7- ) تبسيط تفسيرأبن كثير للقران الكريم
تفسير سورة المائدة
الجزء السابع
لتجدن أشد الناس عداوة للذين
آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبلنا وأنهم لايستكبرون * واذا سمعوا ما أنزل الى الرسول
ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين
* وما لنا لانؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين
* فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء
المحسنين * والذين كفروا وكذبوا بأيايتنا أولئك أصحاب الجحيم 82 - 86
عن أبن عباس أن هذه الآيات نزلت فى النجاشى وأصحابه حين تلا عليهم جعفر بن أبى طالب بالحبشة القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم ، وهذا القول فيه نظر لأن هذه الآية مدنية وقصة جعفر مع النجاشى قبل الهجرة ، وقال سعيد بن جبير والسدى وغيرهما نزلت فى وفد بعثهم النجاشى الى النبى صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه ويروا صفاته فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا ثم رجعوا الى النجاشى فاخبروه ، وقال السدى فهاجر النجاشى فمات فى الطريق ، وهذا من افراده فالنجاشى مات وهو ملك الحبشة وصلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم يوم مات وأخبر به أصحابه وأخبر أنه مات بأرض الحبشة ، واختلف فى عدد هذا الوفد فقيل اثنا عشر سبعة قساوسة وخمسة رهابيين وقيل خمسون وقيل بضع وستون وقيل سبعون رجلا ، وقال عطاء بن أبى رباح هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين ، وقال قتادة هم قوم كانوا على دين عيسى أبن مريم فلما رأوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا ، وقال أبن جرير أن هذه الآيات نزلت فى صفة أقوام بهذه المثابة سواء أكانوا من الحبشة أو غيرها ، " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا " اللام للتأكيد أى أنك لتجد أشد الناس عداوة وكراهية وبغضا للذين آمنوا اليهود وقد قدموا على الذين أشركوا ويمكن أبن يكون الطرفان متساويين فى العداوة وبينهما تحالف ، وما ذاك الا لأن كفر اليهود كفرعناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم ، ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسموه وسحروه وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلا يهودى بمسلم قط الا هم بقتله " ، وفى رواية أخرى عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلا يهودى بمسلم الا حدث نفسه بقتله " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى " واللام للتأكيد أنك لتجد أقرب النا مودة أى محبة للذين آمنوا بالله وهم المسلمون الذين قالوا أى زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج انجيله ومن دقة التعبير القرآنى كلمة قالوا انا نصارى " ولم يقل " النصارى " لأن النصرانية الحقيقية غير متوافرة ، فيهم مودة للاسلام وأهله فى الجملة ، وما ذاك الا لما فى قلوبهم اذا كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة ، كما قال تعالى " وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية " ، " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون " أى يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم واحدهم قسيس وقس أيضا ، وقد يجمع على قسوس ، والرهبان جمع راهب وهو العابد مشتق من الرهبة وهى الخوف وقد يكون الرهبان واحد وجمعه رهابيين كما قال أبن جرير وقد يجمع على رهابنة ، تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع ثم وصفهم بالانقياد الى الحق واتباعه والانصاف ، " واذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق " هذه الآية وصف للذين سمعوا القرآن ففاضت أعينهم بالدمع مما سمعوا به عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى اللهعليه وسلم وأسلموا ومن يفعل فعلهم ، " يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " الذين آمنواوأشهدوا الله على صحة ايمانهم ،وعن أبن عباس قال أى أكتبنا مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته هم الشاهدون يشهدون لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وللرسل أنهم قد بلغوا ،عن أبن عباس فى قوله " واذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع " قال انهم كانوا كرابين يعنى فلاحين قدموا مع جعفر بن أبى طالب من الحبشة فلما قرأ رسول الله عليه الصلاة والسلام عليهم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعلكم اذا رجعتم الى أرضكم انتقلتم الى دينكم " فقالوا : " لن ننتقل عن ديننا فأنزل الله " وما لنا لانؤمن بالله وما جاءنا من الحق نطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين" يؤكدون أنهم يؤمن بالله وما جاءهم من الحق ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وبالاسلام ومطمهم فى الدنيا أن تيتقبل الله منهم اسلامهم وايمانهم ةيتقبلهم ضمن عباده المؤمنين الصالحين ، وهذا الصنف من النصارى هم المذكورين فى قوله تعالى " وان مكن أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم خاشعين لله " ، والذين قال فيهم " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * واذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله مسلمين " الى قوله " لانبتغى الجاهلين " ، " فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين " جزاهم الله على ايمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق جنات تجرى من تحتحا الأنهار ماكثين فيها أبدا لايحولون ولايزولون وهذا جزاء الذين أحسنوا فى اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأين كان ومع من كان ، " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم " يخبر الله عن حال الأشقياء الذين كفروا وجحدوا بآيات الله وما أنزله على رسله وخالفوها هم أهل الجحيم والداخلون فيها .
يا أيها الذين آمنوا لاتحرموا
طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لايحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم
اللهحلالا طيبا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون 87 - 88
" ياأيها الذين آمنوا لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم " تنهى الآية المؤمنين عن تحريم الطيبات التى أحلها الله لهم ، لاتسيروا بغير سنة المسلمين وهو ما كانوا يريدون من تحريم النساء والطعام واللباس وقيام الليل وصيام النهار والاخصاء ، وعن أبن عباس أن هذه الآية نزلت فى رهط من الصحابة قالوا نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح فى الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبى صلى الله عليهوسلم فأرسل اليهم فذكر لهم ذلك فقالوا : " نعم " فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " لكنى أصوم وأفطر وأنام وأنكح النساء ، فمن أخذ بسنتى فهو منى ومن لم يأخذ بسنتى فليس منى " ، وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبى صلى الله عليه وسلم عن عمله فى السر فقال بعضهم لاآكل اللحم ، وقال بعضهم لاأتزوج النساء ،وقال بعضهم لاأنام على فراش ، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكنى أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى " ، وقال الله تعالى " يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم " ، وقال أبن جرير عن مجاهد قال أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت فيهم هذه الآية ، لما نزلت هذه الآية فى القوم الذين أرادوا أن يفعلوا ما أرادوا فعله لما نزلت ألاية فيهم بعث اليهم فقال : " ان لأنفسكم حقا وان لأعينكم حقا صوموا وأفطروا وصلوا وناموا فليس منا من ترك سنتنا"فقالوا : " اللهم سلمنا وأتبعنا ما أنزلت " ، " ولا تعتدوا " يحتمل أن يكون المراد منه ولا تبالغوا فى التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم ، ويحتمل أن يكون المراد كما لاتحرموا الحلال فلا تعتدوا فى تناول الحلال بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم ولا تجاوزوا الحد كما قال تعالى " وكلوا واشربواولا تسرفوا " ، فشرع الله عدل بين الغالى فيه والجافى عنه لاافراط ولا تفريط ، " وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون " أمر الله أن نقبل على الذى أحله من رزقه الطيب وأمر بتقواه فىجميع الأمور واتباع طاعته ورضوانه وترك مخالفته وعصاينه .
لايؤاخذكم الله باللغو فى
أيمانكم ولكن يواخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما
تطعمون أهليكم أوكسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
ذلك كفارة أيمانكم اذا حلفتم
واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون 89
" لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " اللغو فى اليمين ورد فى سورة البقرة وهو
قول الرجل فى الكلام من غير قصد " لا والله بلى والله " وهذامذهب
الشافعى وقيل هو فى الهزل وقيل فى المعصية وقيل على غلبة الظن وهو قوا أبى حنيفة وأحمد
،وقيا اليمين فى الغضب وقيل فىالنسيان وقيل هو الحلف على ترك أمر مثل المأكل
والملبس والمشرب ونحو ذلك ،والصحيح هو اليمين من غير قصد بدليل قوله تعالى "
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان" أى بما صممتم عليه منها وقصدتموها ، "
فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أوكسوتهم أو تحرير رقبة "كفارة اليمين هى
اطعام عشرة مساكين يعنى محاويج من الفقراء ومن لايجد ما يكفيه من أعدل أو أمثل ما
يطعم به أهله الذين يعولهم أى مما يأكلونمن قوت يومهم ، أو فى القلة والكثرة
وأختلف العلماء فى مقدار ما يطعمهم ، وعن أبن عباس قال كفر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس به ومن لم يجد فنصف صاع من بر " ، وقال
أبنعباس مدا من بر يعنى لكل مسكين ومعه ادامه ، وعن على رضى الله عنه قال يغديهم
ويعشيهم , وقال محمد بن سيرين يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا ولحما ،
زاد الحسن فان لم يجد فخبزا وسمنا ولبنا ، فان لم يجد فخبزا وزيتا وخلا ، وقال
الشافعى الواجب فى كفارة اليمين مد بمد النبى صلى الله عليه وسلم لكل مسكين ولم
يتعرض للأدم ، وقال أحمد بن حنبل الواجب مد من بر أو مدان من غيره ، "
أوكسوتهم " عن أبن عباس قل عباءة لكل مسكين أو شملة ، وقال مجاهد أدناه ثوب وأعلاهما
شئت ، وعن ابراهيم النخعى ثوب جامع كالملحفة والرداء ولا يرى الدرع والقميص
والخمار ونحوه جامعا ، وعن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة لكل مسكين
، " أو تحرير رقبة " قال الشافعى وآخرون لابد أن تكون مؤمنة ، وقد بدأ
بالأسهل فالأسهل فالاطعام أسهل من الكسوة وأيسر ، كما أن الكسوة أيسر من العتق ،
فان لم يقدر المكلف على واحدة من هذه ا لخصال الثلاث كفر بصيام ثلاثة أيام "
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " ، وعن أبن عباس قال لما نزلت آية الكفارات قال
حذيفة يا رسول الله نحن بالخيار قال " أنت بالخيار ان شئت أعتقت وان شئت كسوت
وان شئت أطعمت فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات " ، " ذلك كفارة
أيمانكم اذا حلفتم " هذه كفارة اليمين الشرعية ، " واحفظوا أيمانكم "
لاتتركوها بغير تكفير ، " كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون " يوضح
الله لكم آياته ويفسرها لكم حتى لايحدث عندكم لبس ويوضح لكم شرعه ومنهاجه الصحيح
فيستحق منكم الشكر حتى تسعدون فى الدنيا والآخرة .
يا أيها الذين آمنوا انما
الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * انما
يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله
وعن الصلاة فهل أنتم منتهون * وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم
فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين * ليس على الذين ’منوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا
والله يحب المحسنين 90 - 93
" يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن
تعاطى الخمر والميسر وهو القمار ، وعن أبن عباس قال الميسر هو القمار ،كانوا
يتقامرون فى الجاهلية الى مجىء الاسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة ، وعن
الأعرج قال الميسر الضرب بالأقداح على الأموال والثمار ، وعن أبى موسى الأشعرى قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله
" ، وأما الأنصاب فقال أبن عباس هى حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها ، وأما
الأزلام هى قداح كانوا يستقسمون بها ، " رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه "
قال أبن عباس سخط من عمل الشيطان وقال زيد بن أسلم شر من عمل الشيطان فاتركوه حتى
تحققوا الفلاح فى الدنياوالآخرة ، " انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " هذا تهديد وترهيب من الخمر والميسر أنها
من الشيطان والشيطان لايريد خيرا بل يريد أن يحدث العداوة والكراهية بين المؤمنين
، والخمر والميسر فيها صد عن ذكر الله وعن الصلاة وبعد ذكر ذلك شدد على النهى
عنهما ، وقد تناولت الآيات فى سورة البقرة ذلك ، " وأطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأحذروا فان توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين "أمر الله
بطاعته وطاعة رسوله فيما نهى عنه وأن يكون المسلمين حذرين فى ذلك ، وان لم يفعلوا
ما أمر به فهم مسؤلون عن أنفسهم بعد ما أبلغهم الله على لسان رسوله فى القرآن
المنزل اليه بما فيه الوضوح من هذه المحرمات ، وعن عبد الرحمن بن وعلة قال سألت
أبن عباس عن بيع الخمر فقال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو من
دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها اليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يا فلان أما علمت أن الله حرمها " ، فأقبل الرجل على غلامه فقال
:" اذهب فبعها " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا فلان
بماذا أمرته " فقال : " أمرته أن يبيعها " قال : " ان الذى
حرم شربها حرم بيعها " فأمر بها فأفرغت فى البطحاء " رواه مسلم والنسائى
،وعن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعنت الخمر على عشرة
وجوه لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها
وحاملها والمحمولة اليه وآكل ثمنها " ، وعن أبن عباس قال : " انما نزل
تحريم الخمر فى قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا فلما أن ثملوا عبث بعضهم ببعض فلما
أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته فيقول صنع بى هذا أخى فلان وكانوا
اخوة ليس فى قلوبهم ضغائن ، فيقول والله لو كان بى رءوفا رحيما ما صنع بى هذا ،
حتى وقعت الضغائن فى قلوبهم فأنزل الله تعالى هذه الآية " يا أيها الذين
آمنوا انما الخمر والميسر -----فهل أنتم منتهون " فقال أناس من المتكلفين هى
رجس وهى فى بطن فلان وقد قتل يوم أحد فأنزل الله تعالى " ليس على الذين آمنوا
وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم أتقوا
وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " ، وعن أبن عباس عن النبى صلى
الله عليه وسلم قال : " كل مخمر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب مسكرا بخست صلاته
أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فان عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من
طينة الخبال " قيل : " وما طينة الخبال يا رسول الله ؟ " قال :
" صديد أهل النار ، ومن سقاه صغيرا لايعرف حلاله من حرامه كان حقا على الله
أن يسقيه من طينة الخبال " ، وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " ثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمدمن
الخمر والمنان بما أعطى " ، وفى
الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لايزنى الزانى حين يزنى
وهو مؤمن ، ولايسرق سرقة حين يسرقها وهومؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن
" .
يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم
الله بشىء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى
بعد ذلك فله عذاب أليم * يا أيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله
منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو
كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد
فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام 94
- 95
" يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشىء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " قال أبن عباس الصيد الذى تناله الأيادى هو الضعيف من الصيد وصغيره يبتلى الله به عباده فى احرامهم حتى لو شاءوا لتناولوه بأيديهم فنهاهم الله أن يقربوه أما الذى تناله الرماح فهو الكبار من الصيد ، وقال مقاتل بن حيان أنزلت هذه الآية فى عمرة الحديبية فكانت الوحوش والطير والصيد تغشاهم فى رحالهم لم يروامثله قط فيما خلا فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون ، " ليعلم الله من يخلفه بالغيب " الله تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم فى رحالهم يتمكنون من أخذه بالأيدى والرماح سرا وجهرا لتظهر طاعة من يطيع منهم فى سره أو جهره ،" فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " بعد هذا الاعلام والانذار من الله فله عذاب أليم لمخالفته أمر الله وشرعه ، " ياأيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم " هذا تحريم من الله تعالى لقتل الصيد فى حال الاحرام ونهى عن تعاطيه فيه وهذا انما يتناول المأكول ولو ما تولد منه ومن غيره فأما غير المأكول من حيوانات البرعند الشافعى يجوز للمحرم قتلها والجمهور على تحريم قتلها أيضا ، ولا يستثنى من ذلك الا ما ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خمس من الدواب ليس على المحرم فى قتلهن جناح : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " ، وقال مالك لايقتل المحرم الغراب الا اذا صال عليه وآذاه ، وقال مجاهد بنجبير وطائفته لايقتله بل يرميه ، وعن أبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه سئل عما يقتل المحرم فقال : " الحية والعقرب والفويسقة ويرمى الغراب ولايقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادى " ، " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " لايحكم على من أصاب صيدا خطأ انما على من أصابه متعمدا ، وقال مجاهد بنجبير المراد بالمتعمد هنا القاصد الى قتل الصيد الناسى لاحرامه فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لاحرامه فذاك أمره أعظم من أن يكفر وقد بطل أحرامه ، " فجزاء مثل ما قتل من النعم " هنا وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم من النعم اذا كان له مثل من الحيوان الانسى ، خلافا لأبى حنيفة حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثليا أو غير مثلى وهومخير ان شاء تصدق بثمنه وان شاء اشترى بههديا ،والذى حكمبه الصحابة فى المثل أولى بالاتباع فانهم حكموا فى النعامة ببدنة وفى بقرة الوحش ببقرة وفى الغزال بعنز ، " يحكم به ذوا عدل منكم " يحكم بالجزاء فى المثل أو بالقيمة فى غير المثل عدلان من المسلمين ، " هديا بالغ الكعبة " هدى واصل الى الكعبة والمراد وصوله الى الحرم بأن يذبحهناك ويفرق لحمه على مساكين الحرم ، " أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " اذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال فهومخير قال الشافعى يقوم مثله من النعم لو كان موجودا ثم يشترى به طعام فيتصدق به فيصرف لكل مسكين مد منه ، وقال أبوحنيفة وأصحابه يطعم كل مسكين مدين ،وقال أحمد مد من حنطة أومدان من غيره فان لم يجد صام عن اطعام كل مسكين يوما ،وقال آخرون يصوم مكان كل صاع يوما ، واختلف فى المكان ، فقال الشافعى مكانه الحرم ، وقال مالك يطعم فى المكان الذى أصاب فيه الصيد أو أقرب الأماكن اليه ،وقال أبوحنيفة انشاء أطعم فى الحرم وان شاء فى غيره ، قال أبن عباس اذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه جزاؤه من النعم فان لم يجد نظركم ثمنه ثم قوم ثمنه طعلما فصام مكان كل نصف صاع يوما ، وقال أبن عباس فاذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه فيه فان قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة ، فان لم يجد فاطعام ستةمساكين ، فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، فان قتل ابلا أو نحوه فعليه بقرة فان لم يجدها أطعم عشرين مسكينا فان لم يجد صام عشرين يوما ، وان قتل نعامة أو حمار وحشى أو نحوه فعليه بدنة من الابل فان لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا فاب لم يجد صام ثلاثين يوما ، " ليذوق وبال أمره "أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذى ارتكب فيه المخالفة ، " عفا الله عما سلف "أى فى زمان الجاهلية لمن أحسن فى الاسلام واتبع شرع الله ولم يرتكب المعصية ، " ومن عاد فينتقم الله منه " ومن فعل ذلك بعد تحريمه فى الاسلام وبلوغ الحكم الشرعى اليه يتعرض لانتقام الله والله منيع فى سلطانه لايقهره قاهر ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع لأن الخلق خلقه والأمر أمره له العزة والمنعة والله ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته اياه .
أحل لكم صيد البحر وطعامه
متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذى اليه
تحشرون * جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد
ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض وأن الله بكل شىء عليم *
اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم * ما على الرسول الا البلاغ والله
يعلم ما تبدون وما تكتمون 96 - 99
" أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا
لكم وللسيارة " أحل كل ما يصطاد من البحر طريا حيا وميتا وكل ما فيه منفعة
وقوتا لكم أيها المخاطبون ،والسيارة هم جمع سيار ، قال عكرمة لمن كان يحضره البحر
والسفر وقال غيره الطرى منه لمن يصطاده من حاضر البحر وطعامه ما مات فيه أو أصطيد
منه وملح وقدد يكونزادا للمسافرين والنائين عن البحر ، وعن أبى هريرة يقول سأل رجل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يارسول الله انا نركب البحر نحمل معنا
القليل من الماء فان تؤضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر" فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :" هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، عن عبد الله بن عمرو
قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال نقيقها تسبيح
" ، وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما صدتمه وهو حى
فمات فكلوه وما ألقى البحر ميتا طافيا فلا تأكلوه " وعن أبن عمر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت
والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال " ، " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم
حرما " فى حال احرامكم يحرم عليكم الاصطياد ، فاذا اصطاد المحرم الصيد متعمدا
أثم وغرم أو مخطئا غرم وحرم عليه أكله لأنه فى حقه كالميتة وكذلك فى حق غيره من
المحرمين والمحلين ، وقال أبوحنيفة عليه قيمة ما أكل، وأما اذا صاد حلال صيدا
فأهداه الى محرم فقد ذهب ذاهبون الى اباحته مطلقا ، وقال آخرون لايجوز أكل لصيد
للمحرم بالكلية ومنعوا من ذلك مطلقا لعموم هذه الآية الكريمة ، وعن أبن عباس أنه
كره أكل الصيد للمحرم ، وعن أبن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على
كل حال , ، وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"صيد البر لكم حلال - قال سعيد وأنتم حرم - ما لم تصيدوه أو يصدلكم " ،
قل لايستوى الخبيث والطيب ولو
أعجبك كثرةالخبيث فاتقوا الله ياولى الألباب لعلكم تفلحون * يا أيها الذين آمنوا
لاتسئلوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم وان تسئلوا عنهاحين ينزل القرآن تبد لكم عفا
الله عنها والله غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين 100 - 102
" قل لايستوى الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث " يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل ليس هناك مساواة بين الخبيث والطيب فالقليل الحلال النفع خير من الكثير الحرام الضار ،وعن أبى أمامه أن ثعلبة بن حاطب الأنصارى قال : " يارسول الله اده الله أن يرزقنى مالا " فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه " ، " فاتقوا الله يا أولى الألباب " ياذوى العقول الصحيحة المستقيمة تجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوابه لعلكم تفلحون فى الدنياوالآخرة ،" ياأيها الذين آمنوا لاتسئلوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم " هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشاء مما لافائدة لهم فى السؤال والتنقيب عنها لأنها ان أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها ، كما جاء فى الحديث أن رسول الله صلى اللهعليهوسلم قال : " لايبلغنى أحد عن أحد شيئا انى أحب أن أخرج اليكم وأنا سليم الصدر " ، وعن على قال لما نزلت آية " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " قالوا : " يارسول الله أفى كل عام " فسكت ثم قالوا :" أفى كل عام ؟ " فقال : " لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم " فأنزل الله هذه الآية ، " وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم " وان تسألوا عن هذه الأشياء التى نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين لكم ، " عفا الله عنها والله غفور حليم " عفا الله عما كان منكم قبل ذلك ،ما لم يذكره فى كتابه فهو مما عفا عنه فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها ، وقيل المراد لاتسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق ، وقد ورد فى الحديث " أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " ، وفى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ذرونى ما تركتكم فانما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " ، وفى الحديث الصحيح أيضا " ان الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها " ،" قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " قد سأل هذه المسائل المنهى عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها ثم لم يؤمنوا بها فأصبحوا بها كافرين أى بسببها أن بينت لهم فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد ، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذى سألت عنه النصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين فنهى الله عن ذلك .
ما جعل الله من بحيرة ولا
سائبة ولا وصيلة ولاحام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون
* واذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله
والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لايعقلون شيئا ولا
يهتدون 103 - 104
"
ما جعل الله من بحيرة ولاسائبة ولا وصيلة ولاحام " الله لم يجعل شىء مما
أدعاه الكفار من بحيرة قال سعيد بن المسيب البحيرة التى يمنع درها للطواغيت فلا
يحلبها أحد من الناس ولا سائبة والسائبة التى كانوا يسيبونها لآلهتهم لايحمل عليها
شىء ولا وصيلة والوصيلة الناقة البكر تبكر فى أول نتاج الأبل ثم تثنى بعد بأنثى
وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ان وصلت احداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر ولا حام والحام
فحل الابل يضرب الضراب المعدود فاذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه عن الحمل فلم
يحمل عليه شىء وسموه الحامى ، عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لأكثم بن الجون : " ياأكثم رأيت عمرو بن لحى بن قمعة يجر قصبه فى النار
فما رأيت رجلا أشبه برجل به منك ولا به منك " فقال أكثم : " تخشى أن
يضرنى شبهه يا رسول الله ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا
، انك مؤمن وهو كافر ، انه أول من غير دين ابراهيم وبحر البحيرة وسيب السائبة وحمى
الحامى " ، فعمرو هذا هو أبن لحى بن قمعه أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت
بعد جرهم وكان أول من غير دين ابراهيم الخليل فأدخل الأصنام الى الحجاز ودعا
الرعاع من الناس الى عبادتها والتقرب بها وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية فى
الأنعام وغيرها ، " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لايعقلون
" ما شرع الله هذه الأشياء ولا هى عنده قربة لكن المشركين افتروا ذلك وجعلوه
شرعا لهم وقربة يتقربون بها اليه وليس ذلك بحاصل لهم بل هو وبال عليهم ، "
واذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه
آباءنا " اذا دعوا الى دين الله وشرعه وما أوجبه وترك ما حرمه قالوا يكفينا
ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك ، " أو لو كان آباؤهم
لايعلمون شيئا ولا يهتدون "آباؤهم لايفهمون حقا ولا يعرفونه ولا يهتدون اليه
فكيف يتبعونهم والحالة هذه لايتبعهم الا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا .
ياايها الذين آمنوا عليكم
أنفسكم لايضركم من ضل اذا أهتديتم الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون
105
" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل اذا اهتديتم "
يقول اللهتعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم
وطاقتهم ومخبرا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس سواء كان قريبا
منه أو بعيدا ، وعن أبن عباس قال يقول تعالى اذا ما العبد أطاعنى فيما أمرته به من
الحلال ونهيته عنه من الحرام فلا يضره من ضل بعده اذا عمل بما أمرته به ، وعن أبى
أمية الشعيانى قال أتيت أبا ثعلبة الخشنى فقلت له : "كيف تصنع فى هذه الآية ؟
" قال : " أية آية " قلت : " قول الله تعالى " يا أيها
الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل اذا اهتديتم " قال : " أما
والله لقد سألت عنها خبيرا سالت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "
بل أئتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى اذا رأيت سحا مطاعا وهوى ميبعا ودنيا
مؤثرة واعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فان من ورائكم أياما
الصابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم
" ، قال عبد الله بن المبارك وزاد غير عتبة قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا
منا أو منهم قال : " بل أجر خمسين منكم " ،وقال سعيد بن المسيب اذا أمرت
بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل اذا اهتديت ، عن أبى العالية قال كانوا
عند عبد الله بن مسعود جلوسا فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس حتى قام كلواحد
منهما الى صاحبه فقال رجل من جلساء عبد الله بن مسعود ألا أقوم فآمرهما بالمعروف
وأنهاهما عن المنكر فقال آخر الى جنبه عليك بنفسك فان الله يقول " عليكم
أنفسكم " فسمعها عبد الله بنمسعود فقال : " مه لم يجىء تأميل هذه بعد ،
ان القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آى قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه آى قد وقع
تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه آى قد وقع تأويلهن بعد النبى
صلى الله عليهوسلم بيسير ، ومن آى يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آى تأويلهن عند
الساعة ما ذكر من الساعة ، ومنه آى يقع تأويلهن يوم الحساب والجنةوالنار ، فما
دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ، ولم
تلبسوا سيعا ،ولم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا واتهوا واذا اختلفت القلوب والأهواء
وألبستم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه وعند ذلك ذلك جاءنا تأويل هذه الآية "
رواه أبن جرير ، " الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون "
مرجعكم الى الله يوم القيامة وكل تفتح صحيفة أعماله انخيرا فخير وان شرا فشر .
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم لانشترى به ثمنا ولوكان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين * فان عثر على أنهما استحقا اثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا اذا لمن الظالمين *ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لايهدى القوم الفاسقين 106 - 108
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم
الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم فى الأرض
فاصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم لانشترى به
ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله
انا اذا لمن الآثمين " اشتملت الآية على حكم عزيز قيل أنه منسوخ ، وقال أبن
جرير بل هو محكم ، نزلت هذه الآية فى رجل توفى وليس عنده أحد من أهل الاسلام وذلك
فى أول الاسلام والأرض حرب والناس كفار ، وكان الناس يتوارثون بالوصية و نسخت
الوصية وفرضت الفرائض وعمل الناس بها الشهادة فى الوصية حين الموت أن يكون الشهود اثنين
عدلين من المسلمين قيل منكم أى من أهل الموصى وقال أبن عباس عن أخران من غيركم أى
من غير المسلمين من أهل الكتاب وقيل من غير قبيلة الموصى أذا سافرتم فاصابتكم
مصيبةالموت وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك فى
سفر وأن يكون فى وصية ، وعن شريح قال لاتجوز شهادة اليهود والنصارى الا فى سفر ولا
تجوز فى سفر الا فى وصية ، ، وعن الزهرى قال مضت السنة أن لاتجوز شهادة الكافر فى
حضر ولا سفر انما هى فى المسلمين ، وسأل ابن مسعود رضى الله عنه عن هذه الآية فقال
هذا رجل سافر ومعه مال فأدركه قدره فاذاوجد رجلين من المسلمين دفع اليهما تركته
وأشهدعليهما عدلين من المسلمين ، فان لم يكن وصى ثالث معهما اجتمع فيهما الوصفان
الوصاية والشهادة ، والحكم الذى تضمنته هذه الآيةالكريمة حكم مستقل بنفسه لايلزم
أن يكون جاريا على قياس جميع الأحكام ‘أن هذا حكم خاص بشهادة خاصة فى محل خاص وقد
اغتفر فيه من الأمور ما لم يغتفر فى غيره ، فاذا قامت قرينة الريبة حلف هذا الشاهد
بمقتضى ما دلت عليه الآية تحبسونهما من من بعد الصلاة قال أبن عباس صلاة العصر
والمقصود أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم فيقسمان بالله
أى فيحلفان بالله اذا ظهرت لكم منهما ريبة أنهماخانا أو غلا فيحلفان حينئذ بالله
لانشترى بايماننا ثمنا قليلا من الدنيا الفانية الزائلة ولوكان المشهود عليه قريبا
لنا لانحابيه ولا نكتم شهادة الله واذا فعلنا ذلك من تحريف الشهادة أو تبديلها أو
تغييرها أو كتمها بالكلية فانا من الآثمين ، فان اشتهر وظهر وتحقق من الشاهدين
الوصيين أنهما خانا أو غلا شيئا من المال الموصى به اليهما وظهر عليهما ذلك ، متى
تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة
وليكونا أولى من يرث ذلك المال فيحلفان بالله أن شهادتهما أصح وأثبت من شهادتهما
المتقدمة وما جاوزنا فيما قلنا فيهما من الخيانة وان كنا قد كذبنا عليهما انا اذا
من الظالمين ، قال السدى هذا فى الوصية عند الموت يوصى ويشهد رجلين من المسلمين
على ماله وما عليه هذا فى الحضر وفى السفر هذا الرجل يدركه الموت فى سفره وليس
بحضرته أحد من المسلمين فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس فيوصى اليهما
ويدفع اليهما ميراثه فيقبلان به فان رضى أهل الميت الوصية وعرفوا ما لصاحبهم
تركوهما وان ارتابوا رفعوهما الى السلطان ،وان اتهموهما حلفا بعد صلاة العصر بالله
ما كتمنا ولاكذبنا ولا خنا ولا غيرنا وقال ابن عباس فان ارتيب فى شهادتهما استحلفا
بعد العصر بالله ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلا فان اطلع الأولياء على أن
الكافرين كذبا فى شهادتهما قام رجلان من الاولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين
باطلة وانا لم نعتد بذلك فترد شهادة الكافرين وتجوزشهادة الاولياء ، " ذلك
أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها " شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرضى من
تحليف الشاهدين الذميين واستريب بهما أقرب الى اقامتهما الشهادة على الوجه المرضى
، " أو يخافوا أن تردأيمان بعد أيمانهم " أن يكون الحامل لهم على
الاتيان بها على وجهها هو تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه واجلاله والخوف من
الفضيحة بين الناس ان ردت اليمين على الورثة فيحلفون ويستحقون ما يدعون ، "
واتقوا الله واسمعوا والله لايهدى القوم الفاسقين " اتقوا الله فى جميع
أموركم وأطيعوا ومن يخرج عن طريق الله وطاعته فان الله يزده ضلالا .
يوم يجمع الله الرسل فيقول
ماذا أجبتم قالوا لاعلم لنا انك علام الغيوب 109
"
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لاعلم لنا انك علام الغيوب " هذا
اخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا به من أممهم الذين
أرسلهم اليهم ، يوم القيامة يجمع الله الرسل ويسألهم ماذا عملوا بعدكم وماذا
أحدثوا بعدكم فيقولون للرب عز وجل لاعلم لنا الا علم أنت أعلم به منا ، وفى آية
أخرى " فلنسألن الذين أرسل اليهم ولنسألن المرسلين " ، وفى آية أخرى
" فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " ،ولا شك أنه قول حسن وهومن
باب التأدب مع الرب جل جلاله أى لاعلم لنا بالنسبة الى علمك المحيط يكل شىء فنحن
وان كنا قد أجبنا وعرفنا من أجبنا انما نطلع على ظاهره لاعلم لنا بباطنه وأنت
العليم بكل شىء المطلع على كل شىء فعلمنا بالنسبة الى علمك لاشىء فأنت علام الغيوب
.
اذ قال الله ياعيسى أبن مريم
اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك اذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس فى المهد وكهلا واذ
علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل واذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها
فتكون طيرا باذنى وتبرىء الأهمه والأبرص باذنى واذ تخرج الموتى واذ كففت بنى
اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا سحر مبين * واذ
أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بى وبرسولى قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون 111
" اذ قال الله يا عيسى أبن مريم أذكر
نعمتى عليك وعلى والدتك " يذكر الله تعالى ما أمتن به على عبده ورسوله عيسى
عليه السلام فى خلفه اياه من أم بلا ذكر وجعله اياه آية ودلالة قاطعة على كمال
قدرته على الأشياء ومما أجراه على يديه من المعجزات الباهرات وخوارق العادات
ونعمته على والدته حيث جعله لها برهانا على براءتها مما نسبه الظالمون والجاهلون
اليها من الفاحشة ، " اذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس فى المهد وكهلا " وهو جبريل عليه السلام وجعلتك نبيا داعيا
الى الله فى صغرك وكبرك فأنطقتك فى المهد صغيرا فشهدت ببراءة أمك من كل عيب
واعترفت لى بالعبودية وأخبرت عن رسالتى اياك ودعوت الى عبادتى تدعو الى الله الناس
فى صغرك وكبرك ، " واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة " وعلمتك الخط
والفهم والتوراة المنزلة على موسى بن عمران كليم الله ، " واذ تخلق من الطين
كهيئة الطير باذنى " تصور الطين وتشكله على هيئة الطائر باذنى لك فى ذلك
فتنفخ فيها فتكون طيرا باذنى أى فتنفخ فى تلك الصورة التى شكلتها باذنى لك فتكون طيرا
ذا روح يطير باذن الله وخلقه , " وتبرىء الأكمه والأبرص باذنى " يشفى
الأعمى والأبرص باذن الله ، " واذ تخرج الموتى باذنى " تدعو الموتى
فيقومون من قبورهم باذن الله وقدرته وارادته ومشيئته ، " واذ كففت بنى
اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروامنهم ان هذا الا سحر مبين "
واذكر نعمتى عليك فى كفى اياهم عنك حين جئتهم بالبراهين والحجج القاطعة على نبوءتك
ورسالتك من الله اليهم فكذبوك واتهموك بأنك ساحر وسعوا فى قتلك وصلبك فنجيتك منهم
ورفعتك الى وطهرتك مندنسهم وكفيتك شرهم وذا يدل على أن هذا الامتنان كان من الله
اليه بعد رفعه الى السماء الدنيا أو يكون هذا الامتنان واقعا يوم القيامة وعبر عنه
بصيغة الماضى دلالة على وقوعه لامحالة وهذا من أسرار الغيوب التى أطلع الله عليها
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، " واذ أوحيت الى الحوايين أن آمنوا بى وبرسولى قالوا أمنا واشهد بأننا
مسلمون " هذا امتنان من الله على عيسى عليه السلام بأن جعل له أصحلبا وأنصارا
وقيل المراد بهذا الوحى وحى الهام كما قال تعالى " وأوحينا الىأمموسى أن
أرضعيه " الحواريين الهموا الايملن بالله وبرسوله عيسى عليع السلام وأشهدوا
الله على اسلامهم قال السدى قذف فى قلوبهم ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد واذ أوحيت
لبسهم بواسطتك فدعوتهم الى الاسمان بالله وبرسوله واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك .
اذ قال الحواريون ياعيسى أبن
مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين
* قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من
الشاهدين * قال عيسى أبن مريم اللهم أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا
لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله انى منزلها عليكم
فمن يكفر بعد منكم فانى أعذبه عذابا لاأعذبه أحدا من العالمين 112 - 115
" اذ قال الحواريون يا عيسى أبن مريم
هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" هذه قصة المائدة واليها تنسب
السورة وهى مما أمتن به الله على عبده ورسوله عيسى عليه السلام قال الحواريون وهم
أتباع عيسى عليه السلام هل تستطيع أن تسأل ربك أن ينزل مائدة وهى الخوان عليه طعام
وذكر بعضهم أنهم انما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوه أن ينزل عليهم مائدة كل يوم
يقتاتون منها ويتقوون بها على العبادة ، لما أجاب الله دعاء عيسى عليه السلام بنزولها
فأنزل الله آية باهرة وحجة قاطعة وقد ذكر بعد الأئمة أن قصتها ليست مذكورة فى
الانجيل ولا يعرفها النصارى الا من المسلمين فالله أعلم ، " قال اتقوا الله
ان كنتم مؤمنين " فأجابهم المسيح عليه السلام قائلا اتقوا الله ولاتسألوا هذا
فعساه أن يكون فتنة لكم وتوكلوا على الله فى طلب الرزق ان كنتم مؤمنين ، "
قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلن أن قد صدقتنا " نحن محتاجون الى
الأكل منها وتنزل الطمئنينة فىقلوبنا اذا شاهدنا نزولها رزقا لنا من السماء ونزداد
ايمانا بك وعلما برسالتك ونشهد أنها آية من عند الله ودلالة وحجة على نبوءتك وصدق
ما جئت به ، " قال عيسى أبن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدةمن السماء تكون
لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين " دعا عيسى عليه
السلام ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء وأن يتخذوا ذلك اليوم الذى نزلت فيه
عيدا يعظموه هم ومن بعدهم ، وقال سفيان الثورى يعنى يوما نصلى فيه ، وقال قتادة
أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم ، وعن سليمان الفارسى قال عظة لنا ولمن بعدنا وقيل
كافية لآولنا وآخرنا وتكون دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء وعلى اجابتك لدعوتى
فيصدقونى فيما أبلغه عنك وارزقنا من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب وانت ياربى
خير الرازقين ، " قال الله انى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فانى أعذبه
عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين "قال الله سأنزل المائدة فمن كذب بها من
أمتك يا عيسى وعاندها فانه سينال عذاب شديد ، وعن عبد الله بن عمر قال : " ان
أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون ،
عن أبنعباس قال : " قالت قريش للنبى صلى الله عليه وسلم ادع لنا ربك أن يجعل
لنا الصفا ذهخبا ونؤمن بك " قال :" وتفعلون ؟ " قالوا : " نعم
" ، فدعا فأتاه جبريل فقال :" ان ربك يقرأ عليك السلام ويقوللك "ان
شئت أصبح لهم الصفا ذهبا فمن كفر منهم بعد ذلك عبته عذابا لا أعذبه أحدامن
العالمين ، وان شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة " قال : " بل باب
التوبة والرحمة " .
واذ قال الله يا عيسى أبن مريم
أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى الآهين مندون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما
ليس لى بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك انك علام
الغيوب * ما قلت لهم الا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا
ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد * ان تعذبهم
فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم116 - 118
" واذ قال الله يا عيسى أبن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى آلهين
من دون الله " هذا أيضا مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى عليه السلام
قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه الهين وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع
على رءوس الأشهاد يم القيامة ، " وعن أبى موسى الأشعرى قال قال سول الله صلى
الله عليه وسلم : " اذا كان يوم القيامة دعى بالأنبياء وأممهم ثم يدعى بعيسى
فيذكره الله بنعمته عليه فيقر بها فيقول " يا عيسى أبن مريم اذكر نعمتى علك
وعلى والدتك ---- سحر مبين " ثم يقول " أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى
الهين من دون الله " فينكر أن يكون قال ذلك فيؤتى بالنصارى فيسئلون فيقولون
نعم هو أمرنا بذلك ، فطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من
شعر رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدى الله عز وجل مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة
ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم الى النار " ، " سبحانك ما يكون لى أن أقول
ما ليس لى بحق " هذا توفيق للتأدب فى الجواب الكامل تعاليت وتنزهت كيف أقول عليك ما ليس بحق ، " ان كنت قلته
فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك انك أنت علام الغيوب "اذا كان
صدر منى هذا فقد علمته يارب فانه لايخفى عليك شىء فما قلته ولا أردته فى نفسى ولا
أضمرته فانت يا الله تعلم ما فى نفسى لايخفى عليك شىء فى الأرض ولا فى السماء وأنت
علام الغيوب ، " ما قلت لهم الا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم
" ما قلت لهم الا ما أمرتنى بابلاغه وما دعوتهم الا الى الذى أسلتنى به
وأمرتنى بابلاغه من عبادتهم لك فانت ربى وبهم ، " وكنت عليهم شهيدا ما دمت
فيهم " كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بن أظهرهم ، " فلما توفيتنى كنت
أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد " بعد أن توفيتنى اليك يا الله انت
الذى تراقب أعمالهم وأنت الشهيد على أفعالهم فأنت على كل شىء شهيد رقيب ، " ان تعذبهم
فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت اعزيز الحكيم " هذا الكلام يتضمن رد
امشيئة الى الله عز وجل فانه الفعال لما يشاء الذى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
ويتضمن التبرى من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله وجعلوا لله ندا وصاحبة
وولدا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، عن حذيفة بن اليمان قال غاب عنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوما فلم بخرج حتى ظننا أن لن يخرج فلما خرج سجد سجدة ظننا
أن نفسه قد قبضت فيها فلما رفع رأسه قال : " ان ربى عز وجل استشارنى فى أمتى
ماذا أفعل بهم ؟ " فقلت : " ما شئت أى رب هم خلقك وعبادك "
فاستشارنى الثانية فقلت له كذلك فقال : " لا أخذيك فى أمتك يا محمد وبشرنى أن
أول من يدخل الجنة من أمتى معى سبعون ألفا مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب
" ثم أرسل الى فقال : " ادع تجب وسل تعط " فقلت لرسوله أو يعطينى
ربى سؤلى ؟ " فقال : " ما أرسلنى اليك الا ليعطيك " ، ولقد أعطانى
ربى ولا فخر وغفر لى ما تقدم من ذنبى وما تأخر وأنا أمشى حيا صحيحا وأعطانى أن لا
تجوع أمتى ولا تغلب ، وأعطانى الكوثر وهو نهر فى الجنة يسيل فى حوضى وأعطانى العز
والنصر والرعب يسعى بين يدى أمتى شهرا ، وأعطانى أنى أول الأنبياء يدخل الجنة وطيب
لى ولأمتى الغنيمة وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا فى الدين
من حرج "
قال الله هذا يوم ينفع
الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم
ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم * لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شىء
قدير 119 - 120
" قال الله هذا يوم ينفع الصادقين
صدقهم " عن أبن عباس يقول الله تعالى هذا اليوم الذين ينفع الموحدين توحيدهم
، " لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا
عنه ذلك الفوز العظيم " جزاءهم أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ما كثين
فيها لايحولون ولايزولون رضى الله عنهم ورضوا عنه وذلك هو الفوز العظيم الكبير
الذى لا أعظم منه بجنة الله ، وعن أنس مرفوعا قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " ثم يتجلى لهم الرب جل جلاله فيقول سلونى سلونى أعطكم "
فيسألونه الرضا فيقول : " رضاى أحلكم دارى وأنا لكم كرامتى فسلونى أعطكم
" فيسأونه الرضا ، فيشهدهم أنه قد ضى عنهم سبحانه وتعالى " ، " لله
ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شىء قدير " هو الخالق للأشياء المالك
لها المتصرف فيها القادر عليها فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته وفى مشيئته فلا نظير
له ولا وزير ولا عديل ولا اله غيره ولا رب سواه .
تفسير سورة الأنعام
الجزء السابع
عن أبن عباس قال أنزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح ، وعن أنس بن مالك قال قال سول الله صلى الله عليه وسلم : " نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سد ما ين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والأرض بهم ترتج " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم " .
الحمد لله الذى خلق السموات
والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون * هو الذى خلقكم من طين
ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمتون * وهو الله فى السموات وفى الأرض يعلم
سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون 1 - 3
"الحمد لله الذىخلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور" تبدأ السورة الكريمة بالحمد لله وهو الجدير بكل حمد من خلقه القدير القادر هو العظيم من يحمد لخلقه العظيم خلق السموات والأرض ، وجعل الله الظلمات والنور وجمع لفظ الظلمات وهى جمع ظلمة ووحد لفظ النور وهو أقوى وأسطع وهونور الحق والظلمات لفظ يدل على الظلم وهو زائل ولا يبقى الا النور ، " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " ومع هذا كله كفر به بعض عباده وجعلوا له شريكا وعدلا واتخذوا له صاحبة وولدا تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا ، " هو الذىخلقكم من طين" يعنى خلق أباكم آدم من طين وهو أصلكم ومنه خرجتم فانتشرتم فى المشارق والمغارب ، " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " قال أبن عباس قضى أجلا يعنى الموت والأجل المسمى عنده يعنى الآخرة ، وقال الحسن هو ما بين أن يخلق الى أن يموت والأجل المسمى عنده هو ما بين أن يموت الى أن يبعث، وتقدير الأجل الخاص عمر كل انسان وتقدير الأجل العام هو عمر الدنيا بكاملها ثم انتهائها وانقضائها وزوالها وانتقالها والمصير الى الدار الآخرة ،" وعن أبن عباس ومجاهد " ثم قضى أجلا " يعنى مدة الدنيا ، " وأجل مسمى عنده " يعنى عمر الانسان الى حين موته ، " كقوله تعالى " وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " ، وقال عطية عن أبن عباس " ثم قضى أجلا " يعنى النوم يقبض فيه الروح ثم يرجع الى صاحبه عند اليقظة ، " وأجل مسمى " يعنى أجل موت الانسان ومعنى "عنده " أى لا يعلمه الا هو ، " ثم أنتم تمترون " قال السدى ثم أنتم تشكون بعد ذلك فى أمر الساعة ،" وهو الله فى السموات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون " وهذا كقوله " وهو الذى فى السماء اله وفى الأرض أله " أى هو اله من فى السموات واله من فى الأرض وهو الله يعلم سركم وجهركم فى السموات وفى الأرض ويعلم ما تكسبون أى يعلم جميع أعمالكم خيرها وشرها لا تخفى عليه خافية .
وما تأتيهم من آية من آيات
ربهم الا كانوا عنها معرضين * فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما
كانوا به يستهزءون * ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم
نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجرى من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم
وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين 4 - 6
" وما تأتيهم من آية من آيات ربهم
الا كانوا عنها معرضين " يقول الله تعالى مخبرا عن المشركين المكذبين
المعاندين أنهم كلما أتتهم آية أى دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات على وحدانية الله
وصدق رسله الكرام فانهم يعرضون عنها فلا ينظرون اليها ولا يبالون بها ، " فقد
كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون " وهذا تهديد
لهم ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق بأنه لابد أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب
وليجدن غبه وليذوقن وباله ، " ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في
الأرض ما لم نمكن لكم " يقول تعالى واعظا لهم ومحذرا لهم أن يصيبهم من العذاب
والنكال الدنيوى ما حل بأشباههم ونظرائهم من القرون السالفة الذين كانوا أشد منهم
قوة وأكثر جمعا وأكثر أموالا وأولادا واستعلاء فى الأرض وعمارة لها وكان لهم الجاه
العريض والسعة والجنود ، " وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجرى
من تحتهم " كثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض وجعلنا الأنهار تجرىمن
تحتهم استدراجا واملاءا لهم ، " فأهلكناهم بذنوبهم " أهلكناهم بخطاياهم
وسيئاتهم التى اجترموها " وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " وأنشأنا من
بعدهم جيلا آخر لنختبرهم فعملوا مثل أعمالهم فأهلكوا كأهلاكهم فاحذروا أيها
المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم فما أنتم بأعز على الله منهم والرسول الذى
كذبتموه أكرم على الله من رسولهم فأنتم أولى بالعذاب ومعالجة العقوبة منهم لولا
لطفه واحسانه .
ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس
فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين * وقالوا لولا أنزل عليه ملك
ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لاينظرون * ولو جعلنا ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا
عليهم ما يلبسون * ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به
يستهزءون * قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين 7 - 11
" ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه
بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين " يقول الله تعالى مخبرا عن
المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق ومباهتتهم ومنازعتهم فيه لو نزلنا عليك كتابا
فعاينوه ورأوا نزوله وباشروا ذلك لقالوا هذا سحر واضح ولم يؤمنوا ، " وقالوا
لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا اقضى الأمر ثم لا ينظرون " ويستمر كفر
الكفار وعنادهم فقالوا أنهم يريدون نزول ملك ليكون معه نذيرا ويحذرهم الله تحذيرا
شديدا أنه لو نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من الله العذاب ، كما قال تعالى
" يوم يرون الملائكة لابشرى يومئذ للمجرمين " ، " ولو جعلناه ملكا
لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون " لو أنزلنا مع الرسول البشرى ملكا أى
لو بعثنا الى البشر رسولا ملكيا لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع
بالأخذ عنه ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما هم يلبسون على أنفسهم فى قبول
رسالة البشرى ، كما قال تعالى " قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين
لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " ، فمن رحمته تعالى بخلقه أنه يرسل الى
كل صنف من الخلائق رسلا منهم ليدعوا بعضهم بعضا وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض فى
المخاطبة والسؤال ، " كما قال تعالى " لقد من الله على المؤمنين اذ بعث
فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم " ، وقال أبن عباس لو أتاهم
ملك ما أتاهم الا فى صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر الى الملائكة من النور ،
" وللبسنا عليهم ما يلبسون " ولخلطنا عليهم ما يخلطون ، " ولقد
استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون " هذه
تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من قومه ووعد له وللمؤمنين به
بالنصرة والعاقبة الحسنة فى الدنيا والآخرة ، " قل سيروا فى الأرض ثم انظروا
كيف كان عاقبة المكذبين " فكروا فى أنفسكم وانظروا ما أحل الله بالقرون
الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم من العذاب والنكال والعقوبة فى الدنيا مع ما
ادخر لهم من العاب الأليم فى الآخرة وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين .
قل لمن ما فى السموات والأرض
قل الله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم الى يوم القيامة لاريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون *
وله ما سكن فى الليل والنهار وهو السميع العليم * قل أغير الله أتخذ وليا فاطر
السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل أنى أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من
المشركين * قل انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم * من يصرف عنه يؤمئذ فقد رحمه
وذلك الفوز المبين 12 - 16
" قل لمن ما فى السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه " يخبر الله تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهم وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال النبى صلى الله عليه وسلم : " ان الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش ان رحمتى تغلب غضبى " ، " ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه " أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليجمعن عباده الى ميقات يوم معلوم وهو يوم القيامة الذى لاريب فيه أى لاشك فيه عند عباده المؤمنين ، " الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " فأما الجاحدون المكذبون فهم فى ريبهم يترددون ، وفى الترمذى " ان لكل نبى حوضا وأرجوا أن أكون أكثرهم واردا " الذين خسروا أنفسهم يوم القيامة هم الذين لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم ، " وله ما سكن فى الليل والنهار وهو السميع العليم " كل دابة فى السموات والأرض الجميع عباده وخلقه وتحت قهره وتصرفه وتدبيره لااله الا هو وهو السميع لأقوال عباده وخلقه العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم ، " قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم " لا أتخذ وليا الا الله وحده لا شريك له فانه فاطر السموات والأرض أى خالفهما ومبدعهما على عير مثال وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج اليهم ، كما قال تعالى " وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون " ، وعن أبى هريرة قال دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبى صلى الله عليه وسلم على طعام فانطلقنا معه فلما طعم النبى صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال : " الحمد لله الذى يطعم ولا يطعم ومن علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا من الشراب وكسانا من العرى وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله غير مودع ربى ولا مكافىء ولا مكفور ولا مستغنى عنه الحمد لله الذى أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العرى وهدانا من الضلال وبصرنا من العمى وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين " ، " قل انى أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين " قل انى بأمر ربى أول من أسلم من هذه الأمة وأنا رسولها وهاديها وهو الذى صرف عنى وعن أمتى الشرك به ، " قل انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم " تبرز الآية حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على طاعة ربه وحرصه الشديد على الايمان به وطاعته والخوف من يوم القيامة وهوله الشديد ، " من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين " من يصرف عنه العذاب ويبعد عنه يوم القيامة فقد رحمه الله وهذا بعينه هو الفوز الواضح الجلى الذى لا ريب فيه ، كما قال تعالى " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " .
وان يمسسك الله بضر فلا كاشف
له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل شىء قدير * وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم
الخبير * قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن
لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله الهة أخرى قل لا أشهد قل انما هو اله
واحد واننى برىء مما تشركون * الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون * ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أوكذب
بآيايته انه لا يفلح الظالمون 17 - 21
" وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل شىء قدير " يقول الله تعالى مخبرا أنه مالك الضر والنفع وأنه المتصرف فى خلقه بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، وفى لآية أخرى " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلامرسل له من بعده " ، وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ، " وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير" هو الذى خضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة وعنت له الوجوه وقهر كل شىء ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه وهو الحكيم فى جميع أفعاله الخبير بمواضع الأشياء ومحالها فلا يعطى الا من يستحق ولا يمنع الا من يستحق ، " قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم " قل أى يا محمد من أعظم الأشياء شهادة على صدق الرسالة التى بعثنى الله بها اليكم الرد هو أن تقول أن الله هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلون لى وهو الحكم ولا يوجد أعظم شهيد ولا أعظم شهادة من الله ، " وأوحى الى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " والله هو الذى أوحى الى هذا القرآن لأنذركم به وهو نذير لكل من بلغه ، وعن محمد بن كعب فى قوله " ومن بلغ " قال من بلغه القرآن فكأنما رأى النبى محمد صلى الله عليه وسلم زاد أبو خالد وكلمه " ، وعن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله " ، وقال الربيع بن أنس حق على من اتبع رسول الله صلى اللهعليه وسلم أن يدعو كالذى دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينذر بالذى أنذر " ، " أئنكم لتشهدون أن مع الله الهة أخرى قل لا أشهد قل انما هو اله واحد واننى برىء مما تشركون " ائنكم أيها المشركون تشهدون أن مع الله آلهة أخرى وأنا لا اشهد بما تشهدون به من شرك أنا أشهد أنه هو الله الواحد وأعلن براءتى من كل ما تشركون به ، " الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " قال الله تعالى مخبرا عن أهل الكتاب أنهم يعرفون هذا الذى جئتهم به كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء فان الرسل كلهم بشوا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته وبلده ومهاجره وصفة أمته ، " الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " هم الذين خسروا كل الخسارة وهم لا يؤمنون بهذا الأمر الجلى الظاهر الذى بشرت به الأنبياء ونوهت به فى قديم الزمان وحديثه , " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أوكذب بآياته انه لا يفلح الظالمون " لا أظلم ممن تقول على الله فادعى أن الله أسله ولم يكن أرسله ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالالته لايفلح هذا المفترى ولا المكذب .
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول
للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون * ثم لم تكن فتنتهم الا أن قالوا
والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون *
ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا وان يروا
كل آية لايؤمنوا بها حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا أساطير
الأولين * وهم ينهون عنه وينئون عنه وان يهلكون الا أنفسهم وما يشعرون 22 - 26
" ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركواأين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون " يقول الله تعالى مخبرا عن المشركين أنه سيحشرهم جميعا يوم القيامة فيسألهم عن الأصنام والأنداد التى كانوا يعبدونها من دون الله ويزعمون أنها آلهة من دون الله ، كقوله فى سورة القصص " ويوم يناديهم فيقول أين شركائى الذين كنتم تزعمون " ، " ثم لم تكن فتنتهم الا أن قالوا والله ربنا ماكنا مشركين " لم تكن حجتهم وبليتهم حين ابتلوا ورأوا أنه لا يدخل الجنة الا أهل الصلاة فقالوا تعالوا فلنجحد فيجحدون فيختم الله على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا فهل فى قلبك الأن شىء ؟ انه ليس من القرآن شىء الا ونزل فيه شىء ولكن لا تعلمون وجهه ، " أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " الله فى هذا الموقف الذى يحدث يوم القيامة ويفتضح فيه المشركون على الأشهاد ووجدوا أنفسهم قد بعدوا عن الحق والصواب وبعد عنهم الذى كانوا يفترونه كذبا على الله فى الدنيا , " ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا وان يروا كل آية لايؤمنوا بها " منهم من يجيئون ليستمعوا قراءتك ولا تجزى عنهم شيئا لأن الله جعل على قلوبهم أغطية لئلا يفقهوا القرآن وفى آذانهم صمم عن السماع النافع لهم وهذا هو حال المشركين ، كما قال تعالى " ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء " ، " وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها " مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات والبراهين لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا انصاف ، كقوله تعالى " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم " ، " حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا أساطير الأولين " اذا جاءوك يحاجونك ويناظرونك فى الحق بالباطل ويقولون ان الذى جئت به الا مأخوذ من كتب الأوائل ومنقول عنهم " وهم ينهون عنه وينئون عنه وان يهلكون الا أنفسهم وما يشعرون " ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد الى القرآن ويبعدونهم عنه فهم لا ينتفعون ولا يدعون أحدا ينتفع وقال أبنعباس يردون الناس عن محمد صلى اللهعليه وسلم أن يؤمنوا به ، وقال محمد بن الحنفية كان كفار قريش لا يأتون النبى صلى الله عليه وسلم وينهون عنه " ، وعن أبن عباس قال نزلت فى أبى طالب كان ينهى الناس عن النبى صلى الله عليه وسلم أن يؤى ، وقال سعيد بن أبى هلال نزلت فى عمومة النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا عشرة فكانوا أشد الناس معه فى العلانية وأشد الناس عليه فى السر وما يهلكون بهذا الصنيع ولا يعود وباله الا عليهم وهم لا يشعرون .
ولو ترى اذ وقفوا على النار
فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا
يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهواعنه وانهم لكاذبون * وقالوا ان هى الا
حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين * ولو ترى اذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق
قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 27 - 30
"
ولو ترى اذ وقفواعلى النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من
المؤمنين " يذكر الله تعالى حال الكفار اذا وقفوا يوم القيامة على النار
وشاهدوا ما فيها من ا لسلاسل والأغلال ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال
وعند ذلك قالوا وهم يشعرون بالحسرة والندم يوم لا ينفع الندم يتمنون لو يردون الى الحياة الدنيا ليعملوا عملا
صالحا ولا يكذبون بآيات ربهم ويكونون من
المؤمنين ، " بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل " بل ظهر لهم حينئذ ما
كانوا يخفون فى أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة وان أنكروها فى الدنيا أو فى
الآخرة وانهم ما طلبوا العودة الى الدنيا رغبة ومحبة فى الايمان بل خوفا من العذاب
الذى عاينوه جزاء على ما كانوا عليه من الكفر فسألوا الرجعة الى الدنيا لبتخلصوا
مما شاهدوه من النار ، ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما
جاءتهم به الرسل فى الدنيا وان كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه ، كقوله مخبرا عن موسى
عليه السلام أنه قال لفرعون " لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السموات والأرض
بصائر " ، " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون " ولو
ردوا الى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والمخالفة وهم كاذبون فى
قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ، " وقالوا ان هى
الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " لو ردوا الى الحياة الدنيا لقالوا ان
هى الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين أى لعادوا لما نهوا عنه ولقالوا ان هى الا
حياتنا الدنيا لا معاد بعدها وما نحن بمبعوثين ، " ولو ترى اذ وقفوا على ربهم
" واذ وقفوا يوم القيامة بين يدى ربهم سبحانه وتعالى ، " قال أليس هذا
بالحق قالوا بلى وربنا " وقال لهم أليس هذا بالحق ؟ أى أليس هذا المعاد بحق
وليس بباطل كما كنتم تظنون فيردون ولا يكذبون فيرد عليهم ربهم انكم قد استحققتم
العذاب جزاء كفركم وبما كنتم تكذبون به فذوقوا اليوم مسه .
قد خسرالذين كذبوا بلقاء الله
حتى اذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم
على ظهورهم ألا ساء ما يزرون * وما الحياة الدنيا الا لعب ولهو وللدار الآخرة خير
للذين يتقون أفلا تعقلون 31 - 32
" قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها "يقول تعالى مخبرا عن خسارة من كذب بلقائه وعن خيبته اذا جاءته الساعة بغتة وعن ندامته على ما فرط من العمل و ما أسلف من قبح الفعل وما يصيبهم الا الحسرة على التفريط فى الحق ، " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون " عن أبى مزوق قال يستقبل الكافر أو الفاجر عند خوجه من قبره كأقبح صورة رأيتها وأنتنه ريحا فيقول من أنت فيقول أو ما تعرفنى فيقول لا والله الا أن الله قبح وجهك وأنتن ريحك فيقول أنا عملك الخبيث هكذا كنت فى الدنيا خبيث العمل منتنه فطال ما ركبتنى فى الدنيا هلم أكبك فهو قوله " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " ، وعن السدى أنه قال : " ليس من رجل ظالم يدخل قبره الا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح وعليه ثياب دنسة حتى يدخل معه قبره فاذا رآه قال ما أقبح وجهك قال كذلك كان عملك قبيحا ، قال ما أنتن ريحك قال كذلك كان عملك منتنا ، قال ما أدنس ثيابك ، قال فيقول ان عملك كان دنسا ، قال من أنت ؟ قال عملك ، قال فيكون معه فى قبره فاذا بعث يوم القيامة قال له : انى كنت أحملك فى الدنيا باللذات والشهوات وأنت اليوم تحملنى ، قال فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار " ، " وما الحياة الدنيا الا لعب ولهو وللدار الآخة خير للذين يتقون أفلا تعقلون"الحياة الدنيا ما هى الا لعب ولهو فى فانية وغالبها كذلك والدار الباقية هى الدار الآخرة دار الخلود للمتقين الذين يتقون الله ويعملون الصالحات وهنا يوبيخ لعدم اعمال العقل والتفكير السليم .
قد نعلم أنه ليحزنك الذى
يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك
فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من
نبأى المرسلين * وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض أو
سلما فى السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين
* انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون 33 - 36
" قد نعلم أنه ليحزنك الذى يقولون "
يقول الله مسيا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى تكذيب قومه له ومخالفتهم اياه
فيقول له قد أحطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك عليهم ، كما قال تعالى " فلا
تذهب نفسك عليهم حسرات " ، وكما قال " لهلك باخع نفسك أن لا يكونوا
مؤمنين " ، وكما قال " فلعلك نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث
أسفا " ، " فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " لا
يتهمونك بالكذب فى نفس الأمر ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم ، وعن على ضى
الله عنه قال قال أبو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم : " انا لانكذبك ولكن
نكذب ما جئت به فأنزل الله فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
" ، وعن أبى يزيد المدنى أن النبى صلى الله عليه وسلم لقى أبا جهل فصافحه قال
له رجل : " ألا أراك تصافح هذا الصابىء ؟ " فقال : " والله انى
لأعلم انه لنبى ولكن متى كنا لنبى عبد مناف تبعا ؟ " وتلا أبو زيد "
فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ، وقال أبو صالح وقتادة
يعلمون أنك رسول الله ويجحدون " ، وعن السدى قال لما كان يوم بدر قال الأخنس
بن شريق لبنى زهرة ان محمدا أبن أختكم فأنتم أحق من ذب عن أبن أخته فانه ان
كاننبيا لم تقاتلوه اليوم وان كان كاذبا كنتم أحق من كف عن أبن أخته ، قفوا حتى
ألقى أبا الحكم فان غلب محمد رجعتم سالمين ، وان غلب محمد فان قومكم لم يصنعوا بكم
شيئا - فيومئذ سمى الأخنس وكان أسمه أبى - فالتقى الأخنس بأبى جهل فخلا به فقال يا
أبا الحكم أخبرنى عن محمد أصادق هو أم كاذب فانه ههنا من قريش غيرى وغيرك يستمع
كلا منا ؟ فقال أبوجهل : " ويحك والله ان محمدا لصادق وما كذب محمد قط ، ولكن
اذا هبت بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ "
فذلك قوله فى الآية ، "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى
أتاهم نصرنا " هذه تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من
قومه ، وأمر له بالصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ، ووعد له بالنصر كما نصروا ،
وبالظفر حتى كان لهم العاقبة بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ثم
جاءهم النصر فى الدنيا كما لهم النصر فى الآخرة ، " ولا مبدل لكلمات الله
ولقد جاءك من نبأ المرسلين " لامبدل لكلمات الله التى كتبها بالنصر فى الدنيا
والآخرة لعباده المؤمنين ولقد جاءك من خبر المرسلين كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم
من قومهم فلك فيهم أسوة وبهم قدوة ، وكما قال " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا
المرسلين * انهم لهم المنصورون * وان جندنا لهم الغالبون " ، " وان كان
كبر عليك اعراضهم فان استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض أو سلما فى السماء فتأتيهم
بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين "ان كان شق عليك
أعراضهم عنك قال أبن عباس ان استطعت أن تبتغى نفقا وهو السرب فى الأرض فتذهب فيه
فتأتيهم بآية أو تجعل لك سلما فى السماء فتصعد فيه فتأتيهم بآية أفضل مما أتيتهم
به فافعل ، " ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين "ولو
شاء الله لهداهم جميعا ولكنه يهدى من يشاء ويضل من شاء فلا تحرص عليهم فتصبح من
البعيدين عن العلم فكل شىء بقدر الله ، وهذا كقوله " ولو شاء ربك لآمن من فى
الأرض كلهم جميعا " ، وعن أبن عباس قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه عللا الهدى فأخبر الله أنه لايؤمن الا من سبق له
من الله السعادة فى الذكر الأول ، " انما يستجيب الذين يسمعون " انما
يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه ، كما فىقوله " لينذر من
كان حيا ويحق القول على الكافرين " والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون
" الموتى يعنى بذلك الكفار لأنهم موتى القلوب فشبههم الله بأموات الأجساد وهذا
من باب التهكم بهم والازدراء عليهم .
وقالوا لولا نزل عليه آية من
ربه قل ان الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لايعلمون * وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير
بجناحيه الا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم الى ربهم يحشرون * والذين
كذبوا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط
مستقيم 37 - 39
" وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه " يقول الله تعالى مخبرا عن
المشركين أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه أى خارق على مقتضى ما كانوا
يريدون ومما يتعنتون ، " وذلك كقوله " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض
ينبوعا " ، " قل ان الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لايعلمون
" الله تعالى قادر على ذلك ولكن حكمته تعالى تقتضى تأخير ذك لأنه لو أنزل وفق
ما طلبوا ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة ، " ، كما
قال " وما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة
مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات الا تخويفا " ، وقال تعالى " ان نشأ ننزل عليهم من السماء
آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " ، " وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير
بجناحيه الا أمم أمثالكم " كل الدواب التى تدب فى الأرض والطيور التى تطير فى
السماء أصناف مصنفة تعرف بأسمائها ولها عالمها وقال قتادة الطير أمة والانس أمة
والجن أمة وهم خلق أمثالكم وهذا من قدرة الله فهناك عالم النمل وعالم النحل وغيره
التى تثبت قدرة الله ، " ما فرطنا فى الكتاب من شىء" هذا القرآن هو كتاب
الله الجامع الذى علم الله كما قال " الرحمن علم القرآن "، " ثم
الى ربهم يحشرون " حشرها هو الموت وقال الضحاك حشرها بعثها يوم القيامة ، كما
قال " واذا الوحوش حشرت " الجميع علمهم عند الله ولا ينسى واحدا من
جميعها من رزقه وتدبيره سواء كان بريا أو بحريا ، وعن أبى ذر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان فقال : " يا أبا ذر هل تدرى فيم تنتطحان
؟" قال : "لا" قال : " لكن الله يدرى وسيقضى بينهما " ،
وعن عثمان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ان الجماء لتقتص
من القرناء يوم القيامة " ، وعن أبى هريرة فى قوله "الا أمم أمثالكم ما
فرطنا فى الكتاب من شىء ثم الى ربهم يحشرون " قال يحشر الخلق كلهم يوم
القيامة البهائم والدواب والطير وكل شىء فيبلغ من عدل الله يؤمئذ أن يأخذ للجماء
من الفرناء ثم يقول كونى ترابا فلذلك يقول الكافر " يا ليتنى كنت ترابا
" ، " والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات " الذين كذبوا
بآياتنا مثلهم فى جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم وهو الذى لايسمع أبكم وهو
الذى لايتكلم وهومع هذا فى ظلمات لايبصر فكيف يهتدى مثل هذا الى الطريق أو خرج مما
هو فيه ، وهذا كقوله " مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب
الله بنورهم وتركهم فى ظلمات لايبصرون * صم بكم عمى فهم لا يرجعون " ، "
من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم " الله هو المتصرف فى خلقه
بما يشاء يهدى من يشاء ويضل من يشاء .
قل أرءيتكم ان أتاكم عذاب الله
أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين * بل أياه تدعون فيكشف ما تدعون
اليه ان شاء وتنسون ما تشركون * ولقد أرسلنا الى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء
والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم
الشيطان ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى
اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا
والحمد لله رب العالمين 40 - 45
" قل أرءيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين " يخبر الله تعالى أنه الفعال لما يريد المتصرف فى خلقه بما يشاء وأنه لا معقب لحكمه ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه بل هو وحده لا شريك له الذى اذا سئل يجيب لمن يشاء قل يا محمد لهم ان أتاكم عذاب الله أو أتى يوم القيامة لا يمكنكم أن تدعوا غير الله لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذك سواه وأنتم غير صادقين فى أتخاذكم آلهة معه ، وهم لايمكنهم أن يدعوا غير ذك وهو الصدق الذى لا صدق سواه ، " بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون " فى وقت الضرورة لا تدعون أحدا سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم ، كما فى قوله " واذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون الا اياه " ، " ولقد أرسلنا الى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون " والعبرة والمثل فى من سبق من الأمم من قبلك وقد بعثنا لهم رسلهم ولكنهم صدوهم فأخذناه كعقاب لهم بالفقر والضيق فى العيش والأمراض والاسقام والآلام لعلهم يرجعون الى الله ويدعونه ويتضرعون اليه ويخشعون ، " فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا" فهل اذا ابتليناهم بذلك تضرعوا الينا وتمسكنوا لدينا ولكن ما رقت قلوبهم ولا خشعت ، " وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون " زين لهم الشيطان الشرك والمعاندةوالمعاصى ، " فما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء فلما أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون وهذا استدراج منه تعالى واملاء لهم ، عياذا بالله من مكره ، " حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون " حتى اذا فرحوا بما أتيناهم من الأموال والأولاد والأرزاق أخذناهم على غفلة فاذا هم آيسون من كل خير ، قال أبن عباس المبلس الآيس ، وقال الحسن البصرى من وسع الله فلم ير أنه يمكر به فلا رأى له ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأى له وقرأ الآية ، وقال قتادة بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوما قط الا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله فانه لا يغتر بالله الا القوم الفاسقون ، وعن عقبة بن عامر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " اذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فانما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية ، وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف ، واذا أراد الله بقوم اقتطاعا فتح لهم أو فتح عليهم باب خيانة " حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون " ، " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" الله سبحانه وتعالى يقطع دابر الظالمين وهو الجدير بالحمد هو رب العالمين .قل أرءيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون * قل أرءيتكم ان أتاكم عذاب الله بغتة أوجهرة هل يهلك الا القوم الظالمون * وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون 46 - 49
"
قل أرءيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به
أنظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون " يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله
عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين أرأيتم أن سلبكم الله سمعكم وأبصاركم كما
أعطاعكموها ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بهما الانتفاع الشرعى وأعمى
قلوبكم فلا تستطيعون الفهم هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك اليكم اذا سلبه منكم
لايقدر على ذلك أحد سواه ، كما قال تعالى " هو الذى أنشأكم وجعل لكم السمع
والأبصار " أنظركيف نبين الآيات ونوضحها ونفسرها دالة على أنه لا اله الا
الله وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال ثم هم مع هذا البيان يصدفون أى يعرضون عن
الحق ويصدون الناس عن اتباعه وقال أبن عباس يصدفون أى يعدلون وقال السدى يصدون ،
" قل أرءيتكم أن أتاكم عذاب الله بغتة أوجهرة هل يهلك الا القوم الظالمون
" قل لهم يامحمد ان أتاكم عذاب الله بغتة وأنتم لاتشعرون به حتى بغتكم وفجأكم
أو أتاكم ظاهراعيانا انما يهلك ويحيط بالظالمين أنفسهم المشركين بالله وينجو الذين
كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، " وما نرسل
المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ومانرسل
الرسل الا مبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات ومنذرين من كفر بالله النقمات
والعقوبات ، " فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " فمن آمن
قلبه بما جاءوا به وصلح عمله باتباعه اياهم فلا خوف عليه بالنسبة لما يستقبلونه
ولا هم يحزنون على ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها ، الله
وليهم فيما خلفوه ،وحافظهم فيما تركوه ، " والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب
بما كانوا يفسقون " الذين كذبوا بآيات الله الواضحة على صدق ما بعث به رسله
ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل وخرجوا عن أوامر الله وطاعته وارتكبوا من
مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته وذلك جزاء فسقهم وخروجهم عن طاعة الله .
قل لا أقول لكم عندى خزائن
الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم انى ملك ان أتبع الا ما يوحى الى قل هل يستوى
الأعمى والبصير أفلا تتفكرون * وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم ليس لهم
من دونه ولى ولا شفيع لعلهم يتقون * ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى
يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء فتطردهم فتكون من
الظالمين * وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس
الله بأعلم بالشاكرين * واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم
على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم
50 - 54
"
قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم انى ملك ان أتبع الا
ما يوحى الى " يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل لست أملك
خزائن الله عزوجل ولا أتصرف فيها ولا أقول لكم انى أعلم الغيب انما ذاك من علم
الله عز وجل ولا أطلع منه الا على ما أطلعنى عليه ولا أدعى أنى ملك انما أنا بشر
من البشر يوحى الى من الله عز وجل شرفنى بذلك وأنعم على به ولست أخرج عن ما يوحى
قيد شبر ولا أدنى منه ، " قل هل يستوى الأعمى والبصيرأفلا تتفكرون " قل
يا محمد هل يستوى من اتبع الحق وهدى اليه ومن ضل عنه فلم ينقد له والله يوبخهم
لأنهم لا يتفكرون ، وهذا كقوله تعالى " أفمن يعلم أنما أنزل اليك من ربك الحق
كمن هو أعمى انما يتذكر أولو الألباب " ، " وأنذر به الذين يخافون أن
يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع لعلهم يتقون " وأنذر بهذا
القرآن يا محمد الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم يوم القيامة ليس لهم يومئذ قريب
ولا شفيع فيهم من عذابه ان أراده بهم ، أنذر هذا اليوم الذى لا حاكم فيه الا الله
عز وجل أنذرهم فيعملون فى هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه ،
ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه ، " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى
يريدون وجهه " لا تبعد الذين يعبدون ربهم طوال اليوم صباحا ومساءا يريدون
بذلك العمل وجه الله الكريم وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات عنك ، كم
قال " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه " ،
" ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء فتطرهم فتكونمن
الظالمين " انما حسابهم على الله عز وجل وليس على من حسابهم من شىء كما أنه
ليس عليهم من حسابى من شىء ، ان طردتهم وفعلت ذلك ستكون من المجاوزين حدود الله ،
وعن أبن مسعود قال مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب
وصهيب وبلال وعمار فقالوا : " يا محمد أرضيت بهؤلاء ؟ " فنزل فيهم
القرآن " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم " الى قوله "
أليس الله بأعلم بالشاكرين " ، وعن خباب قال جاء الأقرع بن حابس التميمى
وعيينه بن حصن الفزارى فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار
وخباب قاعدا فى ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبى صلى الله عليه
وسلم حقروهم فى نفر فى أصحابه فأتوه فخلوا به وقالوا " انما نريد أن تجعل لنا
منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فان وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب
مع هذه الأعبد فاذا نحن جئناك فأقمهم عنا فاذا نحن فرغنا فاقعد معهم ان شئت "
قال : " نعم " ، قالوا فاكتب لنا عليك كتابا قال : " فدعا بصحيفة
ودعا عليا ليكتب ونحن قعود فى ناحية فنزل جبريل فقال " ولا تطرد الذين يدعون
ربهم " الى آخر الآيات " ، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة
من يده ثم دعانا فأتيناه " ، وهذا حديث غريب فان هذه الآية مكية والأقرع بن
حابس وعيينه انما أسلما بعد الهجرة بدهر ، وقال سفيان الثورى عن المقدام بن شريح
عن أبيه قال قال سعد نزلت هذه الآية فى ستة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم
منهم أبن مسعود قال كنا نستبق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وندنو منه ونسمع
منه فقالت قريش تدنى هؤلاء دوننا فنزلت ألاية " ، " وكذلك فتنا بعضهم
ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين " وكذلك
أبتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ,
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غالب من اتبعه فى أول بعثته ضعفاء الناس
من الرجال والنساء والعبيد والاماء ولم يتبعه من الأشراف الا قليل ، وهذا كما قال
قوم نوح لنوح " وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادى الرأى" ، وكما
سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عنة تلك المسائل فقال له فأشراف الناس
يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ " فقال : " بل ضعفاؤهم " فقال : " هم
أتباع الرسل " ، كان يسخر مشركو قريش بمن آمن من ضعفائهم ويعذبون من يقدرون
عليه منهم وكانوا يقولون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ؟ أى ما كان الله ليهدى
هؤلاء الى الخير لو كان ما صاروا اليه ويدعنا ، كم قال " واذا تتلى عليهم
آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أى الفريقين خير مقاما وأحسن نديا
" ، " أليس الله بأعلم بالشاكرين " أليس هو أعلم بالشاكرين له
بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى
النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم ، كما قال تعالى " والذين جاهدوا فينا
لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين " ، وفى الحديث الصحيح " ان الله
لا ينظر الى صوركم ولا الى ألوانكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم "، وعن
عكرمة قال جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدى واوالحارث بن نوفل وقرظة
بن عبد عمرو بن نوفل فى أشراف من بنى عبد مناف من أهل الكفر الى أبى طالب فقالوا :
" يا أبا طالب لو أن أبن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فانما هم
عبيدنا وعتقاؤنا كان أعظم فى صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا اياه وتصديقنا
له قال فأتى أبو طالب النبى صلى الله عليه وسلم فحدثه بذلك فقال عمر بن الخطاب رضى
الله عنه لو فعلت ذلك حتى تنظرما الذى يريدون والى ما يصيرون من قولهم فأنزل الله
الآية ، قال وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبى حذيفة وصبيحا مولى أسيد
ومن الحلفاء أبن مسعود والمقداد بن عمرو ومسعود بن القارىء وواقد بن عبد الله
الحنظلى وعمرو بن عبد عمرو وذو السمالين ومرثد بن أبى مرثد وأبومرثد الغنوى حليف
حمزة بن عبد المطلب وأشباههم من الحلفاء فنزلت فى أئمة الكفر من قريش والموالى
والحلفاء " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا
"فلما نزلت أقبل عمر رضى الله عنه فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فاعتذر عن
مقالته فأنزل الله واذا جاءك الذين يؤمنون
بآياتنا فقل سلام عليكم " واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فأكرمهم برد السلام
عليهم وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة ، " كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه
من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم " أوجب الله
على نفسه الكريمة الرحمة تفضلا منه واحسانا وامتنانا وقال بعض السلف كل من عصى
الله فهو جاهل والدنيا كلها جهالة ثم رجع عما كان عليه من المعاصى وأقلع وعزم على
أن لايعود وأصلح فى المستقبل فان الله غفور رحيم ،وعن أبى هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " لما قضى الله على الخلق كتب فى كتاب فهو عنده فوق
العرش ان رحمتى غلبت غضبى " ، وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " اذا فرغ الله من القضاء بين الخلق أخرج كتابا من تحت العرش أن رحمتى
سبقت غضبى وأنا أرحم الراحمين فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلقل لم يعملوا
خيرا مكتوب بين أعينهم عتقاء الله " ، ومن الأحاديث أيضا قوله صلى الله عليه
وسلم لمعاذ بنجبل : " أتدرى ما حق الله على العباد ؟ " أن يعبدوه ولا
يشركوا به شيئا " ثم قال : " أتدرى ما حق العباد على الله اذا فعلوا ذلك
؟ " أن لا يعذبهم " .
وكذلك نفصل الآيات ولتستبين
سبيل المجرمين * قل انى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم
قد ضللت اذا وما أنا من المهتدين * قل انى على بينة من ربى وكذبتم به ما عندى ما
تستعجلون به ان الحكم الا لله يقص الحق وهوخير الفاصلين* قل لو عندى ما تستعجلون
به لقضى الأمر بينى وبينكم والله أعلم بالظالمين * وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها
الا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة فى ظلمات
الأرض ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين 55 - 59
وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم
ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى عنده ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما
كنتم تعملون * وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى اذا جاء أحدكم الموت
توفته رسلنا وهم لا يفرطون * ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع
الحاسبين 60 - 62
" وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما
جرحتم بالنهار " يقول تعالى أنه يتوفى عباده فى منامهم بالليل وهذا هو التوفى
الأصغر ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار وهذه جملة معترضة دلت على أحاطة علمه
تعالى بخلقه فى ليلهم ونهارهم فى حال سكونهم وحال حركتهم والله يعلم ما كسبتم من
الأعمال فى النهار ، وقال تعالى "
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت
ويرسل الأخرى الى أجل مسمى " فى هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى ، "
كما قال " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب
بالنهار " ، كما قال تعالى " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا
فيه " ، " ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما
كنتم تعملون " ثم يبعثكم فى النهار ليقضى أجل كل واحد من الناس ثم يوم
القيامة اليه المرجع فيخبركم بما عملتم فى الدنيا ويجزيكم على ذلك ان خير فخير وان
شر فشر ، " وهو القاهر فوق عباده " وهو الذى قهر كل شىء وخضع لجلاله
وعظمته وكبريائه كل شىء ، " ويرسل عليكم حفظة " ويرسل الله من الملائكة
من يحفظون بدن الانسان أو يحفظون عمله ويحصونه ، كقوله " وان عليكم لحافظين
" ، وكقوله " عن اليمين والشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
" ، " حتى اذاجاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون " اذا
احتضر الانسان وحان أجله توفته ملائكة موكلون بذلك وهم لا يفرطون فى حفظ روح
المتوفى بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله عز وجل ان كان من الأبرار ففى عليين
وان كان من الفجار ففى سجين عياذا بالله من ذلك ، قال أبن عباس وغير واحد : "
لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت اذا أنتهت
الى الحلقوم " ، " ثم ردوا الى الله مولاهم الحق " الخلائق كلهم
ردوا الى الله يوم القيامة فيحكم فيهم بعدله ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن
النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ان الميت تحضره الملائكة فاذا كان الرجل
الصالح قالوا : " اخرجى أيتها النفس الطيبة كانت فى الجسد الطيب ، اخرجى
حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج
بها الى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة
كانت فى الجسد الطيب ادخلى حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال
لها ذلك حتى ينتهى بها الى السماء التى فيها الله عز وجل ، واذا كان الرجل السوء
قالوا اخرجى أيتها النفس الخبيثة كانت فى الجسد الخبيث اخرجى ذميمة وأبشرى بحميم
وغساق وآخر من شكله أزواج فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها الى السماء
فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال فلان فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت فى الجسد
الخبيث ارجعى ذميمة فانه لا يفتح لك أبواب السماء فترسل من السماء ثم تصير الى
القبر فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل فى الحديث الأول ويجلس الرجل السوء فيقال
له مثل ما قيل فى الحديث الثانى ، وهذا حديث غريب ، ، " ألا له الحكم وهو
أسرع الحاسبين " هو الله الذى له الحكم وهو الذى يجازى كل بعمله يوم القيامة
وهو سريع الحساب ولا يترك الظالمين على ظلمهم وهو العدل ، كم قال " ان
الأولين والآخرين لمجمعون الى ميقات يوم معلوم " ، وكما قال " وحشرناهم
فلم نغادر منهم أحدا " ، وكما قال " ولا يظلم ربك أحدا " .
قل من ينجيكم من ظلمات البر
والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجيكم
منها ومن كل كرب ثم أنت تشركون * قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم
أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم
يفقهون 63 - 65
" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا
من هذه لنكونن من الشاكرين "
قل لهم يا محمد أو المخاطب هل يستطيع أحد أن ينجيكم من ظلمات البر والبحر اذا أقبل الليل و حاق بكم الخطر وهاج البحر وماج أوعصفت الريح فاحالت النهار الى ليل كما نراه يحدث فى ظواهر التوسنامى والأعاصير وكما يحدث فى الصحراء ، هذه قدرات الله سبحانه وتعالى ، فى هذا الموقف العصيب لا يملك الانسان سوى الدعاء ويرجو رحمة ربه ويتضرع اليه ويفرد الدعاء لله وحده لا شريك له أن ينجيه من هذه الضائقة الشديدة فيتوجه اليه بالشكر ، " قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنت تشركون " الله هو القادر الذى ينجى الانسان من المهالك ويحفظ السموات والأرض من الزوال ولكن الانسان جاحد لايذكر الله الا فى الكرب وبعد أن ينجيه يشرك عقب ذلك ، كم فى قوله سبحانه وتعالى " هو الذى يسيركم فى البر والبحر حتى اذاكنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجانا من هذه لنكون من الشاكرين " ، " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون " قل للمشركين الكافرين أن الله هو وحده القادر على أن ينزل عليكم العذاب من السماءمن فوقكم وهو الرجم بكل صنوفه وهى كثيرة متنوعة ، والله هو القادر أن يعث عليكم العذاب من تحت أرجلكم الخسف من براكين وزلازل وسيول وفيضانات وكل أنواع العذاب ، وهو القادر على أن يجعلكم شيعا متفرقة ويذيق بعضكم بأس بعض ، ويدعوالله الى تدبر قدرته وأنه هو الحافظ وهو الذى يرسل الآيات الدالات على قدرته لعل الانسا ن يتفكر فى قدرته ويعلم أنه هو القادر وحده لا شريك له ,ويجعلكم ملتبسين شيعا فرقا متخالفين وفى الحديث المروى من طرق عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار الا واحدة " ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف " ، قالوا ونحن نشهد أن لا أله الا الله وأنك رسول الله قال :" نعم " ، ويتعلق بهذه الآية أحاديث كثرة ، فعن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بنى معاوية فدخل فصلى ركعتين فصلينا معه فناجى ربه عز وجل طويلا ثم قال : " سألت ربى ثلاثا ، سألته أن لا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتى بالسنة فأعطانيها ، وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " ، عن حذيفة بن اليمان قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حرة بنى معاوية فصلى ثمانى ركعات فأطال فيهن ثم التفت الى فقال : " حبستك ياحذيفة " قلت الله ورسوله أعلم " قال : " انى سألت الله ثلاثا فأعطانى اثنتين ومنعنى واحدة ، سألته أن لا يسلط على أمتى عدوا من غيرهم فأعطانى ، وسألته أن لا يهلكهم بغرق فأعطانى ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنى " ، وعن أنس بن مالك أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر صلى سبحة الضحى ثمانى ركعلت فلما انصرف قال : " انى صليت صلاة رغبة ورهبة وسألت ربى ثلاثا فأعطانى أثنتين ومنعنى واحدة سألته أن لا يبتلى أمتى بالسنين ففعل ، وسألته أن لا يلبسهم شيعا فأبى على " وعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان الله زوى لى الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها ، وأن ملك أمتى سيبلغ ما زوى لى منها ، وانى أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر ، وانى سألت ربى عز وجل أن لا يهلك أمتى بسنة وأن لا يسلط عليهم عدوا فيهلكهم بعامة ، وأن لايلبسهم شيعا وأن لايذيق يعضهم بأس بعض فقال : " يا محمد انى اذا قضيت قضاء فانه لايرد وانى قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا ممن سواهم فيهلكهم بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسىء بعضا " وقال النبى صلى الله عليه وسلم : " انى لا أخاف على أمتى الا الأئمة المضلين قاذا وضع السيف فى أمتى لم يرفع عنهم الى يوم القيامة " ، وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " سألت ربى لأمتى أربع خصال فأعطانى ثلاثا ومنعنى واحدة سألته أن لاتكفر أمتى واحدة فأعطانيها ، وسألته ان لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فاعطانيها ، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " .
وكذب به قومك وهو الحق قل لست
عليكم بوكيل * لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون * واذا رأيت الذين يخوضون فلا آياتنا فأعرض
عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم
الظالمين * وما على الذين يتقون من حسابهم من شىء ولكن ذكرى لعلهم يتقون 66 - 69
" وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل " كذب بالقرآن الذى
جئتهم به قومك أى قريش وهو الحق الذى ليس وراءه حق وقل لهم لست عليكم بحفيظ ولست
بوكيل بكم ، انما على البلاغ وعليكم السمع والطاعة فمن أتبعنى سعد فى الدنيا
والآخرة ومن خالفنى فقد شقى فى الدنيا والآخرة ، وكما قال " وقل الحق من ربكم
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " " لكل نبأ مستقر " لكل نبأ حقيقة
أى لكل خبر وقوع ولو بعد حين ، كما قال تعالى " ولتعلمن نبأه بعد حين "
، " وسوف تعلمون " وهذا تأكيد من الله بوقوع الحقيقة ، " واذا رأيت
الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره " واذا رأيت الذين
يخوضون فى آيات الله بالتكذيب والاستهزاء فابتعد عنهم وتجنبهم حتى يأخذوا فى كلام
آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب ، " واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد
الذكرى مع القوم الظالمين " المراد بذلك كل فرد من آحاد الأمة أن لا يجلس مع
المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير موضعها فان جلس أحد معهم ناسيا
بفعل الشيطان فلا يقعد بعد التذكر مع القوم الظالمين أى الكافرين ، وفى الحديث
" رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ، وكما فى قوله
" وقد نزل عليكم فى الكتاب أن اذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا
تقعد معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره انكم اذا مثلهم " انكم اذا جلستم معهم
وأقررتموهم على ذلك فقد ساويتموهم فيما هم فيه ، " وما على الذين يتقون من
حسابهم من شىء " اذا تجنبوهم وأعرضوا عنهم فلم يجلسوا معهم فى ذلك فقد برءوا
من عهدتهم وتخلصوا من اثمهم ، " ولكن ذكرى لعلهم يتقون " أمرناهم
بالاعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون اليه .
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا
ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أ ن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله
ولى ولا شفيع وان تعدل كل عدل لايؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب
من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون 70
" وذر الذين أتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا " أعرض عن الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وأمهلهم قليلا فانهم صائرون الى عذاب عظيم ، " وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت " ذكر الناس بهذا القرآن وحذرهم نقمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة لئلا تبسل أى تسلم أو تفتضح أو تؤاخذ نفس بما كسبت من الأثم وحاصلها أن تسلم للهلكة والحبس عن الخير والارتهان عن درك المطلوب ، كم فى قوله " كل نفس بما كسبت رهينة الا أصحاب اليمين " ، " ليس لها من دون الله ولى ولا شفيع " ليس لها قريب ولا أحد يشفع فيها كقوله " من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون " ، " وان تعدل كل عدل لايؤخذ منها " ولو بذلت كل مبذول ما قبل منها ، كقوله " ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا " ، " أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون " هؤلاء هم الذين هلكوا وحبسوا عن الخير بما فعلوا من شر وكسبته أيديهم من الأثم جزاءهم جهنم لهم فيها شراب من المعدن المغلى الذى يشوى البطون ولهم فيها العذاب الأليم جزاء كفرهم بالله .
قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل ان هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين * وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذى اليه تحشرون * وهو الذى خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ فى الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير 71 - 73
"
قل أندعوا من دون الله ما لاينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا " قال السدى
قال المشركون للمسلمين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد فانزل الله قل لهم أندعوا
الى الكفر بعيدا عن سبيل الله ونتبع أصناما لا تنفع ولا تضر ونرجع كفارا كما كنا
بعد هداية الله لنا ، " كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران له أصحاب
يدعونه الى الهدى ائتتنا " فيكون مثلنا مثل الذى استهوته السياطين أضلته فى
الأرض لايستجيب لهدى الله رجل أطاع الشيطان وعمل فى الأرض بالمعصية وحاد عن الحق
وضل عنه وله أصحاب يدعونه الى الهدى ويزعمون أن الى يأمرونه به هو الهدى يقول مثلكم ان كفرتم بعد ايمانكم كمثل رجل خرج
مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته فى الأرض وأصحابه على
الطريق فجعلوا يدعونه اليهم يقولون أئتنا فانا على الطريق فأبى أن يأتيهم فذلك مثل
من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحمد هو الذى يدعو الى الطريق
والطريق هو الاسلام ، وكما قال أبنجرير فان السياق يقتضى أن هذا الذى استهوته
الشياطين فى الأرض حيران وهو فى حال حيرته وضلاله وجهله توجه المحجة وله أصحاب على
المحجة سائرون فجعلوا يدعونه اليهم والى الذهاب معهم على الطريقة المثلى فبأبى
عليهم ولا يلتفت اليهم ولو شاء الله لهداه ولرد به الى الطريق ولذلك قال " قل
ان هدى الله هو الهدى " ، وكم قال " ومن يهد الله فما له من مضل "
، وكما قال " ان تحرص على هداهم فان الله لايهدى من يضل وما لهم من ناصرين
" ، " وأمرنا لنسلم لرب العالمين " أمرنا أن نخلص العبادة لله وحده
لا شريك له ، " وأن أقيموا الصلاة واتقوه " وأمرنا باقامة الصلاة وبتقوى
الله فى جميع الأحوال ، " وهو الذى اليه تحشرون " والله وحده هو الذى
تحشرون اليه يوم القيامة اى يجمعكم لتلقى الحساب والجزاء ،" وهو الذى خلق
السموات والأرض بالحق " الله هو الذى خلق السموات والأرض بالعدل فهو خالقهما
ومالكهما والمدبر لهما ولمن فيهما يوم يقول كن فيكون فذكر بدء الخلق واعادته ،
" ويوم يقول كن فيكون " يعنى يوم القيامة الذى يقول الله كن فيكون عن
أمره كلمح البصر أوهو أقرب ، " قوله الحق وله الملك " صفتان لرب
العالمين كل قوله سبحانه وتعالى حق لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو
الذى ملك السموات والأرض ، " يوم ينفخ فى الصور " يوم القيامة يوم البعث
يوم ينفخ فى الصور فتحيا وترجع ، والمراد بالصور القرن الذى ينفخ فيه اسرافيل عليه
السلام ، وقال أبن جرير الصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال :" ان اسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر
فينفخ " رواه مسلم فى صحيحه ، وعن
أبى هريرة رضى اللهعنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى طائفة من
أصحابه فقال : " ان الله فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه اسرافيل
فهو واضعه على فيه شاخصابصره الى العرش ينتظر متى يؤمر " قلت : " يارسول الله وما الصور ؟ " قال :
" القرن " قات كيف هو ؟ " قال :" عظيم والذى بعثنى بالحق ان
عظم دارة فيه كعرض السموات والأرض ينفخ فيه ثلاث نفخات النفخة الأولى نفخة الفزع
والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين يأمر الله تعالى اسرافيل
بالنفخة الأولى فيقول انفخ فينفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السموات والأرض الا من شاء
الله ويأمره فيطيلها ويديمها ولا يفتر كقول الله " وما ينظر هؤلاء الا صيحة
واحدة ما لها من فواق " فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب فتكون سرابا ثم
ترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة المرمة فى البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها
كالقنديل المعلق فى العرش ترجه الرياح وهو الذى يقول " يوم ترجف الراجفة *
تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة " فيميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع
وتضع الحوامل وتشيب الولدان وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتى الأقطار
فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع ويولى الناس مدبرين ما لهم من أمر الله من
عاصم ينادى بعضهم بعضا وهو الذى يقول سبحانه " يوم التناد " فبينا هم
على ذلك اذ تصدعت الأرض من قطر الى قطر فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله وأخذهم لذلك
الكرب والهول ما الله به عليم ثم نظروا الى السماء فاذا هى كالمهل ثم انشقت السماء
فانتثرت نجومها وانخسفت شمسها وقمرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
الأموات لايعلمون بشىء من ذلك " قال أبو هريرة يارسول الله من استثنى الله عز
وجل حين يقول " ففزع من فى السموات ومن فى الأرض الا من شاء الله "؟ قال
: " أملئك الشهداء " وانما يصل الفزع الى الأحياء وهم أحياء عند ربهم
يرزقون وقاهم الله فزع اليوم وآمنهم منه وهو عذاب الله يبعثه على شرار الخلق - قال
- وهو الذى يقول الله عز وجل " يا أيها الناس أتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شىء
عظيم * يوم ترونا تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى
وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " فيقومون فى ذلك العذاب ما شاء الله الا
أنه يطول ثم يأمر الله اسرافيل بنفخة الصعق فينفخ نفخة الصعق فيصعق أهل السموات
والأرض الا من شاء الله فاذا هم قد خمدوا وجاء ملك الموت الى الجبار عز وجل فيقول
يا رب قد مات أهل السموات والأرض الا من شئت فيقول الله وهو أعلم بمن بقى : فمن
بقى ؟ فيقول يا رب بقيت أنت الحى الذىلا تموت وبقيت حملة العرش وبقى جبريل
وميكائيل وبقيت أنا فيقول الله عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل فينطق الله العرش
فيقول يارب يموت جبريل وميكائيل ، فيقول اسكت ، فانى كتبت الموت على كل من كان تحت
عرشى فيموتان ثم يأتى ملك الموت الى الجبار فيقول يارب قد مات جبريل وميكائيل
فيقول الله وهو أعلم بمن بقى : فمن بقى ؟ فيقول بقيت أنت الحى الذى لا تموت وبقيت
حملة عرشك وبقيت أنا فيقول الله لتمت حملة العرش فتموت ويأمر الله العرش فيقبض
الصور من اسرافيل ثم يأتى ملك الموت فيقول يارب قد مات حملة عرشك فيقول الله وهو
أعلم بمن بقى ؟ فمن بقى ؟ فيقول يارب بقيت أنت الحى الذى لا تموت وبقيت أنا فيقول
الله أنت خلق من خلقى خلقتك لما رأيت فمت فيموت فاذا لم يبقى الا الله الواحد
القهار الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد كان آخرا كما كان أولا طوى السموات
والأرض طى السجل للكتب ثم دحاها ثم يلقفها ثلاث مرات ثم يقول أنا الجبار أنا
الجبار لأنا الجبار ثلاثا ثم هتف بصوته " لمن الملك اليوم ؟ " ثلاث مرات
فلا يجيبه أحد ثم يقول لنفسه " لله الواحد القهار " ، يقول الله "
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات " فيبسطها ويسطحها ثم يمدها مد الأديم
العكاظى " لاترى فيها عوجاولا أمتا " ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة
فاذا هم فى فى هذه الأرض المبدلة مثل ما كانوافيها من الأولى من كان فى بطنها كان
فى بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ثم ينزل الله عليهم ماء من تحت العرش ثم
يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوما حتى يكون الماء فوقهم اثنى عشر ذراعا
ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث أو كنبات البقل حتى اذا تكاملت
أجسامهم فكانت كما كانت قال الله عز وجل ليحى حملة عرشى فيحيون ويأمر الله اسرافيل
فيأخذ الصور فيضعه على فيه ثم يقول ليحى جبريل وميكائيل فيحييان ثم يدعو الله
بالأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا وأرواح الكافرين ظلمة فيقبضها جميعا
ثم يلقيها فى الصور ثم يأمر الله اسرافيل أن ينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح كأنها
النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول وعزتى وجلالى ليرجعن كل روح الى جسده
فتدخل الأرواح فى الأرض الى الأجساد فتدخل فى الخياشيم ثم تمشى فى الأجساد كما
يمشى السم فى اللديغ ثم تنشق الأرض عنهم وأنا أول من تنشق الأرض عنه فتخرجون سراعا
الى ربكم تنسلون " مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا سوم عسر " حفاة
عراة غلفا غرلا فتقون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما لاينظر اليكم ولا يقضى بنكم
فتبكون حتى تنقطع الدموع ثم تدمعون دما وتعرقون حتى يلجمكم العرق أو يبلغ الأذقان
وتقولون من يشفع لنا الى ربنا فيقضى بيننا فتقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه
الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا فيأتون آدم فيطلبون ذلك اليه فيأبى ويقول
ما أنا بصاحب ذلك فيستقرئون الأنبياءنبيا نبيا كلما جاءوا نبيا أبى عليهم - قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى يأتونى فأنطلبق الى الفحص فأخر ساجدا - قال
أبو هريرة يا رسول الله وما الفحص ؟ " قال : " قدام العرش حتى يبعث اله
الى ملكا فيأخذ بعضدى ويرفعنى فيقول لى يا محمد فأقول نعم يا رب ، فيقول الله عز
وجل ما شأنك وهو أعلم _ فأقول يا رب وعدتنى الشفاعة فشفعنى فى خلقك فاقض بنهم قال
الله قد شفعتك أنا آتيكم أقضى بينكم - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأرجع
فأقف مع الناس فبينما نحن وقوف اذ سمعنا من السماء حسا شديدا فهالنا فينزل أهل
السماء الدنيا بمثلى من فى الأرض من الجن والأنس حتى اذا دنوا من الأرض أشرقت
الأرض بنورهم وأخذوامصافهم وقلنا لهم أفيكم ربنا ؟ قالوا : "لا وهو آت "
، ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثلى من نزل من الملائكة وبمثلى من فيها من الجن
والأنس حتى اذا دنوا من الأرض أشرقت بنورهم وأذوا مصافهم وقلنا لهم أفيكم ربنا ؟
فيقولون :" لا " وهو آت ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل
الجبار عز وجل فى ظلل من الغمام والملاءئكة فيحمل عرشه يومئذ ثمانية - وهم اليوم
أربعة - أقدامهم فى تخوم الأرض السفلى ، والأرض والسموات الى حجزهم والعرش على
مناكبهم لهم زجل فى تسبيحهم يقولون سبحان ذى العرش والجبروت سبحان الحى الذى لا
يموت سبحان الذى يميت الخلائق ولا يموت سبوح قدوس قدوس قدوس سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح سبحان
ربنا الأعلى الذى يميت الخلائق ولا يموت فيضه الله كرسيه حيث يشاء من أرضه ثم يهتف
بصوته فيقول يا معشر الجن والنس انى قد أنصت لكم منذ خلقكم الى يومكم هذا أسمع
قولكم وأبصر أعمالكم فانصتوا الى فانما هى أعمالكم وصفكم تقرأ عليكم فمن وجد خيرا
فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الانفسه ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق
ساطع مظلم ، ثم يقول " ألم أعهد اليكم يا بنى لآدم أن لاتعبدوا الشيطان انه
لكم عدومبين " ويستمر الحديث وهوطويل حديث الصور من طريق الحافظ ابى القاسم
اطبرانى فى كتابه المطولات وقد اختلف فيه فمنهممن وثقه ومنهممن ضعفه ونص على نكارة
حديثه غير واحد من الأئمة كأحمد بنحنبل وأبى حاتم الرازى ومنهم من قال فيه متروك .
واذ قال ابراهيم لأبيه آزر
أتتخذ أصناما الهة انى أراك وقومك فى ضلال مبين * وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات
والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربى فلما أفل
قال لا أحب الأفلين * فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى
ربى لأكونن من القوم الضالين * فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما
أفلت قال يقوم انى برىء مما تشركون * انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا
وما أنا من المشركين 74 - 79
وحاجه قومه قال أتحاجونى فى
الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به الا أن يشاء ربى شيئا وسع ربى كل شىء علما
أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به
عليكم سلطانا فأى الفريقين أحق بالأمن ان كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا
ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه
نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم 80 - 83
" وحاجه قومه قال أتحاجونى فى الله وقد هدان " يقول الله مخبرا عن خليله ابراهيم حين جادله قومه فيما ذهب اليه من التوحيد وناظروه بشبه من القول فقال تجادلوننى فى أمر الله وأنه لا اله الاهو وقد بصرنى وهدانى الى الحق وأنا على بينة منه فكيف ألتفت الى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة ، " ولا أخاف ما تشركون به " ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم اليه أن هذه الآلهة التى تعبدونها لا تؤثر شيئا وأنا لا أخافها ولا أباليها فان كان لها كيد فكيدونى بها ولا تنظرون بل عاجلونى بذلك " الا أن يشاء ربى شيئا " استثناء منقطع أى لا يضر ولا ينفع الا الله عز وجل ، " أفلا تتذكرون " فيما بينته لكم أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها وهذه الحجة نظير ما احتج بها نبى الله هود عليه السلام على قومه " قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * ان نقول الا أعتراك بعض آلهتنا بسوء قال انى أشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون " ، " وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأى الفريقين أحق بالأمن ان كنتم تعلمون " كيف أخاف من هذه الأصنام التى تعبدونها من دون الله وأنتم فى كفركم لا تخافون عاقبة شركم بالله دون دليل واضح فأى الطائفتين أصوب الذى عبد من بيده الضر والنفع أو الذى عبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل أيهما أحق بالأمن من عذاب الله يوم القيامة لا شريك له ، " الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم ا لقيامة المهتدون فى الدنيا والآخرة ، عن عبد الله قال : " لما نزلت " ولم يلبسوا ايمانهم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : " وأينا لم يظلم نفسه ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس كما تظنون انما قال لأبنه " يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم " ، وعن أبن عباس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسير ساره اذ عرض له أعرابى فقال يا رسول الله والذى بعثك بالحق لقد خرجت من بلادى وتلادى ومالى لأهتدى بهداك وآخذ من قولك وما بلغتك حتى ما لى طعام الا من خضر الأرض فأعرض على فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل فازدحمنا حوله فدخل بكره فى بيت جرذان فتردى ألاعرابى فانكسرت عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق والذى بعثنى بالحق لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدى بهداى ويأخذ من قولى وما بلغنى حتى ما له طعام الا من خضر الأرض أسمعتم بالذى عمل قليلا وأجر كثيرا ؟ هذا منهم ، أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ؟ فان هذا منهم " وفى لفظ قال " هذا عمل قليلا وأجر كثيرا " ، وعن عبد الله بن سخبرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطى فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر " وسكت فقالوا :" يارسول الله ماله ؟ " قال " أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " ، " وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم " هذ ا هو البرهان والدليل الذين آتيناه ابراهيم ليواجه قومه الكافرين وقد صدقه الله وحكم له بالأمن والهداية والله يرفع من يشاء درجات عليا بمشيئته لمن يستحق وهوحكيم فى أقواله وأفعاله عليم بمن يهديه ومن يضله وان قامت عليه الحجج والبراهين .
ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا
هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهاون وكذلك
نجزى المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين * واسماعيل واليسع
ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم
وهديناهم الى صراط مستقيم * ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا
لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين أتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر
بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم
اقتده قل لا أسئلكم عليه أجرا ان هو الا ذكرى للعالمين 84 - 90
" ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلاهدينا " يذكر الله تعالى أنه وهب لابراهيم اسحاق بعد أن طعن فى السن وأيس هووامرأته سارة من الولد فجاءته الملائكة وهم ذاهبون الى قوم لوط فبشروهما باسحاق فتعجبت المرأة من ذلك وقالت " يا ويلتى ألد وأنا عجوزوهذا بعلى شيخا ان هذا لشىء عجيب " ،وفى آية أخرى " فبشرناه باسحاق ومنوراء اسحاق يعقوب " ، أى ويولد لهذا المولود ولد فى حياتكما فتقر أعينكما به كما قرت بوالده فان الفرح بولد الولدشديد لبقاء النسل والعقب ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لا يعقب لضعفه وقعت البشارة به وبولده بأسم يعقوب الذى فيه اشتقاق العقب والذرية ، وكان هذا مجازاة لابراهيم عليه السلام حين اعتزل قومه وتركهم ونزع عنهم وهاجر من بلادهم ذاهبا الى عبادة الله فى الأرض فعوضه الله عزوجل عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه على دينه لتقر بهم عينه كما قال تعالى " فلمت اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا " وهنا " ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا " ، " ونوحا هدينا من قبل" من قبله هدينا نوح ووهبنا له ذرية صالحة وكل منهما له خصوصية عظيمة ن أما نوح عليه السلام فان الله تعالى لما أغرق أهل الأرض الا من آمن به وهم الذين صحبوه فى السفينة جعل الله ذريته هم الباقين فالناس كلهم من ذريته ، وأما الخليل ابراهيم عليه السلام فلم يبعث الله عزوجل بعده نبيا الا من ذريته كما قال تعالى " وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتاب " ،وفى آية أخرى " ولقد أرسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتاب " ، ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين *وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين ÷ واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين " من ذرية سيدنا ابراهيم داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى والياس واسماعيل واليسع ويونس ولوط وفى ذكرعيسى عليه السلام فى ذرية ابراهيم أو نوح على القول الآخر دلالة على دخول ولد البنات فى ذرية الرجل لأن عيسى عليه السلام انما ينسب الى ابراهيم عليه السلام بأمه مريم عليها السلام فانه لا أب له ، ويدخل بنو البنات فى الذرية لما ثبت فى صحيح البخارى أن رسول الله قال للحسن بن على :" ان ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فسماه ابنا فدل على دخوله فى الأبناء ، " ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم " ذكر أصولهم وفروعهم وذوى طبقتهم ، " واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم " انماحصل الاجتباء والهدى بتوفيق الله وهدايته اياهم ، " ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " هذا تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه وتعظيم لملابسنه لوكانوا أشركوا لفسد عملهم وأصابه الفشل والبوار ، كما قال " ولقد أوحى اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك"، " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة " أولئك الذين أنعمنا عليهم بانزال الكتب عليهم وأتيناهم الحكم والنبوة ، " فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بكافرين " بان يكفر بالنبوة هؤلاء يعنى أهل مكة ، ان يكفر بهذه النعم من كفر من قريش وغيرهم من سائر أهل الأرض من عرب وعجمومليين وكتابيين فقد وكلنا ىبها قوما آخرين أى المهاجرين والأنصار وأتباعهم الى يومالقيامة ، " ليسوا بها بكافرين " لايجحدون منها شيئا ولايردون منها حرفا واحدا بل يؤمنون بجميعها محكمها ومتشابهها جعلنا الله منهم بمنه وكرمه واحسانه ، " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده هم أهل الهدى لاغيرهم واقتد بهم واتبع هداهم ، واذا كان هذا أمرا للرسول صلى الله عليه وسلم فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به ، " قل لا اسألكم عليه أجرا ان هو الا ذكرى للعالمين " لا أطلب منكم على ابلاغى اياكم هذا القرآ، أجرا ولا أريد منكم شيئا وهذا القرآن ذكرى للعالمين يتذكرون به فيرشدوا من العمى الى الهدى ، ومن الغى الى الرشاد ومن الكفر الى الايمان .
و ما قدروا الله حق قدره اذ
قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى
للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم
قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه
ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم
يحافظون 91 - 92
" وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء " " يقول تعالى وما عظموا الله حق تعظيمه اذ كذبوا رسله اليهم ، قال أبن عباس نزلت فى قريش وقيل نزلت فى طائفة من اليهود ،وقيل فى فنحاص رجل منهم والأول أصح لأن الآية مكية واليهود لا ينكرون انزال الكتاب من السماء وقريش والعرب قاطبة ينكرون ارسال محمد صلى الله عليه وسلم لأنه من البشر ،كما قال " أكان للناس عجبا ان أوحينا الى رجل منهم أن أنذر الناس " ، " قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس " قل يا محمد لهؤلاء المنكرين لانزال شىء من الكتب من عند الله أن الله هومن أنزل الكتاب الذى جاء به موسى عليه السلام وهو التوراة التى قدعلمتم وكل أحد أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران نورا وهدى للناس أى ليستضاء بها فى كشف المشكلات ويهتدى بها من ظلم الشبهات ، " تجعلونها قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " تجعلون جملتها قراطيس أى قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلى الذى بأيديكم وتحرفون منها ما تحرفون ،وتبدلون وتتأولون وتقولون هذا من عند الله ، أى فى كتابه المنزل وما هومن عند الله ، " وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا أباؤكم " الله يخاطب كفار قريش قال قتادة هؤلاء مشركوا العرب وقال مجاهد هذه للمسلمين أى قل من أنزل القرآن الذى علمكم الله فيه من خبر من سبق ونبأ ما يأتى ما لم تعلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم قال أبن عباس قل الله أنزله ، " ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون " ثم دعهم فى جهلهم وضلالهم يلعبون حتى يأتيهم من الله اليقين فسوف يعلمون ألهم العاقبة أم لعباد الله المتقين ؟ ،" وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون "هذا الكتاب يعنى القرآن انزله الله مبارك مصدقا لما أنزل من قبله من الكتب أنزله الله لينذر به الرسول صلى الله عليه وسلم مكة وهى أم القرى ومن حولها من أحياء العرب وهى سائر طوائف بنى آدم من عرب وعجم ، وكما قال فى آية أخرى " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " ، كم قال " تبارك الذى نزل الفرقان ليكون للعالمين نذيرا " ، وثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى " وذكر منهن " وكان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة " ، " والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون "كل من آمن بالله واليوم الآخر يؤمن بهذا الكتاب المبارك الذى أنزلناه اليك يا محمد وهو القرآن ويقومون بما فرض الله عليهم من أداء الصلوات فى أوقاتها .
ومن أظلم ممن افترى على الله
كذبا أو قال أوحى الى ولم يوح اليه شىء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولوترى اذ
الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون
بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن أياته تستكبرون * ولقد جئتمونا فرادى
كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين
زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون 93 - 94
" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى الى ولم يوح اليه شىء
" لا أحد أظلم ممن كذب على الله فجعل له شركاء أو ولدا أو ادعى أن الله أرسله
الى الناس ولم يرسله ، قال عكرمة وقتادة نزلت فى مسيلمة الكذاب ، " ومن قال
سأنزل مثل ما أنزل الله " ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحى
مما يفتريه من القول ، كم قال " واذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا
لونشاء لقلنا مثل هذا " ،
" ولو ترى اذ الظالمون فى غمرات الموت " ينبه الله الى الكافرون
وهم فى سكرات الموت وغمراته وكرباته ، " والملائكة باسطوا أيديهم "
الملائكة باسطوا لهم أيديهم بالضرب لهم والعذاب حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم ،
" أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق
وكنتم عن آياته تستكبرون " الكافر اذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال
والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم فتتفرق روحه فى جسده وتعصى
وتأبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم اليوم تهانون غاية
الاهانة كما كنتم تكذبون على الله وتستكبرون على اتباع آياته والانقياد لرسله ،
وقدورجت الأحاديث المتواترة فى كيفية احتضار المؤمن والكافر عند الموت ، "
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم و ما نرى
معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون
" يقال لهم يوم معادهم لقد جئتمونا فرادى كماخلقناكم أول مرة أى كما بدأناكم
أعدناكم وقدكنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه فهذا يوم البعث وتركتم وراء ظهوركم ما
خولناكم من النعم والأموال التى اقتنيتموها فى الدار الدنيا وراء ظهوركم ، وثبت فى
الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول ابن آدم مالى مالى وهل
لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما سوى ذلك
فذاهب وتاركه للناس " وتقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا فى الدنيا من
الأنداد والأصنام والأوثان ظانين أنها تنفعهم فى معاشهم ومعادهم ، ان كان ثم معاد
فاذا كان يوم القيامة تقطعت الأسباب وانزاح الضلال وضل عنهم ما كانوا يفترون
ويناديهم الرب جل جلاله على رءوس الخلائق " اين شركئى الذين كنتم تزعمون ؟
" ، وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون ؟ ولهذا
قال " وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء " الله يسخر
ويوبخ الذين كفروا على ما كانوا اتخذوا فى الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان
ظانين أنها تنفعهم فى معاشهم ومعادهم ثم اذا كان ميعاد يوم القيامة لم يعد ينفعهم
أحد ، " لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " ويأتى الرد الالهى
لقد تقطع ما بينكم من الأسباب والوصلات والوسائل وذهب عنكم ما كنتم تزعمونه من
رجوى الأصنام والأنداد ، كم فى قوله " اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا
ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم
كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
" .
ان الله فالق الحب والنوى يخرج
الحى من الميت ومخرج الميت من الحى ذلكم الله فأنى تؤفكون * فالق الاصباح وجعل
الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم * وهو الذى جعل لكم
النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون 95 - 97
" ان الله فالق الحب والنوى " يخبر تعالى عن قدرته فى الخلق والكون فهو فالق الحب والنوى أى يشقه فى الثرى فتنبت منه الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها من النوى ، " يخرج الحى من الميت ومخرج الميت من الحى " يخرج النبات الحى من الحب والنوىالذى هو كالجماد الميت الذى لا حياة فيه ، يزرع فى الأرض ويروى فتخرج الزروع والنباتات والثمار ، وقد عبروا عن هذا المعنى بعبارات كلها متقاربة ومؤدية للمعنى ، فمن قائل يخرج الدجاجة من البيضة وعكسه ، ومن قائل يخرج الولد الصالح من الفاجر وعكسه وغير ذلك من العبارات التى تنتظمها الآية وتشملها ، ويخرج الميت من الحى أى النبات وغيره يترك على هيئة حبوب ونوى جامدة لا حياة فيها فاا رويت خرجت منها الحياة والكائن الحى ، وهكذا دورة الحياة التى تبرز عظمة الله فى الكون وفى خلقه ،" ذلكم الله " فاعل كل ذلك هو الله وحده لا شريك له ، " فأنى تؤفكون " كيف تصرفون عن الحق وتعدلون عنه الى الباطل فتعبدون معه غيره ، "فالق الاصباح " خالق الضياء فيضىء الوجود ، ويستنير الأفق ، ويضمحل الظلام ، ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه ، ويجىء النهار بضيائه واشراقه ، " وجعل الليل سكنا "وجعل الليل ساجيا مظلما لتسكن فيه الأشياء ، بين الله تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادة المختلفة الدالة على كمال عظمته وعظيم سلطانه كما فى آياتكثيرة كقوله " والضحى والليل اذا سجى " وكقوله" والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى " وكقوله " والنهار اذا جلاها والليل اذا يغشاها " ،" والشمس والقمر حسبانا " اى أن الشمس والقمر يجريان بحساب مقنن مقدر لا يتغير ولا يضطرب بل لكل منهما منازل يسلكها فى الصيف والشتاء فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا ، كمل فى سورة الرحمن " الشمس والقمر بحسبان " ، وكم قال " لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون " ، " ذلك تقدير العزيز العليم " الجميع جار بتقدير العزيز الذى لا يمانع ولا يخالف ، العليم بكل شىء فلا يعزب عن عهلمه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ، وكثيرا ما اذا ذكر الله تعالى خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم كما فى " وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ، ذلك تقدير العزيز العليم " ، " وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر " جعل الله النجوم يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر وكما نعرف هناك علم كامل للملاحة فى البحر والبر والفضاء ، ومنذ قديم الأزل والعلم يتخذ النجوم فى الليل واتجاهها للسير فى البر والبحر ،" قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون " هذه الآيات بيناها ووضحناها لمن ؟ لمن يفهمون ويعقلون ويعرفون الحق ويتجنبون الباطل .
وهو الذى أنشأكم من نفس واحدة
فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون * وهو الذى أنزل من السماء ماءا
فأخرجنا به نبات كل شىء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل منطلعها
قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا الى ثمره
اذا أثمر وينعه ان فى ذلكم لآيات لقوم يؤمنون 98 - 99
" وهو الذى
أنشأكم من نفس واحدة "الله خلق البشر من آدم عليه السلام ,ذلك كقوله "
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما
رجالا ونساء" ، " فمستقر ومستودع " اختلفو ا فى معنى ذلك قال أبن
عباس وغيره " فمستقر " أى فى الارحام وقال اكثرهم " ومستودع أى فى
الأصلاب ، وعن أبن مسعود فمستقر فى الدنيا ومستودع حيث يموت ، وقال سعيد بن جبير
فمستقر فى الأرحام على ظهر الأرض وحيث يموت ، وقال الحسن البصرى المستقر الذى قد
مات فاستقر به عمله ، وعن أبن مسعود ومستودع فى الدار الآخرة ، " قد فصلنا
ألايات لقوم يفقهون " الله وضح وفصل آياته الدالة على عظمته لمن هم يفهمون
ويعون كلام الله ومعناه ، " وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل
شىء " الله الذى أنزل المطر من السماء بقدر مباركا ورزقا للعباد واحياء
وغياثا للخلائق رحمة من الله بخلقه ، " فأخرجنا منه خضرا " أخرجنا بهذا
الماء زرعا وشجرا أخضر ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر ، " نخرج منه حبا
متراكبا " نخرج منه حبا يركب بعضه بعضا كالسنابل ونحوها ومثل الذرة وكيزانها
، " ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون مشتبها وغير
متشابه " ومن النخل من طلعه يخرج القنوان وهى جمع قنو وهى عذوق الرطب قريبة
من المتناول ،وقال أبن عباس يعنى بالقنوان الدانية قصار النخل اللاصقة عذوقها
بالأرض ، " وجنات من أعناب " نخرج منه جنات من أعناب وهذان النوعان هما
أشرف الثمار عند أهل الحجاز وكما أمتن بهما الله على عباده فى قوله تعالى "
ومن ثمرات النخيل تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا " وكان ذلك قبل تحريم الخمر ،
وقال " وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب " ، " والزيتون والرمان
مشتبها وغير متشابه " وأخرج الزيتون والرمان متشابه فى الورق والشكل قريب
بعضه من بعض ومتخالف فى الثمار شكلا وطعما وطبعا ، " انظروا الى ثمره اذا
أثمر وينعه " انظروا الى نضجه وقال أبن عباس وغيره فكروا فى قدرة خالقه من
العدم الى الوجود بعد أن كان حطبا صار عنبا ورطبا وغير ذلك مما خلق الله سبحانه
وتعالى من الألوان والأشكال والطعوم والروائح ، كما قال " وفى الأرض قطع
متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها
على بعض فى الأكل " ، " ان فى ذالكم لآيات لقوم يؤمنون " ان فى كل
ذلك أيها الناس دلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته واضحة لمن
يصدقون بالله ويتبعون رسله .
وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم
وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون 100
" وجعلوا لله
شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون " هذا
رد على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره وأشركوا به فى عبادته أن عبدوا الجن
فجعلوهم شركاء له فى العبادة تعالى الله عن شكهم وكفرهم ، فان قيل فكيف عبدت الجن
مع أنهم انما كانوا يعبدون الأصنام ؟ فالجواب أنهم ما عبدوها الا عن طاعة الجن
وأمرهم اياهم ، وفى العصور السابقة وحتى الآن هناك عبدة الشيطان يقيمون له المعابد
ويجرون له الطقوس النجسة التى كلها عصيان لله وخروج عن سبيله ، وكما قال فى آيات
أخرى " ان يدعون من دونه الا أوثانا وان يدعون الا شيطانا مريدا * لعنه الله
وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا * ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان
الأنعام ولآمرنه فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر
خسرانا مبينا * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا " ، " وجعلوا
لله شركاء الجن وخلقهم " كيف يجعلون لله شركاء من الجن وهو الذى قد خلقهم فهو
الخالق وحده لا شريك له فكيف يعبد معه غيره ، ان الله سبحانه وتعالى هو المستقل
بالخلق وحده فلهذا يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له ، وهذا كقول ابراهيم عليه
السلام " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون " ، " وخرقوا
له بنين وبنات بغير علم " ينبه تعالى على ضلال من ضل فى وصفه تعالى بأن له
ولدا كما يزعم من قاله من اليهود فى عزير ومن قال من النصارى فى عيسى ومن قال من
مشركى العرب فى الملائكة أنها بنات الله ، وقال أبن جرير جعلوا لله الجن شركاء فى
عبادتهم اياهم وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير فانه لا ينبغى لمن
كان الها أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة ولا أن يشركه فى خلقه شريك " سبحانه وتعالى عما يصفون " تقدس
وتنزه وتعاظم عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد والنظراء
والشركاء .
بديع السموات والأرض أنى يكون
له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شىء وهوبكل شىء عليم 101
" بديع السموات والأرض " الله هو مبدع السموات والأرض وخالقهما ومنشئهما ومحدثهما على غير مثال سابق وسميت البدعة بدعة لأنه لا نظير لها فيما سلف ، " أنى يكون له ولد " كيف يكون له ولد ، " ولم تكن له صاحبة " والولد انما يكون متولدا بين شيئين متناسبين واله تعالى لا يناسبه ولا يشابهه شىء من خلقه لأنه خالق كل شىء فلا صاحبة له ولا ولد ، كما قال " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا " ، " وخلق كل شىء وهو بكل شىء عليم " بين تعالى أنه الذى خلق كل شىء وأنه بكل شىء عليم فكيف يكون له صاحبة من خلقه وهو الذى لا نظير له فأنى يكون له ولد وهو العليم صاحب العلم الكبير بكل شىء .
ذلكم الله ربكم لا اله الا هم خالق كل شىء فاعبدوه وهو على كل
شىء وكيل * لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير 102 - 103
" ذلكم الله
ربكم " الله هو ربكم ، " لا اله الا هو خالق كل شىء فاعبدوه " هو
الله وحده لا شريك له الذى خلق كل شىء وهو الذى يستحق العبادة منكم وحده لا شريك
له وأقروا له بالوحدانية وأنه لا اله الا هو وأنه لا ولد له ولا والد ولا صاحبة له
ولا نظير ولاعديل ، " وهو على كل شىء وكيل " الله وحده على كل شىء حفيظ
ورقيب يدير كل ما سواه ويرزقهم ويكلأهم بالليل والنهار ، " لا تدركه الأبصار "فيه
أقوال للأئمة من السلف ، من بينها لاتدركه فى الدنيا وان كانت تراه فى الآخرة كما
تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد عن عائشة رضى الله
عنها أنها قالت من زعم أن محمدا أبصر ربه فقد كذب" ، وقال آخرون " لا
تدركه الأبصار " أى فى الدنيا جميعها ،وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له
فى الدار الآخرة كما فى قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة "
، وقال تعالى عن الكافرين " كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " ، قال
الامام الشافعى فدل هذا على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى ، وأم السنة
فقد تواترت الأخبار عن أبى سعيد وأبى هريرة وغيرهم من الصحابة عن النبى صلى الله
عليه وسلم أن المؤمنين يرون الله فى الدار الآخرة فى العرصات وفى روضات الجنات
جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه ، وقيل
المراد " لاتدركه الأبصار " أى العقول ،وهذا غريب جدا وخلاف ظاهر الآية
وكأنه أعتقد أن الادراك فى معنى الرؤية والله أعلم ، وقال آخرون لا منافاة بين
اثبات الرؤية ونفى الادراك ، فان الادراك أخص من الرؤية ولا يلزم من نفى الأخص
انتفاء الأعم ، ثم أختلف هؤلاء فى الادراك المنفى ما هو فقيل معرفة الحقيقة فان
هذا لايعلمه الا هو وان رآه المؤمنون ، وقال آخرون الادراك أخص من الرؤية وهو
الاحاطة قالوا ولايلزم من عدم الاحاطة عدم الرؤية كما لا يلزم من احاطة العلم عدم
العلم " كما قال " ولا يحيطون به علما " ،وفى صحيح مسلم " لا
أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " ، ولا يلزم منه عدم الثناء فكذلك
هذا ، وعن قتادة فى ألاية " لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " هو أعظم
من أن تدركه الأبصار ،وقال تعالى " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى
صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين " ونفى هذا الأثر
الادراك الخاص لا ينفى الرؤية يوم القيامة يتجلى لعباده المؤمنين كما يشاء فأما
جلاله وعظمته على ما هو عليه تعالى وتقدس وتنزه فلا تدركه الأبصار ولهذا كانت أم
المؤمنين عائشة رضى الله عنها تثبت الرؤية فى الدار الآخرة وتنفيها فى الدنيا وتحتج
بهذه الاية ، " وهويدرك الأبصار " أى يحيط بها ويعلمها على ما هى عليه
لأنه خلقها ، كما فى قوله " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " ،
" وهو اللطيف الخبير " الله لطيف بعباده خبير بكل شىء وهو أعلم ، كما
تعالى اخبارا عن لقمان فيم وعظ به ابنه " يا بنى انها ان تك مثقال حبة من
خردل فتكن فى صخرة أو فى السموات أو فى الأرض يأت بها الله ان الله لطيف خبير
" .
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن
أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ * وكذلك نصرف الآيات وليقولوا
درست ولنبينه لقوم يعلمون 104 - 105
" قدجاءكم بصائر من ربكم "أيها المؤمنون جاءكم من عند الله
البصائر وهى البينات والحجج التى اشتمل عليها القرآن وما جاء به رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، " فمن أبصر فلنفسه " الذى يؤمن بهذه الحجج والبيانات
فقد نجى بنفسه وانقذها فى الدنيا والآخرة ، " ومن عمى فعليها " ومن
ابتعد عن هذه البينات انما يعود وباله عليه ، وذلككقوله " فانها لاتعمى
الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور " ، " وما أنا عليكم بحفيظ
" أنا أى رسول صلى الله عليه وسلم لست بحافظ ولا رقيب بل انما أنا مبلغ والله
يهدى من يشاء ويضل من يشاء ، فى هذه السورة آيات كثيرة من بيان التوحيد وأنه لا
اله الا هو ، " وكذلك نصرف الآيات
" كما فصلنا الآيات فى هذه السورة من بيان التوحيد وأنه لا اله الا هو هكذا
نوضح الآيات ونفسرها ونبينها فى كل موطن لجهالة الجاهلين ، " وليقولواا درست
" قاال أبن عباس درست أى قرأت وتعلمت ، وقال أبن جريرمعناه انمحت وتقادمت أى
أن هذا الذى تتلوه علينا قد مر بنا قديما ةتطاولت مدته وليقول
المشركون والكافرون المكذبون دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب وقارأتهم وتعلمت
منهم وهم يفترون على رسول الله ،وهذا كاخبار الله عنزعيمهم وكاذبهم " انه فكر
وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال ان هذا
الا سحر يؤثر ان هذا الا قول البشر " ، وكذلك كقوله تعالى اخبارا عن كذبهم
وعنادهم " وقال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد
جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها " ، " ولنبينه لقوم
يعلمون " لنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتبعونه والباطل فيتجنبونه ، فلله الحكمة
البالغة فى اضلال أولئك وبيان الحق لهؤلاء ، كما فى قوله " يضل به كثيرا
ويهدى به كثيرا "، وهناك الكثير من الآيات الدالة على أنه تعالى أنزل القرآن
هدى للمتقين وأنه يضل به من يشاء .
اتبع ما أوحى اليك من ربك لا
اله الا هو وأعرض عن المشركين * ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا
وما أنت عليه بوكيل 106 - 107
"
اتبع ما أوحى اليك من ربك " يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن
اتبه طريقته أقتد وأتبع واقتف أثر ما أوحاه اليك ربك من القرآن والوحى من السنة
فان ما أوحى اليك من ربك هو الحق الذى لا مرية فيه لأنه لا اله الا هو ، "
وأعرض عن المشركين " أعف عن المشركين واصفح واحتمل أذاهم حتى يفتح الله لك
وينصرك ويظفرك عليهم واعلم أن لله حكمه فى اضلالهم فانه لو شاء لهدى الناس جميعا
ولو شاء لجمعهم على الهدى ، ولو شاء الله ما أشركوا " لله المشيئة والحكمة
فيما يشاؤه ويختاره لايسأل عما يفعل وهم يسألون وهو يهدى من يشاء ويضل من يشاء ،
" وما جعلناك عليهم حفيظا " يقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم
أنك لست عليهم حفيظ تحفظ أقوالهم وأعمالهم ، كم قال تعلى " فذكر انما أنت
مذكر لست عليهم بمسيطر " ، وقال كذلك " انما عليك البلاغ وعلينا الحساب
" ، " وما أنت عليهم بوكيل " انك لست موكل على أرزاقهم وأمورهم ان
عليك الا البلاغ .
ولا تسبوا الذين يدعون من دون
الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم
فينبئهم بما كانوا يعملون 108
" ولا تسبوا الين يدعون من دون الله " يقول الله تعالى ناهيا
لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين وان كان فيه مصلحة
الا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم ، " فيسبوا الله عدوا بغير علم " وهى
مقابلة المشركين بسب الله اله المسلمين ورب العالمين بجهلهموشركهم ، وعن أبن عباس
فى هذه الآية قال المشركون من كفار قريش يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون
ربك فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ، وعن قتادة أنهكان المسلمون يسبون أصنام الكفار
فيسب الكفار اللع عدوا بغير علم فنزلت الآية ، وقال السدى فى تفسير هذه الاية لما
حضر أبا طالب الموت قالت قريش انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمره أن ينهى عنا
ابن أخيه فانا نستحى أن نقتله بعد موته فتقول العرب كان يمنعهم فلما مات قتلوه
فانطلق أبو سفيان وأبوجهل والنضر بن الحرث وأمية وأبى ابنا خلف وعقبة بن أبى معيط
وعمرو بن العاص والأسود بن البخترى وبعثوا رجلا منهم يقال له المطلب قالوا أستأذن
لنا على أبى طالب فقال هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك فأذن لهم عليه فدخلوا
عليه فقالوا: " يا ابا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وان محمدا قد آذانا وآذى
آلهتنا فنحب أن ندعوهفتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه والهه فدعاه فجاء النبى صلى الله
عليه وسلم فقال له أبوطالب :" هؤلاء قومك وبنو عمك " قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :" ما تريدون ؟ " قالوا : " نريد أن تدعنا وآلهتنا
ولندعك والهك " فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " أرأيتم ان أعطيتكم هذا
هل أنتم معطى كلمة ان تكلمتم بها ملكتم بها العرب ودانت لكم بها العجم وأدت لكم
الخراج " قال أبوجهل : " وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هى ؟ "
قال :" قولوا لا الهالا الله " فأبوا واشمأزوا ، قال ابوطالب :" يا
أبن أخى قل غيرها فان قومك قد فزعوا منها " قال : " يا عم ما أنا بالذى
يقول غيرها حتى يأتوا بالشمس فيضعوها فى يدى ولو أتوا بالشمس فوضعوها فى يدى ما
قلت غيرهأ " ، ارادة أن يؤيسهم فغضبوا وقالوا لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنشتمنك
ونشتمن من يأمرك فذلك قوله " فيسبوا الله عدوا بغير علم " ، وهو ترك
المصلحة لمفسدة أرجح ، منها ما جاء فى
الصحيح أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : " ملعون من سب والديه " قالوا
:" يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه ؟ " قال : " يسب أبا الرجل
فيسب أباه ويسب أمه يسب أمه " ، " كذلك زينا لكل أمة عملهم " وكما
زينا لهؤلاء القوم حب أصنامهم والحاماة لها والانتصار ، كذلك زينا لكل أمة من
الأمم الخالية على الضلال عملهم الذى كانوا فيه ولله الحجة البالغةوالحكمة التامة
فيما يشاؤه ويختاره ، " ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون " ومعادهم
ومصيرهم الى الله ربهم يجازيهم بأعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن
جآءتهم آية ليؤمنن بها قل انما الآيات عند الله وما يشعركم أنها اذا جاءت لا
يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم
يعمهون 109 - 110
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن
جآءتهم آية ليؤمنن بها " يقول الله تعالى اخبارا عن المشركين أنهم أقسموا
بالله جهد أيمانهم أى حلفوا أيمانا مؤكدة لئن جآءتهم معجزة وخارق ليصدقنها ،
" قل انما الآيات عند الله " قل يا محمد لهؤلاء الذين يألونك الآيات
تعنتا وكفرا وعنادا لا على سبيل الهدى والاسترشاد اما مرجع هذه الآيات الى الله ان
شاء جاءكم بها وان شاء ترككم ، " وما يشعركم أنها اذا جاءت لايؤمنون "
وما يدريكم أيها المؤمنون الذين تودون لهم ذلك حرصا على ايمانهم أنه اذا جاءت المشركين الآيات يؤمنون ، واستئناف الخبر عنهم ينفى الايمان عند مجىء الآيات التى طلبوها ، وعن محمد بن كعب القرظى قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا :" يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أن عيسى كان يحيى الموتى ، وتخبرنا ان ثمود كانت لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أى شىء تحبون أن آتيكم به ؟ " قالوا :" تجعل لنا الصفا ذهبا " فقال لهم :" فان فعلت تصدقونى ؟ " قالوا : " نعم والله لئن فعلت لنتبعك أجمعين " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال له :" ما شئت ان شئت أصبح الصفا ذهبا ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم ، وان شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم " فقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : " بل يتوب تائبهم " فأنزل الله تعالى " وأقسموا بالله جهد أيمانهم " الى قوله " ولكن أكثرهم يجهلون " ، وكما قال تعالى " ومامنعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون ،" ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون "ونحول بينهم وبين الايمان ولوجاءتهم كل آية فلا يؤمنون كما حلنا بينهم وبين الايمان أول مرة ونتركهم فى كفرهم وضلالهم يلعبون أو فى كفرهم يترددون .