25- ) من معانى اللغة العربية
بين العامية والفصحى
الشّتائم: لغةُ الحميميّة
وتُستخدم النساء وأعضاؤهنّ عبر اللّغات
في الشّتائم الإزدرائيّة كوسيلةٍ للتعبير عن الغضب والحطّ من قدر الآخرين/ات. على سبيل
المثال، يُعتبر الفرْج رمزًا لخضوع الإناث أو للجُبن، بينما يُساوى الرّجال وأعضاؤهم
بمعاني القوّة والتحكّم والسّطوة، فتدلّ الخصيتان مثلًا على الذّكورة والقوّة (“فليكُن
لك خصيتان” أو “فلتكن رجلًا”). تتطوّر اللّغات لتخدم أولئك الأقوياء بالشّرع، ولتصوّر
الآخرين كضعيفات. هكذا، يستخدم النظام الأبوي النساء ليشتم، مجزّئًا ومفتّتًا كلّيّتهن
إلى شذراتٍ عاجزة. في بيروت، يتحوّل “الكسّ” من مفردةٍ تحمل عاطفةً سلبيّةً إلى مفردةٍ
تشجب الخوف والذّعر. فهل الكسّ الذي كان مرّةً مستغلًا ومشتومًا بسلبيّةٍ، بات اليوم
حيًّا ليغدو قناةً لإدانة الخوف؟ وهل تستخدم الأصوات المعترضة أدوات السيّد، أم تهدم
منزله1 بدلًا من ذلك؟
كس أمك
كس أمك لفظة سباب قبيح شائعة في بلدان
عربية، بالأخص في مصر و الشام. كما توجد منها تنويعات مثل "كس أختك" المستعملة
في الشام. لفظ "كُسّ" في الاستعمال المعاصر في بعض اللهجات العربية يعنى
فرج المرأة. و الاقتران بلفظ "الأم" أو "الأخت" في المسبّة هو
من قَبِيل توجيه الإهانة و الاستفزاز فرض السيطرة فيما بين الذكور أساسًا، بطريق ذِكر
الأعضاء الجنسية لمن تدخلن في عداد محارم الشخص الموجّهة إليه الإهانة، اللاتي يمثلن
"شرف" الذكر وفق الثقافة السائدة. كما بات يستخدم اللفظ حديثًا للتعبير عن
السّخط أو الامتعاض بشكل عام، مثل قول "كُسُّم حياتي". واستخدم المصطلح أيضًا
في عدد من الأعمال الأدبية العربية المعاصرة، مثل أعمال نجيب سرور.
المعنى المعجمي
ورد في معجم العامية الكُس بالضم: لِلحِرِّ
، فرج المرأة في العامية، لَيْسَ من كلامِ العرب، إنما هو مُوَلَّدٌ. ويعتقد أن أصل
هذا اللفظ من اللغة التركية، حيث يقال للبنت أو الفتاة باللغة التركية "كِز" (kiz)، ويبدو أنها
انتشرت لاحقاً هكذا وأصبحت تطلق عند العرب على العضو الأنثوي.[1]
الإملاء المعاصر "كُسُّمَّك"
أدّى شيوع استعمال الإنترنت في البلاد
العربية إلى شيوع التواصل المكتوب باللهجات العربية الدارجة على نحو غير مسبوق في التاريخ
و ترسيخٍ لظاهرة الازدواجية اللغوية (diglossia) الموجودة في مجتمعات
الناطقين بتنويعات اللغة العربية.
كان التواصل بالكتابة بين الأفراد و
لغير الأغراض الرسمية أو الأعمال التجارية في الأزمنة السابقة أقل حدوثًا بسبب لوجستيات
البريد التقليدي و كذلك القلَّة النسبية لعدد المتعلمين، كما أن المتكاتبين سواء من
المتعلمين أو من ينوبون عنهم في كتابة الرسائل كانوا عادة ما يعمدون إلى تفصيح فحوى
المُكاتبات حتى و إن ظلّت موضوعاتها شخصية و ذات بنية لغوية شفاهية في الأساس، و نَدَرَتْ
فعليا فرص استعمال الألفاظ القبيحة و السباب كتابةً.
لكن ذلك تغيّر بعد أن أصبح التدوين
على الإنترنت وسيلة شعبية للتعبير عن الرأي، بما في ذلك التعبير عن التذمر و السخط،
و صار التراسل المكتوب سواء في المحادثات الفورية أو بالتعليقات في شبكات التواصل الاجتماعي
الفوري المكتوب نمطًا أساسيًا من أنماط التواصل في الحياة الاجتماعية المعاصرة، مما
أدّى بالضرورة إلى استحداث و تطوير تقاليد إملائية غير تلك القياسية، تستند في جانب
كبير منها إلى صوتيات الألفاظ في اللهجات المحكية الشائعة المركزية، و لا تعبأ كثير
بالدلالات المعجمية للكلمات و لا بإتمولوجياتها و علاقات أحزاء الكلام ببعضها.
من قَبِيل هذه الظاهرة الشيوع الكبير
و شبه الشامل بين المتكاتبين في مصر مثلا لإملاء لفظ "كس أمك" على
"بالقياسية: كس أمك" بإغفال الألف في "أمك" و بدمج الكلمتين، و
بالطبع بغير الحركات التي ينعدم وجودها فعليا في الاستخدام اليومي المعاصر، سواء الرسمي
أو غيره.
استخدام اللفظ في الحياة اليومية
اقتران لفظ "كُسّ" بلفظ
"الأم" أو "الأخت" عند توجهيه إلى شخص يجعل اللفظ مسبّة يٌقصد
بها توجيه الإهانة و الاستفزاز، فيما بين الذكور أساسا، فذِكر الأعضاء الجنسية لمن
تدخلن في عداد محارم الذكر وفق الثقافة السائدة، يستوجب من الذكر -- في تلك الثقافة
-- الدفاع عن شرفه بالرد، أو السكوت و قبول الإهانة مما قد يحطّ من شأنه أمام أقرانه.
و الرّد الذي يُرى ملائما و متناسبًا مع حجم الإهانة الموجّهة يختلف باختلاف السياق،
مثل ما إذا كان المتسابّون توجد بينهم سابق معرفة أو صلة اجتماعية، و كذلك خلفياتهم
الطبقية، و مناسبة الخلاف أو الشجار. و بشكل عام تُعدّ الشتيمة مهينة أكثر إذا كانت
بين أغراب، أو وُجّهت أمام أغراب، و كذلك تزداد حدة الإهانة بازدياد التفاوت العمري
أو الطبقي بين المتسابّين، بينما قد تُرى من باب المزاح إذا كانت بين زملاء أو أصدقاء،
و بالطبع حسب طبيعة الموقف. و قد يتراوح الرّد الملائم ما بين التجاهل إلى ردّ الشتيمة
بمثلها أو الزيادة عليها، وصولا إلى الصراع بالأيدي أو ما هو أكثر.
جرافيتي كسّي مش مسبّة (كسّي ليس شتيمةً)
في شوارع بيروت في لبنان
وفي تدوية نائل الطوخي بعنوان
"في البحث عن معنى لكس أمك" يشير إلى أن لفظ كس أمك لا يعني شيئ في حد ذاته،
وأن المسبة خلقت من "ذكورة" الطرفين، الذين جعلا من تذكير الذكر بأن أمه
(أو أخته) "هي امرأة ذات فرج، وأن هذا الفرج، علامة ضعفها الأزلي، هو السبب في
وجوده، أن وجوده ملوث بالعار، ملوث بالكس." فقوة اقتحام اللفظ "تنبع من كونه
ليس معلوماتيا، أنت لا تقول أمك شرموطة فيكذب هذه المعلومة، ولا تصفه بابن الوسخة فيقول
لك أنت اللي ابن ستين وسخة. إنها شتيمة بلا منفذ، مقفولة على نفسها، غير مفهومة. وإذا
كنا نعيش في مجتمع من العقلاء، فالرد الوحيد على كلمة كس امك هو سؤال مندهش: ماله؟"
[2] وتشير سينتيا الخوري في مقالتها بعنوان "الشتائم: لغة الحميمية (المغايرة)"أن
شتيمة كس أمك أو كس أختك تكرّس للعنف، فالشتيمة جعلت ما يُفترض به أن يهِب ويستقبل
المتعة والحياة، "مُجرّدًا ومهاجَمًا بقوّة الكلمات، بل أكثر من ذلك، يُحوّل إلى
وسيلةٍ لتنفيس الغضب وتوكيد السّطوة. [وبالتالي] عندما يصبح الكسّ ملعبًا عامًّا للمشاعر
غير المرغوب بها، فإنّ “قناة” الفَرْج توصل العنف والعدوانيّة بدلًا من منح المتعة
والحياة لمالكتها الحقّة".[3]
إلا أنّ شيوع استعمال هذا السباب بين
الأجيال الأحدث، ليس بهدف الاستفزاز أو توجيه الإهانة فحسب بل كذلك للتعبير عن السّخط
أو الامتعاض بشكل عام غير موجه لشخص بعينه، مثل قولة "كُسُّم حياتي"، قد
يكون مساهما في تقليل الأثر الصادم للفظة و فداحة الإهانة المرتبطة بسماعها، كما أن
زيادة استعمال النساء لها كذلك و هو ما قد يُسمع أحيانا في المجال العام و إن كان بدرجة
تقل كثيرا عن سماعها من الذكور، ربما قد أزاح عنها صفة التابو المطلقة التي كانت لها
قبل بضعة عقود، و أدخلها في زمرة الشتائم الشوارعية العادية، إلى جانب شتائم جنسية
أخرى ذات إحالات إلى النساء مثل "يا ابن المتناكة"، أو أساليب الكلام التي
تحيل إلى ألفاظ ذات مدلول جنسي مثل، مثل استعمال "نيك" للدلالة على شدّة
الأمر و إلحاحه، سواء على نحو إيجابي أو سلبي، كقولهم في مصر "أنا مبسوطة نيك
أن دا حصل" أو "أنا مبضون نيك" بمعنى "متضايق".
و من الملاحظ أنّ الكلمة قد طغت صوتياتها
على دلالتها اللغوية التي لا يكاد أحد يعيرها اهتماما، فنجد أنّ ردّا شائعا على هذه
المسبّة قد يكون "كُسّ أُمّيِن أمك" و هي عبارة لا معنى لها غير مكايلة الشتيمة
كميّا و ردّها إلى من وجّهها.
استخدام اللفظ في الأدب الحديث
يرد سباب "كس أمك" في الأدب
الحديث في عدة أعمال، فكتب نجيب سرور ما بين 1969 و 1974 قصائد هجائية في قالب الرباعيات
سجل فيها ما رآه قلبا للأحوال وسيادة النفاق والتصنع وتحكم التافهين بشروط معيشة وإبداع
الموهوبين، بلغة تعد فاحشة و إباحية بكثير من التصريحات الجنسية وكلمات السباب، و بمنظور
ذكوري عموما عن الشرف و الفضيلة و النزاهة و الرجولة، ربما يكون مقصودا، و يلزم للفصل
في قصديته من عدمها النظر بعين التحليل الجندري إلى أعمال الشاعر الأخرى. عُرفت تلك
القصائد في مجموعها بعنوان "كس أميات"، إلا أن من يرونه عنوانا محرجا يؤثرون
لأجل تلافي الحرج في معرض حديثهم عن أعمال سرور الإشارة إليها باسم "الأميات".
وفي رواية "بليغ" للكاتب
طلال فيصل المنشورة في يناير 2017، كتب فيها:
مضيت إلى الفتى شبه موقن أنه سيكون
مصريا، ولم يكذب هو ظني، ولا ترك لى مساحة لأستفسر، ذاك أنه أول ما رآنى رفع بصره إليّ،
وقال بصوت منكسر حاد، وبحنجرة يبدو أنه استهلكت صراخا: "كسّم الحب يا دكتور. كسّم
الحب"