Grammar American & British

Tuesday, March 23, 2021

تبسيط تفسير أبن كثير للقرآن الكريم ( 12 )

 تبسيط تفسير أبن كثير للقرآن الكريم ( 12 )

الجزء التانى عشر

تفسير سورة هود

وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٦

" وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ " أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريها وبريها وأنه يعلم مستقرها ومستودعها أى يعلم أين منتهى سيرها فى الأرض وأين تأوى اليه من وكرها وهو مستودعها ،" كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِين " كل هذه مكتوب فى كتاب عند الله واضح لا لبس فيه مبين عن جميع ذلك وهذا كقوله " وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم الى ربهم يحشرون " وكقوله " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو * ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين " .

وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٧ وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٨

" وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ " يخبر تعالى عن قدرته على كل شىء وأنه خلق السموات فى ستة أيام وأن عرشه كانعلى الماء قبل ذلك فعن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقبلوا البشرى يا بنى تميم " قالوا قد بشرتنا فأعطنا " قال : " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن " قالوا قد قبلنا ، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ؟ " قال : " كان الله قبل كل شىء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب فى اللوح المحفوظ ذكر كل شىء " وهذا الحديث مخرج فى صحيحى البخارى ومسلم بألفاظ كثيرا فمنها قالوا " جئناك نسألك عن أول هذا الأمر " فقال " كان الله ولم يكن شىء قبله وفى رواية غيره وفى رواية معه وكان عرشه على الماء ، وكتب فى الذكر كل شىء ، ثم خلق السموات والأرض " ، وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " ، " لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ " خلق السموات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا ولم يخلق ذلك عبثا كقوله " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون " وقوله تعال " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون " وكقوله " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار " ، " لِيَبۡلُوَكُمۡ " ليختبركم ، "أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ"الأفضل فى العمل ولم يقل أكثر عملا بل أحسن عملا ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز وجل على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين حبط وبطل ،" وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ " يقول تعالى ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذى خلق السموات والأرض كقوله " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " وكقوله " ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله " وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة الذى هو بالنسبة الى القدرة أهون من البداءة كقوله " وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه " ، " إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِين " يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك على وقوع البعث وما يذكر ذلك الا من سحرته فهو يتبعك على ما تقول ، "وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّة مَّعۡدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥ أَلَا " ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين الى أجل معدود وأمد محصور وأوعدناهم الى مدة مضروبة ليقولن تكذيبا واستعجالا ما يحبسه أى يؤخر هذا العذاب عنا فان سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد ، و" الأمة " تستعمل فى القرآن والسنة فى معان متعددة فيراد بها الأمد كما فى هذه الآية " الى أمة معدودة " وفى سورة يوسف " وقال الذى نجا منهما وادكر بعد أمة " وتستعمل فى الامام المقتدى به كقوله" ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين " وتستعمل بمعنى الملة والدين كقوله عن المشركين " انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون " وتستعمل فى الجماة كقوله " ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وكقوله " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " ، " يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٓۗ" اذا قدر الله وقوع العذاب فلا يمكن رده ورفعه وسيكون اذا وقع جزاءا لهؤلاء الكافرين المكذبين علىاستهزائهم واستبعادهم ذلك .

 وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَ ءَ ُوسٞ كَفُورٞ ٔ٩ وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآ بَعۡدَ َِٔ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيّاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ ١٠ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ ١١

" وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَ ءَ ُوسٞ كَفُور " يخبر الله تعالى عن الانسان وما فيه من الصفات الذميمة الا من رحم الله من عباده المؤمنين أنه أذا أصابته شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة الى المستقبل وكفر وجحود لماضى حاله كأنه لم ير خيرا ولم يرج بعد ذلك فرجا ،" وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآ بَعۡدَ َِٔ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيّاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِح فَخُورٌ " وان أصابت الانسان نعمة من بعد نقمة يقولن ما ينالنى بعد هذا ضيم ولا سوء فرح بما فى يده بطر فخور على غيره ، " إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَة وَأَجۡر كَبِير " يستثنى الله من ذلك الصابرين على الشدائد والمكاره ويعملون الأعمال الصالحة فى الرخاء والعافية جزاءهم أن لهم مغفرة لذنوبهم من ربهم ولهم أجر كبير فى الآخرة فى الجنة بما أسلفوه فى زمن الرخاء كماجاء فى الحديث " والذى نفسى بيده لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها الا كفر عنه بها من خطاياه " ، وفى الصحيحين " والذى نفسى بيده لا يقضى الله للمؤمن قضاء الا كان خيرا له : ان أصابته سراء فشكر كان خيرا له ، وان أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ، وليس ذلك لأحد غير المؤمن " وقال تعالى " والعصر ان الانسان لفى خسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " .

فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ ١٢ أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٣ فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٤

" فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ " يقول تعالى مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم عما كان يتعنت به المشركون فيما كانوا يقولونه عنه وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأرشده الى أن لا يضيق من المشركين صدره ولا يصدنه ذلك ولا يثنيه عن دعائهم الى الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار لقولهم حتى يصدقوه ويتبعوه أن ينزل عليه كنز أويجيىء معه ملك من السماء  كما قال " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " ، " إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء وَكِيلٌ" فانما أنت نذير ولك أسوة باخوانك من الرسل قبلك فانهم كذبوا وأوذوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله عز وجل والله هو المتوكل بكل الأمور المسير لها المتكفل بها  ، " أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يقول المشركون أن هذا القرآن موضوع من قبل محمد وليس بوحى من عند الله ويبين تعالى اعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتى بمثله ولا بعشر سور مثله ولا بسورة من مثله لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات وذاته لا يشبهها شىء تعالى وتقدس وتنزه لا اله الا هو ولا رب سواه وان كان هناك أى دليل على صدقهم فيما يدعونه فليأتوا بمن اتخذوهم آلهة من دون الله وبأوثانهم وأصنامهم أن يفعلوا ذلك أى يأتوا بما تحداهم به الله ، " فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ " فان لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم اليه فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك وأن هذا الكلام منزل من عند الله متضمن علمه وأمره ونهيه وأن ليس هناك من اله الا الله وحده لا شريك له وبعد ما ذكرنا لكم ألستم مسلمين مؤمنين بالله وهذا للتحقيق والتأكيد من اسلامهم وصدق يقينهم .

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ ١٥ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٦

" مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُون " عن أبن عباس ان أهل الرياء يعطون بحسناتهم فى الدنيا وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا وقال أنس بن مالك نزلت فى اليهود والنصارى وقال مجاهد نزلت فى أهل الرياء وقال قتادة من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته فى الدنيا ثم يفضى الى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء وأما المؤمن فيجازى بحسناته فى الدنيا ويثاب عليها فى الآخرة ، " أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِل مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " أولئك الذين يعملون رياءا يلتمسون الدنيا ليس لهم فى الآخرة الا النار وحبط عملهم الذين كانوا يعملونه لالتماس الدنيا وهم فى الآخرة من الخاسرين كما قال تعالى " من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه * ومنكان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الآخرة من نصيب " .

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ١٧

"أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ" يخبر الله تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة الله تعالى التى فطر الناس عليها عباده من الاعتراف بأنه لا اله الا هو كما قال تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها " وفى الصحيح عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " وفى صحيح مسلم عن عياض بن حماد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يقول الله تعالى انى خلقت عبادى حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمن عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا " فالمؤمن باق على هذه الفطرة ، " وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ " وجاءه شاهد من الله وهو ما أوحاه الله الى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة المختتمة بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وعن قتادة أن الشاهد هو محمد صلى الله عليه وسلم وقال أبن عباس جبريل عليه السلام والمعنى قريب لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات الله عليهما بلغ رسالة الله تعالى فجبريل الى محمد ومحمد الى الأمة والمؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة يؤخذ من الشريعة والفطرة تصدقها وتؤمن بها ، " أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ " من كان على فطرة ربه ثم يتلو ذلك ويتبعه الشاهد وهو القرآن بلغه جبريل الى النبى صلى الله عليه وسلم وبلغه النبى صلى الله عليه وسلم الى أمته ووضحه بسنته اليهم فأصبح مهم الكتاب والسنة ، " وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ" ومن قبل القرآن كتاب موسى عليه السلام وهو التوراة ، " إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ " أنزل الله تعالى الى تلك الأمة اماما لهم وقدوة يقتدون بها ورحمة من الله بهم فمن آمن بها حق الايمان قاده ذلك الى الايمان بالقرآن ولهذا قال تعالى " أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ" ، " وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ "الأحزاب هى أى من الملل كلها يقول تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشىء منه ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض ومشركهم وكافرهم وأهل الكتاب وغيرهم من سائر طوائف بنى آدم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ممن بلغه القرآن يكون جزاءه وموعده فى النار كما قال تعالى " لأنذركم به ومن بلغ"  وعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذى نفسى بيده لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودى أونصرانى ثم لا يؤمن بى الا دخل النار " . " فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ" لا يتسرب الى نفسك شك فى هذا القرآن فهو حق من الله لا مرية ولا شك فيه كما قال تعالى " ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه " ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ " رغم اليقين والحق من الله فان أكثر الناس كافرين لا يؤمنون بالله وهذا كقوله " وما أكثر الناس ولوحرصت بمؤمنين " وكقوله " ولقد صدق عليه ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين " وكقوله" وان تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله " .

وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَيَقُولُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ ١٨ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ ١٩ أُوْلَٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ ٢٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٢١ لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ ٢٢

"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَيَقُولُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ " بين تعالى حال المفترين عليه كذبا وفضيحتهم فى الدار الآخرة على رؤس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان وتفسير الآية أنه ليس هناك أكثر ظلما ممن كذب على الله من الكفار والمنافقين وغيرهم من الناس فى ادعاء عقائدهم وفعل ما لم يأمر به الله وقول ما لايقوله الله ولا يقره الله وترك عقيدة الله واتباع عقائد باطلة زائفة واضلال خلقه ونشر ضلالهم فهم يوم القيامة يفتضحون فيما قالوا وفيما فعلوا أمام الأشهاد وتصب عليهم اللعنة أى الطرد من رحمة الله جزاء كفرهم وهو الظلم العظيم ، وعن صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد أبن عمر اذ عرض له رجل قال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى يوم القيامة ؟ " قال سمعته يقول : " ان الله عز وجل يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى اذا قرره بذنوبه ورأى نفسه أنه قد هلك قال فانى قد سترتها عليك فى الدنيا وانى أغفرها لك اليوم " ثم يعطى كتاب حسناته " ويحدث عكس ذلك ممن كذبوا على ربهم من الكفار والمنافقين يفضحهم الله على الأشهاد فيقول " فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " ، " ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجٗا " يبعدون الناس عن اتباع الحق  وسلوك طريق الهدى الموصلة الى الله عز وجل ويجنبونهم الجنة ويريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة ، " وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ " وهم جاحدون ينكرون الآخرة ويكذبون بوقوعها وكونها ، " أُوْلَٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ " هؤلاء الكفار لم يكونوا يعجزوا الله وهم على الأرض فى الحياة الدنيا بل كانوا تحت قهره وغلبته وفى قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم فى الدار الدنيا قبل الآخرة " لكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار " وفى الصحيح " ان الله ليملى للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته " ، "  يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ " يضاعف عليهم العذاب وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم بل كانوا صما عن سماع الحق عميا عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله " وقالوا لوكنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير " وكقوله تعالى " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب " ، " أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ " أولئك خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا نارا حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى " كلما خبت زدناهم سعيرا "وبعد عنهم ما كانوا يدعون من كذب وافتراء على الله ، " لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُون " يخبر الله عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة فى الدار الآخرة لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات واعتاضوا عن نعيم الجنة بحميم آن وعن شرب الرحيق المختوم بسموموحميم وعن القصور العالية يالهاوية وعن قرب الرحمن بغضب الديان فلا جرم انهم فى الآخرة أى لا شك هم الأخسرون أى أكثر الناس خسارة .  

إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَخۡبَتُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٢٣ ۞مَثَلُ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ كَٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡأَصَمِّ وَٱلۡبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِۚ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٢٤

" إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَخۡبَتُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ " لما ذكر الله حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا من الاتيان بالطاعات وترك المنكرات وبهذا ورثوا الجنات المشتملة على الغرف العاليات والنظر الى خالق الأرض والسموات وهم فى ذلك خالدون لا يموتون ،" مَثَلُ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ " أى الذين وصفهم أولا بالشقاء والمؤمنين بالسعادة ، "  كَٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡأَصَمِّ وَٱلۡبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِۚ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ" فأولئك كالأعمى والأصم وهؤلاء كالبصير والسميع ، فالكافر أعمى عن وجه الحق فى الدنيا وفى الآخرة لا يهتدى الى خير ولا يعرفه ، أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به وأما المؤمن ففطن ذكى لبيب بصير بالحق يميز بينه وبين الباطل فيتبع الخير ويترك الشر سميع للحجة يفرق بينها وبين الشبهة فلا يرجع اليه باطل فهل يستوى هذا وهذا ؟ ، " أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء كما قال " لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون "  

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ ٢٥ أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ ٢٦ فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۢ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ ٢٧

" وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ إِنِّي لَكُمۡ نَذِير مُّبِينٌ " يخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام وكان أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض الى المشركين عبدة الأصنام لينذرهم انذارا واضحا بينا ظاهرا ، " أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيم " أمرهم أن يخرجوا من شركهم ويعبدوا الله وحده ولا يعبدون ربا سواه حتى لا يصيبهم عذاب أليم موجع شاق فى الدار الآخرة ان عبدوا غير الله واستمروا فى شركهم وعبادة الأصنام والأوثان ، " فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِ" الملأ هم السادة والكبراء من الكافرين قالوا له " مَا نَرَاٰكَ إِلَّا بَشَرا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ " أى لست بملك ولكنك بشر فكيف أوحى اليك من دوننا ثم ما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا أى أقل الفئات فينا ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترو منهم ولا فكر ولا نظر بل بمجرد ما دعوتهم أو فى أول بادىء الرأى أجابوك فاتبعوك ، " وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۢ " ما رأينا لكم علينا فضيلة أو تفضل فى خلق ولا خلق ولا رزق ولا حال لما دخلتم فى دينكم هذا ، " بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ " نعتقد أنكم كاذبين فيما تدعونه من البر والصلاح والعبادة والسعادة فى الدار الآخرة اذ صرتم اليها ، هذا اعتراض الكافرين على نوح عليه السلام وأتباعه وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم فالحق فى نفسه صحيح سواء اتبعه الأشراف أو الأرذال بل الحق الذى لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء والذين يأبونه هم الأراذل ولوكانوا أغنياء ثم الواقع غالبا أن من يتبع الحق ضعفاء الناس والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته كما قال تعالى " وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون " ، ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبى صلى الله عليه وسلم قال فيما قال : أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم ؟ " قال : بل ضعفاؤهم " فقال هرقل : هم أتباع الرسل " .

قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتۡ عَلَيۡكُمۡ أَنُلۡزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمۡ لَهَا كَٰرِهُونَ ٢٨

" قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتۡ عَلَيۡكُمۡ أَنُلۡزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمۡ لَهَا كَٰرِهُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عما رد به نوح عليه السلام على قومه انى على يقين وأمر جلى ونبوة صادقة وهى الرحمة العظيمة من الله به وبهم  كل ذلك خفى عليكم فلم تهتدوا اليه ولا عرفتم قدره بل بادرتم الى تكذيبه ورده وهل نغصبكم بقبوله وأنتم له كارهون .

وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسَۡٔلُلكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ ٢٩ وَيَٰقَوۡمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمۡۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٣٠

" وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسَۡٔلُلكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ " يقول نوح عليه السلام لقومه لا أسألكم على نصحى لكم مالا أجرة آخذها منكم انما أبتغى الأجر من الله عز وجل ولن ألبى طلبكم أن أطرد وأبعد الذين آمنوا بربهم وباليوم الآخر احتشاما ونفاسة منكم أن تجلسوا معهم وكان أمثالهم من مشركى قريش قد سألوا الرسول صلى الله عليه  وسلم أن يطرد عنهم جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلسا خاصا فأنزل الله " ولا تطرد الذين يدعون ربهم يالغداة والعشى " وهذا الذى طلبتموه هو جهل منكم بحقيقة الايمان  والحق الذى لا يفرق بين الناس الا بالتقوى ، " وَيَٰقَوۡمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمۡۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ  " ويقول لقومه لو أننى طرت هؤلاء المؤمنين بالله من يشفع لى عند الله ومحاسبته لى هل لعقولكم أن تذكر هذا .

وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣١

" وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِين " يخبر نوح عليه السلام قومه أنه رسول من الله يدعو الى عبادة الله وحده لا شريك له باذن الله له فى ذلك ولا يسألهم على ذلك أجرا بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع فمن استجاب له فقد نجا ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف فى خزائن الله ولا يعلم الغيب الا ما أطلعه عليه الله وليس هو بملك من الملائكة بل هو بشر مرسل مؤيد بالمعجزات ولا أقول عن هؤلاء الذين تحقرونهم وتزدرونهم انهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم الله أعلم بما فى أنفسهم فان كانوا مؤمنين باطنا كما هو الظاهر من حالهم فلهم جزاء الحسنى  ،ولوقطع أو تعرض لهم أحد بشر بعد ما آمنوا لكان ظالما قائلا ما لا علم له به .

قَالُواْ يَٰنُوحُ قَدۡ جَٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَٰلَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٣٢ قَالَ إِنَّمَا يَأۡتِيكُم بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ ٣٣ وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٣٤

" قَالُواْ يَٰنُوحُ قَدۡ جَٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَٰلَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " يقول الله تعالى مخبرا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه فقالوا له يانوح قد حاججتنا فأكثرت من ذلك ونحن لا نتبعك فأتنا بما تعد به من عذاب الله والنقمة وادع علينا بما شئت فليأتنا ما تدعو به لتدلل على صدقك ، " قَالَ إِنَّمَا يَأۡتِيكُم بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ " ما استعجلتم به سيأتيكم ويقع بكم  من عند الله وبمشيئة الله  وهو قادر على كل شىء و لايعجزه شىء ، " وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " لن يجدى نصحى وانذارى اياكم اذا أراد الله لكم الغواية والضلال والدمار والهلاك فهو مالك أزمة الأمور المتصرف الحاكم العادل الذى لا يجور ، له الخلق وله الأمر وهو المبدىء المعيد مالك الدنيا والآخرة .

أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ ٣٥

" أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ " هذا كلام معترض وسط هذه القصة مؤكدا لها ، مقرر لها يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أم يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون افترى هذا وافتعله من عنده فيرد عليهم أنه ان افتراه فاثم ذلك عليه وذلك ليس مفتعلا ولا مفترى لأنى أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه . 

وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٣٦ وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ٣٧ وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأٞ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ ٣٨ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ ٣٩

يخبر الله تعالى أنه أوحى الى نوح عليه السلام لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم نوح دعوته " رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا " وفى الآية الأخرى " فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر " عند ذلك أوحى الله اليه " وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ "أخبره الله أنه لا جدوى من دعوة قومه المشركين بعد كفرهم به واستعجالهم العذاب من دعوته لهم بالايمان فلن يؤمن له الا من آمن فلا يحزن عليهم ولا يهمه أمرهم وما يفعلونه ،" وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ " أمره الله بصناعة سفينة النجاة بعناية ومرأى منه وتعليمه له ما يصنعه وأن لا يحدثه فى شأن هؤلاء الكافرين فقد حكم عليهم بالغرق جراء ظلمهم ،" وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأٞ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ " شرع نوح عليه السلام فى صناعة السفينة كما أمره وأرشده ربه وكان يمر عليه مجموعات من قومه وهو يعمل فيسخرون منه ومن عمله ويكذبون بما توعدهم به من الغرق ويبشرهم بأنه سيأتى اليوم الذى يسخر منهم كما يسخرون ، " فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ" وعيد شديد وتهديد أكيد أخبرهم نوح عليه السلام أنهم سيعلمون من سيأتيه عذاب يهينه فى الدنيا ويحل عليه عذاب دائم مستمر أبدا فى الآخرة .  

حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ ٤٠ ۞

" حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيل " هذه موعدة من الله تعالى لنوح عليه السلام اذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة والهتان الذى لا يقلع ولا يفتر وصارت الأرض عيونا تفور حينئذ أمر الله نوحا عليه السلام أن يحمل معه فى السفينة من كل زوجين اثنين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح قيل وغيرها من النباتات اثنين ذكر وأنثى ويحمل فيها من آمن من أهله وهم أهل بيته وقرابته الا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن بالله فكان منهم ابنه الذى انعزل وحده وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله والظاهر أنها هلكت لأنها كانت على دين قومها فأصابها ما أصابهم ويحمل من اتبعه من المؤمنين وهم قليل من الناس نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة الا خمسين عاما  .

وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ٤١ وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٤٢ قَالَ سََٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ ٤٣

" وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٞ رَّحِيم " يقول الله تعالى اخبارا عن نوح عليه السلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه فى السفينة أن يركبوها بسم الله يكون جريها على وجه الماء وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها ولهذا يستحب التسمية فى ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة أو الدابة وغيرها وعن أبن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " أمان أمتى من الغرق اذا ركبوا فى السفن أن يقولوا بسم الله الملك " ، " إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٞ رَّحِيم " والله غفور لذنوب عباده رحيم بهم فيما يقع عليهم وقوله " إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٞ رَّحِيم " مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين باغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم , ،" وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَٱلۡجِبَالِ " السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذى قد طبق جميع الأرض حتى طفت على رءوس الجبال وهذه السفينة جارية على وجه الماء سائرة باذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال " انا لما طغى الماء حملناكم فى الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية " وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دعا نوح أبنه وكان كافرا عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون ، " قَالَ سََٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ " اعتقد ابنه بجهله أن الطوفان لا يبلغ الى رءوس الجبال وأنه لو تعلق فى رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق فقال له أبوح نوح عليه السلام ليس يعصم شىء اليوم من أمر الله وقيل أن عاصما بمعنى معصوم كما يقال طاعم وكاس بمعنى مطعوم ومكسو ، وارتفعت الأمواج وغرق أبن نوح مع الغارقين الهالكين .  

وَقِيلَ يَٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤٤

" وَقِيلَ يَٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ " يخبر تعالى أنه لما أغرق أهل الأرض كلهم الا أصحاب السفينة أمر الأرض أن تبلع ماءها الذى نبع منها واجتمع عليها وأمر السماء أن تقلع عن المطر وفرغ من أهل الأرض قاطبة ممن كفر بالله لم يبق منهم ديار واستوت السفينة بمن فيها أى رست على الجودى وهو جبل قال الضحاك جبل بالموصل واختلف فى موقعه ،" وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ " قيل بعدا أى هلاكا وخسارا لهم وبعدا عن رحمة الله فانهم قد هلكوا عن آخرهم فلم يبق لهم بقية .

وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ٤٥ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسَۡٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ٤٦ قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسَۡٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٤٧

" وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ " هذا سؤال استعلام من نوح عليه السلام عن حال ولده الذى غرق فقال قد وعدتنى بنجاة أهلى ووعدك الحق الذى لا يخلف فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين ؟ فرد الله عليه " قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسَۡٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ " رد الله على نوح عليه السلام أن ابنه ليس من أهله الذين وعد انجاءهم لأنه انما وعد بنجاة من آمن من أهله فى قوله " وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ " فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبى الله نوحا عليه السلام فى عمله فعمله غير صالح كأبيه وطلب الله من نبيه عليه السلام أن ينتهى عن هذا السؤال فهو المسؤول  عن أفعال العباد ونياتهم وهو أعلم بمن آمن ومن كفر وليس لأحد من علم بذلك غيره ويعظه الله وينصحه ألا ينحدر الى الجهل ، " قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسَۡٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ " يتصرف نوح عليه السلام تصرف الأنبياء من التأدب مع الله وخشيته أشد الخشية فطلب من الله الاستعاذة به ليغفر له ما قد يكون قد وقع منه من خطأ حين سأله عن ابنه ونجاته وطلب منه المغفرة والرحمة حتى لا يكون من الذين يخسرون فى الدنيا والآخرة لغضب الله عليهم وعدم رضائه عليهم .

قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ ٤٨

" قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم" يخبر الله تعالى عما قيل لنوح عليه السلام حين أرست السفينة على الجودى من السلام عليه وعلى من معه من المؤمنين وعلى كل مؤمن من ذريته الى يوم القيامة ، قال محمد بن كعب دخل فى هذا السلام كل مؤمن ومؤمنة الى يوم القيامة وكذلك فى العذاب والمتاع كل كافر وكافرة الى يوم القيامة  .

تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ ٤٩

" تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ " يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم هذه القصة وأشباهها من أخبار الغيوب السالفة نوحيها اليك على وجهها كأنك شاهدها نوحيها اليك أى نعلمك بها وحيا منا اليك لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها حتى يقول من يكذبك انك تعلمها منه بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك وأذاهم لك فانا سننصرك ونحوطك بعنايتنا ونجعل العاقبة لك ولأتباعك فى الدنيا والآخرة كما فعلنا بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم كما قال " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لمنصورون " ، " فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ " يطلب الله من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتحلى بالصبر فالفوز والنهاية الحسنة تكون من نصيب الذين اتقوا ربهم بالقول والفعل .

وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ ٥٠ يَٰقَوۡمِ لَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٥١ وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ ٥٢

" وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ " يقول تعالى لقد أرسلنا الى عاد أخاهم هود عليه السلام آمرا لهم بعبادة الله وحده لا شريك له ناهيا لهم عن الأوثان التى افتروها واختلقوا لها أسماء الآلهة ، " يَٰقَوۡمِ لَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ " وأخبرهم أنه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من الله انما يبغى ثوابه من الله الذى فطره أفى تعقلون من يدعوكم الى ما يصلحكم فى الدنيا  والآخرة من غير أجرة ، " وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ "ثم أمرهم بالاستغفار الذى فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه وسهل عليه أمره وحفظ شأنه ولهذا قال " يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا " ينزل عليهم المطر فينبت به الزروع والثمار ، وفى الحديث " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لايحتسب " ، ويزيدهم الله قوة الى قوتهم من الأموال والأولاد ويسألهم ألا يبعدوا عن الله اجراما منهم فى حق الله .

قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ ٥٣ إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ٥٤ مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ٥٥ إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٦

" قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ " يخبر تعالى أن قوم هود قالوا لنبيهم ما جئتنا بحجة وبرهان على ما تدعيه ولننترك آلهتنا بمجرد قولك اتركوهم نتركهم وما نحن مصدقين لك ولما تقول ، " إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ " يقولون ما نظن الا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبل فى عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها  ، " قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ * مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ " يقول انى برىء من جميع الأنداد والأصنام التى تشركونها أنددا لله ودبروا لى أنتم وآلهتكم ان كانت حقا من أذى وكيد  ولا تتمهلوا فى ذلك طرفة عين ، " إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم " توكلت على الله ربى وربكم والكل تحت قهره وسلطانه وهو الحاكم العادل الذى لا يجور فى حكمه فانه على صراط مستقيم وهو آخذ بنواصى عباده فيلقن المؤمن حتى يكون لهم أشفق من الوالد لولده ، وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التى لاتنفع ولا تضر بل هى جماد لا تسمع ولا تبصر ولا توالى ولا تعادى وانما يستحق اخلاص العبادة الله وحده لا شريك له بيده الملك وله التصرف وما من شىء الا تحت قهره وسلطانه فلا اله الا هو ولا رب سواه . 

فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيًۡٔاۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ ٥٧ وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ ٥٨ وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ ٥٩ وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ ٦٠ ۞

" فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ "  يقول لهم هود عليه السلام فان تولوا عما جئتكم به من عبادة الله وحده لا شريك له فقد قامت عليكم الحجة بابلاغى اياكم رسالة الله التى بعثنى بها ، " وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيًۡٔاۚ " يهلكم ربكم كما أهلك من قبلقم جزاء كفرهم ويأتى من بعدكم بقوم يعبدونه وحده لا يشركون به ولا يبالى بكم فانكم لا تضرونه بكفركم بل يعود وبال ذلك عليكم ، "  إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظ " الله ربى شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم عليها ان خيرا فخير وان شرا فشر ، " وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظ " لما نزل العقاب والعذاب من الله بالاهلاك بالريح العقيم أهلكهم الله عن آخرهم ونجى هود وأتباعه من عذاب شديد الغلظة برحمته تعالى ولطفه ، " وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ "هذه قوم عاد الذين كفروا بما انزل الله وبما بعث به رسول من آيات بينات وعصوا رسله وذلك أن من كفر بنبى فقد كفر بجميع الأنبياء لأنه لا فرق بين أحد منهم فى وجوب الايمان به : فعاد كفروا بهود فنزل كفرهم منزلة من كفر بجميع الرسل ، " وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيد " تركوا اتباع رسولهم الرشيد واتبعوا أمر كل جبار عنيد من أئمة الكفر ، "وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُود " فلهذا أتبعوا فى هذه الدنيا لعنة قال السدى ما بعث نبى بعد عاد الا لعنوا على لسانه من الله ومن عباده المؤمنين كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد " أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ  " .

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ ٦١

" وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيب " يقول تعالى ولقد أرسلنا الى ثمود وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكانوا بعد عاد فبعث الله لهم أخاهم صالحا فأمرهم بعبادة الله وحده وهو الذى أبتدأ خلقهم من تراب الأرض الذى خلق منه آدم وذريته من بعده وجعلهم عمارا للأرض يعمرونها ويستغلونها ويستفيدوا بخيرها وطالبهم بالاستغفار لسالف ذنوبهم والتوبة فيما يستقبلون فالله قريب من عباده يستجيب لهم كما قال " واذا سألك عبادى عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان " .

قَالُواْ يَٰصَٰلِحُ قَدۡ كُنتَ فِينَا مَرۡجُوّٗا قَبۡلَ هَٰذَآۖ أَتَنۡهَىٰنَآ أَن نَّعۡبُدَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ ٦٢ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِيرٖ ٦٣

يذكر تعالى ما كان من الكلام بينة صالح عليه السلام وبين قومه وما كان عليه قومه من الجهل والعناد" قَالُواْ يَٰصَٰلِحُ قَدۡ كُنتَ فِينَا مَرۡجُوّٗا قَبۡلَ هَٰذَآۖ أَتَنۡهَىٰنَآ أَن نَّعۡبُدَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ مُرِيب " قال قوم صالح عليه السلام له كنا نرجوك ونقصدك لرجاحة عقلك قبل أن تقول ما قلت من نهينا عن عبادة الأصنام والأوثان التى كان يعبدها آباؤنا من قبل وكل ما تدعونا اليه نحن فى شك كثير منه ولن نتبعه أبدا ، " قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِير " رد عليهم صالح عليه السلام انى على يقين فيما أرسلنى الله به اليكم وبرهان والله أنعم على برحمته فأنقذنى من الكفر وخصنى برسالته وهديه فان تركت دعوتكم الى الحق وعبادة الله وحده التى كلفنى الله بها لما نفعتمونى ولما زدتمونى الا الخسارة فى الدنيا والآخرة .

وَيَٰقَوۡمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٞ قَرِيبٞ ٦٤ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمۡ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٖۖ ذَٰلِكَ وَعۡدٌ غَيۡرُ مَكۡذُوبٖ ٦٥ فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ ٦٦ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ ٦٧ كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ ٦٨

" وَيَٰقَوۡمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٞ قَرِيب" ياقوم قد جاءتكم حجة من الله عى صدق ما جئتكم به وكانوا هم الذين سألوا صالحا أن يأتيهم بآية واقترحوا عليه بأن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم وهى صخرة منفردة فى ناحية الحجر يقال لها الكاتبة فطلبوا منه أن تخرج لهم منها ناقة عشراء تمخض فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله الى سؤالهم وأجابهم الى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم قام صالح عليه السلام الى صلاته ودعا الله عز وجل فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها كما سألوا وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوما وتدعه لهم يوما وكانوا يشربون لبنها يوم شربه يحتلبونها فيملئون ما شاؤا من أوعيتهم وأوانيهم وحذرهم صالح عليه السلام وكأنه يتنبأ بأفعالهم من أن يمسوها بسوء حتى لا يقع عليهم عذاب الله وهو ليس منهم ببعيد ، " فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمۡ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٖۖ ذَٰلِكَ وَعۡدٌ غَيۡرُ مَكۡذُوب " كانت الناقة تسرح فى الأودية وكانت تتضلع من الماء وكانت على ما ذكر خلقا هائلا ومنظرا رائعا اذا مرت بأنعامهم نفرت منها فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح عليه السلام عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم وعقروا الناقة ولما بلغ الخبر صالح عليه السلام جاء قومه وهم مجتمعون ولما رأى الناقة بكى وقال لهم وتوعدهم بعذاب الله بعد ثلاثة أيام وقعدوا فىديارهم ينتظرون نقمة الله وعذابه لايدرون ما يفعل بهم وكيف يأتيهم العذاب ، " وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ " جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم ففاضت الأرواح وزهقت النفوس فى ساعة واحدة وكا ن وعد الله صادقا فأصبحوا فى دارهم جاثمين أى صرعى لا أرواح فيهم ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى  ، " فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ " ولم يبقى من ذرية ثمود سوى صالح عليه السلام ومن تبعه رضى الله عنهم أنجاهم الله من هذا الهلاك فالله هو صاحب القوة والعزة والمنعة يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شىء قدير ، وقوله " كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ "اصبحت دورهم خرابا وكانها لم تسكن أو تعمر من قبل وهذا جزاء كفر ثمود بربهم بعد ما أغدق عليهم من نعمته وجاءهم بما سألوا فاصبحوا نسيا منسيا .

وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ ٦٩ فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ ٧٠ وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ ٧١ قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ ٧٢ قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ ٧٣

" وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذ " جاءت الملائكة وهم رسل الله ابراهيم عليه السلام بالبشرى قيل تبشره باسحاق وقيل بهلاك قوم لوط كقوله تعالى " ولما ذهب عن ابراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا فى قوم لوط " قال السدى لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشى فى صور رجال شبان حتى نزلوا على ابراهيم فتضيفوه حيوه بالسلام وقالوا سلام عليكم فقال سلام عليكم وذهب سريعا فأتاهم بالضيافة وهو عجل حنيذ مشوى على الرضف وهى الحجارة المحماة ،" فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ " رأى أن الملائكة لا تمد أيديهم الى الطعام وذلك أن الملائكة لا همة لهم الى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم وأوجس منهم خيفة ،" قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوط "  فقالوا له لا تخف منا انا ملائكة أرسلنا الى قوم لوط لنهلكهم ، " وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ "قعد ابراهيم عليه السلام مع الملائكة وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول - وامرأته قائمة وهوجالس فلما رآهم لايأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة ، فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم وقامت هى تخدمهم  فضحكت وقالت : عجبا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا ! ، وقيل قالوا لا تخف منا انا ملائكة أرسلنا الى قوم لوط لنهلكهم فضحكت سارة استبشارا بهلاكهم لكثرة فسادهم وغلظكفرهم وعنادهم فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الاياس ، وقال قتادة ضحكت وعجبت أنقوما يأتيهم العذاب وهم فى غفلة وقال أبن عباس فضحكت أى حاضت بشرتها الملائكة بولد لها هو اسحاق يكون له ولد وعقب منسل فان يعقوب ولد اسحاق ، " قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيب " تعجبت كيف تلد وهى عجوز وزوجها رجل كبير فى السن ، " قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ " قالت الملائكة لها لا تعجبى من أمر الله فانه اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، فلا تعجبى من هذا وانكنت عجوزا عقيما وبعلك شيخا كبيرا فان الله على ما يشاء قدير ، " رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيد " ختمت الآية بتحية أهل البيت وهم ابراهيم ونسله عليه السلام من الله الحميد فىجميع أفعاله وأقواله محمود ممجد فى صفاته وذاته ، ولهذا ثبت فى الصحيحين أنهم قالوا " قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ " قال : " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم ، وباركعلى محمد وآل محمد كما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد " .

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنۡ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلرَّوۡعُ وَجَآءَتۡهُ ٱلۡبُشۡرَىٰ يُجَٰدِلُنَا فِي قَوۡمِ لُوطٍ ٧٤ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٞ مُّنِيبٞ ٧٥ يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُودٖ ٧٦

" فَلَمَّا ذَهَبَ عَنۡ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلرَّوۡعُ وَجَآءَتۡهُ ٱلۡبُشۡرَىٰ يُجَٰدِلُنَا فِي قَوۡمِ لُوطٍ " يخبر تعالى عن ابراهيم عليه السلام أنه لما ذهب عنه الخوف من الملائكة حين لم يأكلوا وبشروه بعذ ذلك بالولد وأخبروه بهلاك قوم لوط ،  قال سعيد بن جبير لما جاءه جبريل ومن معه قالوا كما قال تعالى " انا مهلكوها أهل هذه القرية " قال لهم : أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن ؟" قالوا : "لا" قال : افتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ " قالوا : " لا " واستمر معهم فى تخفيض العدد حتى قال : أرأيتكم ان كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها ؟ " قالوا : لا ، فقال ابراهيم عند ذلك " ان فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله الا امرأته " فسكت عنهم واطمأنت نفسه ، " إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰه مُّنِيب" مدح لابراهيم عليه السلام فهو يتسم بالصبر والتوبة ودعاء ربه وقد تقدم شرح ذلك ، " يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَآۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِيهِمۡ عَذَابٌ غَيۡرُ مَرۡدُود" يقول الله تعالى لأبراهيم عليه السلام أن يبعد عن المجادلة فى قوم هو مهلكهم لأفعالهم الخبيثة الفاحشة  فقد نفذ فيهم القضاء وحقت عليهم الكلمة بالهلاك وحلول البأس الذى لا يرد عن القوم المجرمين.

وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ ٧٧ وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ ٧٨ قَالُواْ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنۡ حَقّٖ وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا نُرِيدُ ٧٩

" وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا " يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلما ابراهيم عليه السلام بهلاكهم وفارقوه وأخبروه باهلاك الله قوم لوط هذه الليلة فانطلقوا من عنده فأتوا لوطا عليه السلام وردوا عليه وهم فى اجمل صورة تكون على هيئة شبان حسان الوجوه ابتلاء من الله وله الحكمة والحجة البالغة فساء شأنهم وضاقت نفسه بسببهم وخشى ان لم يضفهم أن يضفهم أحد من قومه فينالهم بسوء " وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيب " قال أبن عباس هذا اليوم شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ضد قومه ويشق عليه ذلك ، " وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ " قال السدى خرجت الملائكة من عند ابراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار ولقوا بنت لوط تسقى فقالوا يا جارية هل من منزل ؟" فقالت : مكانكم حتى آتيكم وفرقت عليهم من قومها فأتت أباها فقالت : يا أبتاه أدرك فتيانا على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك وكان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا : خل عنا فلنضيف الرجال فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد الا أهل بيته فخرجت ارمرأته فأخبرت قومها فجاءوا يهرعون اليه أى يسرعون اليه ويهرولون من فرحهم بذلك  ،" وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِۚ " ولم يزل من سجيتهم وهم يعملن الفاحشة من نكاح الرجال حتى أخذوا وهم على هذا الحال ، " قَالَ يَٰقَوۡمِ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ " أرشد لوط عليه السلام قومه ان ينتهوا عن فعلهم الفاحشة مع الرجال بأن يتوجهوا الى نسائهم فالنبى للأمة بمزلة الوالد فأرشدهم الى نكاح ما شرع الله لهم من النساء فهو أطهر لهم وأنفع فى الدنيا والآخرة  كما قال تعالى " أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل أنتم قوم عادون " وكانوا قد قالوا له " قالوا أو لم ننهك عن العالمين " ألم ننهك عن ضيافة الرجال قال مجاهد لم يكن بناته ولكن كن من امته وكل نبى أبو أمته وقال أبنجريج أمرهم أن يتزوجوا النساء ولم يعرض عليهم سفاحا وقال سعيد بنجبير يعنى نساءهم هن بناته هو نبيهم وورد قوله تعلى " النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ " اقبلوا ما آمركم به الله من الاقتصار على نسائكم واتركوا ضيفى ولا تمسوهم بسوء ، "أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُل رَّشِيد " ألا يوجد فيكم رجل خير عاقل يقبل ما آمره به ويترك ما انهاه عنه ؟ ، "  قَالُواْ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنۡ حَقّٖ وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا نُرِيدُ" قالوا له انك لتعلم أننساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن ليس لنا غرض الا فى الذكور وأنت تعلم ذلك فأى حاجة علينا فى تكرار القول علينا فى ذلك " وقال السدى " وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا نُرِيدُ" انما نريد الرجال وأنت تعرف ذلك .

قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ ٨٠ قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ ٨١

" قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيد " يقول الله تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام متوعدا من يريد أن اقتربوا بضيوفه وهو يريد حمايتهم منهم لو كان عندى قوة لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل بنفسى وعشيرتى وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رحمة الله على لوط لقد كان يأوى الى ركن شديد - يعنى الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبى الا فى ثروة من قومه " ، " قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ " عند ذلك أخبرت الملائكة لوط عليه السلام أنهم رسل الله اليه وأنه لا وصول لهم اليه ، "  فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ " أمرت الملائكة لوطا عليه السلام أن يسرى بأهله من آخر الليل وأن يتبع أدبارهم أى يكون ساقه لأهله وان لا يلتفت وراءه اذا سمع ما نزل بالقوم المفسدين ولا يهولنهم تلك الأصوات المزعجة ولكن يستمروا ذاهبين ،  " وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ" استثنى من النجاة أمراة لوط لأنها كانت تتبع عقيدة قومها وتسير فى ركابهم ذكر المفسرون أنها خرجت معهم وأنها لما سمعت الوجبة التفتت وقالت : واقوماه فجاءها حجر من السماء فقتلها ،  قرب الملائكة هلاك قوم لوط تبشيرا له لأنه قال لهم أهلكوهم الساعة فقالوا له " إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيب " هذا وقوم لوط وقوف على الباب عكوف منه بل يتوعدونه ويتهددونه فعند ذلك خرج عليهم جبريل عليه السلام واستأذن الله فى عقوبتهم فأذن له فقام فى الصورة التى يكون فيها فى السماء فنشر جناحه ولجبريل جناحان فقال " يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ " أمض يا لوط عن الباب ودعنى واياهم فتنحى لوط عن الباب فخرج اليهم فضرب وجوههم بجناحه فطمس أعينهم فصاروا عميا فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق كما قال تعالى " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابى ونذر " ثم أمر لوط عليه السلام فاحتمل بأهله فى ليلته وقال له " فأسر بأهلك بقطع من الليل" 

 فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ ٨٢ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ ٨٣ ۞

" فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا " يقول تعالى لما جاء موعد تنفيذ أمره وكان ذلك عند طلوع الشمس تحركت الملائكة لانزال العذاب فجعلت عالى البلدة وهى سدوم سافلها ، " وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيل " أمطرت ورجمت رجما شديد بالحجارة كأنه المطر حجارة من طين قال أبن عباس وغيره مستحجرة قوية شديدة وقال البخارى سجيل الشديد الكبير وقوله " منضُود " قال بعضهم منضودة من السماء أى معدة لذلك وقال آخرون أى يتبع بعضها بعضا فى نزولها عليهم ، " مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ " أى معلمة مختومة عليها أسماء أصحابها كل حجر مكتوب عليه اسم الذى ينزل عليه وقال قتادة مطوقة بها نضج من حمرة  ، " وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيد " وما هذه النفمة ممن تشبه بهم فى ظلمهم ببعيد عنه ، وقد ورد فى الحديث المروى فى السنن عن أبن عباس مرفوعا " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " وذهب الامام الشافعى وجماعة من العلماء الى أن اللائط يقتل سواء كان محصنا أو غير محصن عملا بهذا الحديث ، وذهب الامام أبو حنيفة الى أنه يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط .

وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ ٨٤

" وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ  " يقول تعالى لقد أرسلنا الى مدين وهم قبيلةمن العرب كانوا يسكنون بين الحجاز والشام بلادا تعرف بهم يقال لها مدين فأرسل الله اليهم شعيبا عليه السلام  وكان من أشرفهنسبا ولهذا قال " أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ  " ، " قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ" أمر قومه بعبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن التطفيف فى المكيال والميزان ، " إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيط " ذكرهم بما هم فيه من خير ونعمة فى معيشتهم ورزقهم من الله وقال لهم انى أخاف أن تسلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله ويحل بكم العذاب الشديد الذى لا يهرب منه أحد فى الدار الآخرة .

وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ ٨٥ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ ٨٦

" وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ " ينهاهم شعيب عليه السلام أولا عن نقص المكيال والميزان اذا أعطوا الناس ، ثم أمرهم بوفاء الكيل والوزن بالقسط آخذين ومعطين ونهاهم عن العثو فى الأرض بالفساد وقد كانوا يقطعون الطريق ،" بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ " قال أبن عباس بقية الله رزق الله خير لكم وقال الحسن رزق الله خير من بخسكم الناس وقال مجاهد طاعة الله وقال قتادة حظكم من الله خير لكم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خير لكم من الهلاك فى العذاب وقال جعغر بن جرير ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس بالباطل ويشبه قوله تعالى " قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث " ، "  وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظ " يقول لهم أنا لست عليكم برقيب ولا حفيظ أى افعلوا ذلك لله عز وجل لا تفعلوه ليراكم الناس بل لله عز وجل .

قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ٨٧

" قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ " يقولون له على سبيل التهكم ما تأتيه من صلاة وقال الأعمش قراءتك تدعوك الى أن نترك ما كان عليه آباؤنا ونحن نتبعهم من عبادة الأوثان والأصنام أو تأمرنا أن نتصرف فى أموالنا كيف نشاء فقد كانوا لا يحلون حلال ولا يحرمون حرام ، " إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ " كيف تقول ذلك لنا وقد كنت تتصف بالحلم وهو العقل والرشيد هو الحكيم فى أفعاله وأقواله ، يقول ذلك أعداء الله على سبيل الاستهزاء .

قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ٨٨

" قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّي " قال شعيب عليه السلام لقومه أرأيتم يا قوم ان كنت على بصيرة فيما أدعو اليه ، " وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ "ورزقنى الله رزق حسن قيل أراد النبوة وقيل أراد الرزق الحلال ويحتمل الأمرين ، " وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ " لم أكن أنهاكم عن أمر وأرتكبه وعن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصارى قال سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : " اذا سمعتم الحديث عنى تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، واذا سمعتم الحديث عنى تنكره  قلوبكم ،وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه" اسناده صحيح ،  " إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ " أريد الاصلاح فيما آمركم وأنهاكم انما أريد اصلاحكم جهدى وطاقتى ، " وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ " وما توفيقى فى اصابة الحق فيما أريده الا بالله وحده ، " عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ " الله عليه توكلت فى جميع أمورى ، " وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ " الى الله أرجع .

وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِحٖۚ وَمَا قَوۡمُ لُوطٖ مِّنكُم بِبَعِيدٖ ٨٩ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٞ وَدُودٞ ٩٠

" وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ " يخاطب شعيب عليه السلام قومه فيقول لهم لا تحملنكم عداوتى وبغضى على الاصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد ، " أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِح " فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح وقوم هود وقوم  من النقمة والعذاب وقال السدى لا تحملنكم عداوتى على أن تمادوا فى الضلال والكفر فيصيبكم من العذاب ما أصابهم  ، " وَمَا قَوۡمُ لُوطٖ مِّنكُم بِبَعِيد"قيل المراد فى الزمان وقال قتادة يعنى انما هلكوا بين أيديكم بالأمس وقيل فى المان أى ليسوا بعيدين فى المكان ويحتمل الأمران الزمان والمكان ، "وَٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ " استغفروا ربكم من سالف الذنوب ، " ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ " توبوا الى الله فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة ، " إِنَّ رَبِّي رَحِيم وَدُود " الله ربى رحيم ودود لمن تاب. 

قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفٗاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيزٖ ٩١ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّاۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ ٩٢

" قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ " يقولون لشعيب عليه السلام ما نفهم كثيرا من قولك ، "  وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفٗاۖ " قال السدى أنت واحد أى لوحدك ضعيف بدون ناصر لك ومؤيد وقال أبو روق يعنون نراك ذليلا وعشيرتك ليسوا على دينك ، " وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ " لولا وجود قومك ومعزتهم علينا  ومراعاتنا لهم حيث كانت تسود العصبية القبلية لرجمناك بالحجارة ، " وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيز " وليس لك عندنا معزة ، " قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ " أتتركونى لأجل قومى ولا تتركونى اعظاما لجناب الله تبارك وتعالى أن تنالوا نبيه بمساءة ، "  وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّاۖ " وقد اتخذتم كتاب الله وشرعه ظهريا أى وراء ظهوركم نبذتموه خلفكم لا تطيعونه ولا تعظمونه ، " إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيط " وربى يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها .

وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ ٩٣ وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ ٩٤ كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ٩٥

" وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ " لما يئس نبى الله شعيب عليه السلام من استجابتهم له قال ياقوم استمرول على طريقتك ونهجكم من الكفر والشرك وهذا تهديد شديد ، " إِنِّي عَٰمِل " وأنا مستمر وتابع وعملى علىطريقتى ونهجى كذلك على طريق الله وهديه وأدعوا الى سبيله ، " ۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِب" سوف تعلمون من سيحل عليه عذاب الله الذى يصيبه بالخزى ومن فينا الكاذب والله هو الحكم بينى وبينكم ، " وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيب " وانتظروا لما سيقع وأنا كذلك منتظر لما سيحل بكم من الله ، " وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا " لما نزل عليهم أمر الله وقراره نجى الله نبيه شعيب عليه السلام ومن آمنوا بالله واتبعوه برحمته ، " وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ " نزلت عليهم الصيحة من السماء وهم فى ديارهم فقضت عليهم فأصبحوا هامدين لا حراك لهم وذكر ههنا أنه أتتهم صيحة ، وفى الأعراف رجفة وفى الشعراء عذاب يوم الظلة وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها وانما ذكر فى كل سياق ما يناسبه ففى الأعراف  لما قالوا " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا " ناسب أن يذكر الرجفة فرجفت بهم الأرض التى ظلموا بها وأرادوا اخراج نبيهم منها أى زلزلت ، وهنا لما أساءوا الأدب فى مقالتهم على نبيهم وتعالوا معه فى المجادلة ذكر الصيحة التى استلبثتهم وأخمدتهم ، وفى الشعراء لما قالوا " فأسقط علينا كسفا من السماء ان كنت من الصادقين " قال " فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم " أى جاءهم العذاب من فوقهم من السماء ، وهذا من الأسرار الدقيقة فى بلاغة القرآن ، " كأن لم يغنوا فيها " أبادهم الله فأصبحوا عدما كأن لم يعيشوا فى دارهم وكأن ديارهم لم تسكن من قبلهم ، " ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود " وما أشبه الليلة بالبارحة فكما حدث لثمود حدث لمدين وكانوا جيرانهم قريبا منهم فى الدار وشبيها بهم فى الكفر وقطع الطريق وكانوا عربا مثلهم .  

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ ٩٦ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ فِرۡعَوۡنَۖ وَمَآ أَمۡرُ فِرۡعَوۡنَ بِرَشِيدٖ ٩٧ يَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ ٩٨ وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِۦ لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ بِئۡسَ ٱلرِّفۡدُ ٱلۡمَرۡفُودُ ٩٩

" وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ " يقول تعالى مخبرا عن ارسال موسى عليه السلام بآياته ودلالاته الباهرة " إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِ " الى فرعون وقومه ، "  ۦ فَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ فِرۡعَوۡنَۖ " اتبعوا منهج فرعون ومسلكه وطريقته فى الغى ، " وَمَآ أَمۡرُ فِرۡعَوۡنَ بِرَشِيد " ومسلك فرعون ونهجه ليس فيه رشد ولا هدى ولا حكمة وانما هو جهل وكفر وعناد ، " يَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ" كا أن قومه اتبعوه فى الدنيا وكان مقدمهم ورئيسهم كذلك هو يقدمهم يوم القيامة الى نار جهنم فأوردهم اياها وشربوا من حياض رداها وله فى ذلك الحظ الأوفر من العذاب الكبير يزم الله ما آل اليه فرعون وقومه وما وردوه من نار جهنم وكذلك شأن المتبوعين يكونون موقرين فى العذاب يوم القيامة كما فى قوله اخبارا عن الكفرة " رنا انا أطعنا سادتنا ومبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب "

وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " امرؤ القيس حامل لواء شعراء الجاهلية الى النار " ، " وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِۦ لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ  بِئۡسَ ٱلرِّفۡدُ ٱلۡمَرۡفُودُ " يقول تعالى أتبعناهم زيادة على عذاب النار لعنة فى الدنيا ، قال مجاهد زيدوا لعنة يوم القيامة فتلك لعنتان  وعن أبن عباس قال لعنة الدنيا والآخرة كقوله تعالى " وجعلناهم أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون * وأتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة ويم القيامة هم من المقبوحين " .   

ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ ١٠٠ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ ١٠١

ذكر تعالى خبر الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم وكيف أهلك الكافرين ونجى المؤمنين " ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ " الذى حدثناك به من أخبار القرى ، "  مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيد " من هذه القرى ما هو عامر ومنها ما هو هالك ، "وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ " ماظلمناهم اذا أهلكناهم  ، " وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ " ظلموا أنفسهم بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم وحيادهم عن الحق ، "  فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ " وأوثانهم التى يعبدونها ويدعونها ما نفعوهم ولا أنقذوهم لما جاء أمر الله باهلاكهم ، "  وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيب " وما زادتهم هذه الأوثان والأصنام غير تخسير وذلك أن سبب هلاكهم ودمارهم انما كان باتباعهم تلك الآلهة فلهذا خسروا فى الدنيا والآخرة .

وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ ١٠٢

" وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ  " يقول تعالى وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بأشباههم  ، " إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ "  وأخذ ربك أى عقابه أليم شديد وفى الصحيحين عن أبى موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان الله ليملى للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ " .

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ ١٠٣ وَمَا نُؤَخِّرُهُۥٓ إِلَّا لِأَجَلٖ مَّعۡدُودٖ ١٠٤ يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ ١٠٥

" إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ " يقول تعالى ان فى اهلاكنا الكافرين وانجائنا المؤمنين عظة واعتبارا على صدق موعودنا فى الآخرة ،  " ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ " يوم القيامة يوم يحشر فيه الناس ويجتمعون أولهم وآخرهم كقوله تعالى " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " ،" وَذَٰلِكَ يَوۡم مَّشۡهُود"ذلك يوم عظيم تشهده وتحضره الملائكة ويجتمع فيه الرسل وتحشر الخلائق بأسرهم من الانس والجن والطير والوحوش والدواب ويحكم فيه العادل الذى لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ، " وَمَا نُؤَخِّرُهُۥٓ إِلَّا لِأَجَلٖ مَّعۡدُود " ما نؤخر يوم القيامة الا لمدة مؤقتة لا يزاد عليها ولا يمتقص منها ، الا أنه قد سبقت كلمة الله فى وجود أناس معدودين من ذرية آدم وضرب مدة معينة اذا انقطعت وتكامل وجود أولئك المقدر خروجهم قامت الساعة ولهذا قال " وَمَا نُؤَخِّرُهُۥٓ إِلَّا لِأَجَلٖ مَّعۡدُود " ، " يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِ" يوم يأتى يوم القيامة لا يتكلم أحد الا باذن الله كقوله " لا يتكلمون الا من أذن له الرحمن وقال صوابا " وكقوله " وخشعت الأصوات للرحمن " وفى الصحيحين من حديث الشفاعة " ولا يتكلم يومئذ الا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم " ، "  فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيد " يوم القيامة يحاسب الناس على أعمالهم فمن أدخل النار فهو الشقى خالدا مخلدا أبدا فهو شقاء أذلى ومن أدخل الجنة فقد فاز وهو السعيد فى الجنة خالدا فيها أبدا فهى السعادة الدائمة .   

فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَشَهِيقٌ ١٠٦ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ ١٠٧ ۞

" فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمۡ فِيهَا زَفِير وَشَهِيقٌ " يفصل الله حال الناس يوم القيامة ويشرح حالهم وهم الشقى والسعيد فيبدا بالذين شقوا هم الذين أدخلوا النار تنفسهم زفير وأخذهم النفس شهيق قال أبن عباس الزفير فى الحلق والشهيق فى الصدر لما هم فيه من العذاب ، " خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ  " خالدين فى النار أبدا قال الامام أبو جعفر بن جرير : من عادة العرب اذا أرادت أن تصف الشىء بالدوام أبدا قالت هذا دائم ودوام السموات والأرض ، وكذلك يقولون هو باق ما اختلف الليل والنهار ، وما سمر أبناء سمير ، ومالألأت العير بأذنابها ، يعنون بذلك كله " أبدا " فخاطبهم الله جل ثناؤه بما يتعارفون بينهم ، ويحتمل أن المراد بما دامت السموات والأرض الجنس لأنه لابد فى عالم الآخرة من سموات وأرض كما قال تعالى " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات " وقال الحسن البصرى سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه الأرض فما دامت تلك السماء وتلك الأرض ، " إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ " إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ " اختلف المفسرون فى المراد من هذا الاستثناء فعن أبن عباس والحسن أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حتى يشفعون فى أصحاب الكبائر ثم تأتى رحمة أرحم الراحمين فتخرجهم من  النار ولا يبقى بعد ذلك فى النار الا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد عنها وقال السدى هى منسوخة بقوله " خالدين فيها أبدا " .

وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ ١٠٨

" وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ " يقول تعالى الذين سعدوا وهم المؤمنون أتباع الرسل ، " فَفِي ٱلۡجَنَّةِ " مأواهم الجنة  " خَٰلِدِينَ فِيهَا " ماكثين فيها أبدا ، "  مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ " دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرا واجبا بذاته بل هو موكول الى مشيئة الله تعالى أو أن كل شىء بمشيئة الله وارادته وقضت مشيئته وارادته أن يكونوا خالدين فى الجنة جزاءا لأعمالهم الصالحة ، " عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذ " هذا العطاء الجزيل من ربك دائم غير مقطوع وقال أبن عباس وغير واحد لئلا يتوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطاع بل حتم له بالدوام وعدم الانقطاع كما بين هناك أن عذاب أهل النارفى النار دائما مردود الى مشيئته وأنه بعدله وحكمته عذبهم ولهذا قال " ان ربك فعال لما يريد " وكقوله " لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون" وقد جاء فى الصحيحين " يؤتى بالموت فى صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت " وفى الصحيح أيضا " فيقال يا أهل الجنة ان لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا وان لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وان لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وان لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا " .  

فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ ١٠٩ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ ١١٠ وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ١١١

" فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَٰٓؤُلَآءِ" يقول تعالى فلا يكن عندك أدنى شك أن ما يعبد هؤلاء المشركون باطل وجهل وضلال ، " مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ " فانهم انما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل أى ليس لهم مستند  فيما هم فيه الا اتباع الآباء فى الجهالات  ،" وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوص"  وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذابا لا يعذبه أحدا وان كان لهم حسنات فقد وفاهم الله اياها فى الدنيا من متع زائلة قبل الآخرة وقال أبن عباس يوفوا ما وعدوا من خير أو شر وقال عبد الرحمن أبن زيد بن أسلم لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص ، " وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ " ذكر الله تعالى أنه آتى موسى عليه السلام الكتاب أى التوراة ، "  فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ " فاختلف فيه الناس من مؤمن به  ومن كافر به ، فلك بمن سلف من الأنبيباء قبلك يا محمد أسوة فلا يغيظنك تكذيبهم لك ولا يهمنك ذلك ، " وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ" قال أبن جرير لولا ما تقدم من تأجيل الله العذاب الى أجل معلوم لقضى الله بينهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة أنه لا يعذب أحدا الا بعد قيام الحجة عليه وارسال الرسل اليه كما قال تعلى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وكقوله " ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى * فاصبر على ما يقولون " ، " وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيب " هم فى شك من يوم القيامة أى الكفار والمشركون وهذا الشك غير صحيح فهذا اليوم محقق ، " وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِير  "أخبر تعالىأنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم ويجزيهم بأعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر فالله سيوفى كل بعمله كاملا غير منقوص فهو عليم بأعمالهم جميعا جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها كما فى قوله " وان كل لما جميع لدينا محضرون " .

فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١٢ وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ١١٣

" فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير" يأمر الله تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة ونهى عن الطغيان وهو البغى فانه مصرعة حتى ولو كان على مشرك واعلم تعالى أنه ىبصير بأعمال العباد لا يغفل عن شىء ولا يخفى عليه شىء , " وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ " قال أنب جرير عن أبن عباس ولا تميلوا الى الذين ظلموا أى لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم وقال العوفى عن أبن عباس هو الركون الى الشرك وقال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم ، "  فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ " اذا فعلتم ذلك سيكونمصيركم النار وعذابها ، " وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ " ليس لكم من دون الله من ولى ينقذكم ولا ناصر يخلصكم من عذابه .  

وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ١١٤ وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١١٥

" وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ " أقم الصلاة قال أبن عباس طرفى النهار يعنى الصبح والمغرب وقال قتادة وغيره يعنى الصبح والعصر وقال مجاهد الصبح فى أول النهار والظهر والعصر مرة أخرى ، " وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ " قال أبن عباس يعنى صلاة العشاء وقال الحسن يعنى المغرب والعشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هما زلفا الليل المغرب والعشاء " ، وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الاسراء فانه كان يجب من الصلاة صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ، وفى أثناء الليل قيام عليه أى على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة ثمنسخ فى حق الأمة وثبت فى وجوبه عليه ثم نسخ عنه أيضا فى قول والله أعلم ، " إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ" ان فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة وعن أبى بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلى ركعتين الا غفر له " وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن ما أجتنبت الكبائر " وفى الصحيح عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا غمرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيئا ؟" قالوا : لا يارسول الله " قال : " كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا "" ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ " هذا الذى ذكرناه انما هو لمن أراد ان يذكر الله ، " وَٱصۡبِرۡ "يدعو الله الى الصبر فان العبادة تحتاج الى الصبر والصبر مطلوب فى كل الأعمال " فأقم الصلاة واصطبر عليها "  وعن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالله يا معاذ " أتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ، وعن أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " ، " فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ " الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ ١١٦ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ ١١٧

" فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ " يقول تعالى وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد فى الأرض ، " إِلَّا قَلِيلٗا " قد وجد منهم منهذا الضرب أو الفئة قليل لم يكونوا كثيرا ، " مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ " وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " وفى الحديث " ان الناس اذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " ، " وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ " استمر الذين ظلموا على ما هم عليه من المعاصى والمنكرات ولم يلتفتوا الى انكار أولئك حتى فجأهم العذاب ، " وَكَانُواْ مُجۡرِمِين " كانوا مجرمين لما ارتكبوا من معاصى فلم يأمروا بمعروف أو ينهوا عن منكر ، " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ " أخبر تعالى أنه لم يهلك القرى الا وهى ظالمة لنفسها ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين كما قال تعالى " وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم " وقال " وما ربك بظلام للعبيد " .

وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١١٩

" وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَة "ۖ يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة ، "وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ " لكن لا يزال الخلف بين الناسفى أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم وقال عكرمة مختلفين فى الهدى ، " إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ  " الا المرحومين من أتباع الرسل الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين أخبرتهم به رسل الله اليهم ولم يزل ذلك دأبهم حتى كان النبى خاتم المرسلين والأنبياء فاتبعوه وصدقوه ووازروه ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة لأنهم الفرقة الناجية قال قتادة أهل رحمة الله أهل الجماعة وان تفرقت ديارهم وأبدانهم وكما جاء فى الحديث فى المسانيد والسنن " ان اليهود افترقت على أحدى وسبعين فرقة وان النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار الا فرقة واحدة " قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ " قال : " ما أنا عليه وأصحابى " ، وقال عطاء " ولا يزالون مختلفين " يعنى اليهود والنصارى والمجوس ، " وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ"لم يخلقهم ليختلفوا ولكن خلقهم للجماعة والرحمة وقال مالك فريق فى الجنة وفريق فى السعير ،  "وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ " يخبر تعالى أنه قد سبق فى قضائه وقدره لعلمه التام وحكمته النافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنة ومنهم من يستحق النار وأنه لابد أن يملأ من هذين الثقلين الجن والأنس وله الحجة البالغةوالحكمة التامة ، وفى الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة مالى لا يدخلنى الا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين فقال الله عز وجل للجنة أنت رحمتى أرحم بك من أشاء وقال للنار أنت عذابى أنتقم بك ممن أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها فأما الجنة فلا يزال فيها فضل حتى ينشىء الله لها خلقا يسكن فضل الجنة وأما النار فلا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع عليها رب العزة قدمه فتقول قط قط وعزتك " .

وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ١٢٠

" وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ " يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن كل أخبار نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات وما احتمله الأنبياء من التكذيب وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين ، كل هذا مما نثبت به فؤادك أى قلبك ليكون لك بمن مضى من اخوانك المرسلين أسوة ، " وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ " وجاءك فى هذه السورة المشتملة على قصص الأنبياء وكيف أنجاهم الله والمؤمنين بهم وأهلك الكافرين قصص حق ونبأ صدق وموعظة يرتدع بها الكافرون وذكرى يتذكر بها المؤمنون .

وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنَّا عَٰمِلُونَ ١٢١ وَٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ١٢٢

يخبر تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للذين لا يؤمنون بما جاء به من ربه على وجه التهديد " وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنَّا عَٰمِلُونَ " اعملوا أيها الكافرون على طريقتكم ومنهجكم وانا كذلك عاملون على طريقتنا ومنهجنا ويكتمل قوله وتهديده بقول الله عز وجل " فستعلمون من تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون " ستعلمون من سيفوز فى النهاية وينصره الله ، وقد أنجز الله لرسوله وعده ونصره وأيده وجعل كلمته هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى والله عزيز حكيم .  

وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ١٢٣

" وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ " يخبر الله تعالى أنه عالم غيب السموات والأرض وأنه اليه المرجع والمآب ، وسيؤتى كل عامل عمله يوم الحساب فله الخلق والأمر فأمر تعالى بعبادته والتوكل عليه، فانه كاف من توكل عليه وأناب اليه ، " وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ " ليس بخفى على الله ما عليه مكذبوك يا محمد بل هو عليم بأحوالهم وأقوالهم وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء فى الدنيا والآخرة ، وعن كعب قال خاتمة التوراة خاتمة هود .

الجزء الثانى عشر

تفسير سورة يوسف

سورة مكية ، روى البيهقى فى الدلائل أن طائفة من اليهود حين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه السورة أسلموا لموافقتها ما عندهم وهو من رواية الكلبى عن أبى صالح عن أبن عباس .

الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٢ نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ ٣

عن مصعب بن سعد عن أبيه قال أنزل على النبى صلى الله عليه وسلم القرآن فتلاه عليهم زمانا فقالوا يارسول الله لو قصصت علينا ؟ " فأنزل الله عز وجل " الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ "ثم تلاه عليهم زمانا فقالوا يارسول الله لو حدثتنا فأنزل الله عز وجل " الله نزل أحسن الحديث " ، وعن عون بن عبد الله قال مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا : يارسول الله حدثنا فأنزل الله " الله نزل أحسن الحديث " ثم ملو ملة أخرى فقالوا يارسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن - يعنون القصص - فأنزل الله عز وجل " الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٢ نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ  " الر " تقدم الكلام فى سورة البقرة عن الحروف المقطعة فى بدايات سور القرآن ،" تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ " هذه آيات الكتاب وهو القرآن الواضح الجلى الذى يفصح عن الأشياء المبهمة ويبينها ، " إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ " انزل الله القرآن عربيا فصيحا واضحا بليغا فى بيانه لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعانى التى تقوم بالنفوس فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل صلى الله عليه وسلم بسفارة أشرف الملائكة جبريل عليه السلام ، وكان ذلك فى أشرف بقاع الأرض ، وابتدىء انزاله فى أشرف شهور السنة وهو رمضان ، وأشرف ليلة ليلة القدر ، وهذا كله لعل الناس تفهم وتعقل ما يخبر به ، فكمل من كل الوجوه ولهذا قال " نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ " يخاطب الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه يخبره بأحسن القصص وأفضله قصص من سبقه وحيا من عنده فى هذا القرآن البليغ الواضح وهو قبل ذلك لم يكن يعلم عن ذلك شيئا فهو النبى الأمى علمه الله من علمه ، عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر رضى الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى مررت بأخ لى من قريظة فكتب لى جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ " فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عبد الله بن ثابت فقلت ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ " فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالسلام دينا وبمحمد رسولا ، فسرى عن النبى صلى الله عليه وسلم وقال : ط والذى نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتمونى لضللتم ، انكم حظى من الأمم وأنا حظكم من النبيين " ، قال عمر بن الخطاب انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به فى أديم فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما هذا فى يدك يا عمر ؟ " قلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما الى علمنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودى بالصلاة جامعة فقالت الأنصار أغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم ؟ السلاح السلاح ، فجاؤا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس انى قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لى اختصارا ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون " قال عمر فقمت فقلت رضيت بالله ربا ، وبالاسلام دينا وبك رسولا ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم " .  

 إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ ٤

" إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ " يقول تعالى أذكر لقومك يا محمد من قصة يوسف اذا قال لأبيه ، وأبوه يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام أنه فى المنام أنه رأى فى المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له قال المفسرون أن الأحد عشر كوكبا عبارة عن اخوته وكانوا أحد عشر رجلا سواه ، والشمس والقمر عبارة عن أمه وأبيه وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة وقيل ثمانين سنة وذلك حين رفع أبويه على العرش وهو سريره واخوته بين يديه كما جاء فى السورة " وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياى من قبل جعلها ربى حقا " .

قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٥

" قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ " يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب عليه السلام لأبنه حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا التى تعبيرها خضوع اخوته له وتعظيمهم اياه تعظيما زائدا بحيث يخرون له ساجدين اجلالا واحتراما واكراما فخشى يعقوب عليه السلام أن يحدث بهذا المنام أحدا من اخوته ، "فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِين " فيحسدونه على ذلك فيبغون له الغوائل حسدا منهم له أى يحتالون لك حيلة أو يدبروا لك مكيدة من عمل الشيطان يضروه بها فالشيطان عدو الانسان الواضح العداوة ، ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به واذا رأى ما يكره فليتحول الى جنبه الآخر وليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من شرها ولا يحدث بها أحدا فانها لن تضره " ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى يوجد وتظهر كما ورد فى الحديث" استعينوا على قضاء الحوائج بكتما نها فان كل ذى نعمة محسود " .  

وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٦ ۞

" وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيم "يقول تعالى مخبرا عن يعقوب عليه السلام لولده يوسف انه كما اختارك ربك وأراك هذه الرؤيا من الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك فالله يختارك ويصطفيك لنبوءته ويعلمك الله تعبير الرؤيا ويتم الله نعمته عليك بارسالك والايحاء اليك ولهذا قال كما أتمها آل يعقوب وعلى أبويك من قبل ابراهيم الخليل واسحاق وربك أعلم حيث يجعل رسالته وحكيم فيما يقره .   

لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٞ لِّلسَّآئِلِينَ ٧ إِذۡ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٨ ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ ٩ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ ١٠

" لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٞ لِّلسَّآئِلِينَ " يقول تعالى لقد كان فى قصة يوسف وخبره مع أخوته آيات أى عبرة ومواعظ للسلئلين عن لك المستخبرين عنه فانه خبر عجيب يستحق أن يستخبر عنه ،" إِذۡ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ " حلفوا فيما يظنون والله ليوسف وأخوه يعنون بنيامين وكا شقيقه لأمه ،"  أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا " أكثر حبا لأبينا منا ،  "وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ " كيف يفضل بحبه أثنين على الجماعة ، " إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ " ان أبانا قد بعد عن الحق وهو واضح الضلالة فى تقديمهما علينا ومحبته اياهما أكثر منا ، " ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ "هذا الذى يزاحمكم فى محبة أبيكم لكم اعدموه من وجه أبيكم ليخلو لكم وحدكم اما بأن تقتلوه أو تلقوه فى أرض من الأراضى تستريحوا منه وتخلوا أنتم وأبيكم ، "وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ " أضمروا التوبة قبل الذنب أى بعد أن تتخلصوا من يوسف وأخيه ستصفوا لكم الأمور فتوبوا بعد ذلك من ذنبكم ، " قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ " قال أحد أخوة يوسف واختلف فى اسمه فالتسمية فى القرآن لا تعنى شيئا ، " لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ " لاتصلوا فى عداوة يوسف وبغضه الى قتله ، ولم يكن لهم سبيل الا قتله ولأن الله تعالى كان يريد أمرا لابد من امضائه واتمامه من الايحاء ليوسف بالنبوة والتمكين ببلاد مصر والحكم بها فصرفهم الله عنه بهذه المقالة واشارته عليهم "وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ " بأن يلقوه فى غيابة الجب أى اسفل البئر قال قتادة وهى بئر بيت المقدس يأخذه المارة من المسافرين على طريق قوافل التجارة فتستريحوا منه بهذا ولا حاجة الى قتله ان كنتم عازمين على ما تقولون ، اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم وعقوق الوالد وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذى لا ذنب له وبالكبير الفانى ذى الحق والحرمة والفضل .  

 قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا مَالَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ ١١ أَرۡسِلۡهُ مَعَنَا غَدٗا يَرۡتَعۡ وَيَلۡعَبۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ١٢

" قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا مَالَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ " لما تواطأوا على أخذ يوسف وطرحه فى البئر جاؤا أباهم يعقوب عليه السلام فقالوا ما بالك لا تأمنا على يوسف وانا أخوته الذين يوجهونه وينصحونه وهذه توطئة ودعوى وهم يريدون خلاف ذلك لما له فى قلوبهم من الحسد لحب أبيه له " أَرۡسِلۡهُ مَعَنَا غَدٗا يَرۡتَعۡ وَيَلۡعَبۡ " ابعثه معنا غدا ليلعب ويسعى وينشط ، "وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ" ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك. 

 قَالَ إِنِّي لَيَحۡزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَٰفِلُونَ ١٣ قَالُواْ لَئِنۡ أَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّآ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ ١٤

"قَالَ إِنِّي لَيَحۡزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ" قال يعقوب عليه السلام ردا على ما سأله أخوة يوسف من ارسال يوسف معهم الى الرعى فى الصحراء أنه يشق عليه مفارقة يوسف مدة ذهابهم به الى أن يرجع وذلك لفرط محبته له لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة فى الخلق والخلق ، " وَأَخَافُ أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَٰفِلُونَ " وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون فأخذوا من فمه هذه الكلمة وجعلوها عذرهم فيما فعلوه ،" قَالُواْ لَئِنۡ أَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّآ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ"قالوا مجيبين لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ونحن جماعة انا اذا لعاعجزون هالكون .

فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ١٥

" فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ " ذهب أخوة يوسف به من عند أبيه بعد مراجعتهم له فى ذلك واتفقوا كلهم على القائه فى أسفل ذلك البئر وقد أخذوه من عند أبيه فيما يظهرونه له اكراما له وبسطا وشرحا لصدره وادخالا للسرور عليه ثم جاءوا به الى البئر الذى اتفقوا على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة فسقط فى الماء فغمره فصعد الى صخرة تكون فى وسطه فقام فوقها ، " وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ " يقول تعالى ذاكرا لطفه ورحمته وعائدته وانزاله اليسر فى حال العسر أنه أوحى الى يوسف فى ذلك الحال من الضيق تطبيبا لقلبه وتثبيتا له انك لا تحزن مما أنت فيه فان لك من ذلك فرجا ومخرجا حسنا وسينصرك الله عليهم ويعليك ويرفع درجتك وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع وهم لا يشعرون بايحاء الله اليك وقال أبن عباس ستنبئهم بصنيعهم هذا فى حقك وهم لا يعرفونك ولا يشعرون بك .

 وَجَآءُوٓ أَبَاهُمۡ عِشَآءٗ يَبۡكُونَ ١٦ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ ١٧ وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ١٨

" وَجَآءُوٓ أَبَاهُمۡ عِشَآءٗ يَبۡكُونَ " يقول تعالى مخبرا عن الذى اعتمده أخوة يوسف بعد ما ألقوه فى أسفل البئر ثم رجعوا الى أبيهم فى ظلمة الليل يبكون ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ويتغممون لأبيهم ، "قَالُواْ يَٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ "قالوا لأبيهم معتذرين عما وقع فيما زعموا أنهم ذهبوا يتراموا وتركوا يوسف عند ثيابهم وأمتعتهم فأكله الذئب وهو الذى كان قد جزع منه وحذر عليه ، " وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ " تلطف عظيم فى تقرير ما يحاولونه يقولون ونحن نعلم أنك لا تصدقنا والحالة هذه لو كنا عندك صادقين فكيف وأنت تتهمنا فى ذلك لأنك خشيت أن يأكله الذئب فأكله الذئب فأنت معذور فى تكذيبك لنا لغرابة ما وقع وعجيب ما اتفق لنا فى أمرنا هذا ، " وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِب" جاءوا على قميص يوسف بدم مكذوب مفترىوعن أبن عباس قال لو أكله السبع لخرق القميص ، وفيما ذكر مجاهد والسدى وغير واحد أنهم عمدوا الى سخلة فذبحوها ولطخوا ثوب يوسف بدمها موهمين أن هذا قميصه الذى أكله فيه الذئب وقد أصابه من دمه ولكنهم نسوا أن يخرقوه ، قال يعقوب لهم"قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيل " فلهذا لم يرج هذا الصنيع على نبى الله يعقوب بل قال فسأصبر صبرا جميلا أى لا شكوى فيه وقال مجاهد الصبر الجميل الذى لا جزع فيه على هذا الأمر الذى اتفقتم عليه حتى يفرجه الله بعونه ولطفه ، " وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ"الله هو المستعان به على ما تذكرون من الكذب والمحال .

 وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ ١٩ وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ ٢٠

يقول تعالى مخبرا عما جرى ليوسف عليه السلام حين ألقاه اخوته وتركوه فى ذلك الجب وحيدا فريدا فمكث فى البئر ثلاثة أيام فيما قاله أبو بكر بن عياش " وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ " وقال محمد بن اسحاق لما ألقاه أخوته جلسوا حول البئر يومهم ذلك ينظرون ماذا يصنع به فساق الله له سيارة فنزلوا قريبا من البئر " فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰم" فأرسلوا واردهم وهو الذى يتطلب لهم الماء فلما جاء ذلك البئر وأدلى دلوه فيها تشبث يوسف عليه السلام فيها فأخرجه واستبشر به ، " وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَة"ۚ وأسره الواردون من بقية السيارة وقال أبن عباس " وأسروه بضاعة " يعنى أخوة يوسف أسروا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله أخوته واختار البيع فذكره اخوته لوارد القوم فنادى أصحابه " يا بشرى هذا غلام " يباع فباعه أخوته " وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ " والله يعلم ما يعمله أخوة يوسف ومشتروه  ويعلم تصرفهم وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه ولكن له حكمة وقدر سابق فترك ذلك ليمضى ما قدره وقضاه ، وفى هذا تعريض لرسول الله صلى الله عليه وسلم واعلام له بأنى عالم بأذى قومك لك وأنا قادر على الانكار عليهم ولكنى سأملى لهم ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على اخوته " وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡس" عائد على أخوة يوسف أى باعه أخوته بثمن دون قليل أو الناقص أى أن أخوته باعوه بأنقص الأثمان " دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَة" دراهم قليلة " وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ " ذلك أنهم لم يعلموا نبوته ومنزلته عند الله عز وجل وقالوا اشتريناه وتبضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه اذا علموا خبره .

 وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢١ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٢٢

" وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ "يخبر الله تعالى بألطافه بيوسف عليه السلام أنه قيض له الذى اشتراه من مصر حتى اعتنى به وأكرمه وأوصى أهله به وتوسم فيه الخير والصلاح وقال لأمرأته أن تعتنى به وتحسن له الاقامة فى بيته فهو يكبر فى السن وليس له ولد فيمكن أن ينفعه ويكون له سندا ويمكن أن يتخذه ولدا له وكان الذى اشتراه من مصر عزيزها وهو الوزير وكان على خزائن مصر ، " وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ " والله يقول أنه مكن يوسف فى الأرض أى فى مصر حيث أصبح فى رعاية العزيز وليس أحد من الرعية ، " وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ" الله علم يوسف عليه السلام تأويل الرؤيا ، " وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِ" والله فعال لما يشاء  اذا أراد شيئا فلا يرد ولا يمانع ولا يخالف بل هو الغالب لما سواه ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ " أكثر الناس لا يدرون حكمة الله فى خلقه وتلطفه وفعله لما يريد ، " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ" لما استكمل يوسف عليه السلام عقله وتم خلقه ، "  ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ" أتى الله يوسف عليه السلام النبوة حباه بها بين أولئك الأقوام ،" وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ " وكذلك يجزيه الله لأنه كان محسنا فى عمله عاملا بطاعة الله تعالى ، أختلف فى مقدار المدة التى بلغ فيها أشده فتراوحت التقديرات ما بين ثمانى عشرة وحتى الأربعون .

وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٢٣

يخبر الله تعالى عن امرأة العزيز التى كان يوسف فى بيتها بمصر وقد أوصاها زوجها باكرامه " وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ" فراودته عن نفسه أى حاولته على نفسه ودعته اليها وذلك أنها أحبته حبا شديد لجماله وحسنه وبهائه فحملها ذلك على أن تجملت له ، " وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ " وغلقت عليه الأبواب  " وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ" ودعته الى نفسها وعن أبن عباس هيت لك تقول هلم لك وعن الحسن قال هى كلمة بالسريانية أى عليك وقال السدى هيت لك أى هلم لك وهى بالقبطية ويقول الكسائى هى لغة لأهل حوران وقعت الى أهل الحجاز ومعناها تعالى ، "  قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ  إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ" استعاذ يوسف عليه السلام باللع أن ينقذه حتى لا يقع فى الفاحشة وقال لها ان بعلك ربى وكانوا يطلقون الرب على السيد والكبير أحسن مثواى أى منزلى وأحسن الى فلا أقابله بالفاحشة فى أهله ، " إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ " والله لا يوفق من ظلم فى العرض أو المال أوغير ولا يعطيه الفلاح والنجاح .

 وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ ٢٤

اختلفت أقوال الناس وعباراتهم فى هذا المقام " وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا " قيل المراد بهمه بها خطرات حديث النفس ففى الحيث عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول تعالى : اذا هم عبدى بحسنة فاكتبوها له حسنة فان عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها ، وان هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فانما تركها من جرائى فان عملها فاكتبوها بمثلها " ، ، " لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِ " وقيل هم بها لولا أن رأى برهان ربه أى فلم يهم بها وأما البرهان الذى رآه ففيه أقوال أيضا فعن أبن عباس وغيره أنه رأى صورة أبيه يعقوب عاضا على أصبعه بفمه وقال العوفى عن أبن عباس رأى خيال الملك يعنى سيده حيث دنا من الباب ، وقال الأوزاعى رأى آية من كتاب الله فى الجدار تنهاه عن ذلك وقال أبن جرير أنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان هم به ، " كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ" كما أريناه برهانا صرفه عما كان فيه كذلك نقيه السوء والفحشاء فى جميع أموره " إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ " يقول الله عن يوسف عليه السلام أنه من عباد الله المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار صلوات الله وسلامه عليه .

 وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢٥ قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٢٦ وَإِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ فَكَذَبَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٢٧ فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيمٞ ٢٨ يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِِٔينَ ٢٩ ۞

" وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيم " يخبر تعالى عن حال يوسف عليه السلام وزوجة العزيز  يخبر تعالى عن حال يوسف عليه السلام وزوجة العزيز حين خرجا يستبقان الى الباب يوسف هارب والمرأة تطلبه فلحقته أثناء ذلك فأمسكت بقميصه من ورائه فقدته أى قطعته قدا فظيعا واستمر يوسف هاربا ذاهبا وهى فى أثره فألفيا سيدها وهو زوجها عند الباب فعند ذلك خرجت مما هى فيه بمكرها وكيدها وقال لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها ما هوجزاء من أراد بأهلك الفاحشة اما أن يسجن أو يضرب ضربا شديد مبرحا أو يناله عذاب شديد أو يضرب ضربا شديد مبرحا أو يناله عذاب شديد ، " قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِين" ذكر أنها اتبعته تجذبه اليها حتى قدت قميصه وكان هناك حكم عدل من أهل زوجة العزيز قال ان كان قميص يوسف قد قطع من قدامه أو أمامه فقد صدقت فى قولها انه راودها عن نفسها لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته فى صدره فقطعت قميصه فيصح ما قالت ، " وَإِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ فَكَذَبَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ" وان كان قميص يوسف قطع من الخلف يكون كما وقع اما هرب منها وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه لترده اليها فقدت أى قطعت قميصه من ورائه فيصح ما قال وقد اختلفوا فى هذا الشاهد هل هو صغير أو كبير وعن أبن عباس قال كان من خاصة الملك وقال السدى كان أبن عمها وقال العوفى عن أبن عباس كان صبيا فى المهد فعن أبن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى بن مريم " ، " فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيم " لما تحقق زوجها صدق يوسف عليه السلام وكذبها فيما قذفته ورمته به ووجد أن قميص يوسف قطع من الخلف قال ان هذا البهت اللطخ الذى لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكنأى كيد النساء ان كيدكن عظيم .

وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٣٠ فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ ٣١ قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ ٣٢ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ٣٣ فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٣٤

يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع فى المدينة وهى مصر حتى تحدث به الناس " وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِين " وقال نسوة فى مصر مثل نساء الكبراء والأمراء ينكرون على امرأة العزيز وهو الوزير ويعبن ذلك عليها أن امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه وتدعوه الى نفسها وقد وصل حبه الى شغاف قلبها وهو غلافه وقال أبن عباس الشعف الحب القاتل والشغف دون ذلك والشغاف حجاب القلب ونرى أن فى صنيعها هذا من حبها فتاها ومراودتها اياه عن نفسه ضلال واضح وبعد عن الطريق المستقيم ، " فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ " لما سمعت بما بلغهن وقولهن ذهب الحب بها وقال محمد بن اسحاق بلغهن حسن يوسف فأحببن أن يرينه فقلن ذلك ليتوصلن الى رؤيته ومشاهدته فعند ذلك " أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ " دعتهن الى منزلها لتضيفهن ، " وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَٔٗا " قال أبن عباس وغيره المتكأ هو المجلس المعد فيه مفارش ومخاد وطعلم فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه ولهذا قال تعالى " وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا " آتت كل واحدو سكينا وكان هذا مكيدة منها ومقابلة لهن فى احتيالهن على رؤيته ، " وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ" طلبت من يوسف أن يخرج ليرنه وذلك أنها كانت قد خبأته فى مكان آخر  ، " فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ" لما رأى النسوة يوسف وحسنه أعظمن شأنه وأجللن قدره ، " وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ " وجعلن يقطعن أيديهن دهشا برؤيته وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين والمراد أنهن حززن أيديهن بما قاله غير واحد وعن مجاهد وقتادة قطعن أيديهن حتى ألقينها  وقد ذكر غير واحد أنها قالت لهن بعد ما أكلن وطابت أنفسهن ثم وضعت بين أيديهن أترجا وآتت كل واحدة منهن سكينا هل لكن فى النظر الى يوسف ؟ قلن نعم فبعثت اليه تأمره أن اخرج اليهن فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ثم أمرته أن يرجع ليرينه مقبلا ومدبرا فرجع وهن يحززن فى أيديهن فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن فقالت أنتن من نظرةواحدة فعلتن هذا فكيف أنا ؟ ، " وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيم " قلن لها وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذى رأينه لأنهن لم يرين فى البشر شبيهه ولا قريبا منه فانه عليه السلام كان قد أعطى شطر الحسن كما ثبت ذلك فى الحديث الصحيح فعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطى يوسف وأمه ثلث الحسن " وقال الأمام أبو القاسم السهيلى معناه أن يوسف عليه السلام كان على النصف من حسن آدم عليه السلام فان الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها ولم يكن فى ذريته من يوازيه فى جماله وكان يوسف قد أعطى شطر حسنه لهذا قال النسوة " حَٰشَ لِلَّهِ " قال مجاهد معاذ الله ، " مَا هَٰذَا بَشَرًا " ليس من البشر ليس له مثيل منهم "  إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيم " ليس من البشر فى حسنه انه من حسنه شبيه الملائكة المخلوقات النورانية ،" قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَ " تقول معتذرة اليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله وقد راوته عن نفسه فامتنع قال بعضهم لما رأين جماله الظاهر أخبرتهن بصفاته الحسنة التى تخفى عنهن وهى العفة مع هذا الجمال ثم قالت تتوعده " ۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ " لئن لم يفعل معى الفاحشة سيكون مصيره السجن والاذلال ، " قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ " دعا يوسف ربه أن ينقذه من الفاحشة وقال ان السجن أحب الى نفسه من الاتيان بالفاحشة ، " وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ " ياربى ان وكلتنى الى نفسى فليس لى منها قدرة ولا أملك لها ضرا ولا نفعا الا بحولك وقوتك أنت المستعان وعليك التكلان فلا تكلنى الى نفسى  ، " فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ  " استجاب الله لدعاء يوسف عليه السلام وعصمه عصمة عظيمة وحماه فامتنه من امرأة العزيز أشد الامتناع واختار السجن على ذلك وهذا فى غاية مقامات الكمال أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته وهى امرأة العزيز وهى فى غاية الجمال والمال والرياسة ويمتنع من ذلك ويختار السجن على ذلك خوفا من الله ورجاء ثوابه ولهذا ثبت فىالصحيحين أن رسول الله قال : " سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله : امام عادل وشاب نشأ فى عبادة الله ،ورجل قلبه معلق بالمسجد اذا خرج منه حتى يعود اليه ، ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال انى أخاف الله ،ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " .

 ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِين ۳۵

" ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِين " يقول تعالى ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه الى مدة وذلك بعدما عرفوا براءته وظهرت الآيات وهى الأدلة على صدقه فى عفته ونزاهته وكأنهم انما سجنوه لما شاع الحديث ايهاما أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك ،ولهذا لما طلبه الملك فى آخر المدة امتنع من الخروج حتى تبين براءته مما نسب اليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نقى العرض عليه السلام وذكر السدى أنهم انما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها فى حقه ويبرأ عرضه فيفضحها .

 وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٣٦

" وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ " كان فى السجن مع يوسف عليه السلام فتيان قال قتادة كان أحدهما ساقى الملك والآخر خبازه قال السدى كانحبس الملك اياهما أنهما تمالآ على سمه فى طعامهوشرابه وكان يوسف عليه السلام قد اشتهر فى السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث وحسن السمت وكثرة العبادة ومعرفة التعبير والاحسان الى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم ، ولما دخل هذان الفتيان الى السجن تآلفا به وأحباهحبا شديدا ثم أنهما رأيا مناما فرأى الساقى أنه يعصر خمرا يعنى عنبا وقال الضحاك أن أهل عمان يسمون العنب خمرا وقال عكرمة : قال له انى رأيت فيما يرى النائم أنى غرست حبة من عنب فنبتت فخرج فيها عناقيد فعصرتهن ثم سقيتهن الملك فقال : تمكث فى السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتسقيه خمرا ، وقال الآخر وهو الخباز أنه يحمل فوق رأسه خبز تأكل الطيور منه وطلب منه تفسيره وقاللا له أنهم يرونه من الصالحين الذين يحسنون الى الناس فى معاملاتهم ، وقال عبد الله بن مسعود ما رأى صاحبا يوسف شيئا انما كانا تحالما ليجربا عليه .

 قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ ٣٧ وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ ٣٨

" قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ " يخبر يوسف عليه السلام الساقى والخباز أنهما مهما رأيا فى منامهما من حلم فانه عارف بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه ، "ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ " هذا الذى أعلمه انما علمانيه الله ربى ، " ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ " لأنى اجتنبت ملة الكافرين  بالله واليوم الآخر فلا يرجون ثوابا ولا عقابا فى المعاد ، " وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ " هجرت طريق الكفر والشرك وسلكت طريق هؤلاء المرسلين آبائى ابراهيم واسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم وهكذا يكون الحال منسلك طريق الهدى واتبع طريق المرسلين وأعرض عن طريق الضالين فان الله يهدى قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلم ويجعله اماما يقتدى به فى الخير وداعيا الى سبيل الرشاد ، " مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡء"  هذا التوحيد وهو الاقرار بانه لا اله الا الله وحده لا شريك له " ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا" هذا ما أوحاه الله الينا وأمرنا به وتفضل به علينا ،"وَعَلَى ٱلنَّاسِ "وفضلنا به على الناس واختصنا به اذ جعلنا دعاة لهم الى ذلك   اذ جعلنا دعاة لهم ،" وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ " وأكثر الناس لا يعرفون نعمة الله عليهم بارسال الرسل اليهم بل هم " بدلوا نهمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " وقال أبن عباس أنه أى يوسف يجعل الجد أبا .

 يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ٣٩ مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٠

" يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّار" أقبل يوسف عليه السلام على الفتيين بالمخاطبة والدعاء لهما الى عبادة الله محده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان التى يعبدها قومهما ، " مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ" أخذ يوسف عليه السلام يدعو الى عبادة ربه ويقنع بالحجة والبرهان فبين لهما أن التى يعبدونها ويسمونها آلهة انما هى جعل منهم وتسمية من تلقاء أنفسهم تلقاها خلفهم عن سلفهم وليس لذلك مستند من عند الله أى حجة ولا برهان ، إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ " أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله وقد أمر عباده قاطبة أن لا يعبدوا الا اياه ، " ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ " هذا الذى أدعوكم اليه من توحيد اللهواخلاص العمل له هو الدين المستقيم الذى أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان الذى يحبه ويرضاه  ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ " وأكثر الناس مشركين لا يعلمون دين الله كما فى قوله " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ، جعل يوسف عليه السلام سؤال الساقى والخباز صلة وسببا الى دعائهما الى التوحيد والاسلام لما رأى فى سجيتهما من قبول الخير والاقبال عليه والانصات اليه ، ولهذا لما فرغ من دعوتهما شرع فى تفسير رؤيلهما من غير تكرار سؤال .

يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرٗاۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ ٤١

يقول لهما مخاطبا " يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرٗاۖ " يا من هم صحبى فى السجن أحدكما وهو الساقى الذى رأى أنه يعصر خمرا أنه سيخرج من السجن ويعود فيسقى الملك خمرا ، " وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦ" وأما الآخر وهو الخباز فيموت صلبا ، "قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ" أعلمهما أن هذا الذى فرغ من تأويله هو واقع لا محالة .

 وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ ٤٢

" وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ" لما ظن يوسف عليه السلام أن الساقى ناج قال له خفية عن الآخر لئلا يشعره أنه المصلوب أذكر قصتى عند ربك وهو الملك فنسى ذلك الموصى أن يذكر مولاه الملك بذلك وكان من جملة مكايد الشيطان لئلا يطلع نبى الله من السجن قيل أن الضمير عائد على الساقى فى هذه الحالة وقيل الضمير عائد على يوسف عليه السلام فعن أبن عباس مرفوعا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" لو لم يقل - يعنى يوسف - الكلمة التى قالها ما لبث فى السجن طول ما لبث حيث يبتغى الفرج من عند غير الله " وهذا حديث ضعيف ، وأما البضع فقال مجاهد وقتادة هو ما بين الثلاث الى التسع .

 وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ ٤٣ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ ٤٤ وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ ٤٥ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٤٦ قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ ٤٧ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ ٤٨ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ ٤٩

" وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ " هذه الرؤيا منملكمصر مما قدر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسف عليه السلام من السجن معززا مكرما ، وذلك أن الملك رأى سبع بقرات عجاف تأكل السبع السمان وسبع سنبلات خضر وكذلك سبع أخر يابسات ، لما رأى الملك هذه الرؤيا هالته وتعجب من أمرها وما يكونمن تفسيرها فجمع الكهنة والحادة وكبار دولته وأمراءه فقص عليهم ما رأى وسألهم عن تأويلها أى تفسيرها ان كانوا يعرفون فى التفسير ، " قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ "لم يعرفوا ذلك واعتذروا اليه بأنها أخلاط أحلام وأنها ان كانت صحيحة لما كان لهم معرفة بتأويلها وهو تعبيرها وتفسيرها ، " وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ " عند ذلك تذكر الساقى الذى نجا والذى كان مع يوسف فى السجن وكان الشيطان قد أنساه ما وصاه به يوسف من ذكر أمره للملك تذكر بعد أمة أى مدة وقال بعضهم بعد نسيان فقال للملك والذين جمعهم أنا أخبركم بتأويل هذا المنام فابعثون الى يوسف الصديق الى السجن فبعثوه ، " يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ "جاء الساقى الى يوسف عليه السلام وهو فى السجن وخاطبه بالصديق وأخبره برؤيا الملك من خبر البقرات السبع والسنبلات السبع بحيث يرجع فيخبر الملك ومن حوله بالتفسير حتى يعلمون تأويل الرؤيا ، " قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا " ذكر له يوسف عليه السلام تعبير الرؤيا من غير تعنيف للفتى فى نسيانه ما وصاه به ومن غير استشراط للخروج من السجن فقال له يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ففسر البقر بالسنين لأنها تثير الأرض التى تستغل منها الثمرات والزروع وهى السنبلات الخضر،و ارشدهم الى ما يعتدونه فى تلك السنين فقال " فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ " مهما استغللتم فى هذه السبع سنين الخصب فادخروه فى سنبله ليكون أبقى له وأبعد عن اسراع الفساد اليه الا المقدار الذى تأكلونه وليكن قليلا قليلا لا تسرفوا فيه لتنتفعوا فى السبع الشداد ، " ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ " وياتى بعدها سبع سنين أخرى متواليات لا يسقط فيها المطر فتجف الزروع والثمار وهى البقرات العجاف اللاتى تأكل السمان لأن سنى الجدب يؤكل فيها ما جمعوه فى سنى الخصب وهن السنبلات اليابسات وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئا وما بذروه فلا يرجعون منه الى شىء ولهذا قال يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ "، " ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ " ثم بشرهم بعد الجدب العام المتوالى بأنه يعقبهم بعد ذلك عام فيه يغاث الناس أى يأتيهم الغيث وهو المطر وتغل البلاد ويعصر الناس ما كانوا يعصرون على عاداتهم من زيت ونحوه وسكر ونحوه وقال بعضهم يدخل فيه حلب اللبن أيضا فعن أبن عباس " وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ " أى يحلبون .  

 وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسَۡٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّٰتِي قَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيۡدِهِنَّ عَلِيمٞ ٥٠ قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ قُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓءٖۚ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٥١ ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ ٥٢ ۞

" وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦۖ" يقول تعالى اخبارا عن الملك لما رجعوا اليه بتفسير رؤياه التى كان رآها بما أعجبه وأيقنه فعرف فضل يوسف عليه السلام وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه وحسن أخلاقه على من ببلده من رعاياه فطلب أن يأتوا به أى يخرجوه من السجن وأحضروه ، "  فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسَۡٔلۡهُ " لما جاء الرسول الى يوسف عليه السلام باخراجه من السجن امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ونزاهة عرضه مما نسب اليه ، " مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّٰتِي قَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيۡدِهِنَّ عَلِيم " طلب تبرءة ساحته مما نسب اليه من جهة امرأة العزيز وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه بل كان ظلما وعدوانا والله هو الذى يعلم بما حيك له من كيدمن جانب امرأة العزيز والنسوة من ادخاله السجن وهو برىء ، اخبارعن الملك حين جمع النسوة اللاتى قطعن أيديهن عند امرأة العزيزفقال "مخاطبا لهن كلهن وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز" قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ "قال الملك ما شأنكن وخبركن ،  "إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِ " يعنى يوم الضيافة اذ ققالت امراة العزيز ان لم يفعل الفاحشة ليسجن ويكون ذليلا ، " قُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓء" قالت النسوة جوابا للملك حاش لله أن يكون يوسف متهما والله ما علمنا عليه من سوء أخلاق ،  " قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " قالت امرأة العزيز الآن تبين الحق وظهر وبرز أنا الذى راودت يوسف عن نفسه وهو صادق فيما قال من براءته ، " ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ " انما اعترفت بهذا على نفسى ليعلم زوجى أنى لم أخنه بالغيب فى نفس الأمر ولا وقع المحذور الأكبر وانما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع فلهذا أعترف ليعلم أنى بريئة والله لا يوفق من خان فى كيده وتدبيره ، وقيل ان ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول ذلك ليعلم أنى لم أخنه فى زوجته بالغيب انما رددت الرسول ليعلم الملك براءتى وليعلم العزيز أنى لم أخنه فى زوجته بالغيب والقول الأول أقوى وأظهر لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل بعد ذلك أحضره الملك . 

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...