6- ) دراسات تاريخية
لماذا تنهض شعوب وتتخلف أخرى ؟
نشوء واختفاء الحضارات .
الدولة العثمانية
العثمانيون
كانت دولة خوارزم فى بلاد ماوراء النهر أول دولة سقكت فى
أيدى المغول سنة 617 هجرية / 1220 ميلادية ) واندفع المغول الى غربى آسيا وكانت
هناك ممالك ضعيفة جرفها السيل المغولى وكان فيمن فر " سلمان " جد عثمان
مؤسس الدولة العثمانية فنزح بعشيرته من خراسان التى كانوا قد هاجروا اليها منذ أمد
بعيد من اواسط آسيا واتجه الى الغرب وانتهى به المطاف فى أرمينية على ضفاف الفرات
سنة 621 هجرية / 1224 ميلادية ، بعد سنوات
قليلة بلغه خبر موت جنكيز خان فرغب فى العودة بقومه الى خراسان وسار بحذاء الفرات
متجها الى بلاد الشام لكنه لقى حتفه أثناء عبور النهر سنة 628 هجرية / 1231 ميلادية ) فانقسم أتباع سليمان الى جماعتين الأولى
الأكثر عددا اتجهت الى خراسان أم الأخرى بقيادة أرطغرل بن سليمات فقد عزمت على أن
تستوطن آسيا الصغرى ( تركيا ) ، وعندما وصل أرطغرل الى حدود سلطنة سلاجقة الروم
وقع بصره على جيشين يتحاربان دون أن يكون له سابقة بمعرفتهما فدفعته الشهامة الى
الوقوف مع أضعفهما حتى تم له النصر ،وتبين لأرطغرل بعد ذلك أنه ساند جيش علاء
الدين سلطان سلاجقة الروم ضد المغول فابتهج لأنه انتصر لقوم تربطه بهم روابط الدم ن
واعترافا من علاء الدين بالخدمة التى أداها له أرطغرل منحه اقليم فى غرب آسيا الصغرى على مقربة من
حدود الدولة البيزنطية .
قيام الدولة العثمانية
بعدوفاة أرطغرل
سنة 680 هجرية / 1281 ميلادية ) خلفه ابنه عثمان الذى يعتبر المؤسس الحقيقى للدولة
العثمانية ، اذ استغل فرصة ضعف دولة سلاجقة الروم ووفاة سلطانها سنة 707 هجرية /
1307 ميلادية ) وأخذ يتوسع بسرعة على حساب الامارات التركية والدولة البيزنطية
واتخذ ينى شهر ( المدينة الجديدة ) عاصمة له ، وكان ذلك فى بداية الدولة العثمانية
، وبعد وفاة عثمانخلفه على عرش السلطنة ابنه أورخان ( 726 هجرية / 1326 ميلادية )
واستولى على نيقوميديا وعلى مدينة نيقية التى تلى القسطنطينية فى الأهمية وبذلك
سيطر أورخان على كل الشمال الغربى من آسيا الصغرى ولم يعد يفصله عن أوروبا غير بحر
مرمرة الأمر الذى أثار الفزع فى أوروبا وخاصة البابوية ،وعبر العثمانيون بقيادة
أورخان البحر الى الشاطىء الأوروبى واستولوا على غاليبولى سنة 755 هجرية / 1354
ميلادية ) ومضت جيوش الدولة العثمانية حتى بلغت مشارف عاصمة النمسا فى أواسط
أوروبا فكانت الدولة العثمانية أول دولة اسلامية تصل بقواتها الى هناك وتقوم بنشر
الاسلام بها ، ومنذ أن اعتلى محمد الثانى عرش الدولة العثمانية فى 18 فبراير سنة
1451 م قرراخضاع مدينة القسطنطينية عاصمة الامبراطورية البيزنطية واستطاع تدمير كل
القرى المجاورة ففقدت السيطرة والاتصال يالمناطق المجاورة فى 6 ابريل سنة 1453 م
واقترب العثمانيون من أسوار القسطنطينية وحاصروها وشارك فى الدفاع عنها مسيحيو
أوروبا من روسياوأسبانيا وجنوة وسقطت القسطنطينية فى يد محمد الثانى فى 20 جمادى
الأولى 857 هجرية / 29 مايوة1453 ميلادية ) وبذلك انتهت الدولة البيزنطية وعرف
محمد الثانى باسم محمد الفاتح .
التوسع نحو الشرق
لما تولى السلطان سليم الأول(918 - 926 هجرية / 1512 -
1520 ميلادية ) عرش الدولة العثمانية توقف الزحف الغربى والتوسع فى أوروبا على
حساب القوى الاسلامية المجاورة ، وقد بلغت الدولة العثمانية الى مرحلة التشبع
بفتوحاتها الغربية نهاية القرن الخمس عشر الميلادى ،ويقال أن الأحداث التى دارت
داخل الشرق الاسلامى أو حوله فى أوائل القرن السادس عشر هى الى جذبت
الدولةالعثمانية الى الخروج الى الشرق الاسلامى السنى لحماية آسيا الصغرى بصفة
خاصة والعالم الاسلامى السنى بصفة عامة ، والمقصود بذلك هو الزحف البرتغالى على
حدود الشرق العربى ومنافذه البحرية وخروج العثمانيين كان هدفه حماية الشرق الأدنى
الاسلامى من الخطرالبرتغالى ، فى هذا الوقت كان العثمانيون يمتلكون أفضل مدفعية فى
العالم ، فقد استخدمت جيوش السلطان سليم الأول أحدث المدافع النحاسية المركبة على
عجلات يجر الواحد منها زوج من الثيران ،وقد بدأ بمحاربة الدولة الصفوية الشيعية بفارس
، واستطاع بقواته الضخمة ومدافعه أن يقضى على الشاة أسماعيل الصفوى فى موقعة
جالديران ( تشالديران ) بين تبريز وبحيرة أرمية فى 2 رجب 920 هجرية /23 أغسطس 1514
ميلادية ) ويدخل تبريز عاصمة فارس الشيعية فى 5 سبتمبر من نفس العام ، واكتسح ديار
بكر والرها ونصيبين والموصل وغيرها ،وفى هذه الأثناء كانت دوة اممايك اجراكسةتمر
بمرحلةضعف شديد ، فقد انهمك المماليك الحلبان فى العبث والفساد وأخذوا ينهبون
الدكاكين فى القاهرة , وتعرضوا للناس بالضرر والأذى ،ولميسلم السلطان الغورى من
مضايقاتهم بل أخذوا يطالبونه بنفقاتهم حتى ضاق به الأمر وبكى حتى أغمى عليه
وهويقول : " ما بقى لى حاجةبسلطنة فأرسلونى أى مكان تختارونه ،وكانت الخزانة
المملوكية خاوية ، وفرضت حكومة المماليك على الأهالى ضائب ثقيلة لتمويل نفقات
الحرب ،والزمت حتى على القرى الصغيرة أن تمد الحملة بفرسين ، وكلمدينة تسلم أربعة
خيول ، لميكن الفلاحين بمقدورهمتحمل ذلك فهربوا تاركين محاصيلهم وهجروا قراهم
للحملة التى كان على السلطان الغورى أن يجهزها لمواجهة العثمانيين ،وحشدجيوشه فى
الريدانية ،خرجقنصوه الغورى على رأس جيش كثيف وأناب طومان باى ووصل فلسطين واتجه
لحلب ووصلها 10 جمادى 922 هجرية / يوليو 1516 ميلادية ) وألحق الأذى بأهلها
وأخرججنده الناس من بيوتهم وسبواحريمهم وأولادهم وآذوهم الأذى البليغ وكان ذلك
سببا لقيام أهل حلب مع السلطان العثمانى على الجراكسة لشدةماحصل بهممن الضرر ، وفى
20 رجب 922 هجرية / 19 أغسطس 1516 ميلادية تحرك قنصوه الغورى على رأس جيشه لملاقاة
سليمالأول ، وجرت معركةسهلدابق ،وأشاع قنصوة الغورى أنجيش العدو يضم فى صفوفه
مسيحيين وأرمن وشعوبا بغيضه بهدف اثارة الكراهية ضد العثمانيين بين صفوف جنده
والشاميين المرافقين له واعطاء تأثير أن الحرب بينه وبين سليم الأول مقدسة يخوضها
المسلمون ضد المسيحيين ، استطاع فرسان المماليك أن يحرزوا نصرا على جيوش
العثمانيين فى أول الأمرحتى هم السلطان سليم الأول فى الهرب وطلب الأمان ،ولكن
مدفعية الجيش العثمانى أوقعت بجيش المماليك فأختل نظامه وامتلأ الميدان بالجثث وفر
الجيش وأصيب الغورى بالشلل وهوى من فرسه ميتا وداسته الخيل ،ولاشك أن انتصار
العثمانيين يرجع الى استخدام المدفعية الحديثة ،وبعدمرجدابق كان المماليك قد وصلوا
الى درجة من الانحلال والفوضى ،وكانت المواجهة فى الريدانية شمالى القاهرة بين
المطرية والجبل الأحمر وهزم طومان باى وحلت الهزيمة يالمماليك فى 30 يناير 1517 م ،واختفى
عند صديقه شيخالعربان فى البحيرة ويدعى حسن بن مرعى فآمنه وأقسم على المصحف هو
وأخوته الا يبوحوا بسره ، وللأسف فان الشيخ خانه وسلمه للعثمانيين ونسى معروفه
وتسديده دينه عنه أيام السلطان الغورى وأعدم طومان باى شنقا على باب زويلة( بوابة
المتولى ) ،وغادرسليم الأول القاهرة فى 9مايو 1517 الى تركيا وأخذ معه الكثيرمن
كنوز مصر وألف وثمانمائة من أمهر الصناع والعمال والحرفيين المصريين .
نتائج الفتح العثمانى للشرق الأدنى
ترتب على الفتح العثمانى للشرق الأدنى الاسلامى نتائج
هامة ، منها أنه خلق فى الشرق الأدنى وحدة سياسية بعد تفككه بسقوط الخلافة
العباسية فى بغداد ( سنة 656 هجرية / 1258
ميلادية ) وقد أكسنت هذه الوحدة نوعامن الاستقرار النسبى لمناطق الشرق الأدنى كانت
فى أمس الحاجة اليه ، كما أن الفتح
العثمانى قد أنقذ العالم السنى فى آسيا الصغرى والشام
ومصر والعراق الى حدما من السيطرة الشيعية
وحصرها داخل ايران وحدها بالاضافة الى أن الفتح العثمانى
استطاع أن يوقف توغل الخطر البرتغالى فى البحار العربية وبالتالى أنقذ العالم
العربى من ذلك الخطر .
لم يكن ضم العالم العربى الى النفوذ العثمانى احتلال أو
استعمار تحت ستار الدين بل ربطت الوشيجة الدينية المسلمين من رعايا الدولة
العثمانية بالسلطان العثمانى برباط متين على أساس أن السلطان العثمانى كان الرئيس
الأعلى لأكبر دولة اسلامية فى العالم ،كما أن العاطفة الدينية الاسلامية كانت أكثر
تأصلا فى نفوس رعايا الدولة من العاطفة الوطنية ،وعلى أحسن الفروض كانت العاطفتان
الدينية والوطنية متشابكتين بحيث كان يصعب الفصل بينهما ،ولاشك أن الولايات
العربية كانت تنظر الى الدولة العثمانية على أنها الدرع الواقى الذى يحمىحريتها فى
الحفاظ على تقاليدها المحلية الموروثة وفى مزاولة شعائرها الدينية وفى أن تحيا
حياة أفضل فيما لو احتلتها دولة أوروبية مسيحية .
وعلى الرغم من أن العثمانيين حكموا مصر منخارجها أى أنهم
لم يتخذوها مقرا لحكم دولتهم الواسعة فى آسيا وأفريقيا وأوروبا شأن مصر فى ذلك شأن
أقطار العالم العربىفالحقيقة أن يبعية مصر للعثمانيين اختلفت كلية عن أية يبعية
شهدتها قبل الفتح العربى الاسلامى لها فى القرن السابع الميلادى ، فمصر لمتشعر
أنها محتلة أو خاضعة لدولة أجنبية لأن الاسلام ذلك الرباط الروحى المتين كان يجمع
بينها وبين الدولة العثمانية فضلا على أن السلطان العثمانى كان خليفة المسلمين
وخادم الحرمين الشريفين كما كان الأمر على عصر الخلفاء الراشدين فى المدينة
المنورة والخلفة الأموى بدمشق والخلفة العباسى ببغداد .