Grammar American & British

Sunday, January 29, 2023

3- ) شخصيات من القرآن الكريم - ذو النون

 3-) شخصيات من القرآن الكريم 

من هو ذو النون

من هو ذو النون 

يقول -سبحانه وتعالى-: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً)،[١] قال المفسرون إن هذه الآية الكريمة جاءت لإخبارنا بقصة أحد الأنبياء -عليهم السلام- والمراد فيها هو نبي الله يونس -عليه السلام- وسُمي بذي النون؛ لابتلاع الحوت له فالنون هو الحوت.  وقد ورد في سورة القلم الإشارة إلى هذا المعنى، فيقول -سبحانه-: (وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ)،[٣] ورأى بعض المفسرين أنّ "ذو" فيها صيغة تشريف أعظم من كلمة "صاحب"؛ لأن الله -سبحانه- حين ذكره في موضع الثناء عبّر عنه "بـذي النون".[٤] قصة ذي النون بعث الله -سبحانه- نبيه يونس -عليه السلام- إلى أهل نينوى؛ لدعوتهم إلى عبادته وحده، وحتى يتركوا ما هم عليه من الوثنيّة والكفر، فرفضوا ذلك، وتمادوا في التكذيب، فخرج سيدنا يونس -عليه السلام- من بينهم غاضباً، منذراً لهم من وقوع عذاب أليم.[٥] ولما تحققوا من ذلك، وتيقنوا أنّ نبي الله يونس -عليه السلام- لم يكن يكذب، خرجوا بأطفالهم ونسائهم وأنعامهم؛ يتذللون إلى الله -عزوجل- بالدعاء ليرفع عنهم البلاء والعذاب، حتى استجاب الله -سبحانه- لهم، ونجاهم مما كانوا فيه.[٥] دعاء ذو النون في بطن الحوت  فلما خرج نبي الله -يونس عليه السلام- غاضباً من عند قومه، ركب بسفينة كانت تريد السفر، وسارت بهم، وبدأت الأمواج تضربهم من كلّ جانبٍ، فلما خافوا الغرق أقاموا قرعةً للتخلص من الحمولة الزائدة، ومن تقع عليه القرعة سيُلقى في البحر، فاقترعوا وكانت في كلّ مرةٍ تقع القرعة على سيدنا يونس -عليه السلام-، فألقى بنفسه في البحر.[٦] والتقمه حوتٌ قادم من قاع البحر، وأعماق الظلمات، فكان-عليه السلام- في جوفٍ مظلمٍ وبحرٍ أظلم كلها مجتمعة عليه، حينها دعا بدعاءٍ وسط كلّ هذا البلاء، فقال: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)،[٧] وهذا دعاءٌ عظيمٌ فيه تمجيدٌ لله -سبحانه-، واعترافٌ بوحدانيته، وتذللٌ إليه عما بدر من تقصير في حقه، وظلم الإنسان لنفسه.[٦] وهذا الدعاء إذا دُعي الله -سبحانه- به انفرجت الكروب، واستُجيب الدعاء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبْحانك إنِّي كُنتُ مِن الظَّالمينَ، لم يَدْعُ بها رجُلٌ مُسلمٌ في شَيءٍ قطُّ إلَّا اسْتُجِيبَ له)،[٨] وقد كُشف الله الغمة عن نبيه، وأخرجه من الظلمات ونجاه.[٦] توبة قوم ذي النون لما وقع العذاب في أهل نينوى بعد الوقت الذي أخبرهم به سيدنا يونس -عليه السلام- وهو ثلاثة أيام، أحاطهم ووقع فوق رؤوسهم كقطع الليل المُظلم، فبدأوا يبحثون عن نبيهم يونس -عليه السلام- وقد علموا صدق ما أنبأهم به، فلم يجدوه، ففكروا بأن يجتمعوا ويعلنوا التوبة إلى الله -سبحانه- فهو المُنّجي من العذاب.[٩] وخرجوا بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم وحيواناتهم، إلى تلٍ من التلال، وبدأوا بالتذلل إليه -سبحانه- وإظهار الندامة على فعلهم، وارتفعت أصواتهم بالنحيب والدعاء والرجاء، حتى استشفعت لهم الملائكة، فقبل الله منهم توبتهم، وآمن منهم عدد كبير،[٩] وقال الله -سبحانه- فيهم: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).[١٠] العبر المستفادة من قصة ذي النون يمكننا تلخيص العديد من الدروس والعبر المستفادة من هذه القصة العظيمة، نذكر بعضها فيما يأتي: الصبر على الابتلاء وعلى المحن العسيرة يجلب الرحمة والفرج الواسع. عاقبة التكذيب لأمر الله ووعده -سبحانه- وخيمةٌ. رحمة الله -سبحانه- بعباده وقبوله توبتهم. تقدير الله -سبحانه- كله خير. الأنبياء هم قدوات الناس، وقد عصمهم الله من الزلل بالفواحش، وعاتبهم على بعض المواقف، وهذا لا يقدح في صدق نبوتهم.

ذكر نبي الله يونس بن متى - عليه الصلاة والسلام - وهو الذي سماه الله ذا النون

- أخبرني أبو سعيد الأخمسي ، ثنا الحسين بن حميد ، ثنا مروان بن جعفر ، حدثني حميد بن معاذ ، حدثني مدرك بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن ذكوان ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن كعب - رضي الله عنه - قال : وكان يونس بن متى الذي سماه الله ذا النون ، فقال : ( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) . فاستجاب الله له فنجاه من الغم من ظلمات ثلاثة : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وبات على قومه وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا ، فمتعهم الله إلى آجالهم التي كتبها لهم ولم يهلكهم بالعذاب .

وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "؛ وذا النون معطوف على ما قبلها؛ وهي مفعول لفعل محذوف خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - تقديره: "اذكر "؛ أي: اذكر قصة ذي النون الذي غضب؛ وليس من شأن النبي الهادي أن يغضب؛ وقد عاقبه الله (تعالى) بضيق لتبرمه بقومه وغضبه عليهم لكفرهم؛ ولم يكن رفيقا بهم؛ يأخذهم بالهوادة؛ وذو النون هو يونس؛ صاحب الحوت؛ والحوت اسمه "النون "؛ "إذ ذهب مغاضبا "؛ "إذ "؛ متعلق بحال ذي النون؛ واذكر يونس في وقت ذهابه مغاضبا؛ أي متبادلا الغضب مع قومه؛ لأجل الله (تعالى)؛ لأنه دعاهم إلى الله وإلى التوحيد؛ فلم يستجيبوا له؛ فغاضبهم؛ وذهب عنهم معرضا؛ وذلك ليس شأن الداعي؛ إن المدعوين جهلاء؛ والداعي هو النبي فلا [ ص: 4909 ] يجوز أن يخاصمهم ويغاضبهم؛ وإلا زادهم نفورا؛ فالرفق يدني؛ والغضب يبعد؛ وهو بهذه المغاضبة خالف ربه؛ وقد حسب أن النبوة أمر هين لين؛ بل أشق أعمال البشر.

وقال (تعالى): فظن أن لن نقدر عليه هنا تأويلان لمعنى "أن لن نقدر عليه "؛ أولهما أن "نقدر "؛ في معنى فقدر عليه رزقه ؛ أي: نضيق عليه؛ فالمعنى: فظن أنه لن نضيق عليه؛ وحسب أن النبوة ليس فيها ضيق؛ وقد عاقبه الله (تعالى) بأن التقمه الحوت؛ فنادى في الظلمات أي: ظلمات جوف الحوت: أن لا إله إلا أنت سبحانك أي: تنزهت ذاتك؛ وفي هذا القول معنى الضراعة الكاملة؛ والالتجاء إلى الله وطلب نصرته؛ وإنقاذه؛ والاستغاثة به; ولذا قال - بعد -: "فاستجبنا له "؛ التأويل الثاني أن معنى قوله (تعالى): أن لن نقدر عليه أي: لا نقدر اليسر والفرج؛ وأحسب أن التأويل الأول أكثر ملاءمة للآية الكريمة؛ ولمقامه.

زهرة التفاسير » تفسير سور الأنبياء » تفسير قوله تعالى وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات

177 - حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا إبراهيم بن سليمان بن أبي داود البرنسي ، ثنا محمد بن عبيد الطنافسي ، ثنا يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، حدثني إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، حدثني والدي محمد ، عن أبيه سعد قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : " دعوة ذي النون التي دعا بها في بطن الحوت : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ، لم يدع بها مسلم في كربة إلا استجاب الله له " .

وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "؛ وذا النون معطوف على ما قبلها؛ وهي مفعول لفعل محذوف خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - تقديره: "اذكر "؛ أي: اذكر قصة ذي النون الذي غضب؛ وليس من شأن النبي الهادي أن يغضب؛ وقد عاقبه الله (تعالى) بضيق لتبرمه بقومه وغضبه عليهم لكفرهم؛ ولم يكن رفيقا بهم؛ يأخذهم بالهوادة؛ وذو النون هو يونس؛ صاحب الحوت؛ والحوت اسمه "النون "؛ "إذ ذهب مغاضبا "؛ "إذ "؛ متعلق بحال ذي النون؛ واذكر يونس في وقت ذهابه مغاضبا؛ أي متبادلا الغضب مع قومه؛ لأجل الله (تعالى)؛ لأنه دعاهم إلى الله وإلى التوحيد؛ فلم يستجيبوا له؛ فغاضبهم؛ وذهب عنهم معرضا؛ وذلك ليس شأن الداعي؛ إن المدعوين جهلاء؛ والداعي هو النبي فلا [ ص: 4909 ] يجوز أن يخاصمهم ويغاضبهم؛ وإلا زادهم نفورا؛ فالرفق يدني؛ والغضب يبعد؛ وهو بهذه المغاضبة خالف ربه؛ وقد حسب أن النبوة أمر هين لين؛ بل أشق أعمال البشر.

وقال (تعالى): فظن أن لن نقدر عليه هنا تأويلان لمعنى "أن لن نقدر عليه "؛ أولهما أن "نقدر "؛ في معنى فقدر عليه رزقه ؛ أي: نضيق عليه؛ فالمعنى: فظن أنه لن نضيق عليه؛ وحسب أن النبوة ليس فيها ضيق؛ وقد عاقبه الله (تعالى) بأن التقمه الحوت؛ فنادى في الظلمات أي: ظلمات جوف الحوت: أن لا إله إلا أنت سبحانك أي: تنزهت ذاتك؛ وفي هذا القول معنى الضراعة الكاملة؛ والالتجاء إلى الله وطلب نصرته؛ وإنقاذه؛ والاستغاثة به; ولذا قال - بعد -: "فاستجبنا له "؛ التأويل الثاني أن معنى قوله (تعالى): أن لن نقدر عليه أي: لا نقدر اليسر والفرج؛ وأحسب أن التأويل الأول أكثر ملاءمة للآية الكريمة؛ ولمقامه.

حدثني أبو بكر بن إسحاق من أصل كتابه ، ثنا علي بن الحسين بن الحميد ، ثنا المعافى بن سليمان ، ثنا فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن [ ص: 472 ] عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : " من قال : إني خير من يونس بن متى فقد كذب " .

 هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذا اللفظ ، إنما اتفقا على حديث أبي العالية ، عن ابن عباس : " لا ينبغي لأحد أن يقول : إني خير من يونس بن متى .

حدثنا علي بن حمشاذ العدل ، ثنا محمد بن غالب ، ثنا عفان بن مسلم ، وأبو سلمة قالا : ثنا حماد بن سلمة ، أنبأ داود بن أبي هند ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مر على ثنية ، فقال : " ما هذه ؟ " قالوا : ثنية كذا وكذا ، فقال : " كأني أنظر إلى يونس بن متى على ناقة خطامها ليف وعليه جبة من صوف وهو يقول : لبيك اللهم لبيك " .

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

مكث يونس في بطن الحوت أربعين يوما

- أخبرني أبو أحمد محمد بن إسحاق العدل ، ثنا أحمد بن نصر ، ثنا عمرو بن طلحة ، ثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، قال : " مكث يونس في بطن الحوت أربعين يوما .

أخبرني أبو بكر بن بالويه ، ثنا محمد بن شاذان ، ثنا سعيد بن سليمان ، ثنا أبو حمزة العطار ، قال : سمعت الحسن ، وسئل عن قول الله عز وجل : ( فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : كان يكثر الصلاة في الدجاء .

قوله تعالى: فلولا أنه كان من المسبحين فيه بيان فضل التسبيح والعمل في الرخاء.

الإكليل في استنباط التنزيل » تفسير سورة سورة الصافات

أخبرني أبو سعيد الأخمسي ، ثنا الحسين بن حميد ، ثنا عثمان بن [ ص: 473 ] محمد ، ثنا معاوية بن هشام ، ثنا شريك بن عبد الله ، عن مجالد ، عن الشعبي : أن يونس بن متى التقمه الحوت ضحى ولفظه عشية .

أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مغفل المزني ، ثنا أحمد بن نجدة القرشي ، ثنا يحيى بن عبد الحميد ، ثنا أبو خالد الأحمر ، عن كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : " من دعا بدعاء يونس الذي دعا به في بطن الحوت استجيب له " .

خبرنا أبو محمد الإسفرائيني ، ثنا محمد بن أحمد بن البراء ، ثنا عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب : أن يونس بن متى ، كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق ، فلما حملت عليه أثقال النبوة ، ولها أثقال لا يحملها إلا قليل فتفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل ، فقذفها من بدنه ، وخرج هاربا منها يقول عز وجل لنبيه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) و ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ) أي لا تلق أخرى كما ألقاه .

سجدة يونس في بطن الحوت

أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني ، ثنا جدي ، ثنا سنيد بن داود ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن عوف الأعرابي ، عن الحسن قال : لما وقع يونس في بطن الحوت ظن أنه الموت فحرك رجليه ، فإذا هي تتحرك فسجد ، وقال : يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع لم يسجد فيه أحد قط .

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ87 الأنبياء

تفسير بن كثير

هذه القصة مذكورة ههنا وفي الصافات وفي سورة ن، وذلك أن يونس بن متى عليه السلام بعثه اللّه إلى أهل نينوى، وهي قرية من أرض الموصل، فدعاهم إلى اللّه تعالى، فأبوا عليه، وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضباً لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، فلما تحققوا منه ذلك وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، ثم تضرعوا إلى اللّه عزّ وجلّ، وجأروا إليه فرفع اللّه عنهم العذاب، قال اللّه تعالى: { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} . وأما يونس عليه السلام فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة، فلججت بهم، وخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضاً، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضاً، قال اللّه تعالى: { فساهم فكان من المدحضين} ، فقام يونس عليه السلام وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل اللّه سبحانه حوتاً يشق البحار، حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى اللّه إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحماً ولا تهشم له عظماً، فإن يونس ليس لك رزقاً، وإنما بطنك تكون له سجناً، وقوله: { وذا النون} يعني الحوت صحت الإضافة إليه بهذه النسبة، وقوله: { إذ ذهب مغاضبا} قال الضحّاك لقومه: { فظن أن لن نقدر عليه} أي نضيّق هذا التفسير مروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهم واختاره ابن جرير واستشهد عليه بقوله تعالى: { ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه اللّه} أي ضيّق عليه في الرزق عليه في بطن الحوت، وقال عطية العوفي: أي نقضي عليه، فإن العرب تقول: قدر وقدّر بمعنى واحد. ومنه قوله تعالى: { فالتقى الماء على أمر قد قدر} أي قدّر، وقوله: { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت} قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره، فعند ذلك قال: { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وقيل: مكث في بطن الحوت أربعين يوماً، وقوله: { فاستجبنا له ونجيناه من الغم} أخرجناه من بطن الحوت وتلك الظلمات { وكذلك ننجي المؤمنين} أي إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين إلينا. وقال صلى اللّه عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} ، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء إلا استجاب له) ""هذا الحديث جزء من حديث طويل ذكره الإمام أحمد وورواه الترمذي والنسائي"". وفي الحديث: (من دعا بدعاء يونس استجيب له)، قال أبو سعيد يريد به { وكذلك ننجي المؤمنين} . وعن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (اسم اللّه الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى) قال، قلت: يا رسول اللّه هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: (هي ليونس بن متى خاصة، ولجماعة المؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول اللّه عزَّ وجلَّ: { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} ، فهو شرط من اللّه لمن دعاه به) ""أخرجه ابن جرير عن سعيد بن أبي وقاص مرفوعاً ورواه ابن أبي حاتم بمثله"".

تفسير الجلالين

{ و } اذكر { ذا النون } صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه { إذ ذهب مغاضباً } لقومه أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك { فظن أن لن نقدر عليه } أي نقضي عليه بما قضيناه من حبسه في بطن الحوت، أو نضيق عليه بذلك { فنادى في الظلمات } ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت { أن } أي بأن { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } في ذهابي من بين قومي بلا إذن .

تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَذَا النُّون إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد ذَا النُّون , يَعْنِي صَاحِب النُّون . وَالنُّون : الْحُوت . وَإِنَّمَا عَنَى بِذِي النُّون : يُونُس بْن مَتَّى , وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّته فِي سُورَة يُونُس بِمَا أَغْنَى عَنْ ذِكْره فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَقَوْله : { إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } يَقُول : حِين ذَهَبَ مُغَاضِبًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَهَابه مُغَاضِبًا , وَعَمَّنْ كَانَ ذَهَابه , وَعَلَى مَنْ كَانَ غَضَبه , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَهَابه عَنْ قَوْمه وَإِيَّاهُمْ غَاضِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18698 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَذَا النُّون إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } يَقُول : غَضِبَ عَلَى قَوْمه . 18699 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } أَمَّا غَضَبه فَكَانَ عَلَى قَوْمه . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَهَبَ عَنْ قَوْمه مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , إِذْ كَشَفَ عَنْهُمْ الْعَذَاب بَعْدَمَا وَعَدَهُمُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : وَذِكْر سَبَب مُغَاضَبَته رَبّه فِي قَوْلهمْ : 18700 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : بَعَثَهُ اللَّه - يَعْنِي يُونُس - إِلَى أَهْل قَرْيَته , فَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ وَامْتَنَعُوا مِنْهُ . فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : إِنِّي مُرْسِل عَلَيْهِمْ الْعَذَاب فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا , فَاخْرُجْ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ ! فَأَعْلَمَ قَوْمه الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه مِنْ عَذَابه إِيَّاهُمْ , فَقَالُوا : اُرْمُقُوهُ , فَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْن أَظْهُركُمْ فَهُوَ وَاَللَّه كَائِن مَا وَعَدَكُمْ . فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَة الَّتِي وُعِدُوا بِالْعَذَابِ فِي صُبْحهَا أَدْلَجَ وَرَآهُ الْقَوْم , فَخَرَجُوا مِنْ الْقَرْيَة إِلَى بَرَاز مِنْ أَرْضهمْ , وَفَرَّقُوا بَيْن كُلّ دَابَّة وَوَلَدهَا , ثُمَّ عَجُّوا إِلَى اللَّه , فَاسْتَقَالُوهُ , فَأَقَالَهُمْ , وَتَنَظَّرَ يُونُس الْخَبَر عَنْ الْقَرْيَة وَأَهْلهَا , حَتَّى مَرَّ بِهِ مَارّ , فَقَالَ : مَا فَعَلَ أَهْل الْقَرْيَة ؟ فَقَالَ : فَعَلُوا أَنَّ نَبِيّهمْ خَرَجَ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ , عَرَفُوا أَنَّهُ صَدَقَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ الْعَذَاب , فَخَرَجُوا مِنْ قَرْيَتهمْ إِلَى بَرَاز مِنْ الْأَرْض , ثُمَّ فَرَّقُوا بَيْن كُلّ ذَات وَلَد وَوَلَدهَا . وَعَجُّوا إِلَى اللَّه وَتَابُوا إِلَيْهِ . فَقَبِلَ مِنْهُمْ , وَأَخَّرَ عَنْهُمْ الْعَذَاب . قَالَ : فَقَالَ يُونُس عِنْد ذَلِكَ وَغَضِبَ : وَاَللَّه لَا أَرْجِع إِلَيْهِمْ كَذَّابًا أَبَدًا , وَعَدْتهمْ الْعَذَاب فِي يَوْم ثُمَّ رُدَّ عَنْهُمْ ! وَمَضَى عَلَى وَجْهه مُغَاضِبًا . 18701 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ يُونُس لَمَّا أَصَابَ الذَّنْب , اِنْطَلَقَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , وَاسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَان . 18702 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } قَالَ : مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ . 18703 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ; فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث اِبْن حُمَيْد , عَنْ سَلَمَة , وَزَادَ فِيهِ : قَالَ : فَخَرَجَ يُونُس يَنْظُر الْعَذَاب , فَلَمْ يَرَ شَيْئًا , قَالَ : جَرَّبُوا عَلَيَّ كَذِبًا ! فَذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ حَتَّى أَتَى الْبَحْر . 18704 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ رَبِيعَة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ , قَالَ : سَمِعْته يَقُول : إِنَّ يُونُس بْن مَتَّى كَانَ عَبْدًا صَالِحًا , وَكَانَ فِي خُلُقه ضِيق . فَلَمَّا حُمِلَتْ عَلَيْهِ أَثْقَال النُّبُوَّة , وَلَهَا أَثْقَال لَا يَحْمِلهَا إِلَّا قَلِيل , تَفَسَّخَ تَحْتهَا تَفَسُّخ الرُّبَع تَحْت الْحِمْل , فَقَذَفَهَا بَيْن يَدَيْهِ , وَخَرَجَ هَارِبًا مِنْهَا . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم مِنْ الرُّسُل } 46 35 { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّك وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت } 68 48 أَيْ لَا تُلْقِ أَمْرِي كَمَا أَلْقَاهُ . وَهَذَا الْقَوْل , أَعْنِي قَوْل مَنْ قَالَ : ذَهَبَ عَنْ قَوْمه مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } عَلَى ذَلِكَ . عَلَى أَنَّ الَّذِينَ وَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ , إِنَّمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ اِسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ أَنْ يُغَاضِب نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء رَبّه وَاسْتِعْظَامًا لَهُ . وَهُمْ بِقِيلِهِمْ أَنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ قَدْ دَخَلُوا فِي أَمْر أَعْظَم مَا أَنْكَرُوا , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا : ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ اِخْتَلَفُوا فِي سَبَب ذَهَابه كَذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ كَرَاهَة أَنْ يَكُون بَيْن قَوْم قَدْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْخُلْف فِيمَا وَعَدَهُمْ , وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ , وَلَمْ يَعْلَم السَّبَب الَّذِي دُفِعَ بِهِ عَنْهُمْ الْبَلَاء . وَقَالَ بَعْض مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل : كَانَ مِنْ أَخْلَاق قَوْمه الَّذِي فَارَقَهُمْ قَتْل مَنْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْكَذِب , عَسَى أَنْ يَقْتُلُوهُ مِنْ أَجْل أَنَّهُ وَعَدَهُمْ الْعَذَاب , فَلَمْ يَنْزِل بِهِمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ فِي سُوَره يُونُس , فَكَرِهْنَا إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِنَّمَا غَاضَبَ رَبّه مِنْ أَجْل أَنَّهُ أُمِرَ بِالْمَصِيرِ إِلَى قَوْم لِيُنْذِرهُمْ بَأْسه وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ , فَسَأَلَ رَبّه أَنْ يُنْظِرهُ لِيَتَأَهَّب لِلشُّخُوصِ إِلَيْهِمْ , فَقِيلَ لَهُ : الْأَمْر أَسْرَع مِنْ ذَلِكَ ; وَلَمْ يُنْظَر حَتَّى شَاءَ أَنْ يُنْظَر إِلَى أَنْ يَأْخُذ نَعْلًا لِيَلْبَسهَا , فَقِيلَ لَهُ نَحْو الْقَوْل الْأَوَّل . وَكَانَ رَجُلًا فِي خُلُقه ضِيق , فَقَالَ : أَعْجَلَنِي رَبِّي أَنْ آخُذ نَعْلًا فَذَهَبَ مُغَاضِبًا . وَمِمَّنْ ذُكِرَ هَذَا الْقَوْل عَنْهُ : الْحَسَن الْبَصْرِيّ . 18705 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي هِلَال , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ فِي وَاحِد مِنْ هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مِنْ وَصْف نَبِيّ اللَّه يُونُس صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ شَيْء إِلَّا وَهُوَ دُون مَا وَصَفَهُ بِمَا وَصَفَهُ الَّذِينَ قَالُوا : ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ ; لِأَنَّ ذَهَابه عَنْ قَوْمه مُغَاضِبًا لَهُمْ , وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِالْمَقَامِ بَيْن أَظْهُرهمْ , لِيُبَلِّغهُمْ رِسَالَته وَيُحَذِّرهُمْ بَأْسه وَعُقُوبَته عَلَى تَرْكهمْ الْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ لَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مَا فِيهِ . وَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ وَصَفُوهُ بِإِتْيَانِ الْخَطِيئَة , لَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِيُعَاقِبهُ الْعُقُوبَة الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابه وَيَصِفهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ بِهَا , فَيَقُول لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم } 68 48 وَيَقُول : { فَالْتَقَمَهُ الْحُوت وَهُوَ مُلِيم فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } . 37 142 : 144 وَقَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبهُ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ . مِنْ قَوْلهمْ قَدَرْت عَلَى فُلَان : إِذَا ضَيَّقْت عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقه فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّه } . 65 7 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18706 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول : ظَنَّ أَنْ لَنْ يَأْخُذهُ الْعَذَاب الَّذِي أَصَابَهُ . 18707 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول : ظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْضِي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بَلَاء فِيمَا صَنَعَ بِقَوْمِهِ فِي غَضَبه إِذْ غَضِبَ عَلَيْهِمْ وَفِرَاره . وَعُقُوبَته أَخْذ النُّون إِيَّاهُ . 18708 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبهُ بِذَنْبِهِ . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : ثَنِي شُعْبَة , عَنْ مُجَاهِد , وَلَمْ يَذْكُر فِيهِ الْحَكَم . 18709 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : يَقُول : ظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبهُ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْكَلْبِيّ : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَا : ظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْضِي عَلَيْهِ الْعُقُوبَة . 18710 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن . قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر } يَقُول : ظَنَّ أَنَّ اللَّه لَنْ يَقْضِي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بَلَاء فِي غَضَبه الَّذِي غَضِبَ عَلَى قَوْمه وَفِرَاقه إِيَّاهُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : الْبَلَاء الَّذِي أَصَابَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَظَنَّ أَنَّهُ يُعْجِز رَبّه فَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18711 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ يُونُس لَمَّا أَصَابَ الذَّنْب , اِنْطَلَقَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , وَاسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَان , حَتَّى ظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ . قَالَ : وَكَانَ لَهُ سَلَف وَعِبَادَة وَتَسْبِيح . فَأَبَى اللَّه أَنْ يَدْعُهُ لِلشَّيْطَانِ , فَأَخَذَهُ فَقَذَفَهُ فِي بَطْن الْحُوت , فَمَكَثَ فِي بَطْن الْحُوت أَرْبَعِينَ مِنْ بَيْن لَيْلَة وَيَوْم , فَأَمْسَكَ اللَّه نَفْسه , فَلَمْ يَقْتُلهُ هُنَاكَ . فَتَابَ إِلَى رَبّه فِي بَطْن الْحُوت , وَرَاجَعَ نَفْسه . قَالَ : فَقَالَ : { سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ : فَاسْتَخْرَجَهُ اللَّه مِنْ بَطْن الْحُوت بِرَحْمَتِهِ بِمَا كَانَ سَلَفَ مِنْ الْعِبَادَة وَالتَّسْبِيح , فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ . قَالَ عَوْف : وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ فِي دُعَائِهِ : وَبَنَيْت لَك مَسْجِدًا فِي مَكَان لَمْ يَبْنِهِ أَحَد قَبْلِي . 18712 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } وَكَانَ لَهُ سَلَف مِنْ عِبَادَة وَتَسْبِيح , فَتَدَارَكَهُ اللَّه بِهَا فَلَمْ يَدَعهُ لِلشَّيْطَانِ . 18713 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث , عَنْ إِيَاس بْن مُعَاوِيَة الْمَدَنِيّ , أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ عِنْده يُونُس , وَقَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول إِيَاس : فَلِمَ فَرَّ ؟ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام , وَإِنَّمَا تَأْوِيله : أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18714 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : هَذَا اِسْتِفْهَام . وَفِي قَوْله : { فَمَا تُغْنِي النُّذُر } 54 5 قَالَ : اِسْتِفْهَام أَيْضًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ : فَظَنَّ يُونُس أَنْ لَنْ نَحْبِسهُ وَنُضَيِّق عَلَيْهِ , عُقُوبَة لَهُ عَلَى مُغَاضَبَته رَبّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَة , لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُنْسَب إِلَى الْكُفْر وَقَدْ اِخْتَارَهُ لِنُبُوَّتِهِ , وَوَصَفَهُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ رَبّه يَعْجَز عَمَّا أَرَادَ بِهِ وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ , وَوَصَفَ لَهُ بِأَنَّهُ جَهِلَ قُدْرَة اللَّه , وَذَلِكَ وَصْف لَهُ بِالْكُفْرِ , وَغَيْر جَائِز لِأَحَدٍ وَصْفه بِذَلِكَ . وَأَمَّا مَا قَالَهُ اِبْن زَيْد , فَإِنَّهُ قَوْل لَوْ كَانَ فِي الْكَلَام دَلِيل عَلَى أَنَّهُ اِسْتِفْهَام حَسَن , وَلَكِنَّهُ لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَالْعَرَب لَا تَحْذِف مِنْ الْكَلَام شَيْئًا لَهُمْ إِلَيْهِ حَاجَة إِلَّا وَقَدْ أَبْقَتْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُرَاد فِي الْكَلَام , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الِاسْتِفْهَام كَمَا قَالَ اِبْن زَيْد , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ وَإِذْ فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ , صَحَّ الثَّالِث وَهُوَ مَا قُلْنَا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَذَا النُّون إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد ذَا النُّون , يَعْنِي صَاحِب النُّون . وَالنُّون : الْحُوت . وَإِنَّمَا عَنَى بِذِي النُّون : يُونُس بْن مَتَّى , وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّته فِي سُورَة يُونُس بِمَا أَغْنَى عَنْ ذِكْره فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَقَوْله : { إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } يَقُول : حِين ذَهَبَ مُغَاضِبًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَهَابه مُغَاضِبًا , وَعَمَّنْ كَانَ ذَهَابه , وَعَلَى مَنْ كَانَ غَضَبه , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَهَابه عَنْ قَوْمه وَإِيَّاهُمْ غَاضِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18698 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَذَا النُّون إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } يَقُول : غَضِبَ عَلَى قَوْمه . 18699 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } أَمَّا غَضَبه فَكَانَ عَلَى قَوْمه . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَهَبَ عَنْ قَوْمه مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , إِذْ كَشَفَ عَنْهُمْ الْعَذَاب بَعْدَمَا وَعَدَهُمُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : وَذِكْر سَبَب مُغَاضَبَته رَبّه فِي قَوْلهمْ : 18700 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : بَعَثَهُ اللَّه - يَعْنِي يُونُس - إِلَى أَهْل قَرْيَته , فَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ وَامْتَنَعُوا مِنْهُ . فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : إِنِّي مُرْسِل عَلَيْهِمْ الْعَذَاب فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا , فَاخْرُجْ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ ! فَأَعْلَمَ قَوْمه الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه مِنْ عَذَابه إِيَّاهُمْ , فَقَالُوا : اُرْمُقُوهُ , فَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْن أَظْهُركُمْ فَهُوَ وَاَللَّه كَائِن مَا وَعَدَكُمْ . فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَة الَّتِي وُعِدُوا بِالْعَذَابِ فِي صُبْحهَا أَدْلَجَ وَرَآهُ الْقَوْم , فَخَرَجُوا مِنْ الْقَرْيَة إِلَى بَرَاز مِنْ أَرْضهمْ , وَفَرَّقُوا بَيْن كُلّ دَابَّة وَوَلَدهَا , ثُمَّ عَجُّوا إِلَى اللَّه , فَاسْتَقَالُوهُ , فَأَقَالَهُمْ , وَتَنَظَّرَ يُونُس الْخَبَر عَنْ الْقَرْيَة وَأَهْلهَا , حَتَّى مَرَّ بِهِ مَارّ , فَقَالَ : مَا فَعَلَ أَهْل الْقَرْيَة ؟ فَقَالَ : فَعَلُوا أَنَّ نَبِيّهمْ خَرَجَ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ , عَرَفُوا أَنَّهُ صَدَقَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ الْعَذَاب , فَخَرَجُوا مِنْ قَرْيَتهمْ إِلَى بَرَاز مِنْ الْأَرْض , ثُمَّ فَرَّقُوا بَيْن كُلّ ذَات وَلَد وَوَلَدهَا . وَعَجُّوا إِلَى اللَّه وَتَابُوا إِلَيْهِ . فَقَبِلَ مِنْهُمْ , وَأَخَّرَ عَنْهُمْ الْعَذَاب . قَالَ : فَقَالَ يُونُس عِنْد ذَلِكَ وَغَضِبَ : وَاَللَّه لَا أَرْجِع إِلَيْهِمْ كَذَّابًا أَبَدًا , وَعَدْتهمْ الْعَذَاب فِي يَوْم ثُمَّ رُدَّ عَنْهُمْ ! وَمَضَى عَلَى وَجْهه مُغَاضِبًا . 18701 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ يُونُس لَمَّا أَصَابَ الذَّنْب , اِنْطَلَقَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , وَاسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَان . 18702 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } قَالَ : مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ . 18703 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ; فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث اِبْن حُمَيْد , عَنْ سَلَمَة , وَزَادَ فِيهِ : قَالَ : فَخَرَجَ يُونُس يَنْظُر الْعَذَاب , فَلَمْ يَرَ شَيْئًا , قَالَ : جَرَّبُوا عَلَيَّ كَذِبًا ! فَذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ حَتَّى أَتَى الْبَحْر . 18704 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ رَبِيعَة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ , قَالَ : سَمِعْته يَقُول : إِنَّ يُونُس بْن مَتَّى كَانَ عَبْدًا صَالِحًا , وَكَانَ فِي خُلُقه ضِيق . فَلَمَّا حُمِلَتْ عَلَيْهِ أَثْقَال النُّبُوَّة , وَلَهَا أَثْقَال لَا يَحْمِلهَا إِلَّا قَلِيل , تَفَسَّخَ تَحْتهَا تَفَسُّخ الرُّبَع تَحْت الْحِمْل , فَقَذَفَهَا بَيْن يَدَيْهِ , وَخَرَجَ هَارِبًا مِنْهَا . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم مِنْ الرُّسُل } 46 35 { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّك وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت } 68 48 أَيْ لَا تُلْقِ أَمْرِي كَمَا أَلْقَاهُ . وَهَذَا الْقَوْل , أَعْنِي قَوْل مَنْ قَالَ : ذَهَبَ عَنْ قَوْمه مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } عَلَى ذَلِكَ . عَلَى أَنَّ الَّذِينَ وَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ , إِنَّمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ اِسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ أَنْ يُغَاضِب نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء رَبّه وَاسْتِعْظَامًا لَهُ . وَهُمْ بِقِيلِهِمْ أَنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ قَدْ دَخَلُوا فِي أَمْر أَعْظَم مَا أَنْكَرُوا , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا : ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ اِخْتَلَفُوا فِي سَبَب ذَهَابه كَذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ كَرَاهَة أَنْ يَكُون بَيْن قَوْم قَدْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْخُلْف فِيمَا وَعَدَهُمْ , وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ , وَلَمْ يَعْلَم السَّبَب الَّذِي دُفِعَ بِهِ عَنْهُمْ الْبَلَاء . وَقَالَ بَعْض مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل : كَانَ مِنْ أَخْلَاق قَوْمه الَّذِي فَارَقَهُمْ قَتْل مَنْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْكَذِب , عَسَى أَنْ يَقْتُلُوهُ مِنْ أَجْل أَنَّهُ وَعَدَهُمْ الْعَذَاب , فَلَمْ يَنْزِل بِهِمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ فِي سُوَره يُونُس , فَكَرِهْنَا إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِنَّمَا غَاضَبَ رَبّه مِنْ أَجْل أَنَّهُ أُمِرَ بِالْمَصِيرِ إِلَى قَوْم لِيُنْذِرهُمْ بَأْسه وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ , فَسَأَلَ رَبّه أَنْ يُنْظِرهُ لِيَتَأَهَّب لِلشُّخُوصِ إِلَيْهِمْ , فَقِيلَ لَهُ : الْأَمْر أَسْرَع مِنْ ذَلِكَ ; وَلَمْ يُنْظَر حَتَّى شَاءَ أَنْ يُنْظَر إِلَى أَنْ يَأْخُذ نَعْلًا لِيَلْبَسهَا , فَقِيلَ لَهُ نَحْو الْقَوْل الْأَوَّل . وَكَانَ رَجُلًا فِي خُلُقه ضِيق , فَقَالَ : أَعْجَلَنِي رَبِّي أَنْ آخُذ نَعْلًا فَذَهَبَ مُغَاضِبًا . وَمِمَّنْ ذُكِرَ هَذَا الْقَوْل عَنْهُ : الْحَسَن الْبَصْرِيّ . 18705 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي هِلَال , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ فِي وَاحِد مِنْ هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مِنْ وَصْف نَبِيّ اللَّه يُونُس صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ شَيْء إِلَّا وَهُوَ دُون مَا وَصَفَهُ بِمَا وَصَفَهُ الَّذِينَ قَالُوا : ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ ; لِأَنَّ ذَهَابه عَنْ قَوْمه مُغَاضِبًا لَهُمْ , وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِالْمَقَامِ بَيْن أَظْهُرهمْ , لِيُبَلِّغهُمْ رِسَالَته وَيُحَذِّرهُمْ بَأْسه وَعُقُوبَته عَلَى تَرْكهمْ الْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ لَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مَا فِيهِ . وَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ وَصَفُوهُ بِإِتْيَانِ الْخَطِيئَة , لَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِيُعَاقِبهُ الْعُقُوبَة الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابه وَيَصِفهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ بِهَا , فَيَقُول لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم } 68 48 وَيَقُول : { فَالْتَقَمَهُ الْحُوت وَهُوَ مُلِيم فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } . 37 142 : 144 وَقَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبهُ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ . مِنْ قَوْلهمْ قَدَرْت عَلَى فُلَان : إِذَا ضَيَّقْت عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقه فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّه } . 65 7 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18706 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول : ظَنَّ أَنْ لَنْ يَأْخُذهُ الْعَذَاب الَّذِي أَصَابَهُ . 18707 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول : ظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْضِي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بَلَاء فِيمَا صَنَعَ بِقَوْمِهِ فِي غَضَبه إِذْ غَضِبَ عَلَيْهِمْ وَفِرَاره . وَعُقُوبَته أَخْذ النُّون إِيَّاهُ . 18708 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبهُ بِذَنْبِهِ . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : ثَنِي شُعْبَة , عَنْ مُجَاهِد , وَلَمْ يَذْكُر فِيهِ الْحَكَم . 18709 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : يَقُول : ظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبهُ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْكَلْبِيّ : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَا : ظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْضِي عَلَيْهِ الْعُقُوبَة . 18710 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن . قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر } يَقُول : ظَنَّ أَنَّ اللَّه لَنْ يَقْضِي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بَلَاء فِي غَضَبه الَّذِي غَضِبَ عَلَى قَوْمه وَفِرَاقه إِيَّاهُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : الْبَلَاء الَّذِي أَصَابَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَظَنَّ أَنَّهُ يُعْجِز رَبّه فَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18711 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ يُونُس لَمَّا أَصَابَ الذَّنْب , اِنْطَلَقَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , وَاسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَان , حَتَّى ظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ . قَالَ : وَكَانَ لَهُ سَلَف وَعِبَادَة وَتَسْبِيح . فَأَبَى اللَّه أَنْ يَدْعُهُ لِلشَّيْطَانِ , فَأَخَذَهُ فَقَذَفَهُ فِي بَطْن الْحُوت , فَمَكَثَ فِي بَطْن الْحُوت أَرْبَعِينَ مِنْ بَيْن لَيْلَة وَيَوْم , فَأَمْسَكَ اللَّه نَفْسه , فَلَمْ يَقْتُلهُ هُنَاكَ . فَتَابَ إِلَى رَبّه فِي بَطْن الْحُوت , وَرَاجَعَ نَفْسه . قَالَ : فَقَالَ : { سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ : فَاسْتَخْرَجَهُ اللَّه مِنْ بَطْن الْحُوت بِرَحْمَتِهِ بِمَا كَانَ سَلَفَ مِنْ الْعِبَادَة وَالتَّسْبِيح , فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ . قَالَ عَوْف : وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ فِي دُعَائِهِ : وَبَنَيْت لَك مَسْجِدًا فِي مَكَان لَمْ يَبْنِهِ أَحَد قَبْلِي . 18712 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } وَكَانَ لَهُ سَلَف مِنْ عِبَادَة وَتَسْبِيح , فَتَدَارَكَهُ اللَّه بِهَا فَلَمْ يَدَعهُ لِلشَّيْطَانِ . 18713 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث , عَنْ إِيَاس بْن مُعَاوِيَة الْمَدَنِيّ , أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ عِنْده يُونُس , وَقَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } يَقُول إِيَاس : فَلِمَ فَرَّ ؟ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام , وَإِنَّمَا تَأْوِيله : أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18714 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } قَالَ : هَذَا اِسْتِفْهَام . وَفِي قَوْله : { فَمَا تُغْنِي النُّذُر } 54 5 قَالَ : اِسْتِفْهَام أَيْضًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ : فَظَنَّ يُونُس أَنْ لَنْ نَحْبِسهُ وَنُضَيِّق عَلَيْهِ , عُقُوبَة لَهُ عَلَى مُغَاضَبَته رَبّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَة , لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُنْسَب إِلَى الْكُفْر وَقَدْ اِخْتَارَهُ لِنُبُوَّتِهِ , وَوَصَفَهُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ رَبّه يَعْجَز عَمَّا أَرَادَ بِهِ وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ , وَوَصَفَ لَهُ بِأَنَّهُ جَهِلَ قُدْرَة اللَّه , وَذَلِكَ وَصْف لَهُ بِالْكُفْرِ , وَغَيْر جَائِز لِأَحَدٍ وَصْفه بِذَلِكَ . وَأَمَّا مَا قَالَهُ اِبْن زَيْد , فَإِنَّهُ قَوْل لَوْ كَانَ فِي الْكَلَام دَلِيل عَلَى أَنَّهُ اِسْتِفْهَام حَسَن , وَلَكِنَّهُ لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَالْعَرَب لَا تَحْذِف مِنْ الْكَلَام شَيْئًا لَهُمْ إِلَيْهِ حَاجَة إِلَّا وَقَدْ أَبْقَتْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُرَاد فِي الْكَلَام , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْله : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ } دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الِاسْتِفْهَام كَمَا قَالَ اِبْن زَيْد , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ وَإِذْ فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ , صَحَّ الثَّالِث وَهُوَ مَا قُلْنَا .' وَقَوْله : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الظُّلُمَات , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18715 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة بَطْن الْحُوت , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة اللَّيْل . وَكَذَلِكَ قَالَ أَيْضًا اِبْن جُرَيْج . 18716 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَادَى فِي الظُّلُمَات : ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت { لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } . 18717 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم السُّلَمِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن رِفَاعَة , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت . 18718 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة بَطْن الْحُوت , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة اللَّيْل . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ نَادَى فِي ظُلْمَة جَوْف حُوت فِي جَوْف حُوت آخَر فِي الْبَحْر . قَالُوا : فَذَلِكَ هُوَ الظُّلُمَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18719 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَى الْحُوت أَنْ لَا تَضُرّ لَهُ لَحْمًا وَلَا عَظْمًا . ثُمَّ اِبْتَلَعَ الْحُوت حُوت آخَر , قَالَ : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة الْحُوت , ثُمَّ حُوت , ثُمَّ ظُلْمَة الْبَحْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ يُونُس أَنَّهُ نَادَاهُ فِي الظُّلُمَات : { أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ عَنَى بِإِحْدَى الظُّلُمَات : بَطْن الْحُوت , وَبِالْأُخْرَى : ظُلْمَة الْبَحْر , وَفِي الثَّالِثَة اِخْتِلَاف , وَجَائِز أَنْ تَكُون تِلْكَ الثَّالِثَة ظُلْمَة اللَّيْل , وَجَائِز أَنْ تَكُون كَوْن الْحُوت فِي جَوْف حُوت آخَر . وَلَا دَلِيل يَدُلّ عَلَى أَيّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ , فَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ التَّسْلِيم لِظَاهِرِ التَّنْزِيل .وَقَوْله : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الظُّلُمَات , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18715 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة بَطْن الْحُوت , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة اللَّيْل . وَكَذَلِكَ قَالَ أَيْضًا اِبْن جُرَيْج . 18716 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَادَى فِي الظُّلُمَات : ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت { لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } . 18717 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم السُّلَمِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن رِفَاعَة , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت . 18718 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة بَطْن الْحُوت , وَظُلْمَة الْبَحْر , وَظُلْمَة اللَّيْل . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ نَادَى فِي ظُلْمَة جَوْف حُوت فِي جَوْف حُوت آخَر فِي الْبَحْر . قَالُوا : فَذَلِكَ هُوَ الظُّلُمَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18719 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَى الْحُوت أَنْ لَا تَضُرّ لَهُ لَحْمًا وَلَا عَظْمًا . ثُمَّ اِبْتَلَعَ الْحُوت حُوت آخَر , قَالَ : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات } قَالَ : ظُلْمَة الْحُوت , ثُمَّ حُوت , ثُمَّ ظُلْمَة الْبَحْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ يُونُس أَنَّهُ نَادَاهُ فِي الظُّلُمَات : { أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ عَنَى بِإِحْدَى الظُّلُمَات : بَطْن الْحُوت , وَبِالْأُخْرَى : ظُلْمَة الْبَحْر , وَفِي الثَّالِثَة اِخْتِلَاف , وَجَائِز أَنْ تَكُون تِلْكَ الثَّالِثَة ظُلْمَة اللَّيْل , وَجَائِز أَنْ تَكُون كَوْن الْحُوت فِي جَوْف حُوت آخَر . وَلَا دَلِيل يَدُلّ عَلَى أَيّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ , فَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ التَّسْلِيم لِظَاهِرِ التَّنْزِيل .' وَقَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك } يَقُول : نَادَى يُونُس بِهَذَا الْقَوْل مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ تَائِبًا مِنْ خَطِيئَته { إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } فِي مَعْصِيَتِي إِيَّاكَ . كَمَا : 18720 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ , تَائِبًا مِنْ خَطِيئَته . 18721 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ . أَبُو مَعْشَر : قَالَ مُحَمَّد بْن قَيْس : قَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك } مَا صَنَعْت مِنْ شَيْء فَلَمْ أَعْبُد غَيْرك , { إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } حِين عَصَيْتُك . 18722 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَوْف الْأَعْرَابِيّ , قَالَ : لَمَّا صَارَ يُونُس فِي بَطْن الْحُوت ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ . ثُمَّ حَرَّكَ رِجْله , فَلَمَّا تَحَرَّكَتْ سَجَدَ مَكَانه , ثُمَّ نَادَى : يَا رَبّ اِتَّخَذْت لَك مَسْجِدًا فِي مَوْضِع مَا اِتَّخَذَهُ أَحَد ! 18723 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع , مَوْلَى أُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أَرَادَ اللَّه حَبْس يُونُس فِي بَطْن الْحُوت , أَوْحَى اللَّه إِلَى الْحُوت : أَنْ خُذْهُ وَلَا تَخْدِش لَهُ لَحْمًا وَلَا تَكْسِر عَظْمًا ! فَأَخَذَهُ , ثُمَّ هَوَى بِهِ إِلَى مَسْكَنه مِنْ الْبَحْر ; فَلَمَّا اِنْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَل الْبَحْر , سَمِعَ يُونُس حِسًّا , فَقَالَ فِي نَفْسه : مَا هَذَا ؟ قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت : إِنَّ هَذَا تَسْبِيح دَوَابّ الْبَحْر , قَالَ : فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت , فَسَمِعَتْ الْمَلَائِكَة تَسْبِيحه , فَقَالُوا : يَا رَبّنَا إِنَّا نَسْمَع صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَة ؟ قَالَ : ذَاكَ عَبْدِي يُونُس , عَصَانِي فَحَبَسْته فِي بَطْن الْحُوت فِي الْبَحْر . قَالُوا : الْعَبْد الصَّالِح الَّذِي كَانَ يَصْعَد إِلَيْك مِنْهُ فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة عَمَل صَالِح ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَشَفَعُوا لَهُ عِنْد ذَلِكَ , فَأَمَرَ الْحُوت فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِل كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَهُوَ سَقِيم " . وَقَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك } يَقُول : نَادَى يُونُس بِهَذَا الْقَوْل مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ تَائِبًا مِنْ خَطِيئَته { إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } فِي مَعْصِيَتِي إِيَّاكَ . كَمَا : 18720 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ , تَائِبًا مِنْ خَطِيئَته . 18721 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ . أَبُو مَعْشَر : قَالَ مُحَمَّد بْن قَيْس : قَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك } مَا صَنَعْت مِنْ شَيْء فَلَمْ أَعْبُد غَيْرك , { إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } حِين عَصَيْتُك . 18722 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَوْف الْأَعْرَابِيّ , قَالَ : لَمَّا صَارَ يُونُس فِي بَطْن الْحُوت ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ . ثُمَّ حَرَّكَ رِجْله , فَلَمَّا تَحَرَّكَتْ سَجَدَ مَكَانه , ثُمَّ نَادَى : يَا رَبّ اِتَّخَذْت لَك مَسْجِدًا فِي مَوْضِع مَا اِتَّخَذَهُ أَحَد ! 18723 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع , مَوْلَى أُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أَرَادَ اللَّه حَبْس يُونُس فِي بَطْن الْحُوت , أَوْحَى اللَّه إِلَى الْحُوت : أَنْ خُذْهُ وَلَا تَخْدِش لَهُ لَحْمًا وَلَا تَكْسِر عَظْمًا ! فَأَخَذَهُ , ثُمَّ هَوَى بِهِ إِلَى مَسْكَنه مِنْ الْبَحْر ; فَلَمَّا اِنْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَل الْبَحْر , سَمِعَ يُونُس حِسًّا , فَقَالَ فِي نَفْسه : مَا هَذَا ؟ قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت : إِنَّ هَذَا تَسْبِيح دَوَابّ الْبَحْر , قَالَ : فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت , فَسَمِعَتْ الْمَلَائِكَة تَسْبِيحه , فَقَالُوا : يَا رَبّنَا إِنَّا نَسْمَع صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَة ؟ قَالَ : ذَاكَ عَبْدِي يُونُس , عَصَانِي فَحَبَسْته فِي بَطْن الْحُوت فِي الْبَحْر . قَالُوا : الْعَبْد الصَّالِح الَّذِي كَانَ يَصْعَد إِلَيْك مِنْهُ فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة عَمَل صَالِح ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَشَفَعُوا لَهُ عِنْد ذَلِكَ , فَأَمَرَ الْحُوت فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِل كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَهُوَ سَقِيم " . '

تفسير القرطبي

قوله تعالى { وذا النون} أي واذكر { ذا النون} وهو لقب ليونس بن متى لابتلاع النون إياه. والنون الحوت. وفي حديث عثمان رضي الله عنه أنه رأى صبيا مليحا فقال : دسموا نونته كي لا تصيبه العين. روى ثعلب عن ابن الأعرابي : النونة النقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسموا سودوا. قوله تعالى { إذ ذهب مغاضبا} قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير : مغاضبا لربه عز وجل. واختاره الطبري والقتبي واستحسنه المهدوي، وروي عن ابن مسعود. وقال النحاس : وربما أنكره هذا من لا يعرف اللغة وهو قول صحيح. والمعنى : مغاضبا من أجل ربه، كما تقول : غضبت لك أي من أجلك. والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي. وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : (اشترطي لهم الولاء) من هذا. وبالغ القتبي في نصرة هذا القول. وفي الخبر في وصف يونس : إنه كان ضيق الصدر فلما حمل أعباء النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل، فمضى على وجهه مضي الآبق الناد. وهذه المغاضبة كانت صغيرة. ولم يغضب على الله ولكن غضب لله إذ رفع العذاب عنهم. وقال ابن مسعود : أبق من ربه أي من أمر ربه حتى أمره بالعودة إليهم بعد رفع العذاب عنهم. فإنه كان يتوعد قومه بنزول العذاب في وقت معلوم، وخرج من عندهم في ذلك الوقت، فأظلهم العذاب فتضرعوا فرفع عنهم ولم يعلم يونس بتوبتهم؛ فلذلك ذهب مغاضبا وكان من حقه ألا يذهب إلا بإذن محدد. وقال الحسن : أمره الله تعالى بالمسيرة إلى قومه فسأل أن ينظر ليتأهب، فأعجله الله حتى سأل أن يأخذ نعلا ليلبسها فلم ينظر، وقيل له : الأمر أعجل من ذلك - وكان في خلقه ضيق - فخرج مغاضبا لربه، فهذا قول وقول النحاس أحسن ما قيل في تأويله. أي خرج مغاضبا من أجل ربه، أي غضب على قومه من أجل كفرهم بربه وقيل : إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فارا بنفسه، ولم يصبر على أذاهم وقد كان الله أمره بملازمتهم والدعاء، فكان ذنبه خروجه من بينهم من غير إذن من الله. روي عن ابن عباس والضحاك، وأن يونس كان شابا ولم يحمل أثقال النبوة؛ ولهذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم { ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم : 48]. وعن الضحاك أيضا خرج مغاضبا لقومه؛ لأن قومه لما لم يقبلوا منه وهو رسول من الله عز وجل كفروا بهذا فوجب أن يغاضبهم، وعلى كل أحد أن يغاضب من عصى الله عز وجل. وقالت فرقة منهم الأخفش : إنما خرج مغاضبا للملك الذي كان على قومه. قال ابن عباس : أراد شعيا النبي والملك الذي كان في وقته اسمه حزقيا أن يبعثوا يونس إلى ملك نينوى، وكان غزا بني إسرائيل وسبى الكثير منهم ليكلمه حتى يرسل معه بني إسرائيل، وكان الأنبياء في ذلك الزمان يوحى إليهم، والأمر والسياسة إلى ملك قد اختاروه فيعمل على وحي ذلك النبي، وكان أوحى الله لشعيا : أن قل لحزقيا الملك أن يختار نبيا قويا أمينا من بني إسرائيل فيبعثه إلى أهل نينوى فيأمرهم بالتخلية عن بني إسرائيل فإني ملق في قلوب ملوكهم وجبابرتهم التخلية عنهم. فقال يونس لشعيا : هل أمرك الله بإخراجي؟ قال : لا. قال : فهل سماني لك؟ قال : لا. قال فها هنا أنبياء أمناء أقوياء. فألحوا عليه فخرج مغاضبا للنبي الملك وقومه، فأتى بحر الروم وكان من قصته ما كان؛ فابتلي ببطن الحوت لتركه أمر شعيا؛ ولهذا قال الله تعالى { فالتقمه الحوت وهو مليم} [الصافات : 142] والمليم من فعل ما يلام عليه. وكان ما فعله إما صغيرة أو ترك الأولى. وقيل : خرج ولم يكن نبيا في ذلك الوقت ولكن أمره ملك من ملوك بني إسرائيل أن يأتي نينوى؛ ليدعو أهلها بأمر شعيا فأنف أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله، فخرج مغاضبا للملك؛ فلما نجا من بطن الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم وآمنوا به. وقال القشيري : والأظهر أن هذه المغاضبة كانت بعد إرسال الله تعالى إياه، وبعد رفع العذاب عن القوم بعد ما أظلهم؛ فإنه كره رفع العذاب عنهم. قلت : هذا أحسن ما قيل فيه على ما يأتي بيانه في [والصافات] إن شاء الله تعالى. وقيل : إنه كان من أخلاق قومه قتل من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتل فغضب، وخرج فارا على وجهه حتى ركب في سفينة فسكنت ولم تجر. فقال أهلها : أفيكم آبق؟ فقال : أنا هو. وكان من قصته ما كان، وابتلي ببطن الحوت تمحيصا من الصغيرة كما قال في أهل أحد { حتى إذا فشلتم} [آل عمران : 152] إلى قوله { وليمحص الله الذين آمنوا} [آل عمران : 141] فمعاصي الأنبياء مغفورة، ولكن قد يجري تمحيص ويتضمن ذلك زجرا عن المعاودة. وقول رابع : إنه لم يغاضب ربه، ولا قومه، ولا الملك، وأنه من قولهم غضب إذا أنف. وفاعل قد يكون من واحد؛ فالمعنى أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف عنهم العذاب، فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج آبقا. وينشد هذا البيت : وأغضب أن تهجي تميم بداوم أي آنف. وهذا فيه نظر؛ فإنه يقال لصاحب هذا القول : إن تلك المغاضبة وإن كانت من الأنفة، فالأنفة لا بد أن يخالطها الغضب وإن ذلك دق على من كان؟! وأنت تقول لم يغضب على ربه ولا على قومه. قوله تعالى { فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات} قيل : معناه استنزله إبليس ووقع في ظنه إمكان ألا يقدر الله عليه بمعاقبته. وهذا قول مردود مرغوب عنه؛ لأنه كفر. روي عن سعيد بن جبير حكاه عنه المهدوي، والثعلبي عن الحسن وذكر الثعلبي وقال عطاء وسعيد بن جبير وكثير من العلماء معناه : فظن أن لن نضيق عليه. الحسن : هو من قوله تعالى { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [الرعد : 26] أي يضيق. وقوله { ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق : 7]. قلت : وهذا الأشبه بقول سعيد والحسن وقدر وقدر وقتر وقتر بمعنى، أي ضيق وهو قول ابن عباس فيما ذكره الماوردي والمهدوي. وقيل : هو من القدر الذي هو القضاء والحكم؛ أي فظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة؛ قال قتادة ومجاهد والفراء. مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة. وروي عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، أنه قال في قول الله عز وجل { فظن أن لن نقدر عليه} هو من التقدير ليس من القدرة، يقال منه : قدر الله لك الخير يقدره قدرا، بمعنى قدر الله لك الخير. وأنشد ثعلب : فليست عشيات اللوى برواجع ** لنا أبدا ما أورق السلم النضر ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى ** تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر يعني ما تقدره وتقضي به يقع. وعلى هذين التأويلين العلماء. وقرأ عمر بن عبدالعزيز والزهري { فظن أن لن نُقدِّر عليه} بضم النون وتشديد الدال من التقدير. وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس. وقرأ عبيد بن عمير وقتادة والأعرج { أن لن يقدر عليه} بضم الياء مشددا على، الفعل المجهول. وقرأ يعقوب وعبدالله بن أبي إسحاق والحسن وابن عباس أيضا { يُقْدَر عليه} بياء مضمومة وفتح الدال مخففا على الفعل المجهول. وعن الحسن أيضا { فظن أن لن يقدر عليه} . الباقون { نقدر} بفتح النون وكسر الدال وكله بمعنى التقدير. قلت : وهذان التأويلان تأولهما العلماء في قول الرجل الذي لم يعمل خيرا قط لأهله إذا مات فحرقوه (فوالله لئن قدر الله على) الحديث فعلى التأويل الأول يكون تقديره : والله لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك، ثم أمر أن يحرق بإفراط خوفه. وعلى التأويل الثاني : أي لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين غيري. وحديثه خرجه الأئمة في الموطأ وغيره. والرجل كان مؤمنا موحدا. وقد جاء في بعض طرقه (لم يعمل خيرا إلا التوحيد) وقد قال حين قال الله تعالى : لم فعلت هذا؟ قال : من خشيتك يا رب. والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق؛ قال الله تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء} . [فاطر : 28]. وقد قيل : إن معنى { فظن أن لن نقدر عليه} الاستفهام وتقديره : أفظن، فحذف ألف الاستفهام إيجازا؛ وهو قول سليمان { أبو} المعتمر. وحكى القاضي منذر بن سعيد : أن بعضهم قرأ { أفظن} بالألف. قوله تعالى { فنادى في الظلمات} اختلف العلماء في جمع الظلمات ما المراد به، فقالت فرقة منهم ابن عباس وقتادة : ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت. وذكر ابن أبي الدنيا حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال حدثنا عبدالله بن مسعود في بيت المال قال : لما ابتلع الحوت يونس عليه السلام أهوى به إلى قرار الأرض، فسمع يونس تسبيح الحصى فنادى في الظلمات ظلمات ثلاث : ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} { فنبذناه بالعراء وهو سقيم} [الصافات : 145] كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش. وقالت فرقة منهم سالم بن أبي الجعد : ظلمة البحر، وظلمة حوت التقم الحوت الأول. ويصح أن يعبر بالظلمات عن جوف الحوت الأول فقط؛ كما قال { في غيابة الجب} [يوسف : 10] وفي كل جهاته ظلمة فجمعها سائغ. وذكر الماوردي : أنه يحتمل أن يعبر بالظلمات عن ظلمة الخطيئة، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة. وروي : أن الله تعالى أوحى إلى الحوت { لا تؤذ منه شعرة فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعامك} وروي : أن يونس عليه السلام سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر. وذكر ابن أبي الدنيا حدثنا العباس بن يزيد العبدي حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا جعفر بن سليمان عن عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال : لما التقم الحوت يونس عليه السلام ظن أنه قد مات فطول رجليه فإذا هو لم يمت فقام إلى عادته يصلي فقال في دعائه { واتخذت لك مسجدا حيث لم يتخذه أحد} . وقال أبو المعالي : قوله صلى الله عليه وسلم (لا تفضلوني على يونس بن متى) المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه، وهو في قعر البحر في بطن الحوت. وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. وقد تقدم هذا المعنى في [البقرة] و[الأعراف]. { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} يريد فيما خالف فيه من ترك مداومة قومه والصبر عليهم وقيل : في الخروج من غير أن يؤذن له. ولم يكن ذلك من الله عقوبة؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان ذلك تمحيصا. وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان؛ ذكره الماوردي. وقيل : من الظالمين في دعائي على قومي بالعذاب. وقد دعا نوح على قومه فلم يؤاخذ. وقال الواسطي في معناه : نزه ربه عن الظلم وأضاف الظلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا. ومثل هذا قول آدم وحواء { ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف : 23] إذ كانا السبب في وضعهما أنفسهما في غير الموضع الذي أنزلا فيه. روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (دعاء ذي النون في بطن الحوت { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له) وقد قيل : إنه اسم الله الأعظم ورواه سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الخبر : في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه كما به وينجيه كما أنجاه، وهو قوله { وكذلك ننجي المؤمنين} وليس ههنا صريح دعاء وهو وإنما هو مضمون قوله { إني كنت من الظالمين} فاعترف بالظلم فكان تلويحا. قوله تعالى { وكذلك ننجي المؤمنين} أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم. وذلك قوله { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} [الصافات : 143 - 144] وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس رعى له حق تعبده، وحفظ زمام ما سلف له من الطاعة. وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلي يوم القيامة يقال له ذو النون، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة يبطل هذا عنده! لا يظن به ذلك. { من الغم} أي من بطن الحوت. قوله تعالى { وكذلك ننجي المؤمنين} قراءة العامة بنونين من أنجي ينجي. وقرأ ابن عامر { نجي} بنون واحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر أي وكذلك نجي النجاء المؤمنين؛ كما تقول : ضرب زيدا بمعنى ضرب الضرب زيدا وأنشد : ولو ولدت قفيرة جرو كلب ** لسب بذلك الجرو الكلابا أراد لسب السب بذلك الجرو. وسكنت ياؤه على لغة من يقول بقي ورضي فلا يحرك الياء. وقرأ الحسن { وذروا ما بقي من الربا} [البقرة : 278] استثقالا لتحريك ياء قبلها كسرة. وأنشد : خمر الشيب لمتي تخميرا ** وحدا بي إلى القبور البعيرا ليت شعري إذا القيامة قامت ** ودعي بالحساب أين المصيرا سكن الياء في دعي استثقالا لتحريكها وقبلها كسرة وفاعل حدا المشيب؛ أي وحدا المشيب البعير؛ ليت شعري المصير أين هو. هذا تأويل الفراء وأبي عبيد وثعلب في تصويب هذه القراءة. وخطأها أبو حاتم والزجاج وقالوا : هو لحن؛ لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله؛ وإنما يقال : نجي المؤمنون. كما يقال : كرم الصالحون. ولا يجوز ضرب زيدا بمعنى ضرب الضرب زيدا؛ لأنه لا فائدة [فيه] إذ كان ضرب يدل على الضرب. ولا يجوز أن يحتج بمثل ذلك البيت على كتاب الله تعالى. ولأبي عبيد قول آخر - وقال القتبي - وهو أنه أدغم النون في الجيم. النحاس : وهذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين؛ لبعد مخرج النون من مخرج الجيم فلا تدغم فيها، ولا يجوز في { من جاء بالحسنة} { مجاء بالحسنة} قال النحاس : ولم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من علي بن سليمان. قال : الأصل ننجي فحذف إحدى النونين؛ لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين؛ لاجتماعهما نحو قوله عز وجل { ولا تفرقوا} [آل عمران : 103] والأصل تتفرقوا. وقرأ محمد بن السميقع وأبو العالية { وكذلك نجى المؤمنين} أي نجى الله المؤمنين؛ وهي حسنة.

Friday, January 27, 2023

2- ) شخصيات من القرآن الكريم - ذو القرنين

2- ) شخصيات من القرآن الكريم

 ذو القرنين 

ذو القرنين المذكور في سورة الكهف في قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ) الكهف/ 83 كان ملكا من ملوك الأرض وعبدا صالحا مسلما ، طاف الأرض يدعو إلى الإسلام ويقاتل عليه من خالفه ، فنشر الإسلام وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل .

صح عن مجاهد أنه قال : " ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : سليمان بن داود وذو القرنين ، والكافران : بختنصر ونمرود بن كنعان ، لم يملكها غيرهم " رواه الطبري في "التفسير" (5/433) .

قال ابن كثير رحمه الله :

" ذكر الله تعالى ذا القرنين هذا وأثنى عليه بالعدل ، وأنه بلغ المشارق والمغارب ، وملك الأقاليم وقهر أهلها ، وسار فيهم بالمعدلة التامة والسلطان المؤيد المظفر المنصور القاهر المقسط . والصحيح : أنه كان ملكا من الملوك العادلين " انتهى من "البداية والنهاية" (2 /122)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقِيلَ كَانَ نَبِيًّا ، وَقِيلَ : كَانَ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَة ، وقيل لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا , وَقِيلَ : كَانَ مِنْ الْمُلُوك . وَعَلَيْهِ الْأَكْثَر " انتهى بتصرف .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" هو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ويقال إنه طاف معه بالبيت ، فالله أعلم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين (60 /4)

وأما ما رواه الحاكم (104) والبيهقي (18050) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ أَنَبِيّاً كانَ أَمْ لاَ ، وَمَا أَدْرِي ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيّاً كانَ أَمْ لاَ ، وَمَا أَدْرِي الحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لأَهْلِهَا أَمْ لاَ ) ، فقد أعله الإمام البخاري رحمه الله وغيره .

قال الإمام البخاري رحمه الله : " وقال لي عبد الله بن محمد حدثنا هشام قال حدثنا معمر عن ابن ابى ذئب عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أدرى أعزير نبيا كان ام لا، وتبع لعينا كان ام لا، والحدود كفارات لأهلها ام لا ؟

وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن ابى ذئب عن سعيد عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أصح ، [يعني : المرسل ] ، ولا يثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الحدود كفارة ) " . انتهى .

"التاريخ الكبير" (1/153) .

وقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تفرد بِهِ عبد الرَّزَّاق ، وَغَيره أرْسلهُ . " "الفتح السماوي" ، للمناوي(3/988) . وينظر أيضا : "أطراف الغرائب" (5/198)

ثانيا :

أما ما يتوارد على ألسنة بعض من لا علم له بحقائق الأمور أنه الإسكندر المقدوني باني الإسكندرية ، الذي غزا الصين والهند وبلاد الترك ، وقهر ملك الفرس واستولى على مملكته : فهو قول باطل مردود ، وقد بين ذلك المحققون من أهل العلم :

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الْإِسْكَنْدَر الْيُونَانِيّ كَانَ قَرِيبًا مِنْ زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَبَيْن زَمَن إِبْرَاهِيم وَعِيسَى أَكْثَر مِنْ أَلْفَيْ سَنَة , وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْإِسْكَنْدَر الْمُتَأَخِّر لُقِّبَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْمُتَقَدِّمِ لِسَعَةِ مُلْكه وَغَلَبَته عَلَى الْبِلَاد الْكَثِيرَة , أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْفُرْس وَقَتَلَ مَلِكهمْ اِنْتَظَمَ لَهُ مُلْك الْمَمْلَكَتَيْنِ الْوَاسِعَتَيْنِ الرُّوم وَالْفُرْس فَلُقِّبَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِذَلِكَ .

والْحَقّ أَنَّ الَّذِي قَصَّ اللَّه نَبَأَهُ فِي الْقُرْآن هُوَ الْمُتَقَدِّم .

وَالْفَرْق بَيْنهمَا مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدهَا : مَا ذَكَرْته , الثَانِي : أنّ الْإِسْكَنْدَر َكَانَ كَافِرًا , وَكَانَ مُعَلِّمُهُ أَرَسْطَاطَالِيس ، وَكَانَ يَأْتَمِر بِأَمْرِهِ ، وَهُوَ مِنْ الْكُفَّار بِلَا شَكّ , الثَالِث : كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ الْعَرَب , وَأَمَّا الْإِسْكَنْدَر فَهُوَ مِنْ الْيُونَان " انتهى باختصار .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" ذكر الأزرقي وغيره أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل عليه السلام .

أما المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم ، فكان متأخرا عن الأول بدهر طويل ، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرسطا طاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم .

وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد ، وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرسطا طاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير ، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالح وملكا عادلا ، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا وقد كان بين زمانيهما أزيد من ألفي سنة . فأين هذا من هذا ؟ لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور " . انتهى باختصار وتصرف من "البداية والنهاية" (2 /122-225)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" كان أرسطو قبل المسيح بن مريم عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة ، كان وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي غلب على الفرس وهو الذي يؤرخ له اليوم بالتاريخ الرومي تؤرخ له اليهود والنصارى ، وليس هذا الإسكندر هو ذا القرنين المذكور في القرآن كما يظن ذلك طائفة من الناس ، فإن ذلك كان متقدما على هذا وذلك المتقدم هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج ، وهذا المقدوني لم يصل إلى السد ، وذاك كان مسلما موحدا وهذا المقدوني كان مشركا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأوثان " انتهى "منهاج السنة النبوية" (1 /220) ، وينظر : "مجموع الفتاوى" (11 /171-172) ، "إغاثة اللهفان" ، لابن القيم (2 /263-264).

فتبين مما سبق أن ذا القرنين المذكور في القرآن كان مسلما موحدا ، وكان من العرب ، فمن زعم أنه كان جدا للفرس ، أو كان نبيا من أنبيائهم على ملتهم ودينهم وطريقتهم : فقد ادعى باطلا كما بينه المحققون من أهل العلم والتاريخ .

والله أعلم .

ذو القرنين

 ذو القرنين رجلٌ صالحٌ موحّدٌ لله تعالى، ذكره الله تعالى في القرآن الكريم بلقبه: ذي القرنين، حيث قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا)،[١] وغزا ذو القرنين عبّاد الأصنام حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ودانت له ملوك الأرض، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى رزقه العديد من الصفات القياديّة، ومنها:[٢] 0 السعي من أجل سيادة العدل والفضيلة: حيث إنّ القائد يسعى دائماً لنشر العدل والحقّ، ومحاربة الظلم والفساد، ولا ينتظر جزاءً من أحدٍ من الناس، بل يجعل عمله كلّه خالصاً لله وفي سبيله، وهذا ما حدث مع ذي القرنين حين طلب القوم الذين بين السدين منه بناء سدٍ؛ ليحميهم من ظلم يأجوج ومأجوج، مقابل أن يعطوه مالاً، فبنى لهم ما هو أقوى من السدّ وهو الردم، ولم يأخذ منهم مقابل ذلك شيئاً. العمل بمبدأ العقاب والثواب: ومن صفات القائد الناجح أنّه يعاقب المخطيء والمقصّر، ويكافئ المثابر الناجح، الذي يقوم بالأعمال الصالحة، وأقلّ ما يمكن أن يقدّمه كمكافأةٍ للمُجدّين والناجحين: الكلمة الطيّبة، والثناء الجميل، وكذلك كان ذو القرنين يفعل، كما قال الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا)،[٣] وأمّا إذا اقترنت الكلمة الطيّبة بالمكافأة الماديّة؛ فستحقّق نتائج عظيمةً في نفس الرعيّة. التمكين: والتمكين هو السلطان والقدرة، والملك الذي أعطاه الله إياه، حيث قال تعالى: (إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا).[٤] العدل في الحكم: يمكن القول أنّ العدل هو استعمال الأمور في موضعها من غير إسرافٍ ولا تقصيرٍ، ولا تقديمٍ ولا تأخيرٍ، فالعدل يبعث على الطاعة، وبه تصلح الأعمال وتكثر الأموال، وقد كان ذو القرنين قائداً عادلاً، وظهر ذلك جلياً حين حكم على الذين وكلّه الله تعالى بالقضاء والحكم في أمرهم، بأن يعذّب الظالم منهم بظلمه. محاربة الفساد: من الجدير بالذكر أنّ محاربة الفساد والفاسدين من أهمّ أدوار القائد؛ لأنّ الفساد من أخطر ما يمكن أن يصيب الرعية بعد الشرك بالله؛ ولذلك قام ذو القرنين ببناء ردمٍ بين رعيته وبين يأجوج ومأجوج؛ ليعزلهم عن الفساد ويحفظهم من شر المفسدين، وحتى لا تتم الخلطة بين المؤمنين والمفسدين، فيصيبهم ما أصابهم، من الأعمال الباطلة التي تخالف الفطرة. سبب تسمية ذي القرنين بهذا الاسم اختلف أهل العلم في سبب تسمية ذي القرنين بهذا الإسم، حيث يرى الحسن البصري أنّ سبب التسمية يرجع إلى أنّ ذلك الرجل كان له ضفيرتان من شعرٍ يطأ فيهما، وقال آخرون: إنّه كان في رأسه ما يشبه القرنين، وقال بعض أهل الكتاب: إنّه سمّي بذلك؛ لأنّه ملك الروم وفارس، ومن العلماء من قال: إنّ السبب هو بلوغه قرني الشمس شرقاً وغرباً، وملّكه ما بينهما من الأرض، ومن أصحاب هذا الرأي الزهري رحمه الله، ووردت روايةٌ فيها ضعفٌ عن وهب بن منبه أنّه قال: (كان له قرنان من نحاس في رأسه)، وروى إسحاق بن بشر عن عبدالله بن زياد بن سمعان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّه قال: (دعا ملكاً جباراً إلى الله تعالى، فضربه على قرنه فكسره ورضّه، ثمّ دعاه فدقّ قرنه الثاني، فكسره، فسمّي ذا القرنين)، وأمّا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فيرى أنّ سبب التسمية يرجع إلى أنّ الرجل ناصح الله تعالى فناصحه، ودعا قومه إلى الله تعالى، فضربوه على قرنه فمات، ثمّ أحياه الله ودعاهم إلى الله مرةً أخرى فضربوه على قرنه الآخر فمات، فسميّ بذي القرنين.[٥] قصة ذو القرنين بدأت قصة ذي القرنين في القرآن الكريم، بذكر صفاته ومنها: التمكين وإعطائه الأسباب، ثمّ أخبر الله تعالى أنّ ذي القرنين ذهب إلى رحلةٍ باتجاه مغرب الشمس، حيث قال تعالى في سورة الكهف:(حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)،[٦] وفي تلك الرحلة، شاهد ذو القرنين الشمس تغرب في ماءٍ وطين، وكان ذلك حسب ما رآه وليس كما في الحقيقة، وبينما هو هناك وجد قوماً كفّاراً، فخيّره الله تعالى بين قتالهم وعذابهم، أو دعوتهم للإسلام، ثمّ ارتحل ذو القرنين نحو مشرق الشمس، حتى وجد الشمس تشرق على أقوامٍ ليس لهم من لباسٍ يستترون به عنها، حيث كانوا يختبئون بالتراب حتى تغرب الشمس، ثمّ يخروجون منه، كما قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا)،[٧] فدعاهم ذو القرنين إلى الله تعالى، ثمّ علمهم كيف يصنعون أكواخاً تقيهم من أشعة الشمس، وحرّها، وبعد ذلك توجّه ذو القرنين إلى طريقٍ بين المشرق والمغرب من جهة الشمال، فوجد الجبال الشاهقة، حتى وصل إلى منطقةٍ فيها حاجزين عظيمين، وهناك قال له الناس: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)،[٨] حيث كان يأجوج مأجوج مشهورون بالقتل، والنهب والسلب وكافة الشرور، فقام ذو القرنين بردم حاجزٍ بينهم وبين يأجوج ومأجوج، ثمّ ردّ الأمر لله تعالى، حيث قال: (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).[٩][١٠]

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

ذو القرنين

Dhu al-Qarnayn Name.svg

معلومات شخصية

الحياة العملية

المهنة  قائد عسكري 

ذُو القَرنَين اسم شخص ورد في القرآن بصفته ملكًا عادلًا وعبدًا صالحًا من عباد الله، قد بنى ردماً يدفع به أذى يأجوج ومأجوج عن أحد الأقوام.

يحكي القرآن قصة ذي القرنين وأنه بدأ التجوال بجيشه في الأرض، داعياً إلى الله، فاتجه غرباً، حتى وصل منتهى الأرض المعروفة آنذاك، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا  (سورة الكهف، الآية 86 ، وجاء في تفسير ابن كثير:«أَيْ رَأَى الشَّمْس فِي مَنْظَره تَغْرُب فِي الْبَحْر الْمُحِيط وَهَذَا شَأْن كُلّ مَنْ اِنْتَهَى إِلَى سَاحِله يَرَاهَا كَأَنَّهَا تَغْرُب فِيهِ». وقد ذكر المفسرون أن سبب تسمية ذي القرنين تعود إلى وصوله للشرق والغرب، حيث يعبر العرب عن ذلك بقرني الشمس، وقيل لأنه كان له ضفيرتان من الشعر والضفائر تسمى قروناً، وقيل كان له قرنان تحت عمامته، وقيل غير ذلك، ولا يخفى أن هذه التفسيرات لم يقم على واحد منها دليل يجب الأخذ به وبالتالي فإن الأمر يظل أمراً غيبياً.

في الإسلام

في القرآن

ذُكر ذو القرنين في القرآن الكريم في سورة الكهف بدءاً من الآية 83 حتى الآية 98: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا -83.إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا -84. فَأَتْبَعَ سَبَبًا -85 حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا -86. قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا -87 وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا -88. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا -89. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا -90 كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا -91. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا -92 حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا -93. قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا -94. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا -95. آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا -96. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا -97. قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا -98.

في كتب التفسير

يذكر القرآن أن ذا القرنين هو ملك مكن الله له في الأرض وآتاه الأسباب، وكان يفتح البلدان، حتى إذا اتجه إلى الغرب، وصل إلى مكان تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه، وكان أهل هذه المنطقة كفارًا؛ فخيره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم، فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة. أما من آمن، فسيكرمه ويحسن إليه. ولما وصل إلى مغرب الشمس كر راجعًا، قاصدًا مطلعها، متبعا للأسباب، فوصل إلى مطلع الشمس فوجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس، إما لعدم استعدادهم في المساكن، وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم، وعدم تمدنهم، وإما لكون الشمس دائمة عندهم، لا تغرب عنهم غروبًا يذكر.

ثم ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم وقلوبهم، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم. فلم يأخذ منهم أجرة، ولكن طلب منهم أن يعينونه بقوتهم، وطلب منهم أن يأتوه بالحديد والنحاس، وأمرهم أن ينفخوا في الحديد، واستعملوا لها المنافيخ لتشتد، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد، فلم يستطع يأجوج ومأجوج أن يثقبوه.

يرد روايات في كتب التفسير في سبب نزول قصة ذي القرنين، أن مشركي قريش أرسلوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود في يثرب وقالوا لهم: "سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفُوا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرُوهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ"، فقالت أحبار اليهود: "سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ، سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّل، ِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَمَا كَانَ نبأه، وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هُوَ. فلما سألت قريش النبي الأسئلة الثلاثة، قال لهم: "أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا"، لكن ظل النبي 15 ليلة لا يأتيه الوحي حتى أحزن النبي، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكةَ، ثم جاءه جبريل من الله بسورة الكهف. ضعَّف هذا الحديث ابن حجر العسقلاني وغيره.

أقوال العلماء المسلمين

اختلف أهل التفسير في ذي القرنين فقيل: كان نبيًا، وقيل: كان ملكًا. قال ابن كثير: «والصحيح أنه كان ملكًا من الملوك العادلين»، قال ابن عباس: «كان ذو القرنين ملكًا صالحًا، رضي الله عمله، وأثنى عليه في كتابه»، وسئل علي بن أبي طالب عن ذي القرنين؟ فقال: «لم يكن نبيًا ولا رسولاً ولا ملكًا، ولكن كان عبدًا صالحًا». وقال وهب بن منبه: «كان له قرنان من نحاس في رأسه»، قال ابن كثير: «وهذا ضعيف». وقيل: سمي بذي القرنين؛ لأنه ملك فارس والروم، فلقب بهذا. وقيل: لأنه بلغ قرني الشمس شرقًا وغربًا، وملك ما بينهما من الأرض، وقيل: إنه ملك الأرض أربعة: اثنان مسلمان: سليمان، وذو القرنين، واثنان كافران: النمرود، وبختنصر. ورد في تفسير معنى اسمه أنه سمي بذي القرنين لأنه ورد أقصى الأرض في المغرب وأقصاها في المشرق، وقيل بسبب شج قرني رأسه، وقيل غير ذلك، وسبب التسمية غير متفق عليه، وفيها عدة أقوال ذكرها أهل كتب التفسير.

ذكر ابن كثير أن ذا القرنينِ أسلَم على يدَي إبراهيمَ، وطاف معه بالكعبة هو وإسماعيل، وذكر الطبري أنه كان في زمن الخضر، وأن الخضر كان على مُقدَّمِة جيشه، وكان عنده بمنزلة المُشاوِر، الذي هو مِن المَلِك بمنزلة الوزيرِ، وعلق ابن كثير على ذلك فقال: والصحيح أنه -أي الخضر- كان في زمن أفريدون، واستمرَّ حيًّا إلى أن أدركه موسى.

في الیهودیة

ورد في الكتاب المقدس قصة قائد صالح، سُمي بـ لوقرانائيم أو صاحب القرنين في سفر دانيال: أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ. وَالتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الأَوَّلُ. وَإِذِ انْكَسَرَ وَقَامَ أَرْبَعَةٌ عِوَضًا عَنْهُ، فَسَتَقُومُ أَرْبَعُ مَمَالِكَ مِنَ الأُمَّةِ، وَلكِنْ لَيْسَ فِي قُوَّتِهِ. وَفِي آخِرِ مَمْلَكَتِهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ وَفَاهِمُ الْحِيَلِ. وَتَعْظُمُ قُوَّتُهُ، وَلكِنْ لَيْسَ بِقُوَّتِهِ. يُهْلِكُ عَجَبًا وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ وَيُبِيدُ الْعُظَمَاءَ وَشَعْبَ الْقِدِّيسِينَ. وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضًا الْمَكْرُ فِي يَدِهِ، وَيَتَعَظَّمُ بِقَلْبِهِ. وَفِي الاطْمِئْنَانِ يُهْلِكُ كَثِيرِينَ، وَيَقُومُ عَلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَبِلاَ يَدٍ يَنْكَسِرُ.[دانيال 8] كما جاء أن ذا القرنين هو أحد ملوك مادي وفارس: أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ. وَالتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الأَوَّلُ.

قال بعض مفسري التوراة أنه يُحتمل أن يكون هو الإسكندر الأكبر، بينما ذُكر الإسكندر في سفر المكابيين الأول لكن لم يتطرق الكتاب أبدًا إلى محاولة الربط بينهما، جاء في سفر المكابيين الأول: إن الإسكندر بن فيلبس المقدوني بعد خروجه من أرض كتيم وإيقاعه بدارا ملك فارس وماداي ملك مكانه وهو أول من ملك على اليونان. ثم أثار حروبًا كثيرة وفتح حصونًا متعددة وقتل ملوك الأرض. واجتاز إلى اقاصي الأرض وسلب غنائم جمهور من الأمم فسكتت الأرض بين يديه فترفع في قلبه وتشامخ. وحشد جيشًا قويًا جدًا. واستولى على البلاد والأمم والسلاطين فكانوا يحملون إليه الجزية. وبعد ذلك انطرح على فراشه وأحس من نفسه بالموت. فدعا عبيده الكبراء الذين نشأوا معه منذ الصباء فقسم مملكته بينهم في حياته. وكان ملك الاسكندر اثنتي عشرة سنة ومات.[المكابيين 1] وكذلك ذُكر كورش الكبير في العهد القديم كسفر عزرا الإصحاح 1، وسفر دانيال الإصحاح 6 وسفر أشعياء الإصحاح 44 و45، ووصفه سفر أشعياء بـ «راعي الرب» وقال في الإصحاح 45: «هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي. لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك. لقبتك وأنت لست تعرفني». لكن لم يتم التطرق أو الربط بينه وبين لوقرانائيم أو صاحب القرنين.

الخلاف حول هوية ذي القرنين

هناك اختلاف هو هوية ذي القرنين بمقارنة شخصيته بالشخصيات التاريخية، عادة ما يقارن بعض المؤرخين شخصية ذي القرنين بعدة شخصيات تاريخية أمثال الإسكندر المقدوني، وكورش الكبير، والصعب بن مراثد ملك حمير، وحتى أخناتون. يُعرِّف بعض العلماء المسلمين الغربيين والتقليديين الإسكندر الأكبر بأنه هو ذو القرنين. بينما تشير المصادر الإسلامية القديمة إلى ملك ما قبل الإسلام من جنوب شبه الجزيرة العربية من ملوك حمير واليمن، بينما يميل المودودي إلى أنه كورش الكبير.

الإسكندر الأكبر

في أغلب المسكوكات التي ترجع إلی عهد الإسكندر الكبير يظهر صورته وعلى رأسه قرني كبش.

يرى بعض المؤرخين المسلمين أن هناك تشابه بين قصة الإسكندر الأكبر وقصة ذي القرنين، بينما يرفض ذلك أغلب علماء الدين الإسلامي باعتبار أن الإسكندر المقدوني لم يدين بالتوحيد، ولم يكن مؤمنًا صالحًا مثل ذي القرنين. الاستدلال الأكبر من قِبل المؤرخين أن الإسكندر كان يظهر على رأسه قرني كبس في أغلب المسكوكات، وأنه غزا الشرق والغرب، يقول المورخ الإيراني أبو الفضل البلعمي: «سموا الإسكندر، ذو القرنين لأنه وصل من قرن إلى قرن وتسمى زوايا العالم بالقرن وإحدى الزوايا مكان شروق الشمس والزاوية الأخرى مكان مغرب الشمس وكل زاوية على حدة تسمى قرنا وتسميان قرنين مع بعضهما والله عز وجل سماه في القرآن ذو القرنين».

بينما ينكر ذلك أغلب علماء الدين الإسلامي، ويستدلوا بعدة أدلة، منها أنه لم يكن موحدًا، وأن زمن الإسكندر الأكبر مختلف عن زمن ذي القرنين، فيذكر ابن كثير الدمشقي أنه بين زمانيهما أزيد من ألفي سنة. أما الاختلاف الثالث فأن الإسكندر كان من اليونان، وذي القرنين من العرب. كما يعتقد عدد من علماء المسلمين أن ذي القرنين كان في زمن إبراهيم، وقد ذكر الأزرقي وابن كثير الدمشقي أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم وطاف معه بالكعبة هو وإسماعيل، يقول ابن حجر العسقلاني   :ذو القرنين الْإِسْكَنْدَر الْيُونَانِيّ كَانَ قَرِيبًا مِنْ زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَبَيْن زَمَن إِبْرَاهِيم وَعِيسَى أَكْثَر مِنْ أَلْفَيْ سَنَة، وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْإِسْكَنْدَر الْمُتَأَخِّر لُقِّبَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْمُتَقَدِّمِ لِسَعَةِ مُلْكه وَغَلَبَته عَلَى الْبِلَاد الْكَثِيرَة، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْفُرْس وَقَتَلَ مَلِكهمْ اِنْتَظَمَ لَهُ مُلْك الْمَمْلَكَتَيْنِ الْوَاسِعَتَيْنِ الرُّوم وَالْفُرْس فَلُقِّبَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِذَلِكَ. والْحَقّ أَنَّ الَّذِي قَصَّ اللَّه نَبَأَهُ فِي الْقُرْآن هُوَ الْمُتَقَدِّم. وَالْفَرْق بَيْنهمَا مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدهَا: مَا ذَكَرْته. الثَانِي: أنّ الْإِسْكَنْدَر َكَانَ كَافِرًا، وَكَانَ مُعَلِّمُهُ أَرَسْطَاطَالِيس، وَكَانَ يَأْتَمِر بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْكُفَّار بِلَا شَكّ، الثَالِث : كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ الْعَرَب، وَأَمَّا الْإِسْكَنْدَر فَهُوَ مِنْ الْيُونَان.       

 ذو القرنين

ويقول ابن تيمية: «وليس هذا الإسكندر هو ذا القرنين المذكور في القرآن كما يظن ذلك طائفة من الناس، فإن ذلك كان متقدمًا على هذا وذلك المتقدم هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج، وهذا المقدوني لم يصل إلى السد، وذاك كان مسلمًا موحدًا وهذا المقدوني كان مشركًا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأوثان».

كورش الكبير

رسم لكورش الكبير يحمل فوق رأسه تاجا به قرنان.

يعتقد البعض أن ذا القرنين المذكور في القرآن هو كورش الكبير. أول من اقترح ذلك كان عالم اللغة الألماني ريدشولب في عام 1855، لكنها فشلت في اكتساب متابعين بين العلماء الغربيين، لكنها لاقت رواجًا من قِبل العديد من العلماء والمعلقين الهنود والباكستانيين والإيرانيين أمثال أبو الكلام آزاد، وإسرار أحمد، وأبو الأعلى المودودي، وجواد أحمد غامدي، كما ذكر ذلك الطباطبائي في تفسيره، وناصر مكارم الشيرازي في تفسيره، والباحث الأحمدي محمد علي. فيعتقدون أن كورش كان موحدًا، ويستدلون بسفر دانيال 8 الذي يذكر أن ذا القرنين هو أحد ملوك مادي وفارس: أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ. وَالتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الأَوَّلُ. كما سماه سفر أشعياء بـ «راعي الرب» وقال في الإصحاح 45: «هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي. لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك. لقبتك وأنت لست تعرفني». وكان اليهود يُجلّون كورش الكبير، لأن غزوه هو الذي تسبب في سقوط مملكة بابل وتحرير بني إسرائيل، وكانت القرون رمزًا مألوفًا للقوة في ممالك بلاد ما بين النهرين، وانتشرت غزوات كورش إلى سوريا وآسيا الصغرى في الغرب وإلى السند في الشرق، وامتدت مملكته إلى القوقاز في الشمال. بينما يرى المعارضين لذلك أن شخصية كورش الكبير لا تنطبق مع الصورة التي رسمها القرآن لذي القرنين كقائد مؤمن مجاهد يحارب في سبيل الله، كذلك لم يُدعى قط كورش بلقب ذي القرنين، وأن كورش زردشتي حسب الآثار والنقوش التي تعود لعصره، ولا يوجد دليل على توحيده، فحسب أسطوانة كورش الشهيرة والتي كتبت بأمره بعد غزوه لبابل وتحريره لليهود، ذُكر فيها أن كبير آلهة قدماء البابليين مردوخ أرسل قورش ليخلصهم من حكم الملك البابلي نبو نيد.

في خريطة أوروبية تعود للقرن الخامس عشر، يوجد نقش يقول أن ملكًا من بلاد فارس (يُدعى Artaxor) سجن بعض الناس في أرض يأجوج ومأجوج. اعتبر ابن نديم أرطخاشت كاسم كشتاسب (ملك من سلالة كياني).

ملك من ملوك حَميَر

وردت بعض الآثار الإسلامية المنسوبة للصحابة والتابعين أن ذا القرنين أنه من ملوك حمير، وكان ملوك حمير التبابعة يحملون ألقاب بها حرف «ذو» مثل: ذو نواس الحميري والملك سيف بن ذي يزن والملك ذو رعين الحميري والملك عمرو ذو غمدان، والملك عامر ذو رياش، والملك إفريقيس بن ذي المنار والملكة لميس بن ذي مرع وغيرهم كثيرون.

واختلفوا في اسمه فقالوا: اسمه الصعب بن مرائد، وهو أول التبابعة، وهو الذي حكم لإبراهيم في بئر السبع. وفي خطبة قس بن ساعدة قال: «يا معشر إياد، أين الصعب ذو القرنين، ملك الخافقين، وأذل الثقلين، وعمر ألفين، ثم كان كلحظة عين». ويُروى عن ابن عباس أنه سئل عن ذي القرنين من كان، فقال: «هو من حمير، وهو الصعب بن مراثد، وهو الذي مكن الله له الأرض وأتاه الله من كل شي سببا»، وقد سئل كعب الأحبار عن ذي القرنين فقال: «الصحيح عندنا من علوم أحبارنا وأسلافنا أنه من حمير، وأنه الصعب». وذكر المقريزي أن اسمه الصعب بن مراثد بن الحارث الرائش بن الهمال في سدد بن عاد بن منح بن عامر الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود. وقيل: كان اسمه مرزبى بن مرذبة، وذكر الدارقطني وابن ماكولا أن اسمه هرمس. ويقال: هرديس بن فيطون بن رومي بن لنطي بن كسلوجين بن يونان بن يافث بن نوح، وقيل: إنه أفريدون بن أسفيان، الذي قتل الملك الضحاك. وقال أبو جعفر الطبري: «وكان الخضر في أيام أفريدون الملك بن الضحاك في قول عامة علماء أهل الكتاب الأول، وقيل: موسى بن عمران (عليهما السلام) وقيل: إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان على أيام إبراهيم الخليل وإن الخضر بلغ مع ذي القرنين أيام مسيره في البلاد نهر الحياة فشرب من مائه وهو لا يعلم به ذو القرنين ولا من معه فخلد وهو حي عندهم إلى الآن، وقال آخرون إن ذا القرنين الذي كان على عهد إبراهيم الخليل هو أفريدون بن الضحاك وعلى مقدمته كان الخضر وهذا الرأي ضعيف».

وقد ذكر أيضاً ابن هشام هذا القول (غير جازمًا به) أنه أحد ملوك حمير التبابعة في كتابه التيجان، وأبو الريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية، وأجزم بهذا القول نشوان الحميري في كتبه «شمس العلوم» وكتاب «خلاصة السير الجامعة لعجائب أخبار الملوك التبابعة»، وقد جاء في بعض أشعار الحميريين تفاخرهم بجدهم ذي القرنين.

أنكر عدد من المؤرخين هذه الأقوال، وذكروا أن الأشعار التي تذكر ذا القرنين وأنه من حمير غير مسندة، وقد تكون كُتبت بعد الإسلام، وأن الأخبار عن ملوك حمير أشبه بالأقاصيص الموضوعة ولا دليل قوي عليها.

أخناتون

يرى حمدي بن حمزة أبو زيد عضو مجلس الشورى السعودي في كتابه فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج، أن ذو القرنين ما هو إلا أخناتون ذلك الملك المصري الداعي للتوحيد.

في الأدب

كان ذو القرنين موضوعاً مفضلاً للكتاب والأدباء. تسرد إحدى النسخ العربية والفارسية من كتاب ألف ليلة وليلة قصة لقاء الإكسندر أو ذي القرنين مع حكماء هنود، لم يكن لديهم ممتلكات سوى حفر القبور على أبواب منازلهم؛ وأوضح ملكهم أنهم فعلوا ذلك لأن اليقين الوحيد في الحياة هو الموت. كما وصف الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي رحلة ذو القرنين الشرقية في إحدى أعماله.

كُتبت ملحمة باللغة الملايوية بعنوان «حكايات إسكندر ذو القرنين»، تصف مآثر خيالية للإسكندر ذو القرنين، حيث تعتقد الملحمة أن الإسكندر الأكبر وذا القرنين هما شخص واحد. وتزعم الملحمة أن ذا القرنين كان ملك عظيم حكم مباشرة ممالك مينانغكاباو في سومطرة بإندونيسيا. وأنه كان جد ملوك سومطرة مثل راجا راجندرا تشولا المذكور في السجلات التاريخية لملايو. 

209-] English Literature

209-] English Literature Charles Dickens  Posted By lifeisart in Dickens, Charles || 23 Replies What do you think about Dickens realism? ...