4- ) تبسيط تفسير لأبن كثير للقران
تفسير سورة آل عمران .
الجزء الرابع
كُلُّ ٱلطَّعَامِ
كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ
نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ
فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٩٣ فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ
مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٩٤ قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ
فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٩٥
" كل الطعام كان حلا لبنى اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه " قال أبن عباس " كان اسرائيل عليه السلام - وهو يعقوب يعتريه عرق النساء بالليل ، وكان يقلقه ويزعجه عن النوم ، ويقلع عنه الوجع بالنهار ، فنذر لله لئن عافاه الله لايأكل عرقا ولايأكل ولد ما له عرق فاتبعوه بنوه فى تحريمذلك استنانا به واقتداءا بطريقه ، وفى حديث بن عباس قال : " حضرت عصابة من اليهود نبى الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : "حدثنا عن خلال نسألك عنهن لايعلمهن الا نبى ، ومن ضمن ما قلوه والحديث طويل " أخبرنا أى الطعام حرم اسرائيل على نفسه ؟ فقال : " أنشدكم بالذى أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن اسرائيل مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب اليه وكان أحب الطعام اليه لحم الأبل وأحب الشراب اليه ألبانها " فقالوا : " اللهم نعم " فقال : " اللهم أشهد عليهم " ، "قبل أن تنزل التوراة " أى حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، واسرائيل حرم عليه السلام أحب الأشياء اليه وتركها لله ، وكانهذا سائغا فى شريعتهم فله مناسبة وهذا بعد قوله " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " ، وهذا المشروع عندنا وهو الانفاق فى طاعة الله يحبه ويشتهيه فقال تعالى " وآتى المال علىحبه " وقال " ويطعمون الطعام على حبه " ، "قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين " يتحداهم الله أن ياتوا بالتوراة فانها ناطقة بما قاله ، " فمن أفترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون " فمنكذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائما وانه لم يبعث نبيا آخر يدعو الى الله تعالى بالبراهين والحجج بعد هذا الذى بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرنا " فأولئك هم الظالمون " ، " قل صدق الله " قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه فى القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، "فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين " أى اتبعوا ملة ابراهيم التى شرعها الله وفيما شرعه فى القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فانه الحق الذى لاشك فيه ولا مرية ،وهى الطريقة التى لم يأتنبى بأكمل منها ولا أوضح ولا أتم كما قال " قل اننى هدانى ربى الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كانمن المشركين "
ان أول بيت
وضع للناس للذى ببكةمباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن دخله
كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن
العالمين 96 - 97
" ان أول بيت وضع للناس للذى ببكةمباركا وهدى للعالمين " يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس أى لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلونويعتكفون عنده هو الكعبة التى فى مكة التى بناها ابراهيم عليه السلام ونادى الناس الى حجه ولهذا قال "مباركا " أى وضع مباركا ، " وهدى للعالمين " أى فيه هداية لمن زاره وأقام المناسك وذكر الله فيه ،وعن أبى ذر رضى الله عنه قال : قلت يارسول الله أى مسجد وضع أولا ؟ " قال : " المسجد الحرام " قلت :" ثم أى " قال : " المسجد الأقصى " قلت : " كم بينهما ؟ " قال : " أربعون سنة " قلت :" ثم أى " قال : " حيث أدركتك الصلاة فصل فكلها مسجد " أخرجه البخارى ومسلم ، " للذى ببكة " بكة من أسماء مكة ، قيل سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة أنهم يذلون بها ويخضعون عندها ، وأسماء مكة كثيرة مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد ألامين والمأمون وأم رحم وأم القرى وصلاح والعرش والقادس ( لأنها تطهر من الذنوب ) والمقدسة والناسة ( بالنون والباء "الباسة " ) والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبنية والكعبة ، " فيه آيات بينات " أى دلالات ظاهرة أنه من بناء ابراهيم وان الله عظمه وشرفه ، " مقام ابراهيم " كان ملتصقا بجدار البيت لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران ثم أخره عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى امارته الى ناحية الشرق بحيث يمكن الطواف منه ولا يشوش على المصلين عنده بعد الطواف ، لأن الله أمرنا بالصلاة عنده " واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى " ، وقال مجاهد أثر قدميه فى المقام آية بينة ، وعن أبن عباس قال " الحرم كله مقام ابراهيم " ، " ومن دخله كان آمنا " يعنى حرم مكة اذا دخله الخائف يأمن من كل سوء وكذلك الأمر فى الجاهلية كما قال الحسن البصرى كان الرجل يقتل فيضع فى عنقه صوفة ويدخل الحرم فيلقاه أبن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج ، ومن جملة تحريمها اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره وحرمة قطع شجرها أو قلع حشيشها ، عن جابر رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لايحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة " رواه مسلم ، وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " لاهجرة ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا وقال يوم فتح مكة : " ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة ، وانه لم يحل القتال فيه لأحد قبلى ، ولم يحل لى فى ساعة من نهار ، فهوحرام بحرمة الله الى يوم القيامة لايعضد شوكه ،ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته الا من عرفها ولايختلى خلاها " ، فقال العباس : " يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم فقال : " الا الاذخر " ، " ومن دخله كان آمنا " عنجعدة بن هبيرة قال آمنا من النار ، فعن عبد الله بنعباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دخل البيت دخل فى حسنة وخرجمن سيئة وخرجمغفورا له " ، " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " هذه آية وجوب حج البيت من استطاع اليه سبيلا عند الجمهور، ووردت أحاديث كثيرة بأنه أحد أركان الاسلام ودعائمه وقواعده ،وعن على رضى الله عنه قال : " لما نزلت " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا" قالوا : " يا رسول الله فى كل عام ؟ فسكت قالوا " يارسول الله فى كل عام ؟ " قال : " لو قلت نعن لوجبت " ،وعن أنس بن مالك قال قالوا " يارسول الله الحج فى كل عام ؟ " قال :" لوقلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تقوموا بها ولو لم تقوموا بها لعذبتم " ، " من استطاع اليه سبيلا " عن عبد الله بن عمرقال : جائ رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال :" ما السبيل ؟ " قال : " الزاد والراحلة " ،وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله "من استطاع اليه سبيلا " فقيل ما السبيل ؟ " قال : " الزاد والراحلة " ،وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعجلوا الى الحج - يعنى الفريضة فان أحدكم لايدرى ما يعرض له" ، " ومنكفر فان الله غنى عن العالمين " ومن جحد فريضة الحج فقد كفر والله غنى عنه ، وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من ملك زاد أو راحلة ولم يحج بيت الله فلا يضره مات يهوديا أو نصرانيا وذلك بأن الله قال " ولله على الناس حج البيت من أستطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن العالمين " .
إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ ٩٦ فِيهِ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ
مَّقَامُ إِبۡرَٰهِيمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ
حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ
غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٧
" إِنَّ
أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ " يخبر تعالى أن أول بيت
وضع للناس أى عموم الناس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون ويعتكفون عنده هو
الكعبة التى فى مكة التى بناها ابراهيم عليه السلام ونادى الناس الى حجه ولهذا قال
" مُبَارَكٗا " أى وضع مباركا ، " وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ " أى
فيه هداية لمن زاره وأقام المناسك وذكر الله فيه ، وعن أبى ذر رىالله عنه قال قلت
يا رسول الله أى مسجد وضع أولا ؟ " قال : " "المسجد الحرام " قلت
: ثم أى قال : حيث أدركتك الصلاة فصل فكلها مسجد " أخرجه البخارى ومسلم ،
" للذى ببكة " بكة من أسماء مكة قيل سميت بذلك لانها تبك أعناق الظلمة
والجبابرة أنهم يذلون بها ويخضعون عندها ، وأسماء مكة كثيرة – مكة وبكة وأم القرى
وصلاح والعرش والقادس ( لأنها تطهر من الذنوب ) والمقدسة والناسة ( بالنون والباء
" الباسة " ) والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبنية والكعبة ، " فِيهِ
ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ " فيه دلالات
ظاهرة أنه من بناء ابراهيم وان الله عظمه وشرفه ، "مَّقَامُ إِبۡرَٰهِيمَۖ " كان ملتصقا بجدار البيت لما ارتفع البناء
استعان به على رفع القواعد منه والجدران ثم أخره عمر بن الخطاب فى امارته الى
ناحية الشرق بحيث يمكن الطواف منه ولا يشوش على المصلين عنده بعد الطواف لأن الله
أمرنا بالصلاة عنده " واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى " وقال مجاهد أثر
قدميه فى المقام آية بينة وعن أبن عباس قال الحرم كله
مقام ابراهيم ، " وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗاۗ " يعنى حرم مكة اذا
دخله الخائف يأمن من كل سوء وكذلك كان الأمر فى الجاهلية كما قال الحسن البصرى كان
الرجل يقتل فيضع فى عنقه صوفه ويدخل الحرم فيلقاه أبن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج
ومن جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره وحرمة قطع شجرها وقلع
حشيشها وعن جابر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول :
" لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة " رواه مسلم وعن أبن عباس قال قال
رسول الله ﷺ يوم فتح مكة : " لا هجرة ولكن
جهاد ونية واذا اسنفرتم فانفروا وقال يوم فتح مكة : " ان هذا البلد حرمه الله
يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة ، وأنه لم يحل القتال
فيه لأحد قبلى ، ولم يحل لى الا فى ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم
القيامة لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته الا من عرفها ولا يختلى
خلاها " فقال العباس : يارسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم "
فقال : "الا الاذخر " ، "وَمَن
دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗاۗ " عن جعدة بن هبيرة قال آمنا من النار
، " ووَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ
سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ
قُلۡ
يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ
مَا تَعۡمَلُونَ ٩٨ قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ
مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ
عَمَّا تَعۡمَلُونَ ٩٩
" قُلۡ
يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ
عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ " هذا تعنيف من الله تعالى للكفرة من أهل الكتاب على
عنادهم للحق وكفرهم بآيات الله وصدهم عن مع علمهم بأن ما
جاء به الرسول ﷺ حق من الله وبما عندهم من العلم عن
الأنبياء الأقدمين والسادة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وما بشروا به
ونوهوا به من ذكر النبى الأمى الهاشمى العربى المكى سيد ولد آدم وخاتم
الأنبياء ورسول رب الأرض والسماء ﷺ وقد توعدهم
الله على ذلك وأخبرهم بأنه شهيد على صنيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء
ومعاملتهم لرسول البشرية بالتكذيب والجحود والعناد فأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما
يعملون وسيجزيهم على ذلك فقال " قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ
عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ
وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ " وهذا تعنيف للكفرة من أهل
الكتاب لصدهم عن سبيل الله من أراده من أهل الايمان بجهدهم وطاقتهم وهم يعرفون
ويشهدون أن ما يفعلونه مخاف للحق الذى ورد عندهم والله لا يخفى عليه ولا يغفل عن
فعلهم هذا .
يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ
يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ ١٠٠ وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ
تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ
فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ١٠١
" ٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ
يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ " يحذر الله تعالى عباده
المؤمنين من أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من
فضله وما منحهم من ارسال رسوله لأنهم لو اتبعوهم وأطاعوهم يرتدوا كافرين بالابتعاد
عن دينهم ، " وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ
وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ " يعنى أن الكفر بعيد عنكم وحاشاكم منه فان آيات الله
تنزل على رسوله ليلا ونهارا وهو يتلوها عليكم ويبلغها اليكم وجاء فى الحديث أن
النبى ﷺ قال لأصحابه
يوما : " أى المؤمنين أعجب اليكم ايمانا ؟ " قالوا : " الملائكة
" قال : " وكيف لا يؤمنون والوحى ينزل عليهم " قالوا : " فنحن
" قال : " وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ " قالوا : " فأى
الناس أعجب ايمانا ؟ "قال : " قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون
بما فيها " ، " وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ
مُّسۡتَقِيمٖ " الاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة فى الهداية والعدة فى
مباعدة الغواية والوسيلة الى الرشاد وطريق السداد وحصول المراد .
يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا
تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ
فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ
عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ
ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠٣
"ٰٓيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِۦ " الخطاب الى المؤمنين حق الايمان بالدعوة اليهم أن يتقوا
الله حق التقوى ، عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ﷺ : " اتقوا الله حق تقاته ، أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ،
ويذكر فلا ينسى " صحيح على شرط الشيخين ، " وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ " حافظوا على الاسلام فى حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا
عليه فان الكريم أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شىء مات عليه ومن مات على شىء
بعث عليه وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ : " من أحب أن يزحزح عن
النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتى الى الناس ما
يحب أن يؤتى اليه " ، " وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا "
تمسكوا بعهد الله وقيل هو القرآن فعن أبى سعيد قال قال رسول
الله ﷺ : " كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء الى الأرض " جميعا
تمسكوا بكتاب الله وبعهد الله ولا تبعدوا عنه ، " وَلَا تَفَرَّقُواْۚ "
أمرهم الله بالجماعة ونهاهم عن التفرقة
ووردت أحاديث كثيرة بالنهى عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف فعن أبى هريرة
قال أن رسول الله ﷺ: " ان الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا ، يرضى
لكم : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن
تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال
" وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ ، " وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ
عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم
بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ
فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ " هذا السياق
فى شأن الأوس والخزرج فقد كان بينهم حروب كثيرة فى الجاهلية وعداوة شديدة وضغائن
واحن طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم فلما جاء الله بالاسلام فدخل فيه من دخل
منهم صاروا اخوانا متحابين بجلال الله متواصلين فى ذاته متعاونين على البر والتقوى
وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فانقذهم الله منها أن هداهم للايمان وذكر
محمد بن اسحاق بن يسار أن هذه الآية نزلت فى شأن الآوس والخزرج وذلك أن رجلا من
اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة فبعث رجلا
معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب حتى
حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض وطلبوا اسلحتهم وتواعدوا الى الحرة فبلغ ذلك
النبى ﷺ فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول : " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم "
" وتلا الآية فندموا واصطلحوا ، كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ
ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ " يوضح الله لكم الدلالات الواضحة حتى
تهتدوا الى طريق الله المستقيم وتتبعوه .
ولتكن منك أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ١٠٤ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ
وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ
عَذَابٌ عَظِيمٞ ١٠٥ يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ
ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ
بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ ١٠٦ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبۡيَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِي
رَحۡمَةِ ٱللَّهِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ١٠٧ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا
عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۗ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٨
وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ
١٠٩
" ولتكن منك أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " يأمر الله أن تكون هناك أمة أى مجموعة منتصبة للقيا بأمر الله فى الدعوة الى الخير وان كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومن يفعلون ذلك هم المفلحون فى الدنيا والآخرة وثبت فى صحيح مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله ﷺ : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان "وعن حذيفة بن اليمان أن النبى ﷺ قال :" والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " رواه الترمذى وأبن ماجه ، " وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ " ينهى الله تعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين فى افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع قيام الحجة عليهم بعد أن أنزل الله اليهم آياته الواضحة ويعدهم الله بالعذاب العظيم فى الدنيا والآخرة فالتفرق والاختلاف لاينتج منه الا الضعف والضلال والتشتت فى الدنيا وفى الآخرة التفرق على كلمة الله جزاءه العذاب العظيم من الله ، وعن معاوية بن أبى سفيان قال ان رسول الله ﷺ قال : " ان أهل الكتابين افترقوا فى دينهم على اثنتين وسبعين ملة وان هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة – يعنى الأهواء – كلها فى النار الا واحدة – وهى الجماعة – وأنه سيخرج فى أمتى أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل الا دخله " والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم ﷺ لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به ، " يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ " يعنى يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة ، " فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ " قال الحسن البصرى الذين اسودت وجوههم هم المنافقون ، "أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ " هذا الوصف كذلك يعم كل كافر يذيقه الله العذاب الأليم جزاءا لكفره ، " وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبۡيَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِي رَحۡمَةِ ٱللَّهِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ " يعنى المؤمنون جزاءهم الجنة ماكثون فيها أبدا لا يبغون عنها حولا ، " تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ " هذه آيات الله وحججه وبيناته نتلوها عليك يا محمد ، " بِٱلۡحَقِّۗ " أى نكشف ما عليه الأمر فى الدنيا والآخرة ، " وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ " والله ليس بضالم للناس بل هو الحاكم العدل الذى لا يجور لأنه القادر على كل شىء العالم بكل شىء فلا يحتاج مع ذلك الى أن يظلم أحدا من خلقه ولهذا قال " وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ" الجميع ملك لله وعبيد له ، "وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ " الله هو الحاكم المتصرف فى الدنيا والآخرة وكل شىء يرجع اليه .
كُنتُمۡ
خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ
عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ
لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ
١١٠ لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ
ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ١١١ ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ
إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ
وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ
بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا
عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ١١٢ ۞
" كُنتُمۡ
خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ " يخبر الله تعالى عن هذه الأمة
المحمدية بأنهم خير الأمم خير الناس للناس وأنفع الناس للناس وقال أبن عباس هم
الذين هاجروا مع رسول الله ﷺ من مكة الى المدينة والصحيح أن هذه
الآية عامة فى جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذى بعث فيهم رسول الله ﷺ ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم وعن درة بنت أبى لهب قالت : قام رجل الى النبى ﷺ وهو على
المنبر فقال يا رسول الله أى الناس خير ؟ " قال : " خير الناس أقراهم
وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر
وأوصلهم للرحم " وهناك كثير من الأحاديث التى تدل على أفضلية الأمة الاسلامية
فعن أبا سعيد الأنمارى أن رسول الله ﷺ قال :
" ان ربى وعدنى أن يدخل الجنة من أمتى سبعين ألفا بغير حساب ، ويشفع كل ألف
لسبعين ألفا ثم يحثى ربى ثلاث حثيات بكفيه " وعن عبد الله بن عباس عن أبيه عن
جده عن النبى ﷺ قال : " أهل الجنة عشرون ومائة
صف ثمانون منها من أمتى " وعن أبى هريرة قال : لما نزلت " ثلة من
الأولين وثلة من الآخرين " قال رسول الله ﷺ : "
أنتم ربع أهل الجنة ، أنتم نصف أهل الجنة ، أنتم ثلثا أهل الجنة " وعن أبى
هريرة قال قال رسول الله ﷺ : " نحن الآخرون الأولون يوم
القيامة ونحن أول من يدخل الجنة " وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ان
النبى ﷺ قال :
" ان الجنة حرمت على الأنبياء كاهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم حتى تدخلها
أمتى " قال قتادة بلغنا أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى حجة حجها رأى من
الناس دعة فقرأ " كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ " ثم قال
من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها ، وشرط الدخول فى هذه الأمة وشرط
الله فيها هو " تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ
وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ " ، " وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ
لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ
" لو آمن أهل الكتاب بما أنزل على محمد ﷺ لكان خيرا
لهم مما هم فيه من الضلال قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم
وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسوق والعصيان ولما مدح الله هذه الأمة على الصفات
التى ذكرها شرع فى ذم أهل الكتاب وتأنيبهم ، " لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ
أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ
" يخبر الله تعالى عباده المؤمنين ومبشرا لهم بالنصر والظفر على أهل الكتاب
الكفرة هكذا وقع يوم خيبر أذلهم الله وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بنى قينقاع
وبنى النضير وبنى قريظة كلهم أذلهم الله ، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة
وسلبوهم ملك الشام ، ولاتزال بالشام قائمة حتى ينزل عيسى أبن مريم ويحكم بملة
الاسلام وشرع محمد ﷺ ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا
يقبل الا الاسلام ، " ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ
إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ
وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ
بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا
عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ "
لَيۡسُواْ
سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ
ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ ١١٣ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ
وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۖ
وَأُوْلَٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١١٤ وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلَن
يُكۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ ١١٥ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ
لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡٔٗاۖ
وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ١١٦ مَثَلُ مَا
يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ
أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ
ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ١١٧
" لَيۡسُواْ
سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ " لا يستوى أهل الكتاب
لأمة محمدﷺ وعن أبن مسعود قال : " أخر رسول الله
ﷺ صلاة العشاء
ثم خرج الى المسجد فاذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : " أما انه ليس من أهل
هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم " فنزلت الآية الى " عَلِيمُۢ
بِٱلۡمُتَّقِينَ " وعن أبن عباس أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار
أهل الكتاب معبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن شعبة وغيرهم أى لا يستوى من
تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين أسلموا ولهذا قال " لَيۡسُواْ
سَوَآءٗۗ " أى ليس كلهم كحد سواء بل منهم المؤمن ومنهم المجرم ولهذا قال
" مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ " من أهل الكتاب أمة أى
فئة قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه متبعة نبى الله فهى قائمة مستقيمة ، " يَتۡلُونَ
ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ "يقيمون الليل
ويكثرون التهجد ويتلون القرآن فى صلواتهم ، " يُؤۡمِنُونَ
بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ
وَيُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " وهذه
الفئة يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويبادرون بفعل
الخيرات فهم من الصالحين وهم المذكرون فى آخر السورة
" وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم خاشعين
لله " ، " وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلَن يُكۡفَرُوهُۗ " ما
يفعلوا من خير فانه لا يضيع عند الله بل يجزيهم به أوفر الجزاء ، " وَٱللَّهُ
عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ " الله لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيع لديه أجر من
أحسن عملا ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ
أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡٔٗاۖ "يقول الله مخبرا
عن الكفرة المشركين بأنه لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه اذا أراد بهم ولن ينفهم
أموالهم ولا أولادهم فى الآخرة ولن تمنع عنهم العذاب ويقول " وَأُوْلَٰٓئِكَ
أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ " هم جزاؤهم النارخالدين فيها ،
" مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ
فِيهَا صِرٌّ " ضرب الله مثلا لما ينفقه الكفار فى الحياة الدنيا مثل ريح
فيها برد شديد أو برد وجليد ، " أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ
أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ " هذه الريح أصابت حرث قوم من زروع وثمار فأهلكت
هذه الريح تنزل على حرث قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته وأعدمت ما
فيه من ثمر أو زرع فذهبت به وأفسدته فعدمه صاحبه وهو أحوج ما كان اليه فكذلك
الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم فى هذه الدنيا وثمرها كما يذهب ثمرة هذا الحرث
بذنوب صاحبه وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس ، " وَمَا
ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ " ان الله عدل لا يظلم
أحدا ولكن هؤلاء الكفار ظلموا أنفسهم بأفعالهم السيئة .
يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا
يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ
أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ
إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ ١١٨ هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا
يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ
ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ
مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ١١٩ إِن
تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ
وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيًۡٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ
بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ ١٢٠
" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ " ينهى الله تعالى عباده المؤمنين من اتخاذ المنافقين بطانة أى يطلعوهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم يقول الله للمؤمنين لا تتخذوا من غيركم من أهل الأديان بطانة وهم خاصة وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخل أمره وعن أبى سعيد أن رسول الله ﷺ قال : " ما بعث الله من نبى ولا استخلف من خليفة الا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، والمعصوم من عصمه الله ، "لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ " لا يألون المؤمنين خبالا أى يسعون فى مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المنكروالخديعة ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم واستعمالهم فيها استطالة على المسلمين اظلاع على دواخل أمورهم التى يخشى أن يفشوها الى الأعداء من أهل الحرب ، "قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ " قد لاح على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم من العداوة مع ما هم مشتملون عليه فى صدورهم من البغضاء للاسلام وأهله لا يخفى مثله على لبيب عاقل ولهذا قال تعالى " قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ " وقد وضحنا لكم الأمور لعلكم تفهمون ذلك ، " هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ " أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرون لكم الايمان فتحبوهم على ذلك وهم لا يحبونكم ، " وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ " ليس عندكم فى شىء منه شك ولا ريب أى بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم ، " وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ " الأنامل الأصابع وهذا شأن المنافقين يظهرون للمؤمنين الايمان والمودة وهم فى الباطن بخلاف ذلك من كل وجه وذلك أشد الغيظ والحنق فى هذه الصورة البلاغية التى تصور شدة الغيظ ، " قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ " رد الله عليهم أنه مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين ومكمل دينه فموتوا أنتم بغيظكم ، " إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ " الله عليم بما تنطوى عليه ضمائركم وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين وهو مجازيكم عليه فى الدنيا بأن يريكم خلاف ما تأملون فى الآخرة بالعذاب الشديد فى النار التى أنتم فيها خالدون لا محيد لكم عنها ولا خروج لكم منها ، " إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ " هذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه اذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد وكثروا وعز أنصارهم ساء ذلك المنافقين وان أصاب المسلمين سنة أى جدب أو أديل عليهم الأعداء لما لله تعالى فى ذلك من حكمة الابتلاء والصبر كما جرى يوم أحد – فرح المنافقون بذلك ولذلك قال تعالى مخاطبا المؤمنين ، " وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيًۡٔاۗ " يرشدهم الله تعالى الى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله ، " إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ " الله الذى هو محيط بأعدائهم الذى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا يقع شىء فى الوجود الا بتقديره ومشيئته ومن توكل عليه كفاه .
وَإِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ أَهۡلِكَ تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
مَقَٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٢١ إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ
مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ
١٢٢ وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٢٣
شرع الله تعالى فى ذكر قصة أحد وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين والتمييز بين المؤمنين والمنافقين وبيثان الصابرين " وَإِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ أَهۡلِكَ تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " كانت غزوة أحد يوم السبت 11 شوال ثلاث من الهجرة أو نصف شوال سببها أن المشركين حين قتل من أشرافهم يوم بدر وسلمت العير بما فيها من التجارة التى كانت مع أبى سفيان رصدوا أموالها لقتال الرسول ﷺ فجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا فى نحو من ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريبا من أحد استشار الرسول ﷺ أيخرج اليهم أم يمكث بالمدينة ؟ أشار عبد الله بن أبى بالمقام بالمدينة والتحصن بها وأشار آخرون من الصحابة بالخروج اليهم فسر الرسول ﷺ فى ألف من الصحابة ولما كان بالشوط رجع عبد الله بن أبى بثلي الجيش مغضبا لكونه لم يرجع الى قوله وقال لو نعلم اليوم قتالا لاتبعناكم ولكنا لا نراكم تقاتلون واستمر الرسول ﷺ حتى نزل الشعب من أحد وجعل ظهره وعسكره الى أحد وتهيأ للقتال فى سبعمائة من أصحابه وأمر على الرماة عبد الله بن جبير وهم خمسون وقال لهم " انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين من قبلكم ألزموا مكانكم ان كانت النوبة لنا أو علينا وان رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم ولهذا قال تعالى " وَإِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ أَهۡلِكَ تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ " تنزل المؤمنين منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم ، " وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " الله سميع لما يقولون عليم بضمائركم وكلمة غدوة تبين أن غدوه ﷺ انما كان يوم السبت أول النهار ، " إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ " الطائفتان هما بنو حارثة وبنو سلمة كاد أن يقع بينهم نزاع وهما من المسلمين والله وليهما ويجب على المؤمنين التوكل على الله ونبذ أى خلاف يؤدى الى الفشل ، " وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ " يوم بدر فى السابع عشر من رمضان الثانى من الهجرة وهو يوم الفرقان كان المسلمين قلة يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فارسان وسبعون بعيرا والباقى مشاة وكان العدو ما بين التسعمائة والألف فى كامل السلاح والعدة لهذا قال تعالى " وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ "وسميت بدر لبئر لرجل يسمى بدرا،" فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ" اتقوا الله لعلكم تقومون بطاعته .
إِذۡ تَقُولُ
لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ
ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ ١٢٤ بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ
وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم
بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ١٢٥ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ
إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا
مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ١٢٦ لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ
كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ ١٢٧ لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ
شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ ١٢٨
وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ
وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٢٩
" إِذۡ تَقُولُ
لِلۡمُؤۡمِنِينَ " هذا متعلق بقوله " وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ
بِبَدۡرٖ " عن عامر أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين
فشق ذلك عليهم فأنزل الله هذه الآية ، " أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ
رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ " قال
الربيع بن أنس أمد الله المسلمين بألف من الملائكة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف ، " بَلَىٰٓۚ إِن
تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ " ان تصبروا على مصابرة عدوكم وتتقونى وتطيعوا أمرى
" وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا " قال أبن عباس يأتوكم من سفرهم هذا
وقال الحسن وغيره يأتوكم من وجههم هذا وقيل من غضبهم هذا ، " يُمۡدِدۡكُمۡ
رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ " يمددكم
ربكم ليعززكم بخمسة آلاف من
الملائكة معلمين بالسيما وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال : كان سيما
الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض وكان سيماهم أيضا فى نواصى خيولهم ، " وَمَا
جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ "
وما أنزل الله الملائكة وأعلمهم بانزالهم الا بشارة لكموتطيبا لقلوبكم وتطمينا
فانما النصر من عند الله الذى لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم ومن غير احتياج الى
قتالكم لهم ، " وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ
" النصر من الله وحده فهو ذو العزة التى لا ترام والحكمه فى قدره والأحكام ،
" لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ
فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ " ذلك ليهلك أمة من الذين كفروا لا يوفقهم
ويفشلهم فيرجعوا خائبين لم يحصلوا على ما أملوا ، " لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ
شَيۡءٌ " الأمر كله لله وليس لك من الحكم شىء فى عبادى الا ما أمرتك به فيهم
، " أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ "
ذكر الله هذا الأمر أن يتوب عليهم مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة كما
قال " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء " ، "َأوۡ
يُعَذِّبَهُمۡ " يعذبهم فى الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ولهذا قال
" فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ " يستحقون ذلك جزاءا على ظلمهم وعن أبن عمر بن
الخطاب رضى الله عنهما قال : " كان رسول الله ﷺ يدعو على رجال من المشركين
يسميهم بأسمائهم حتى أنزل الله " لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ " وعن
أنس أن النبى ﷺ كسرت
رباعيته يوم أحد وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال : " كيف يفلح قوم فعلوا
هذا بنبيهم وهو يدعوهم الى الله عز وجل " فأنزل الله الآية " لَيۡسَ
لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ " ،
" وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ " جميع ما فى
السموات والأرض ملك له عبيد بين يديه ، " يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ
وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ " هم
المتصرف فلا معقب لحكمه ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ، " وَٱللَّهُ غَفُورٞ
رَّحِيمٞ " الله هو الذى يغفور الذنوب وحده وبرحمته .
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا
تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ١٣٠ وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيٓ أُعِدَّتۡ
لِلۡكَٰفِرِينَ ١٣١ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ
١٣٢ ۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ
وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ
وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ
يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ
ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن
يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ
وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٣٥ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ
وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ
أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ١٣٦
" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ " ينهى الله عباده المؤمنين عن تعاطى الربا وأكله أضعافا مضاعفة كما كانوا فى الجاهلية يقولون اذا حل أجل الدين اما أن تقضى واما أن تربى فان قضاه والا زاده فى المدة وزاد الآخر فى القدر وهكذا كل عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرا مضاعفا وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون فى الأولى والآخرى ، " وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيٓ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ " ثم توعدهم بالنار وهى التى أعدها الله لمن يكفر به وحذرهم منها ، " وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ " ندبهم الله الى المبادرة الى فعل الخيرات والمسارعة الى نيل القربات بطاعة الله ورسوله ﷺ حتى تلحقهم الرحمة فى الدنيا والآخرة ، " وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ " ندب الله للمؤمنين الى المبادرة الى فعل الخيرات والمسارعة الى فعل الخيرات وطلب المغفرة من الذنوب والسعى لنيل جنة الله الواسعة التى عرضها السموات والآرض وطلب المسارعة والتعجيل بالسعى وفعل الخيرات فالسفر طويل والزاد قليل والدنيا فانية متاعها قليل زائل والجنة باقية ونعيم أزلى دائم يصلون اليها بالتقوى لله ، فى مسند الامام أحمد أن هرقل كتب الى النبى ﷺ " انك دعوتنى الى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار ؟ " فقال النبى ﷺ :" فأين الليل اذا جاء النهار ؟ " وهذا يحتمل معنيين أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل اذا جاء النهار أن لايكون فى مكان وان كنا لا نعلمه وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل والثانى أن النهار اذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فان الليل يكون من الجانب الآخر فكذلك الجنة فى أعلى عليين فوق السموات تحت العرش وعرضها كما قال تعالى " كعَرۡضُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ " والنار فى أسفل سافلين فلا تنافى بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار والله أعلم ، يتحدث الله عن المتقين وصفاتهم وهم أهل الجنة فقال" ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ " الذين ينفقون بالليل والنهار سرا وعلانية أى ينفقون فى الشدة والرخاء والمنشط والمكره والصحة والمرض وفى جميع الأحوال ولا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى والانفاق لمرضاته والاحسان الى خلقه بأنواع البر من قرباتهم وغيرهم ، "وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ " اذا ثار بهم الغيظ كظموه أى كتموه فلم يعملوه وعفوا مع ذلك عمن أساء اليهم فعن أنس بن مالك عن أبيه قال قال رسول اللهﷺ : " من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر الى الله قبل الله عذره " وقال رسول الله ﷺ ، " ان الغضب من الشيطان وان الشيطان خلق من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب أحدكم فليتوضأ " وعن أبى هريره فى قوله تعالى " وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ " أن النبى ﷺ قال : " من كظم غيظا وهو يقدر على انفاذه ملأ الله جوفه أمنا وايمانا " ، " وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ " الذين لا يعملون غضبهم فى الناس بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل ، " وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ " مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم فى أنفسهم فلا يبقى فى أنفسهم شىء وهذا أكمل الأحوال ، "وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ " وهذا كله من مقامات الاحسان التى يحبها الله والتى يتصفون بها كمحسنين ، " وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ " الذين اذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار فعن عثمان بن عفان رضى الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول : " من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " وعن أبى بكر رضى الله عنه قال : " عليكم بلا اله الا الله والاستغفار فأكثروا منهما فان ابليس قال " أهلكت الناس بالذنوب وأهلكونى بلا اله الا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون " وعن أبى سعيد عن النبى ﷺ قال : " قال ابليس يارب وعزتك لا أزال أغوى بنى آدم ما دامت أرواحهم فى أجسادهم فقال الله تعالى " وعزتى وجلالى لا أزال أغفر لهم ما استغفرونى " ، " وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ " لا يغفر الذنوب من أحد سوى الله ، " وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ " الذين تابوا من ذنوبهم ورجعوا الى الله عن قريب ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها مقلعين عنها ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه وعن أبى بكر رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : " ما أصر من استغفر وان عاد فى اليوم سبعين مرة " رواه أبو داود والترمذى والبزار ، " وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ " أى من تاب تاب الله عليه كقوله " ألم يعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده قال تعالى بعد وصفهم أى المتقين " أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ " لهم جنات فيها أنهار من كل المشروبات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد ، " خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ " ماكثين فيها مخلدين ، " وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ " يمدح الله أهل الجنة وما ينالهم فيها من جزاء على حسن عملهم .
قَدۡ خَلَتۡ
مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ
عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ١٣٧ هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ
لِّلۡمُتَّقِينَ ١٣٨ وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ
إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣٩ إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ
مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ
١٤٠ وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٤١ أَمۡ
حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ
جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٤٢ وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ
مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَيۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ١٤٣
" قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ " يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد واستشهد منهم سبعون ان ما جرى لكم جرى نحوه على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين الله يواسى المؤمنين أن ما حدث لكم حدث لغيركم وهم من المكذبين الذين كانوا أعداءا للمؤمنين والأنبياء وانتصر المؤمنون ، " هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ " يعنى القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم ، " وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ " يعنى القرآن فيه خبر ما قبلكم وهدى لقلوبكم وموعظة أى زاجر عن المحارم والمآثم ، " وَلَا تَهِنُواْ " أى تضعفوا بسبب ما جرى فى أحد ، " وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ " لا تحزنوا أيها المؤمنون والعاقبة والنصر لكم أيها المؤمنون وهذه بشرى من الله ، " إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ " ان كنتم قد أصابتكم جرخ وقتل منكم طاثفة فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح ، " وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ " أى نديل عليكم الأعداء تارة وان كانت لكم العاقبة لما لنا فى ذلك من الحكمة ولهذا قال تعالى " وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ " قال أبن عباس فى مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء ، " وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ " يتخذ الله منكم من يقتلون فى سبيله ويبذلون مهجهم فى مرضاته ، " وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ " عند البلاء تظهر المعادن فيعلم الذين آمنوا والذين يخونوا عهد الله ، " وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ" هذا اختبار من الله للذين آمنوا فيكفر عنهم من ذنوبهم ان كانت لهم ذنوب والا رفع لهم فى درجاتهم بحسب ما أصيبوا به وما جرى فى هذا التمحيص ، " وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ " ن الكافرين اذا ظفروا وبغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم ، " أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ " بعد أن يذكر الله التمحيص يقول أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد كما قال فى سورة البقرة " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " ويقول " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" والآية فى هذا السياق أى لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين فى سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء ، " وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ " كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو وتحترقون عليه وتودون مناجزنهم ومصابرتهم فقد خصل لكم الذى تمنيتموه وطلبتموه فدونكم فقاتلوا وصابروا وفى الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال : " لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فاذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ولهذا قال تعالى " فَقَدۡ رَأَيۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ"يعنى الموت شاهدتموه وقت حد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخيل .
وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ
أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ
عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡٔٗاۗ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّٰكِرِينَ
١٤٤ وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا
مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ
ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّٰكِرِينَ ١٤٥ وَكَأَيِّن
مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ
أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ
يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٤٦ وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ
لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا
عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٤٧ فََٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا
وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٤٨
" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ "محمد رسول الله مثل الذين سبقوه من الرسل له أسوة بهم فى الرسالة وفى جواز القتل عليه ، لما انهزم المسلمون يوم أحد وقتل منهم من قتل منهم نادى الشيطان ألا أن محمدا قد قتل ورجع أبن قميئة الى المشركين فقال لهم " قتلت محمدا " وانما كان قد ضرب رسول الله فشجه فى رأسه فوقع ذلك فى قلوب الناس واعتقدوا أن رسول الله قد قتل فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال فأنزل الله تعالى الآية " أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ " اذا مات أو قتل رجعتم وتقهقرتم ، " وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡٔٗاۗ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّٰكِرِينَ " ومن يخور ويتراجع عن عقيدته فان ذلك لا يضير الله القوى العزيز القادر على كل شىءوسيكون جزاءه فى الدنيا وللآخرة الذين قاموا بطاعته ولم ينقلبوا ويتراجعوا وقاتلوا عن دينه واتبعوا رسوله حيا وميتا وعن أبن عباس أن عليا رضى الله عنه كان يقول فى حياة رسول الله ﷺ : والله لا ننقلب على أعقابنا بعد اذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله انى لأخوه ووليه وأبن عمه ووارثه فمن أحق به منى ، " وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ " لايموت أحد الا بقدر الله وحتى يستوفى المدة التى ضربها الله له ولهذا قال " كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ " كقوله " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا فى كتاب " وكقوله " هو الذى خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ " من كان عمله للدنيا فقط ناله منها ما قدره الله له ولم يكن له فى الأخرة من نصيب ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها وما قسم له فى الدنيا كما قال " من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الآخرة من نصيب " ، "وَسَنَجۡزِي ٱلشَّٰكِرِينَ " يقول تعالى سنعطى الشاكرين من فضلنا ورحمتنا فى الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم ، " وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِير فَمَا وَهَنُواْ لمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ " ٞ " كم من نبى قتل وقتل مع ربيين من أصحابه كثير قال أبن عباس الربيون الجموع الكثيرة وقال أبن زيد الربيون الأتباع والرعية والربابيون الولاة ، " فَمَا وَهَنُواْ " أى ضعفوا أى لم يهنوا ولم يضعفوا ، عاتب الله بهذه الآيات من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح أن محمدا قد قتل فقال لهم الله " ِ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ " أيها المؤمنون أرتددتم عن دينكم وقال أبن اسحاق وكأين من نبى أصابه القتل ومعه ربيون أى جماعات فما وهنوا بعد نبيهم وما ضعفوا من عدوهم وما استكانوا لما أصابهم فى الجهاد عن الله وعن دينهم وذلك الصبر ، وقال أبن عباس " وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ " تخشعوا وقال أبن زيد وما ذلوا لعدوهم ، " وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ " هذا دعاء المؤمنين بعد ما أصابهم لم يضعفوا حين يقتل نبيهم طلبوا المغفرة من الله من الذنوب وتثبيت الأقدام فى القتال مع الأعداء وأن ينصرهم الله على الكافرين ، فاستجاب لهم ربهم فََٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا " أى النصر والظفر والعاقبة ، " وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ " بدخول الجنة أى جمع لهم ثواب الدنيا بالنصر وثواب الآخرة بدخول الجنة ، " وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ " الله يحب الذين أحسنوا العمل .
يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ
أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ ١٤٩ بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ
خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ ١٥٠ سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ
بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ
ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّٰلِمِينَ ١٥١ وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ
وَعۡدَهُۥٓ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ
وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا
تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ
ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ
ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٥٢ ۞إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ
أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ
لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ
خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٥٣
" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ
أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ " يحذر الله تعالى عباده المؤمنين
من طاعة الكافرين والمنافقين فان طاعتهم تورث الردى فى الدنيا والآخرة ، " بَلِ
ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ " أمر الله عباده
المؤمنين بطاعته وموالاته والاستعانة به والتوكل عليه ، " سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ
سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّٰلِمِينَ وبشرهم بانه سيلقى فى قلوب أعدائهم الخوف منهم
والذلة بسبب كفرهم وشركهم مع ما أدخره لهم فى الآخرة من العذاب والنكال وعن أبى
هريرة أن رسول الله ﷺ قال :
" نصرت بالرعب على العدو " وثبت فى الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضى
الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :
" أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت
لى الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لى الغنائم ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبى يبعث الى
قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة " وروى عن أبن عباس فى قوله " سَنُلۡقِي
فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ " أنه قال قذف الله فى قلب أبى
سفيان الرعب فرجع الى مكة فقال النبى ﷺ:" ان أبا سفيان قد أصاب
منكم طرفا ، وقد رجع وقذف الله فى قلبه الرعب " ، " وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ
ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥٓ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ " وعدهم الله النصر أول
اذ تقتلونهم بتسليطه اياكم عليهم ، " حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ
وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا
تُحِبُّونَۚ " بعد الظفر وأراكم الله ما تحبون عنى بذلك الرماة يوم أحد ،
" مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ " من يريد الدنيا هم الذين رغبوا فى المغنم
حين رأوا هزيمة الكفار وانكسار شوكتهم والذين ثبتوا فى أماكنهم هم الذين استمروا
فى القتال لم يجروا على الغنائم وهم من يريد الآخرة والنبى ﷺ أقام الرماة فى موضع وقال لهم
" احموا ظهورنا " فان رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا نغنم فلا
تشركونا " فلم غنم النبى ﷺ
وأناخو عسكر المشركين أكب الرماة جميعا فى العسكر ينهبون وكانت صفوف أصحاب رسول
الله ﷺ قد التقت وانتشبوا فلما أخل
الرماة دخلت خيل المشركين من موضعهم على أصحاب رسول الله ﷺ يضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل
من المسلمين الكثير وكان النصر لرسول الله ﷺ أول النهار حتى قتل من أصحاب
لواء المشركين سبعة أو تسعة وعن أبن مسعود قال ان النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن
على جرحى المشركين وعن عبد الله بن مسعود قال " ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب
من أصحاب رسول الله ﷺ يريد
الدنيا حتى نزل فينا ما نزل يوم أحد ، " مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا
وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ ثُمَّ
صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو
فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " أى انصرف الرماة عن قتال المشركين بالغنائم
وكان هذا الذى حدث ابتلاء فهم طلب منهم الثبات فى القتال وعدم ترك أماكنهم حتى
رأوا الغنائم انصرفوا لها وكان هذا متاع الحياة الدنيا فكان هذا ابتلاء أى اختبار
بالصبر على القتال ولكن انصرفوا عن المشركين ، " إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا
تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ " أى صرفكم عنهم اذ تصعدون أى فى الجبل هاربين من
أعدائكم وأنتم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب ، " وَٱلرَّسُولُ
يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ " أى
وهو قد خلفتموه وراء ظهوركم يدعوكم الى ترك الفرار من الأعداء والى الرجعة والعودة
والكرة قال السدى لما اشتد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم دخل بعضهم المدينة
وانطلق بعضهم الى الجبل فوق الصخرة فقاموا عليها فجعل الرسول ﷺ يدعو الناس " الى عباد
الله " فذكر الله صعودهم الى الجبل ثم ذكر دعاء النبى ﷺ اياهم فقال " فَأَثَٰبَكُمۡ
غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ
أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ " إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا
تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ
يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ " عن
جابر قال " انهزم الناس عن رسول الله ﷺ يوم أحد وبقى معه أحد عشر رجلا
من الأنصار وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد الجبل فلحقهم المشركون وعن سهل بن سعد قال
جرح وجه رسول الله ﷺ وكسرت
رباعيته وهشمت البيضة على رأسه فكانت فاطمة تغسل الدم وكان على يسكب عليه الماء
بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم الا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها
حتى اذا صارت رمادا ألصقته بالجرح فاستمسك الدم ، " فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ "
فجزاكم غما على غم قال أبن عباس الغم الأول سبب الهزيمة وحين قيل قتل محمد ﷺ والثانى حين علاهم المشركون فوق
الجبل وقال السدى الغم الأول بسبب الهزيمة والثانى حين قيل قتل محمد ﷺ وكان ذلك عندهم أشد وأعظم من
الهزيمة ، " فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ " أى كربا بعد كرب ، " لِّكَيۡلَا
تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ " لا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة
والظفر بعدوكم ، " وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا
تَعۡمَلُونَ " الله سبحانه هو العليم واسع العلم العالم بكل شىء حتى دبيب
النملة التى فى الصخر .
ثُمَّ
أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ
مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ
غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن
شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا
لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا
قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ
عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي
صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٥٤ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ
ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٞ ١٥٥
" ثُمَّ
أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ
مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُم " يمن الله تعالى على
عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذى غشيهم وهم مشتملون
السلام فى حال همهم وغمهم والنعاس فى مثل تلك الحال دليل على الأمان كما فى سورة
الأنفال فى قصة غزوة بدر "اذ يغشيكم النعاس أمنة منه " وعن أبى طلحة قال
" غشينا النعاس ونحن فى مصافنا يوم أحد فجعل سيفى يسقط من يدى وآخذه ويسقط وآخذه والطائفة
الأخرى المنافقون ليس لهم هم الا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق يقول تعالى
" ۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ " أهل
شك وريب فى الله عز وجل طائفتان أهل الايمان واليقين والثبات والتوكل الصادق
يغشاهم النعاس ، " وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُم " لا
يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف أنفسهم مهمومة ، هؤلاء المشركون ظهروا تلك
الساعة بعد أن اعتقدوا أن الاسلام قد باد وأهله يقولون فى تلك الحال " يَقُولُونَ
هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ" لا فائدة ولا شىء بيدنا نفعله قول اليائس الجزع
القلق فيرد الله عليهم " قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ
لَكَۖ " وهذا شأن المنافقين وفضحهم
الله وفسر ما أخفوه فى أنفسهم بقوله "يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ
شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ " أى يسرون هذا الذى فى أنفسهم عن رسول الله
ﷺ وعن عبد
الله بن الزبير عن أبيه قال قال الزبير لقد رأيتنى مع رسول الله ﷺ حين اشتد
الخوف علينا أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل الا ذقنه فى صدره قال فوالله
انى لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه الا كالحلم يقول " لَوۡ كَانَ لَنَا
مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ " فحفظتها منه فأنزلها الله
فرد الله تعالى بقوله " قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ
كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ " أى هذا قدر قدره الله
عز وجل وحكم حتم لا محيد عنه ولا مناص منه حتى لوكان الشخص مستقرا فى بيته وكتب
عليه قدر الله لخرج الى مقتله ومصيره ونهايته ، " وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ
وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ " أى يختبركم الله بما حدث لكم وجرى
عليكم ليميز الخبيث من الطيب ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس فى الأقوال ،
"وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ" الله عليم بما يختلج فى الصدور
من السرائر والضمائر ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى
ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ "
الذين تولوا يوم التقى الجمعان فى أحد استزلهم الشيطان ببعض ذنوبهم السالفة والآية
تتحدث عن فر يوم أحد ، " وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ " عفا الله
عما كان منهم من الفرار ، " إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ " الله يغفر
الذنب ويحلم عن خلقه ويتجاوز عنهم .
يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ
لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ
كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ
فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ
بَصِيرٞ ١٥٦ وَلَئِن قُتِلۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةٞ
مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحۡمَةٌ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ١٥٧ وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ
قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ ١٥٨
" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ
إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا
مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ " ينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار فى
اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن اخوانهم الذين ماتوا فى الأسفار والحروب لو
كانوا تركوا ذلك وكانوا عندنا فى البلد ما ماتوا فى السفر وما قتلوا فى الغزو ،
" لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ " أى خلق هذا
الاعتقاد فى نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم وقال ردا عليهم ، " وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ " أى بيده
الخلق واليه يرجع الأمر ولا يحيا أحد ولا يموت أحد الا بمشيئته وقدره ولا يزاد فى
عمر أحد ولا ينقص منه شىء الا بقضائه وقدره ، " وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ
بَصِير" أى أن علم الله وبصره نافذ فى جميع خلقه لايخفى عليه من أمورهم شىء ،
" وَلَئِن قُتِلۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ
وَرَحۡمَةٌ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ " تلاستشهاد فى سبيل الله والموت أيضا وسيلة الى
نيل رحمة الله وعفوه ورضوانه وذلك خير من البقاء فى الدنيا وجميع حطامها الفانى ،
" وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ " يخبر
الله تعالى بأن كل من مات أو قتل فمصيره ومرجعه الى الله عز وجل قيجزيه بعمله ان
خيرا فخير وان شرا فشر .
فَبِمَا
رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ
مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ
فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ
١٥٩ إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي
يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١٦٠
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ
ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ١٦١ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ
رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ
وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ١٦٢ هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا
يَعۡمَلُونَ ١٦٣ لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ
رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ
وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي
ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ١٦٤
" فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ " يخاطب الله ﷺ ممتنا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره التاركين لزجره ان رحمة الله به وبهم جعلته لهم لينا ، " فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ "عن أبى أمامة الباهلى قال أخذى بيدى رسول الله ﷺ فقال : " يا أبا أمامه أن من المؤمنين من يلين له قلبى " ، " وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ " لو كنت سىء الكلام قاسى القلب عليهم لأنفضوا عنك وتركوك ولكن الله جمعهم عليك وألنا جانبك لهم تأليفا لقلوبهم قال عبد الله بن عمرو أنى صفة رسول الله ﷺ فى الكتب المتقدمة أنه ليس بقظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق ولا يجزىء بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، " فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ " ان العفو والصفح من صفات الرسول ﷺ وكان فى مواقف كثيرة كما كان فى فتح مكة ولقد طلب الرسول ﷺ من الله المغفرة لآمته والشفاعة لهم وكان رسول الله ﷺ يشاور أصحابه فى الرأى وهناك مواقف كثيرة منها موقفه يوم بدر فى الذهاب الى العير ويوم أحد فى البقاء فى المدينة أو ملاقاة المشركين ويوم الخندق فى مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ فأبى عليه كلا من سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فترك ذلك وكان يشاور أصحابه فى الحروب ، وعن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله ﷺ قال لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما : " لو اجتمعنا فى مشورة ما خالفتكما " ، وعن جابر قال قال رسول الله ﷺ : " اذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه " ، " فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ " اذا شاورتهم فى الأمر وعزمت عليه فتوكل على الله فيه ، " إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ "والله يحب المعتمدين عليه الساعين للعمل ، " إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ " النصر من عند الله كما قال " وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ " لا ناصر لكم الا الله وان لا يوفققم لا أحد يمكن أن يكون نصيرا لكم ، " وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ " وأمرهم الله بالتوكل عليه، " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ " قال أبن عباس ما ينبغى لنبى أن يخون وقال ان هذه الآية نزلت فى قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله أخذها وهذا تنزيه له ﷺ من جميع وجوه الخيانة فى أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك وقال محمد بن اسحاق يترك بعض ما أنزل اليه فلا يبلغ أمته وقرأ الحسن البصرى وغيره بضم الياء يغل أى يخان وفسر البعض بمعنى يتهم بالخيانة ، " وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ " هذا تهديد شديد ووعيد للنهى عن الغل والغلول أى السرقة والاختلاس قال أبو حميد الساعدى استعمل رسول الله ﷺ رجلا من الأزد يقال له أبن اللتبيه على الصدقة فجاء فقال " هذا لكم وهذا أهدى لى فقام رسول الله ﷺ على المنبر فقال : ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول هذا لكم وهذا أهدى لى أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى اليه أم لا ؟ والذى نفس محمد بيده لا يأتى أحدكم منها بشىء الا جاء به يوم القيامة على رقبته وان بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر " ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة ابطيه ثم قال اللهم هل بلغت " ثلاثا وعن أبن عمر أن رسول الله ﷺ بعث سعد بن عبادة مصدقا فقال : " يا سعد اياك أن تجىء سوم القيامة ببعير تحمله له رغاء قال : " لا آخذه ولا أجىء به فأعفاه ، وقال البخارى وقد امتنع رسول الله ﷺ من الصلاة على الغال ، " أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ " لا يستوى من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأجير من وبيل عقابه ومن استحق غضب الله وألزم به فلا محيد له عنه ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير وهذا كقوله " أفمن يعلم انما أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمى " ،" هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ " يعنى أهل الخير وأهل الشر درجات وقال أبو عبيدة منازل يعنى متفاوتون فى منازلهم درجاتهم فى الجنة ودركاتهم فى النار كقوله تعالى " ولكل درجات مما عملوا ، " وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ " الله عليم بعملهم وسيوليهم درجاتهم لا يظلمهم خيرا ولا يزيدهم شرا بل يجازى كل عامل بعمله ، " لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ " من الله على المؤمنين وأنعم عليهم بارسال رسول من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به كما قال " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها " وقال تعالى " يا معشر الجن والأنس ألم يأتكم رسل منكم " هذا أبلغ فى الامتنان أن يكون الرسل اليهم منهم بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته فى فهم الكلام عنه ولهذا قال " يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِ " يعنى يتلو عليهم القرآن ، "ۦ وَيُزَكِّيهِمۡ " أى يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذى كانوا متلبسين به فى حال شركهم وجاهليتهم ، " وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ " يعنى يعلمهم القرآن والسنة ، "وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ " أى كانوا من قبل هذا الرسول ﷺ ، " لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ " لفى غى وجهل ظاهر جلى بين لكل أحد .
أَوَلَمَّآ
أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ
قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٦٥
وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ
ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٦٦ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ
قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا
لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ
يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا
يَكۡتُمُونَ ١٦٧ ٱلَّذِينَ قَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ وَقَعَدُواْ لَوۡ أَطَاعُونَا
مَا قُتِلُواْۗ قُلۡ فَٱدۡرَءُواْ عَنۡ أَنفُسِكُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ
صَٰدِقِينَ ١٦٨
" أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ " هى ما أصيب من المسلمين يوم أحد من قتلى
السبعين منهم ، " قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا " يعنى يوم بدر فانهم
قتلوا من المشركين سبعين قتيلا وأسروا سبعين أسيرا ، " قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ " قلتم كيف أو من
أين جرى علينا هذا كيف حدث لنا هذا ، " قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ
" أى بسبب عصيانكم لرسول الله ﷺ حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم
فعصيتم يعنى الرماة فكانت الهزيمة بسبب تقصير الرماة والجرى وراء الغنائم وترك
اماكنهم ، " إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ " الله يفعل ما
يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ، " وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ
فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ " فراركم بين يدى عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم
لآخرين كان بقضاء الله وقدره وله الحكمة فى ذلك ، " وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " ليعلم الذين
صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا ، " وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ
لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالُواْ " يعنى بذلك
أصحاب عبد الله بن أبى بن سلول الذين رجعوا معه فى أثناء الطريق فاتبعهم رجال من
المؤمنين يحرضونهم على الاتيان والقتال والمساعدة ولهذا قال " أَوِ ٱدۡفَعُواْ
" أى تقدموا للمساعدة وكثروا سواد المسلمين كما قال أبن عباس وقال غيره
رابطوا ، فكان ردهم " لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ " أى لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم ولكن
لا تلقون قتالا قال محمد بن اسحاق حدثه علماء فقالوا ومنهم من ينتهى نسبه الى سعد
بن معاذ : خرج علينا رسول الله ﷺ حين خرج الى أحد فى ألف من الصحابة حتى اذا كان الشوط
بين أحد والمدينة انحاذ عنه عبد الله بن أبى بن سلول بثلث الناس فقال: أطاعهم فخرج
وعصانى وواله ما ندرى علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس فخرج بمن اتبعه من الناس
من قومه أهل النفاق وأهل الريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام من بنى سلمة يقول
: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم قالوا : لو نعلم
أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا الا
الانصراف عنهم قال : أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى الله عنكم ومضى رسول الله ﷺ
، " هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ
أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ " استدلوا به على أن الشخص تنقلب به الأحوال
فيكون فى حال أقرب الى الكفر وفى حال أقرب الى الايمان ، " يَقُولُونَ
بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ " يقولون القول الذى لا يعتقدون
فيه وفى صحته فهم يتحققون أن جندا من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على
قتال المسلمين بسبب ما أصيب من أشرافهم يوم بدر وهم أضعاف المسلمين وأنه كائن
بينهم قتال لا محالة ، " وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ " الله
أعلم بما فى نفوسهم من غدر يبيتونه فى قلوبهم وتمنى أن يصيب الرسول ﷺ
وأصحابه مكروه ، " َّالذِينَ قَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ وَقَعَدُواْ لَوۡ
أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ " أى لو
سمعوا من مشورتنا عليهم فى القعود وعدم الخروج مل قتلوا مع من قتل ، " قُلۡ
فَٱدۡرَءُواْ عَنۡ أَنفُسِكُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ" ان كان
القعود يسلم به الشخص من القتل أو الموت فينبغى أنكم لا تموتون ولكن الموت آت اليكم ولو كنتم فى بروج مشيدة فادفعوا عن
أنفسكم الموت أن كنتم صادقين قال مجاهد عن جابر بن عبد الله نزلت الآية فى عبد
الله بن أبى بن سلول وأصحابه .
وَلَا
تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ
أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ
مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ
خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١٧٠ ۞يَسۡتَبۡشِرُونَ
بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
١٧١ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ
لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ ١٧٢ ٱلَّذِينَ قَالَ
لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ
إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ ١٧٣ فَٱنقَلَبُواْ
بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ
رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ ١٧٤ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ
يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ
١٧٥
" وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ " يتحدث الله تعالى عن الشهداء بأنهم وان قتلوا فى هذه الدار فان أرواحهم حية ترزق فى دار القرار عن أبن عباس قال قال رسول الله ﷺ لما أصيب اخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى الى قناديل من ذهب فى ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا ياليت احواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا فى الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هذه الآيات ، " فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ " الشهداء الذين قتلوا فى سبيل الله أحياء عند ربهم وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة ومستبشرون باخوانهم الذين يقتلون بعدهم فى سبيل الله أنهم بقدمون عليهم وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم وقال محمد بن اسحاق يسرون بلحوق من لحقهم من اخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذى أعطاهم قال سعيد بن جبير لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء قالوا : يا ليت اخواننا الذين فى الدنيا يعلمون ما عرفنا من الكرامة ، " يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " يسرون لما عاينوا من وفاء الموعود وجزيل الثواب يسرون بثواب وجزاء الله وما حل بهم من نعمته وفضله وقال عبد الرجمن بن زيد بن أسلم هذه الآيات جمعت المؤمنين كلهم سواء الشهداء وغيرهم والله لا يضيع أجر من أحسن عملا فهو يجزى حسن الجزاء ، " ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ " هذا كان يوم حمراء الأسد وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كروا راجعين الى بلادهم فلما استمروا فى سيرهم ندموا وعن عكرمة قال : لما رجع المشركون عن أحد قالوا : لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم فارجعوا فسمع رسول الله ﷺ بذلك فندب المسلمين فخرج رسول الله ﷺ حتى انتهى الى حمراء الأسد وهى من المدينة على ثمانية أميال حتى لقى أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء ومر به معبد بن أبى معبد الخزاعىوكان يومئذ مشركا وأتى معبد أبا سفيان فلما رأى أبو سفيان معبد قال ما وراءك يا معبد ؟ قال : محمد وأصحابه يطلبكم فى جمع لم أر مثله يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه فى يومكم وندموا على ما صنعوا فهم من الحنق عليكم بشىء لم أر مثله قط قال : ويلك ما تقوله ؟ قال : والله ما أرى أن ترتحل حتى نرى نواصى الخيل قال : فواللهلقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال : فأنى أنهاك عن ذلك وذكر أبياتا من الشعر فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه وهذا مدح من الله للذين استجابوا لدعوة الله ورسوله للخروج لأرهاب العدو ليظنوا به قوة وأن الذى أصابهم بأحد لم يوهنهم عن عدوهم فقد أذن مؤذن لما كان الغد من يوم الأحد السادس عشر من شوال من رسول الله ﷺ فى الناس يطلب العدو وانتدب سبعين رجلا فى طلب أبى سفيان فطلبوه حتى بلغ الصغراء فأنزل الله تعالى " ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ " ، " ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ " الذين توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء فما أكترثوا لذلك بل توكلوا على الله واستعانوا به لما بلغ أبا سفيان أن النبى ﷺ يطلبه فلقى عيرا من التجار فقال ردوا محمدا ولكم من الجعل كذا وكذا وأخبروهم أنى قد جمعت جموعا وانى راجع اليهم فجاء التجار فأخبروا رسول الله ﷺ بذلك فقال النبى ﷺ "حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ " فأنزل الله هذه الآية " فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ " لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم ورد عنهم بأس من أراد كيدهم فرجعوا الى بلدهم " بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ " مما أضمر لهم عدوهم ، " وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ " ، " إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ " ان كل ذلك كم الشيطان الذى يخوفكم أولياءه من المشركين ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة وقال تعلى : " فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ " اذا سول لكم الشيطان وأوهمكم فتوكلوا على الله وألجئوا اليه فانه كافيكم وناصركم عليهم كما قال تعالى " أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه " الى قوله " قل حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون " .
وَلَا
يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ
شَيۡٔٗاۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ
عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٧٦ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ لَن
يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡٔٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ١٧٧ وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ
كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡرٞ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي
لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ١٧٨ مَّا كَانَ ٱللَّهُ
لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ
مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ
يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ
وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ١٧٩ وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ
يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ
هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ
وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ
خَبِيرٞ ١٨٠
" وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ " يقول الله تعالى لنبيه محمد ﷺ وذلك لشدة حرصه على الناس وكان يحزنه مبادرة الكفار الى المخالفة والعناد والشقاق لا يحزنك ذلك ، " إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡٔٗاۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ " هم بكفرهم لا يصيب الله منهم ضرر بكفرهم وحكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته أن لا يجعل لهم نصيبا فى الآخرة أى من حسن الجزاء فى الجنة ، " وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ " أى جزاهم الله العذاب الشديد فى النار ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡٔٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ " الذين استبدلوا الايمان بالكفر لن يصيب الله منهم شىء ولكن يضرون أنفسهم فهم يدخلون جهنم ويلقون فيها العذاب الأليم الذى يوقع بهم أشد الألم وتكرر العذاب لهوله ووصف بالعظيم أى كبير الشأن ووصف بالأليم أى شديد الألم للتهويل من هذا العذاب وشدته ، " وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡرٞ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ " لا يظن الذين كفروا أن ما لديهم من عطاء الله هو خير لهم ولأنفسهم وانما ليغتروا ويزداد اثمهم وذنبهم حتى يستحقون العذاب المذل جزاء تكبرهم بما أتاهم الله من خير وهذا العذاب المهين الذى يهين نفسهم المتكبرة المتعالية على عبادة الله وعلى عباد الله فى الدنيا كقوله " أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون " وكقوله " ولا تعجبك أموالهم وأولادهم انما يريد الله أن يعذبهم بها فى الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " ، " مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ " يعنى الله بذلك يوم أحد فيقول لابد أن يعقد شىء من المحنة للمؤمنين يظهر فيه وليه ويفضح به عدوه يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر ويم أحد أمنحن الله به المؤمنين فظهر به ايمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسولهﷺ وهتك به أستار المنافقين فظهر مخالفتهم زنكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسولهﷺ ، " وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ " أى أنتم لا تعلمون غيب الله فى خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك ، "وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ " الله يختار من يشاء بعلمه ويوحى اليه فالغيب وعلمه بيده وحده كقوله " علم الغيب فى يظهر على غيبه أحدا * الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا " ، " فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ " أى أطيعوا الله ورسوله وما أنزل اليه والى الرسل من قبله جميعا فهم فى شرع الله وتبليغه سواء ، "وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ " وان أطعتم الله ورسوله فيما شرع لكم وتمسكتم بالتقوى فسيكون أجركم عظيما فى الآخرة فى الجنة ونعيمها ، " وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ " لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه بل هو مضرة عليه فى دينه وربما كان فى دنياه ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال "سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ " يوم القيامة يكون هذا المال وبال عليهم وعن أبى هريرة قال قال رسول الله ﷺ : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه – يعنى بشدقيه يقول " أنا مالك أنا كنزك ثم تلا الآية ، "وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ " انفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فان الأمور كلها مرجعها الى الله عز وجل فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم ، " وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ " ان الله خبير عليم بنياتكم وضمائركم .
لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ
قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ
وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ
١٨١ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ
لِّلۡعَبِيدِ ١٨٢ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا
نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ
قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ
قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٨٣ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ
رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ
١٨٤
" لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ " أنزل الله هذه الآية عندما نزل قول الله تعالى" من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة " فقالت اليهود : يا محمد افتقر ربك فسأل عباده القرض ؟ " وعن أبن عباس قال : دخل أبو بكر الصديق ببيت المدراس فوجد من يهود ناسا كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر يقال له أسيع فقال له أبو بكر : ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم فو الله انك لتعلم أن محمدا رسول من عند الله قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكمفى التوراة والانجيل فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ما بنا الى الله من حاجة من فقر وانه الينا لفقير ما نتضرع اليه كما يتضرع الينا وانا عنه لأغنياء ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر رضى الله عنه فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال : والذى نفسى بيده لولا الذى بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله فاكذبونا ما استطعتم ان كنتم صادقين فذهب فنحاص الى رسول الله ﷺ فقال : يا محمد أبصر ما صنع بى صاحبك " فقال رسول الله ﷺ: " ما حملك على ما صنعت يا أبا بكر " فقال : يا رسول الله ان عدو الله قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه فجحد فنحاص ذلك وقال : ما قلت ذلك فأنزل الله فيما قال فنحاص هذه الآية " سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ" تهديد ووعيد أى سيجعل ذلك ويكون حجة عليهم فى الآخرة ، " وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ " اذا كان هذا قولهم فى الله فليس مستغرب ةيشهد عليه معاملتهم رسل الله من قتل لهم بغير حق وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء ، " وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ * ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ " يقال لهم تقريعا وتوبيخا وتحقيرا وتصغيرا فالله يقول لهم يون القيامة ذوقوا عذاب جهنم الذى يحرق أجساكم وهذا جزاءا لما فعلتوه فى الدنيا والله عادل لا يظلم عنده أحد من عباده ، " ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ " يكذب الله ما زعموا فى كتبهم أن الله عهد اليهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته فتقبلت منه أن تنزل نار من السماء تأكلها ، " قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " جاءتكم الرسل بالحجج والبراهين والذى قلتم من نار تأكل القرابين المتقبلة فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم اذا كنتم صادقين تتبعون الحق وتنقادون للرسل ، " فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ " يقول الله تعالى مسليا لنبيه محمد ﷺ لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات وهى الحجج والبراهين القاطعة والكتب المتلقاة من السماء كالصحف المنزلة على المرسلين والكتاب الواضح الجلى وهو القرآن .
كُلُّ نَفۡسٖ
ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ
فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ
ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ ١٨٥ ۞لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ
وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ
وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ
فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ١٨٦
" كُلُّ
نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ
" يخبر الله تعالى جميع البشر بأن كل نفس ذائقة الموت فهو تعالى وحده الحى
القيوم ويقول " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " هو
وحده الذى لا يموت والجن والانس يموتون وكذلك الملائكة وحملة العرش لا يبقى أحد
على وجه الأرض حتى يموت فاذا انقضت المدة وفرغت النطفة التى قدر الله وجودها من
صلب آدم وانتهت
البرية أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها قليلها وكثيرها
كبيرها وصغيرها فلا يظلم أحد " وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ
يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ " ، " فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ
فَقَدۡ فَازَۗ " من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز عن عبد
الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله ﷺ : " من
أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر
وليأت الى الناس ما يحب أن يؤتى اليه " وعن أبى هريرة قال قال رسول الله ﷺ : "
موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا ان شئتم " فَمَن زُحۡزِحَ
عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ " ، " وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ
ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ" تصغير لشأن الدنيا لَتُبۡلَوُنَّ
فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ
مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ
وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ وتحقير لأمرها وأنها دنيئة
فانية قليلة زائلة كما قال " بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى
" ، " لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ " هذه
الدنيا دار اختبار فى الأموال والأموال فتنة هل تنفق ويؤدى حقها أم تمسك وتؤدى
بصاحبها الى التردى والابتلاء فى النفوس بالمرض والصحة فلا بد أن يبتلى المؤمن فى
شىء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله ويبتلى المؤمن على قدر دينه كما قال " ولنبلونكم
يشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال وألنفس والثمرات " وَلَتَسۡمَعُنَّ
مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ
أَذٗى كَثِيرٗاۚ " كان رسول الله ﷺ وأصحابه
يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى وقال تعالى
" ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم
من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره " وكان النبى ﷺ يتأول فى
العفو ما أمره الله به حتى اذن الله له فيهم ، " وَإِن تَصۡبِرُواْ
وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ " أمر الله المسلمين
بالصبر على أذى المشركين وصبر الرسول ﷺ والصحابة
ودخل كل من كان يعاند المسلمين فى الاسلام فكل من قام بحق أو أمر بمعروف أو نهى عن
منكر فلابد أن يؤذى فما له دواء الا الصبر فى الله والاستعانة بالله والرجوع الى
الله .
وَإِذۡ
أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ
لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ
بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ ١٨٧ لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ
يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ
فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ١٨٨
وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ
قَدِيرٌ ١٨٩
" وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ
أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ
فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ
مَا يَشۡتَرُونَ " هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله
عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمخمد ﷺ وأن ينوهوا بذكره فى الناس
فيكونوا على أهبة من أمره فاذا أرسله الله تابعوه فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا
عليه من الخير فى الدنيا والآخرة بالدون والحظ الدنيوى السحيف فبئست الصفقة صفقتهم
وبئست البعة بيعتهم وهذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم وعن
النبى ﷺقال
: " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " ، " لَا
تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ
بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ "
يعنى بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا كما جاء فى الصحيحين عن النبى ﷺ
: " من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده من الله الا قلة " قال
البخارى عن أبى سعيد الخدرى أن رجالا من المنافقين فى عهد رسول الله ﷺ كانوا اذا خرج رسول الله ﷺ الى الغزو
وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ﷺ فاذا قدم رسول الله ﷺ من الغزو
اعتذروا اليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت الآية ولا تحسب أن
هؤلاء ناجون من عذاب الله بل لابد لهم منه ولهذا قال " وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ " وهذا تأكيد أن العذاب
مصيبهم لامحالة ، " وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ
عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ " الله مالك كل شىء فى السموات والأرض والقادر
على كل شىء فلا يعجزه شىء فهابوه ولا تخالفوه واحذروا غضبه ونقمته فانه العظيم
الذى لا أعظم منه القدير الذى لا أقدر منه .
إِنَّ فِي
خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ
لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٩٠ ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا
وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٩١
رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا
لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ ١٩٢ رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا
يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فََٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ
لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَئَِّاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ
١٩٣ رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ
إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ ١٩٤
" إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ " نزل القرآن الكريم ليظل خالدا يخاطب كل عصر بمعجزاته وفى عصر سيدنا موسى عليه السلام كان السحر فكانت آيته العصا عن أبن عباس قال " أتت قريش اليهود فقالوا : بم جاءكم موسى ؟ " قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين " وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى ؟ " قالوا : كان يبرىء الأكمه والأبرص ويخيى الموتى ، فأتوا النبى ﷺ فقالوا : أدع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت الآية ، سبق القرأن عصره لأنه باقى الى يوم القيامة فكان هو معجزة الرسول ﷺ فالرسول لم يحول الصفا ذهبا كمعجزة مادية تزول فى عصرها ولكن نزل يخاطب اعقول فى عصرنا هذا عصر العلم فذكر الى الاهتداء الى الله من خلال عظمة خلقه فطلب التفكر والتدبر وأن هذا الكون لآيات دالات على عظمة ووجود الله بما ينفى الكفر والشرك ففى خلق السموات والأرض والعلم فى عصرنا يكتشف الكون ويتفق مع ما أتى به القرآن ففى خلق هذه السموات فى ارتفاعها واتساعها والمشاهد العظيمة من كواكب سيارات وما فى الأرض من ثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع وغيره لآيات دالات على عظمة الله وقدرتها لا يفهمها الا أولى الألباب أى أصحاب العقول التى تفهم وتعى وكذلك " وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ " أى تعاقب الليل والنهار وتقارضهما الطول والقصر فتارة يطول هذا ويقصر هذا ثم يعتدلان وكل ذلك تقدير العزيز العليم ولهذا قال آيات لأصحاب العقول التامة الزكية التى تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون ، " ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ " وصف الله تعالى أولى الألباب الذين لا ينقطع ذكرهم لله فى كل الأحوال فى حال الصحة وحال المرض وفى جميع جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم وكما ثبت فى الصحيحين عن عمران بن حصين أن رسول الله ﷺ قال : " صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب " ، " وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ " يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وحكمته وعن الحسن البصرى أنه قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة " ، " رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا " ربنا ما خلقت هذا الخلق عبثا بل بالحق لتجزى الذين أسأوا بما عملوا وتجزى الذين أحسنوا بالحسنى ، " سُبۡحَٰنَكَ " تنزهت عن العبث وخلق الباطل يا من هو منزه عن النقائص والعيب والعبث ، " فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ" قنا من عذاب النار بحولك وقوتك وقيضنا لأعمال ترضى بها عنا ووفقنا لعمل صالح تهدينا به الى جنات النعيم وتجيرنا به من عذابك الأليم قنا من عذاب النار بحولك ، " رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ " يا الله انك من تدخله النار فقد أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع يوم القيامة ، " وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ " الظالمين أى الكافرين يوم القيامة لا مجير لهم منك ولا محيد لهم عما أردت بهم ، " رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ " ربنا سمعنا داعيا يدعو الى الايمان به وهو الرسول محمد ﷺ ، " أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فََٔامَنَّاۚ " يقول آمنوا بربكم فاستجبنا له واتبعناه ، " رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا " ربنا اغفر لنا ذنوبنا بايماننا واتباعنا نبيك ، " وَكَفِّرۡ عَنَّا سَئَِّاتِنَا " ربنا كفر ما بيننا وبينك من ذنوب ارتكبناها ، " وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ " ربنا ألحقنا بالصالحين ، " رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ " ربنا آتنا حسن الجزاء على الايمان برسلك أو ما ذكرته على ألسنة رسلك من جنة ونعيم ، " وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ " ربنا لا تظهر خزينا وأهانتنا يوم القيامة على رؤس الخلائق ، " إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ " ربنا الميعاد وهو القيام يوم القيامة بين يديك لابد منك واقع سيحدث ولا يخلف وهو صدق لاريب فيه وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال : ط العار والتخزية تبلغ من أبن آدم فى القيامة فى المقام بين يدى الله عز وجل ما يتمنى العبد أن يؤمر به الى النار " .
فَٱسۡتَجَابَ
لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ
أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن
دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ
عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ
ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ ١٩٥
" فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ " ان المؤمنين ذو الألباب لما سألوا ما سالوا فى الآيات السابقة فاستجاب لهم ربهم عقب ذلك مباشرة وذلك بفاء التعقيب قالت أم سلمة يا رسول الله لا نسمع الله ذكر النساء فى الهجرة بشىء فأنزل الله الآية وفيه " مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ " قال الله لهم مخبرا أنه لا يضيع عامل منكم ليه بل يوفى كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى، " بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ " جميعكم فى ثوابى سواء ، " فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ " الذين تركوا دار الشرك وأتوا الى دار الايمان وفارقوا الاحباب والاخوان والخلان والجيران ، " وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ " الذين ضايقهم المشركون بالاذى حتى ألجؤوهم الى الخروج من بين أظهرهم ، " وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي " الذين تعرضوا للأذى وانكا كان ذنبهم الى الناس أنهم آمنوا بالله وحده ، " وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ "وهذا أعلى المقامات أن يقاتل فى سبيل الله فيقتل وفى الصحيحين أن رجلا قال : يا رسول الله أرأيت ان قتلت فى سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر يكفر الله عنى خطاياى ؟ " قال : "نعم " ثم قال : كيف قلت ؟ فأعاد عليه ما قال فقال : نعم الا الذى قاله لى جبريل آنفا " ،" لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ " جزاءهم أن الله يغفر ويزيل عنهم سيآتهم فى الآخرة ويدخلهم جنات تجرى فى خلالها من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، " ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ " هذا الثواب من عند الله ونسبه الله اليه ليدل عل أنه عظيم لأن العظيم الكريم لا يعطى الا جزيلا كثيرا ، " وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ " الله وحده عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحا .
لَا
يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ ١٩٦ مَتَٰعٞ قَلِيلٞ
ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ١٩٧ لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ
رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا
نُزُلٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّلۡأَبۡرَارِ ١٩٨
" لَا
يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ "
لاتنظر الى
ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور فعما قليل يزول كل هذا عنهم
ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة فانما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا ، " مَتَٰعٞ
قَلِيلٞ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ " متاعهم فى هذه
الدنيا زائل ولن يدوم ويكون مقامهم الدائم الخالد فى جهنم مأوى فيهالعذاب الأليم
كما فى قوله " ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع فى الدنيا ثم
الينا مرجعهم ثو نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون " وهكذا ذكر حال
الكفار فى الدنيا وذكر أن مآلهم النار وقال بعده ، " ٰلكِنِ
ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ
خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ " الذين هم أهل التقوى
والايمان جزاءهم جنات تجرى خلالها الأنهار من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء
غير آسن وغير ذلك
ويعيشون فيها خالدين مخلدين وهى منزلهم الدائم من عند الله كريمة طيبة ،
" وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ
لِّلۡأَبۡرَارِ " عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى ﷺ قال :
" انما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذا
لوالدك عليكحق " فما عند الله من حسن الجزاء فى الجنة هو الخير لهؤلاء
الأبرار .
وَإِنَّ مِنۡ
أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ
أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ
ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ
سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ١٩٩ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ
وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٢٠٠
" وَإِنَّ
مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ
وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ
ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ " يخبر الله تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون
بالله حق الايمان ويؤمنون بما أنزل على محمد ﷺ مع ما هم
مؤمنون به من الكتب المتقدمة أنهم خاشعون لله أى مطيعون له خاضعون متذللون بين
يديه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أى لا يكتمون ما
بأيديهم من البشارة بمحمد ﷺ وذكر صفته ونعته ومبعثه وصفة أمته
وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم سواء كانوا هودا أو نصارى وهذه الصفات فى قليل
من اليهود كما وجد فى عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار
اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس وأما النصارى منهم يهتدون للحق وينقادون وقد ثبت فى
الحديث أن جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه لما قرأ سورة مريم بحضرة النجاشى ملك
الحبشة وعنده البطاركة والقساوسة بكى وبكوا معه حتى أخضبوا لحاهم وثبت فى الصحيحين
أن النجاشى لما مات نعاه النبى ﷺ الى أصحابه وقال : " ان أخاكم
بالحبشة قد مات فصلوا عليه فخرج الى الصحراء فصفهم وصلى عليه وعن أنس بن مالك قال
" لما توفى النجاشى قال رسول الله ﷺ : "
استغفروا لأخيكم " فقال بعض الناس يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض
الحبشةفنزلت الآية ، " لَا يَشۡتَرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ " لايكتمون ما
بأيديهم من العلم كما فعله الطائفة المرذولة منهم بل يبذلون ذلك مجانا ، "
أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ
" عن أبى موسى قال قال رسول الله ﷺ ثلاثة يؤتون
أجرهم مرتين فذكر منهم رجلا من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بى"
، "ٰٓ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ "
قال الحسن البصرى المؤمنين أمروا أن يصبروا على دينهم الذى ارتضاه الله لهم وهو
الاسلام فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين وأن
يصابروا الأعداء وأما المرابطة فهى المداومة فى مكان العبادة والثبات وقيل انتظار
الصلاة بعد الصلاة وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى ﷺ قال :
" ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات اسباغ الوضوء على
المكاره وكثرة الخطا الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" ،
" وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ " عن أبى هريرة عن رسول
الله ﷺ
قال : " من مات مرابطا فى سبيل الله أجرى عليه عمله الصالح تاذى كان يعمله
وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر
" وعن أبن عباس قال سمعت رسول الله ﷺ يقول : " عينان لا تمسهما النار :
عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس فى سبيل الله " .
الجزء الرابع
تفسير سورة النساء
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي
خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا
رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ
وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١
" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ " يأمر الله خلقه بتقواه وهى عبادته وحده لا شريك له ، " ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ " ينبه الله على قدرته التى خلقهم بها من نفس واحدة وهى آدم عليه السلام ،" وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا" وهى حواء خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم فاستيقظ فرآها فأعجبته فأنس اليها وأنست اليه وفى الحديث الصحيح " ان المرأة خلقت من ضلع وان أعوج شىء فى الضلع أعلاه فان ذهبت تقيمه كسرته وان استمتعت بها استمعت بها وفيها عوج " ، " وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ " وذرأ منهما أى آدم وحواء رجالا كثيرا منساء ونشرهم فى أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم ثم اليه بعد ذلك المعاد والمحشر ، " وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ " اتقوا الله بطاعتكم اياه وقال الضحاك واتقوا الله الذى تعاقدون وتعاهدون به واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها ، " إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا " الله مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم وفى الحديث الصحيح " أعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك " .
وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا ٢ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ ٣ وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓٔٗا مَّرِيٓٔٗا ٤
" وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا
تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ
إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ" يأمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى اليهم اذا بلغوا
الحلم كاملة موفورة وينهى عن أكلها وضمها الى أموال من يرعاهم أو مسؤل عنهم ولا
يتعجل الرزق الحرام قبل أن يأتى الرزق الحلال الذى قدره الله بالتعدى على أموال
اليتامى قال السدى كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة
المهزولة ويقول شاة بشاة ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم
ونهى عن مخالطة الأموال أموال اليتامى بأموال من يرعاهم فيأكلها جميعا ، "
إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا " أى اثما عظيما ، ان أكلكم أموالهم مع
أموالكم أثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه وعن أبن عباس أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له
النبى ﷺ : " يا أبا أيوب ان طلاق أم أيوب كان حوبا "
الحوب أى الاثم ، " وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ
مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ " عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضى
الله عنها عن ذلك فقالت : يا ابن أختى هذه اليتيمة تكون فى حجر وليها تشركه فى
ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط فى صداقها فيعطيها
مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن الا أن يقسطوا اليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن
فى الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ، " فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً
أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ " مَثۡنَىٰ
وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ " انكحوا من شئتم من النساء سواهن ان شاء أحدكم اثنتين
وان شاء ثلاثا وان شاء أربعة وعن أبن عمر أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة
فأسلم وأسلمن معه فأمره النبى ﷺ أن يختار منهن أربعا وعن أبى
داود أن عميرة الأسدى قال : أسلمت وعندى ثمان نسوة فذكرت للنبى ﷺ فقال : " اختر منهن أربعا
" وقال الشافعى دلت سنة رسول الله ﷺ المبينة عن الله أنه لايجوز
لأحد غير رسول الله ﷺ أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة وروى عن أنس أن رسول
الله ﷺ تزوج
بخمس عشرة امرأة ودخل منهن بثلاث عشرة واجتمع عنده احدى عشرة ومات عن تسع وهذا عند
العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة ، " فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا
تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ " ان خفتم من
تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن فواحدة كما قال تعالى " ولن تستطيعوا أن
تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " فمن خاف ألا يعدل فليقتصر على واحدة أو على
الجوارى السرارى ، " ذَٰلِكَ
أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ " قال بعضهم ذلك أدنى أن لاتكثر عيالكم ، فانه
كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السرارى ويقول الجمهور
" ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ " ذلك أدنى أن لاتجوروا يقال عال
فى الحكم اذا قسط وظلم وجار وعن عائشة رضى الله عنها عن النبى ﷺ " ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ
أَلَّا تَعُولُواْ " قال : " لا تجوروا " ، " وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ
صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ " قال أبن عباس النحلة المهر وعن عائشة فريضة وقال
أبن زيد النحلة فى كلام العرب الواجب يقول لا تنكحها الا بشىء واجب لها ومضمون
كلامهم أن الرجل يجب أن يعطى المرأة صداقها طيبا بذلك ، " فَإِن طِبۡنَ
لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓٔٗا مَّرِيٓٔٗا " يجب
أن يدف5ع الرجل الصداق الى المرأة كما يمنح المنيحة ويعطى النحلة طيبا بها كذلك
يجب أن يعطى المرأة صداقها طيبا بذلك فان طابت هى له به بعد تسميته أو عن شىء منه
فليأكله حلالا طيبا وعن أبى صالح أن الرجل كان اذا زوج بنته أخذ صداقها دونها
فنهاهم الله عن ذلك ونزل " وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ
" .
وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي
جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ
لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٥ وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ
ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ
أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافٗا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْۚ وَمَن
كَانَ غَنِيّٗا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡۖ وَمَن كَانَ فَقِيرٗا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ
فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَفَىٰ
بِٱللَّهِ حَسِيبٗا ٦
" وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا " ينهى سبحانه عن تمكين السفهاء من التصرف فى الأموال التى جعلها الله تقوم بها معايشهم من التجاوزات وغيرها ، ومن هنا يؤخذ الحجر على السفهاء وهم أقسام فتارة يكون الخجر للصغير فان الصعير مسلوب العبارة ، وتارة يكون الحجر للجنون ، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين وتارة للفلس وهو اذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها فاذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه ، " وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا "عن أبن عباس يقول لا تعمد الى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك وغيرهم ثم تنظر الى ما فى أيديه ولكن امسك مالك وأصلحه وكن أنت الذى تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم وعن أبى أمامة قال قال رسول الله ﷺ : " ان النساء سفهاء الا التى أطاعت قيمها " ، " وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا " قولوا قولا فى البر والصلة ، هذه الآية الكريمة تضمنت الاحسان الى العائلة ومن تحت الحجر بالفعل من الانفاق فى الكساوى والأرزاق وبالكلام الطيب وتحسين الخلق ، " وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ " أى اختبروهم ، " حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ " حتى بلغوا الحلم قال الجمهور من العلماء البلوغ فى الغلام تارة يكون بالحلم وهو أن يرى فى منامه ما ينزل به الماء الدافق الذى يكون منه الولد وظهور علامات سن البلوغ ذكر أم أنثى ، " فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ " اذا وجدتم منهم صلاح فى دينهم وحفظا لأموالهم يرد اليهم أموالهم وقال العلماء اذا بلغ الغلام مصلحا لدينه وماله انفك الحجر عنه فيسلم اليه ماله الذى تحت وليه ، " وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافٗا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْۚ " ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية ةمبادرة قبل بلوغهم ، " وَمَن كَانَ غَنِيّٗا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡۖ وَمَن كَانَ فَقِيرٗا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ " نزلت فى مال اليتيم ووالى اليتيم الذى يقوم عليه ويصلحه له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته واختلفوا عل يرد اذا أيسر ، قول أنه لا لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا لأن الآية أباحت الأكل بالمعروف وان كان غنيا يستعفف عن مال اليتيم وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل رسول الله ﷺ : ليس لى مال ولى يتيم ؟ " فقال : " كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا ومن غير أن تقى مالك أو قال تفدى مالك بماله وقال عامر الشعبى لا يأكل منهالا أن يضطر اليه كما يضطر الى الميتة فان أكل منه قضاه وحسب الآية " ولاتقربوا مال اليتيم الا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده " أى لا تقربوه الا مصلحين له فان احتجتم اليه أكلتم منه بالمعروف ، " فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ " اذا دفعتم اليهم أموالهم بعد بلوغهم الحلم وايناسهم الرشد منهم فحينئذ سلموا اليهم أموالهم فاذا دفعتم اليهم أموالهم ، " فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡۚ " أمر الله تعالى للأولياء أن يشهدوا على الأيتام اذا بلغوا الحلم وسلموا اليهم أموالهم لئلا يقع من بعضهم جحود وانكار لما قبضه وتسلمه ، " وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا " كفى بالله محاسبا وشاهدا ورقيبا على الأولياء فى حال نظرهم للأيتام وحال تسلمهم لأموالهم هل هى كاملة موفورة أو منقوصة منجوسة مروج حسابها مدلس أمورها ؟ الله عالم بذلك كله وثبت فى مسلم أن رسول الله ﷺ قال : " يا أبا ذر انى أراك ضعيفا وانى أحب لك ما أحب لنفسى لا تأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم " .
"لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا ٧ وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٨ وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا ٩ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا ١٠
" لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ " كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا فأنزل الله الآية أى الجميع فيه سواء فى حكم الله تعالى يستوون فى أصل الوراثة وان تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلى به الى الميت من قرابة أو زوجية أو ولاء ، " مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا "له نصيب من الميراث قليلا أو كثير حسب شرع الله وما فرضه ، " وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا " الآية منسوخة فيما بعدها اذا حضر القسمة قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث واليتامى والمساكين فليرضخ لهم من التركة نصيب وان ذلك كان واجبا فى ابتداء الاسلام وقال مجاهد هى واجبة على أهل الميراث ما طابت به نفسهم وقال أبن عباس هذه الآية نسختها الآية التى بعدها ،" يوصيكم الله فى أولادكم " وقال كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض فأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذى حق حقه فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى وصارت الوصية من مال المتوفى يوصى بها لذوى قرابته حيث يشاء ومن قال أنها منسوخة مذهب جمهور الفقاء والآئمة الأربعة وأصحابهم ، " وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا " عن أبن عباس أن هذا فى الرجل يحضره الموت فيسمعه رجل يوصى بوصية تضر بورثته أو الذى يوصى بوصية تضر بورثته أن يتقى الله ويتوقف أو يوقفه ويسدده للصواب أو أن يسدد للصواب فينظر لورثته كما كان يجب أن يصنع بورثته اذا خشى عليهم الضياع يفعل القول والفعل السديد الذى فى مصلحة ورثته وثبت فى الصحيحين أن رسول الله ﷺ لما دخل على سعد بن أبى وقاص يعوده قال يارسول الله انى ذو مال ولا يرثنى الا ابنة أفا أتصدق بثلثى مالى قال : " لا" قال فالشطر قال : " لا " قال : فالثلث " قال : " الثلث والثلث كثير " ثم قال رسول الله ﷺ : " انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " ، قال الفقهاء ان كان ورثة الميت أغنياء استحب للميت أن يستوفى فى وصيته الثلث وان كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث وقيل المراد بالآية فليتقوا الله فى مباشرة أموال اليتامى وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد فى أكل أموال اليتامى ظلما كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك فعامل الناس فى ذرياتهم اذا وليتهم ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلما فانما يأكل فى بطنه نارا ولهذا قال " إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا " أى اذا أكل هؤلاء أموال اليتامى بلا سبب فانما يأكلون نارا تتأجج فى بطونهم يوم القيامة وعن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال : " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : يارسول الله وما هن ؟ " قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التى حرم الله الا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " .
يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ
مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ
ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ
لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ
فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ
فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي
بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ
أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمٗا ١١ ۞
هذه
الآية والتى بعدها آيات علم الفرائض وهو مستنبط من آيات
الميراث الثلاث ومن الأحاديث الواردة فى ذلك " يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ
أَوۡلَٰدِكُمۡۖ " ومعنى الآية يأمركم الله بالعدل فى الأولاد ، " لِلذَّكَرِ
مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ " فان أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث
للذكر دون الاناث فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم فى أصل الميراث وفاوت بين
الصنفين فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وذلك لاحتياج الرجل الى مؤنة النفقة والكلفة
ومعاناة التكسب وتحمل المشاق فناسب لأن يعطى ضعف ما تأخذه الأنثى كانوا فى
الجاهلية لا يعطون الميراث الا لمن قاتل القوم ويعطونه الأكبر فالأكبر " فَإِن
كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ " الثلثين
للبنين من حكم الأختين فى الآية الأخيرة فانه تعالى حكم فيه للأختين بالثلثين ،
واذا ورث الأختان الثلثين يرث البنتان الثلثين بالطريق الأولى ، " وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ
وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ
لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ
فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ"الأبوان
لهما فى الارث أحوال 1- ) ان يجتمعا مع الأولاد فيفرض لكل واحد منهما السدس فان
كان للميت الا بنت واحدة فرض لها النصف والأبوين لكل واحد منهما السدس ، وأخذ الأب
السدس الآخر بالتعصيب فيجمع له بين الفرض والتعصيب 2- ) أن ينفرد الأبوان بالميراث
فيفرض للأم الثالث ويأخذ الأب الباقى بالتعصيب المحض فيكون قد أخذ ضعفى ما حصل
للأم وهو الثلثان فلو كان معهما زوج أو زوجة أخذ الزوج النصف والزوجة الربع واختلف
العلماء ماذا تأخذ الأم بعد ذلك على ثلاثة أقوال 1- ) تأخذ ثلث الباقى فى
المسألتين 2- ) تأخذ ثلث جميع المال 3- ) تأخذ ثلث جميع المال فى مسألة الزوجة
خاصة فانها تأخذ الربع وهو ثلاثة من اثنى عشر وـاخذ الأم الثلث وهو أربعة فيبقى
خمسه للأب وأما فى مسألة الزوج فتأخذ ثلث الباقى لئلا تأخذ أكثر من الأب لو أخذت
ثلث المال فتكون المسألة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث الباقى بعد ذلك وهو
سهم وللأب الباقى بعد ذلك وهو سهمان 3- ) الخال الثالث من أحوال الأبةين اجتماعهما
مع الأخوة سواء كانوا من الأبوين أو من الأب أو من الأم فانهم لا يرثون مع الأب
شيئا ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم فانهم لا يرثون مع الأب شيئا ولكنهم مع ذلك يحجبون
الأم عن الثلث الى السدس فيفرض لهم مع وجودهم السدس فان لم يكن وارث سواها وسوى
الأب أخذ الأب الباقى فعن أبن عباس قال الكلالة من لا ولد له ولا والد ، " مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ
دَيۡنٍۗ " أجمع العلماء أن الدين مقدم على الوصية فعن على بن أبى طالب قال :
انكم تقرءون " من بعد وصية يوصى بها أو دين " ان رسول الله ﷺ
قضى بالدين قبل الوصية " ، "ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا
تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ " يقول تعالى انما فرضنا
للآباء والأبناء وساوينا بين الكل فى أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر فى
الجاهلية وعلى خلاف ما كان عليه الأمر فى ابتداء الاسلام من كون المال للولد
وللأبوين الوصية انما نسخ الله ذلك الى هذا ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم لأن الانسان قد يأتيه النفع الدنيوى أو
الأخروى أو هما من أبيه ما لا يأتيه من ابنه وقد يكون العكس ، ان النفع متوقع
ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من الآخر فلهذا فرضنا لهذا وهذا وساوينا بين
القسمين فى أصل الميراث ، "فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ " هذا الذى ذكرنا
من تفصيل الميراث واعطاء بعض للورثة أكثر من بعض هو فرض من الله حكم به وقضاه ،
" إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا " الله هو الذى يضع الأشياء فى
محالها ويعطى كلا ما يستحقه بحسبه ولهذا قال " إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمٗا " . "
وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ
يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا
تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ
مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ
فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ
أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ
أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ
مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ
بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ
حَلِيمٞ ١٢
" وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞ " يقول تعالى ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم اذا متن من غير ولد ، " ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ " من بعد الوصية أو الدين والدين مقدم على الوصية وبعده الوصية ثم الميراث ، " وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ " وسواء فى الربع أو الثمن الزوجة والزوجتان والثلاث والأربع يشتركن فيه من بعد سداد الدين وبعد الوصية يكون الميراث ، " وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ " الكلالة من الأكلي وهو الذى يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه ، الكلالة من لا ولد له ولا والد أى بدون وريث من عصبه ،" وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ " لو كان له أخ أو أخت من أم لكل واحد منهما السدس والأكثر من ذلك يشتركون فى الثلث وأخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه 1- ) يرثون الأم وهى من أدلوا به 2- ) الذكور والاناث فى الميراث سواء 3- ) لا يرثون مع أب ولا جد ولا ولد ولا ولد ابن فلا يرثون الا اذا كان ميتهم يورث كلالة 4- ) لا يزادون على الثلث وان كثر ذكورهم واناثهم وعن الزهرى أن عمر رضى الله عنه قضى أن ميراث الأخوة من الأم بينهم الذكر مثل حظ الأنثى وذلك فى قوله " فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ " ، " مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ " لتكن الوصية على العدل لا على الاضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة أو ينقصه أو يزيده على ما فرض الله له من الفريضة وعن أبن عباس عن النبى ﷺ قال : الاضرار فى الوصية من الكبائر " ، " وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ " وصية من الله أى بما لا يخالف شرع الله ولا يضاده فى حكمه وشرعه وثبت فى الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال : " ان الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث " .
تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ
وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ
فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٣ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ
مُّهِينٞ ١٤
" تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ
يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ
وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُٱلۡعَظِيمُ" هذه الفرائض والمقادير التى جعلها الله
للورثة بحسب قربهم من الميت واختياجهم اليه وفقدهم له عند عدمه هى حدود الله فلا
تعتدوها ولا تجاوزوها ومن يطع الله ورسوله فيها فلم يزد بعض الورثة ولم ينقصبعضها
بحيلة ووسيلة بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته يدخله جنات تجرى من تحتها أى
فيها الأنهار من كل المشارب عسل ولبن وخمر لم يتغير طعمه وماء غير آسن وهى دار الخلود والنعيم المقيم والفوز بالجنة هو الجزاء والفوز العظيم ،
" وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ
نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ " من عصى الله ورسوله ﷺ وتعدى حدوده لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله فى حكمه وهذا يصدر من عدم
الرضا بما قسم الله وحكم به يجازيه الله بدخول النار يخلد فيها ويجازيه الله
بالاهانة فى العذاب الأليم المقيم وعن أبى هريرة قال قال رسول الله ﷺ : ، ان الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فاذا أوصى وحاف فى وصيته
فيختم له بشر عمله فيدخل النار ، وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل
فى وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة " وعن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال : " ان الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما
الموت فيضران فى الوصية فتجب لهما النار " .
وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ
عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ
حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا ١٥ وَٱلَّذَانِ
يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فََٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ
عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا ١٦
" وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ
عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ
حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا
" كان الحكم فى ابتداء الاسلام أن المرأة اذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست
فى بيت فلا تمكن من الخروج منه الى أن تموت والفاحشة هى الزنا قال أبن عباس كان
الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسختها بالجلد أو الرجم والمتفق عليه أن
الآية منسوخة وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ كان اذا نزل عليه الوحى عرف ذلك فى وجهه فأنزلت " أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ
لَهُنَّ سَبِيلٗا " فلما ارتفع الوحى قال رسول الله ﷺ : خذوا قد جعل الله لهن سبيلا " البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة ،
والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " عن أبن عباس قال لما نزلت سورة
النساء قال رسول الله ﷺ : " لا حبس بعد سورة
النساء " وذهب الجمهور الى أن الثيب الزانى انما يرجم فقط من غير جلد ،
" وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا
مِنكُمۡ فََٔاذُوهُمَاۖ " اللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما قال أبن عباس أى بالشتم والتعيير والضرب بالنعال وكان الحكم كذلك حتى
نسخه الله بالجلد أو الرجم وقال عكرمة وغيره نزلت فى الرجل والمرأة اذا زنيا وقال
السدى نزلت فى الفتيان من قبل أن يتزوجوا وقال مجاهد نزلت فى الرجلين اذا فعلا
وكأنه يريد اللواط وعن أبن عباس مرفوعا قال قال رسول الله ﷺ : " من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ،
" فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ " فان أقلعا
ونزعا عما كانا عليه وصلحت أعمالهما لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك لأن التائب من
الذنب كمن لا ذنب له ، " إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا " الله
يقبل التوبة وهو رحيم بعباده من أمة محمد ﷺ لأنه فى بنى اسرائيل كان لا يقبل توبة من ذنب كان كفارة الذنب هى القتل
كما قال " فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم " .
إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ
يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ فَأُوْلَٰٓئِكَ
يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ١٧ وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ
لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ
قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ
أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٨
" إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا " انما يقبل الله التوبة من عمل السوء بجهالة ثم يتوب ولو بعد معاينة الملك يقبض روحه قبل الغرغرة وعن مجاهد قال كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها وعن أبن عمر عن النبى ﷺ قال : ط ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " وعن أبى هريرة قال قال رسول الله ﷺ : " ان الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر " والله سبحانه وتعالى عليم بجهل وضعف عباده ويتوب عليهم بحكمته فهو أحكم الحتكمين حتى ينصلح حالهم ولا يقنطون من رحمته وعن أبى سعيد عن النبى ﷺ : قال قال ابليس : يارب وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم فى أجسادهم فقال الله عز وجل وعزتى وجلالى لا أزال أغفر لهم ما استغفرونى " فمن تاب الى الله عز وجل وهو يرجو الحياة وان توبته مقبولة ، "وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا " وأما متى وقع الاياس من الحياة وعاين الملك وخرجت الروح فى الحلق وضاق بها الصدر وبلغت الخلقوم وغرغرت النفس صاعدة فلا توبة حينئذ ولات حين مناص والكافر اذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض ومن يعملون السيئات ولا يتوبون ومن ماتوا على الكفر والشرك ليس لهم توبة بل أعد الله لهم العذاب الأليم الموجع الشديد المقيم فى جهنم .
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ
أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ
مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ
بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡٔٗا
وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا ١٩ وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ
زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ
مِنۡهُ شَيًۡٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ٢٠ وَكَيۡفَ
تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم
مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا ٢١ وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ
إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا ٢٢
" يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ
" عن أبن عباس قالوا اذا مات الرجل كان أواياؤه أحق بامرأته ان شاء بعضهم
تزوجها وان شاءوا زوجوها وان شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت الآية
" وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ
" عن أبن عباس قال الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر
فيضرها لتفتدى به وعن أبن السلمانى قال نزلت احداهما فى أمر الجاهلية والأخرى فى
أمر الاسلام قال عبد الله بن المبارك يعنى قوله " لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن
تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ " فى الجاهلية و " وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ
" فى الاسلام ، " إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ "
قال أبن مسعود وأبن عباس وغيرهما يعنى بذلك الزنا اذا زنت فلك أن تسترجع منها
الصداق الذى أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها وقال أبن عباس وعكرمة والضخاك
الفاحشة المبينة النشوز والعصيان واختار أبن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان
والنشوز وبذاءة اللسان وغير ذلك يعنى أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو
بعضه ويفارقها ، " وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ "أى طيبوا أقوالكم
لهن وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها
فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى " ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف "
وقال رسول الله ﷺ : " خيركم خيركم لأهله وأنا
خيركم أهلى ، " فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡٔٗا
وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا" فعسى أن يكون صبركم فى امساكهن
مع الكراهة فيه خير كثير لكم فى الدنيا والآخرة وفى الحديث الصحيح " لا يفرك
مؤمن مؤمنة ان سخط منها خلقا رضى منها آخر ، " وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ
إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيًۡٔاۚ " اذا أراد أحدكم
أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها فلا يأخذ مما كان أصدق الأولى شيئا ولو كان
قنطارا من مال وفى هذه الآية دلالة على جواز الاصداق بالمال الجزيل عن عبد الرحمن
السلمى قال قال عمر بن الخطاب : لا تغالوا فى مهور النساء " فقالت امرأة :
ليس ذلك لك يا عمر الله يقول " وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا ( من
ذهب ) فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيًۡٔاۚ
أَ " فقال عمر : " امرأة خاصمت
عمر فخصمته " ، " أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا "
أخذ صداق المرأة فيه ظلم وفيه ذنب واضح بين وهذا نهى عن ظلم المرأة بأخذ صداقها ،
" وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ
وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا "وكيف ـاخذون الصداق من المراة ةقد أفضيت
اليها وأفضت اليك قال أبن عباس يعنى بذلك الجماع وفى سنن أبى داود وغيره عن نضرة
بن أبى نضرة أنه تزوج امرأة بكرا فى خدرها فاذا هى حامل من الزنا فأتى رسول الله ﷺ فذكر ذلك له
فقضى لها بالصداق وفرق بينهما وأمر بجلدها وقال " الولد عبد لك "
والصداق فى مقابلة البضع " وقال أبن عباس الميثاق الغليظ هو عقد الزواج وعن
جابر فى خطبة حجة الوداع أن النبى ﷺ قال فيها
واستوصوا بالنساء خيرا فأنكم أخذتموهن بأمانة الله واستخللتم فروجهن بكلمة الله "
، " وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا
قَدۡ سَلَفَۚ " يحرم الله تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم واعظاما واحتراما أن
توطأ من بعده حتى أنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها وهذا أمر مجمع عليه عن أبن
عباس قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله الا امرأة الأب والجمع بين الأختين
فأنزل الله تعالى الآية وكان نكاح الآباء معمولا به فى الجاهلية ، " مَا قَدۡ سَلَفَۚ " يعنى ما كان فى الجاهلية قبل الاسلام وقد فعل ذلك
كنانة بن خزيمة تزوج بامرأة أبيه فأولدها النضر وقال النبى ﷺ : "
ولدت من نكاح لا من سفاح " وكانوا يعدون ذلك نكاحا وعلى كل تقدير فهو حرام فى
هذه الآية مبشع غاية البشع لذلك قال تعالى " إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ
وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا " ثلاثة صفات فاحشة وبغض شديد له من الله وبئس
طريقا لمن سلكه أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو ملك أو شبهة
واختلفوا فيمن باشرها بشهوة دون الجماع أو نظر الى ما لا يحل له النظر اليه منها
لو كانت أجنبية.
حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ
وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ
وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ
وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن
نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم
بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ
أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ
إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٢٣ ۞
" حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ " هذه الآية من أيات التحريم تحريم المحارم من النسب وما يتبعه من الرضاع والمحارم بالصهر وعن أبن عباس قال : حرمت عليكم سبع نسبا وسبع صهرا ، حرم من النسب الأمهات والبناتن والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وما يحرم من النسب يحرم من الرضاعة كما يحرم عليك أمك التى ولدتك كذلك يحرم عليك أمك التى أرضعتك فعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله ﷺ قال : " ان الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " وفى لفظ مسلم " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " احتلف الأئمة فى عدد الرضعات المحرمة ذهب ذاهبون الى أنه يحرم مجرد الرضاع لعموم الآية وقال آخرون لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لما ثبت فى صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال : " لا تحرم المصة والمصتان " وعن أم الفضل قال قال رسول الله ﷺ : " لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان " وعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى النبى ﷺ وهن فيما يقرأ من القرآن " وفى حديث سهلة بنت سهيل أن رسول الله ﷺ أمرها أن ترضع سالما مولى أبى حذيفة خمس رضعات وكانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل عليها أن يرضع خمس رضعات وليعلم أنه لابد أن تكون الرضاعة فى سن الصغر دون الحولين على قول الجمهور كما فى قوله تعالى " يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ،" وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ " أم المرأة فانها تحرم بمجرد العقد على بنتها سواء دخل بها أو لم يدخل بها ، وأما الربيبة فهى بنت المرأة فلا تحرم حتى يدخل بأمها فان طلق الأم قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج بنتها وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى ﷺ قال : " اذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل فاذا تزوج بالأم فلم يدخل بها ثم طلقها فان شاء تزوج الأبنة ، " ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ " نكحتموهن أو الوصول بالجماع وفى اجماع الجميع أن خلوة الرجل بامرأة لا تحرم ابنتها عليه اذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها وقبل النظر الى فرجها بشهوة ، " وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ " حرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهن من أصلابكم يخترز بذلك من الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم فى الجاهلية كما قال تعالى " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم " ، " وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَ " وحرم عليكم الجمع بين الأختين فى النكاح ومن أسلم وتحته أختان خير فيمسك أحداهما ويطلق الأخرى ، " ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا " الله يغفر ما حدث منكم قبا الاسلام " الا ما قد سلف " ورحمته واسعة بعباده .
No comments:
Post a Comment