Grammar American & British

Thursday, April 29, 2021

معجزات القرآن والسنة - تحديد قبلة مسجد اليمن ( 6 )

 معجزات القرآن والسنة ( 6 )



من اعجاز الرسول ﷺ فى تحديد قبلة أول مسجد بنى باليمن

كلف الرسول ﷺوبر بن يوحنث بأن يتوجه الى اليمن ويبنى أول مسجد هناك وحدد له قبلة هذا المسجد بالنسبة للمسجد الحرام فى مكة وقد برز الاعجاز بتصوير الأقمار الصناعية فى العصر الحديث حيث وقعت القبلة فى المسجد الذى بنى فى عصره على خط مستقيم مع المسجد الحرام بمكة وهو لم يعرف عنه أنه سافر الى اليمن ، وحتى لو سافر وحتى فى وقتنا الحالى نستخدم الخرائط والأجهزة المساحية وكل وسائل العلم الحديث لنعرف اتجاه القبلة ، فلا يمكن أن يحدث ذلك الا من وحى الله سبحانه وتعالى والبناء الأصلى للمسجد القديم موجود ضمن الجامع الكبير فى صنعاء وقد حددت القبلة باتجاه الصخرة الململمة فى أعلى جبل ضين الذى يبعد عن صنعاء بثلاثين كيلومترا وأمر الرسول ﷺ وبر بن يوحنث باستقبالها ويحد المسجد القديم المسمورة ويقابلها المنقورة وقد حافظ أهل اليمن عليهما والقبلة محددة بزاويتين بين المسمورة والمنقورة وتسير على خط مستقيم مع الصخرة الململمة أعلى قمة جبل ضين وكان المكان فى الماضى خاليا من البناء ومن السهل رؤية القمة أعلى الجبل أما فى الوقت الحالى فقد كثر البناء ويوجد الآن فى الجبل شمالى صنعاء معسكر ومحطة لتقوية الارسال الاذاعى والتليفزيونى ، ولا يمكن ان يفسر ذلك الا أنه آية أخرى على وحى الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم ﷺ .  

معجزات القرآن والسنة الاعجاز القرآنى فى الذباب ( 5 )

معجزات القرآ ن والسنة ( 5 ) 


الاعجاز القرآنى فى الذباب

قال تعالى " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يتنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " الحج 73
اثبت العلم الحديث الاعجاز العلمى لهذه الاية ، فالذبابة تمد فمها من أسفل رأسها الى السطح المقابل له مكونة بذلك أنبوبا لامتصاص الطعام ، واذا نظرت بدقة الى الأنبوب الماص لوجدت أن الطرف الملامس لسطح الطعام متسعا وكأنه مكنسة كهربائية ، بعد ذلك تبدأ الذبابة بفرز افرازاتها التى تمكنها من تخليل وامتصاص ولعق المواد الكربوهيدراتية وغيرها الموجودة فى الطعام ثم تبدأ هذه المواد بالتحلل الى مواد بسيطة التركيب لمساعدتها على امتصاصه خلال الأنبوب ، فالذباب لا يملك جهاز هضمى معقد لذلك يلجأ الى الهضم الخارجى وذلك من خلال افراز عصارات هاضمة على المادة المراد التغذية عليها ، ثم تدخل هذه المواد المهضومة خارج الجسم الى الأنبوب الهضمى حتى يتم امتصاصها لتسير فى الدورة الدموية الى خلاياه ويتحول جزء منها الى طاقة تمكنه من الطيران ، وجزء آخر الى خلايا أو أنسجة ومكونات عضوية ، وجزء أخير الى مخلفات يتخلص منها جسم الذباب ، فان قام العلماء باستخراج ما فى بطن الذبابة فانه لن يكون هو نفس الطعام الذى سلبته الذبابة وانما يحتاج الى تجميع مركباته التى قد تفتت فلهذا السبب لا نستطيع استنفاذه والعجز يأتى من أن الطعام وحتى قبل دخوله الى ماصة قم الذبابة طرأ عليه التغيير .  ولوحظ أنه لو أراد العلماء أخذ الطعام من فم الذبابة ولو من بداية دخوله الماصة فان ذلك لن يجدى شيئا وذلك أن الطعام قد تحول الى مركبات مختلفة تماما حتى قبل امتصاصه لذلك لا يتنقذوه منه أبدا .

 حديث الذبابة

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله قال : اذا ولغ الكلب فى اناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات  " رواه مسلم ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله " طهور اناء أحدكم اذا ولغ فيه الكلب أأن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب " رواه مسلم ، وفى حديث آخر " اذا ولغ الكلب فى اناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب " رواه أحمد ومسلم فى كتاب الطهارة .

وقد ثبت علميا أن التراب يحتوى على مادتين قاتلتين للجراثيم حيث أن العلم الحديث أثبت أن التراب يحتوى على مادتين هما تتراكسلين والتتاراليت وتستعملان فى التعقيم ضد بعض الجراثيم ، وعند فحص تراب المقابر لم يجدوا فى التراب أثر للجراثيم الضارة المؤذية فاستنجوا أن للتراب خاصية قتل الجراثيم الضارة لولا ذلك لانتشر خطرها واستفحل وقد سبقهم الرسول الى ذلك والغسل بالتراب يسحب اللعاب والفيروسات الموجودة أما الغسل ببالماء فلا يفعل ذلك .

الذبابة الاستثنائية

" ان الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له "

بالرغم من أن معظم الذباب لا يمتلك حاسة سمع جيدة فان ذبابة " أورميا أوكراسيا " ضئيلة الحجم التى لا يتعدى طولها سنتيمترا واحدا تتميز بأن لها قدرة سمعية استثنائية ، وسمعها مرهف وحاد للغاية وبامكانها تحديد اتجاه الصوت بدقة عالية وتقوم آذان الذباب بدور الميكرفون الاتجاهى الدقيق عالى الحساسية بارع التصميم .

ويؤكد " دون هوى " عالم بيولوجيا الأعصاب فى جامعة كورنيل على أن الآذان التى لا تزيد عن نصف المليمتر التى تحدد اتجاه الصوت بدقة لا يماثلها فى البراعة أى جهاز سمعى فى أى حيوان آخر ، والذبابة تحتاج هذا الجهاز السمعى المتطور لايجاد نوع من حشرات صرصور الليل الكريكت لتتطفل عليه ويتميز باصدار أصوات تشبه الغناء ويحتاج اناث هذا النوع من الذباب الحاسية السمعية للبحث عن مكان مناسب لوضع بيضها ، وهذا النوع يحدد اتجاه الصوت فى فترة زمانية ضئيلة تبلغ 50 نانو ظ ثانية بينما يحتاج الانسان الى فترة زمنية تصل الى ألف ضعف لتلك الفترة . 

معجزات القرآن والسنة الوراثة وتوارث الصفات ( 4 )

معجزات القرآن والسنة ( 4 ) 


الوراثة  Heredity  وتوارث الصفات Genetics

روى الامام البخارى عن أبى هريرة رضى الله عته أن رجلا أتى النبى ﷺ وقال : يا رسول الله ولد لى غلام أسود فقال : هل لك من ابل ؟ قال : نعم قال : ما ألوانها ؟ قال : أحمر قال : هل فيها من أورق ؟ قال : فأنى ذلك ؟ قال : لعل نزعه عرق قال : فلعل ابنك هذا نزعه عرق " أخرجه البخارى .
يطرح الرسول ﷺ بكل موضوعية نظرية الطفرات أو النزعات التى تشوب الموروث الجينومى أى مجموع المورثات التى تقنن صفات الانسان وما يترتب عن ذلك من خلل فى التشابه البيولوجى الأفقى ( تشابه نفس الجيل كالأخوة ) والعمودى ( تشابه أفراد نفس النسل كالأجداد ثم الآباء ثم الآبناء ) وهذه الطفرات تظهر بصفة سريعة وسهلة فى أحاديات الخلية غير حقيقيات النواة unicellulaires procaryotes  أو البكتيريات .
- وعن عائشة رضى الله عنها " تخيروا لنطفكم فان العرق دساس " .
- " تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء ، وأنكحوا اليهم " أخرجه أبن ماجع والحاكم .
- " أنظر فى أى نصاب تضع ولدك فان العرق دساس " أخرجه أبن عدى والقضاعى وابن الجوزى فى العلل المتناهية .
هذه الأحاديث عن الصفات المتنحية فى الموروث الجينومى للانسان وامكانية ظهور صفات وأمراض متنحية منذ القدم وموروثة عن الاجداد بعد أجيال لا يعلم الا الله بها .
وهناك صفتان الأولى حميدة ( مثل لون قزحية العين ) والثانية فسيولوجية مرضية ( مثل فقر الدم المنجلى ) يمكن أن يمتدا فى كل النسل عبر أجيال لا يعلم مداها الا الله سبحانه وتعالى .
وهذه الطفرات تتميز بالعشوائية أى أنها بدون أن تخطيط أو برمجة ، والتلقائية اذ قد تظهر بدون أى سبب أو محفز وان كانت بعض العوامل الكيمياوية والاشعاعية ( أشعة س أو ألفا وبيتا المتخلفة عن القنابل النووية تساعد على ظهورها وهى كذلك نادرة ، اذ قد تظهر واحدة فى كل مستعمرة مكونة من مائة ألف أو مائة مليون من البكتيريات .

وعند النظر الى لفظ " دس " فى اللغة منها " دساس " تعنى ادخال شىء فى تراب أو غيره " أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب " قصد اخفاءه مع المحافظة عليه وليس قصد رميه مثل " دس الكنز فى التراب " وهو بالضبط ما يحصل مع اتلحليلة المتنحية ، اذ أنها تظهر مختفية من جيل الى جيل ، ثم وبأمر من حكيم قدير يجمع بين شخصين يحملانها فى موروثمهما الجينومى ، يكتب له الظهور ولو بعد أجيال عديدة ، أما اذا كان أحد الزوجين لا يحمل فى موروثه أية حليلة متنحية لمرض معين فلن يكتب لذلك المرض باذن الله أبدا الظهور فى تلك السلالة ، وهذا هو بالضبط ما يحث عليه الحديث الشريف " تخيروا لنطفكم " والتقاء شخصين كان جديهما يحملان نفس المرض الوراثى المتنحى هو نوعا ما احتمال ضعيف فان هذا الاحتمال يكبر فى حالة جد مريض مشترك بين الزوجين أى فى حالة زواج الأقارب ( زواج أبناء العمومة والخؤولة ) فنسبة ظهور المرض فى الأحفاد تكون 25 % وهى نسبة عالية اذا كانت احتمال لظهور مرض خطير أو تشوه خلقى مثلا ، ولذا يجب اختيار السلالة السليمة للمصاهرة اقتداءا بهدى نبينا الصادق المصدوق " تخيروا لنطفكم " ولا يهم أن تكون السلالة أى زواج الأقارب ما دام الجد والجدة المشترك بخير وعافية ، وقد تطرق الرسول ﷺ الذى لا ينطق عن الهوى لقوانين الوراثة وله السبق.

Thursday, April 15, 2021

تبسيط تفسير أبن كثير للقرآن الكريم ( 14 )

الجزء الرابع عشر

تفسير سورة الحجر

سورة مكية ماعدا الآية 87 فمدنية وآياتها 99 نزلت بعد سورة يوسف وفيها كل سمات السور المكية لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت العقيدة من ذكر آيات الله فى الكون والتذكير بما حدث للأمم المكذبة من قبل وتحذير الكفار من قريش وغيرها من أهل مكة من عذاب الله والتبشير بالجنة والتنفير من النار .

الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ ١ رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ ٢ ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٣

" الٓر " لقد تقدم الكلام على الحروف المقطعة فى أوائل السور فى سورة البقرة ، " تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِين " يشير الله الى القرآن وآياته بأنه الكتاب الذى أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع يقول وقرآن مبين فهذا كتاب منزل من الله وقرآن واضح مفصل يقرأ فهنا كلمتان كلمة كتاب من الكتابة وقرآن من القراءة فهو يكتب ويحفظ فى الكتب وفى العقول والنفوس ويدون ويقرأ وتردده الألسن وتسمعه المسامع  فهو قرآن لكل الحواس الفهم والعقل والقلب والعين والأذن وهو كتاب منزل مثل ما سبقه من كتب الله ، " رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ " اخبار عن الله تعالى قيل هذا اخبار عن يوم القيامة عن أن الكافرين سيندمون على ما كانوا عليه من الكفر ويتمنون لو كانوا فى الدنيا مع المسلمين كما فى قوله " ولوترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين " وقيل أن المراد أن كل كافر يود عند احتضاره وموته أن لو كان مؤمنا وقد وردت أحاديث فى ذلك فعن أبى موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذا اجتمع أهل النار فى النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين ألم تكونوا مسلمين ؟ " قالوا : بلى " قالوا : فما أغنى عنكم الاسلام وقد صرتم معنا فى النار ؟ " قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فسمع الله ما قالوا فأمر بمن كان فى النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما راى ذلك من بقى من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ ١ رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ " ، " ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ "  هذا تهديد شديد للذين كفروا ووعيد أكيد ذرهم أى أتركهم لله وحده  وكفى ما قلته لهم من الموعظة وهم يعيشون ويتمتعون فى الدنيا مثل الحيوانات يتمتعوا بالأكل ويتمتعوا بمتع الدنيا دون تفكرمنهم وتدبر لما سيصير عليه حالهم فى الآخرة ، " وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ " يلههم الأمل فى الدنيا والاستزادة منها عن التوبة والانابة ، " فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ " يهددهم الله تعالى أنهم سيعلمون بعد فوات الأوان عاقبة أمرهم السيئة فى الآخرة .   

وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٞ مَّعۡلُومٞ ٤ مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ ٥

" وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٞ مَّعۡلُوم " يخبر الله تعالى أنه ما أهلك قرية الا بعد قيام الحجة عليها وانتهاء أجلها ، " مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ " هذا تنبيه لأهل مكة وارشاد لهم الى الاقلاع عما هم فيه من الشرك والعناد والالحاد الذى يستحقون به الهلاك اذا جاء أجل الله وقضاؤه والأجل المحتوم من عند الله لأمة من الأمم سيكون فى معاده لا يقدم ولا يؤخر كما كان مع كل الأمم السابقة التى كذبت الرسل وأهلكت .

 وَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ ٦ لَّوۡ مَا تَأۡتِينَا بِٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٧ مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوٓاْ إِذٗا مُّنظَرِينَ ٨ إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩

" وَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُون " يخبر الله تعالى عن كفر وعناد المشركين حينما يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ايها الذى نزل عليه الذكر وهو القرآن وتدعى أنه منزل من عند الله انك مجنون فى دعائك ايانا الى اتباعك وترك ما وجدنا عليه آباءنا ،  " لَّوۡ مَا تَأۡتِينَا بِٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ" هلا أئتنا بالملائكة يشهدون لك بصحة ما جئت به لتدلل على صدقك بالرغم من أنهم كانوا قبل الدعوة يدعوه الصادق الأمين وهذا كقول فرعون عن موسى عليه السلام " فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين " ، " مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوٓاْ إِذٗا مُّنظَرِينَ " قال مجاهد ما ننزل الملائكة الا بالرسالة والعذاب وهم منظرين أى لهم أجل لذلك وموعد أمهله الله كما قال الله لأبليس انك من المنظرين أى لكم هلة نمهلها ويأتى قضاء الله المحتوم  أى لو بعث الملائكة فلا ينزلون عليهم الا بالعذاب المستحق ويكون امهال الله لهم قد انتهى كما فى قوله " وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا فى أنفسهم وعتوا عتوا كبير * يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا " ، " إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ " قرر تعالى أنه هو الذى نزل الذكر وهوالقرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل ، هذه آية من الله تعالى فالقرآن هو الكتاب السماوى الوحيد الذى حفظه الله كما أنزل من السماء لم ولن يمسه التحريف وهو معجزة الله الخالدة الى يوم القيامة وقد حفظ فى الصدور وكان كتاب الوحى يسجلونه وقام الخليفة أبو بكر الصديق بجمعه وقام الخليفة عثمان بن عفان بكتابة المصحف العثمانى المسمى بأسمه وهو محفوظ حتى الآن وموجود ونسخت منه المصاحف ووسائل التسجيل فى عصرنا الحديث مسموعة ومقروءة ومكتوبة تحفظ القرآن وتنشره كما أنزل لا تحريف فيه ولا تبديل كما حدث مع ما سبقه من الكتب .

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي شِيَعِ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٠ وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ١١ كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٢ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣

" وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي شِيَعِ ٱلۡأَوَّلِينَ " يقول الله تعالى مسليا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من كفار قريش أنه أرسل رسل من قبله من الأمم الماضية ، " وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " ما أتى أمة من رسول الا كذبوه واستهزءوا به ، " كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ " أخبر الله تعالى أنه سلك التكذيب فى قلوب المجرمين الذين عاندوا واستكبروا عن اتباع الهدى وقال أنس والحسن البصرى يعنى الشرك فى قلوب المجرمين المكذبين ، " لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ " المجرمون الذين لم يؤمنوا بما أنزل الله وكذبوا رسله الله علم ما فعل بمن كذب رسله من الهلاك والدمار وكيف أنجى الله الأنبياء وأتباعهم فى الدنيا والآخرة وهذه سنته فيمن كان من الأولين من قبل وهذا انذار من الله للمشركين من قريش .  

وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ ١٤ لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ ١٥

" وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ " يخبر الله تعالى عن قوة كفر الكفار وعنادهم ومكابرتهم للحق أنه لو فتح لهم بابا من السماء فجعلوا يصعدون فيه لما صدقوا بذلك ، " لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ " رغم ذلك فانهم لا يصدقون بعد أن يريهم الله آية من آياته حتى يصدقون ويتبعون الرسل يقولوا كما قال أبن عباس شبه علينا وانما سحرنا وقال مجاهد وأبنكثير والضحاك سدت أبصارنا وقال قتادة عن أبن عباس أخذت أبصارنا وأنهم قد مسهم السحر حيث أتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر ولم يتبعوه .

وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ ١٦ وَحَفِظۡنَٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٍ ١٧ إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ ١٨ وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ ١٩ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ ٢٠

يذكر الله قدرته وآياته فى الكون الدالة لكفار قريش حتى يؤمنوا ويتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالدليل العلمى العقلى والمنطقى " وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ " يذكر الله تعالى خلقه السماء وما زينها به من الكواكب لمن تأمل وكرر النظر فيما يرى من العجائب والآيات الباهرات وفى تفسير أبن كثير انعكاس لما كان عندهم أما فى العصر الحديث فقد تقدم علم الفلك واتى بمعلومات تذهل العقول وأرقام يعجز عن تصورها الفهم وفرق بين الكوكب والنجم وغيرها من الأجرام السماوية ونحن لا نرى من السماء الا النذر اليسير فالكون متسع وفيه من الأجرام السماوية ما لايحصى وقد خاطب القرآن كل العصور فخاطب العرب وخاطب عصرهم بما يفهمون من أن السماء ذات كواكب تلمع فتزين السماء أليست دليل على قدرة الواحد الخالق وفى القرآن ما لم تدركه العقول حتى عصرنا هذا ومن يريد المزيد يقلب صفحات الاعجاز العلمى فى القرآن والسنة وبخاصة للدكتور زغلول النجار ، " وَحَفِظۡنَٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٍ " كانت الشياطين تسترق السمع فيرسل الله عليهم الشهب قال عطية العوفى جعل الله الشهب حرسا من مردة الشياطين لئلا يسمعوا الى الملأ الأعلى ، " إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِين " فمن تمرد وتقدم منهم  لاستراق السمع جاءه شهاب شديد القوة فأتلفه ، " وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا " ذكر الله خلقه للأرض وبسطه لها حتى تكون ميسرة للعيش ، " وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ " خلق الله الجبال فى الأرض راسية راسخة فيها تمتد متعمقة فى الأرض تثبتها كأوتاد الخيمة تحفظها وترتفع فوق الأرض  وهذا قد أثبته العلم الحديث ، "وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُون " أنبت الله فى الأرض ما يحفظ توازنها والحياة فيها وهذا يحتاج الى دراسة علمية مستفيضة فيها من الشجر والثمر والمحاصيل وكل شىء فيها يجعل الحياة مستمرة على الأرض متوازنة واذا تدخل الانسان أخل بهذا التوازن لو قطع الأشجار ليزرع المحاصيل كما هو الحال فى غابات الأمزون لأختل كل شىء ونقص الأكسجين على سطح الأرض وهكذا من الآيات الدالات على قدرة الله الخالق مما ينزع الكفر ويزرع الايمان فى القلوب ، " وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ " يسر الله الحياة فى الأرض ومعايش جمع معيشة والمعايش تختلف من مكان لآخر فهى ليست معيشة واحدة واكتساب الرزق يختلف من حيث المصدر والكيفية من يعيش على رزق البحر ومن يعيش على التعدين ومن يعيش على الزراعة وهكذا ولكن احتياجات الانسان فى الحياة واحدة من مأكل وملبس وسكن ، " وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ " قال مجاهد هى الدواب والأنعام  واللفظ شامل لكل من يرتزق فى الأرض ومنها وما من دابة الا على الله رزقها وكل يرتزق بما يسر له والقصد أنه تعالى يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب وصنوف المعايش ، وبما سخر لهم من الدواب التى يركبونها والأنعام التى يأكلونها ورزقهم على خالقهم فلهم هم المنفعة والرزق على الله تعالى .

وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ ٢١ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ ٢٢ وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ ٢٣ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَٔۡخِرِينَ ٢٤ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ ٢٥

" وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ "  يخبر الله تعالى أنه مالك كل شىء وأن كل شىء سهل عليه يسير لديه وأنه عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف ، " وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُوم " كل شىء ينزله الله بمشيئته بمقدار يقدره ويعلمه فكل شىء انزله الله على الأرض وينزله ينزله بقدرته وبعلمه هو أنزل الحديد والمعادن التى على الأرض وفى بطن الأرض وينزل المطر بقدر معلوم عنده وهو عنده مفاتيح كل شىء وتتنوع فى الأرض المعادن وما تحويه الأنهار والبحار من رزق وكائنات تكثرهنا وتقل هناك وتوجد هنا ولا توجد هناك فكلمة شىء تشير الى كل ماهو موجود ومنزل ويتنزل فى الأرض وعلى الأرض وهو معلوم لله سبحانه وتعالى ، " وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ " هذه آية من آيات الاعجاز العلمى وهى الرياح لواقح فالمطر حسب العلم الحديث يسقط نتيجة ارتطام السحاب الذى يتحرك بفعل الرياح والرياح اللواقح يمكن ان تكون التى تحمل حبوب اللقاح ولكن المعنى غير متصل لارتباطه بسقوط المطر ،" فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ " ينزل المطر للسقيا وصلاة الاستسقاء تصلى لطلب سقوط المطر من الله وكذلك ينبت الله بالماء الزرع والثمار غيرها وأختص السقيا لشدة احتياج الانسان للماء للسقى ليستمر فى الحياة اذ بدون الماء يموت الانسا ن والسقيا تكون أيضا للزرع والثمار ، " وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ " وما أنتم بحافظين للماء بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معينا وينابيع فى الأرض ولو شاء الله لأغاره وذهب به ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا وحفظه فى العيون والآبار والأنهار وغير ذلك ليبقى لهم فى طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم ، " وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ " اخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق واعادته وأنه هو الذى أحيا الخلق من العدم ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع وأخبر تعالى أنه يرث الأرض ومن عليها واليه يرجعون ، " وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَٔۡخِرِينَ " أخبر تعالى عن تمام علمه بالخلق أولهم وآخرهم وقال أبن عباس المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام والمستأخرون من هوحى ومن سيأتى الى يوم القيامة ، " وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيم " الله سبحانه وتعالى هو الذى يجمع الناس يوم القيامة فى يوم الحشر بعد أن يبعثهم من قبورهم وهو الذى يسير الأمور بحكمته علمه  وهو عليم بكل شىء محيط به .   

وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ ٢٦ وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ ٢٧

" وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰل" يتحدث الله عن خلق الانسان فى مرحلة من مراحل خلقه وهى الصلصال والمراد التراب اليابس وهذا كقوله " خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار " ، " مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُون " أى الصلصال من حمأ وهو الطين والمسنون الأملس الصقيل وقال أبن عباس هو التراب الرطب وعن أبن عباس أيضا ومجاهد والضحاك أن الحمأ المسنون هو المنتن وقيل المراد بالمسنون هنا المصبوب ، " وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُوم " والجان خلق من قبل الانسان ِمن نار السموم التى تقتل وعن أبن عباس ان الجان خلق من لهب النار وقد ورد فى الحديث الصحيح " خلقت الملائكة من نور وخلقت الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " والمقصود من الآية التنبيه على شرف آدم عليه السلام وطيب عنصره وطهارة محتده .

وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ ٢٨ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ٢٩ فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ ٣٠ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ٣١ قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ  ٣٢ قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ ٣٣

" وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُون"  يذكر الله تعالى تنويهه بذكر آدم فى ملائكته قبل خلقه له من الطين  ،" فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ "  تشريفه اياه بأمر الملائكة بالسجود له بعد أن يخلقه وينفخ فيه الروح  ، " إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ "   ويذكر تخلف ابليس عن السجود له من بين الملائكة ، " قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ " سأل الله ابليس عن ما منعه من السجود وعصيان أمره له  ، " قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُون " قال أبليس  حسدا وكفرا وعنادا واستكبارا وافتخارا بالباطل أنه لا يسجد لمن خلق من مادة أقل منه ومن هو أضعف منه وأقل شأنا .

قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٞ ٣٤ وَإِنَّ عَلَيۡكَ ٱللَّعۡنَةَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٣٥ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ٣٦ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ ٣٧ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ ٣٨

" قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِيم " يذكر تعالى أنه أمر ابليس أمرا كونيا لايخالف ويمانع بالخروج من المنزلة التى كان فيها من الملأ الأعلى وأنه رجيم أىمرجوم ، " وَإِنَّ عَلَيۡكَ ٱللَّعۡنَةَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ " أتبع الله لعنته المتصلة اللاحقة المتواترة الى يوم القيامة ، " قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ " طلب ابليس من الله سبحانه وتعالى وهو يعترف بربوبيته له أن يمهله الى يوم القيامة ولا يعذبه ويدخله النار ويعاقبه على عدم السجود لآدم طلب أن يمهله الله الى يوم القيامة يوم البعث ، " قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ " أجاب الله بكرمه وصبره لطلب ابليس لأنه قال ربى اعترف له بريوبيته ولكن معصيته الكبر والعناد وهذا يثبت أن الملحد الذى ينكر وجود الله أشد معصية من ابليس نفسه ، " إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ " الامهال أو الانظار حدد الى يوم الوقت المعلوم وهو يوم القيامة الذى يبعث الله فيه الانس والجن وجميع الخلق ، وأجيب الى ذلك استدراجا له وامهالا .

قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٣٩ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ ٤٠ قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسۡتَقِيمٌ ٤١ إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ ٤٢ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوۡعِدُهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٤٣ لَهَا سَبۡعَةُ أَبۡوَٰبٖ لِّكُلِّ بَابٖ مِّنۡهُمۡ جُزۡءٞ مَّقۡسُومٌ ٤٤

" قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي " يقول تعالى مخبرا عن ابليس وتمرده وعتوه أنه قال لربه وبسبب مأ اغويتنى وأضللتنى وهذا من عصيان ابليس لله فهو لا يتهم نفسه ، " لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ " لأزينن لذرية آدم عليه السلام وأحبب اليهم المعاصى وأرغبهم فيها وأازهم اليها وأزعجهم ازعاجا ، " وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ " لأضلنهم جميعا وابعدهم عن الطريق المستقيم وأغوينهم أى أحبب اليهم المعاصى فيحبونها ويرتكبونها كما أغويتنى وقدرت على ذلك وهذا من ضلال ابليس اذا اختبره الله كما اختبرغيره من الملائكة بالطاعة وتنفيذ أمره بالسجود لآدم فأبى وكان هذا من اختياره ويحيد ويقول كما أغويتنى فهو مستمر على المعصية ولا يعترف بابتعاده عن الحق ، " إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ " استثنى ابليس من الغواية عباد الله المخلصين المختارين الذين يخلصون لله فى عملهم وعبادته لعجزه عن اضلالهم وليس كرما منه لعدم قدرته عليهم ، " قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسۡتَقِيمٌ " هذا عهد منى لا زيغ فيه ولا محيد قال الله متهددا ومتوعدا لابليس ومن تبعه مرجعكم كلكم الى فأجازيكم بأعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر وقيل فى المعنى طريق الحق مرجعها الى الله تعالى واليه تنتهى ، " إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ " يقول الله لابليس ان عبادى أى المقربين الى والمنتسبين الى الذين بعبدوننى ويطيعوننى الذين قدرت لهم الهداية فلا سبيل لك عليهم ولا وصول اليهم ، " إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ " استثناء منقطع أن من يتبع ابليس هم الغاوون الذين بعدوا عن طريق الحق واتبعوا الغواية ، " وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوۡعِدُهُمۡ أَجۡمَعِينَ " جهنم موعد جميع من اتبع ابليس ،" لَهَا سَبۡعَةُ أَبۡوَٰبٖ لِّكُلِّ بَابٖ مِّنۡهُمۡ جُزۡءٞ مَّقۡسُومٌ " يخبر الله تعالى أن لجهنم سبعة أبواب وكتب لكل باب من أبواب جهنم جزء من أتباع ابليس يدخلونه لا محيد لهم عنه وكل يدخل من باب بحسب عمله ويستقر فى درك بقدر عمله ، وعن سمرة بن جندب عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله " لِّكُلِّ بَابٖ مِّنۡهُمۡ جُزۡءٞ مَّقۡسُومٌ " قال : " ان من أهل النار من تأخذه النار الى كعبه وان منهم من تأخذه النار الى حجرته ومنهم من تأخذه النار الى تراقيه منازلهم بأعمالهم فذلك قوله " لِّكُلِّ بَابٖ مِّنۡهُمۡ جُزۡءٞ مَّقۡسُومٌ " .   

إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ ٤٥ ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ ٤٦ وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ ٤٧ لَا يَمَسُّهُمۡ فِيهَا نَصَبٞ وَمَا هُم مِّنۡهَا بِمُخۡرَجِينَ ٤٨ ۞نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٤٩ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ ٥٠

" إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ " لما ذكر الله حال أهل النار عطف على ذكر أهل الجنة وأنهم فى جنات وعيون ، " ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ " يقول الله لأهل الجنة مرحبا بهم ادخلوها أى الجنة بسلام سالمين من السوء والآفات مسلم عليكم ،"ءَامِنِينَ " آمنين من كل خوف وفزع ولا تخشوا من اخراج ولا انقطاع ولا فناء ، " وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ " وفى الصحيح أن أبا سعيد الخدرى قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم فى الدنيا حتى اذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة " ،أهل الجنة يدخلون الجنة ليس بينهم شحناء أو بغضاء فهى دار السلام التى يدخلوها بسلام آمنين وهم أخوة فى الايمان فانما المؤمنون أخوة فى الدنيا وفى الآخرة ة وليس فى الأخوة أن يكون هناك غل وكراهية فى الصدور والقلوب لا فى الدنيا والأحرى فى الآخرة فأصحاب الجنة اخوان يجلسون على سرر جمع سريرمتقابلين أى متجاورين اخوانا فى الله ينظر بعضهم الى بعض ، " لَا يَمَسُّهُمۡ فِيهَا نَصَب" الجنة دار نعيم وليست دار شقاء فلا يمس فيها المشقة والأذى أهلها كما جاء فى الصحيحين : " ان الله أمرنى أن أبشر خديجة ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب "  ، "وَمَا هُم مِّنۡهَا بِمُخۡرَجِينَ " اصحاب الجنة لا يخرجون منها أبدا فهى دار النعيم المقيم الدائم خالدين مخلدين فيها كما جاء فى الحديث " يقال يا أهل الجنة ان لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا ، وان لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وان لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وان لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبدأ " وكما قال تعالى " خالدين فيها لا يبغون عنها حولا "  ،" نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ " يقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أخبر عبادى أنى ذو رحمة وذومغفرة ، " وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ " وأن يبلغهم أنه ذو عذاب أليم لمن عصاه وكفر وأشرك به ، ويذكر هذا فى مقامى الرجاء والخوف ،وذكر فى سببن نزولها عن مصعب بن ثابت قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه يضحكون فقال " أذكروا الجنة واذكروا النار " فنزلت " نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ " وعن قتادة قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لو يعلم العبد قدرعفو الله لما تورع من حرام ، ولو يعلم العبد قدر عذاب الله لبخع نفسه".

وَنَبِّئۡهُمۡ عَن ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ ٥١ إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗا قَالَ إِنَّا مِنكُمۡ وَجِلُونَ ٥٢ قَالُواْ لَا تَوۡجَلۡ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ ٥٣ قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ٥٤ قَالُواْ بَشَّرۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ ٥٥ قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ ٥٦

" وَنَبِّئۡهُمۡ عَن ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ " يقول تعالى واخبرهم يا محمد عن قصة ضيف ابراهيم عليه السلام والضيف يطلق على الواحد والجمع ، " إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗا قَالَ إِنَّا مِنكُمۡ وَجِلُونَ " أى كيف دخلوا عليه فقالوا سلاما فرد عليهم أنه خائف منهم وقد ذكر سبب خوفه منهم لما رأى أيديهم لا تصل الى ما قربه اليهم من الضيافة وهو العجل السمين الحنيذ ، " قَالُواْ لَا تَوۡجَلۡ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيم " طمأنوه وقالوا له لا تخف فنحن جئنا لنبشرك أن الله سيرزقك بمن سيكون غلاما له علم وهو اسحاق عليه السلام كما تقدم فى سورة هود ، " قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ " قال ابراهيم عليه السلام لهم متعجبا من كبره وكبر زوجته ومتحققا للوعد كيف تتحق هذه البشرى وأنا ما عليه ، " قَالُواْ بَشَّرۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ " أجابوه مؤكدين لما بشروه به تحقيقا وبشارة من بعد بشارة وأن هذه البشارة هى حق وأن عليه أن لا ييأس بما أقره الله ، " قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ " أجاب ابراهيم عليه السلام بأنه ليس يقنط أى ييأس من ما ينعم الله به برحمة منه ومنة وفضل ولكن يرجو من الله الولد وان كان قد كبر وأسنت امرأته فانه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك .

قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ ٥٧ قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ ٥٨ إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٥٩ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ ٦٠

" قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عن ابراهيم عليه السلام للملائكة المرسلين من الله لما ذهب عنه الخوف وجاءته البشرى بالولد شرع يسألهم عما جاءوا له ، " قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ  " رد الملائكة على ابراهيم عليه السلام أن الله أرسلهم الى قوم مجرمين فى حق الله وشرعه فهم لا يتبعوا رسولهم وسيلحقون بهم عذاب الله الأليم أهلاكا لهم على أفعالهم ، " إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِينَ " وان من سينجو من بينهم آل لوط  ومن تبعه جميعا ، "إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ " الا امرأة لوط فانها من الباقين الهالكين.   

فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلُونَ ٦١ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ ٦٢ قَالُواْ بَلۡ جِئۡنَٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُونَ ٦٣ وَأَتَيۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ٦٤

" فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلُونَ " يخبر الله تعالى عن لوط عليه السلام لما جاءته الملائكة فى صورة شباب حسان الوجوه فدخلوا عليه داره ، " قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ " قال لهم لوط عليه السلام انكم غرباء لا تعرفون ما يفعل قومى من فاحشة وخشى عليهم من قومه ، " قَالُواْ بَلۡ جِئۡنَٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُونَ تحدث الملائكة الى لوط عليه السلام أن الله ارسله الي قومه لاعراضهم عنه وشكهم فيما أرسله الله به وما وعدهم هو به من عذاب وهلاك وكانوا يشكون فى وقوعه بهم حلوله بساحتهم ، " وَأَتَيۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ " رد الملائكة تأكيدا لخبرهم اياه بما أخبروه به من نجاته واهلاك قومه أنهم جاءوا بما هو حق وسيتحقق .

فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ ٦٥ وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَٰلِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٞ مُّصۡبِحِينَ ٦٦

" فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ " يذكر الله تعالى عن الملائكة أنهم أمروه أن يسرى بأهله بعد مضى جانب من الليل وأن يكون لوطعليه السلام يمشى وراءهم ليكون أحفظ لهم ،" وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَد"أى اذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفت اليهم وذروهم فيما حل بهم من العذاب والنكال ، " وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ " طلبت الملائكة من لوط عليه السلام وآله أن يسيروا فى طريهم كأن معهم من يهديهم السبيل ،" وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَٰلِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٞ مُّصۡبِحِينَ " قضى الله وأمر بما سيقع على قوم لوط الذين كذبوه وحددوا أن هلاكهم سيكون صباحا بعد أن يكون قد ترك البلدة .

وَجَآءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡتَبۡشِرُونَ ٦٧ قَالَ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ ضَيۡفِي فَلَا تَفۡضَحُونِ ٦٨ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ ٦٩ قَالُوٓاْ أَوَ لَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٧٠ قَالَ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِيٓ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ ٧١ لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ٧٢

" وَجَآءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡتَبۡشِرُونَ " يخبر الله تعالى عن مجىء قوم لوط لما علموا بأضيافه وصباحة وجوههم وأنهم جاءوا بهم مستبشرين فرحين جاءوا لتحقيق أغراضهم الدنيئة معهم كما يفعلون مع الذكران ، " قَالَ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ ضَيۡفِي فَلَا تَفۡضَحُونِ " تدخل هود عليه السلام ليكفهم وأخبرهم أنهم ضيوف عنده فلا يصح أن يفعلوا معهم شيئا من أفعالهم القبيحة وهم ضيوفه ولهم واجب عايه وفى حمى داره فى يفضحوه معهم ، " وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ" طلب لوط عليه السلام قومه بتقوى الله فى ضيفه ولا يعاملونهم كما يتعاملون مع غيرهم فيحرجوه ويسببوا له الخزى والفضيحة ، " قَالُوٓاْ أَوَ لَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ " ردوا عليه ما نهيناك أن تضيف أحدا من العالمين أى ضيفهم كما تشاء من قرى وخلافه ولكن هذا لايحول ولا يمنعنا من أن نفعل معهم كما نفعل مع الذكران من فاحشة ، " قَالَ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِيٓ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ " قال لهم لوطعليه السلام بدلا من الفاحشة التى ترتكبوها مع الذكران وتريدون أن تفعلوها مع ضيفى يمكا أن تأتواما أحل الله لكم من النساء من أزواجكم  من القبيلة الذين هم بمثابة أبنائى من الفروج المباحة ، " لَعَمۡرُكَ " أقسم الله تعالى بحياة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يقول وحياتك وعمرك وبقائك فى الدنيا  وفى هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض وعن أبن عباس قال : ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلىالله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره ، " إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ "قال قتادة فى سكرتهم أى فى ضلالهم يترددون وهذا عن المشركين المكذبين من قريش وغيرهم .

فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُشۡرِقِينَ ٧٣ فَجَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٍ ٧٤ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ ٧٥ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٖ مُّقِيمٍ ٧٦ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧

" فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُشۡرِقِينَ " يتحدث الله عما حل بقوم لوط من العقاب فجاءهم من الصوت القاصف عند شروق الشمس وهو طلوعها وذلك مع رفع بلادهم الى عنان السماء ثم قلبها وجعل عاليها سافلها وارسال حجارة السجيل عليهم وقد تقدم الكلام عن ذلك فى سورة هود ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ" آثار هذه النقمة الظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته وقال مجاهد المتوسمين المتفرسين وقال أبن عباس للناظرين وقال قتادة للمعتبرين وقال مالك للمتأملين وعن أبى سعيد مرفوعا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله " ثم قرأ النبى صلى الله عليه وسلم " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ" وعن أنس بن مالك قال قال النبى صلى الله عليه وسلم : " ان لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم "، " وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٖ مُّقِيمٍ "أى وان قريه سدوم التى أصابها ما أصابها من القلب والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتنة  خبيثة بطريق مهيع مسالكه مستمرة الى اليوم كقوله " وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون " وقال قتادة انها بطريق واضح وقال أيضا بصقع من الأرض واحد ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ "يقول الله الذى صنعنا بقوم لوط من الهلاك والدمار وانجائنا لوطا وأهله لدلالة واضحة جلية للمؤمنين بالله ورسله .    

وَإِن كَانَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ لَظَٰلِمِينَ ٧٨ فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٖ مُّبِينٖ ٧٩

" وَإِن كَانَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ لَظَٰلِمِينَ " أصحاب الأيكة هم قوم شعيب عليه السلام وقال قتادة وغيره الأيكة الشجر الملتف وكان ظلمهم بشركهم بالله وقطعهم الطريق ونقصهم المكيال والميزان ، " فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ " انتقم الله منهم بالصيحة والرجفة وعذاب يوم الظلة وقد كانوا قريبا من قوم لوط بعدهم فى الزمان ومسامتين لهم فى المكان ولهذا قال " وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٖ مُّبِين " أى قوم لوط وقوم شعيب أى طريق مبين قال أبن عباس وغيره طريق ظاهر ، ولهذا لما أنذر شعيب عليه السلام قومه قال فى نذارته اياهم " وما قوم لوط منكم ببعيد " .

وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡحِجۡرِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٨٠ وَءَاتَيۡنَٰهُمۡ ءَايَٰتِنَا فَكَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ ٨١ وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ ٨٢ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُصۡبِحِينَ ٨٣ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٨٤

" وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡحِجۡرِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " أصحاب الحجر هم ثمود الذين كذبوا صالحا عليه السلام ومن كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين ، " وَءَاتَيۡنَٰهُمۡ ءَايَٰتِنَا فَكَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ " وذكر الله تعالى أنه أتاهم من الآيات ما يدلهم على صدق ما جاءهم به صالح عليه السلام كالناقة التى أخرجها الله لهم  بدعاء صالح عليه السلام من صخرة صماء وكانت تسرح فى بلادهم لها شرب ولهم شرب يوم معلوم فلما عتوا عقروها فأخذهم العذاب ،" وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ" كانوا يعيشون فى الجبال وينحتون فيها بيوتهم ويعيشون فيها آمنين من غير خوف كما هو المشاهد من صنيعهم فى بيوتهم بوادى الحجر الذى مر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب الى تبوك فقنع رأسه وأسرع دابته وقال لأصحابه : " لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين الا أن تكونوا باكين فان لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم " ، " فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُصۡبِحِينَ " أخذتهم صيحة العذاب من الله فى وقت الصباح من اليوم الرابع فأهلكهم كما جاء فى سورة هود ، " فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ " ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التى ضنوا بمائها عن الناقة حتى عقروها لئلا تضيق عليهم فى الماء فما دفعت عنهم تلك الأموال عذاب الله واهلاكه لهم لما جاء أمر ربك . 

وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ ٨٥ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ ٱلۡعَلِيمُ ٨٦  

" وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ " يقول تعالى أن خلقه للسموات والأرض وما بينهما خلق فيه عظمته وقدرته الواضحة الحقة ، " وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَة" يؤكد الله تعالى حلول الساعة أى يوم القيامة والتأكيد باستخدام ان وأنها كائنة لا محالة ، "ۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ " أمر الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالصفح الجميل والعفوعن المشركين فى أذاهم له وتكذيبهم ما جاءهم به كقوله " فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون " وقال مجاهد وقتادة وغيرهما كان هذا قبل القتال وهوكما قالا فان هذه الآية مكية والقتال انما شرع بعد الهجرة ، " إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ ٱلۡعَلِيمُ " تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على اقامة الساعة فان الخلاق الذى لا يعجزه خلق شىء العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق فى سائر أقطار الأرض كقوله " أو ليس الذىخلق السموات والأرض بقادرعلى أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذى بيده ملكوت كل شىء واليه ترجعون " .

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ ٨٧ لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٨٨

" وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيم " أختلف فى السبع المثانى ما هى فقال أبن مسعود وأبن عباس وغيرهما هى السبع سور الطوال َوهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس وقال شعبة بين فيهن الفرائض والحدود والقصص والأحكام وقال أبن عباس ولم يعطهن أحد الا النبى صلى الله عليه وسلم وأعطى موسى منهن ثنتين وقال سفيان المثانى المثين البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة سورة واحدة وقال مجاهد هى السبع الطوال ، والقول الثانى أنها الفاتحة وهى سبع آيات وقال أبن عباس البسملة هى الآية السابعة وقد خصكم الله بها وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أم القرآن هى السبع المثانى والقرآن العظيم " فهذا نص فى أن الفاتحة السبع المثانى والقرآن العظيم ولكن لا ينافى وصف غيرها من السبع الطوال بذلك لما فيها من هذه الصفة كما لا ينافى وصف القرآن بكماله بذلك أيضا كما قال تعالى " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى " فهومثانى من وجه ومتشابه من وجه وهو القرآن العظيم أيضا كما أنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن المسجد الذى أسس على التقوى فأشار الى مسجده والآية نزلت فى مسجد قباء فلا تنافى فان ذكر الشىء لا ينفى ذكر ما عداه اذا اشتركا فى تلك الصفة والله أعلم ، " لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِم " يعزى الله رسوله صلى الله عليه وسلم عن الدنيا وما فيها فيقول له استغن بما أتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهور الفانية  فلا تنظرن الى الدنيا وزينتها وما متعنا به أهلها لنفتنهم فيه فلا تغبطهم بما هم فيه ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزنا عليهم فى تكذيبهم لك ومخالفتهم دينك وقال مجاهد " إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ " هم الأغنياء أى ما متعنا به الأغنياء من متع الدنيا ، " وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ" ألن جانبك لمن تبعك من المؤمنين كقوله تعالى "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "  وقال أبن عباس " لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ " نهى الله الرجل أن يتمنى ما لصاحبه حسدا منه .

وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ ٨٩ كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ ٩٠ ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ ٩١ فَوَرَبِّكَ لَنَسَۡٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٩٢ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٣

" وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ " يأمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس أنه هو النذير البين النذارة ، " كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ" المقتسمين أى المتحالفين أى تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم كقوله اخبارا عن قوم صالح أنهم " قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله " قال مجاهد تقاسموا أو تحالفوا لقتله وأهله ليلا أو المعنى " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " " أهؤلاء الين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة " فى هذه الآيات المعنى فكأنهم كانوا لا يكذبون بشىء من الدنيا الا أقسموا عليه فسموا مقتسمين ، والمعنى أنى  نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها وما أنزل عليهم من العذاب والانتقام وفى الصحيحين عن أبى موسى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " انما مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم انى رأيت الجيش بعينى وانى أنا النذير العريان فالنجاء النجاء ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فاهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعنى واتبع ما جئت به ومثل من عصانى وكذب ما جئت به من الحق " ، " ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ" جزءوا كتبهم المنزلة عليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وقال أبن عباس هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه -  اليهود والنصارى وعن أبن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع اليه نفر من قريش وكان ذا شرف فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش انه قد حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد قولكم بعضه بعضا فقالوا وأنت يا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقول به قال بل أنتم قولوا لأسمع قالوا نقول كاهن ؟ قال ما هو بكاهن ، قالوا فنقول مجنون ؟ قال ما هو بمجنون ، قالوا فنقول شاعر؟ قال ما هو بشاعر قالوا فنقول ساحر ؟ قال ما هو بساحر ، قالوا فماذا نقول ؟ قال والله ان لقوله لحلاوة فما أنتم بقائلين من هذا شيئا الا عرف أنه باطل ، وان أقرب القول أن تقولوا هو ساحر ، فتفرقوا عنه بذلك وأنزل الله فيهم " ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ" ، " فَوَرَبِّكَ لَنَسَۡٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " قال أبو العالية يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة عما كانوا يعبدون وعماذا أجابوا المرسلين وقال أبن عيينة السؤال عن عملك وعن مالك وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ ان المرء يسئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه ، وعن فتات الطينة بأصبعه ، فلا ألقينك يوم القيامة وأحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك " وعن أبن عباس قال لا يسألهم هل عملتم كذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يقول لم عملتم كذا وكذا ؟ " .

فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٩٤ إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ ٩٥ ٱلَّذِينَ يَجۡعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٩٦ وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ٩٧ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ ٩٨ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ ٩٩

" فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ " يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بابلاغ ما بعثه به وانفاذه والصدع به وهومواجهة المشركين به وعن عبد الله بن مسعود مازال النبى صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت " فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ " فخرج هو وأصحابه ، " وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ " بلغ ما أنزل اليك من ربك ولا تلتفت الى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله ، " إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ " الله يحفظك من الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله ويتخذونها هزوا ، وعن المستهزئين  قال محمد بن أسحاق عن عروة بن الزبير خمسة نفر وكانوا ذوى أسنان وشرف فى قومهم من بنى أسد أبن عبد العزى بن قصى الأسود بن أبى زمعة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه فقال " اللهم أعم بصره وأثكله ولده " ، ومن بنى زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، ومن بنى مخزوم الوليد بن المغيرة ومن بنى سهم أبن عمر بن هصيص ، ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة ، فلما تمادوا فى الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى " فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٩٤ إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ ٩٥ ٱلَّذِينَ يَجۡعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ " ، وعن أبن عباس قال كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذى جمعهم ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت نهايتهم وميتتهم الأليمة لهم على ما فعلوه نكالا من الله ، " ٱلَّذِينَ يَجۡعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ " تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع الله معبودا آخر سوف يعلمون ما يحل بهم من العذاب والعقاب يوم القيامة ، " وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ " يقول الله تعالى وانا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض فما يثنيك ذلك عن ابلاغك رسالتك ، " فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ " اشتغل بذكر ربك وتحميده وتسبيحه وعبادته التى هى الصلاة بكل حركاتها وسكناتها وركوعها وسجودها وعن نعيم بن عمار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله تعالى يا أبن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه أمر صلى ، " وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ " قال البخارى عن سالم بن عبد الله بن عمر وكما قال أبن جرير اليقين هو الموت كما قال تعالى اخبارا عن أهل النار " وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين " يأمر الله بعبادته وهى الصلاة ونحوها واجبة على الانسان مادام عقله ثابتا فيصلى بحسب حالته كما ثبت فى صحيح البخارى عن عمران بن حصين رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب " .

الجزء الرابع عشر

تفسير سورة النحل

سورة النحل مكية وفيها من سمات السور المكية من آيات الله فى خلقه وكونه وفيها معجزة النحل الذى تسمى السورة بأسمه آياتها 128 لآية وتتحدث عن مشركى مكة وما يفعلوه ومن أنباء الرسل ومن كذب الرسل وعاقبتهم وغير ذلكمن الأمور .

أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ١

" أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ" يخبر الله عن اقتراب الساعة ودنوها معبرا بصيغة الماضى الدال على التحقيق والوقوع لا محالة كقوله " اقتربت الساعة وانشق القمر " وكقوله " اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون " ،  فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ " لا تستعجلوا قيل العذاب فانهم استعجلوه قبل كونه استبعادا وتكذيبا كما قال تعالى

" يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا ان الذين يمارون فى الساعة لفى ضلال بعيد  " وكقوله " ويستعجلونكبالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وايأتينهم بغتة وهم لا يشعرون " وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع فى السماء ثم ينادى مناد فيها : أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض : هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول نعم ومنهم من يشك ، ثم ينادى الثانية يا أيها الناس فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم ، ثم ينادى الثالثة أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فو الذى نفسى بيده ان الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ،وان الرجل ليمدن حوضه فما يسقى فيه شيئا أبدا ، وان الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا ، قال ويشتغل الناس " ، " سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ  " نزه الله تعالى نفسه عن شركهم به غيره وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد تعالى وتقدس علوا كبيرا وهؤلاء هم المكذبون بالساعة .

يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ ٢

" يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ" يقول تعالى تتنزل الملائكة بالوحى من عنده ، " عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ" على عباده من الأنبياء والرسل كما قال تعالى " الله أعلم حيث يجعل رسالته " وكقوله " الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس "  ، " أَنۡ أَنذِرُوٓاْ  " أى لينذروا الناس " أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ " فاتقوا عقوبتى لمن خالف أمرى وعبد غيرى .

خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٣ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ٤

" خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ " يخبر تعالى عن خلقه اسموات والأرض وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث ، " تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " نزه الله نفسه عن شرك من عبد معه غيره وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له فلهذا يستحق أن يعبد وحده لا شريك له  ، " خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِين "يتحدث الله فى قدرته فى خلق الانسان من نطفة مهينة ضعيفة فلما استقل ودرج اذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله وهو انما خلق ليكون عبدا لله لا ضدا كقوله تعالى " وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا * ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا " وكقوله " أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين " .

وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٥ وَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ ٦ وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمۡ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٧

" وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ " يمتن الله تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهى الابل والبقر والغنم كما فصلها فى سورة الأنعام وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع يتخذون من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون مما يحقق لهم الوقاية الدفء فى الشتاء والحماية من الحر فى الصيف وفى هذه الثروة ما فيها من منافع وصناعات كثيرة واستخدامات لا تحصى وهى مصدر أساسى لطعام الانسان من لحوم وألبان طعام وشراب ، " وَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ " وللناس فى هذه الأنعام زينة أيضا فقد كانت الخيل من مقاييس الأبهة تزين العربات التى تجرها الخيول التى تزين كذلك وكانت مواكب الملوك والوجهاء فى الاقامة وفى الترحال ويقول أبن كثير فى تفسير الآية "حين تريحون " وهو وقت رجوعها عشيا من المرعى " وحين تسرحون " أى غدوة حين تبعثونها الى المرعى الأيات وسعت دائرة الأنعام لتشمل أنعام الحمل كالخيل والبغال والحمير ويشرح ذلك المعنى فى الآية التالية وليس فقط الماشية والأبل ، " وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمۡ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيم " تستغل كذلك الأنعام فى حمل الأثقال وكوسيلة للمواصلات وبخاصة فى الماضى وفى المناطق الوعرة الجبلية والصحراوية ونحن نعلم استخدامات الأنعام كوسيلة للمواصلات من حمل وجر والعرب يعلمون ذلك فقد كانوا يسيروا القوافل ويستخدمونها فى التنقل والحمل فاذا تصرف الانسان بدون استخدامها يتحمل من المشقة ما لا يطيق فهى مسخرة له بحول الله ومن الاعجاز العلمى الأبل وتسخيرها فأعينها ترى الشخص أمامها عملاق فتخشاه لأن أعينها بارزة تكبر الصورة " أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت " وكقوله " أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " وقال تعالى " الله الذى جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة فى صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون*ويريكم آياته فأى آيات الله تنكرون".     

وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٨

" وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ " هذا صنف آخر مما خلق الله تعالى لعباده يمتن به عليهم وهو الخيل والبغال والحمير التى جعلها للركوب والزينة ولما فصل الله الخيل وأفردها بالذكر استدل من استدل من العلماء ممن ذهب الى تحريم لحوم الخيل على ما ذهب اليه كالامام أبى حنيفة بأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير وهى حرام كما ثبتت به السنة النبوية وذهب اليه أكثر العلماء وعن أبن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير وكان يقول قال الله تعالى " وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ " فهذه للأكل " وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا " فهذه للركوب وعن خالد بن الوليد رضى الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير " وثبت فى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى لحوم الخيل وعن جابر قال : ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى اله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل وفى صحيحمسلم عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما قالت : نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة " فهذا أدل وأقوى وأثبت نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن انزاء الحمر على الخيل أى يحدت تزاوج بينهم لينتج البغال لئلا ينقطع النسل وعندحية الكلبى قال قلت يارسول الله ألا أحمل لك حمارا على فرس فتنتج لك بغلا فتركبها ؟ " قال : " انما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " ، " وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ " هذا من اعجاز الله تعالى حين ذكر استخدام وسائل الركوب حين خاطب من يعيشون فى عصر النبوة ولذلك لا تجد تفسير لهذا الجزء من الآية لأنه سبق عصره ولكن عند تقدم العلم ظهرت وسائل المواصلات الحديثة البرية والجويه من سيارات وحافلات وقطارات وطائرات وسفن فضاء سوف تستخدم كوسائل للنقل والسفر وهذا مما كانوا لايعلمون ابتدعه خلق الله بوحى من الله الذى اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فهدى الله الانسان ليكتشف البترول والكهرباء وغيرها فهى موجودة منذ أن خلق الله الأرض ومنها من تكون وخلق فى باطن الأرض حتى أكتشف وأستخدم .

وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ ٩

" وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ لما ذكر الله تعالى من الحيوانات ما يسار عليه فى السبل الحسية نبه على الطرق المعنوية الدينية وكثيرا ما يقع فى القرآن العبور من الأمور الحسية الى الأمور المعنوية النافعة الدينية كقوله تعالى " وتزودوا فان خير الزاد التقوى " ويعنى أن طريق الحق على الله وقال أبن عباس وعلى الله البيان أى يبين الهدى والضلالة وقول مجاهد هنا أقوى من حيث السياق لأنه تعالى أخبر أن طرقا تسلك اليه فليس يصل اليه منها الا طريق الحق وهى الطريق التى شرعها ورضيها وما عداها مسدودة والأعمال فيها مردودة ولهذا قال " وَمِنۡهَا جَآئِر" أى خائر مائل زائغ عن الحق وقال أبن عباس وغيره هى الطرق المختلفة والآراء والأهواء المتفرقة كاليهودية والنصرانية والمجوسية ، " وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ " بعد أن ذكر الله طريق الحق وطريق الزيغ ذكر أنه هو الذى بيده الهداية ولو شاء لهدى الناس أجمعين وهذا كقوله " ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا " وكما قال " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم ون الجنة والناس أجمعين " .

هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ ١٠ يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ١١

" هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ " شرع الله فى ذكر نعمته على عباده فى انزال المطر من السماء يستخدم للسقيا جعله الله عذبا زلالا يسوغ شربه ولم يجعله ملحا أجاجا ، " وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ " وأخرج من الماء الشجر والنبات يرعون فيه أنعامهم وقال أبن عباس وقتادة وغيرهما فيه تسيمون أى ترعون ومنه الابل السائمة والسوم الرعى ، " يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ " ينبت بالماء الذى ينزل من السماء الزروع وخص منها الزيتون والنخيل والأعناب لما كان للعرب والمنطقة كلها من نفع بها ومعرفة واعتماد كبير عليها وينبت أيضا من كل الثمرات الأخرى يخرجها كلها بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ "فى هذا كله دلالة وحجة على أنه لا اله الا الله كما قال تعالى " أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أاله مع الله بل هم قوم يعدلون " .

 وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ١٢ وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ ١٣

" وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ " ينبه الله تعالى عباده على آياته العظام ومننه الجسام فى تسخيره الليل والنهار يتعاقبان والشمس والقمر والنجوم فى أرجاء السموات نورا وضياءا ليهتدى بها فى الظلمات وكل منها يسير فى فلكه الذى جعله الله تعالى يسير بحركة مقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله كقوله " ان ربكم الله الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " ، "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ " فى هذا الخلق لدليل واضح على قدرةالله ووحدانيته لمن هم يعرفون ويعقلون ، " وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ" لما نبه تعالى على معالم السموات نبه على ما خلق فى الأرض من الأمور العجيبة والأشياء المختلفة من الحيوانات والمعادن والنباتات والجمادات على اختلاف ألوانها وأشكالها وما فيها من المنافع والخواص ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ "ان فى هذا لدليل واضح وحجة ظاهرة لمن يعرفون ويذكرون آلاء الله ونعمه فيشكرونها .

 وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٤ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٥ وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ ١٦ أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ١٧ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٨

" وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ " يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه وجعل فيه السمك والحيتان فيه واحلاله لعباده لحمها حيا وميتا فى الحل والاحرام وما يخلقه فيه من الآلىء النفيسة وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها وتسخيره البحر لحمل السفن التى تمخره أى تشقه وقيل تمخر الرياح ، " وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ " ذكر الله أنه أوجد هذا البحر وما فيه ليكون مصدر رزق من فضل الله ورزق البحر ثروة جعل شعوب العالم تتنازع على مد مياهها الاقليمية لاستغلال البحر من صيد وخلافه وما تحت مياهه من معادن وغازطبيعى وبترول وما فى مياههه من كائنات بحرية وأملاح مذابة وطحالب فعالم البحار كيان قائم له علومه التى تدرسه ،" وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ " هذه النعمة العظيمة والاحسان  تستوجب الشكر من العباد لله ، " وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ " ثم ذكر الله تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسى الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد أآ تضطرب وتميل بما عليها من البشر والحيوانات فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك كما قال " والجبال أرساها " ،  " وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا " وجعل الله فى الأرض الأنهار تجرى من مكان الى مكان وهى تسير فى الأرض وجعل فى الأرض طرقا يسلك فيها من بلاد الى بلاد كما قال تعالى " وجعلنا فيها فجاجا سبلا "، " لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ " هذه الطرق والأنهار تيسر التحرك فى الأرض من مكان لآخر وبخاصة الملاحة فى الأنهار كما فى البحار والأرض الميسرة السهلة لتسهيل حركة الناس ومعيشتهم فى الانتفاع بالأرض ، " وَعَلَٰمَٰت" أى دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك يستدل بها المسافرون برا وبحرا اذا ضلوا الطريق ۚ، " وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ " تستخدم النجوم فى ظلام الليل لتحديد الاتجاهات وبخاصة فى البحر والصحراء ويستخدم البحارة الاسطرلاب لتحديد موقعهم فى البحر ، " أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " نبه الله تعالى على عظمته وأنه لا تنبغى العبادة الا له دون ما سواه من الأوثان التى لا تخلق شيئا وهم يخلقون ،"وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ" نبه الله على كثرة نعمه على عباده واحسانه اليهم جاء لفظ نعمة مفرد لأنه لايمكن حتى احصاء فضل نعمة واحدة  ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيم " الله رب المغفرة يتجاوز عن عباده ولوطالبهم بشكر جميع نعمه لعجزوا عن القيام بذلك ولو أمر به لضعفوا وتركوا ولو عذبهم لعذبهم العذاب الأليم وهو غير ظالم لهم ولكنه غفور رحيم يغفر الكثير ويجازى على اليسير وقال أبن جرير ان الله لغفور لما كان منكم من تقصير فى شكر بعض ذلك اذا تبتم وأنبتم الى طاعته واتباع مرضاته رحيم بكم لا يعذبكم بعد الانابة والتوبة .

وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ ١٩ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ ٢٠ أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٢١

" وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ " يخبر الله تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر وسيجزى كل عامل بعمله يوم القيامة ان خيرا فخير وان شرا فشر ، " وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ " أخبر الله تعالى أن الأصنام التى يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أى يصنعهم البشر لأيديهم من مادة خلقها الله سواء أكانت حجر أو ذهب أو فضة أو حتى عجوة كما كانوا يفعلون فى الجاهلية يصنعون أصناما من العجوة يعبدونها ثم يأكلونها فعملية الخلق هنا هى الصنعة التى يقوم بها الناس من مادة خلقها الله فهم لا يصنعون من عدم وليس لهم خلق من عدم كما قال ابراهيم الخليل عليه السلام " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون " ، " أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآء" هذه الأصنام التى يدعونها من دون الله هى جمادات لا أرواح فيها فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ، " وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ " لايدرون متى تكون الساعة فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أوجزاء انما يرجى ذلك من الذى يعلم كل شىء وهو خالق كل شىء . 

إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ ٢٢ لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ ٢٣

" إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِد" يخبر تعالى أنه لا اله الا هو الواحد الأحد الفرد الصمد  ، "فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَة " اخبر الله تعالى أن الكافرين تنكر قلوبهم الايمان بألوهية الله ووحدانيته ويتكبرون ويعاندون فى الحق ، " وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ "  ويستكبرون عن عبادة الله استكبار ابليس وعصاينه لربه مع انكار قلوبهم لوحدانيته  كما قال تعالى " أجعل الآلهة الها واحدا ان هذا لشىء عجاب " ،" لَا جَرَمَ " حقا وصدقا ، " أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ " الله يعلم سرهم وعلنهم وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء ، " إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ" الله لايحب أولئلك المعاندين فى الحق الذين يتكبرون عن عبادة الله مع انكار قلوبهم لتوحيده كما قال تعالى " ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين " .

وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٢٤ لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ ٢٥

" وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ " يقول تعالى واذا قيل لهؤلاء المكذبين ماذا أنزل الله يكون جوابهم لم ينزل شيئا انما هذا الذى يتلى علينا أساطير الأولين أى مأخوذ من كتب المتقدمين كما قال تعالى " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا " أى يفترون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون أقوالا متضادة مختلفة كلها باطلة ، " لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ " قدرنا عليهم أن يقولوا ويدعوا ما يدعونمن باطل ليتحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم أى يصير عليهم خطيئة ضلالهم فى أنفسهم وخطيئة اغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم كما جاء فى الحديث " مندعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " كما قال تعالى " وليحملن أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " وكما قال" وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون " وقال مجاهد يحملون أثقالهم أى ذنوبهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئا .

قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ ٢٦ ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٧

" قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ " هذا من باب المثل لابطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا فى عبادته غيره فيما سلف كما قال نوح عليه السلام " ومكروا مكرا كبارا " أى احتالوا فى اضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم الى شركهم بكل وسيلة كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة "بل مكر الليل والنهار اذ تامروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا " وقال أبن عباس هو النمرود أول جبار فى الأرض الذى حاج ابراهيم فى ربه فبعث الله عليه بعوضة فى منخره فكان يضرب على رأسه من الألم ثم أماته الله وهو الذى بنى الصرح الى السماء الذى قال الله فيه " فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ " ، وقال آخرون هو بختنصر ، " فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ" أجتث الله ما فعلوه الذى يشبه بالبنيان من شرك واضلال من أصله فانهار على من فيه من كفار ومشركين فكان الهلاك من أعلى ومن أسفل والانهيار فى كل البنيان عاليه وأسفله رأسا على عقب  وأبطل عملهم كقوله " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " وهذه تشبيهات بلاغية تشبه قدرة الله وقوته فى شكل مجسم ليسهل فهم المعنى وهناك فى القرآن أمثلة كثيرة لتوضيح وترسيخ المعنى ، " وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ " حل العذاب بهؤلاء جراء ما وقع بهم من حيث لم يتوقعوا من شدة جبروتهم ، " ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ " يوم القيامة يظهر الله فضائحهم وما كانت تجنه ضمائرهم فيجعله علانية كما قال تعالى " يوم تبلى السرائر " أى تظهر وتشتهر كما فى الصحيحين عن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته فيقال هذه غدرة فلان بن فلان " ، " وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ " يظهر الله ماكان يسره الكفار والمشركون من المكر ويخزيهم على رءوس الخلائق ويقول لهم الله عز وجل أين الذين كنتم تحاربون وتعادون فى سبيلهم عن نصركم وخلاصكم ههنا ؟ " ورد الله عليهم بقوله " هل ينصرونكم أو ينتصرون " وكقوله " فما له من قوة ولا ناصر" فاذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة وحقت عليهم الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار" قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ " يتحدث السادة فى الدنيا والآخرة والمخبرون عن الحق فى الدنيا والآخرة فيقولون " إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ " أى أن الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه .

ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٢٨ فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ ٢٩ ۞

" ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ " يخبر الله تعالى عن حال المشركين الظالمى أنفسهم عند احتضارهم ومجىء الملائكة اليهم لقبض أرواحهم الخبيثة ، "  فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ " أظهر هؤلاء السمع والطاعة والانقياد ، "  مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ " يقولون كما يقولون يوم المعاد لم يكن عملنا سيئا كما فى قوله "والله ربنا ما كنا مشركين " ينفون عن أنفسهم السيئات التى ارتكبوها وكقوله " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم " بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " يرد الله عليهم بعد نكرانهم لما فعلوه مكذبا لهم فى قيلهم فالله يعلم ما كانوا يعملونه وهو الذى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء ، " فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ " ´جزاء هؤلاء هودخول جهنم بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان لمن كان متكبرا عن آيات الله واتباع رسله وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم وينال أجسادهم فى قبورها من حرها وسمومها فاذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم فى أجسادهم وخلدت فى نار جهنم كما قال تعالى " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " وقوله عن الكافرين وهم فى جهنم " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " .

وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗاۗ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ ٣٠ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَۚ كَذَٰلِكَ يَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ ٣١ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٣٢

" وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ " هذا خبر عن السعداء بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء قيل لهم " مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ "  قالوا لم ينزل شيئا انما هذه أساطير الأولين ، " قَالُواْ خَيۡرٗاۗ " بينما يقول الذيت آمنوا واتقوا ربهم خيرا أى أنزل خيرا أى رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به ، " لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَة" الذين يحسنون عملهم فى الدنيا أحسن الله اليهم عملهم فى الدنيا ، "وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ" أخبر الله تعالى بأن الدار الآخرةة خير من الحياة الدنيا والجزاء فيها أتم من الجزاء فى الدنيا وهذا كقوله " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " وكقوله " والآخرة خير وأبقى " كقوله " وما عند الله خير للأبرار " ، " جَنَّٰتُ عَدۡن يَدۡخُلُونَهَا " دار المتقين التى مدحها هى جنات عدن أى مقام يدخلونها ، " تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ" تجرى الأنهار بين أشجارها وقصورها ، " لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَۚ " لهم فيها ما يريدون وما يشتهون كقوله تعالى " وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون " وفى الحديث " ان السحابة لتمر بالملأ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم فلا يشتهى أحد منهم شيئا الا أمطرته عليه حتى أن منهم لمن يقول أمطرينا كواعب أترابا فيكون ذلك " ، " كَذَٰلِكَ يَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ " كذلك يجزى اللهكل من آمن به واتقاه وأحسن عمله ، " ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " أخبر الله تعالى عن حال المتقين لربهم عند الاحتضار أنهم طيبون أى مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة جزاءا على عملهم فى الدنيا كقوله تعالى " ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعون * نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم " .   

هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٣٣ فَأَصَابَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٣٤

" هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ " يقول الله تعالى مهددا المشركين على تماديهم فى الباطل واغترارهم بالدنيا هل ينتظرهؤلاء الى أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ، " أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ " أو ياتى يوم القيامة وما يعاينونه من الأهوال ، "  كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ " هكذا تمادى فى شركهم أسلافهم ونظراؤهم وأشباههم من المشركين حتى ذاقوا بأس الله وحلوا فيما هم فيه من العذاب والنكال ، " وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ" ما ظلمهم الله لأنه تعالى أعذر اليهم وأقام حججه عليهم بارسال رسله وانزال كتبه ، " وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ " ظلموا أنفسهم بما أظهروه من الكفر وبمخالفة الرسل والتكذيب بما جاءوا به ، " فَأَصَابَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا عَمِلُواْ " فلهذا أصابتهم عقوبة الله على ما فعلوا من سيئات ، " وَحَاقَ بِهِم " أحاط بهم من العذاب الأليم ، " مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " جزاءا لهم على سخريتهم من الرسل واستهزائهم بهم اذا توعدوهم بعقاب الله فلهذا يقال لهم يوم القيامة " هذه النار التى كنتم بها تكذبون " .

وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٣٥ وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٣٦ إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٣٧

" وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡء " يخبر الله تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الاشراك واعتذارهم محتجين بالقدر ومضمون كلام المشركين أنه لو كان الله تعالى كارها لما فعلناه من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ما لم ينزل به سلطانا لأنكره علينا بالعقوبة ولما مكننا منه ،" كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ " الذين سبقوهم من الأمم فعلوا مثلهم ، " فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ" وما على الرسل الهداية ولكن عليهم أن يبلغوا بلاغا واضحا مقترنا بالحجج والأيات من الله ، " وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ " ليس الأمركما تزعمون أنه لم ينكره عليكم بل قد أنكره عليكم أشد الانكار ونهاكم عنه آكد النهى وبعث فى كل أمة أى فى كل قرن وطائفة من الناس رسولا وكلهم يدعون الى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه فلم يزل تعالى يرسل الى الناس الرسل منذ حدث الشرك فى بنى آدم فى قوم نوح الذين أرسل اليهم نوح وكان أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض الى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذى طبقت دعوته الانس والجن فى المشارق والمغارب وكلهم كما قال تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه أنه لا اله الا انا فاعبدون "، " فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ" ومشيئة الله تعالى الشرعية منتفية عنهم لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله وأما مشيئته الكونية وهى تمكينهم من ذلك قدرا فلا حجة لهم فيها لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر وله فى ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ثم أنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة فى الدنيا بعد انذار الرسل فلهذا قال " فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ" ، "  فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ " أسالوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ولهذا قال " ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير " ، " إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُم " ثم أخبر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن حرصه على هداية المشركين لا ينفعهم ۡ، "  فَإِنَّ ٱللَّهَ " أى شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فلهذا قال " لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ " اذا كان شأن الله قد أراد اضلالهم كقوله تعالى " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " وكقوله " من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم فى طغيانهم يعمهون " ، "  وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ  " وليس لهم ناصرين ينقذونهم من عذابه ووثاقه كقوله " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين .

وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٨ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخۡتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰذِبِينَ ٣٩ إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٤٠

" وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ " يقول تعالى مخبرا عن المشركين أنهم حلفوا فأقسموا بالله جهد أيمانهم أى اجتهدوا فى الحلف وغلظوا الأيمان على أنه لا يبعث الله من يموت أى استبعدوا البعث بعد الموت وكذبوا الرسل فى اخبارهم لهم بذلك ، " بَلَىٰ "بلى سيكون البعث بعد الموت ، " وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا " وأنح حق واقع لابد منه ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ " وبالرغم من هذه الحقيقة فان معظم الناس لجهلهم يخالفون الرسل ويقعون فى الكفر والانكار ، " لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخۡتَلِفُونَ فِيه " ذكر الله تعالى حكمته فى المعاد وقيام الأجساد يوم التناد فقال ليبين للناس الذى يختلفون فيه من كل شىء ، " وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰذِبِينَ " وليكشف كفر الكافرين ويكشف كذبهم فى أيمانهم وقسمهم على الله فيما ادعونه أن الله لا يبعث من يموت ولذا يدعون يوم القيامة دعا وتقول لهم الزبانية " هذه النار التى كنتم بها تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون * اصلوها فاصبروا أو لاتصبروا سواء عليكم انما تجزونما كنتم تعملون " ، " إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ " أخبر الله تعالى على قدرته على ما يشاء وأنه لا يعجزه فى الأرض ولا فى السماء وانما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون أى أن نأمر به مرة واحدة فاذا هو كائن والمعاد اذا أراد كونه فانما يأمر به مرة واحدة فيكون كما يشاء كقوله " وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر" وقال " وما خلقكم وبعثكم الا كنفس واحدة " ، الله تعالى لا يحتاج الى تأكيد فيما يأمر به فانه تعالى لا يمانع ولا يخالف لأنه الواحد القهار العظيم الذى قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شىء فلا اله الا هو ولا رب سواه .

وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٤١ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٤٢

" وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ " يخبر تعالى عن جزاؤه للمهاجرين فى سبيله ابتغاء مرضاته فارقوا الدار والاخوان والخلان رجاء ثواب الله وجزائه ، ويحتمل أن يكون سبب نزولها فى مهاجرة الحبشة الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة حتى خرجوا من بين أظهرهم الى بلاد الحبشة ليتمكنوا من عبادة ربهم ومن أشرافهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعفر بن أبى طالب بن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو سلمة بن عبد الأسود فى جماعة قريب من ثمانين ما بين رجل وامرأة وقد وعدهم الله تعالى بالمجازاة الحسنة فى الدنيا والآخرة فقال " لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَة "قال أبن عباس وغيره الرزق الطيب ولا منافاة فى ذلك فانهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرا منها فى الدنيا ، فان من ترك شيئا لله عوضه الله بما هو خير له منه وكذلك وقع فانهم مكن الله لهم فى البلاد وحكمهم وصاروا أمراء حكاما وكل منهم للمتقين اماما ، "  وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَر " أخبر الله أن ثوابه للمهاجرين فى الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم فى الدنيا ، " لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ " لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم ، " ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ " المهاجرون الذين صبروا على الأذى من قومهم متوكلين على الله الذى أحسن لهم العاقبة فى الدنيا والآخرة .

وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٤٣ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ٤٤

قال أبن عباس لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكر العرب ذلك أم من أنكر منهم وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فأنزل الله " أكان للناس  عجبا أن أوحينا الى رجل منهم أن أنذر الناس " وأنزل هذه الآية " وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ " يعنى الله تعالى أهل الكتب الماضية أبشرا كانت الرسل اليهم أم ملائكة ؟ فان كانوا ملائكة أنكرتم وان كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، " فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ " يمكنهم أن يسألوا من كان قبلهم من أهل الكتاب وغيرهم من أهل الكتب الماضية ان كانوا لايعرفون ذلك ولا يعلمونه وهذا سؤال انكارى فهم يعرفون ذلك من اليهود والنصارى حولهم الذين أرسل اليهم موسى وعيسى عليهما السلام كما قال تعالى " وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحى اليهم من أهل القرى " أى ليسوا من أهل السماء وقال أبن عباس أن المراد بأهل الذكر أهل الكتاب  ، والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد صلى الله عليه وسلم كانوا بشرا كما هو بشر كما قال تعالى " قل سبحان ربى هل كنت الا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا " وقال تعالى " قل انما أن بشر مثلكم يوحى الى " ثم أرشد الله تعالى من شك فى كون الرسل كانوا بشرا الى سؤال أصحاب الكتب المتقدمة عن الأنبياء الذين سلفوا هل كان أنبياؤهم بشرا أوملائكة ، " بِٱلۡبَيِّنَٰتِ " تحدث الله أنه أرسل الرسل بالحجج والدلائل  ، " وَٱلزُّبُرِۗ" وهى الكتب كما قال أبن عباس وغيره والزبر جمع زبور تقول العرب زبرت الكتاب اذا كتبته وقال تعالى " وكل شىء فعلوه فى الزبر " وقال تعالى " ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون " ، "  وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡر " يقول الله أنزلنا اليك يا محمد القرآن ،" َ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ " لتوضح للناس ما أنزل الله عليك من ربهم لعلمك بمعنى ما أنزل الله عليك وحرصك عليه واتباعك له ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم فتفصل لهم ما أجمل وتبين لهم ما أشكل ، "  وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ " لعلهم يتدبرون وينظرون لأنفسهم فيهتدون فيفوزون بالنجاة فى الدارين .

أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ ٤٥ أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ فِي تَقَلُّبِهِمۡ فَمَا هُم بِمُعۡجِزِينَ ٤٦ أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ ٤٧

" أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ " يخبر تعالى عن حلمه وانظاره للعصاة الين يعملون السيئات ويدعون اليها ويمكرون بالناس فى دعائهم اياهم وحملهم عليها مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أى من حيث لا يعلمون مجيئه اليهم كقوله تعالى " أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض فاذا هى تمور * أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير " ، "أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ فِي تَقَلُّبِهِمۡ " أى يحاسبهم وينزل بهم العذاب وهم فى تقلبهم فى المعايش واشتغالهم بها فى أسفار وغيرها من الأشغال الملهية وقال مجاهد وغيره " فِي تَقَلُّبِهِمۡ " تقلبهم فى الليل والنهار كقوله " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون " ، " فَمَا هُم بِمُعۡجِزِينَ"فهم لا يعجزون الله على أى حال كانوا عليه ، " أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّف" أو يأخذهم الله فى حال خوفهم من أخذه لهم فانه يكون أبلغ وأشد فان حصول ما يتوقع من الخوف شديد ، " فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ " الله ربكم رؤف رحيم حيث لم يعاجلكم بالعقوبة كما ثبت فى الصحيحين " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، انهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم " وفيهما " ان الله ليملى للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليهوسلم " وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى وهى ظالمة ان أخذه أليم شديد " .

أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدٗا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَٰخِرُونَ ٤٨ وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ ٤٩ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ۩ ٥٠ ۞

" أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدٗا لِّلَّهِ " يخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذى خضع له كل شىء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الانس والجن والملائكة فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أى بكرة وعشيا مع حركة الظل نتيجة لسقوط الضوء عليه من الشمس من ساعة شروقها حتى غروبها كل شىء ساجد بظله لله تعالى طوال الوقت ، " وَهُمۡ دَٰخِرُونَ " أى صاغرون ، " وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّة"الله نزل الجمادات منزلة من يعقل اذا أسند السجود اليهم كما قال " ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال " ، " وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ " وكذلك تسجد الملائكة وهم مجبولون على طاعة الله فقالوا " ونحن نسبح لك ونقدس لك "، "وهم لا يستكبرون"الكل يسجد لله وهم غير مستكبرين عن عبادته ، " يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ " أى يسجدون خائفين وجلين من الرب جل جلاله ، " وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ "الكل مثابرين على طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره فالجماد والحى كل سواء فى هذا .

وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ٥١ وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ ٥٢ وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجَۡٔرُونَ ٥٣ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ ٥٤ لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ ٥٥

" وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ " يخبر تعالى أنه لا اله الا هو وأنه لا تنبغى العبادة الا له وحده لا شريك له ونهى عن الشرك وأمر بالخوف منه والخشوع والخضوع له، " وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ " فانه مالك كل شىء وخالقه فى السموات وفى الأرض ، "  وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ" قال مجاهد له الدين خالصا أى له العبادة وحده ممن فى السموات والأرض كقوله " أفغير دين الله يبغون * وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها واليه يرجعون " وقال أبن عباس وغيره له الدين دائما وعنه أيضا له الدين واجبا كما فى قوله " ألا له الدين الخالص " ،  "أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ " يلقى الله باللوم والتوبيخ على من  لايتقه وحده وهو من له ملك السموات والأرض الخالق لكل شىء ، " وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ " يخبر الله تعالى أنه مالك النفع والضر وأن ما بالعباد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم واحسانه اليهم ، " ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجَۡٔرُونَ" لعلمكم أنه لا يقدر على ازالة هذا الضر الا الله فانكم عند الضرورات تلجئون اليه وتسألونه وتلحون فى الرغبة اليه مستغيثين به كقوله " واذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون الا اياه فلما نجاكم الى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا " ، " ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ " اذا كشف الله الضرعن عباده فان فريقا منهم لا يتوجهون اليه بالشكر وانما يشركون معه من لا ينفع ولا يضر ، " لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ " قيل اللام هنا لام العاقبة وقيل لام التعليل بمعنى قيضنا لهم ذلك ليكفروا ويجحدوا نعم الله عليهم وهو المسدى اليهم النعم الكاشف عنهم النقم ، " فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ " توعد الله من يكفرون ويجحدون نعمته بقوله اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا فسوف تعلمون عاقبة ذلك الوخيمة فى الدنيا والآخرة .    

وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسَۡٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ ٥٦ وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ ٥٧ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ ٥٨ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٥٩ لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٦٠

" وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ " يخبر الله تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم وجعلوا للاوثان نصيبا مع الله وفضلوها على جانبه وجعلوا للأوثان نصيبا مما رزقهم الله ،"تَٱللَّهِ" لذلك أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ، " لَتُسَۡٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ " ليسألنهم عن ذلك الذى افتروه وائتفكوه وليقابلنهم عليه وليجازيهم أوفر الجزاء فى نار جهنم، " وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ ۥ " أخبر تعالى عن المشركين أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا وجعلوها بنات الله فعبدوها معه فأخطأوا خطأ كبيرا فى كل مقام من هذه المقامات الثلاث فنسبوا اليه تعالى أن له ولدا ولا ولد له ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد كما يرون وهو البنات وهم لايرضونها لأنفسهم كما قال تعالى " ألكم الذكر وله الأنثى تلك اذا قسمة ضيزى " ، "سُبۡحَٰنَهُ "  تنزه الله عن قولكم وافكهم وتعالى علوا كبيرا  كما فى قوله " ألا انهم من افكهم ليقولون ولد الله وانهم لكاذبون * أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون " ، " وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ " يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التى نسبوها الى الله ، " وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيم " واذا رزق الله أحدهم الأنثى بدلا من الذكر يظل وجهه مسودا أى يصبح كئيبا من الهم وهو كظيم أى ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن ، " يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦ " يكره أن يراه الناس مما حل به من الذرية السيئة الى رزقها وهى الأنثى  وهو فى حالتين "  ٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ " أى ان أبقى الأنثى أبقاها مهانة لا يورثها ولا يعتنى بها ويفضل أولاده الذكور عليها ، " أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ " الحالة الأخرى أن يئد الأنثى وهو أن يدفنها فى التراب حية كما كانوا يصنعون فى الجاهلية ، أفمن يكرهونه هذه الكراهية ويأنفون لأنفسهم يجعلونه لله ؟ " أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ " بئس ما قالوا وحكموا به وبئس ما نسبوه الى الله ، " لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ " المشركون الذين لايؤمنون بالله وشرعه وما أنزل انما ينسب النقص اليهم ، " وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ " ولله الكمال المطلق من كل وجه وهومنسوب اليه ، " وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " والعزة لله وحده وله الحكمة فيما يقول وفيما يفعل .

 وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ ٦١ وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ ٦٢

" وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّة"  يخبر الله بحلمه على خلقه مع ظلمهم وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة أى لأهلك جميع جميع دواب الأرض تبعا لاهلاك بنى آدم ، " وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ"ولكن الله جل جلاله يحلم ويستروينظر أى يمهل الى أجل مسمى وهو يوم القيامة ولا يعاجلهم بالعقوبة اذ لو فعل ذلك ما أبقى أحدا ، " فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ " اذا حل وجاء موعد الأجل الذى قدره الله يحل فى موعده لا يقدم عنه ولا يؤخر وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ان الله لا يؤخر شيئا اذا جاء أجله وانما زيادة العمربالذرية الصالحة يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم فى قبره فذلك زيادة العمر " ، "  وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ " يجعلون لله ما يكرهون أى البنات ومن الشركاء الذين هم عبيده وهم يأنفون أن يكون عند أحدهم شريك له فى ماله ، " وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰ " أى كذبوا فى قولهم من أن لهم الحسنى فى الدنيا وان كان ثم معاد ففيه أيضا لهم الحسنى وهذا انكار لهم فى دعواهم فجمع هؤلاء بين عمل السوء وتمنى الباطل بأن يجازوا على ذلك حسنا وهذا مستحيل ، رد الله عليهم فى دعواهم " لَا جَرَم " أى حقا لابد منه ، "َ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ " ان لهؤلاء النار يوم القيامة ، " وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ " قال مجاهد وقتادة وغيرهم وأن هؤلاء منسيون فى النار ومضيعون فيها وعن قتادة أيضا معجلون الى النار منالفرط وهو السابق الى الورد ولا منافاة أنهم يعجل بهم يوم القيامة الى النار وينسون فيها أى يخلدون .

تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٦٣ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٦٤ وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ ٦٥

" تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ " يذكر الله تعالى أنه أرسل الى الأمم الخالية مقسما بذاته ومؤكدا  رسلا فلك يا محمد فى اخوانك من المرسلين أسوة فلا يهيدنك تكذيب قومك لك وأما المشركون الذين كذبوا الرسل فانما حملهم على ذلك تزيين الشيطان لهم ما فعلوا،"فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡم"َ هم تحت العقوبة والنكال والشيطان وليهم ولا يملك لهم خلاصا ولا منقذ لهم ولهم عذاب أليم فى جهنم ، " وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ  " قال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم انما أنزل عليك الكتاب وهو القرآن ليبين للناس الذى يختلفلون فيه فالقرآن فاصل بين الناس فى كل ما يتنازعون فيه،" وَهُدٗى وَرَحۡمَة ٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ " وهذا القرآن فيه هدى للقلوب ورحمة لمن تمسك به من المؤمنين ، " وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ " وكما جعل الله سبحانه وتعالى القرآن حياة للقلوب الميتة بكفرها كذلك يحيى الأرض بعد موتها بما أنزله عليها من السماء من ماء ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ " فى ذلك دليل واضح على قدرة الله لمن يفهمون الكلام ومعناه .

وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَمٖ لَّبَنًا خَالِصٗا سَآئِغٗا لِّلشَّٰرِبِينَ ٦٦ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ٦٧

" وَإِنَّ لَكُمۡ  " وان لكم أيها الناس ، " فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ " فى الأنعام وهى الأبل والبقر والغنم ، " لَعِبۡرَة "  لآية ودلالة على حكمة خالفها وقدرته ورحمته ولطفه ، " نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ" نسقيكم مما فى بطن هذه الحيوانات ، " مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَم" يستخلص اللبن  بياضه وطعمه وحلاوته من بين الدم والغذاء الذى يتحول الى روث فى باطن الحيوان ويسرى كل الى موطنه اذا هضم الطعام فى معدة الحيوان فيصرف منه دم الى العروق ولبن الى الضرع وبول الى المثانة وروث الى المخرج وكل منها لا يشوب الآخر ولا يمازجه بعد انفصاله عنه ولا يتغير به ، " لَّبَنًا خَالِصٗا "  سَآئِغٗا لِّلشَّٰرِبِينَ" يخرج لبنا صافى سائغ أى لا يغص به أحد من الذين يشربونه ويستمتعون به ، " وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ لما ذكر الله تعالى اللبن وأنه جعله شرابا للناس سائغا ثنى بذكر ما يتخذه الناس من الأشربة من ثمرات النخيل والأعناب وما كانوا يصنعون من النبيذ المسكر قبل تحريمه ولهذا امتن به عليهم فقال" وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا "  دل ذلك على اباحته شرعا قبل تحريمهودل على التسوية بين المسكر المتخذ من النخل والمتخذ من العنب كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد وجمهور العلماء وكذا حكم سائر الأشربة المتخذة من الحنطة والشعير والذرة والعسل كما جاءت السنة بتفصيل ذلك ، وقال أبن عباس فى قوله " سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ  " السكر ما حرم من ثمرتيهما والرزق الحسن ما أحل من ثمرتيهما ، وفى رواية السكر حرامه والرزق  الحسن حلاله يعنى ما يبس من تمر وزبيب وما عمل منهما من طلاء وهو الدبس وخل ونبيذ حلال يشرب قبل أن يشتد ويختمر كما وردت السنة بذلك ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ " ان فى ما جعله الله وخلقه من أنعام وما تنتجه ومن ثمرات النخيل والأعناب لدليل على قدرة الله لمن لهم عقل يعقلون به وناسب ذكر العقل ههنا فانه أشرف ما فى الانسان ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة التى تذهب بالعقول صيانة لعقولها .

وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ ٦٨ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٦٩

يتحدث الله تعالى عن آية من آياته فى الكون وعن مجتمع له كيان وهو من اعجاز خلق الله وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة معجزة خلق النحل وفوائد العسل الذى يخرج منه " وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ " المراد هنا بالوحى الالهام والهداية والارشاد للنحل من الله أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوى اليها وكذلك يتخذ النحل من الشجر بيوتا له وله استخدم لفظ بيوت لأن ما يبنيه النحل ومجتمع النحل ومعيشته فى جماعته كالبيت ولفظ البيت يطلق مع ما يفعله الانسان من سكن يبيت فيه غير كلمة عش فالأصح أن نقول بيت النحل للحشرات التى تعيش فى مجتمعات متكاملة ولها نظام ومما يعرشون أى يبنون فى أماكن أخرى ، " ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ " أذن الله للنحل اذنا قدريا تسخيريا أن تأكل من كل الثمرات فالنحل يتسخلص الرحيق من أزهار مختلفة وكل له عسل معين بخواص معينة ، " فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ " أسلكى الطرق التى جعلها لك مطيعة  يسلك النحل الطرق التى جعلها الله تعالى مذلل له أى مسهلة عليه حيث شاء من هذا الجو العظيم والبرارى الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة ثم تعود كل واحدة منه الى بيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة بل الى بيتها وما لها ، " يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ" يخرج من بطون النحل العسل مختلف الألوان بين أصفر وأبيض وأحمر وغير ذلكحسب رحيق الزهرة على اختلاف المراعى ، " فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ " فى العسل شفاء للناس أى من أدواء تعرض لهم قال بعض من تكلم على الطب النبوى لو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء ولكن فيه شفاء للناس أى يصلح لبعض منها وفى الحديث عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ان أخى استطلق بطنه فقال " اسقه عسلا " فذهب فسقاه عسلا ثم جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سقيته عسلا قما زاده الا استطلاقا " ، قال : اذهب فاسقه عسلا " فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال " يارسول الله ما زاده الا استطلاقا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب فاسقه عسلا " فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال : يارسول الله مازاده الا استطلاقا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلام : " صدق الله وكذب بطن أخيك ، اذهب فاسقه عسلا " فذهب فسقاه عسلا فبرىء " قال بعض العلماء بالطي كان هذا الرجل عنده فضلات فلما سقاه عسلا تحللت فأسرعت فى الاندفاع فزاده اسهالا فاعتقد الأعرابى أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه وهو يفعل ذلكحتى اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه وصلح واندفعت الأسقام مالآلام ببركة اشارته عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام وعن أبن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالشفاءين العسل والقرآن " كما قال تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " ،  " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ " ان فى الهام الله للنحل لآية لقوم يتفكرون فى عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها فيستدلون بذلك على أنه الفاعل القادر الحكيم العليم الكريم الرحيم .

وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيًۡٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِيرٞ ٧٠

" وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمۡۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيًۡٔاۚ " يخبر الله تعالى عن تصرفه فى عباده وأنههو الذى أنشأهم من العدم ثم بعد ذلك يتوفاهم ومنهم من يتركه حتى يدركه الهرم وهو الضعف فى الخلقة كما قال تعالى " الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة " ، وقد روى عن على رضى الله عنه أرذل العمر خمس وسبعون سنة وفى هذا السن يحصل ضعف القوى والخرف وسوء الحفظ وقلة العلم ولهذا قال " لكيلا يعلم بعد علم شيئا " أى بعد ما كان عالما أصبح لا يدرى شيئا من الفند والخرف وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو " أعوذ بك من البخل والكسل والهرم وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات " ، " إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٞ قَدِير " الله عليم بما تصيرون فيه وقدير على الخلق وما يصيرون اليه .  

وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ ٧١

" وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ "  كتب عمر بن الخطاب رسالة الى أبى موسى الأشعرى قال له فيه " واقنع برزقك من الدنيا فان الرحمن فضل بعض عباده على بعض فى الرزق بلاء يبتلى به كلا فيبتلى من بسط له كيف شكره لله وأداؤه الحق الذى افترض عليه فيما رزقه وخوله " فهذه الآية عامة ، وعن أبن عباس قال فى هذه الاية أن المشركين لم يكونوا ليشركوا عبيدهم فى أموالهم ونسائهم فكيف يشركون عبيدى معى فى سلطانى فذلك قوله " أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ "، يقول الله تعالى منكرا على المشركين أنتم لا ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيد له فى الالهية والتعظيم كما قال " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم " .

وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ ٧٢

" وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَة" يذكر الله تعالى نعمه على عبيده بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم ليحصل الائتلاف والمودة والرحمة ومن رحمته خلق من بنى آدم ذكورا واناثا وجعل الاناث أزواجا للذكور ، ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة وهم أولاد البنين وقال أبن عباس بنين وهم الولد وحفدة وهم ولد الولد ، " وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ " يذكر الله تعالى عباده أنه هو الرازق لهم الطيب من المطاعم والمشارب وغيرها من طيبات الرزق من ملبس ومسكن فكل ما يمن به الله من رزق هو طيبات كما قال " قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق "  وفى الحديث الصحيح " ان الله يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والابل وأذرك ترأس وتربع ؟ " ، " أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ " يؤمنون بالباطل وهم الأنداد والأصنام وكل ما هو غير صحيح من عقائد باطلة مما يخالف ما شرعه الله ، " وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ " ويجحدون نعمة الله ويضيفونها الى غيره وكفر النعمة معناه واسع فعدم التوجه بالشكر لله على ما أنعم هو كفر لنعمته كذلك فكيف يرزق الله ويحمد غيره ؟ .

وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٧٣ فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٧٤ ۞

" وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ " يقول الله تعالى اخبارا عن المشركين الذين عبدوا معه غيره مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا فمثلا لايقدرون على انزال المطر وانبات الزروع والثمار ولا يملكون ذلك لأنفسهم أى ليس لهم ذلك ولا يقدرون عليه لو أرادوه ، " فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ " لا تجعلوا لله أندادا وأشباها وأمثالا فهو لا مثله شىء ، " إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ " الله يعلم ما أنتم عليه من الشرك بجهلكم وكيف تشركون به غيره وشهادته أنه لا اله الا هو " شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قآئما بالقسط لآاله الا هو العزيز الحكيم " .

ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدٗا مَّمۡلُوكٗا لَّا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَمَن رَّزَقۡنَٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنٗا فَهُوَ يُنفِقُ مِنۡهُ سِرّٗا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ يَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٧٥

" ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدٗا مَّمۡلُوكٗا لَّا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَمَن رَّزَقۡنَٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنٗا فَهُوَ يُنفِقُ مِنۡهُ سِرّٗا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ يَسۡتَوُۥنَۚ " قال أبن عباس هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن فالعبد المملوك الذى لا يقدر على شىء مثل الكافر والمرزوق الرزق الحسن فهو ينفق منه سرا وجهرا هو المؤمن ، وقال مجاهد : هومثل مضروب للوثن الذى هو باطل لايملك من أمره شىء وللحق تعالى الذى يقدر على كل شىء فهل يستوى هذا وهذا ؟ ، " ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ " لما كان الفرق بينهما ظاهرا واضحا بينا لا يجهله الا كل غبى قال تعالى أنه هو الذى يستحق الحمد والشكر فهو الذى يرزق ، " بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمون " لكن معظم الناس جهلاء يشركون بالله ولا يعلمون طريق الله طريق الحق .

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلَيۡنِ أَحَدُهُمَآ أَبۡكَمُ لَا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَىٰهُ أَيۡنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأۡتِ بِخَيۡرٍ هَلۡ يَسۡتَوِي هُوَ وَمَن يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٧٦

"وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلَيۡنِ أَحَدُهُمَآ أَبۡكَمُ لَا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَىٰهُ " قال مجاهد هذا أيضا المراد به الوثن والحق تعالى يعنى أن الوثن الصنم أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير ولا بشىء ولا يقدر على شىء بالكلية فلا مقال ولا فعال وهو مع هذا كل أى عيال وكلفة على مولاه ، " أَيۡنَمَا يُوَجِّههُّ " أى أينما يبعثه فى أى اتجاه ، " لَا يَأۡتِ بِخَيۡرٍ " لا يحقق له أى منفعة ولا ينجح مسعاه ، "  هَلۡ يَسۡتَوِي هُوَ وَمَن يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم " من هذه صفاته هل يتكافأ ويتساوى مع من هو يأمر ويعمل بالقسط فمقاله حق وفعاله مستقيمة ، قال أبن عباس هو مثل للكافر والمؤمن أيضا كما تقدم ، وعن أبن عباس قال نزلت فى رجل من قريش وهو عثمان بن عفان وقال الأبكم الذى أينما يوجهه لا يأت بخير هو مولى لعثمان بن عفان ، كان عثمان ينفق عليه ويكلفه ويكفيه المؤونة وكان الآخر يكره الاسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف فنزلت فيهما .

وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٧٧ وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفِۡٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٧٨ أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٧٩

" وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ " يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء فى علمه غيب السموات والأرض واختصاصه بعلم الغيب فلا اطلاع لأحد على ذلك الا أن يطلعه الله على ما يشاء ، "  وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ  إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير" يخبر الله عن قدرته التامة التى لا تخالف ولا تمانع وأنه اذا أراد شيئا فانما يقول له كن فيكون كما قال " وما أمرنا الا واحدة كلمح البصر " أى فيكون ما يريد كطرف العين وكما قال " ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة " كل الأمور تتم بقوله كن فيكون حتى أمر الساعة فهو يتم فى لمح البصر أو هو أقرب من لمح البصر فيكفيه القول فحسب فهو على كل شىء قدير أى له عظيم القدرة على الفعل فهو فعال لما يريد ، " وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفِۡٔدَةَ " ذكر الله تعالى منته على عباده فى اخراجهم من بطون أمهاتهم أى يولدون لا يعلمون شيئا وهو قد خلق لهم السمع والأبصار والأفئدق فى بطون أمهاتهم ثم يكبرون ويستخدمون هذه الحواس يرزقهم السمع الذى يدركون به الأصوات والأبصار التى يحسون بها المرئيات والأفئدة وهى القلوب التى تمنح الحياة بما تضخه فى الجسم من دم يغذيه ويمكنه من تأدية وظائفه والتى هى محل المشاعر العقول وهذه القوى والحواس تحصل للانسان على التدريج قليلا قليلا كلما كبر زيد فى سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده والعبد اذا أخلص الكاعة صارت أفعاله كلها لله عز وجل فلا يسمع الا لله ولا يبصر الا لله أى ما شرعه الله له ولا يبطش ولا يمشى الا فى طاعة الله عز وجل مستعينا بالله فى ذلككله كما جاء فى صحيح البخارى عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول تعالى : من عادى لى وليا فقد بارزنى بالحرب ، وما تقرب الى عبدى بشىء أفضل من أداء ما أفترضت عليه ، ولايزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى أعطيته ولءن دعانى لأجبته ولئن استعاذ بى لأعيذنه ، وما ترددت فى شىء أنا فاعله ، ترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه " ، وجاء فى رواية أخرى بعد قوله ورجله التى يمشى بها " فبى يسمع وبى يبصر وبى يبطش وبى يمشى " ، " لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ " هذه النعم تستوجب الشكر من الله ولا يشعر بها الا من حرم منها لعلة ، " أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ " نبه الله تعالى الى النظر الى الطير المسخر كيف جعله يطير بجناحين فى جو السماء ما يمسكه الا الله بقدرته وسخر الهواء يحمله  وهنا لفظ السماء هوطبقات الغلاف الجوى للأرض وهنا نلاحظ دقة اللفظ القرآنى باستخدام " جو السماء " ، وفى التفسير يقول بين السماء والأرض ويقصد بذلك الأرض التى يمشى عليها الناس والسماء ما يعلوها من طبقات كما فى قوله " والسحاب المسخر بين السماء والأرض " وهذا كقوله فى سورة الملك " أو لم يروا الى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن الا الرحمن انه بكل شىء بصير"  ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ " كل هذه الآيات التى خلقها الله بقدرته والتى لا تبارى يدركها المؤمنون به وحده وبقدرته والعلم الحديث خير شاهد على ذلك .

وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ ٨٠ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ ٨١ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٨٢ يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨٣

"وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ " يذكر الله تبارك وتعالى تمام نعمته على عبيده بما جعل لهم من البيوت التى هى سكن لهم ياوون اليها ويستترون بها وينتفعون بها وجعل لهم منجلود الأنعام بيوتا أى الأدم يستخفون حملها فى أسفارهم ليضربوها لهم فى اقامتهم فى السفر والحضر والظعن هو السفر ، " وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا " أى اصواف الغنم ، "وَأَوۡبَارِهَا " أى وبر الابل ، " وَأَشۡعَارِهَآ " أى شعر المعز ، " أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا " الضمير عائد على الأنعام أى تتخذونمنها أثاثا وهو المال وقيل المتاع وقيل الثياب والصحيح أعم من هذا كله فانه يتخذ من الأثاث البسط والثياب وغير ذلك ويتخذ مالا وتجارة   وقال أبن عباس الأثاث المتاع ، " إِلَىٰ حِين " أى الى أجل مسمى ووقت معلوم فى الحياة الدنيا ، " وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا " الله جعل الظلال يعنى ظلال الشجر وهم يعرفون قيمة ذلك فى حر الصحراء ، " وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا " جعل من الجبال حصون ومعاقل ونحن نعلم كيف بنى ثمود بيوتهم فى الصخر والجبال وكيف تتخذ الجبال حتى الآن للحماية ،  " وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرّ " جعل الله الانسان يتمكن من صنع الثياب من القطن والكتان والصوف والحرير التى تقى الجسم من الحر وكذلك البرد وما تقى من البرد أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر قال عطاء الخرسانى انما نزل القررآن على قدر معرفة العرب ألا ترى الى قوله تعالى " وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا "وما جعل من السهل أعظم وأكثر ولكنهمكانوا أصحاب جبال ؟ ألا ترى الى قوله " وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِين " وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر ، ألا ترى فى قوله " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " لعجبهم من ذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ولكنهم كانوا لا يعرفونه ؟ ، ألا ترى الى قوله تعالى " سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ " وما نقى من البرد أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر ،" وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ " كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك والسرابيل كما هو واضح من المعنى هو ما يلبس من ثياب ودروع ونحوه والفعل يتسربل ، " كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ"أى هكذا يجعل الله لكم ما تستعينون به على أمركم وما تحتاجون اليه ليكون عونا لكم على أن تسلموا اليه وتزعنوا بالطاعة له والعبادة وهذا من تمام نعمته التى تستوجب الشكر والاسلام له فما بكم من نعمة فمن الله وحده ، " فَإِن تَوَلَّوۡاْ " فان أعرضوا بعد هذا البيان وهذا الامتنان فلا عليك منهم ، " فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ " يخاطب الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله ما عليك من ايمانهم الذى عليك هو أن تبلغ رسالة ربك اليهم وقد أديت هذا البلاغ الواضح ، " يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا " يعرفون أن الله تعالى هو المسدى اليهم وهو المتفضل به عليهم ، " وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ " ومع هذا ينكرون أغلبهم ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق الى غيره ، وعنمجاهد أن أعرابيا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا " فقال الأعرابى نعم ، قال " وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا " قال الأعرابى نعم ، ثم قرأ عليه كل ذلك يقول الأعرابى نعم حتى بلغ " كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ" فولى الأعرابى فأنزل الله " يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا " .

وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ ٨٤ وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلۡعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ ٨٥ وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ ٨٦ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَى ٱللَّهِ يَوۡمَئِذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٨٧ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَٰهُمۡ عَذَابٗا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفۡسِدُونَ ٨٨

" وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا " يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم فى الدار الآخرة وأنه يبعث من كل أمة شهيدا وهو نبيها يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى ، " ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ " لايؤذن للكافرين فى الاعتذار لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه كقوله " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ " وما لهم من استعتاب فقد قضى الأمر ، " وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلۡعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ " حين يرى الذين أشركوا العذاب الذى يتحقق يوم القيامة ويقع عليهم هذا العذاب لن يخفف عنهم ولا يفتر عنهم ساعة ولا يؤخر عنهم بل يأخذهم سريعا من الموقف بلا حساب كقوله تعالى " ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا " ، " وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ " أخبر تعالى عن تبرى آلهة المشركين التى اتخذوها من دون الله منهم أحوج ما يكونون اليها وحين يرى هؤلاء الذين أشركوا ما كانوا يعبدون فى الدنيا من آلهة ، " قَالُواْ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ " يشيرون اليهم بأنهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله حتى يجدوا عذرا ويجدوا ما ينقذهممن العذاب ، " فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ"فتقول لهم الآلهة كذبتم ما نحن أمرناكم بعبادتنا كقوله " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون واذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " وقال تعالى " واتخذوا مندون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونوا عليه ضدا " ، " وَأَلۡقَوۡاْ إِلَى ٱللَّهِ يَوۡمَئِذٍ ٱلسَّلَمَۖ" قال قتادة وعكرمة ذلوا واستسلموا يومئذ لله جميعهم فلا أحد الا سامع مطيع كقوله تعالى " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا " أى ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ وكقوله " ولو ترى اذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا " وكقوله " وعنت الوجوه للحى القيوم " أى خضعت وذلت واستكانت وأنابت واستسلمت ، " وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ " أى ذهب عنهم واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على الله فلا ناصر لهم ولا معين ولا مجير ، " ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَٰهُمۡ عَذَابٗا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفۡسِدُونَ " الذين كفروا وكانوا يصدون ويبعدون الناس عن طريق الله وهداه يزاد عليهم العذاب على كفرهم وعذابا على صدهم الناس عن اتباع الحق وبما نشروه من فساد فى الأرض ، وهذا دليل على تفاوت الكفار فى عذابهم كما يتفاوت المؤمنون فى منازلهم فى الجنة ودرجاتهم .  

وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ ٨٩ ۞

" وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ " ويعنى بهؤلاء أمتك أمة المسلمين يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم يقول له أذكر ذلك اليوم وهوله وما منحك الله فيه من الشرف العظيم والمقام الرفيع يوم القيامة يوم يبعث الله كل أمة برسولها ويكون شاهدا عليهم على تبليغ ما أرسله الله به ويطلب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم الشفاعة لأمته من ربه فيشفع فيهم وهناك حديث طويل عن الشفاعة  وهذه الآية شبيهة بالآية التى انتهى اليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة النساء فلما وصل الى قوله " فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسبك " فقال أبن مسعود رضى الله عنه فالتفت فاذا عيناه تذرفان " ، "  وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءقال أبن مسعود قد بين لنا فى هذا القرآن كل علم وكل شىء وقال مجاهد كل حرام وحلال وما الناس اليه محتاجون فى أمر دينهم ومعاشهم ومعادهم ، " وَهُدٗى " هدى للقلوب ،" وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ " وهذا القرآن فيه رحمة للمسلمين من عذاب الله يوم القيامة ورحمة لهم اذا طبقوا ما فيه من معاملات فى الدنيا والله يرحمهم به ويبشر المؤمنين بكل خير فى الدتيا والآخرة يبشرهم بما أعد الله لهم من رضاه والجنة وما أبعدهم به عن سخطه والنار .  

إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ٩٠

عن عثمان بن أبىالعاص قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ىجالسا اذ شخص بصره فقال " أتانى جبريل فأمرنى أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة " إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ " يخبر الله تعالى أنه يأمر عباده المؤمنين بالعدل وهو القسط والموازنة ويندب الى الاحسان والاحسان من ضمن تعريفه أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك  وكذلك الاحسان هو المعاملة الحسنة والخلق الحسن- الاحسان الى الناس والى ما فى الكون " هل جزاء الاحسان الا الاحسان "وقال قتادة ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه الا أمر الله به ، وليس من خلق سىء كانوا يتغبينهم الا نهى الله عنه وقدم فيه ، وانما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها ولهذا جاء فى الحديث " انالله يحب معالى الأخلاق ويكره سفاسفها "  وقال أبن عباس " إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ " شهادة أن لا اله الا الله ، " وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ " الله يأمر بصلة الأرحام ، " وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ "  ينهى الله عن الفواحش وهى المحرمات والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها ولهذا قال فى موضع آخر " قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، " وَٱلۡبَغۡيِۚ " هو العدوان على الناس وقد جاء فى الحديث " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته فى الدنيا مع ما يدخر لصاحبه فى الآخرة من البغى وقطيعة الرحم " " يَعِظُكُمۡ " أى يأمركم بما يأمركم به عن الخير وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر ، " لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ "كل هذا الذى أمر الله به تذكير للمؤمنين بما يفعلوه وبما ينتهوا عنه كقوله " فذكر انما الذكرى تنفع المؤمنين " .

وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَيۡكُمۡ كَفِيلًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ ٩١ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٩٢

" وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ " يأمر الله تعالى بالوفاء بالعقود والمواثيق كما قال " ياأيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود " ، " وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا "  يأمر الله تعالى بالمحافظة على الأيمان المؤكدة كقوله " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " وقال تعالى " ذلك كفارة أيمانكم اذا حلفتم واحفظوا أيمانكم " أى لا تتركوا أيمانكم بلا كفارة كما ورد فى الصحيحين أنه عليه السلام قال " انى والله ان شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا أتيت الذى هو خير وتحللتها - وفى رواية وكفرت عن يمينى " ، " وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا " قال مجاهد يعنى الحلف أى حلف الجاهلية لأن هذه الأيمان المراد بها الداخلة فى العهود والمواثيق لا الأيمان التى هى واردة على حث أومنع وعن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حلف فى الاسلام وأيما حلف كان فى الجاهلية فانه لا يزيده الاسلام الا شدة " ومعناه أن الاسلام لا يحتاج معه الى الحلف الذى كان أهل الجاهلية يفعلونه فان فى التمسك بالاسلام كفاية عما كانوا فيه ، " وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ " أخبر أبو ليلى عن بريدة قال نزلت فى بيعة النبى صلى الله عليه وسلم كان من أسلم بايع النبى صلى الله عليه وسلم على الاسلام فقال " وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ "أى أوفوا بهذه البيعة التى بايعتم على الاسلام " وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا " أى البيعة لا يحملنكم قلة محمد وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التى بايعتم على الاسلام ، " وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَيۡكُمۡ كَفِيلًا " أى جعلتم الله هو الشاهد عليكم الضامن أن توفوا بما عاهدتم به وتكفلتم ، " إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ " هذا تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها أن الله يحاسبكم وهو يعلم بكل أفعالكم ،  " وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا " أنكاثا أى أنقاضا  قال عبد الله بن كثير السدى : هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئا نقضته بعد انبرامه وقال مجاهد وقتادة وغيرهما هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده وهذا القول أرجح وأظهر وسواء أكان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا ، " تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أى خديعة ومكرا ، " أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ " تحلفون للناس اذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا اليكم فاذا أمكنكم الغدر بهم والقدرة عليهم غدرتم فنهى الله عن ذلك لينبه بالأدنى على الأعلى اذا كان قد نهى عن الغدر والخيانة فى حالة عدم التمكن هذه فان ينهى عنه مع التمكن والقدرة أولى ، قال أبن عباس " أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ " أى أكثر منها وأقوى وقال مجاهد كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز فنهوا عن ذلك ، وكان بين معاوية وبين ملك الروم أمد فسار معاوية اليهم فى آخر الأجل حتى اذا انقضى وهو قريب من بلادهم أغار عليهم وهم لا يشعرون فقال له عمرو بن عتبة الله أكبر يا معاوية : وفاء لا غدر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كان بينه وبين قوم أجل فلا يحلن عقده حتى ينقضى أمدها " فرجع معاوية بالجيش ،" إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ "قال سعيد بن جبير ان الله يختبر تصرفكم وأنتم بالكثرة وقال أبن جرير أى يختبركم بأمره اياكم بالوفاء بالعهد ، " وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ " يوم القيامة يكون الله هو الحكم فيوضح لكم ما اختلفتم فيه فيجازى كل عامل بعمله من خير وشر .

وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَلَتُسَۡٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٩٣ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٩٤ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ إِنَّمَا عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩٥ مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٦

" وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَة" يقول الله تعالى أنه يمكن بمشيئته أن يجعل الجميع أمة واحدة على هديه كقوله تعالى " ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا " أى لوفق بينكم ولما جعل اختلافا ولا تباغض ولا شحناء وكقوله " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم " ، " وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ " الله وحده بيده الهداية يهدى من يشاء بعمله ويضل كذلك من يشاء لسوء فعله ، " وَلَتُسَۡٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ" ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم فيجازيكم عليها على الفتيل والنقير والقطمير ، " وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا " حذر تعالى عباده من اتخاذ الأيمان دخلا أى خديعة ومكرا لئلا تزل قدم بعد ثبوتها حتى لايحدث انحدار وزلل بعد الثبات والقوة أى بعد سلوك طريق الحق وأخذ المواثيق والعهود على ذلك والنكوث فيه ولهذا قال " وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيم " وهذا مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريف الهدى بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله لأن الكافر اذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين فانصد بسببه عن الدخول فى الاسلام فالله ينهى عن ذلك ويتوعد من فعله بالعذاب العظيم فى جهنم ، " وَلَا تَشۡتَرُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ إِنَّمَا عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " " لا تعتاضوا عن الايمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها فانها قليلة ولوحيزت لأبن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له ، أى جزاء الله وثوابه خير لمن رجاه وآمن به وطلبه وحفظ عهده رجاء موعوده ويعلم ذلك ، " مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ " ما عندكم من متاع الدنيا يفرغ وينقضى فانه الى أجل معدود محصور مقدر متناه ، " وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاق" ما عند الله من حسن الجزاء وثوابه لكم فى الجنة باق لا انقطاع ولا نفاد له فانه دائم لا يحول ولا يزول ۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " قسم من الله تعالى مؤكدا باللام أنه يجازى الصابرين بأحسن أعمالهم ويتجاوز عن سيئها .

مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٧

" مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ "وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بنى آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله وان هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة فى الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله فى الدار الآخرة والحياة الطيبة تشتمل وجوه الراحة من أى جهة كانت وفسر أبن عباس الحياة الطيبة بالرزق الحلال الطيب وفسرها على رضى الله عنه بالقناعة وقال قتادة لا يطيب لأحد حياة الا فى الجنة وقال الضحاك هى الرزق الحلال والعبادة فى الدنيا وقال أيضا هى العمل بالطاعة والانشراح بها والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله فعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه " وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها فى الدنيا ويثاب عليها فى الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسناته فى الدنيا حتى اذا أفضى الى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا " .

فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ٩٨ إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٩٩ إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ ١٠٠

" فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ " هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم وهذا أمر ندب ليس بواجب والأحاديث الواردة فى الاستعاذة فى سورة الفاتحة والمعنى فى الاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارىء قراءته ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر ولهذا ذهب الجمهور الى أن الاستعاذة انما تكون قبل التلاوة ،" إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ " الشيطان ليس له سلطان أى سيطرةوهيمنة على الذين آمنوا ويسندون كل أمورهم الى الله أن يوقعهم فى ذنب لا يتوبون منه وقال آخرون لا حجة له عليهم ،" إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ" قال مجاهد سلطة الشيطان على الذين يطيعونه وقال آخرون اتخذوه وليا من دون الله ، " وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ " وسلطته وسيطرته على من أشركوا فى عبادة الله ، ويحتمل أن تكون الباء سببية أى صاروا بسبب طاعتهم للشيطان مشركين بالله تعالى وقال آخرون معناه أن الشيطان شركهم فى الأموال والأولاد .

وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۢۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ١٠١ قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ ١٠٢

يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وايقانهم وأنه لا يتصور منهم الايمان وقد كتب عليهم الشقاوة وذلك أنهم اذا رأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها " وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَة" رفعناها وأثبتنا غيرها وقال قتادة هذا كقوله" ما ننسخ من آية أو ننسها " ،  " وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ " أى أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بعلمه ، " قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۢۚ " قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انك كذاب ، " بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ " أكثر هؤلاء المنافقين جهلاء ولا علم لهم بمراد الله ، " قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ " يرد الله على هؤلاء المنافقين أن من نزل الآيات والقرآن هو روح القدس أى جبريل نزل به بالصدق والعدل من ربه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، "  لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ " يثبت به قلوب وعقيدة المؤمنين فيصدقوا بما أنزل أولا وثانيا وتخبت قلوبهم ، " وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ " جعل الله القرآن هاديا للذين آمنوا بالله ورسله ويبشرهم بحسن العاقبة قى الآخرة .

وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ ١٠٣

" وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَر" يقول الله تعالى مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت أن محمدا صلى الله عليه وسلم انما يعلمه هذا الذى يتلوه علينا من القرآن بشر ، "ۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّ" ويشيرون الى رجل أعجمى كان بين أظهرهم غلام لبعض بطون قريش وكان بياعا يبيع عند الصفا وربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس اليه ويكلمه بعض الشىء وذاك كان أعجمى اللسان لا يعرف العربية أو أنه كان يعرف الشىء اليسير بقدر ما يرد جواب الخطاب فيما لابد منه لهذا قال لهم " لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ " هذا القرآن لغته عربية واضحة فصيحة فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن فى فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة التى هى أكمل من معانى كل كتاب نزل على بنى اسرائيل كيف يتعلم من رجل أعجمى ؟ لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل وقال محمد بن اسحاق  فى السيرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى كثيرا ما يجلس عند المروة الى سبيعة غلام نصرانى يقال له جبر عبد لبعض بنى الحضرمى فانزل الله الآية ، وقال أبن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم فينا بمكة وكان اسمه بلعام وكان أعجمى اللسان وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده فقالوا انما يعلمه بلعام فأنزل الله هذه الآية ، وقال عبيد الله بن مسلم كان لنا غلامان روميان يقرآن كتابا لهما بلسانهما فكان النبى صلى الله عليه وسلم يمر بهما فيقوم فيسمع منهما فقال المشركون يتعلم منهما فأنزل الله هذه الآية .

إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَا يَهۡدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٠٤ إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ ١٠٥

" إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَا يَهۡدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ " يخبر الله تعالى أنه لا يهدى من أعرض عن ذكره وتغافل عما أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن له قصد الى الايمان بما جاء من عند الله فهذا الجنس من الناس لا يهديهم الله الى الايمان بآياته وما أرسل به رسله فى الدنيا ولهم عذاب أليم موجع فى الآخرة ، "  إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ " أخبر تعالى أن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليس بمفتر ولا كذاب لأنه انما يفترى الكذب على الله وعلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم شرار الخلق من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وايمانا ويقينا ،معروفا بالصدق فى قومه لا يشك فى ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم الا بالأمين محمد ، ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التى سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما قال له : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا ، فقال هرقل : فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل .

مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ١٠٦ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٠٧ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ ١٠٨ لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٠٩

"مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم"يخبر الله تعالى عمن كفر به بعد الايمان والتبصر وشرح صدره للكفر واطمأن به أنه قد غضب عليه لعلمه بالايمان ثم عدوله عنه وأن له عذاب عظيم فى الدار الآخرة ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ "   لأنه استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق ، " أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ "  فطبع على قلوبهم فهم لا يعقلون  فهم لا يعقلوا به شيئا ينفعهم وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعوا بها ولا أغنت عنهم شيئا فهم غافلون عما يراد بهم ، " لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ " لابد ولا عجب من هذه صفتهم هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، وقوله " إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ " استثناء ممنكفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرها لما ناله من ضرب وأذى وقلبه يأبى ما يقول وهومطمئن بالايمان بالله ورسوله وقد روى العوفى عن أبن عباس أن هذه الآية نزلت فى عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فوافقهم على ذلك مكرها وجاء معتذرا الى النبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك ، ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالى ابقاء لهجته ويجوز له أن يأبى كما كان بلال رضى الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل حتى أنهم ليضعوا الصخرة العظيمة على صدره فى شدة الحر ويأمرونه بالشرك بالله فبأبى عليهم فيقول : أحد أحد ويقول : والله لو أعلم كلمة هى أغيظ لكم منها لقلتها ،والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى الى قتله .   

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ١١٠ ۞يَوۡمَ تَأۡتِي كُلُّ نَفۡسٖ تُجَٰدِلُ عَن نَّفۡسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ١١١

" ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيم " هؤلاء صنف آخر كانوا مستضعفين بمكة مهانين فى قومهم فوافقوهم على الفتنة ثم أمكنهم الخلاص بالهجرة فتركوا بلادهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه وانتظموا فى سلك المؤمنين وجاهدوا معهم الكافرين وصبروا فأخبر تعالى أنه من بعدها أى تلك الفعلة وهى الاجابة الى الفتنة لغفور لهم رحيم بهم يوم معادهم ، " يَوۡمَ تَأۡتِي كُلُّ نَفۡسٖ تُجَٰدِلُ عَن نَّفۡسِهَا " تأتى كل نفس يوم القيامة تحاج عن نفسها ليس أحد يحاج عنها لا أب ولا ابن ولا أخ ولا زوجة ، " وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ " توفى كل نفس الجزاء على ما عملت من خير وشر ، " وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ " لا ينقص من ثواب الخير ولا يزاد على ثواب الشر ولا يظلمون نقيرا .

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ١١٢ وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ ١١٣

" وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّة" هذا مثل أريد به أهل مكة فانها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها ومن دخلها كان آمنا لا يخاف ، "  يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَان" يأتيها الرزق هنيئا سهلا من كل مكان حولها حيث كان العرب يحجون اليها وكانت قوافل التجارة ، " فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ " وجزاء الكفر والشرك ألبسها الله وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى اليهم ثمرات كل شىء وياتيها رزقها رغدا من كل مكان وذلك أنهم استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا الا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة أذهبت كل شىء لهم فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه اذا نحروه ، " وَٱلۡخَوۡفِ " وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين هاجروا الى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه وجعل كل ما لهم فى دمار وسفال حتى فتحها الله عليه ، " بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ " وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم ، " وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ " كرمهم الله وامتن عليهم بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذى بعثه الله فيهم منهم وامتن به عليهم" لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم" وكما قال " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة " ولكنهم كذبوه ونتيجة تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وظلمهم بعدم اتباع الحق والطريق المستقيم أخذهم الله بالعذاب ، وقال العوفى عن أبن عباس وكذلك مجاهد وقتادة وغيرهم أن هذا المثل ضرب لأهل مكة ، وكما انعكس على الكافرين حالهم فخافوا بعد الأمن وجاعوا بعد الرغد فبدل الله المؤمنين من بعد خوفهم أمنا ورزقهم بعد العيلة وجعلهم أمراء الناس وحكامهم وسادتهم وقادتهم وأئمتهم وفى وقت وجيز امتد سلطان الخلافة الاسلامية حتى وصل الصين وجنوب آسيا شرقا وامتد الى الأندلس وبلاد أفريقيا غربا وامتد الى الأمريكتين قبل اكتشافهما فى العصر الحديث وقتل المسلمين فيهما على يد المستعمرين من الأوربيين قيل ليس بالآلاف بل بالملايين واستجلابهم عبيد من غرب أفريقيا وكان بينهم الآلاف من المسلمين استذلوهم بعد أن حلت الفرقة والضعف بين المسلمين وهكذا يعز الله المسلمين بالاسلام وما جاءهم به رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم ويذلوا عندما تفرق بينهم السبل وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التقاتل فقال " لا ترتدوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " .

فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ ١١٤ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١١٥ وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ ١١٦ مَتَٰعٞ قَلِيلٞ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ١١٧

" فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ " يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلال وبشكره على ذلك فانه المنعم المتفضل به الذى يستحق العبادة وحده لا شريك له ، " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم " ذكر الله تعالى ما حرمه على المؤمنين مما فيه مضرة لهم فى دينهم ودنياهم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به أى ذبح على غير اسم الله ومع هذا فمن أضطر اليه أى احتاج من غير بغى ولا عدوان فان الله غفور رحيم يغفر لمن أضطر لذلك وهو منهى عنه ومحرم ولكن للضرورة كانت رخصة الله ورحمته بمن فعله فقد رفع عليه الاثم والحرج ولكن يأكل بقدر ما يبقيه على الحياة ، " وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ " نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغير ذلك مما كان شرعا لهم ابتدعوه فى جاهليتهم ويدخل فى ذلك كل من ابتدع بدعة ليس فيها مستند شرعى أو حلل شيئا مما حرم الله أو حرم شيئا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ " الذين يفترون كذبا على الله لا يفلحون فى الدنيا والآخرة فما حرم الله فهو مضر وما أحل فهو النافع وهو أعلم بمصلحة عباده والله يحاسبهم فى الآخرة على ما ارتكيوه من كذب فى التحليل والتحريم ، " مَتَٰعٞ قَلِيلٞ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم " متاعهم فى الدنيا التى يعيشون فيها ومتاع الدنيا قليل فهى دار فناء وأما فى الآخرة دار الخلود فلهم عذاب أليم فى جهنم وبئس المصير كما فى قوله " ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع فى الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون " وكقوله " نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب غليظ " .  

وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ١١٨ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٌ ١١٩

ذكر الله تعالى أنه حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وانما أرخص عند الضرورة وفى ذلك توسعة لهذه الأمة التى يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر ذكر سبحانه ما كانحرمه على اليهود فى شريعتهم قبل أن ينسخها وما كانوا فيه من الآصار والتضييق والأغلال والحرج " وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ " يخاطب الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين من بعده أنه حرم على اليهود ما أخبره به من قبل فى سورة الأنعام 146  فى قوله " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون " ، " وَمَا ظَلَمۡنَٰهُم " لم يكن عليهم من ظلم  فيما وقع عليهم بما ضيقنا عليهم ، "ۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ " ولكنهم الذين ظلموا أنفسهم بما فعلوه من التضييق والتشديدعلى أنفسهم فشدد الله عليهم وهذا كقوله " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " ، " ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَة" أخبر الله تعالى تكرما وامتنانا فى حق العصاة المؤمنين أن من ارتعب معصية وهو جاهل وقال بعض السلف كل من عصى الله فهو جاهل " ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُور رَّحِيم " من تاب منهم الى الله وأقلع عما كان فيه من المعاصى وأقبل على الطاعات بعد هذا الذلل تاب الله عليه فهو الذى يقبل التوبة برحمته وهو الذى يرحم وهو الذى يغفر .

إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٢٠ شَاكِرٗا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٱجۡتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ١٢١ وَءَاتَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٢٢ ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٢٣

يمدح الله تعالى عبده ورسوله وخليله ابراهيم عليه السلام اما الحنفاء ووالد الأنبياء ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية " إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ " الأمة هو الامام الذى يقتدى به والقانت هو الخاشع المطيع والحنيف المنحرف قصدا عن الشرك الى التوحيد فابراهيم عليه السلام يتصف بهذه الصفات فهو الامام الذى يقتدى به وقال مجاهد أمة أى أمة وحده وقال أيضا كان ابراهيم أمة أى مؤمنا وحده والناس كلهم اذ ذاك كفار وهو الخاشع المطيع وهو البعيد عن الشرك المتبع للتوحيد  ، " شَاكِرٗا لِّأَنۡعُمِهِۚ " كان ابراهيم عليه السلام يشكر نعمة الله عليه ، " ٱجۡتَبَىٰهُ "  اختاره الله واصطفاه ، " وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم " هداه الله ونحن نعلم رحلته مع الايمان الى عبادته وحده لا شريك له على شرع مرضى ، " وَءَاتَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَة" جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن اليه فى اكمال حياته الطيبة فقد أنعم الله عليه بالذرية الصالحة من الأنبياء وهب له ذريته على كبرورزقه من رزقه وقال مجاهد أى لسان صدق  "وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " فهو فى الآخرة كتب له الصلاح والفلاح فهو نبى الله ونحن نعرف منزلة النبيين عند الله ، " ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ " يقول الله تعالى مخاطبا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم  أنزلنا اليك الوحى الذى هو على سكة وملة ابراهيم البعيد عن الشرك وكل الأنبياء والرسل على دين واحد عبادة الله وحده لا شريك له كقوله فى سورة الأنعام " قل اننى هدانى ربى الى صراط مستقيم * دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كانمن المشركين " .

 إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبۡتُ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ١٢٤

 لاشك أن الله تعالى شرع فى كل ملة يوما من الأسبوع يجتمع الناس فيه للعبادة فشرع الله لهذه الأمة يوم الجمعة ويقال أن الله تعالىشرع ذلك لبنى اسرائيل على لسان موسى عليه السلام فعدلوا عنه واختاروا السبت فألزمه الله به فى شريعة التوراة ووصاهم أن يتمسكوا به وأن يحافظوا عليه مع أمرهم بمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم اذا بعثه وأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك لهذا قال تعالى " إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبۡتُ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ " قال مجاهد اتبعوه وتركوا الجمعة ثم انهم لم يزالوا متمسكين به حتى بعث الله عيسى عليه السلام يقال أنه لم يترك شريعة التوراة الا ما نسخ من بعض أحكامها وانه لم يزل محافظا على السبت حت رفع وان النصارى من بعده فى زمن قسطنطين هم الذين تحولوا الى يوم الأحد مخالفة لليهود ، " وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ " يقول الله تعالى منكرا على اليهود أنه سيحكم يوم القيامة وهو الحكيم بعلمه كل ما اختلفوا فيه من شرعه ويحاسبهم عليه وقد ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذى فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد " ، وعن أبى هريرة وحذيفة رضى الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة والمقضى بينهم قبل الخلائق " رواه مسلم .

 ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ١٢٥

" ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ " يقول الله تعالى آمرا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الى الحكمة قال أبنجرير وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة والموعظة الحجسنة أى بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى ، "  وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ " من احتاج منهم الى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب كقوله " ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتى هى أحسن الا الذين ظلموا منهم " ، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بلين الجانب كما أمر موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما الى فرعون " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " ، " إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ " الله قد قدم علم الشقى من الناس والسعيد وكتب ذلك عنده  وفرغ منه فادعهم الى الله ولا تذهب نفسك على من ضل حسرات فانه ليس عليك هداهم انما أنت نذير عليك البلاغ وعلينا الحساب كما قال " انك لا تهدى من أحببت " وكما قال " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء " .

 وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ ١٢٦ وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ ١٢٧ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ ١٢٨

يأمر الله بالعدل فى القصاص والمماثلة فى استيفاء الحق " وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ" ان أخذ أحد منكم شيئا فخذوا مثله وعن عطاء بن يسار قال نزلت سورة النحل كلها بمكة وهى مكية الا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد حين قتل حمزة رضى الله عنه ومثل به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن أظهرنى الله عليهم لأمثلن بثلاثين رجلا منهم " فلما سمع المسلمون ذلك قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهممثله لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فأنزل الله الآية ، وقال الشعبى وأبن جريج نزلت فى قول المسلمين يوم أحد فيمن مثل بهم لنمثلن بهم فأنزل الله فيهم ذلك ، " وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ " يأمر الله بالصبر عند المصيبة حتى ينال من أصيب بمصيبة أجر الصابرين وهو خير من المعاقبة وجزاء الصابرين هو الجنة ، " وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ " تأكيد للأمر بالصبر واخبار بأن ذلك لا ينال الا بمشيئة الله واعانته وحوله وقوته ، "  وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ " لا تحزن والخطاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفك فان الله قدر ذلك ، " وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ " ولا يصيبك ضيق وغم مما يجهدون أنفسهم فى عداوتك وايصال الشر اليك فان الله كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك ومظفرك بهم ، " إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ " الله مع الذين اتقوه أى تركوا المحرمات  والذين يحسنون القول والعمل فى الحياة الدنيا بفعل الطاعات  بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه وهذه معية خاصة كقوله " اذ يوحى ربك الى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا " وقول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر الصديق رضى الله عنه وهما فى الغار " لا تحزن ان الله معنا " والمعية العامة فبالسمع والبصر والعلم . 

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...