء ابراهيم عليه السلام ودين الانبياء واحد متصل ، وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة ابراهيم الحنيفية أن يكون ابراهيم أكمل منه فيها لأنه قام بها قياما عظيما وأكملت له اكمالا تاما لم يسبقه أحد الى هذا الكمال ولهذا كان خاتم الأنبياء ،وسيد ولد آدم على الاطلاق ، وصاحب المقام المحمود الذى يرغب اليه الخلق حتى الخليل عليه السلام ، وعن أبن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أصبح قال : " أصبحنا على ملة الاسلام وكلمة الاخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين " ، وعن أبن عباس قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى الأديان أحب الى الله تعالى ؟ " قال : " الحنيفية السمحة " ، " قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين "يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم فى ذلك فان صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له كقوله تعالى " فصل لربك وانحر " أى اخلص له صلاتك وذبحك فان المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والاقبال بالقصد والنية والعزم على الاخلاص لله تعالى ، وقال مجاهد فى قوله " ان صلاتى ونسكى " النسك الذبح فى الحج والعمرة وعن سعيد بن جبير قال ذبحى ، وعن جابر بن عبد الله قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم النحر بكبشين وقال حين ذبحهما " وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " وقال قتادة " أنا أول المسلمين " من هذه الأمة ، وهو كما قال فان جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم الى الاسلام وأصله عبادة الله وحده لا شريك له ، أخبر تعالى أنه بعث رسله بالاسلام ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التى ينسخ بعضها بعضا الى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التى لا تنسخ أبدا الآبدين ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة الى قيام الساعة ولهذا قال عليه السلام :" نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " فان أولاد العلات هم الأخوة من أب واحد وأمهات شتى فالدين واحد وهو عبادة الله لا شريك له وان تنوعت الشرائع التى هى بمنزلة الأمهات .
قل أغير الله أبغى ربا وهو رب
كل شىء
ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم
بما كنتم فيه تختلفون 164
" قل أغير الله أبغى ربا وهو رب كل شىء " يقول تعالى قل يا محمد
لهؤلاء المشركين فى اخلاص العبادة له والتوكل عليه الله ربى لا أطلب ربا سواه فهو
رب كل شىء ومليكه يربينى ويحفظنى ويكلؤنى ويدبر أمرى ، أى لا أتوكل الا عليه ولا
أنيب الا اليه فهو رب كل شىء وله الخلق والأمر ، ففى هذه الآية الأمر باخلاص
التوكل كما تضمنت التى قبلها اخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وهذا المعنى يقرن
بالآخر كثيرا فى القرآن كما يقول تعالى" اياك نعبد واياك نستعين " وكقوله
" فاعبده وتوكل عليه " ، " ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر
وازرة وزر أخرى " اخبار عن الواقع يوم القيامة فى جزاء الله تعالى وحكمه
وعدله أن النفوس انما تجازى بأعمالها ان خيرا فخير وان شرا فشر ، وأنه لا يحمل من
خطيئة أحد على أحد وهذا من عدله تعالى ، كقوله تعالى " وان تدع مثقلة الى
حملها لا يحمل منه شىء ولوكان ذا قربى " ، وكما قال " فلا يخاف ظلما ولا
هضما " أى فلا يظلم بأن يحمل عليه سيئات غيره ولا يهضم بأن ينقص من حسناته ،
" ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " أعملوا على
مكانتكم انا عاملون على ما نحن عليه فستعرضون ونعرض عليه ،وينبئنا واياكم بأعمالنا
وأعمالكم وما كنا نختلف فيه فى الدار الدنيا وذلككقوله " قل لا تسألون عما
أجرمنا ولا نسأل عما تعملون * قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح
العليم " .
وهو الذى جعلكم خلائف الأرض
ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فى ما آتاكم ان ربك
سريع العقاب وانه لغفور رحيم
165
"
وهو الذى جعلكم خلائف الأرض " الله جعلكم تعمروا الأرض جيلا بعد جيل ، وقرنا
بعد قرن وخلفا بعد سلف ، كقوله تعلى " ويجعلكم خلفاء الأرض " ، "
ورفع بعضكم فوق بعض درجات " فاوت بينكم فى الأرزاق والأخلاق
والمحاسنوالمساوىء والمناظر والأشكال والألوان وله الحكمة فى ذلك ، وهذا كقوله
" نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا " ، " ليبلوكم فيما آـاكم " ليختبركم فى
الذى أنعم بع عليكم وأمتحنكم به ليختبر الغنى فى غناه ويساله عن شكره والفقير فى
فقره ويساله عن صبره ، وفى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " ان الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا
تعملون ، فاتقوا الدنيا والنساء فان أول فتنة بنى اسرائيل كانت فى النساء " ترهيب وترغيب أن حسابه وعقابه سريع
فيمن عصاه وخالف رسله " وانه لغفور رحيم " لمن والاه واتبع رسله فيما
جاءوا به من خير ، وكثير من الآيات مشتملة على الترغيب والترهيب فتارة يدعو عباده
اليه بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه ، وتارة يدعوهم اليه بالرهبة وذكر
النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها وتارة بهما ليجمع فى كل بحيبه ، وعن أبى
هريرة مرفوعها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم المؤمن ما
عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما
قنط أحد من الجنة خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه يتراحمون بها وعند الله تسعة
وتسعون " ،
تفسير سورة الأعراف ( مكية )
الجزء الثامن
المص * كتاب أنزل اليك فلا يكن
فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين * اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا
تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون 1 - 3
" المص " تقد م الكلام فى أول سورة البقرة على ما يتعلق بالحروف فى افتتاح سور القرآن واختلاف الناس فيه ، "كتاب أنزل اليك " يحدث الله سبحانه وتعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هذا كتاب أنزل اليك من ربك وهو القرآن ، " فلا يكن فى صدرك حرج منه " قال مجاهد وقتادة والسدى فلا يكن عندك شك منه وقيل لا تتحرج به فى ابلاغه والانذار به ، كما فى قوله " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل " ، " لتنذر به " أنزلناه لتنذر به الكافرين ، " وذكرى للمؤمنين " ويكون مذكرا للمؤمنين بالله وما أنزل عليك من الهدى ، كما قال تعالى " وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين " ، " اتبعوا مآ أنزل اليكم من ربكم " هذا أمر من الله باتباع النبى الأمى الذى جاءكم بكتاب أنزل اليكم من رب كل شىء ومليكه ،" ولا تتبعوا من دونه أولياء " لاتخرجوا عما جاءكم به الرسول صلى الله عليه وسلم الى غيره فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله الى حكم غيره ، " قليلا ما تذكرون " يتحدث الله عن التمسك بالايمان واتباع الهدى من جانب الناس والتذكرة بالآخرة وما يأتى بعد الحياة الدنيا أنه قليل لأن الحياة الدنيا تصرفهم بما فيها عن ذكر الله فما بالنا بالكفار والمشركين الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر ، وذلك كقوله لرسوله صلى الله عليه وسلم " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ، وكقوله " وان تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله " وكقوله " ومايؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون " .
وكم من قرية أهلكناها فجاءها
بأسنا بياتا أوهم قائلون * فما كان دعواهم اذ جاءهم بأسنا الا أن قالوا انا كنا
ظالمين * فلنسئلن الذين أرسل اليهم ولنسئلن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وماكنا
غائبين 4 - 7
" وكم من قرية أهلكناها " وكم أى وكثير من القرى أهلكها الله بمخافة رسله وتكذيبهم فأعقبهم ذلك خزى الدنيا موصولا بذل الآخرة ، كما قال " ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون " ، وكقوله" فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد "، " فجاءهم بأسنا بياتا أو هم قائلون " من كان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته بياتا أى ليلا أم هم قائلون من القيلولة وهى الاستراحة وسط النهار وكلا الوقتين وقت غفلة ، وهذا كقوله " أفامن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون" ، " فما كان دعواهم اذ جاءهم بأسنا الا أن قالوا انا كنا ظالمين " فما كان قولهم عند مجىء العذاب الا أن اعترفوا بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا ، قال أبن جرير فى هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم "، " فلنسئلن الذين أرسل اليهم"عن أبن عباي قال فاسئلن الذين أرسل اليهم عما أبلغوا ، وعن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالامام يسأل عن رعيته ، والرجل يسأل عن أهله ، والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده " ، " فانقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين " قال أبن عباس يوضع الكتاب يوم القامة فيتكلم بما كانوا يعملون ، " وما كنا غائبين " يعنى أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير وجليل وحقير لأنه تعالى الشهيد على كل شىء لا يغيب عنه شىء ولا يغفل عن شىء بل هو العالم بخائنى الأعين وما تخفى الصدور ، :قوله " وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين " .
والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت
موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما
كانوا بآياتنا يظلمون 8 - 9
"
والوزن يومئذ الحق " الوزن للأعمال يوم القيامة لا يظلم الله تعالى أحدا فيه
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة من شر يره ، كقوله " ونضع
الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا
بها وكفى بنا حاسبين " ، " فمن ثقلت موازينه فأولئلك هم المفلحون * ومن خفت
موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون " من ثقل ميزانه
يوم القيامة بالأعمال الصالحة فقد أفلح ودخل الجنة ومن لم يكن فى ميزانه من الأعمال
الصالحة التى تدخله الجنة فقد خسر كل شىء وخسر نفسه ودخل جهنم لأنه لم يتبع آيات
الله وما أرسل به رسله فقد حاد عن طريق الله طريق الحق وهذا الظلم البين ، وهذا كقوله " فأما من ثقلت موازينه فهو
فى عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية * وما أدراك ما هي* نار حامية
" ،وكقوله" فاذانفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن
ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى
جهنم خالدون " ،والذى يوضع فى الميزان يوم القيامة قيل الأعمال وان كانت
أعراضا الا أن الله تعالى يقلبها يوم القامة أجساما ، قال البغوى يروى نحو هذا عن
أبن عباس كما جاء فى الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما
غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف ، وفى حديث البراء فى قصة سؤال القبر
"فيأتى المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول من أنت ؟ فيقول أنا عملك الصالح
" وذكر عكسه فى شأن الكافر والمنافق ،وقيل يوزن كتاب الأعمال كما جاء فى حديث
البطاقة فى الرجل الذى يؤتى به ويوضع له فى كفة تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر
ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا اله الا الله فيقول يارب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات
؟ فيقول الله تعالى انك لا تظلم ، فتوضع البطاقة فى كفة الميزان ، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " ، رواه الترمذى
بنحومن هذا وصححه ، وقيل يوزن صاحب العمل كما فى الحديث : " يؤتى يوم القيامة
بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضه " ثم قرأ " فلا نقيم لهم يوم
القيامة وزنا " ،وفى مناقب عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم
قال : " أتعجبون من دقة ساقيه والذى نفسى بيده لهما فى الميزان أثقل من أحد
" ،وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا فتارة توزن الأعمال
وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم .
ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا
لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون 10
"
ولقدمكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون " يقول الله
تعالى ممتنا على عبيده فيما مكن لهم من أنه جعل الأرض قرارا وجعل فيها رواسى
وأنهارا وجعل لهم فيها منازل وبيوتا أباح لهم منافعها وسخر لهم السحاب لاخراج
أرزاقهم منها وجعل لهم فيها معايش أى مكاسب وأسبابا يكسبون بها ويتجرون فيها
ويتسببون أنواع الأسباب وأكثرهم مع هذا قليل الشكر ،وهذا كقوله " وان تعدوا
نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار " .
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم
قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين 11
ينبه تعالى بنى آدم فى هذا المقام على شرف
أبيهم آدم ويبين لهم عداوة عدوهم ابليس وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم
ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " قال أبن عباس
خلقوا فى أصلاب الرجال وصوروا فى أرحام النساء ، وقال الربيع بن أنس وغيره خلقنا
آدم ثم صورنا الذرية وهذا فيه نظر لأنه قال بعده " ثم قلنا للملائكة اسجدوا
لآدم " فدل على أن المراد بذلك آدم وانما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر كما
يقول الله تعالى لبنى اسرائيل الذين كانوا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم "
وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى " والمراد بالآباء آباؤهم
الذين كانوا فى زمن موسى ولكن لماكان ذلك منةعلى الآباء الذين هم أصل صار كأنه واقع
على الأبناء ، هذا بخلاف قوله " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين "
المراد منه آدم المخلوق من السلالة وذريته مخلوقون من نطفة وصح هذا لأن المراد فى
خلقنا الانسان الجنس لا معينا ، " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا الا
ابليس لم يكن من الساجدين " ذلك أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام بيده من
طين لاذب وصوره بشرا سويا ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لشأن
الله تعالى وجلاله فسمعوا كلهم وأطاعوا الا ابليس لم يكن من الساجدين ، وقد تقدم
الكلام على ابليس فى أول سورة البقرة .
قال ما منعك ألا تسجد اذ أمرتك
قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين 11
"
قال مامنعك ألا تسجد اذ أمرتك " قال أبن جرير ما أحرجك وألزمك واضطرك الا
تسجد اذ أمرتك ، " قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلفته من طين " وقول
أبليس أن خير منه من العذر الذى هو أكبر من الذنب كأنه بين أنه خير منه بأنه خلق
من نار والنار أشرف مما خلقته منه وهوالطين ، فنظر الى أصل العنصر ولم ينظر الى
التشريف العظيم وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه وقاس قياسا فاسدا
، فشذ من بين الملائكة لترك السجود فلهذا أبلس من الرحمة أى أويس من الرحمة فأخطأ
فى قياسه ودعواه أن النار أشرف من الطين ، فان الطين من شأنه الرزانة والحلم
والأناة والتثبت والطين محل النبات والنمو والزيادة والاصلاح ، والنار من شأنها
الاحراق والطيش والسرعة ، ولهذا خان ابليس عنصره ونفع آدم عنصره بالرجوع والانابة
والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة ، وفى
صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
خلقت الملائكة من نور وخلق ابليس من مارج من نار وخلق آدم مماوصف لكم" .
قال فاهبط منها فما يكون لك أن
تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين * قال أنظرنى الى يوم يبعثون * قال انك من
المنظرين 12 - 15
"
قال فاهبط منها " يقول تعالى مخاطبا لابليس بأمر قدرى بسبب عصيانك لأمرى
وخروجك عن طاعتى أترل من الجنة واهبط الى الأرض ," فما يكون لك أن تتكبر فيها
"، قال كثير من المفسرين الضمير عائد الى الجنة ويحتمل أن يكون عائدا الى
المنزلة التى هو فيها فى الملكوت الأعلى ، " فاخرج انك من الصاغرين "
فاخرج انك من الذليلين الحقيرين معاملة له بنقيض قصده ومكافأة لمراده بضده ،"
قال أنظرنى الى يوم يبعثون " استدرك ابليس وسأل من الله النظرة الى يوم الدين
أى أن يعطيه مهلة الى يوم الدين أى يوم القيامة يفعل ما يشاء من افساد البشر وغوايتهم ، "
قال انك من المنظرين " أجابه الله تعالى الى ما سأل لما له فى ذلك من الحكمة
والارادة والمشيئة التى لا تخالف ولا تمانع ولا معقب لحكمه .
قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم
صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن
شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين 16 - 17
" قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم " يخبر الله تعالى أنه لما أنظر ابليس الى يوم القيامة واستوثق ابليس بذلك أخذ فى المعاندة والتمرد فقال كما أغويتنى وقال أبن عباس كما أضللتنى وقال غيره كما أهلكتنى لأقعدن لعبادك من ذرية آدم هذا الذى أبعدتنى بسببه أى أقعد لهم فى كل مرصد لأغوينهم وأبعدهم عن طريق الحق وسبيل النجاة ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب اضلالك اياى ، قال مجاهد صراطك المستقيم يعنى الحق ، وعن سبرة بن أبى الفاكه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ان الشيطان قعد لأبن آدم بطرقه فقعد له بطريق الاسلام فقال أتسلمةتذر دينك ودين آبائك قال فعصاه وأسلم " قال " وقعد له بطريق الهجرة فقال " أتهاجر وتدع أرضك وسماءك ،وانما مثل المهاجر كالفرس فى الطول فعصاه وهلجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد وهوجهلد النفس والمال فقال تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال قال فعصاه وجاهد " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة " ، " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم " قال أبن عباس " ثم لآتينهم من بين أيديهم " أشككهم فى آخرتهم " ومن خلفهم " أرغبهم فى دنياهم ، " وعن أيمانهم " أشبه عليهم أمر دينهم ، " وعن شمائلهم " أشهى لهم المعاصى ، وعن أبن عباس أيضا أما من بين أيديهم فمن قبل دنياهم ، وأما من خلفهم فأمر آخرتهم ، وأما عن ايمانهم فمن قبل حسناتهم ، وأما عن شمائلهم فمن قبل سيئاتهم ، وعن قتادة قال أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم اليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها ، وعن شمائلهم زين لهم السيئلت والمعاصى ودعاهم اليها وأمرهم بها ، أتاك يا أبن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله ، وقال أبن عباس لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل من فوقهم وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لايبصرون ، وقال أبن جرير أن المراد جميع طرق الخير والشر ، فالخيريصدهم عنه ، والشر يحسنه لهم ،" ولا تجد أكثرهم شاكرين " قال أبن عباس أى لاتجد أكثرهم موحدين وقول ابليس هذا انما هو ظن منه وتوهم وقد وافق هذا الواقع كما قال تعالى " ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها فى شك وربك على كل شىء حفيظ"وورد فى الحديث الاستعاذة من تسلط الشيطان على الانسان من جهاته كلها ، فعن أبن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : " اللهم انى أسألك العفو والعافية فى دينى ودنياى وأهلى ومالى ، اللهم استر عوراتى وآمن روعاتى واحفظنى من بين يدى ومن خلفىوعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى ، وأعوذبك الله أن أغتال من تحتى " .
قال اخرج منها مذءوما مدحورا
لمن تبعك منهم لأمللأن جهنم منكم أجمعين 18
" قال اخرج منها مذءوما مدحورا
" أكد الله تعالى اللعنة والطرد على ابليس والابعاد والنفى عن محل الملأ الأعلى
قال أبن جرير أما المذءوم فهو المعيب والذأم العيب يقال ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم
، والمدحور المقصى وهو المبعد المطرود ،وقال أبن عباس اخرج منها مذءوما مدحورا
مقيتا ، وقال السدى مقيتا مطرودا ، وقال قتادة لعينا مقيتا ، وقال مجاهد منفيا
مطرودا ،" لمن تبعك لأملئن جهنم منكم أجمعين " يتوعد الله ابليس وكل من
تبعه بدخول جهنم جميعا ، وهذا كقوله " قال اذهب فمن يبعك منهم فان جهنم
جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك
وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا * ان عبادى ليس لك
عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " .
ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة
فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدى
لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا أن تكونا
ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين 19 -21
" ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين " أسكن الله آدم وزوجته حواء الجنة ينعمان بخيرها
الوفير وأباح لهما أن يأكلا من جميع ثمارها الا شجرة واحدة كما تقدم الحديث فى
سورة البقرة فعند ذلك حسدهما الشيطان الذى طرد من الجنة وسعى فى المكر والوسوسة
والخديعة ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباي الحسن ، " فوسوس لهما
الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة
الا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " تدخلا الشيطان بحسده وحقده وتدخل
بوسوسته الخبيثة التى هدفت الى اظهار ما نهاهما ربهما عنه من ما يؤدى الى ظهور
السوءات اى العورات التى تظهر بعد الأكل من
الشجرةالتى نهاهما ربهما عن الأكل منها التى بعد أن أكلا منها كما ذكر
فىسورة البقرة أدت الى النتائج السيئة من بروز العورات ويتسبب الأكل منها فى حدوث
الغائط والجنة مكان ليس فيه هذا فكان الهبوط من الجنة ، فكذب ابليس اللعين بخصوص
هذه الشجرة وقال لهما أن الله قد نهاهما عن الأكل من هذه الشجرة ائلا يكونا ملكين
أو خالدين فى الجنة ولو أنهما أكلا منها لحصل لهما ذلك أى يصبحا ملكين ويكتب لهما
الخلود فى الجنة وليس الطرد منها كما طردهومن قبل ، وهذا كقوله " قال يا آدم
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى " ، "وقاسمهما انى لكما لمن
الناصحين " وحلف لهما الشيطان بالله الذى يصدقا عند الحلف به أنه من قبلهما
فى هذا المكان وأعلم به حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله ، وقال قتادة فى الآية
حلف بالله انى خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعان أرشدكما وكان بعض أهل العلم
يقول من خدعنا بالله انخدعنا له .
فدلهما بغرور فلما ذاقا الشجرة
بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم انهكما عن
تلكما الشجرة وأقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين 22 - 23
" فدلهما
بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما " خدع الشيطان آدم وحواء بما قال
لهما فأكلا من الشجرة التى نهاهما ربهما عنها فظهرت عورتهما ، وعن أبى بن كعب رضى
الله عنه قال :" كان آدم رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع
فيما وقع فيه من الخطيئة بدت له عورته عن ذلك " ، وعن أبن عباس قال كانت الشجرة
التى نهى عنها آدم وزوجته السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما وكان الذى وارى
عنهما من سوآتهما أظفارهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين يلزقان
بعضه الى بعض فانطلق آدم عليه السلام موليا فى الجنة فعلقت برأسه شجرة من الجنة
فناداه الله ياآدم أمنى تفر ؟ قال لا ولكنى استحيتك يارب قال أما كان لك فيما
منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك قال بلى يارب ولكن وعزتك ما حسبت
أن أحدا يحلف بك كاذبا قال وهو قول الله عز وجل " وقاسمهما انى لكما لمن
الناصحين " قال فبعزتى لأهبطنك الى الأرض ثم لا تنال العيش الا كدا قال فاهبط
من الجنة وكانا يأكلان منها رغدا فاهبط الى غير رغد من طعام وشراب فعلم صنعة
الحديد وأمر بالحرث فحرث وزرع ثم سقى حتى اذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم
خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منهما شاء الله أن يبلغ ، " وطفقا يخصفان
عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما ان
الشيطان لكما عدو مبين " قال أبن عباس طفقا يخصفان عليهما من ورق التين ،
وقال مجاهد جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة كهيئة الثوب ،وقال وهب بن منبه فى
قوله ينزع عنهما لباسهما كلن لباس آدم وحواء نورا على فروجهما لايرى هذا عورة هذه
ولا هذه عورة هذا فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما " رواه أبن جرير
بلسند صحيح ، وعن أبن عباس قال لما أكل آدم من الشجرة قيل له لم أكلت من الشجرة
التى نهيتك عنها قال حواء أمرتنى قال فانى قد أعقبتها أن لا تحمل الا كرها ولا تضع
الا كرها قال فرنت عند ذلك حواء فقيل لها الرنة عليك وعلى ولديك ، " قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر
لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " قال الضحاك بن مزاحم هذه هى الكلمات التى
تلقاها آدم من ربه فتاب عليه أقر بذنبه الى الله وطلب منه رحمته بالمغفرة له حتى
لايخسر آخرته .
قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو
ولكم فى الأرض مستقر ومتاع الى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون 24
- 25
"
قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو "قيل المراد بالخطاب آدم وحواء وابليس والحية
ومنهم من لم يذكر الحية والعمدة فى العداوة آدم وابليس أمرهم الله بالهبوط الى
الأرض ولهذا قال تعالى فى سورة طه " اهبطا منها جميعا " وحواء تبع لآدم والحية ان كان ذكرها صحيحا فهى تبع
لابليس ، وقد ذكر المفسرون الأماكن التى هبط فيها كل منهم ويرجع حاصل تلك الأخبار
الى الاسرائيليات والله أعلم بصحتها ولو كان فى تعيين تلك البقاع فائدة تعود على
المكلفين فى أمر دينهم أودنياهم لذكرها الله تعالى فى كتابه أوبلغ وحيا رسوله صلى
الله عليه وسلم ،" ولكم فى الأرض مستقر ومتاع الى حين " ولكم فى الأرض
قرار وأعمار مضروبة الى آجال معلومة قد جرى بها القلم وأحصاها القدر وسطرت فى
الكتاب الأول ، وقال أبن عباس "مستقر" القبور مستقر فوق الأرض وتحتها ،
" قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " يخبر تعالى أنه جعل الأرض
دارا لبنى آدم مدة الحياة فيها محياهم وفيها مماتهم وقبورهم ومنها نشورهم ليوم
القيامة الذى يجمع الله فيه الأولين والآخرين ويجازى كل بعمله ، كقوله تعالى
" منها خلقناكم وفيه نعيدك ومنها نخرجكم تارة أخرى " .
يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم
لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون 26
"
يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا " يمن الله تعالى على
عباده بما جعل لهم من اللباس والريش فاللباس ستر العورات وهى السوآت والرياش
والريش ما يتجمل به ظاهرا فالأول من الضروريات والريش من التكملات والزيادات ، وقال
أبن جرير الرياش فى كلام العرب الأثاث وما ظهر من الثياب ، وقال أبن عباس الرياش
اللباس والعيش والنعيم ،وعن أبى مطر أنه رأى عليا رضى الله عنه أتى غلاما حدثا
فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين الى الكعبين يقول حين لبسه
" الحمد لله الذى رزقنى من الرياش ما أتجمل به فى الناس وأوارى به عورتى
" فقيل هذا شىء ترويه عن نفسك أوعن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "
هذا شىء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكسوة : " الحمد
لله الذى رزقنى من الرياش ما أتجمل به فى الناس وأوارى به عورتى " رواه
الامام أحمد ، " ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " عن
عروة بن الزبير قال لباس التقوى خشية الله ، وقال قتادة وغيره لباس التقوى الايمان
، وقال أبن عباس العمل الصالح أى أن لباس التقوى هو الخير كله ، هذا من فضل الله
عليكم أن جعل لكم ذلك والدليل على نعمته ، كل ذلك حتى يذكرون ولا ينسون ولا يلههم
شىء عن فضل وذكر الله ونعمه عليهم .
يا بنى آدم لايفتننكم الشيطان
كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما انه يراكم هو
وقبيله من حيث ترونهم انا جعلنا الشياطين أولياء للذين لايؤمنون 27
" يا بنى آدم لايفتننكم الشيطان كما أخرج
أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما " يحذر تعالى بنى آدم
من ابليس وقبيله مبينا عداوته القديمة لأبى البشر آدم عليه السلام فى سعيه فى
اخراجه من الجنة التى هى دار النعيم الى دار التعب والعناء والتسبب فى هتك عورته
بعد ما كانت مستورة عنه وما هذا الا عن عداوة أكيدة ، " انه يراكم هو وقبيله
من حيث لاترونهم " الشيطان يوسوس الى الانسان ولهذا قال الله عنه "
الوسواس الخناس * الذى يوسوس فى صدور الناس " ابليس له أبناؤه الذين يمشون
بالفساد فى الأرض وهم محجوبون عن الانسان ، " انا جعلنا الشياطين أولياء
للذين لا يؤمنون " الذين لايؤمنون أو الكفار والمشركون وليهم الشياطين
يوسوسون اليهم ويتبعوهم ويوحون اليهم بافعالهم .
واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا
عليها آباءنا والله أمرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما
لاتعلمون * قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين
كما بدأكم تعودون * فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين
أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون 28 - 30
"
واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها أباءنا والله أمرنا بها" قال مجاهد كان
المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على
قبلها النسعة أو الشىء فأنزل الله الآية ، كانت العرب ما عدا قريشا لايطوفون
بالبيت فى ثيابهم التى لبسوها يتأولون فى ذلك أنهم لايطوفون فى ثياب عصوا الله
فيها وكانت قريش وهم الحمس يطوفون فى ثيابهم ومن أعاره أحمسى ثوبا طاف فيه ومن معه
ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ، ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره
أحمسى ثوبا طاف عريانا وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ليستره
بعض الستر فتقول
اليوم يبدو بعضه أوكله وما بدا
منه فلا أحله
وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند الى أمر من الله وشرع فأنكر الله تعالى عليهم ذلك ، " قل ان الله لايأمر بالفحشاء " هذا الذى تصنعونه فاحشة منكرة والله لايأمر بمثل ذلك ،" أتقولون على الله مالاتعلمون "أتسندون الى الله من الأقوال ما لاتعلمون صحته ، " قل أمر ربى بالقسط " قل لهم يا محمد أن الله أمر بالعدل والاستقامة ، " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين " يأمر الله بالاستقامة فى عبادته فى محالها وهى متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله وما جاءوا به من الشرائع وبالاخلاص له فى عبادته فانه تعالى لايتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صوابا موافقا للشريعة وأن يكون خالصا من الشرك ، " كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريق حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون " " كما بدأكم تعودون " أختلف فى المعنى فقال مجاهد يحييكم بعد موتكم ، وقال الحسن البصرى كما بدأكم فى الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء ، وقال قتادة بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم ذهبوا ثم يعيدهم ، وعن أبن عباس قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : " يا أيها الناس انكم تحشرون الى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين " ، وقال مجاهد فى "كما بدأكم تعودون " يبعث المسلم مسلما والكافر كافرا ، قال السدى كما خلقناكم فريق مهتدون وفريق ضلال كذلك تعودون وقال أبن عباس ان الله تعالى بدأخلق أبن آدم مؤمنا وكافرا :ما قال " هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا ، ويتأكد هذا القول بحدبث أبن مسعود فى صحيح البخارى " فو الذى لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة " ، وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وانه من أهل النار ، وانه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وهو من أهل الجنة وانما الأعمال بالخواتيم " ، وعنجابر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تبعث كل نفس على ما كانت عليه " ، وهذا كقوله " هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ، وفى الصحيحين " فأما منكان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة " ولهذا قال تعالى " فريفق هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " ثم علل ذلك فقال " انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله " .
يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا
واشربوا ولا تسرفوا انه لايحب المسرفين
31
" يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " هذه الآية رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف باليت عراة الرجال والنساء الرجال بالنهار والنساء بالليل ، قال أبن عباس كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة والزينة اللباس وهو ما يوارى السوأة وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد وقد قال أكثر من واحد من السلف فى تفسيرها أنها نزلت فى طواف المشركين بالبيت عراة ، ولهذه الآية وما ورد فى معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة ولاسيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام السنة ، ومن أفضل اللباس البياض ،عن أبن عباس مرفوعا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البسوا من ثيابكم البياض فانها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم وان خير أكحالكم الأثمد فانه يجلو البصر وينبت الشعر " ، وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بثيلب البياض فالبسوها فانها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم " ، " وكلواواشربوا ولا تسرفوا "أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله ونهى عن الاسراف فى الطعام والشراب ، قال بعض السلف جمع الله الطب كاه فى نصف آية ، وقال أبن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فان الله يحب أن يرى نعمته على عبده " ، وعن المقدام بنمعد يكرب العبدى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فان كان فاعلا لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " ، وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت " ، وقال السدى كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرمون عليهم الودك ما أقاموا فى الموسم فقال الله تعالى لهم " كلوا واشربوا " ، " انه لا يحب المسرفين " ينهى الله عن الاسراف وأن الله لايحب المسرفين لأن الاسراف تبديد لنعمة الله التى أنعمها وتحرم الناس من الاستفادة بالنعمة وبخاصة الفقراء منهم الذين لا يجدون قوتهم .
قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق
قل هى للذين آآمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم
يعلمون 32
"قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق " يقول الله تعالى ردا على من حرم شيئا من المآكل أو المشارب أو الملابس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم هذا النهى عن التحريم بالأهواء للطيبات التى شرعها الله ، " قل هى للذين آ منوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " هىمخلوقة لمن آمن بالله وعبده فى الحياة الدنيا وان شركهم فيها الكفار حبا فى الدنيا فهى لهم خاصة يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد من الكفار فان الجنة محرمة علي الكافرين ، وعن أبن عباس قال كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة ويصفقون فأنزل الله " قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده " فأمروا بالثياب " , " كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون " كذلك نوضح ونبين آيات الله لمن يريد أن يعلم ويفقه من الناس .
قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم
والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما
لا تعلمون 33
" قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن " قل لهم يا محمد ان الله حرم الفواحش الظاهرة التى فى العلن والباطنة التى فى الخفاء ولا يعلمها الناس ، وعن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب اليه المدح من الله " ، وتقدم الكلام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن فى سورة الأنعام ، " والاثم والبغى بغير الحق " قال السدى أما الاثم فالمعصية والبغى أن تبغى على الناس بغير الحق وقال مجاهد الاثم المعاصى كلها والبغى هو التعدى الى الناس فحرم الله هذا ، " وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا "أى أن تجعلوا لله شركاء فى عبادته باهوائكم ، " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " حرم الله الافتراء والكذب من دعوى أن له ولددا ونحو ذلك مما لا علم لكم به ،وهذا كقوله " فاجتنبوا الرجس من الاوثان" .
ولكل أمة أجل فاذا جآء أجلهم لايستأخرون ساعة
ولايستقدمون * يابنى آدم اما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى فمن اتقى وأصلح
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون 34 - 36
" ولكل أمة أجل " لكل قرن وجيل ميقات مقدر لهم ، " فاذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون " اذا انتهى ميقاتهم المقدر لهم لايمكن أن يتأخر ولا يمكن أن يتقدم انتهت حياتهم الى الموت والفناء ، " يابنى آدم اما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى " أنذر الله تعالى بنى آدم أنه سيبعث اليهم رسلا يقصون عليهم آياته وبشر وحذر ، " فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون " من اتقى الله وترك المحرمات وفعل الطاعات لاخوف عليهم من دخول النار والعاقبة الحسنة لهم ولاهم يحزنون على ما تركوا فى الدنيا فالآخرة خير وابقى ، " والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " الذين كذبوا ما ارسلنا به رسلنا من الآيات استكبارا واعراضا عنها جزاءهم النار خالدين فيها مخلدين ما كثون فيها مكثا مخلدا .
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك
ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى اذا جآءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون
من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كافرين 37
"
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أوكذب بآياته " لا أحد أظلم ممن افترى
الكذب على الله أو كذب بآياته المنزلة على رسله ، " أولئك ينالهم نصيبهم من
الكتاب " اختلف المفسرون فى معناها فقال العوفى ينالهم ما كتب لمن كذب على
الله أن وجهه مسود ، وعن أبن عباس يقول نصيبهم من الأعمال من عمل خيرا جزى به ومن
عمل شرا جزى به ، وقال مجاهد ما وعدوا به من خير وشر ، " أولئك ينالهم نصيبهم
من الكتاب " قال محمد بن كعب القرظى عمله ورزقه وعمره ، " حتى اذا
جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا
على أنفسهم أنهم كافرين " يخبر تعالى أن الملائكة اذا توفت المشركين تفزعهم
عند الموت وقبض أرواحهم الى النار يقولون لهم أين الذين كنتم تشركون بهم فى الحياة
الديا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله أدعوهم يخلصونكم مما أنتم فيه قالو "
ضلوا عنا " أى ذهبوا عنا فلا نرجوا نفعهم ولا خيرهم ، " وشهدوا على
أنفسهم أنهم كافرين " أقروا واعترفوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله ،
وهذا كقوله " ان الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون متاع فى الدنيا ثم
الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون " ، وكقوله "
ومن كفر فلا يحزنك كفره الينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ان الله عليم بذات الصدور
يمتعهم قليلا " .
قال ادخلوا فى أمم قد خلت من قبلكم من الجن والانس فى
النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى اذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم
ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لاتعلمون * وقالت
أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون 38 - 39
" قال ادخلوا فى أمم قد خلت من قبلكم من الجن والانس فى النار " يقول الله مخبرا لهؤلاء المشركين به المفترين عليه المكذبين بآياته ادخلوا فى جهنم مثل أمم من أمثالكم وعلى صفاتكم من الأمم السالفة الكافرةويحتمل أن يكون فى أمم مع أمم من الجن والانس ، " كلما دخلت أمة لعنت أختها " الكافرون يلعن بعضهم بعضا ويتلاومون ويلقى بعضهم على بعض مسؤلية الكفر والضلال ويتهم بعضهم البعض أنه هو الذى أضل الآخر ، وهذا كقوله " يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " ، وكقوله " اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " ، " حتى اذا اداركوا فيها جميعا " حتى اذا اجتمعوا فيها كلهم فى النار ، " قالت أخراهم لأولاهم " قالت أخراهم دخولا وهم الأتباع لأولاهم وهم المتبوعون الأشد جرما من أتباعهم فدخلوا فبلهم فيشكوهم الأتباع الى الله يوم القيامة لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل فيقولون " ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار " يقولون ربنا أضعف عليهم العقوبة فى النارلأنهم هم الذين أضلونا فاتبعناهم ، وهذا كقوله " يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب " ، " قال لكل ضعف " يقول الله تعالى ردا عليهم قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه ، وهذا كقوله " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا " ، وكقوله " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " ، وكقوله" ومن أوزار الذين يضلونهم بغيرعلم " ، " وقالت أولاهم لأخراهم " قال المتبعون لللأتباع ، " فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون " فقد ضللتم كما ضللنا فسيكون جزاءكم العذاب مثلنا بما فعلتم من آثام وكفر بالله ورسله وآياته .
ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لاتفتح لهم أبواب
السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط * وكذلك نجزى المجرمين * لهم
من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين 40 - 41
" ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط " يتوعد الله الذين كذبوا ما أنزل على رسله وأعرضوا عنها واستكبروا من الكفار والمشركين وغيرهم لايرفع لهم الى السماء عمل صالح ولا دعاء ، وعن أبن عباس قال لاتفتح لأرواحهم أبواب السماء ، وعن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح االفاجر وأنه يصعد بها الى السماء فيصعدون بها فلا تمر على ملأ من الملائكة الا قالوا ما هذه الروح الخبيثة فيقولون فلان بأقبح أسمائه التى كان يدعى بها فى الدنيا حتى ينتهوا بها الى السماء فيستفتحون بابها له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاتفتح لهم أبواب السماء " وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه ، وعن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة رجل من الأنصار فانتهينا الى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير وفى يده عود ينكث به فى الأرض فرفع رأسه فقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثا - ثم قال : " ان العبد المؤمن اذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال الى الآخرة نزل اليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس المطمئنة اخرجى الى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فى السقاء فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها فى ذلك الكفن وفى ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة الا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون فلان أبن فلان بأحسن أسمائه التى كانوا يسمونه بها فى الدنيا حتى ينتهوا به الى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التى تليها حتى ينتهى بها الى السماء السابعةفيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدى فى عليين وأعيدوه الى الأرض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربى الله فيقولان له ما دينك فيقول دينى الاسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذى بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما عملك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا الى الجنة فيأتيه من روحها ( طيبها ) ويفسح له فى قبره مد البصر ،وياتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذى يسرك هذا يومك الذى كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجىء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب اقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع الى أهلى ومالى ،وان الكافر اذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الآخرة نزل اليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول يا أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى سخط الله وغضب فتفرق فى جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفةعين حتى يجعلوها فى تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها ملأ من الملائكة الا قالوا ما هذه الروح الخبيثة فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التى كان يسمى بها فى الدنيا حتى ينتهى بها الى السماء فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاتفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط "فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحا ثم قرأ " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق " فتعاد روحه فى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه ها هلا أدرى ، فيقولان ما دينك فيقول هاه هاه لا أدرى ، فيقولان ما هذا الرجل الذى بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدرى فينادى مناد من السماء أن كذب عبدى فأفرشوه فى النار وافتحوا له بابا الى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذى يسوءك هذا يومك الذى كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجىء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة " ، " ولايدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط " لايدخلون الجنة أبدا وهذا مستحيل استحالة أن يدخل البعير فى خرق الابرة ، " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش " تحيط بهم نيران جهنم وعذابها كمن تحتهم الفرش ومن فوقهم اللحف وان جهنم لمحيطة بالكافرين ، " وكذلك نجزى الظالمين " هذا العذاب فى جهنم جزاء لهم على حيادهم عن طريق الله وكفرهم المبين
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لانكلف نفسا الا وسعها
أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم
الأنهار وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله لقد
جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون 42 - 43
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا الا وسعها " لما ذكر الله تعالى حال الأشقياء عطف بذكر حال السعداء الذين آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم وينبهه تعالى على أن الايمان به سهل لانه قال " لانكلف نفسا الا وسعها " تعمل من العمل ما تطيق وما هو فى مقدورك ولا تحمل نفسك ما لا تطيق والله واسع الرحمة والمغفرة ، " أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " المؤمنون الذين يعملون الصالحات على قدر استطاعتهم جزاءهم الجنة خالدين مخلدين فيها هى مثواهم الأبدى ، " ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الأنهار" قال السدى ان أهل الجنة اذا سيقوا الى الجنة وجدوا عند بابها شجرة فى أصل ساقها عينان فشربوا من احداهما فينزع ما فى صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعده أبدا ، يدخلون الجنة التى تجرى من تحتها الأنهار ، وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم فى الدنيا حتى اذا هذبواونقوا أذن لهم فى دخول لجنة ، والذى نفسى بيده ان أحدهم بمنزله فى الجنة أدل منه بمسكنه كان فى الدنيا " ، " وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله " يحمد المؤمنون الله على ما هم فيه فهو الذى هداهم الى الايمان فى الدنيا الذى أدخلهم الجنة ويرجعون الفضل فى الهدى الى الله ، " لقد جاءت رسل ربنا بالحق " يقر المؤمنون أن ما جاء به الرسل واتبعوه هو الحق بعد أن رأوا ما وعدوا به من الجنة قد تحقق ، " ونودوا ان تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " بسبب أعمالكم الصالحة نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أهل الجنة يرى مقعده من النارفيقول لولا أن الله هدانى فيكون له شكرا وكل أهل النار يرى مقعده من الجنق فيقول " لو أن الله هدانى فيكون له حسرة " ، وثبت فى الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة " قالوا ولا أنت يا رسول الله " قال ولا أنا الا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل " .
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا
ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على
الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون 44- 45
" ونادى أصحاب الجنة أصحاب
النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم "
يخبر الله تعالى بما يخاطب به أهل النار على وجه التقريع والتوبيخ اذا استقروا فى
منازلهم من أهل الجنة الذين يقولون لهم لقد وجدنا ماوعدنا ربنا فى الجنة حقا فهل
وجدتم ما وعد ربكم حقا فى النار قالوا نعم ، هذا كقوله فى سورة الصافات عن الذى
كان له قرين من الكفار " فاطلع فرآه فى سواء الجحيم * قال تالله ان كدت
لتردين * ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين الا موتتنا الأولى
وما نحن بمعذبين " ينكر عليه مقالته التى يقولها فى الدنيا ويقرعه بما صار
اليه من العذاب والنكال ،، وكذلك يقرعهم الملائكة يقولون لهم " هذه النار
التى كنتم بها تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم لاتبصرون * اصلوها فاصبروا أولاتصبروا
سواء عليكم انما تجزون ما كنتم تعملون " ، وكذلك قرع رسول الله صلى الله عليه
وسلم قتلى القليب يوم بدر فنادى :" يا أبا جهل بن هشام ويا عتبة بن ربيعة -
وسمى رءوسهم - هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى وجدت ما وعدنى ربى حقا " ، وقال
عمر يا رسول الله تخاطب قوما قد جيفوا فقال : " والذى نفسى بيده ما أنتم
بأسمع لما أقول منهم ولكن لايستطيعون أن يجيبوا " ، " فأذن مؤذن بينهم أن
لعنة الله على الظالمين " أعلم معلم ونادى مناد أن لعنة الله مستقرة على أولئك
الذين حادوا عن الهدى وكفروا بالله ، " الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها
عوجا وهم بالآخرة كافرون" وصف المنادى هؤلاء أنهم يصدون الناس عن اتباع سبيل
الله وشرعه وما جاءت به الأنبياء ويبغون أن يكون السبيل معوجة غير مستقيمة حتى لا
يتبعها أحد وهم بلقاء الله فى الدارالآخرة كافرون أى جاحدون مكذبون بذلك لايصدقونه
ولا يؤمنون به فلهذا لا يبالون بما يأتون من منكر من القول والعمل لأنهم لايخافون
حسابا عليه ،ولا عقابا فهم شرالناس أقوالا وأفعالا .
وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم
ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * واذا صرفت أبصارهم
تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين 47
" وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم " لما ذكر الله تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار نبه أن بين الجنة والنار حجابا وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار الى الجنة ، قال أبن جرير هو السور الذى قال الله تعالى " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " وهو الأعراف الذى قال تعالى " وعلى الأعراف رجال " ، وروى عن السدى أنه قال فى قوله تعالى " وبينهما حجاب " هو السور وهو الأعراف ، وقال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار سور له باب ، وقال أبن جرير الأعراف جمع عرف وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفا ، وانما قيل لعرف الديك عرفا لارتفاعه ، وقال أبن عباس الأعراف هو الشىء المشرف ، وكذلك قال الأعراف سور كعرف الديك ، وقال الأعراف جمع : تل بين الجنة والنار حبس عليه من اهل الذنوب بين الجنة والنار ، وفى رواية عنه هو سور بين الجنة والنار ، واختلفت عبارات المفسرين فى أصحاب الأعراف من هم وكلها قريبة ترجع الى معنى واحد وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، وعن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته فقال : " أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون " ، وعن رجل من مزينة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته وعن أصحاب الأعراف فقال : " انهم قوم خرجوا عصاة بغير اذن آبائهم فقتلوا فى سبيل الله " ، وقال أبن مسعود يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدةدخل الجنة ، ومن كانت سبئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ قول الله " فمن ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية * ومن خفت موازينه فأمه هاوية " ثم قال الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنةوأهل النار فاذا نظروا الى أهل الجنة نادوا سلام عليكم واذا صرفوا أبصارهم الى يسارهم نظروا أهل النار " قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " تعوذوا بالله من منازلهم فأما أصحاب الحسنات فانهم يعطون نورا يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ويعطى كل عبد يومئذ نورا وكل أمة نورا فاذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة فلما رأى أهل الجنة ما لقى المنافقون قالوا " ربنا أتمم لنا نورنا " وأما أصحاب الاعراف فان النور كان بأيديهم فلم ينزع فهنالك يقول الله تعالى " لم يدخلوها وهم يطمعون " فكان الطمع دخولا كما ورد فى الآية "يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون " ، وعن أبى مجلز فى قوله تعالى " وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم " قال هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار قال ونادوا أصحاب الجنة سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * واذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين *ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة " فيقال حين يدخل أهل الجنة الجنة " ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون " ، " يعرفون كلا بسيماهم " قيل هم أنبياء وقيل ملائكة وعن أبن عباس قال يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه وأهل النار بسواد الوجوه ، أنزلهم الله تلك المنزلة ليعرفوا فى الجنة والناروليعرفوا أهل النار بسواد ويتعوذا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين ، وهم فى ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها وهم داخلوها ان شاء الله ، وتلا الحسن هذه الآية " لم يدخلوها وهم يطمعون " قال والله ما جعل ذلك الطمع فى قلوبهم الا لكرامة يريدها بهم ، وقوله "واذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " قال أبن عباس ان أصحاب الأعراف اذا نظروا الى أهل النار وعرفوهم قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ، وقال السدى واذا مروا بهم يعنى بأصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها الى النار قالوا " ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " ،وقال عكرمة توجه وجوههم للنار فاذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فى قوله " واذا صرفت أبصارهم تلقاء اصحاب النار " فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مزرقة " قالوا ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين " .
ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالواما
أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لاينالهم الله برحمة
ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون 48 - 49
" ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم
"يقول الله تعالى عن تقريع أهل الأعراف لرجال من صناديد المشركين وقادتهم
يعرفونهم فى النار بسيماهم ، " قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم
تستكبرون" يقولون لهم لاينفعكم كثرتكم ولا جموعكم من عذاب الله بل صرتم الى
ما أنتم عليه من العذاب والنكال ، " اهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله
برحمة " قال أبن عباس يعنى أصحاب الأعراف لما قالوا لأهل الجنة والنار ما قضى
الله أن يقولوا قال الله لأهل التكبر والأموال هؤلاء من أقسمت أنهم خارجون من رحمة
الله ، " ادخلوا الجنة لاخوف عليكم ولا أنتم تحزنون " هؤلاء الذين
أقسموا أنهم لايدخلون الجنة يدخلهم الله الجنة بدون خوف ولا ندم على ما تركوه فى
الدنيا فالله أدخلهم خير منها الجنة ، " قال حذيفة ان أصحاب الأعراف قوم
تكاثفت أعمالهم فقصرت بهمحسناتهم عن الجنة وقصرت بهم سيئاتهم عن النار فجعلوا على
الأعراف يعرفون الناس بسيماهم فلما قضى الله بين العباد أذن لهم فى طلب الشفاعة
فيطلبون الشفاعة من الرسل والأنبياء حتى يأتوا الى الرسول صلى الله عليه وسلم وحديث
الشفاعة طويل ومنه هذا الجزء يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتونى فأضرب
بيدى على صدرى ثم أقول أنا لها ثم أمشى حتى أقف بين يدى العرش فآتى ربى عز وجل
فيفتح لى من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قط ثم أسجد فيقال لى يا محمد ارفع
رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فارفع رأسى ثم أثنى على ربى عز وجل ثم أخر ساجدا فيقال
لى ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسى فأقول ربى أمتى فيقول هم لك فلا يبقى
نبى مرسل ولا ملكمقرب الا غبطنى بذلك المقام وهو المقام المحمود فآتى بهم الجنة
فأستفتح فيفتح لى ولهم فيذهب بهم الى نهر يقال له نهر الحيوان حافتاه قصب مكلل
باللؤلؤ ترابه المسك وحصباؤه الياقوت فيغتسلون منه فتعود اليهم ألوان أهل الجنة
وريح أهل الجنة فيصيرون كأنهم الكواكب الدرية ويبقى فى صدورهم شامات بيض يعرفون
بها يقال مساكين أهل الجنة .
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة
أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا ان الله حرمهما على الكافرين *
الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم
كما نسوا لقاء يومهم هذا و
ماكانوا بآياتنا يجحدون 50 - 51
" ونادى أصحاب النار
أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا ان الله حرمهما على
الكافرين" تخبر الله عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم
وأنهم لا يجابون الى ذلك ، ، وعن سعيد بنجبير قال ينادى الرجل أباه أو أخاه فيقول
له قد احترقت فأفض على من الماء فيقولون أجيبوهم فيقولون " ان الله حرمهما
على الكافرين " طعام الجنة وشرابها محرم على الكافرين ، وعن أبى موسى الصفار
قال سألت أبن عباس أو سئل أى الصدقة أفضل ؟ فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " أفضل الصدقة الماء " ألم تسمع الى أهل النار لما استغاثوا بأهل
الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ، وعن أبى صالح قال
لما مرض أبو طالب قالوا له : " لو أرسلت الى ابن أخيك فيرسل اليك بعنقود من
الجنة لعله أن يشفيك به " فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبى صلى الله عليه
وسلم فقال أبو بكر : " ان الله حرمهما على الكافرين " ، " الذين
اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا " ثم وصف تعالى الكافرين بما
كانوا يعتمدونه فى الدنيا باتخاذهم الدين لهوا ولعبا واغترارهم بالدنيا وزينتها
وزخرفها عما أمروا به من العمل للآخرة ، " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم
هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون " يعاملهم الله معاملة من نسيهم لأنه تعالى لا
يشذ عن علمه شىء ولا ينساه قال أبن عباس نسيهم الله من الخير ولم ينسهم من الشر
وقال نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا ، وقال مجاهد نتركهم فى النار ، وقال السدى
نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا ، وهذا كقوله " فى
كتاب لايضل ربى ولا ينسى " وقال تعالى هذا من باب المقابلة كقوله " نسوا
الله فنسيهم " ، وكما قال " كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى
" ، وفى الصحيح أن الله يقول للعبد يوم القيامة ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم
أسخر لك الخيل والابل وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول بلى فيقول أظننت أنك ملاقى ؟ فيقول
لا فيقول الله تعالى فاليوم انساك كما نسيتنى " .
ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على
علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين
نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا
لنا أو نرد فنعمل غير الذى كنا
نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون 52 - 53
" ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون " يقول الله تعالى مخبرا عن اعذاره الى المشركين والكفار بارسال الرسل اليهم بالكتاب الذى جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه كتاب مفصل مبين وفى اتباعه هدى ورحمة لكل من يؤمن به أنه تنزيل من الله وبما أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلموأوحى اليه من السنة ، وهذا كقوله " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت " ، وكقوله " فصلناه على علم للعالمين " ، يخبر الله سبحانه وتعالى ما يصير عليه المشركين والكفار من الخسارة فى الآخرة وقد أزاح عنهم عللهم فى الدنيا بارسال الرسل وانزال الكتب كقوله " وما كنا نعذبين حتى نبعث رسولا " ، " هل ينظرون الا تأويله " يوبخ الله الكافرين لعدم ايمانهم فهل ينتظرون تفسير ما قد فصله الله وينتظروا ما وعدوا من العذاب والنكال والجنة والنار ، وقال الربيع لايزال يجىء من تاويله أمر حتى يتم يوم الحساب حتى يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيتم تأويله يومئذ ، " يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من أى تركوا العمل به وتناسوه فى الدنيا قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق " يوم يتم تاويله يوم الحساب يكون قد فات أوان العمل وجاء يوم الحساب ، هنا يستدركون وتصيبهم الحسرة والندامة على عدم الايمان به وبما جاء به الرسل من الحق ، " فهل لنامن شفعاء فيشفعوا لنا " يبحثون عن أولياء وشفعاء عند الله يخلصونهم مما صاروا فيه وينقذونهم من عذاب جهنم ويشفعوا لهم كفرهم وشركهم وجهلهم ،" أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل " يتمنون الرد الى الدنيا مرة أخرى فيعملون الصالحات ويؤمنوا بما انزل الله على رسله ، وهذا كقوله " ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكونمن المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون "" قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها وقد ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله فلا يشفعون فيهم ولا ينصرونهم ولا ينقذونهم مما هم فيه .
ان ربكم الله الذى خلق السموات
والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس
والقمر والنجوم مسخرات ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين 54
" ان ربكم الله الذى خلق السموات والأرض فى ستة
أيام " يخبر الله تعالى أنه خالق العالم سمواته وأرضه وما بين ذلك فى ستة
أيام كما أخبر بذلك فى غير ما آية من القرآن والسنة واختلف فى الأيام هل كل يوم
منها كهذه الأيام على الأرض كما هو المتبادر الى الأذهان أو كل يوم كألف سنة
" وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " ، " ثم استوى على العرش"
للناس فى هذا المقال مقالات كثيرة جدا
وانما نسلك فى هذا المقام مذهب السلف الصالح وهو امرارها كماجاءت من غير تكييف ولا
تشبيه ولا تعطيل والظاهر المتبادر الى أذهان المشبهين منفى عن الله فان الله
لايشبهه شىء من خلقه وليس كمثله شىء ، " وهو السميع البصير "بل الأمر
كما قال الأئمة من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر
وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات
الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذى يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى
النقائص فقد سلك سبيل الهدى ، " يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا " لايفوته
بوقت يتأخر عنه بل هو فى أثره بلا واسطة بينهما ، من آيات الله فى الكون يذهب ظلام
الليل بضياء النهار وكل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا أى سريعا لا يتأخر عنه بل اذا
ذهب هذا جاء هذا وعكسه ، هذا كقوله " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم
مظلمون * والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم *والقمر قدرناه منازل
حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا اليل سابق النهار
وكل فى فلك يسبحون " ، " والشمس والقمر والنجوم مسخرات " الجميع
تحت قهره وتسخيره ومشيئته ،" ألا له الخلق والأمر " اى له الملك والتصرف
فى كل الأمور ،" تبارك الله رب العالمين " هذا حمد لله وتسبيح له واعلاء
من شأنه فهو الخالق العظيم اله الكون وهذا كقوله " تبارك الذى جعل فى السماء
بروجا " ، وعن عبد العزيز الشامى عن أبيه وكان له صحبة قال قال رسول الله صلى
الله عاليه وسلم ك" من لم يحمد الله
على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله ، ومن زعم أن الله جعل للعباد
من الأمر شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله " ألا له الخلق
والأمر تبارك الله رب العالمين " ، وفى الدعاء المأثور عن أبى الدرداء وروى
مرفوعا " اللهم لك الملك كله ولك الحمد كله واليك يرجع كله أسالك من الخير
كله وأعوذ بك من ا لشر كله " .
ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه
لايحب المعتدبن * ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا ان رحمة الله
قريب من المحسنين 55 - 56
" ادعوا ربكم تضرعا وخفية " أرشد الله تبارك وتعالى عباده الى دعائه الذى هو صلاحهم فى دنياهم وأخراهم قيل تذللا واستكانة ، وقال أبن جرير تضرعا تذللا واستكانة لطاعته وخفية بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيتة وربوبيته فيما بينكم وبينه لا جهر مراءاة كقوله" واذكر ربك فى نفسك " ، وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال رفع الناس أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس اربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون أصم ولا غائبا ان الذى تدعون سميع قريب " ، وقال أبن جريج يكره رفع الصوت والنداء والصياح فى الدعاء ويؤمر بالتضرع والاستكانة ، " انه لايحب المعتدين " قال أبن عباس ان الله لايحب المعتدين فى الدعاء وفى غيره والاعتداء هو الخروج عن الخط المستقيم وتجاوز الحد وسلب حقوق الآخرين ، وقال أحمد أن سعدا سمع ابنا له يدعو وهو يقول اللهم انى أسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ونحوا من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت به من شر كثير وانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " انه سيكون قوم يعتدون فى الدعاء " وفى لفظ " يعتدون فى الطهور والدعاء " ، " ولاتفسدوا فى الأرض بعد اصلاحهاوادعوه خوفا وطمعا " ينهى تعالى عن الافساد فى الأرض وما أضره بعد الاصلاح ، فانه اذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الافساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد فنهى تعالى عن ذلك وأمر بعبادته ودعائه والتضرع اليه والتذلل لديه فقال " وادعوه خوفا وطمعا " خوفا مما عنده من ويل العقاب وطمعا فيما عنده من جزيل الثواب ، " ان رحمة الله قريب من المحسنين " ان رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره ،كقوله " ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون " وقال قريب ولم يقل قريبة لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب أو لأنها مضافة الى الله فلهذا قال قريب من المحسنين ، وقال مطر الوراق استنجزوا موعود الله بطاعته فانه قضى أن رحمته قريب من المحسنين .
وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين
يدى رحمته حتى اذا أقلت سحلبا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به
من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لملكم تذكرون * والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه
والذى خبث لا يخرج الا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون 57 - 58
" وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته " ذكر تعالى أنه خالق السموات والأرض وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر لما فيها ومن آياته يرسل الرياح المحملة بالسحاب يستبشر الناس بها فيسقط المطر كما قال " ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات " ، " بين يدى رحمته " أى بين يدى المطر كما قال" وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولى الحميد " ، " حتى اذا أقلت سحابا سقالا " حملت الرياح سحابا ثقالا أى من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة ،" سقناه لبلد ميت " أى يساق الى أرض مجدبة لا نبات فيها ، كقوله " وآية لهم الأرض الميتة أحييناها "" فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى " كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها نحيى الأجساد بعد صيرورتها رميما ، يوم القيامة ينزل الله سبحانه وتعالى ماء من السماء فتمطر الأرض أربعين يوما فتنبت منه الأجساد فى قبورها كما ينبت الحب فى الأرض وهذا المعنى كثير فى القرآن يضرب الله مثلا ليوم القيامة باحياء الأرض بعد موتها ولهذا قال " لعلكم تذكرون " ، " والبلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه " والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعا حسنا ، " والذى خبث لا يخرج الا نكدا " الأرض التى فيها عدم صلاح الملوثة اذا سقط عليه المطر تنبت زرعا مؤذيا أو لاتنبت ، قال أبن عباس هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ،وعن أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل ما بعثنى الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه الدين ونفعه ما بعثنى به الله به فعلم وعمل ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به " رواه مسلم والنسائى .
لقد أرسلنا نوحا الى قومه فقال
يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره انى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملأ من
قومه انا لنراك فى ضلال مبين * قال يا قوم ليس بى ضلالة ولكنى رسول من رب العالمين
* أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لاتعلمون 59 - 62
" لقد أرسلنا نوحا الى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره انى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم"لما ذكر الله تعالى قصة آدم فى أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه شرع تعالى فى ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام الأول فالأول فابتدأ بذكر نوح عليه السلام ، فانه أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام ، قال محمد بن اسحاق لم يلق نبى من قومه الأذى مثل نوح الا نبى قتل ، وقال يزيد الرقاشى انما سمىنوح لكثرة ما ناح على نفسه ، وقد كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام ، وقال أبنعباس وغير واحد من علماء التفسير كان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور ، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين : ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ، فلما تفاقم الأمر بعث الله رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له فقال " ياقوم اعبدوا الله ما لكم من أله غيره انى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أخشى عليكم من عذاب يوم القيامة اذا لقيتم الله وأنتم مشركون به ، " قال الملأ من قومه " أى الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم ، " انا لنراك فى ضلال مبين " فى دعوتك ايانا الى ترك عبادة هذه الأصنام التى وجدنا آباءنا عليها ، وهكذا حال الفجار انما يرون الأبرار فى ضلالة كقوله " واذا رأوهم قالوا ان هؤلاء لضالون " ، " قال يا قوم ليس بى ضلالة ولكنى رسول من رب العالمين " ما أنا ضال ولكن رسول من رب العالمين رب كل شىء ومليكه ، " أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون " هذا شأن الرسول أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما بالله لايدرك الرسل أحد من خلق الله فى هذه الصفات ،كما جاء فى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم عرفة وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعا : " أيها الناس انكم مسئولون عنى فما أنتم قائلون ؟ " قالوا : " نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت " فجعل يرفع أصبعه الى السماء وينكسه ويقول : " اللهم اشهد اللهم اشهد " .
أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم
على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون * فكذبوه
فأنجيناه والذين معه فى الفلك
وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا انهم كانوا قوما عمين 63 - 64
" أوعجبتم أن جاءكم ذكر
من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون " لا تعجبوا من هذا فان
هذا ليس بعجب أن يوحى الله الى رجل منكم رحمة بكم ولطفا واحسانا اليكم لينذركم
ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به فتصيبكم الرحمة من الله ، " فكذبوه فأنجيناه
والذين آمنوا معه فى الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا " تمادوا فى تكذيبه
ومخالفته وما آمن معه منهم الا قليل وأنجى الله رسوله والمؤمنين وأهلك أعداءهم من
الكافرين أهلك الله قوم نوح بالغرق ونجى نوح وأصحابه المؤمنين ، " انهم قوما
عمين " يقول الله انهم قوما بعيدين عن الحق لايبصرونه ولا يهتدون له فبين
تعالى فى هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه وأنجى رسوله والمؤمنين وأهلك
أعداءهم من الكافرين .
والى عاد أخاهم هودا قال يا
قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره أفلا تتقون * قال الملأ الذين كفروا من قومه
انا لنراك فى سفاهة وانا لنظنك من الكاذبين * قال يا قوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول
من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربى وأنا لكن ناصح أمين * أو عجبتم أن جاءكم ذكر
من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا اذ حعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى
الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون 65 - 69
" والى عاد أخاهم هود قال
ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره أفلا تتقون " وكما ارسلنا الى قوم نوح
نوحا كذلك أرسلنا الى عاد أخاهم هود ، قال محمد بن اسحاق قوم هود هم ولد عاد بن
ارم بن عوص بن سام بن نوح وهم عاد الأولى الذين كانوا يأوون الى العمد فى البر كما
قال تعالى " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * ارم ذات العماد * التى لم يخلق مثلها
فى البلاد " وذكرهم الله وذكر شدة بأسهم وقوتهم كما قال تعالى " فأما
عاد فاستكبروا فى الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذى
خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " ، وقد كانت مساكنهم باليمن
بالأحقاف وهى جبال الرمل بين عمان وحضرموت ، وكانوا قد فشوا فى الأرض وقهروا أهلها
بفضل قوتهم التى آتاهم الله وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله فبعث الله
اليهم هودا عليه السلام وهم من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا ،وهود عليه السلام دفن
هناك وقد كان من أشرف قومه نسبا لأن الرسل انما يبعثهم الله من أفضل القبائل
وأشرفهم ، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه آله غيره وأن يكفوا عن ظلم الناس
فأبوا عليه وكذبوه ولكن قومه كما شدد خلقهم شدد على قلوبهم وكانوا من أشد الأمم
تكذيبا للحق ولهذا دعاهم هود عليه السلام الى عبادة الله وحده لا شريك لهوالى
طاعته ، " قال الملأ الذين كفروا من قومه انا لنراك فى سفاهة وانا لنظنك من
الكاذبين " قال الملأ الذين كفروا من قومه له انا نراك فى سفاهة أى نقصان عقل
وفى ضلالة حيث تدعونا الى ترك عبادة الأصنام والاقبال على عبادة الله وحده كما
تعجب الملأ من قريش من الدعوة الى اله واحد فقالوا " أجعل الآلهة الها واحدا
" ، " قال يا قوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين " لست
كما تزعمون من أنى سفيه بل جئتكم بالحق من الله الذى خلق كل شىء فهو رب كل شىء ومليكه
، " أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين " جئت لأبلغم ما أرسلنى به
ربى اليكم وأبلغكم به والصفات التىذكرها هى التى يتصف بها الرسل البلاغ والنصح
والأمانة ، " أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم " لا
تعجبوا أن بعث الله اليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه بل احمدوا
الله على ذلك ، " واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " اذكروا نعمة
الله عليكم فى جعلكم من ذرية نوح الذى أهلك الله الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه ،
" وزادكم فى الخلق بسطة " زاد طولكم على الناس بسطة أى جعلكم أطول جنسكم
كقوله فى قصة طالوت وزاده بسطة فى العلم والجسم ، " اذكروا آلاء الله لعلكم
تفلحون " اذكروا نعمة الله ومنته عليكم لعل الفلاح يصيبكم فى حياتكم الدنيا
والآخرة .
قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده
ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين * قال قد وقع عليكم
من ربكم رجس وغضب أتجادلوننى فى أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من
سلطان فانتظروا انى معكم من المنتظرين * فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا
دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين 70 - 72
" قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ونذر مل كان يعبد آباؤنا" يخبر الله تعالى عن تمرد قوم هود وطغيانهم وعنادهم وانكارهم على هود عليه السلام مندعوته اليهم ليعبدوا الله وحده وترك عبادة الأصنام ، وذكر محمد بن اسحاق وغيره أنهم كانوا يعبدون أصناما - صنم يقال له صدا وآخر يقال له صمودا وآخر يقال له الهنا ، " فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين " تحدوه كعادة الكفار والمشركين أن ينزل عليهم العذاب الذى وعدهم ان يقع عليهم ليثبت صدقه ، فرد عليهم بقوله " قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب " قد وقع عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس قيل هو مقلوب من رجز وقال أبن عباس معناه سخط وغضب ، " أتجادلوننى فى آسماء سميتموها أنت وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان " أتحاجونى فى هذه الأصنام التى سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهى لا تضر ولا تنفع ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلا ، " فانتظروا انى معكم من المنتظرين " هذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه بوقوع العذاب عليهم من ربهم ما عليهم الا أن ينتظروا وهو كذلك معهم منتظر وما هى الا مسألة وقت والعذاب واقع لامحالة ، " فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين "أنجى الله رسوله ومن اتبعه من المؤمنين برحمته بهم وأنزل على المشركين العذاب فقطع دابرهم أى أفناهم من الوجود جزاءا اتكذيبهم ما أرسل به هود رسوله اليهم ، وقد ذكر الله سبحانه صفة اهلاكهم فى أماكن آخرى فى القرآن بأن أرسل عليهم الريح العقيم ما تذر من شىء الا جعلته كالرميم ، كما قال " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية " .
والى ثمود أخاهم صالحا قال يا
قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية
فذروها تأكل فى أرض الله ولاتمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم * واذكروا اذ جعلكم
خلفآء من بعد عاد وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا
فاذكروا آلاء الله ولاتعثوا فى الأرض مفسدين * قال الملأ الذين استكبروا من قومه
للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا انا بما أرسل به
مؤمنون * قال الذين استكبروا انا بالذى آمنتم به كافرون * فعقروا الناقة وعتواعن
أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين * فأخذتهم الرجفة
فأصبحوا فى دارهم جاثمين 72 - 78
" والى ثمود أخاهم صالحا " وارسل الله الى قبيلة ثمود صالحا عليه السلام ، وكانت ثمود بعد عاد ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام الى وادى القرى وما حوله ، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم وهوذاهب الى تبوك فى سنة تسع من الهجرة ، وعن أبن عمر قال نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التى كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا لها القدور فامرهم النبى صلى الله عليه وسلم فاهرقوا القدور وعلفوا العجين الابل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التى كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال : " انى أخشى أن يصيبكم مثل ما أصلبهم فلا تدخلوا عليهم " ، وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر : " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا أن تكونوا باكين فان لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم " ، " قال يا قوم اعبدوا الله ما لمن من اله غيره " دعاهم الى عبادة الله وحده فجميع الرسل يدعون الى عبادة الله وحده لاشريك له ،" قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم " قد جاءتكم حجة من الله على صدق ما جئتكم به ، وكانوا هم الذين سألوا صالحا أن يأتيهم بآية واقترحوا عايه بأن تخرج عليهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم وهى صخرة منفردة فى ناحية الحجر يقال لها الكاتبة فطلبوا منه أن تخرج لهم منها ناقة عشراء تمضخ فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله الى طلبهم ليؤمنن به وليتبعنه فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم قام صالح عليه السلام الى صلاته ودعا الله عو جل فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها كما سألوا فعند ذلك آمن رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره ، وأراد بقية ثمود أن يؤمنوا فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد وغيره من الذين يشرفون على عبادة الأصنام ، وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوما وتدعه لهم يوما وكانوا يشربون لبنها يوم شربها يحتلبونها فيملئون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم وحذرهم صالح عليه السلام ألا يمسوها بسوء فينزل عليهم عقاب الله الأليم ، " واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين "ذكرهم صالح عليه السلام بنعم الله عليهم فهم قد جاءوا من بعد عاد وكانوا قوما شدا وأسكنهم الله ورزقهم من رزقه فكانت لهم القصور وكانوا ينحتون الجبال ويتخذوا منها سكنهم الذى يحميهم الحر الشديد والبرد وهو حصن يحميهم طالبهم أن يتذكروا نعم الله عليهم وعدم اعاثة الفساد فى الأرض ، " قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم اتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا انا بما أرسل به مؤمنون " بالرغم مما أتاهم به رسول الله صالح عليه السلام بالبينة اشتد تكذيبهم له وبدأ الذين كانوا من أشد الناس كفرا يحرضون عليه باقى الناس ليكذبوه ويكذبوا رسالته وقد رفضوا ما دعوهم اليه واستمروا على ايمانهم به وكان قتل الناقة ليتخلصوا من هذه الآية التى أتت من عند الله دليلا على صدق رسالته ، وذكر الامام أبوجعفر بن جرير وغيره من علماء التفسير أن سبب قتل الناقة أن امرأة منهم يقال لها عنيزة أبنة غنم بن مجلزوتكنى أم عثمان كانت عجوزا كافرة وكانت من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود ، " قال الذين استكبروا انا بالذى آمنتم به كافرون " انقسم قوم صالح فمنهم من آمن ومنهم من كفر حول دعوته ولكن من رفض رسالته واستكبر هم من السادة فى قومهم وهم دائما من يكذب الرسل عند دعوتهم عاندوا واستكبروا كما استكبرت قريش وحاربت الرسول صلى الله عليه وسلم ، " فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين " حذرهم صالح عليه السلام من قتل الناقة ، كنت تسرح فى بعض الأودية ، وكانت تتضلع من الماء وكانت على ما ذكر خلقا هائلا ومنظرا رائعا اذا مرت بأنعامهم نفرت منها ، فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح عليه السلام عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم فرفضوا ما تعهدوا به حيث كلن لها يوم تشرب فيه وكان لهم يوم كما قال تعالى " ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر " وقال تعالى" هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم " فيقال انهم اتفقوا كلهم على قتلها ، قال قتادة بلغنى أن الذى قتلها طاف عليهم كلهم ، كانوا كلهم راضون بقتلها حتى على النساء فى خدورهن وعلى الصبيان وهذا هو الظاهر لقوله تعالى " فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها " وقال " فعقروا الناقة " اشتد ذلك على مجموع القبيلة فدل على رضى جميعهم بذلك ، لما فرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبر صالحا عليه السلام فجاءهم وهم مجتمعون بكى وقال " تمتعوا فى داركم ثلاثة أيام " وأمسى أولئك الرهط التسعة الذين ذكرهم القرآن " وكان فى المدينة تسعة رهط يفسدون فى الأرض ولا يصلحون " وكانوا رؤساء فى قومهم يعزمون على قتل صالح عليه السلام كما قتلوا الناقة وقالوا ان كان صادقا عجلناه قبلنا وان كان كاذبا ألحقناه بناقته كما قال تعالى " قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وانا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لايشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم " ، فلما عزموا على ذلك وتواطؤا عليه وجاؤا من الليل ليفتكوا بنبى الله فأرسل الله عليهم حجارة فرضختهم سلفا وتعجيلا قبل قومهم قبل الثلاثة أيام التى أمهل رسول الله قومه لوقوع العذاب والاهلاك بعدها ، جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم ففاضت الأرواح وزهقت النفوس فى ساعة واحدة " فأصبحوا فى دارهم جاثمين " صرعى لا أرواح فيهم ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى ولم يبقى من ذرية ثمود أحد سوى صالح عليه السلام ومن تبعه .
فتولى عنهم وقال يا قوم لقد
أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين 79
" فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين " هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم اياه وتمردهم على الله وابائهم عن قبول الحق واعراضهم عن الهدى الى العمى قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريع وتوبيخا وهم يسمعون ذلك ، كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل بدر أقام هناك ثلاثا ثم ثم أمر براحلته فشدت بعد ثلاث من آخر الليل فركبها ثم سار حتى وقف على القليب قليب بدر فجعل يقول :" يا أبا جهل بن هشام ، ياعتبة بن ربيعة ، يا شيبة بن ربيعة ، ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى وجدت ما وعدنى ربى حقا " فقال له عمر يارسول الله ما تكلم من أقوام قد جيفوا فقال : " والذى نفسى بيده ما أنت بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون " ، قال صالح عليه السلام لقومه بعد أن بعد عنهم بلغتكم رسالة ربى الذى أرسلنى بها وكنت لكم ناصحا فلم تنتفعوا بذلك لأنكم لا تحبون الحق ولا تتبعون ناصحا .
ولوطا اذ قال لقومه اتأتون
الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء
بل أنتم قوم مسرفون 80 - 81
"
ولوطا اذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين " واذكر
يا محمد لوط ، وهو ابن هارون بن آزر وهو ابن أخ ابراهيم الخليل عليهما السلام وكان
قد آمن مع ابراهيم عليه السلام وهاجر معه الى أرض الشام فبعثه الله الى أهل سدوم
وما حولها من القرى يدعوهم الى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر
وما يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التى اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بنى
آدم ولا غيرهم ، " انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون
" كانوا يأتون الذكوردون الاناث وهذا شىء لم يكن بنو آدم تعهده ولا نألفه ولا
يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سدوم ، عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن الى
الرجال وهو اسراف منكم وجهل لأنه وضع الشىء فى غير محله .
وما كان جواب قومه الا أن
قالوا أخرجوهم من قريتكم انهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله الا امرأته كانت من
الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين 83 - 84
"
وما كان جواب قومه الا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم انهم أناس يتطهرون " ما
أجاب قوم لوط على دعوتهم الا أن هموا باخراجه ونفيه ومن معه من بين أظهرهم فأخرجه
الله سالما وأهلكهم فى أرضهم صاغرين مهانين ،
"انهم أناس يتطهرون " قال مجاهد انهم أناس يتطهرون من أدبار
الرجال وأدبار النساء ولا يأتون الا ما أمرهم به الله ، " فأنجيناه وأهله الا
امرأته كانت من الغابرين " يقول تعالى فأنجينا لوطا وأهله ولم يؤمن به أحد
منهم سوى أهل بيته فقط كما قال تعالى " فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين *
فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " الا امرأته فانها لم تؤمن به ، بل كانت
على دين قومها تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه باشارات بينها وبينهم
، ولهذا لما أمر لوط عليه السلام ليسرى بأهله أمر أن لايعلمها ولا يخرجها من البلد
، ومنهم من يقول بل اتبعتهم فلما جاء العذاب التفتت هى فأصابها ما أصابهم والأظهر
أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم فكانت من الهالكين ،" وأمطرنا عليهم مطرا فانظركيف كان عاقبة المجرمين " أهلكهم الله بمطر
من الحجارة تهلكهم رجما كما فى الآية " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود
مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد " ، " فانظر كيف كان عاقبة المجرمين " انظر يا محمد كيف كان عاقبة من يجترىء
على معاصى الله عز وجل ويكذب رسله ، وقد ذهب الامام أبو حنيفة رحمه الله الى أن
اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط ، وذهب آخرون من العلماء الى
أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن فعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " من وجدنموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به
" ، وقال آخرون هو كالزانى فان كان محصنا رجم ، وان لم يكن محصنا جلد مائة
جلدة وهوالقول الآخر للشافعى ، وأما اتيان النساء فى الأدبار فهو اللوطية الصغرى
وهو حرام باجماع العلماء ، وقد نهى عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله
عليهوسلم وقد تقدم الكلام عنها فى سورة البقرة .
والى مدين أخاهم شعيبا قال يا
قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان
ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم
مؤمنين * ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا
واذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم وانظر كيف كان عاقبة المفسدين * وان كان طائفة منكم
آمنوا بالذى أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهوخير
الحاكمين 85 - 87
" والى مدين أخاهم شعيبا " أرسل الله الى مدين رسولا منهم هو شعيب عليه السلام ، قال محمد بن اسحاق هم من سلالة مدين بن ابرهيم وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر ، مدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة وهى التى بقرب معان من طريق الحجاز ، قال الله تعالى " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون " وهم أصحاب الأيكة ، " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم " هذه دعوة الرسل كلهم وهى عبادة الله سبحانه وتعالى لا اله غيره وهو رب العالمين وقد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به ، " فاوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين " وعظهم شعيب عليه السلام فى معاملتهم للناس بأن يوفوا المكيال والميزان ولا يبخسوا الناس أشياءهم أى لايخونوا الناس فى أموالهم ويأخذوها على وجه البخس وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسا كما قال تعالى " ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على النس يستوفون واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " وهذا تهديد ووعيد لمن يفعل ذلك ، " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون " ينهاهم شعيب عليه السلام عن قطع الطريق الحسى والمعنوى لا تتوعدون الناس بالقتل ان لم يعطوكم أموالهم ، " وتصدون عن سبيل الله من آمن وتبغونها عوجا " لا تتوعدوا المؤمنين الآتين الى شعيب ليتبعوه وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة خارجة عن طريق الحق المستقيم ،" واذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم " وكنتم مستضعفين لقلتكم فاصبحتم أعزة لكثرة عددكم فاذكروا نعمة الله عليكم فى ذلك ، " وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين " تأملوا واعتبروا من ما حدث للأمم الخالية والقرون الماضية وما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصى الله وتكذيب رسله ، " وان كان طائفة منكم آمنوا بالذى أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهوخير الحاكمين "وان كنتم قد اختلفتم على وعلى اتباعى فكانت طائفة مؤمنة بى وطائفة لم يؤمنوا فانتظروا فالله هو الذى يفصل بيننا ويحكم وهو الذى سيجعل العاقبة للمتقين والدمار على الكافرين بحكمه وحكمته .