Grammar American & British

Monday, November 29, 2021

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم ( 22 )

22 - ) تبسيك تفسير ابن كثير للقرآن الكريم

تفسير الجزء الثانى والعشرين

تفسير سورة الأحزاب

وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا 

"وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا " يقول الله تعالى واعظا نساء النبى صلى الله عليه وسلم أن من يطع الله ورسوله منهن ويستجيب لما أمر به الله ورسوله وانتهي عما نهيا عنه يؤتها الله أجرها فى الدنيا والآخرة وأعد الله لها جزاءا كبيرا فى الجنة فانهن فى منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أعلى عليين فوق منازل جميع الخلائق فى الوسيلة التى هى أقرب منازل الجنة الى العرش .   

يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٣٢ وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣ وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ۳٤

هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبى صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن فى ذلك " يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ " قال تعالى مخاطبا لنساء النبى صلى الله عليه وسلم انهن لا يشبههن أحد من النساء ولا يلحقهن فى الفضيلة والمنزلة ، " إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَض" انهن اذا اتقين الله كما أمرهن قال السدى " فلا تخضعن بالقول " يعنى بذلك ترقيق الكلام اذا خاطبن الرجال فيكون ذلك منفذ ومطمع لمن فى قلبه مرض من الرجال فتتحرك غرائزه وشهوته فيهن ،" وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا " قال ابن زيد قولا حسنا معروفا فى الخير ومعنى هذا أنها  تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم أى لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها ، " وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ " يدعو الله تعالى نساء النبى صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين الى أن يلزمن بيوتهن فلا يخرجن بغير حاجة الى الخروج ومن الحوائج الشرعية الصلاة فى المسجد بشرطه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا اماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات - وفى رواية - وبيوتهن خير لهن " وعن عبد الله رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون بروحة ربها وهى فى قعر بيتها " وروى البزار وأبوداود أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صلاة المرأة فى مخدعها أفضل من صلاتها فى بيتها وصلاتها فى بيتها أفضل من صلاتها فى حجرتها " ،" وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰ" قال مجاهد كانت المرأة فى الجاهلية تخرج تمشى بين يدى الرجال فذلك تبرج الجاهلية وقال قتادة وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك اذا خرجن من بيوتهن وقال مقاتل بن حيان التبرج أن تلقى الخمار على رأسها ولا تشده فيوارى قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك منها وذلك التبرج ،" وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ " نهى الله نساء النبى صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير من اقامة الصلاة وهى عبادة الله وحده لا شريك له وايتاء الزكاة وهى الاحسان الى المخلوقين ، "وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ" هذا من باب العطف العام على الخاص من طاعة الله وطاعة الله فيها طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، " إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا " هذا نص فى دخول أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى أهل البيت ههنا لأنهن سبب نزول هذه الآية وروى عكرمة أنها نزلت فى نساء النبى صلى الله عليه وسلم خاصة ،" وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ " يدعو الله تعالى نساء النبى صلى الله عليه وسلم أن يعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فى بيوتهن من الكتاب والسنة وقال قتادة وغيره واذكرن هذه النعمة التى خصصتكن بها من بين الناس أن الوحى ينزل فى بيوتكن دون سائر الناس ،وعائشة رضى الله عنها أولاهن بهذه النعمة واحظاهن بهذه الغنيمة وأخصهن من هذه الرحمة العميمة فانه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى فى فراش امرأة سواها ولكن اذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية وعن أبى سعيد رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نزلت هذه الآية فى خمسة فى وفى على وحسن وحسين وفاطمة " إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا " وعن أم سلمة رضى الله عنها قالت فى بيتى نزلت " إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا " قالت أم سلمة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيتى فقال " لا تأذنى لأحد " فجاءت فاطمة رضى الله عنها فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ، ثم جاء الحسن رضى الله عنه فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه ، وجاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه عن جده صلى الله عليه وسلم وأمه رضى الله عنها ، ثم جاء على رضى الله عنه فلم أستطع أن أحجبه فاجتمعوا فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال " هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط قالت فقلت يارسول الله وأنا ؟ قالت فو الله ما أنعم وقال " انك الى خير " وفى رواية أخرى عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال أخبرتنى أم سلمة رضى الله عنها قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر الى الله عز وجل ثم قال " هؤلاء أهل بيتى " قالت أم سلمة رضى الله عنها فقلت يارسول الله أدخلنى معهم قال صلى الله عليه وسلم" أنت من أهلى " ، "  إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " الله بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة وبخبرته بكن وانكن أهل لذلك أعطاكن ذلك وخصكن بذلك وقال ابن جرير واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن فى بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة وهى السنة فاشكرن الله على ذلك واحمدنه وذا لطف بكن اذ جعلكن فى البيوت التى تتلى فيها آيات الله والحكمة هى السنة خبيرا بكن اذ اختاركن لرسوله أزواجا .

إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا ٣٥

عن أم سلمة رضى اله عنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم " يانبى الله مالى أسمع الرجال يذكرون فى القرآن والنساء لا يذكرن فأنزل الله تعالى الآية ، وعن ابن عباس قال قال النساء للنبى صلى الله عليه وسلم ماله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات فأنزل الله تعالى  " إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ" هذا دليل على أن الايمان خير الاسلام وهو أخص منه لقوله تعالى " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان فى قلوبكم " ، " وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ " القنوت هو الطاعة فى سكون كقوله " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " وقال تعالى " وله من فى السموات والأرض كل له قانتون " وكما قال" يامريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين " فالاسلام بعده مرتبة يرتقى اليها وهو الايمان ثم القنوت ناشىء عنهما ،"وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ " الصدق خصلة محمودة ولهذا كان بعض الصحابة لم تجرب عليه كذبة لا فى الجاهلية ولا فى الاسلام وهو علامة على الايمان كما أن الكذب أمارة على النفاق ومن صدق نجا وفى الحديث " عليكم بالصدق فان الصدق يهدى الى البر وان البر ليهدى الى الجنة ، واياكم والكذب فان الكذب يهدى الى الفجور وان الفجور يهدى الى النار ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " ، " وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ " هذه سجية الأثبات وهى الصبر على المصائب والعلم بأن القدر كائن لا محالة وتلقى ذلك بالصبر والثبات وانما الصبر عند الصدمة الأولى أى أصعبه فى أول وهلة ثم ما بعده أسهل منه وهو صدق السجية وثباتها ،"وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ " الخشوع السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله تعالى ومراقبته كما فى الحديث " اعبد الله كأنك تراه ، فان لم تكن تراه فانه يراك " ، "  وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ " الصدقة هى الاحسان الى الناس المحاويج الضعفاء الذين لا كسب لهم ولا كاسب يعطون من فضول الأموال طاعة لله واحسانا الى خلقه وقد ثبت فى الصحيحين " سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله - فذكر منهم -ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " وفى الحديث الآخر " والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار " ،" وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ " فى الحديث الذى رواه ابن ماجه "والصوم زكاة البدن " أى يزكيه ويطهره وينقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا كما قال سعيد بن جبير " من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر دخل فى قوله تعالى " والصائمين والصائمات " ولما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء " وناسب ذلك ذكره  "وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ " الذين يبتعدون عن الزنا وعن العلاقات المحرمة فيما لايحل لهم ويبتعدون عن المحارم والمآثم الا المباح كما قال تعالى " والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " ،"وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ " الذكر لله يكون بكل وسائل الذكر لله من صلاة وقراءة قرآن وتسبيح وتحميد وغيره وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات " وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : قلت يا رسول الله أى العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال صلى الله عليه وسلم " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات " قال : قلت يا رسول الله ومن الغازى فى سبيل الله تعالى ؟ قال " لو ضرب بسيفه فى الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله تعالى أفضل منه " وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما عمل آدمى عملا قط أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله عز وجل " وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهنى عن أبيه رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان رجلا سأله فقال : أى المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم " أكثرهم لله تعالى ذكرا " قال " فأى الصائمين أكثر أجرا ؟ " قال صلى الله عليه وسلم " أكثرهم لله عز وجل ذكرا ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة ، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم لله ذكرا " ، " أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا " خبر الله تعالى عن هؤلاء المذكورين كلهم أنه قد أعد لهم أى هيأ لهم مغفرة منه لذنوبهم وأجرا عظيما وهو الجنة .

وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا ٣٦

هناك روايات عن نزول هذه الآية من بينها قال ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ليخطب زينب بنت جحش الأسدية رضى الله عنها لزيد بن حارثة رضى الله عنه فقالت : لست بناكحته " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بلى فانكحيه"  قالت : يا رسول الله أؤمر فى نفسى ؟ " فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية قالت : قد رضيته لى يا رسول الله منكحا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " قالت : اذا لا أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسى " وعن عكرمة عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضى الله عنه فاستنكفت منه وقالت أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة فأنزل الله تعالى الآية وقال عبد الرحمن بن أسلم نزلت فى أمكلثوم بنت عقبة بن أبى معيط رضى الله عنه وكانت أول من هاجر من النساء يعنى بعد صلح الحديبية فوهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم فقال قد قبلت فزوجها زيد بن حارثة رضى الله عنه يعنى والله أعلم بعد فراقه زينب فسخطت هى وأخوها وقال : انما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده قال فنزل القرآن " وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ"وهذه الآية عامة فى جميع الأمور وذلك أنه اذا حكم الله ورسوله بشىء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ههنا ولا رأى ولا قول كما قال تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليم " وفى الحديث " والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " ، " وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا " ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا به ونهيا عنه فقد ابتعد عن طريق الحق واتبع الضلال الواضح البين .

وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا ٣٧

" وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ "يقول الله تعالى مخبرا عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمولاه زيد بن حارثة رضى الله عنه وهو الذى أنعم الله عليه بالاسلام ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ،"وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ" أى أنعمت عليه يا محمد بالعتق من الرق وكان سيدا كبيرالشأن جليل القدر حبيبا الى النبى صلى الله عليه وسلم يقال له الحب ويقال لابنه أسامة الحب ابن الحب وقالت السيدة عائشة رضى الله عنها ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية الا أمره عليهم ، ولو عاش بعده لاستخلفه وعن عمر بن أبى سلمة عن أبيه قال حدثنى أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال : كنت فى المسجد فأتانى العباس وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما فقالا : يا أسامة استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقلت : على والعباس يستأذنان فقال صلى الله عليه وسلم : أتدرى ما حاجتهما ؟ قلت : لا يارسول الله قال صلى الله عليه وسلم : لكنى أدرى " قال فأذن لهما قالا يارسول الله جئناك لتخبرنا أى أهلك أحب اليك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : أحب أهلى الى فاطمة بنت محمد " قالا : يارسول الله ما نسألك عن فاطمة قال صلى الله عليه وسلم " فأسامة بن زيد بن حارثة الذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضى الله عنها وأمها أميمة بنت عبد المطلب وأصدقها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وخمسين مدا من طعام وعشرة أمداد من تمر ، "  أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ " مكثت زينب بنت جحش الأسدية عند زيد قريبا من سنة أو فوقها ثم وقع بينهما خلاف فجاء زيد يشكوها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له " أمسك عليك زوجك واتق الله " ، " وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُ" عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحى اليه من كتاب الله تعالى لكتم صلى الله عليه وسلم " وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُ"  يقول الحسن أن الله تعالى أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد رضى الله عنه ليشكوها اليه قال " اتق الله وأمسك عليك زوجك " فقال قد أخبرتك أنى مزوجكما وتخفى فى نفسك ما الله مبديه ، الله سبحانه وتعالى أراد أن يلغى موضوع التبنى فأمر رسوله بالزواج من زينب وهى زوجة مولاه بعد أن يكون قد طلقها وكان يخشى أن تقول عليه العرب أنه تزوج أمرأة مولاه وقد روى البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال ان زينب بنت جحش رضى الله عنها كانت تفخر على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فتقول " زوجنكن أهاليكن ، وزوجنى الله تعالى من فوق سبع سموات ، "فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا " الوطر هو الحاجة والأرب أى لمافرغ منها وفارقها زيد زوجناكها وكان الذى ولى تزويجها منه هو الله عز وجل بمعنى أنه أوحى أن يدخل عليها بلا ولى ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر وعن أنس رضى الله عنه قال لما انقضت عدة زينب رضى الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة " اذهب فاذكرها على " فانطلق حتى أتاها وهى تخمر عجينها قال فلما رأيتها عظمت فى صدرى حتى ما أستطيع أن أنظر اليها وأقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهرى ونكصت على عقبى وقلت : يازينب أبشرى أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك ، قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربى عز وجل فقامت الى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير اذن ، "  لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗا" يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم انما أبحنا لك تزويجها لئلا يبقى حرج على المؤمنين فى تزويج مطلقات الأدعياء وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة رضى الله عنه فكان يقال  زيد بن محمد فلما قطع الله هذه النسبة يقول تعالى " وما جعل أدعياءكم أبناءكم - الى قوله تعالى - أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله " ثم زاد ذلك بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضى الله عنها لما طلقها زيد بن حارثة ولهذا قال تعالى فى آية التحريم" وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم " ليحترز من الابن الدعى فان ذلك كان كثيرا فيهم ، "  وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا " وكان هذا الأمر الذى وقع قد قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة وأن زينب رضى الله عنها فى علم الله ستصير من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم .

 مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا ٣٨

" مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥ" ليس على النبى من حرج الحرج هو التضييق والمنع فيما أحل الله له وأمره به من تزويج زينب رضى الله عنها التى طلقها دعيه زيد بن حارثة رضى الله عنه ، "سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡل" هذا حكم الله تعالى فى الأنبياء قبله لم يكن ليأمرهم بشىء وعليهم فى ذلك حرج وهذا رد على من توهم من المنافقين نقصا فى تزويجه امرأة زيد مولاه ودعيه الذى كان قد تبناه ، "  وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا " وكان أمرالله الذى يقدره كائنا لا محالة وواقعا لا محيد عنه ولا معدل فيه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا ٣٩ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ٤٠

"ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ " يمدح الله تبارك وتعالى الرسل الذين يبلغون رسالاته الى خلقه ويؤدونها بأماناتها ، "  وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَ" يخافون الله وحده ولا يخافون أحدا سواه فلا تمنعهم سطوة أحد عن ابلاغ رسالات الله تعالى ، " وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا " وكفى بالله ناصرا ومعينا وسيد الناس فى هذا المقام بل وفى كل مقام محمد صلى الله عليه وسلم فانه قام بأداء الرسالة وابلاغها الى أهل المشارق والمغارب وأظهر الله تعالى كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع فانه كان النبى قبله انما يبعث الى قومه خاصة وأما هو فانه بعث الى جميع الخلق عربهم وعجمهم كما قال تعالى " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده فكان أعلى من قام بها بعده الصحابة رضى الله عنهم وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه فقال ثم لا يقوله فيقول الله ما يمنعك أن تقول منه فيقول رب خشيت الناس فيقول فأنا أحق أن يخشى " ، "  مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ" نهى الله تعالى أن يقال بعد هذا زيد بن محمد أى لم يكن أباه وان كان قد تبناه ، " وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۧنَ" فهو رسول الله وخاتم النبيين ، "  وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا " الله عليم بما يفعل من ارسال رسله وبمن يختار ، فهذه الآية نص فى أنه لا نبى بعده وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدى ولا نبى " وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى دارا فأتمها الا موضع لبنة واحدة فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة " ، وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان لى أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحى الذى يمحو الله تعالى بى الكفر ، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى ، وأنا العاقب الذى ليس بعده نبى " ، ومن رحمة الله تعالى بالعباد ارسال محمد صلى الله عليه وسلم اليهم ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به واكمال الدين الحنيف له ، وقد أخبر الله تبارك وتعالى فى كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم فى السنة المتواترة عنه أنه لا نبى بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل ، ولو تحرق وشعبذ وأتى بكل أنواع السحر فكلها محال وضلال عند أولى الألباب كما أجرى الله سبحانه وتعالى على يد الأسود العنسى باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذى لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله وكذلك كل مدع لذلك الى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال ، فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها فانهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر كما قال تعالى " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم " .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا ٤١ وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا ٤٢ هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا ٤٣ تَحِيَّتُهُمۡ يَوۡمَ يَلۡقَوۡنَهُۥ سَلَٰمٞۚ وَأَعَدَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَرِيمٗا ٤٤

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا " يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تبارك وتعالى المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن والحاديث والآثار فى الحث على ذكر الله تعالى كثيرة جدا وفى هذه الآية الكريمة الحث على الاكثار من ذلك ،وقد صنف الكثيرون فى الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائى والمعمرى وغيرهما ومن أحسن الكتب المؤلفة فى ذلك كتاب الأذكار للشيخ محيى الدين النووى وان الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة الا جعل لها حدا معلوما ثم وعذر أهلها فى حال العذر غير الذكر فان الله تعالى لم يجعل له حدا ينتهى اليه ولم يعذر أحدا فى تركه الا مغلوبا على تركهوعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من قومجلسوا مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه الا رأوه حسرة يوم القيامة " ، " وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا " يدعو الله الى التسبيح عند الصباح والمساء كقوله عز وجل " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد فى السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون " ، "  هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَٰٓئِكَتُهُ " هذا تهييج الى الذكر أى أنه سبحانه يذكركم فاذكروه واذا فعلتم ذلك من الذكر والتسبيح صلى عليكم الله وملائكته وهذا كقوله تعالى " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون " وقال النبى صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ، ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه " وقال البعض أن الصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند الملائكة وقال آخرون الصلاة من الله عز وجل الرحمة والصلاةمن الملائكة بمعنى الدعاء للناس والاستغفار كقوله تعالى " الذين يحملون العرش ومنحوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم انك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات " ۥ " لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ" الله بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ودعاء ملائكته لكم يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال الى نور الهدى واليقين ، " وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا " والله رحيم بالمؤمنين فى الدنيا والآخرة ، أما فى الدنيا فانه هداهم الى الحق الذى جهله غيرهم وبصرهم الطريق الذى ضل عنه وحاد عنه سواهم من الدعاة الى الكفر أو البدعة وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبى قد أخذت صبيا لها فألصقته الى صدرها وأرضعته فقال صلى الله عليه وسلم " أترون هذه تلقى ولدها فى النار وهى تقدر على ذلك ؟ قالوا : لا  قال صلى الله عليه وسلم : " فوالله الله أرحم بعباده من هذه بولدها "  ، " تَحِيَّتُهُمۡ يَوۡمَ يَلۡقَوۡنَهُۥ سَلَٰم المارد تحيتهم من الله تعالى يوم يلقونه سلام أى يوم يسلم عليهم كما قال تعالى " سلام قولا من رب رحيم " وزعم قتادة أن المراد أنهم يحيون بعضهم بعضا بالسلام يوم يلقون الله فى الدار الآخرة وقد يستدل بقوله تعالى " دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " " وَأَعَدَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَرِيمٗا " يعنى الجنة وما قيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا ٤٦ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضۡلٗا كَبِيرٗا ٤٧ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا ٤٨

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا، "  يخبر الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم مخاطبا له بأسلوب فيه تعظيم له فلم يخاطبه باسمه ولكن خاطبه بقوله " ياأيها النبى " يخبر الله أنه أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم شاهدا له بالوحدانية وأنه لا اله غيره وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة كقوله " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، " وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا "  أى بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب ونذيرا للكافرين من وبيل العقاب وعن ابن عباس قال : لما نزلت " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا " وقد كان أمر عليا ومعاذا رضى الله عنهما أن يسيرا الى اليمن فقال " انطلقا فبشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، انه قد أنزل على " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ،"وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِ" أى داعيا للخلق الى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك ، "وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا " أى وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس فى اشراقها واضاءتها لا يجحدها الا معاند سراجا منيرا بالقرآن  ،" وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضۡلٗا كَبِيرٗا " أيها النبى الكريم بشر المؤمنين بأن لهم من الله فضل وهو الجزاء الكبير يوم القيامة من كرم الله بادخالهم الجنة ورضا الله عنهم وتكريمهم برؤية وجهه الكريم وتفضله عليهم بذلك  ،"  وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ " يدعو الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بعدم طاعة الكافرين والمنافقين وأن لا يسمع منهم فى الذى يقولونه ، " وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ " أى اصفح عنهم وتجاوز ، " وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا " يدعو الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يوكل أمر الكافرين والمنافقين اليه فانه هو فيه كفاية له منهم فهو نعم النصير والمساند له .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٤٩

هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة منها اطلاق النكاح على العقد وحده وليس فى القرآن آية أصرح فى ذلك منها ، وقد اختلفوا فى النكاح هل هو حقيقة فى العقد وحده أو فى الوطء أو فيهما ؟ على ثلاث أقوال ، واستعمال القرآن انما هو فى العقد والوطء بعده الا فى هذه الآية فانه استعمل فى العقد وحده لقوله" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ " وفيها دلالة لاباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها ، وقوله تعالى " المؤمنات " خرج مخرج الغالب اذ فرق فى الحكم بين المؤمنة والكتابية فى ذلك بالاتفاق وقد استدل ابن عباس وغيره بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع الا اذا تقدمه نكاح لأن الله تعالى قال " اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن " فعقب النكاح بالطلاق فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله وهذا مذهب الشافعى وأحمد بن حنبل وغيرهما وذهب مالك وأبو حنيفة الى صحة الطلاق قبل النكاح،" فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ" هذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن المرأة اذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج فى فورها من شاءت ولا يستثنى من هذا الا المتوفى عنها زوجها فانها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا وان لم يكن دخل بها بالاجماع أيضا ، "  فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا " المتعة ههنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى أو المتعة الخاصة ان لم يكن قد سمى لها كما قال تعالى " وان طلقتوهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " وقال تعالى " لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع دره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين " قال على بن أبى طلحة رضى الله عنهما ان كان سمى لها صداقا فليس لها الا النصف ، وان لم يكن سمى لها صداقا أمتعها على قدر عسره ويسره وهو السراح الجميل .  

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٥٠ ۞

ٰٓ" يأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ " يقول الله مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه قد أحل له من النساء أزواجه اللاتى أعطاهن مهورهن وهى الأجور هنا وقد كان مهره لنسائه اثنتى عشرة أوقية ونشز وهو نصف أوقية فالجميع خمسمائة درهم الا أم حبيبة بنت أبى سفيان فانه أمهرها عنه النجاشى أربعمائة دينار ، والا صفية بنت حيى فانه اصطفاها من سبى خيبر ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها ، وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية أدى عنها كتابتها الى ثابت بن شماس وتزوجها ، "  وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ " وأباح لك التسرى مما أخذت من المغانم وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما ، وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ومارية القبطية أم ابنه ابراهيم وكانتا من السرارى رضى الله عنهما ، " وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ " أباح الدين زواج بنت العم وبنت العمة وبنت الخال وبنت الخالة وحرم ما فرطت فيه اليهود من اباحة بنت الأخ والأخت والنصارى كانوا لا يتزوجون المرأة الا اذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم افراط النصارى وما فرطت فيه اليهود ، " ٱلَّٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ " أى اللاتى أسلمن ، " وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا "  ان أراد أن يستنكحها أى ان اختار ذلك النكاح  ،  ويحل لك أيها النبى المرأة المؤمنة ان وهبت نفسها لك أن تتزوجها  بغير مهر ان شئت ذلك وهذه الآية توالى فيها شرطان كقوله تعالى اخبارا عن نوح عليه السلام لقومه " ولا ينفعكم نصحى ان أردت أن أنصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم " وكقول موسى عليه السلام " يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين " ، وعن سهل بن سعد الساعدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله انى قد وهبت نفسى لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :هل عندك من شىء تصدقها اياه ؟ فقال : ما عندى الا ازارى هذا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان أعطيتها ازارك جلست لا ازار لك فالتمس شيئا " فقال :لا أجد شيئا فقال :التمس ولو خاتما من حديد" فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبى صلى الله عليه وسلم " هل معك من القرآن شىء؟  قال : نعم سورة كذا وسورةكذا - لسور يسميها - فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : زوجتكما بما معك من القرآن"  وعن عائشة رضى الله عنها قالت : التى وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم " وكانت امرأة صالحة وقال ابن عباس هى ميمونة بنت الحارث ، "  خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " لا تحل الموهبة لغيرك فهو لا يجب عليه للمفوضة شىء ولو دخل بها لأنه له أن يتزوج بغير صداق ولا ولى ولا شهود كما فى قصة زينب بنت جحش فليس لأمرأة تهب نفسها لرجل بغير ولى ولا مهر الا للنبى صلى الله عليه وسلم  ، " قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ "  يقول الله تعالى أنه عليم بما فرضه من حصر الزوجات فى أربع نسوة حرائر وشروط ملك اليمين من الاماء من اشتراط الولى والمهر والشهود ، وعن ابن عباس قال لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له أى أنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له وان كان ذلك مباحا له ومخصوصا به لأنه مردود الى مشيئته ، "  لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَج" ولكن رخصنا لك فى ذلك وازلنا عنك الحرج فيه فلم يجب عليك شيئا من ذلك الذى فرض عليهم " وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا  " والله يغفر لمن يتوب من عباده المؤمنين برحمته .

تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ وَتُٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ ٱبۡتَغَيۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكَۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعۡيُنُهُنَّ وَلَا يَحۡزَنَّ وَيَرۡضَيۡنَ بِمَآ ءَاتَيۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمٗا ٥١

عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تغير من النساء اللاتى وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ألا تستحى المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق ؟ " فأنزل الله عز وجل " تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ وَتُٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُ" قالت : انى أرى ربك يسارع لك فى هواك  ،" تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ " أى تؤخر من تشاء من الواهبات ، " وَتُٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُ" أى من شئت من الواهبات قبلتها ومن شئت رددتها ومن رددتها أنت فيها أيضا بالخيار بعد ذلك ان شئت عدت فيها فأويتها ولهذا قال " وَمَنِ ٱبۡتَغَيۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكَۚ" قال عامر الشعبى كن نساء وهبن أنفسهن للنبى صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن لم ينكحن بعده منهن أم شريك وقيل أن المراد " تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ وَتُٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ ٱبۡتَغَيۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكَۚ"أى من أزواجك لا حرج عليك أن تترك القسم لهن فتقدم من شئت وتؤخر من شئت وتجامع من شئت وتترك من شئت هكذا روى ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم ومع هذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يقسم لهن ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء أن القسم لم يكن واجبا عليه واحتجوا بهذه الآية الكريمة وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن فى اليوم المرأة منا بعد أن نزلت هذه الآية واختار ابن جرير أن الآية عامة فى الواهبات وفى النساء اللاتى عنده أنه مخير فيهن ان شاء قسم وان شاء لم يقسم وهذا جمع بين الأحاديث ولهذا قال"ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعۡيُنُهُنَّ وَلَا يَحۡزَنَّ وَيَرۡضَيۡنَ بِمَآ ءَاتَيۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ" أى اذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج فى القسم فان شئت قسمت وان شئت لم تقسم لا جناح عليك فى أى ذلك فعلت ثم مع هذا ان تقسم لهن اختيارا منك لا أنه على سبيل الوجوب فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلتك فى ذلك واعترفن بمنتك عليهن فى قسمك لهن وتسويتك بينهن وانصافك لهن وعدلك فيهن ،" وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ " والله يعلم ما فى القلب من الميل الى بعضهن دون بعض مما لا يمكن دفعه وعن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول " اللهم هذا فعلى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك " أى يعنى القلب وميله لمن يحب ولهذا عقب الله بقوله "  وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمٗا " أى أن الله عليم بضمائر السرائر ويحلم ويغفر .

لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا ٥٢

"لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ " ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت مجازات لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم ورضا عنهن على حسن صنيعهن فى اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة  لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ولو أعجبه حسنهن الا الاماء والسرارى فلا حرج عليه فيهن ، ثم انه تعالى رفع عنه الحرج فى ذلك ونسخ حكم هذه الآية وأباح له التزوج ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج عليهن لتكون المنة لرسول الله صلى عليه وسلم ،  وعن عائشة رضى الله عنها قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء ، وعن أم سلمة أنها قالت : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء الا ذات محرم وذلك قول الله تعالى " ترجى من تشاء منهن  " فجعلت هذا الآية ناسخة لهذه الآية التى جاءت بعدها كآيتى عدة الوفاة فى البقرة ، الأولى ناسخة للتى بعدها فى التلاوة ، " لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ " أى أحل لك ما سمى من النساء وحرم عليك ما دون ذلك وعن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم أى من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتى أحللنا لك من نسائك اللاتى آتيت أجورهن وما ملكت يمينك وبنات العم والعمات والخال والخالات والواهبة وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك ، " وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنّ َ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ " نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على اللواتى فى عصمته وأنه لا يستيدل بهن غيرهن الا ماملكت يمينه  وأورد ابن جرير ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها وعزم على فراق سودة حتى وهبت يومها لعائشة بأن هذا كان قبل نزول الآية ولكن لا يحتاج الى ذلك فان الآية دلت على أنه لا يتزوج بمن عدا اللاتى فى عصمته وأنه لا يستبدل بهن غيرهن ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن من غير استبدال ، وعن أبى هريرة قال : كان البدل فى الجاهلية أن يقول الرجل للرجل بادلنى امرأتك وأبادلك بامرأتى أى تنزل لى عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتى فأنزل الله " وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ " ، " وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا" الله مطلع ورقيب على كل أعمالكم وأقوالكم وهو الحكم العدل المصرف الأمور والأحكام .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسَۡٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا ٥٣ إِن تُبۡدُواْ شَيًۡٔا أَوۡ تُخۡفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ٥٤

هذه آية الحجاب وفيها أحكام وآداب شرعية وهى مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما ثبت ذلك فى الصحيحين عنه أنه قال : وافقت ربى عز وجل فى ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى فأنزل الله " واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى " وقلت يارسول الله ان نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب وقلت لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه فى الغيرة " عسى ربه ان طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " فنزلت كذلك وكان وقت نزول آية الحجاب فى صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش التى تولى الله تعالى تزويجها بنفسه وكان ذلك فى ذى القعدة من السنة الخامسة ، وعن أنس بنمالك رضى الله عنه قال : لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فاذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبى صلى الله عليه وسلم ليدخل فاذا القوم جلوس ثم انهم قاموا فانطلقوا فجئت فأخبرت النبى صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بينى وبينه فأنزل الله تعالى  " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ "  حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير اذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون فى بيوتهم فى الجاهلية وابتداء الاسلام حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك وذلك من اكرامه تعالى هذه الأمة ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اياكم والدخول على النساء " ، "  إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ " استثنى من الدخول الدعوة الى الطعام غير متحينين نضجه واستواه أى لا ترقبوا الطعام اذا طبخ حتى اذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول فان هذا مما يكرهه الله ويذمه وهذا دليل على تحريم التطفل وهو الذى تسميه العرب الضيفن ، "  وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ " الدخول يكون بالدعوة الى الطعام وليس بالانتظار أثناء النضج وبعد الانتهاء من الطعام ينبغى الانصراف وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غيره " وفى الصحيح أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو دعيت الى ذراع لأجبت ولوأهدى الى كراع لقبلت ، فاذا فرغتم من الذى دعيتم اليه فخففوا عن أهل المنزل وانتشروا فى الأرض " ولهذا قال تعالى " وَلَا مُسۡتَٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ" أى لا تنتظروا بعد الطعام بما يشق على أصحاب المكان كما وقع لأولئك النفر الذين استرسل بهم الحدجيث ونسوا أنفسهم حتى شق ذلك على رسول الله كما قال تعالى "  إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ  " وقيل المراد ان دخولكم منزله بغير اذنه كان يشق عليه ويتأذى به ولكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدةحياءه عليه السلام حتى أنزل الله عليه النهى عن ذلك ولهذا قال تعالى "وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّ" ولهذا نهاكم الله عن ذلك وزجركم عنه  ثم قال تعالى " وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسَۡٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَاب" وكما نهيتم عن الدخول على أزواج النبى صلى اللبه عليه وسلم كذلك لا تنظروا اليهن بالكلية ولوكان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر اليهن ولا يسالهن حاجة الا من وراء حجاب ، "  ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ" يقول تعالى هذا الذى أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب وعن عائشة قالت كنت آكل مع النبى صلى الله عليه وسلم حيسا فى قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعى فقال حس أو أوه فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب ، " وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ "قال ابن عباس نزلت فى رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعده وذكر عن السدى أن الذى عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك ، ولهذا أجمع العلماء قاطبة على أن من توفى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده لأنهن أزواجه فى الدنيا ةالآخرة وأمهات المؤمنين كما تقدم واختلفوا فيمن دخل بها وطلقها فى حياته هل يحل لغيره أن يتزوجها ؟ ، " إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا " عظم الله تبارك وتعالى ذلك وشدد فيه وتوعد عليه ان هذا من عظائم الذنوب عند الله ،"  إِن تُبۡدُواْ شَيًۡٔا أَوۡ تُخۡفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا " مهما تكنه ضمائركم وتنطوى عليه سرائركم فان الله يعلمه فانه لا تخفى عليه خافية فهو " يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور " .

لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا ٥٥

"لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ" لما أمر تبارك وتعالى بالحجاب من الأجانب بين أن من لايجب الاحتجاب منهم وهم كما فى الآية الأب وابناء والأخوة والأخوات ولا أبناء الأخوة وأبناء الأخوات ولا الخدم من النساء ولا ملك اليمين وهم من استثناهم كذلك فى سورة النور " ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو اخوانهن أو بنى اخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء " وفى هذه الآية زيادت عن آية الحجاب ، " وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا " فى هذه الآية دعوة لخشية الله فى الخلوة والعلانية فانه شهيد على كل شىء  لا يخفى عليه خلفية فعليهن أن يراقبن الرقيب عليهن .

إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦

" إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا " صلاة الله على النبى صلى الله عليه وسلم هى كما قال البخارى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء وعن سفيان الثورى وغيره من أهل العلم  قالواصلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم عنده فى الملأ الأعلى بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلى عليه ثم أمر تعالى أهل العالم السفلى بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من العالمين العلوى والسفلى جميعا ، وقد أخبر تعالى بأنه يصلى على عباده المؤمنين كما فى قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذى يصلى عليكم وملائكته " وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  المتواترة بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم  فعن كعب بن عجرة قال : قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة ؟ قال قولوا : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على على آل ابراهيم انك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل ابراهيم انك حميد مجيد " ومعنى قوله أما السلام عليك فقد عرفناه هو الذى فى التشهد الذى كان يعلمهم اياه كما كان يعلمهم السورة من القرآن وفيه السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته وحدث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول " من صلى على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى على " وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم على صلاة " وعن أبى طلحة الأنصارى قال أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس يرى فى وجهه البشر قالوا يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى فى وجهك البشر قال " أجل أتانى آت من ربى عو وجل فقال من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيآت ، ورفع له عشر درجات ، ورد عليه مثلها " وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صلوا على فانها زكاة لكم وسلوا الله لى الوسيلة فانها درجة فى أعلى الجنة ولا ينالها الا رجل وأرجو أن أكون أنا هو " وعن على بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصلى على " وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فانه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة " ، ويستحب الاكثار من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلة الجمعة ، وعن صفوان بن سليم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة على " ، وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال " ما منكم من أحد يسلم على الا رد الله على روحى حتى أرد عليه السلام " وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى السلام "   .  

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا ٥٧ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ٥٨

" إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ " يقول الله تعالى متهددا ومتوعدا من آذاه بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره واصراره على ذلك وايذاء رسوله صلى الله عليه وسلم بعيب أو نقص وعن ابن عباس أن الآية نزلت فى الذين طعنوا على النبى صلى الله عليه وسلم فى تزويجه صفية بنت حيى بن أخطب ، والظاهر أن الآية عامة فى كل من آذاه بشىء ومن آذاه فقد آذى الله كما أن من أطاعه فقد أطاع الله وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله عز وجل : يؤذينى ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره " ومعنى هذا أن الجاهلية كانوا يقولون يا خيبة الدهر فعل بنا كذا وكذا فيسندون أفعال الله تعالى الى الدهر ويسبونه وانما الفاعل لذلك هو الله عز وجل فنهى عن ذلك ، " وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا " من يفعل ذلك يتوعده الله بالعذاب المذل يوم القيامة ،" وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ " الذين ينسبون الى المؤمنين والمؤمنات ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه ، "  فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا " فان ذلك هو البهت الكبير والاثم الواضح البين  أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم ، ومن أكثر من يدخل فى هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فان الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضى عن المهاجرين والأنصار ومدحهم وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا وعن أبى هرير أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال " ذكرك أخاك بما يكره " قيل ان كان فى أخى ما أقول ؟ قال"ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " أى الربا أربى عند الله ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم " قال " أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم ثم قرأ " وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ".

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٥٩ ۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا ٦٠ مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا ٦١ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا ٦٢

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ " يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات المسلمات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الاماء ، والجلباب هو الرداء فوق الخمار وقال الجوهرى الجلباب الملحفة ، وقال ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين اذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة ، وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلمانى عن ذلك فغطى وجهه وأبرز عينه اليسرى وقال عكرمة تغطى ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها ، "ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا  يُؤۡذَيۡنَ" اذا فعلن ذلك عرفن انهن حرائر لسن باماء ولا عواهر وقال السدى كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجن بالليل حين يختلط الظلام طرق المدينة فيعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة فاذا كان الليل خرج النساء الى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن ، فاذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا هذه حرة فكفوا عنها ، واذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمة فوثبوا عليها , وقال مجاهد يتجلبن فيعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة ،"وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا " كان الله غفورا ورحيما بكم لما سلف فى أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك ، " لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ " يقول الله تعالى متوعدا ان لم يرجع هؤلاء عما هم فيه وما عليه من قول وفعل ويرجعوا الى الحق ،"ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض"من المنافقين وغيرهم من الزناة ، " وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ " الذين ينشرون الشائعات والكذب والافتراء يقولون جاء الأعداء وجاءت الحرب وهم كاذبون ، " لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ" قال ابن عباس لنسلطنك عليهم وقال قتادة لنحرشنك بهم وقال السدى لنعلمنك بهم ، " ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا " أى يبعدون عنك فى المدينة حال اقامتهم مدة قريبة ،" مَّلۡعُونِينَ " مطرودين مبعدين من رحمة الله ، " أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ " حيث وجدوا ،"  أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا " يأخذون من قبل الله لذلتهم وقلتهم ويسلط الله عليهم المؤمنين يقاتلونهم ويقهرونهم ، " سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُ" هذه سنة الله فيمن قبلهم من المنافقين اذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه فان أهل الايمان يسلطون عليهم ويقهرونهم ،" وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا " هذه سنة الله فى ذلك التى لا تبدل ولا تغير .

يَسَۡٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ٦٣ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرًا ٦٤ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ٦٥ يَوۡمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يَٰلَيۡتَنَآ أَطَعۡنَا ٱللَّهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠ ٦٦ وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَا۠ ٦٧ رَبَّنَآ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَيۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنٗا كَبِيرٗا ٦٨

" يَسَۡٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ"يقول تعالى مخبرا لرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا علم له بالساعة وان سأله الناس عن ذلك ،" إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ أرشد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد علم الساعة الى الله عز وجل كما قال فى سورة الأعراف وهى مكية وهذه مدنية فاستمر الحال فى رد علمها الى الله الذى يقيمها ، " وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا " لكن الله تعالى أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن الساعة قريبة كما قال تعالى " اقتربت الساعة وانشق القمر " وكما قال تعالى " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرًا " يقول الله تعالى أنه أبعد الكافرين من رحمته وطردهم منها وأبعدهم وأعد لهم فى الآخرة نار جهنم المستعرة ، "  خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗا " ماطثين مستمرين فى جهنم فلا خروج لهممنها ولا زوال لهم  عنها ، "  لَّا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا  وليس لللكفار مغيث ولا معين ينقذهم مما هم فيه ، " يَوۡمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ " هؤلاء الكفار يسحبون فى النار على وجوههم وتلوى وجوههم على جهنم ،" يَقُولُونَ يَٰلَيۡتَنَآ أَطَعۡنَا ٱللَّهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠ " يصابون بالحسرة والندم ويتمنون أن لو كانوا فى الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول صلى الله عليه وسلم ، " وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَا۠ " قال طاوس : سادتنا يعنى الأشراف وكبراءنا يعنى العلماء أى اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئا وأنهم على شىء فاذا هم ليسوا على شىء وأوصلونا الى طريق الضلال ، "  رَبَّنَآ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَيۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ " يسأل الكفار الله تعالى أن يضاعف العذاب للسادة والكبراء بكفرهم واغوائهم لهم ،" وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنٗا كَبِيرٗا " ويسالونه أن يطرد هؤلاء من رحمته وفى الحديث قال أبو بكر رضى الله عنه يارسول الله علمنى دعاء أدعو به فى صلاتى قال " قل اللهم انى ظلمت نفسى ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى انك أنت الغفور الرحيم " .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا ٦٩

"يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُوا"ينهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا كالذين قالوا عن موسى عليه السلام قولا ليس فيه ثم أظهر الله براءته من قولهم ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ان موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يكاد يرى من جلده شىء استحياء منه فآذاه من آذاه من بنى اسرائيل فقالوا ما يستتر هذا الستر الا من عيب فى جلده اما برص واما أدرة واما آفة ، وأن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا فخلا يوما وحده فخلع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وان الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبى حجر ثوبى حجر حتى انتهى الى ملأ من بنى اسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله عز وجل وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فذلك قوله تعالى فى الآية ، وقال ابن عباس : قال قومه له انك آدر فخرج ذات يوم يغتسل فوضع ثيابه على صخرة فخرجت الصخرة تشتد بثيابه وخرج يتبعها عريانا حتى انتهت به مجالس بنى اسرائيل فراوه ليس بآدر  ، " وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا " وموسى عليه السلام له وجاهة وجاه عند ربه عز وجل قال الحسن البصرى كان مستجاب الدعوة عند الله وقال غيره من السلف لم يسأل الله شيئا الا أعطاه ذلك وقال بعضهم من وجاهته عند الله أنه شفع فى أخيه هارون أن يرسله الله معه فأجاب الله سؤاله فقال " ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا".

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا " يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه وأن يقولوا المستقيم من القول الذى لا اعوجاج فيه ولا انحراف وقال عكرمة القول السديد لا اله الا الله وقال غيره السديد الصدق وقال مجاهد هو السداد وقال غيره هو الصواب والكل حق ، "  يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ" اذا فعلوا ما أمرهم الله به أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم أى يوفقهم للأعمال الصالحة وأن يغفر لهم الذنوب الماضية وما قد يقع منهم فى المستقبل يلهمهم التوبة منها ، "وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا " من يطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يفوز الفوز العظيم أنه يجار من نار الجحيم ويصير الى النعيم المقيم  .

إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا ٧٢ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا ٧٣

" إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا " قال ابن عباس الأمانة الطاعة لله عز وجل عرضها على السموات والأرض والجبال قبل أن يعرضها على آدم فلم يطقنها   ، " وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُ" فقال الله تعالى لآدم : انى قد عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم يطقنها فهل أنت آخذ بما فيها ؟ قال يارب وما فيها ؟ قال ان أحسنت جزيت وان أسأت عوقبت فأخذها آدم فتحملها وقال ابن عباس : الأمانة الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال ان أدوها أثابهم وان ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا عليه من غير معصية ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ، " إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا " والانسان غرا بأمر الله جاهل به كثير الجهل وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أربع اذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا ، حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة " ، " لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ " انما حمل بنى آدم الأمانة وهى التكاليف ليظهر المنافقين والمنافقات الذين يظهرون الايمان خوفا من أهله ويبطنون الكفر متابعة لأهله والمشركين والمشركات الذين ظاهرهم وباطنهم على الشرك بالله ومخالفة رسله فيكون جزاءهم العذاب الأليم ، " وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ" وليتولى الله برحمته المؤمنين والمؤمنات من الخلق الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله العاملين بطاعته ويتقبل منهم التوبة اذا أخطأوا وقصروا فيما كلفهم به ، " وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا " والله هو الذى يتقبل توبة التائبين فيغفر لهم برحمته .

الجزء الثانى والعشرين

تفسير سورة سبأ

سورة سبأ سورة مكية فيها سمات السور المكية من ابراز أخبار الأمم السالفة وما وقع منها وكيف انتقم الله منها جزاءا لها على تكذيب رسله ليكون ذلك تسريه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى معاندة مشركى مكة له وتحذيرا لهم مما وقع بالأمم السابقة ان هم استمروا فى كفرهم وعصيانهم وآياتها 54 آية وفيها من الدلائل على قدرة الله فى الخلق .

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ ١ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ ٢

" ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ " يخبر الله تعالى عن نفسه الكريمة أن له الحمد المطلق فى الدنيا والآخرة لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا والآخرة المالك لجميع ذلك الحاكم فى جميع ذلك والجميع ملكه وعبيده وتحت تصرفه وقهره  كما قال تعالى " وهو الله لا اله الا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون " ، "وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ " والله هو الحكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه وقدره ، " ٱلۡخَبِيرُ " الخبير الذى لا تخفى عليه خافية ولا يغيب عنه شىء وقال مالك عن الزهرى خبير بخلقه حكيم بأمره ولهذا قال تعالى " يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا " يعلم عدد القثطر النازل فى أجزاء الأرض والحب المبذور والكامن فيها ويعلم ما يخرج من ذلك عدده وكيفيته وصفاته وما يخرج من الأرض من معادن وكمائن وما تخرجه الأرض من بحارها وسهولها ومروجها من خير وفير ورزق عميم  ، " وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ " ما ينزل من السماء من مطر ورزق ،"وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ"  وما يصعد الى  السماء من بخار ماء وغير ذلك من الأرض من انبعاث ، " وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ " الله الرحيم بعباده فلا يعجل عصاتهم بالعقوبة الغفور عن ذنوب التائبين اليه المتوكلين عليه .

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٣ لِّيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٤ وَٱلَّذِينَ سَعَوۡ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٞ ٥ وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ٦

"وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُ" يخبر الله تعالى عن الذين كفروا قولهم وانكارهم لأمر الساعة ،"قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ" أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد وهذه احدى الآيات الثلاث التى لا رابع لهن مما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد فاحداهن فى سورة يونس عليه السلام فى قوله تعالى " ويستنبئونك أحق هو قل اى وربى انه لحق وما أنتم بمعجزين " والثانية فى سورة التغابن فى قوله " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير " وهذه الآية فى سورة سبأ الثالثة ، "عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِين" قال مجاهد وقتادة لا يعزب عنه لا يغيب عنه أى الجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى عليه شىءمثل الذرة فى محيط السموات والأرض ولا أصغر من الذرة ولا أكبر منها وهذا من باب الاعجاز العلمى الذى كشف تركيب الذرة وما تحويه وتفتيت الذرة كل ذلك عند الله فى كتاب واضح بين ،"  لِّيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ " لينعم السعداء من المؤمنين الذين آمنوا بالله وأتبعوا القول بالعمل الصالح الله يغفر لهم ذنوبهم ويكون جزاءهم الرزق الكريم  وهو الرزق السخى من الله وهو الجنة ، " وَٱلَّذِينَ سَعَوۡ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ " والذين سعوا وبذلوا جهدهم للصد عن سبيل الله وتكذيب الرسل ، " أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيم"الرجز هو الشدة والاضطراب  لهم من الله عذاب شديد أليم عظيم الشدة  ، " وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ " الذين أوتوا العلم يعرفون أن الذى نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حق منزل من عند الله ، " وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ " وفيه هدى من عند الله العزيز وهو المنيع الجناب الذى لا يغالب ولا يمانع بل قد قهر كل شىء وغلبه الحميد فى جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره وهو المحمود فى ذلك كله جل وعلا .

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ ٧ أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ ٨ أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ ٩ ۞

"وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ يُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍ " هذا اخبار من الله عز وجل عن استبعاد الكفرة الملحدين قيام الساعة واستهزائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم فى اخباره بذلك فهم يقولون للناس هناك من يقول بالبعث بعد أن تتفرق الأجساد فى الأرض وتذهب بها كل مذهب وتتمزق كل ممزق ، "  أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ" ويقول الكفرة الملحدون عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه فى اخباره عن البعث لا يخلو أمره من قسمين اما أن يكون قد تعمد الافتراء على الله تعالى أنه قد أوحى اليه ذلك أو أنه لم يتعمد لكن لبس عليه كما يلبس على المعتوه والمجنون ، " بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ " يرد الله على الكافرين أن الأمر ليس كما زعموا ولا كما ذهبوا اليه بل محمد صلى الله عليه وسلم هو الصادق البار الراشد الذى جاء بالحق وهم الكذبة الجهلة الأغبياء وهم فى الكفر المفضى بهم الى عذاب الله تعالى وهم فى البعد الكبير عن الحق فى الدنيا ، " أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ" قال الله تعالى منبها للكافرين على قدرته فى خلق السموات والأرض فهم حيثما توجهوا وذهبوا فالسماء مظلة عليهم والأرض تحتهم وقال قتادة انك ان نظرت عن يمينك أوعن شمالك أو من بين يديك أو من خلفك رأيت السماء والأرض ، " إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ" يقول الله تعالى محذرا الكافرين على كفرهم أنه لو شاء لخسف بهم الأرض أو لو شاء لأسقط عليهم من السماء ما يهلكهم ويغرقهم ويبيدهم بظلمهم وقدرته عليهم ولكنه يؤخر ذلك لحلمه وعفوه  ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيب " ان فى قدرة الله فى الخلق للسموات والأرض وقدرته على الحاق العذاب بالكافرين لدليل لكل عبد من الله نائب اليه تائب مطيع لأمره مذعن له وقال قادة المنيب المقبل الى الله تعالى أى أن فى النظر الى خلق السموات والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب راجع الى الله على قدرة الله تعالى على بعث الأجساد ووقوع المعاد لأن من قدر على خلق السموات فى ارتفاعها واتساعها والأرض بما حوت لقادر على اعادة الأجسام ونشر الرميم من العظام كما قال تعالى " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ١٠ أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١

" وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ" يخبر الله تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه السلام مما أتاه من الفضل المبين وجمع ما بين النبوة والملك المتمكن والجنود ذوى العدد والعدد  ، " يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيۡر" ومعنى أوبى أى سبحى ولكن التأويب فى اللغة هو الترجيع فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها ومعنى ذلك أن الجبال قيل لها رجعى معه مسبحة ، لقد أعطى الله تعالى داود عليه السلام صوت عظيم اذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات وتقف له الطيور السارحات والغاديات الرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات وفى الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه يقرا من الليل فوقف فاستمع لقراءته ثم قال صلى الله عليه وسلم " لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود " ، "  وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ " أخضع الله لداود عليه السلام الحديد ليتشكل معه ومنحه القوة على ذلك قال الحسن البصرى وقتادة وغيرهما أنه كان لا يحتاج أن يدخل الحديد النار ولا يضربه بمطرقة بل كان يفتله بيده مثل الخيوط ولهذا قال تعال "أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰت" السا بغات الدروع أى أن داود عليه السلام كان يعرف صناعة الدروع وقال قتادة هو أول من عملها من الخلق وانما كانت قبل ذلك صفائح ، " وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ" هذا ارشاد من الله تعالى لتعليم داود عليه السلام صناعة الدروع أى اجعل الدرع مسرد حسن الصنعة بان كل شىء فيه مصنوع بقدر متقن فلا المسمار يقلقل فى الحلقة ولا مغلظ فيقصمها ، "  وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير" يأمر الله عباده المؤمنين بالعمل الصالح فى الذى أعطاهم من النعم فهو مراقب لهم بصير بأعمالهم وأقوالهم لا يخفى عليه من ذلك شىء .

وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ١٢ يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ١٣

" وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡر" لما ذكر الله تعالى ما أنعم به على داود عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان عليهما السلام من تسخير الريح له تحمل بساطه غدوها شهر ورواحها شهر وقال الحسن البصرى كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل باصطخر يتغدى بها ويذهب رائحا من اصطخر فيبيت بكابل ، وبين دمشق واصطخر شهر كامل للمسرع وبين اصطخر وكابل شهر كامل للمسرع وهذا فى عصره وفى عصرنا الحديث من تقدم فى وسائل المواصلات من طائرات لا يستغرب ذلك وممكن ما كان معجزا فى عصر يكون غير معجز فى عصر آخر بقضاء الله وحوله ولكن المعجز هو تسخير الريح ، فهى لم تسخر لأى أحد سوى لسليمان عليه السلام  ، " وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِ" قال ابن عباس وغيره أن القطر هو النحاس وقال قتادة كانت باليمن  فأسال الله لسليمان النحاس يستخرجه ويستخدمه فيصنع منه ما يشاء ، " وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦ" وسخر الله تعالى لسليمان عليه السلام الجن يعملون بين يديه باذن الله أى بقدره وتسخيره لهم بمشيئته يعملون له ما يشاء من بنايات وغير ذلك ، " وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ"ومن يخرج من الجن عن طاعة أمر الله ويعدل عنها جزاءه أن يذيقه الله عذاب الحريق الأليم وعن الحسن قال الجن ولد ابليس والانس ولد آدم ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافر فهو شيطان - شياطين الانس والجن ، " يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ " المحاريب هى البناء الحسن وهو أشرف شىء فى المسكن وصدره وقال مجاهد المحاريب بنيان دون القصور وقال الضحاك هى المساجد وقال قتادة هى القصور والمساجد وقال ابن زيد هى المساكن وأما التماثيل فهى الصور وقال مجاهد كانت من نحاس وقال قتادة من طين وزجاج ،" وَجِفَان كَٱلۡجَوَابِ " الجواب جمع جابية وهى الحوض الذى يجبى فيه الماء وقال العوفى كالحياض وقال ابن عباس كالجوبة من الأرض أى يصنعون لسليمان عليه السلام النافورات التى يجرى فيها الماء ، " وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ" وكانوا يصنعون لسليمان عليه السلام القدور الكبيرة الثابتات فى أماكنها لضخامتها لا تتحرك ولا تتحول لعظمها ونحن نعلم ما كان له من جند وأتباع تحتاج الى كم كبير من الطعام ، " ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ" يقول الله تعالى آمرا آل داود أعملوا شكرا على ما أنعم الله له عليكم فى الدين والدنيا وهذا دلالة أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول والنية ،" وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ " الشاكرون لله قليل من عباده وهذا اخبار عن الواقع حيث قال تعالى " وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها " فنعمه التى تستوجب الشكر كثيرة يعجز عباده ان يوفوه شكرها .

فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ ١٤

"فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُ" يذكر الله تعالى كيفيةموت سليمان عايه السلام وكيف عمى موته على الجان المسخرين له فى الأعمال الشاقة فانه مكث متوكئا على عصاه وهى منسأته وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم أن سليمان عليه السلام استمر مدة طويلة نحوا من سنة فلما أكلتها الأرضة وهى دابة الأرض ضعفت وسقط الى الأرض وعلم أنه مات قبل ذلك بمدة طويلة ، "  فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ " تبينت الجن والانس بعد أن سقط سليمان عليه السلام الى الأرض أنهم لا يعلمون الغيب والجن كذلك لا يعلمون الغيب كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس ذلك فتبين أمر الجن للناس أنهم لا يعلمون الغيب وكانوا يعملون بين يدى سليمان عليه السلام وينظرون اليه يحسبون أنه حى واستمروا على ذلك  فلما رأوا أن الأرضة أكلت العصا وسقط على الأرض انفضوا وذهبوا. 

لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ ١٥ فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ ١٦ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ ١٧

" لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَة"  جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُور" يتحدث الله تعالى مخبرا عن سبأ وكانت سبأ ملوك اليمن وأهلها وكانت التابعية منهم وبلقيس صاحبة سليمان عليه السلام من جملتهم وكانوا فى نعمة وغبطة فى بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم وبعث الله تعالى اليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى وكان عندهم سد مأرب فقد كان الماء يأتيهم من بين جبلين وتجتمع اليه أيضا سيول أمطارهم وأوديتهم فغرسوا الأشجار واستغلوا الثمار فى غاية ما يكون من الكثرة والحسن وكانت عناية الله بهم ليوحدوه ويعبدوه وكانت الزروع والجنان منتشرة من ناحيتى الجبلين والبلدة ، "فَأَعۡرَضُواْ " ولكنهم بعدوا وأعرضوا عن توحيد الله وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم وعدلوا الى عبادة الشمس من دون الله كما قال الهدهد لسليمان عليه السلام ، " فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ " المراد بالعرم المياه وقيل الماء الغزير هدمت المياه الغزيرة السد فانهار عليهم وانساب الماء أسفل الوادى وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك " وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ " ونضب الماء عن الأشجار التى فى الجبلين عن يمين وشمال فيبست وتحطمت وتبدلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة وكما قال ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم أن الأكل الخمط هو الأراك والأثل كما قال ابن عباس هو الطرفاء وقال غيره هو شجر يشبه الطرفاء وقيل هو السمر والسدر هو النبق ولما كان أجود هذه الثمار المبدل فهو قليل وهذا الذى صار من أمر الجنتين بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية تبدلت الى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذى الشوك الكثير والثمر القليل ، " ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُو" وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه الى الباطل ، " وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ" يقول الله تعالى وكذلك عقبناهم بكفرهم ولا يعاقب الا الكفور وقال الحسن لا يعاقب بمثل فعله الا الكفور .

وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ١٨ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ١٩

يذكر الله تعالى ما كانت عليه سبأ من نعمة وغبطة وعيش هنى رغيد وبلاد مرضية وأماكن آمنة وقرى متواصلة متقاربة بعضها من بعض مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها بحيث أن مسافرهم لا يحتاج الى حمل زاد ولا ماء بل حيث نزل وجد ماءا وثمرا ويقيل فى قرية قرية ويبيت فى أخرى بمقدار ما يحتاجون اليه فى سيرهم" وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَة"القرى الظاهرة هى البينة الواضحة التى يعرفها المسافرون يقيلون فى واحدة ويبيتون فى أخرى ، "  وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَ" جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون اليه ، " سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ "الأمن حاصل لهم فى سيرهم ليلا ونهارا وقال مجاهد وغيره يعنى قرى الشام أنهم كانوا يسيرون من اليمن الى الشام فى قرى ظاهرة متواصلة  ، " فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا " لكنهم بطروا النعمة وأحبوا مفاوز ومهامه يحتاجون فى قطعها الى الزاد والرواحل والسير فى الحرور والمخاوف كما فعل بنو اسرائيل اذ طلبوا من موسى عليه السلام أن يخرج لهم الله مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها مع أنهم كانوا فى عيش رغيد فى من وسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس ، " وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ"ظلموا أنفسهم بكفرهم ، "  فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ" يقول الله تعالى جعلناهم حديثا للناس وسمرا يتحدثون به من خبرهم وكيف مكر الله بهم وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنىء تفرقوا فى البلاد ولهذا تقول العرب فى القوم اذا تفرقوا تفرقوا أيدى سبأ وأيادى سبأ وتفرقوا شذر مذر ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُور " فى ما حدث لسبأ لدليل وبرهان على الصبر والشكر لنعمة الله فنعم العبد الصبار الشكور وهذا من أمر المؤمن اذا أعطى نعمة شكر فكن خيرا له واذا ابتلى صبر فكان خيرا له . وفى الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجبا للمؤمن لا يقضى الله تعالى له قضاء الا كان خيرا له ، ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد الا المؤمن " .

وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢٠ وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ ٢١

" وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " لما ذكر الله تعالى قصة سبأ وما كان من أمرهم فى اتباعهم الهوى والشيطان أخبر عنهم وعن أمثالهم ممن اتبع ابليس والهوى وخالف الرشاد والهدى الا قليلا من المؤمنين وهذا كما قال ابن عباس اخبارا من الله تعالى عن ابليس حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام قال متوعدا " أرأيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتن الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليلا " وقال كذلك " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " والآيات فى غواية ابليس كثيرة ، " وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ " قال ابن عباس لم يكن لابليس من حجة وقال الحسن البصرى والله ما ضربهم بعصا ولا أكرههم على شىء وما كان الا غرورا وأمانى دعاهم اليها فأجابوه ، " إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّ" انما كان سلطان ابليس على بنى آدم ليظهر أمر من هو مؤمن بالآخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء فيحسن عبادة الله عز وجل فى الدنيا ممن يشك فى الآخرة ويشرك بالله ، "  وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظ " ومع حفظ الله ضل من ضل من اتباع ابليس وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين من أتباع الرسل .

قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا لَهُمۡ فِيهِمَا مِن شِرۡكٖ وَمَا لَهُۥ مِنۡهُم مِّن ظَهِيرٖ ٢٢ وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ ٢٣ ۞

بين الله تبارك وتعالى أنه الاله الواحد الفرد الصمد الذى لا نظير له ولا شريك له بل هو المستقل بالأمر وحده من غير مشارك ولا منازع ولا معارض " قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ " يقول تعالى للمشركين وغيرهم أن يدعو من أشركوا لله من أوثان وأصنام وأن يبرزوهم وهم لا يملكون حولا ولا قوة ولا نفع أنفسهم ولا دفع الضر عنها ، " لَا يَمۡلِكُونَ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ  وَمَا لَهُمۡ فِيهِمَا مِن شِرۡك" لا يملكون شيئا ولو يسيرا مثقال الذرة فى السموات والأرض استقلالا ولا على سبيل الشركة ، "وَمَا لَهُۥ مِنۡهُم مِّن ظَهِير" وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به فى الأمور بل الخلق كلهم فقراء اليه عبيد لديه وقال قتادة فى قوله عز وجل " وما له منهم منظهير " وليس لله من عون يعينه بشىء ،"وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُ" ولا يجترىء أحد لعظمة الله وجلاله وكبريائه أن يشفع عنده تعالى فى شىء الا بعد اذنه له فى الشفاعة كما قال تعالى " من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه " وكما قال تعالى " وكم من ملك فى السموات والأرض لا تغنى شفاعتهم شيئا الا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى " وقال تعالى " ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون " وثبت فى الصحيحين عن حديث الشفاعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكبر شفيع عند الله تعالى وسيد ولد آدم أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع فى الخلق كلهم أن يأتى ربهم لفصل القضاء قال " فأسجد لله تعالى فيدعنى ما شاء الله أن يدعنى ، ويفتح على بمحامد لا أحصيها الآن ثم يقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع " ،  " حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ" وهذا أيضا مقام رفيع فى العظمة وهو أنه تعالى اذا تكلم بالوحى فسمع أهل السموات  كلامه أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشى  واذا كان كذلك سأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم ؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم ثم الذين يلونهم لمن تحتهم حتى ينتهى الخبر الى أهل السماء الدنياولهذا قال تعالى " قَالُواْ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ " أى أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان وقال آخرون بل معنى قوله تعالى " حتى اذا فزع عن قلوبهم" يعنى المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة اذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة فى الدنيا ورجعت اليهم عقولهم يوم القيامة قالوا ماذا قال ربكم ؟ فقيل لهم الحق وأخبروا به مما كانوا لاهين عنه فى الدنيا وقال مجاهد " حتى اذا فزع على قلوبهم " كشف عنها الغطاء يوم القيامة وقال الحسن يعنى اذا فاقت مما فيها من الشك والتكذيب وقال عبد الرحمن بن أسلم حتى اذا فزع الشيطان عن قلوبهم ففارقهم ومآربهم وما كان يضلهم واختار ابن جرير الرأى الأول أن الضمير عائد على الملائكة وهذا هو الحق الذى لا مرية فيه وعن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا أراد الله تبارك وتعالى أن يوحى بأمره تكلم بالوحى فاذا تكلم أخذت السموات منه رجفة - أو قال رعدة - شديدة من خوف الله تعالى فاذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه الصلاة والسلام فيكلمه الله منوحيه بما أراد فيمضى به جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة كلما مر بسماء سماء يساله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول عليه السلام قال الحق وهو العلى الكبير فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل فينتهى جبريل بالوحى الى حيث أمره الله تعالى من السماء والأرض " , وعن ابن عباس وعن  قتادة أنهما فسرا هذه الآية بابتداء ايحاء الله تعالى الى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التى كانت بينه وبين عيسى عليه السلام ، " وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ "هذا اقرار بصفات الله تعالى فهو العلى الذى لا يعلى عليه الكبير الذى لا كبير الا هو كما فى قولى فى آية الكرسى " وهو العلى العظيم " .

قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢٤ قُل لَّا تُسَۡٔلُونَ عَمَّآ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسَۡٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ٢٥ قُلۡ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفۡتَحُ بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَهُوَ ٱلۡفَتَّاحُ ٱلۡعَلِيمُ ٢٦ قُلۡ أَرُونِيَ ٱلَّذِينَ أَلۡحَقۡتُم بِهِۦ شُرَكَآءَۖ كَلَّاۚ بَلۡ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٧

" قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُ" يقول الله تعالى مقررا تفرده بالخلق والرزق وانفراده بالالهية أيضا فكما كانوا يعترفون بأنهم لا يرزقهم من السماء والأرض أى بما ينزل من المطر وينبت الزرع الا الله فكذلك فليعلموا أنه لا اله غيره ، " وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِين" أى أحد الفريقين منا على هدى محق والأخر مبطل فى الضلال الواضح واحد منا مصيب ولا يمكن أن تكونوا أنتم ونحن على هدى أو على الضلال بل واحد منا مصيب ونحن قد قدمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنت عليه من الشرك بالله تعالى وقال قتادة قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين والله ما نحن واياكم على أمر واحد ان أحد الفريقين لمهتد وقال عكرمة معناها انا نحن لعلى هدى وانكم لفى ضلال مبين ، "  قُل لَّا تُسَۡٔلُونَ عَمَّآ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسَۡٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ " وكذلك يقول المؤمنون للكافرين وهم يتبرءون منهم لستم منا ولا نحن منكم بل ندعوكم الى الله تعالى وتوحيده وافراده بالعبادة له فان أجبتم فأنتم منا ونحن منكم وان كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا كما قال تعالى " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولى دين " وما قال تعالى" فان كذبوك فقل لى عملى ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برىء مما تعملون " ،" قُلۡ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَا رَبُّنَا " يوم القيامة يجمع الله بين الخلائق فى صعيد واحد بين المؤمنين والمشركين ،" ثُمَّ يَفۡتَحُ بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ " أى يحكم بيننا بالعدل فيجزى كل عامل بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر ، وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصر والسعادة الآبدية ، " وَهُوَ ٱلۡفَتَّاحُ ٱلۡعَلِيمُ " والله هو الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور ، "  قُلۡ أَرُونِيَ ٱلَّذِينَ أَلۡحَقۡتُم بِهِۦ شُرَكَآءَ" يخبر الله تعالى المشركين فيقول لهم أرونى هذه الآلهة التى جعلتموها لله أندادا وصيرتموها له عدلا وكفئا ، " كَلَّاۚ " يرد الله عليهم بالزجر والرفض لما يزعمون فهو ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل ، "  بَلۡ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " هو وحده الله الواحد الأحد الذى لا شريك له وهو ذو العزة الذى قهر بها كل شىء وغلبت كل شىء الحكيم فى أفعاله وأقواله وشرعه وقدره تبارك تعالى وتقدس عما يقولون علوا كبيرا .

 وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢٨ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٢٩ قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوۡمٖ لَّا تَسۡتَٔۡخِرُونَ عَنۡهُ سَاعَةٗ وَلَا تَسۡتَقۡدِمُونَ ٣٠

" وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ " يقول الله تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه وتعالى أرسله الى كافة الناس أى الى الناس عامة  والى جميع الخلائق من المكلفين كما قال تعالى " قل يا أيها الناس انى لكم رسول الله اليكم جميعا " ، "بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا " يبشر من أطاعه بالجنة وينذر من عصاه بالنار كما قال تعالى" تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " وقال قتادة فى هذه الآية أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم الى العرب والعجم فأكرمهم على الله تعالى أطوعهم لله عز وجل وقد ثبت فى الصحيحين عن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى وأعطيت الشفاعة ، وكان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة " وفى الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بعثت الى الأسود والأحمر " قال مجاهد يعنى الجن والانس وقال غيره يعنى العرب والعجم والكل صحيح ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ " وأكثر الناس لا يطيعونك فى ذلك بالايمان بما أرسلت به كقوله تعالى" وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " وكما قال " وان تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله " ، " وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يتحدث الله تعالى عن تكذيب الكفار بالساعة واستعجالهم لها والوعد هو الساعة يطلبون وقوعها لتدليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ،"  قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوۡمٖ لَّا تَسۡتَٔۡخِرُونَ عَنۡهُ سَاعَةٗ وَلَا تَسۡتَقۡدِمُونَ " يرد الله على الكافرين المكذبين المستبعدين لوقوع يوم القيامة أن لهم ميعاد مؤجل معدود لا يزاد ولا ينقص فاذا جاء فلا يؤخر ساعة ولا يقدم كما قال تعالى " ان أجل الله اذا جاء لا يؤخر " وكما قال عزوجل " وما نؤخره الا لاجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقى وسعيد " .

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ ٣١ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُوٓاْ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِينَ ٣٢ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٣٣

" وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ" يخبر الله تعالى عن تمادى الكفار فى طغيانهم وعنادهم واصرارهم على عدم الايمان بالقرآن وبما أخبر به من أمر المعاد ، " وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ " يخبر الله تعالى متهددا للكفار ومتوعدا عن مواقفهم الذليلة بين يديه فى حال تخاصمهم وتحاجهم يوم القيامة  ، " يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ " يتحاج الكفار فيما بينهم ويلقى كل واحد منهم باللوم على الآخر فى كفره ،"يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ" يقول الضعفاء الذين اتبعوا غيرهم من القادة والسادةوالكبراء لولا أنتم صددتونا لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاؤنا به ،" قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُوٓاْ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِينَ" يرد الكبراء من القادة والسادة والكبراء ويقولون للذين اتبعوهم نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التى جاءت بها الرسل لشهوتكم واختياركم ولهذا قالوا " بل كنتم مجرمين " أى أنتم الذين أجرمتم ،" وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ " يرد المستضعفون الذين اتبعوا السادة والكبراء بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا أى هو مكركم بالليل والنهار ، " إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ" اذ تغرونا بالكفر بالله وأن نتخذ من دونه شركاء من اصنام وأوثان نعبدهم من دون الله ونجعلهم نظراء وآلهة معه وتقيموا لنا شبها وأشياء تضلونا بها  وتمنونا وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شىء فاذا جميع ذلك باطل وكذب مبين وكفر بالله وشرك به ، " وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ " الجميع من السادة والأتباع كل ندم على ما سلف منه حين تحقق العذاب يوم القيامة ورأوا النار وندموا حين لا ينفع الندم ، " وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ" يتحدث الله تعالى عما يحيق بالكفار من سادة وأتباع فى جهنم فهم يقيدون بالسلاسل التى تجمع أيديهم مع أعناقهم ويلقون فى النار ،"هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ" يلقى الله عليهم باللوم فهم انما يجازون بأعمالهم كل بحسبه للقادة عذاب بحسبهم والأتباع بحسبهم كما قال تعالى " لكل ضعف ولكن لا تعلمون " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان جهنم لما سيق اليها أهلها تلقاهم لهبها ثم لفحتهم لفحة فلم يبق لحم الا سقط على العرقوب " .

وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ ٣٤ وَقَالُواْ نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ ٣٥ قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٦ وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ ٣٧ وَٱلَّذِينَ يَسۡعَوۡنَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡعَذَابِ مُحۡضَرُونَ ٣٨ قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٣٩

" وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ "يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وآمرا له بالتأسى بمن قبله من الرسل ومخبره بأنه ما بعث نبيا فى قرية الا كذبه مترفوها وهم السادةوالكبراء واتبعه ضعفاؤهم كما قال قوم نوح عليه السلام " أنؤمن لك واتبعك الأرذلون " وكذلط " وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادى الرأى " وكذلك قوله تعالى " وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا بها " ويخبر الله هنا أنه ما بعث أى نبى أو رسول الا قال أولوا النعمة والحشمة والثروة والرياسة وقال قتادة هم جبابرتهم وقادتهم ورءوسهم فى الشر للرسل لا نؤمن بما أرسلتم به ولا نتبعه وقال هرقل لأبى سفيان حين ساله أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم فقال له بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل ، " وَقَالُواْ نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ " افتخر الكبراء والسادة المترفون المكذبون بكثرة الأموال والأولاد واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم واعتنائه بهموأنه ما كان ليعطيهم هذا فى الدنيا ثم يعذبهم فى الآخرة كما قال تعالى " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون " ، " قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ " يرد الله على الكفار بقوله أنه يعطى المال لمن يحب ومن لا يحب فيفقر من يشاء ويغنى من يشاء وله الحمة التامة البالغة والحجة القاطعة الدامغة ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك ،"وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ " ليست أموالكم ولا أولادكم هى التى تقربكم منا وليست دليلا على محبتنا لكم ولا اعتنائنا بكم وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله تعالى لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن انما ينظر الى قلوبكم وأعمالكم " ، " إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا " يقول الله تعالى انما يقربكم عندنا زلفى الايمان والعمل الصالح ،" فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ " من آمن وعمل صالحا أولئك تضاعف لهم الحسنات الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف ، "  وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ " وأولئك هم فى منازل الجنة العالية آمنون منكل بأس وخوف وأذى ومن كل شر يحذر منه وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ان فى الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها منظهورها " فقال أعرابى لمن هى ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام " ، " وَٱلَّذِينَ يَسۡعَوۡنَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ " يتوعد الله الذين يسعون فى الصد عن سبيله واتباع رسله والتصديق بآياته ،" أُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡعَذَابِ مُحۡضَرُونَ " هؤلاء جميعهم مجزيون بأعمالهم فيها بحسبهم كل له نصيب من العذاب ، " قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُ" يخبر الله تعالى رسوله أن يبلغ عنه أن الله بحسب ما له من حكمة يبسط على هذا من المال الكثير ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدا وله فى ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره كما قال تعالى " انظركيف فضلنا بعضهم على بعض والآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " وكما هم متفاوتون فى الدنيا هذا فقير مدقع وهذا غنى موسع عليه فكذلك هم فى الآخرة هذا فى الغرفات فى أعلى الدرجات وهذا فى الغمرات فى أسفل الدركات وأطيب الناس فى الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " ، "   وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ " يقول الله تعالى مهما أنفقتم من شىء فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه عليكم فى الدنيا بالبدل فى الآخرة بالجزاء والثواب كما ثبت فى الحديث الصحيح " يقول الله تعالى أنفق أنفق عليك " وكذلك فى الحديث أن ملكين يصبحان كل يوم يقول أحدهما اللهم أعط ممسكا تلفا ويقول الآخر : اللهم أعط منفقا خلفا وعن حذيفة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا بعد زمانكم هذا زمان عضوض يعض الموسر على ما فى يده حذار الانفاق " ثم تلا الآية .

وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ يَقُولُ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَهَٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٤٠ قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ ٤١ فَٱلۡيَوۡمَ لَا يَمۡلِكُ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٖ نَّفۡعٗا وَلَا ضَرّٗا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ٤٢

"وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ يَقُولُ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ " يخبر تعالى أنه يقرع المشركين يوم القيامة على رءوس الخلائق فيسأل الملائكة الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الانداد التى هى على صورهم ليقربوهم الى الله زلفى " أَهَٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ " أى أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم كما قال تعالى فى سورة الفرقان " أأنتم أضللتم عبادى هؤلاء أم هم ضلوا السبيل " وكما يقول لعيسى عليه السلام " أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق " ، " قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ " ترد الملائكة بقولهم تعاليت وتقدست عن أن يكون معك اله ، " أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم" نحن عبيدك ونبرأ اليك من هؤلاء ، " بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ " كان هؤلاء يعبدون الشياطين لأنهم هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان وأضلوهم والعدد الأكبر منهم اتبعوهم الا القليل ممن رحم الله ، "  فَٱلۡيَوۡمَ لَا يَمۡلِكُ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٖ نَّفۡعٗا وَلَا ضَرّٗا "اليوم وهو يوم القيامة يقول تعالى للكفار والمشركين فى هذا اليوم لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه اليوم من الأنداد والأوثان التى ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكربكم اليوم لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا ، "  وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ " ويقول الله تعالى موبخا وتقريعا للكافرين والمشركين وهم الذين ظلموا ظلموا أنفسهم بالكفر تجرعوا عذاب النار التى كنت تكذبون بها اليوم أصبحت حقيقة متحققة .

وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٤٣ وَمَآ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّن كُتُبٖ يَدۡرُسُونَهَاۖ وَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ قَبۡلَكَ مِن نَّذِيرٖ ٤٤ وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ ٤٥ ۞

"وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰت" يخبر الله تعالى عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والعذاب الأليم لأنهم كانوا اذا تتلى عليهم آياته الواضحة التى يسمعونها غضة طرية من لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ،"قَالُوا مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ" يقولون أن دين آبائهم هو الحق وأن ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم باطل عندهم ، " وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِين" ويقول الكفار كذلك عن القرآن وهو الحق المنزل من عند الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنه سحر واضح ، " وَمَآ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّن كُتُبٖ يَدۡرُسُونَهَاۖ وَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ قَبۡلَكَ مِن نَّذِير" يقول الله تعالى أنه ما أنزل على العرب من كتاب قبل القرآن وما أرسل اليهم نبيا قبل محمد صلى الله عليه وسلم لينذرهم من عذاب الآخرة وقد كانوا يودون ذلك ويقولون لوجاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب لكنا أهدى من غيرنا فلما من عليهم الله بذلك كذبوه وجحدوه وعاندوه ، " وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ " يقول الله تعالى أنه سبقهم فى التكذيب للرسل وما أنزل الله أمم من قبلهم ،" وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ " وهؤلاء المكذبين من قريش ومن حولهم لم يبلغوا عشر قوة تلك الأمم من القوة والبأس فى الدنيا ، "  فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ " هؤلاء الذين كذبوا من الأمم السابقة ما دفع عنهم ما كانوا عليه من القوة فى الدنيا عذاب الله ولا رده عنهم فكان عقاب الله ونكاله وانتصاره لرسله .

قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ ٤٦

" قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍ" يقول الله تبارك وتعالى قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون انما آمركم بواحدة ، " أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ" هذه الواحدة هى أن تقوموا قياما خالصا لله عز وجل من غير هوى ولا عصبية فيسأل بعضكم بعضا هل بمحمد صلى الله عليه وسلم من جنون فينصح بعضكم بعضا وينظر الرجل لنفسه فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويسأل غيره من الناس عن شأنه ان أشكل عليه ويتفكر فى ذلك ، " إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيد " يقول الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه أرسله ليكون نذير من عذابه الشديد يوم القيامة وعن أبى امامة رضى الله عنه قال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " أعطيت ثلاثا لم يعطهن أحد قبلى ولا فخر : أحلت لى الغنائم ولم تحل لمن قبلى كانوا قبلى يجمعون غنائمهم فيحرقونها ، وبعثت الى كل أحمر وأسود وكان كل نبى يبعث الى قومه خاصة ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا أتيمم بالصعيد وأصلى فيها حيث أدركتنى الصلاة قال الله تعالى " أن تقوموا لله مثنى وفرادى " وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدى " وعن ابن عباس أنه قال : صعد النبى صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال " ياصباحاه" فاجتمعت اليه قريش فقالوا مالك ؟ فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقونى " قالوا : بلى ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد " فقال أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا " فأنزل الله " تبت يدا أبى لهب وتب " .

قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٞ ٤٧ قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ ٤٨ قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ ٤٩ قُلۡ إِن ضَلَلۡتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفۡسِيۖ وَإِنِ ٱهۡتَدَيۡتُ فَبِمَا يُوحِيٓ إِلَيَّ رَبِّيٓۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٞ قَرِيبٞ ٥٠

" قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ" يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين لا أريد منكم جعلا ولا عطاءا على أداء رساة الله عز وجل اليكم ونصحى اياكم وأمركم بعبادة الله ، " إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ" انما أطلب ثواب ذلك من عند الله ، " وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيد" والله هو الشاهد العالم بجميع الأمور بما أنا عليه من اخبارى عنه بارساله اياى اليكم وما أنتم عليه ، " قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ " الله هو الذى يرسل الحق من عنده وهوعلام الغيوب فلا تخفى عليه خافية فى السموات والأرض ، "  قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ " جاء الحق من الله والشرع العظيم وذهب الباطل وزهق واضمحل كقوله تعالى " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق " ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها بسة قوسه ويقرأ " وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا - قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد " ،" ، قُلۡ إِن ضَلَلۡتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفۡسِيۖ وَإِنِ ٱهۡتَدَيۡتُ فَبِمَا يُوحِيٓ إِلَيَّ رَبِّيٓۚ" الخير كله من عند الله وفيما أنزله من الوحى والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد ومن ضل فانما يضل من تلقاء نفسه ، " إِنَّهُۥ سَمِيعٞ قَرِيب " والله سميع لأقوال عباده قريب مجيب دعوة الداعى اذا دعاه وقد روى النسائى هنا حديث أبى موسى الذى فى الصحيحين " انكم لا تدعون أصم ولا غائبا انما تدعون سميعا قريبا مجيبا " .

وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ ٥١ وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ ٥٢ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ ٥٣ وَحِيلَ بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ مَا يَشۡتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشۡيَاعِهِم مِّن قَبۡلُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۢ ٥٤

" وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ " يقول تبارك وتعالى ولو ترى يا محمد اذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة فلا فوت أى فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ ، " وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيب" أى لم يمكنوا أن يمنعوا فى الهرب بل أخذوا من أول وهلة وقال الحسن البصرى حين خرجوا من قبورهم ، " وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِ" يوم القيامة يقول المكذبون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالى " ولوترى اذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون " ، "وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۢ بَعِيد"التناوش هو التعاطى أو التناول  يقول الله تعالى عن المكذبين كيف لهم تعاطى الايمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا الى الدار الآخرة وهى دار الجزاء لا دار الابتلاء فلو كانوا آمنوا فى الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم الى الدار الآخرة لا سبيل لهم الى قبول الايمان كما لا سبيل الى حصول الشىء لمن يتناوله من بعيد وقال ابن عباس طلبوا الرجعة الى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة ، " وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُ" كيف يحصل لهؤلاء المكذبين الايمان فى الآخرة وقد كفروا بالحق فى الدنيا وكذبوا الرسل ،"وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۢ بَعِيد" هؤلاء الكفار المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم يقولون ما يقولون بالظن وليس باليقين فتارة يقولون شاعر وتارة يقولون كاهن وتارة يقولون ساحر وتارة يقولون مجنون الى غير ذلك من الأقوال الباطلة التى يقذفون بها جزافا وكذبا دون علم كما قال تعالى " رجما بالغيب " وهم يكذبون بالبعث والنشور والمعاد كما فى قوله تعالى عنهم " ويقولون ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين " وقال قتادة ومجاهد يرجمون بالظن لا بعث ولا جنة ولا نار ، " وَحِيلَ بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ مَا يَشۡتَهُونَ " يوم القيامة بعد بينهم وبين ما يشتهون من التوبة وقال الحسن البصرى وغيره يعنى حيل بينهم وبين الايمان وقال مجاهد حيل بينهم وبين هذه الدنيا وما فيها من مال وزهرة وأمل والصحيح أنه لا منافاة بين القولين فانه قد حيل بينهم وبين شهواتهم فى الدنيا وبين ما طلبوه فى الآخرة فمنعوا منه ، "  كَمَا فُعِلَ بِأَشۡيَاعِهِم مِّن قَبۡلُ" وهذا كما جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لما جاءهم بأس الله تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم كما فى قوله تعالى " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التى قد خلت فى عباده وخسر هنالك الكافرون " ، " إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۢ " كانوا فى الدنيا فى شك وريبة فلهذا لم يتقبل منهم الايمان عند معاينة العذاب وقال قتادة اياكم والشك والريبة فان من مات على شك بعث عليه ومن مات على يقين بعث عليه .

تفسيرالجزء الثانى والعشرين

تفسير سورة فاطر

سورة مكية آياتها 54 وفيه صفات السور المكية من آيات الله فى الكون الدالة على ألوهيته وقدرته والتعرض لموضوع الايمان بالله والشرك والتعرض ذلك ليوم القيامة وما فيه من جنة وسعير .

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١

 " ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ " تتحدث الآية عن قدرة الله فى خلق السموات والأرض وعن ابن عباس رضى الله عنه قال كنت لا أدرى ما فاطر السموات والأرض حتى أتانى أعرابيان يختصمان فى بئر فقال أحدهما لصاحبه أنا فطرتها أى بدأتها وقال الضحاك كل شىء فى القرآن فاطر السموات والأرض فهو خالق السموات والأرض وقال ابن عباس أيضا بديع السموات والأرض ، "جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا " الله هو الذى جعل من الملائكة رسلا بينه وبين أنبيائه يبلغون اليهم ما أنزل اليهم من ربهم ،" أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ " وخلق الله للملائكة أجنحة يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر من ذلك كما جاء فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الاسراء وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ولهذا قال تعالى " يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ" يزيد الله فى الأجنحة وخلق الملائكة ما يشاء ،" إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير " يختم الله تعالى الاية بتأكيد طلاقة قدرته فهو على كل شىء قدير واذا قال لشىء كن فيكون فأمره بين الكاف والنون .

مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢

" مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَا" يخبر الله تعالى أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع وثبت فى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا رفع راسه من الركوع يقول " سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض ، وملء ما شئت من شىء بعد ، اللهم أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وهذا كقوله تعالى " وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله " وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِ" اذا أمسك الله قيل المقصود نزول المطر والغيث وأن الله ان شاء أنزله وان شاء منعه ولا أحد غيره يفعل من ذلك من شىء فهو المتكفل بذلك وحده  وقال الامام مالك كان أبو هريرة رضى الله عنه اذا مطروا يقول مطرنا بنوء الفتح ثم يقرا هذه الاية ، " وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " والله هو العزيز يعزمن يشاء ويذل من يشاء له العزة والمجد وهو الحكيم فى أقواله وأفعاله .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ٣

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ "ينبه الله تعالى عباده ويرشدهم الى الاستدلال على توحيده فى افراد العبادة له كما أنه المستقل بالخلق والرزق فكذلك فليفرد بالعبادة ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد والأوثان ، " لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُو فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ " الافك هو الشك والكذب والباطل وعدم اتباع الحق ان الله هو المتفرد بالألوهية فلابد أن يتفرد بالعبادة وبالعبودية فكيف تؤفكون بعد هذا البيان ووضوح البرهان أى كيف تشكون فى ذلك وتستمرون فى عبادة الأنداد والأوثان .

وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ٤ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ ٥ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ٦

" وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ" يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ان يكذبك المشركون فى مكة ويخالفوك فيما جئت به من التوحيد فلك فيمن سلف قبلك  من الرسل اسوة فانهم كذلكجاءوا قومهم بالبينات وأمروهم بالتوحيد فكذبوهم وخالفوهم ، " وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ " والله سبحانه وتعالى يرجع اليه جميع الأمور له الأمر والنهى  وسيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ،" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّ" يخاطب الله الناس جميعا أن المعاد كائن لا محالة وأن البعث يوم القيامة لاشك فيه ،"فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا "ينهى الله الناس عن الاغترار العيشة الدنيئة فى الحياة الدنيا بالنسبة الى ما أعد لأوليائه وأتباع رسله من الخير العظيم فلا يتلهوا عن ذلك الباقى بهذه الزهرة الفانية ، " وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ " الغرور هو الشيطان الذى يغرى بالشر وقال ابن عباس لا يفتنكم الشيطان ويصرفكم عن اتباع رسل الله وتصديق كلماته فانه غرار كذاب أفاك كما قال تعالى فى الآية التى فى آخر سورة لقمان " فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " ، " إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا يحذر الله عبادهمن عداوة الشيطان لهم فهومبارز لهم بالعداوة فيجب أن يعادوه أشد العداوة ويخالفوه ويكذبوه فيما يغرهم به ، " إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ " انما الشيطان يقصد أن يضل من اتبعه وتحالف معه وكان من حزبه حتى يدخلوا معه الى عذاب السعير فهو العدو المبين الواضح العداوة وهذا كقوله تعالى " واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريه أولياء من دونى وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " .

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ ٧ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٨

" ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ " لما ذكر الله تعالى أن أتباع ابليس مصيرهم الى السعير ذكر بعد ذلك أن الذين كفروا لهم عذاب شديد لأنهم أطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن وأن الذين أمنوا به وعملوا الأعمال الصالحة سيغفر لهم ما كان منهم من ذنب وسيوفيهم الجزاء الكبير الوافى على ما عملوه من خير ، "  أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ" يتحدث الله عن الكفار والفجار يعملون أعمالا سيئة وهم فى ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا أفمن كان هكذا قد أضله الله يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ألك فيه حيلة لا حيلة لك فيه ،"فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ" الله وحده بقدره وحكمته هو الذى يهدى من يشاء ويضل من يشاء لما له من الحجة البالغة والعلم التام  بما قصده كل فرد من اعتقاده وعمله ، " فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ" يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لا تأسف على كفر المشركين ،" إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ "  فان الله حكيم فى قدره عليم بافعال العباد وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان الله تعالى خلق خلقه فى ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ فقد اهتدى ومن أخطأه منه ضل فلذلك أقول جف القلم على ما علم الله عز وجل " .

وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ ٩ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّئَِّاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ ١٠ وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ١١

" وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ" كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد باحيائه الأرض بعد موتها كما فى أول سورة الحج ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك فان الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها فاذا أرسل اليها السحاب يحمل الماء فينزل عليهاوينبت به الزرع والثمار وتدب فيها الحياة بعد الموت والبوار ، " كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ " كذلك البعث للأجساد اذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطرا يعم الأرض جميعا وينبت الأجساد فى قبورها كما تنبت الحبة فى الأرض ولهذا جاء فى الصحيح " كل ابن آدم يبلى الا عجب الذنب ،منه خلق ومنه يركب " وعن أبى رزين قال قلت : يارسول الله كيف يحبى الله الموتى ؟ وما آية ذلك فى خلقه ؟ قال عليه الصلاة والسلام " يا أبا رزين أما مررت بوادى قومك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا ؟ قلت : بلى قال صلى الله عليه وسلم" فكذلك يحيى الله الموتى "  مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ" يقول الله تعالى من كان يحب أن يكون عزيزا فى الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فانه يحصل له مقصوده لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعا كما قال تعالى " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا " وكما قال " ولا يحزنك قولهم ان العزة لله جميعا " وقال تعالى " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " وقال مجاهد " من كان يريد العزة " بعبادة الأوثان "فان العزة لله جميعا " وقال قتادة من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله عز وجل ،"إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ"يقول الله تعالى اليه يصعد الكلم الطيب يعنى الذكر والتلاوة والدعاء ، " وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ" قال ابن عباس الكلم الطيب ذكر الله تعالى يصعد به الى الله عز وجل والعمل الصالح أداء الفريضة فمن ذكر الله فى أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى يصعد به الى الله عزوجل وقال اياس بن معاوية القاضى لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام وقال الحسن لا يقبل قول الا بعمل ،" وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّئَِّاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيد" قال مجاهد وغيره الذين يمكرون السيئات هم المراؤن بأعمالهم يعنى يمكرون بالناس يوهمون أنهم فى طاعة الله تعالى وهم بغضاء الى الله عزوجل يراؤن بأعمالهم والصحيح أن الآية عامة والمشركون داخلون بطريق الأولى هم يستحقون العذاب الشديد من الله تعالى ،"وَمَكۡرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ " وتدبيرهم وعملهم السىء يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولى الأبصار والبصائر والنهى فانه ما أسر أحد سرية الا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه وما أسر أحد سرية الا كساه الله تعالى رجاءها ان خيرا فخير وان شرا فشر فالمرائى لا يروج أمره ويستمر الا على غبى أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم بل ينكشف لهم عن قريب وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية ، " وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَة" الله ابتدأ خلق أبيكم آدم من تراب ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين،" ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗا" ومن رحمة الله ولطفه أن جعل لكم أيها البشر أزواجا لتسكنوا اليها وجعلكم ذكرا وأنثى ، " وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِ" الله عالم بما فى الأرحام من خلقه فكل حمل تحمله أنثى هو أعلم به ولا يخلق مخلوق ولا يولد الا بأمره المقدركما فى قوله " ما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين "  ، " وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍ"قال ابن عباس ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة الا هو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك له فانما ينتهى الى الكتاب الذى قدرت لا يزاد عليه ، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة يبالغ العمر ولكن ينتهى الى الكتاب الذى كتبته له كل ذلك فى كتاب عنده وقال مجاهد " وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ" قال فى بطن أمه يكتب له ذلك لم يخلق الخلق على عمر واحد بل لهذا عمر ولهذا عمر هو أنقص من عمره فكل ذلك مكتوب لصاحبه بالغ ما بلغ وقال بعضهم " وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّر" أى ما يكتب من الأجل  " وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِ "  وهوذهابه قليلا قليلا الجميع معلوم عند الله تعالى سنة بعد سنة وشهرا بعد شهر وساعة بعد ساعة الجميع مكتوب عند الله تعالى فى كتابه ، "  إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير " كل ذلك سهل على الله يسير لديه علم بذلك وبتفصيله فى جميع مخلوقاته فان علمه شامل للجميع لا يخفى عليه شىء منها .  

وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٢

" وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَات" سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ " يقول الله تعالى منبها على قدرته العظيمة فى خلقه الأشياء المختلفة خلق البحرين العذب الزلال وهو هذه الأنهار السارحة بين الناس فى الأقاليم والأمصار وهى عذبة سائغ شرابها ، " وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاج" وخلق الله كذلك ما هو مالح أجاج أى مر وهو البحر ومياهه مالحة زعافا مرة ،"  وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا " يستخرج من الأنهار والبحار من المياه العذبة والمالحة السمك والكائنات البحرية التى تصلح للأكل ، " وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَا" ويستخرج منها الحلى من اللؤلؤ والمرجان كما قال " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان "، "وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ" من آيات قدرة الله تعالى السفن التى تمخر البحر وتشقه بحيزومها وهومقدمها ،"  لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِ" تبتغوا من فضل الله من خلال الأسفار بالتجارة من قطر الى قطر ،" وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ " أفاض الله على عباده من نعمه حتى يكونوا شاكرين له ولفضله عليهم ولكنه استخدم لفظ لعل للتقليل لأن معظم البشر لا يتوجه بالشكر على النعمة الى الله أو لا يفعل ما يكفى ليوفى الشكر لله فالله منحكم كل ذلك لكى تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم وهو البحر تتصرفون فيه كيف شئتم وتذهبون أين أردتم ولا يمتنع عليكم منه شىء بل بقدرته قد سخر لكم مافى السموات والأرض الجميع من فضله .

يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ١٣ إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ ١٤ ۞

" يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ " يتحدث الله تعالى عن قدرته التامة وسلطانه العظيم فى تسخيره الليل بظلامه والنهار بضيائه ويأخذ من طول هذا فيزيده فى قصر هذا فيعتدلان ثم يأخذ من هذا فيطول هذا ويقصر هذا ثم يتقارضان صيفا وشتاءا ، " وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ" والله منقدرته تسخير الشمس والقمر لتستمر الحياة على الأرض الجميع يسيرون بمقدار معين وعلى منهاج مقنن محرر تقديرا من عزيز عليم وكل يستمر فى حركته فى الكون الى يوم القيامة ، "ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ " الذى فعل هذا هو الرب العظيم الذى لا اله غيره ، " لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِ" الذى فعل كل هذا هو الله الرب العظيم الذى لا اله غيره والذين تتخذونه من دونه من الأصنام والأنداد التى هى على صورة من تزعمون من الملائكة المقربين ، " مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ " القطمير هو اللفافة التى تكون على نواة التمرة هؤلاء الذين تدعون لا يملكون من السموات والأرض شيئا ولا بمقدار هذا القطمير ،"إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ" الآلهة التى تدعونها من دون الله لا تسمع دعاءكم لأنها جماد لا أرواح فيها ، " وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡ" ولو استطاعوا السمع فهم لايقدرون على شىء مما تطلبون منها ،"وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ" ويوم القيامة يتبرءونمنكم كما قال تعالى " ومن أضل ممن يدعو مندون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * واذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " وقال تعالى " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونوا عليهم ضدا " ، "وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِير " ولا يخبرك بعواقب الأمور ومآلها وما تصير اليه مثل خبير بها قال قتادة يعنى نفسه تبارك وتعالى فانه أخبر بالواقع لا محالة .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ١٥ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ ١٦ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ ١٧ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ١٨

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ"يخبر الله تعالى بغنائه عما سواه وبافتقار المخلوقات كلها اليه وتذللها بين يديه ، " وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ "والله وحده هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له وهو الحميد فى جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه ، " إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيد"يقول الله تعالى لعباده أنه لو شاء لأذهبكم ، "   وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيز"وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع ، " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ" أى يوم القيامة يوم الحساب كل مسؤول أمام الله عما فعل ، "وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا " وان تدع نفس مثقلة بأوزارها الى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه ، " لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓ" لا يمكن أن تساعد فى ذلك وان كان قريبا اليها حتى ولو كان أباها أو ابنها كل مشغول بنفسه وحاله كما يقول تعالى " لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا" ويقول تعالى " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " ، "إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ  وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ"يقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم انما يتعظ بما جئت به أولوا البصائر والنهى الخائفون من ربهم الفاعلون ما أمرهم به ، " وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦ" ومن عمل صالحا فانما يعود نفعه على نفسه ، "  وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ " زالى الله المرجع والمآب وهو سريع الحساب وسيجزى كل عامل بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر .

وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ ١٩ وَلَا ٱلظُّلُمَٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ ٢٠ وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلۡحَرُورُ ٢١ وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ ٢٢ إِنۡ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ٢٣ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ ٢٤ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ ٢٥ ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ ٢٦

ضرب الله مثلا ليوضح الفرق بين المؤمنين والكافرين " وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ " يقول الله تعالى كما لا تستوى هذه الأشياء المتباينة المختلفة حيث لا يستوى الأعمى الذى لا يبصر والبصير الذى يتمتع بنعمة البصر وكذلك ممكن أن يكون المقصود بالبصر هو بصيرة القلوب التى تدرك الحق والباطل والعمى المقصود به الكفر وعمى القلوب فانه لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ، " وَلَا ٱلظُّلُمَٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ " كذلك لا يستوى النور والظلام ويمكن أن يكون المقصود هو نور الايمان والظلام هو الكفر والضلال ، "وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلۡحَرُورُ" وأيضا لا يستوى الظل الذى يكون بردا وسلاما على النفس والحر القائظ التى تكتوى به الابدان كذلك الايمان ينزل على النفوس بردا وسلاما والكفر تكتوى به الأنفس ،" وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُ" كذلك لا تستوى الأحياء والأموات الحياة هى حياة القلوب العامرة بالايمان والموت هو الكفر وموات القلوب وبعدها عن الله فالصور هنا حسية ومعنوية فالمؤمن بصير سميع فى نور يمشى على صراط مستقيم فى الدنيا والآخرة حتى يستقر به الحال فى الجنات ذات الظلال والعيون والكافر أعمى وأصم فى ظلمات يمشى لا خروج له منها بل هو يتيه فى غيه وضلاله فى الدنيا والآخرة حتى يفضى به ذلك الى الحرور والسموم والحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم كما قال تعالى " مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا " ،" إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُ" الله وحده هو الذى يهديهم الى سماء الحجة وقبولها والانقياد لها ،" وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ " كما لاينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم الى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة اليها كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم ولا تستطيع هدايتهم ،" إِنۡ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ " انت مجرد رسول من عند الله منذر لهم من عذاب أليم فى نار جهنم يوم القيامة كما قال تعالى " انما أنت منذر ولكل قوم هاد "  ،"  إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۚ"يقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه أرسله بالرسالة ليكون بشيرا للمؤمنين بالجنة والجزاء الحسن ونذيرا للكافرين من عذاب الله فى جهنم جزاء كفرهم ، " وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير" وما من أمة قد خلت ورحلت من بنى آدم الا وقد بعث الله تعالى اليهم النذر وأزاح عنهم العلل التى يمكن أن يحتجوا بها فى كفرهم كما قال تعالى " ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة " والآيات فى هذا كثيرة ، " وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ " يسرى الله تعالى عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعد تكذيب الكفار له فيقول له أنك ان كذبت من جانب هؤلاء المشركين فان من كان قبلك من الرسل قد كذبوا وقد جاءوا قومهم بالمعجزات الباهرات والأدلات القاطعات على صدق رسالتهم وبالزبر أى الكتب المنزلة من عند الله والكتاب أى والتنزيل الواضح البين من عند الله ومع هذا كله كذب أولئك القوم رسلهم فيماجاءوا به ، " ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا" كان عاقبة هؤلاء المكذبون أن الله أخذهم بالعقاب والنكال وهذا تحذير للمشركين من أهل مكة ، " فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ " يذكر الله تعالى بقوة عقابه وبطشه الشديد وكيف حل وكان شديد منكرا ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم كيف رأيت انكارى على الكفار من قبل عظيما شديدا بليغا .  

أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ ٢٧ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ٢٨

" أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ" يقول الله تعالى منبها على كمال قدرته فى خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشىء الواحد وهو الماء الذى ينزله من السماء يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض وغير ذلك من ألوان الثمار كما هومشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها كما قال تعالى فى آية أخرى " وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأكل ان فى ذلك لآيات لقوم يعقلون " ،"  وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُود" قال عكرمة الغرابيب الجبال الطوال السود وقال ابن جرير ان العرب اذا وصفوا الأسود بكثرة السواد قالوا أسود غربيب ولهذا قال بعض المفسرين فى هذه الآية هذا من المقدم والمؤخر أى سود غرابيب  وخلق الله كذلك الجبال مختلفة الألوان منها الأبيض والأحمر والأسود شديد السواد ، " وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُ كَذَٰلِكَۗ " وكذلك هنا اختلاف فى الناس منهم الأبيض مثل الروم والأسود مثل البربر والأحباش والصقالبة ومن هم بين ذلك مثل العرب والهنود وغيرهم وكما فى الصين وغيرها كما قال تعالى " واختلاف ألسنتكم وألوانكم ان فى ذلك لآيات للعالمين "  والدواب كذلك وهو كل ما دب على القوائم وهى الحيوانات وغيرها والأنعام من باب عطف الخاص على العام مختلفة اللوان حتى فى الجنس الواحد بل النوع الواحد منهم مختلف الألوان بل الحيوان الواحد يكون أبلق فيه من هذا اللون وهذا اللون ، " إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ " قال سعيد بن جبير الخشية هى التى تحول بينك وبين معصية الله عز وجل وعنمالك قال :ان العلم ليسش بكثرة الرواية وانما العلم نور يجعله الله فى القلب  يقول الله تعالى انما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر والعلماء هم من يكتشفون قدرة الله فى خلقه ، " إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ " والله وحده هو المتفرد بالعزة والقدرة له الملك وهو على كل شىء قدير ولا عز الا له ولا عز بعده يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو الذى يعفو عن عباده ويقبل توبتهم ويغفر لهم ذنوبهم برحمته وعطفه ومنته .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩ لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ ٣٠

" إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَة"يخبر الله تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنون به ويعملون بما فيه من اقام الصلاة والانفاق مما رزقهم الله تعالى فى الأوقات المشروعة ليلا ونهارا وسرا وعلانية وهذا دليل على دوام الانفاق ،" يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ " فهم يفعلون ذلك يرجون الثواب الجزيل من عند الله والعلاقة المتصلة به التى لا ينقطع مادام هناك العمل الصالح ، " لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦ" وهذه هى التجارة مع الله التى فيها الحسنة بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف والله ينمى الصدقة لصاحبها ويزيدها له بزيادات لم تخطر له ، "  إِنَّهُۥ غَفُور" والله وحده هو الغفور لذنوبهم ، " شَكُور " وهو كثير الشكر للقليل من أعمالهم .

وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ هُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرُۢ بَصِيرٞ ٣١

" وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ هُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ" يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن ما أوحاه اليه من الكتاب وهو القرآن هو الحق من عنده ومصدقا لما تقدم من الكتب شهدا على صدقها والتى شهدت له ، " إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرُۢ بَصِير " والله هو الخبير بعباده بصير بمن يستحق ما يفضله به على من سواه ،ولهذا فضل الأنبياء والرسل على جميع البشر وفضل النبيين بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات وجعل منزلة محمد صلى الله عليه وسلم فوق جميعهم صلوات الله وسلامه عليهم .

ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ ٣٢

" ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَا" يقول الله تعالى ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم المصدق لما بين يديه من الكتب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الأمة ،وقد قسم الله تعالى القائمين بالكتاب العظيم من هذه الأمة ثلاثة أنواع " فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِ" الظالم لنفسه وهو المفرط فى فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات ، " وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِد" ومنهم المقتصد وهو المؤدى للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات ، " وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ" السابق بالخيرات هو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات ، قال ابن عباس الذين اصطفينا من عبادنا هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله فظالمهم يغفر له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب وقال ابن عباس كذلك السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قال الله تعالى " ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ" فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب وأما الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون فى طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب " ،" ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ " هذا كله تفضل من الله على هذه الأمة وهو فضل ونعمة كبيرة ولم يترك أحدا منهم الا أدخله الجنة .

جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ ٣٣ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ ٣٤ ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ ٣٥

"جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِير" يخبر الله تعالى أن هؤلاء المصطفين من عباده الذين أورثوا الكتاب المنزل من رب العالمين يوم القيامة مأواهم جنات عدن أى جنات الاقامة يدخلونها يوم معادهم وقدومهم على الله عز وجل ينعمون فيها بما كان محرما عليهم فى الدنيا أحله الله لهم فى الآخرة من الذكور وهو كان محلل فقط للنساء ولكن ماهو فى الآخرة مشترك فقط فى المسمى ولكن مافى الجنة لا عين رأت ولاأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ينعمون بالحلى من الذهب واللؤلؤ واللباس من الحرير وما كان محظورا عليهم فى الدنيا أجابه الله تعالى لهم فى الآخرة وثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة " وثبت فى الحديث عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " ، " وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَ" الحزن هو الخوف من المحذور ويوم القيامة يتوجه الذين أورثوا الكتاب الى ربهم بالحمد حيث أزاح عنهم وأراحهم من الخوف من المحذور الذى كانوا يتخوفونه ويحذرونه من هموم الدنيا والآخرة وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس على أهل لا اله الا الله وحشة فى قبورهم ولا فى نشورهم وكأنى بأهل لا اله الا الله ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن " ،"إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ" والله ربنا هو واسع المغفرة وحده الذى تقبل منا التوبة من ذنوبنا وغفر لنا وهو المستحق للشكر على ما أنعم به علينا ،" ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِ" والله هوالذى أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله ومنة منه ورحمة منه لم تكن أعمالنا تساوى ذلك كما ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يارسول الله ؟ قال " ولا أنا الا أن يتغمدنى الله تعالى برحمة منه وفضل " ، " لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوب " النصب هوالتعب والعناء واللغوب هو الاعياء الشديد والنصب واللغوب كل منهما يستعمل فى التعب كأن المراد بنفى هذا وهذا عنهم أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم فهم فى راحة جسدية ونفسية فمن ذلك أنهم كانوا يدئبون أنفسهم فى العبادة فى الدنيا فسقط عنهم التكليف بدخولها وصاروا فى راحة دائمة مستمرة كما قال تعالى " وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية " .

وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ ٣٦ وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَ لَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ٣٧

"وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَا" لما ذكر الله تبارك وتعالى حال السعداء شرع فى بيان مآل الأشقياء فهم في جهنم خالدون مخلدون وهم فى حالهم يرون موتهم راحة لهم ولكن لا سبيل الى ذلك فهم لا يخفف عنهم العذاب ولا يقضى عليهم بالموت كما قال تعالى " ان المجرمين فى عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون " وقال تعالى " كلما خبت زدناهم سعيرا " وقوله " فذوقوا فلن نذيدكم الا عذابا " ، " كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُور" يقول الله تعالى هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب الحق ، " وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا " والكفار فى نار جهنم ينادون فيها ويجأرون الى الله عزوجل بأصواتهم ، " رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَل" يسألون الله الرجعة الى الدنيا ليعملوا غير عملهم الأول وقد علم الله جل جلاله أنه لو ردهم الى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون فلهذا لا يجيبهم الى سؤالهم كما قال تعالى مخبرا عنهم فى قولهم " فهل الى مرد من سبيل * ذلكم بأنه اذا دعى الله وحده كفرتم وان يشرك به تؤمنوا " أى لا يجيبكم الى ذلك لأنكم كنتم كذلك ولو رددتم لعدتم الى ما نهيتم عنه ولهذا قال تعالى " أَوَ لَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ" أى أو ما عشتم فى الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به فى مدة عمركم وقال ابن عباس : العمر الذى أعذر الله تعالى لابن آدم أربعون سنة وعن على رضى الله عنه قال العمر الذى عيرهم الله به فى هذه الآية ستون سنة وعن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اذا كان يوم القيامة قيل أين أبناء الستين " وهو العمر الذى قال فيه تعالى " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعمار أمتى ما بين الستين الى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك" ،  "وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ" قال السدى يعنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله " هذا نذير من النذر الأولى " وقال تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "  ، "فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ" يقول الله تعالى للكفار وهم فى جهنم ذوقوا عذاب النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء فى مدة أعماركم فما لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال والأغلال .

إِنَّ ٱللَّهَ عَٰلِمُ غَيۡبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٣٨ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ إِلَّا مَقۡتٗاۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ إِلَّا خَسَارٗا ٣٩

" إِنَّ ٱللَّهَ عَٰلِمُ غَيۡبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ " يخبر الله تعالى بعلمه غيب السموات والأرض وأنه يعلم ما تكنه السرائر وما تنطوى عليه الضمائر ، " هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ" يخبر الله تعالى بنى آدم أنه جعلهم فى الأرض أجيالا جيل يخلف جيل وأقوام يخلفون من قبلهم كما قال تعالى "ويجعلكم خلفاء الأرض " ، "  فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُ" يخبر الله تعالى أنه سيجازى كل عامل بعمله ومن كفر فسوف يجازى بكفره ، " وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ إِلَّا مَقۡتٗا وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ إِلَّا خَسَارٗا" ويقول الله تعالى أن الكافرين كلما استمروا على كفرهم أبغضهم الله تعالى وكلما استمروا فى الكفر خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بخلاف المؤمنين فانهم  كلما طال عمر أحدهم وحسن عمله ارتفعت درجته ومنزلته فى الجنة وزاد أجره وأحبه خالقه وبارئه رب العالمين .

قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا ٤٠ ۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا ٤١

" قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين هل فكرتم وتدبرتم فيمن عبدتم من دون الله من الأصنام والأنداد ، " أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ " يقول الله موبخا لهم هل هؤلاء خلقوا شيئا فى السموات والأرض وهل لهم شىء فى السماء والرد أنه ليس لهم شىء من ذلك وما يملكون من قطمير ، " أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُ" يوبخ الله المشركين على ما هم عليه من الشرك فيقول هل أنزلنا عليهم كتابا بما يقولونه من الشرك والكفر والرد أن الأمرليس كذلك ،" بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا "يقول الله تعالى ردا على ما وجه للمشركين من أسئلة انما اتبعوا فيما هم فيه من الشرك أهواءهم وآراءهم وأمانيهم التى تمنوها لأنفسهم وهى غرور وباطل وزور،"إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ " يرد الله على المشركين بابراز قدرته فى الكون التى تدل على أنه الاله القادر المتفرد بالالوهية المستحق العبادة  فهو الذى بيده استمرار السموات والأرض بما جعل فيهما من القوة الماسكة التى تحفظ بقاءهما وتمنعهما أن تضطربا عن أماكنهما كما قال تعالى " ويمسك السماء أن تقع على الأرض الا ياذنه " وقال تعالى "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره " ، "وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦ" لا يقدر على دوام السموات والأرض وابقائهما الا الله وحده فلا يستطيع أحد أن يفعل من ذلك من شىء ، " إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا " والله مع كل ما يحدث من العباد فهو يكلأهم بحلمه ومغفرته اذا تابوا ورجعوا اليه فهو حليم غفور أن يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه وهو يحلم فيؤخر وينظر ويؤجل العذاب ولا يعجل ويستر آخرين ويغفر لآخرين وثبت فى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله تعالى لا ينام ولا ينبغى له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ويرفع اليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل ، حجابه النور أو النار لوكشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه " .

وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا ٤٢ ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا ٤٣

"وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِ" يخبر الله تعالى عن قريش والعرب أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم قبل ارسال الرسول صلى الله عليه وسلم اليهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من احدى الأمم أى من جميع الأمم الذين أرسل اليهم الرسل وهذا كقوله تعالى " أن تقولوا أنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها " فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِير" ويقول الله تعالى لهؤلاء المشركين لما ارسل اليهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو النذير لهم من عذاب يوم القيامة بما أنزل معه من الكتاب العظيم وهو القرآن المبين ، " مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا" هؤلاء المشركين ما ازدادوا الا كفرا الى كفرهم ، " ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ " فهم قد استكبروا عن اتباع آيات الله ، " وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ " ومكروا بالناس أن صدوهم عن سبيل الله ،" وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦ" وهذا الذى فعلوه من المكر السيىء ما يعود وباله الا عليهم أنفسهم دون غيرهم وعن أبى زكريا الكوفى عن رجل حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اياك ومكر السىء فانه لا يحيق المكر السىء الا بأهله ولهم من الله طالب " ، " فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَ" يقول الله موبخا للمشركين ألا يفكرون ويتدبرون وينظرون فيما وقع لمن قبلهم من عقوبة لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره ،"وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا " وهذه سنة الله فى الكون التى لن تجد لها تغيرا أو تحولا ولا تبدل بل هى جارية كذلك فى كل مكذب كما قال تعالى " واذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له " .

أَوَ لَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا ٤٤ وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا ٤٥

" أَوَ لَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ" يقول الله تعالى قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به من الرسالة سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة ونهاية الذين كذبوا الرسل كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها فخلت منهم منازلهم وسلبوا ما كانوا فيه من النعيم بعد كمال القوة وكثرة العدد والعدد وكثرة العدد وكثرة الأموال والأولاد فما أغنى ذلك شيئا ولا دفع عنهم من عذاب الله من شىء لما جاء أمر ربك ، " إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا " والله تعالى لا يعجزه شىء اذا أراد كونه فى السموات والأرض فهو عليم بجميع الكائنات القدير على مجموعها ، "وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّة " يقول الله تعالى لو حاسب الناس وأخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك جميع أهل السموات والأرض وما يملكونه من دواب وأرزاق وقال سعيد بن جبير والسدى أى لما سقاهم المطر فماتت جميع الدواب ،" وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى " الله سبحانه وتعالى ينظر الناس أى يمهلهم الى يوم القيامة ، " فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا " اذا جاء يوم القيامة وهو الأجل الذى سماه الله لعباده  فيحاسبهم يومئذ ويوفى كل عامل بعمله فيجازى بالثواب أهل الطاعة وبالعقاب أهل المعصية فهو بصير مراقب لجميع حركاتهم وسكناتهم .

الجزء الثانى والعشرين

تفسير سورة يس

سورة يس مكية ولها فضل كبير فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ يس فى ليلة أصبح مغفورا له ، ومن قرأ حم التى يذكر فيها الدخان أصبح مغفورا له " اسناده جيد وعن جندب بن عبد الله رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ يس فى ليلة ابيتغاء وجه الله عز وجل غفر له " وعن معقل بن يسار رضى الله عنه قال "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية ثمانون ملكا ، واستخرجت "الله لا اله الا هو الحى القيوم " من تحت العرش فوصلت بها - أو فوصلت بسورة البقرة - ويس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله تعالى والدار الآخرة الا غفر له واقرءوها على موتاكم " وعن معقل بن يسار رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرءوها على موتاكم يعنى يس " ولهذا قال بعض العلماء من خصائص هذه السورة أنها لا تقرا عند أمر عسير الا يسره الله تعالى ، وكأن قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة وليسهل خروج الروح وعن ابن عباس قال قال النبى صلى الله عليه وسلم " لوددت أنها فى قلب كل انسان من أمتى " يعنى يس .

يسٓ ١ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٣ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٤ تَنزِيلَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ٥ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ ٦ لَقَدۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَىٰٓ أَكۡثَرِهِمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٧

" يسٓ " اختلف فيها فقيل هى حروف مقطعة وقد جاء الحديث عن الحروف المقطعة فى أوائل السور فى سورة البقرة ، وروى عن ابن عباس وعكرمة والضحاك وغيرهم أن يس بمعن يا انسان ، وقال سعيد بنجبير هو كذلك فى لغة الحبشة ، وقال مالك عن زيد بن أسلم هم اسم من أسماء الله تعالى ،" وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِيمِ " القرآن المحكم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،" إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " يتحدث الله الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبى مرسل ، " عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم وأنه على منهج ودين قويم وشرع مستقيم ، "  تَنزِيلَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ " هذا الصراط والمنهج والدين الذىجئت به تنزيل من رب العزة الرحيم بعباده المؤمنين كما قال تعالى " وانك لتهدى الى صراط مستقيم صراط الله الذى له مافى السموات وما فى الأرض ألا الى الله تصير الأمور " ، " لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ " يعنى الله تعالى بالقوم العرب فانه ما أتاهم من نذير من قبله وذكرهم وحدهم لا ينفى من عداهم كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفى العموم وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المتواترة فى عموم بعثته صلى الله عليه وسلم كما فى قوله  تعالى " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " ،"  لَقَدۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَىٰٓ أَكۡثَرِهِمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ " قال ابن جرير لقد وجب العذاب على أكثرهم أى أكثر الناس بأن الله قد ختم عليهم فى أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله ولا يصدقون رسله ، وهذا هو الواقع الذى نعيشه ، فمعظم العالم على كفر وعلى ملل منهم الملحد الكافر ومنهم من يعبد الأصنام كما فى الهند وغيرها ومنهم من على عقائد محرفة من أهل الكتاب وهم أقلهم كفرا .

إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ ٨ وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ ٩ وَسَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ١٠ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةٖ وَأَجۡرٖ كَرِيمٍ ١١ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ ١٢

 "إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ " المقمح هو الرافع راسه فيقول الله تعالى انا جعلنا هؤلاء المختوم عليهم بالشقاء نسبتهم الى الوصول الى الهدى كنسبة من جعل فى عنقه غل فجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه فارتفع رأسه فصار مقمحا واكتفى بذكر الغل فى العنق عن ذكر اليدين وان كانتا مرادتين لما كان الغل انما يعرف فيما جمع اليدين مع العنق اكتفى بذكر العنق عن اليدين وهذا كقوله تعالى " ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك " يعنى بذلك أن أيديهم موثقة الى أعناقهم لا يستطيعون أن يبسطوها بخير وقال مجاهد "فهم مقمحون " قال رافعى رءوسهم وأيديهم موضوعة على أفواههم فهم مغلولون عن كل خير ، " وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا " وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا" السد هو الحاجز والمانع قال مجاهد أن الله جعل من بين أيديهم وكذلك من خلفهم أى محاطون ممنوعون بمانع وحاجز يمنعهم عن الحق ،" فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ " الغشاوة هى الغطاء أى أغشينا أبصارهم عن الحق أى عميت عنه وبعدت فهى بعيدة عنه لا تبصره فهم لا ينتفعون بخير ولا يهتدون اليه وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : جعل الله تعالى هذا السد بينهم وبين الاسلام والايمان فهم لا يخلصون اليه وقرأ " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولوجاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" وقال عكرمة أن أبوجهل قال لئن رأيت محمدا لأفعلن ولأفعلن فأنزل الله الاية وقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية على الكفار وحثى على رؤسهم التراب عندما خرج من داره فى الهجرة وهم نائمون أمام الباب وقد أخذ الله على أعينهم دونه فجعل يذرها على رءوسهم ويقرا هذه الآيات من سورة يس وانطلق الى حاجته وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار فقال ما لكم ؟ قالوا ننتظر محمدا قال وقد خرج عليكم فما بقى منك من رجل الا وضع على رأسه ترابا ثم ذهب لحاجته ، فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب ، "  وَسَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ " يقول الله تعالى أنه ختم على قلوب الكفار بالضلالة فما يفيد معهم الانذار ولا يتأثرون به كما قال تعالى " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" ، "  إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ" انما ينتفع بانذارك المؤمنون الذين يتبعون الذكر وهو القرآن العظيم ،" وَخَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ" يعقب الله عن من اتبع القرآن وهو المؤمن أنه من خشى الله الرحمن حيث لايراه أحد الا الله تبارك وتعالى يعلم أن الله مطلع عليه وعالم بما يفعل ، "فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةٖ وَأَجۡرٖ كَرِيمٍ " يخبر الله تعالى أن من فعل ذلك فان له البشرى بمغفرة ذنوبه وأن له أجر من الله واسع كثير حسن جميل كما قال تعالى " ان الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير " ، " إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ " يخبر الله تعالى عن العث واحياء الموتى يوم القيامة أو أن الله تعالى يحبى قلب من يشاء من الكفار الذين ماتت قلوبهم بالضلالة فيهديهم بعدموتها الى الحق ،" وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ " والله يسجل ما قدم عباده من الأعمال ، " وَءَاثَٰرَهُمۡ" وهذا فيه قولان أحدهما نكتب أعمالهم التى باشروها بأنفسهم وآثارهم التى آثاروها من بعدهم فنجزيهم على ذلك أيضا ان خيرا فخير وان شرا فشر كقوله صلى الله عليه وسلم  "من سن فى الاسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء ، ومن سن فى الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : من علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية من بعده " وعن سعيد بن جبير قال يعنى ما آثروا أى ما سنوا من سنة فعمل بها قوم من بعد موتهم فان كانت خيرا فلهم مثل أجورهم لا ينقص من أجر من عمل به شيئا ، وان كانت شرا فعليهم مثل أوزارهم ولا ينقص من أوزار من عمل بها شيئا والقول الثانى هو أن المراد بذلك آثار خطاهم الى الطاعة أو المعصية وقال قتادة يعنى خطاهم وقال لو كان الله عز وجل مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفى الرياح من هذه الآثار ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى أو من معصيته ، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره فى طاعة الله فليفعل وعن أبى سعيد رضى الله عنه قال " ان بنى سلمة شكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد فنزلت " ونكتب ما قدموا وآثارهم " فأقاموا فى مكانهم وقال أبن عباس كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد فأرادوا أن يتحولوا الى المسجد فنزلت " ونكتب ما قدموا وآثارهم " فثبتوا فى منازلهم ، "  وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِين" يقول الله تعالى جميع الكائنات مكتوب فى كتاب مسطور ومضبوط فى لوح محفوظ والامام المبين هنا هو أم الكتاب كما فى قوله تعالى " يوم ندعو كل أناس بامامهم " أى بكتاب أعمالهم الشاهد عليهم بما عملوا من خير أو شر كما قال تعالى " ووضع الكتاب وجىء بالنبيين والشهداء " وكما قال تعالى " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغير ولا كبيرة الا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " .

 وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ ١٣ إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ ١٤ قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ ١٥ قَالُواْ رَبُّنَا يَعۡلَمُ إِنَّآ إِلَيۡكُمۡ لَمُرۡسَلُونَ ١٦ وَمَا عَلَيۡنَآ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ١٧

يتحدث الله تعالى عن القرية التى جاءها المرسلون من عنده لهدايتها فكذبتهم وكان عاقبتها الهلاك ، وقيل عن اسمها أنها أنطاكية ولكن ما يهمنا هنا هو أحداث القصة نفسها وليس الأسماء أو المسميات "وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ " يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم اضرب لقومك الذين كذبوك هذا المثل للقرية التى أرسل اليها المرسلون ، " إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا " أرسل الله اليها رسولين فبادراهما بالتكذيب لما أرسلوا به من عند الله ، " فَعَزَّزۡنَا بِثَالِث" شدد الله أزر الرسولين وقواهما برسول ثالث ، " فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ " قال الرسل لأهل هذه القرية انا مرسلون اليكم من ربكم الذى خلقكم ويأمركم بعبادته وحده لا شريك له ، " قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا " كان رد أهل القريةعلى الرسل أنتم بشر مثلنا فكيف أوحى اليكم فأنتم بشر ونحن بشر فلم لا أوحى الينا مثلكم ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة وهذه شبهة كثير من الأمم المكذبة كما قال الله تعالى " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا " أى استعجبوا من ذلك وأنكروه وكقوله " قالو ان أنتم الا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين "وكقوله تعالى " وما منع الناس أن يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا " ،" وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ " اتهموا الرسل بالكذب وأن الله لم ينزل لهم شىء ،" قَالُواْ رَبُّنَا يَعۡلَمُ إِنَّآ إِلَيۡكُمۡ لَمُرۡسَلُونَ " أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين الله يعلم أنا رسله اليكم ولو كنا كذبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار وهذا كقوله تعالى " قل كفى بالله بينى وبينكم شهيدا يعلم ما فى السموات وما فى الأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون " ، "  وَمَا عَلَيۡنَآ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ" يقول المرسلون لمن كذبوهم انما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به اليكم فاذا أطعتم كانت لكم السعادة فى الدنيا والأخرى وان لم تجيبوا فستعلمون غب ذلك .

قَالُوٓاْ إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُمۡۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهُواْ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ ١٨ قَالُواْ طَٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ ١٩

" قَالُوٓاْ إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُم" رد أهل القرية على الرسل وقالوا لهم لم نر على وجوهكم خيرا فى عيشنا وقال قتادة يقولون ان أصابنا شر فانما من أجلكم وقال مجاهد قالوا لهم لم يدخل مثلكم الى قرية الا عذب أهلها كما قال تعالى فى قوم فرعون" فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا انما طائرهم عند الله " وكما قال قوم صالح " اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله " ، " لَئِن لَّمۡ تَنتَهُواْ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ " هدد أهل القرية المرسلين لئن لم يرجعوا عن دعوتهم الى دين الله بالرجم بالحجارة ، "  وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم"وهددوا الرسل بالعذاب الشديد والعقوبة لأن لم يرجعوا عما هم فيه من الدعوة الى الله ، " قَالُواْ طَٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ " قالت الرسل لهم أن هذا الذى تهددون به مردود عليكم ، "أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ " رد المرسلون على من هددوهم بقولهم من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله واخلاص العبادة له قابلتمونا بهذا الكلام وتوعدتمونا وتهددتمونا بل أنت قوم مسرفون أى متمادون فى الكفر والعصيان .

وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٢٠ ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسَۡٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ ٢١ وَمَا لِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٢٢ ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً إِن يُرِدۡنِ ٱلرَّحۡمَٰنُ بِضُرّٖ لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّيٓ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّيٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ ٢٥

" وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " قال ابن عباس وغيره أن أهل القرية هموا بقتل رسلهم فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى أى لينصرهم من قومه وقد ذكرت أسماء لهولكن لا يهمنا ذكر الأسماء كما فى كل القصص القرآنى فهو للعبرة والعظة يحض قومه على اتباع الرسل الذين أتوهم ، " ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسَۡٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ " وهؤلاء الرسل لا يطلبون منهم أجرا على ابلاغ الرسالة وهم على هدى فيما يدعونكم اليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، " وَمَا لِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " وقال هذا الرجل كذلك متحدثا عن نفسه ما يمنعنى أى ليس هناك ما يمنعنى من اخلاص العبادة لله الذى خلقنى وحده لا شريك له والذى اليه يوم المعاد فيجازيكم على أعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر ، " ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً " هذا استفهام  انكار وتوبيخ وتقريع كيف أتخذ من دون الله آلهة ، " إِن يُرِدۡنِ ٱلرَّحۡمَٰنُ بِضُرّٖ لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ " هذه الآلهة التى تعبدونها من دون الله لا يملكون من الأمر شيئا فان الله تعالى اذا أرادنى بسوء فان هذه الأصنام لا تملك دفع ذلك ولا منعه ولا ينقذوننى مما أنا فيه ، " إِنِّيٓ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ " وان اتخذت هذه الآلهة من دون الله فانى فى ضلال واضح بين ، " إِنِّيٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ " وقال لهم هذا الرجل معلنا ايمانه أنى آمنت بربكم الذى كفرتم به فاسمعون أى فاسمعوا قولى ويحتمل أن يكون خطابه للرسل أنى آمنت بربكم الذى أرسلكم فاشهدوا لى بذلك عنده وقال ابن جرير وآخرون بل خاطب بذلك الرسل وقال لهم اسمعوا قولى لتشهدوا لى بما أقول لكم عند ربى انى آمنت بربكم واتبعتكم وقال ابن عباس وغيره فلما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يكن أحد يمنع عنه .

قِيلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّةَۖ قَالَ يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ ٢٧ ۞

" قِيلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّةَۖ قَالَ يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ " قال الله له أدخل الجنة فدخلها فهو يرزق فيها قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها ولما رأى هذا الثواب من الله تمنى أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله تعالى له ، وقال أبو مجلز أنه قال بايمانى بربى وتصديق المرسلين أكرمنى ربى ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل لى من الثواب والجزاء والنعيم المقيم لقادهم ذلك الى اتباع الرسل فقد كان حريصا على هداية قومه .  

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...