معجزات القرآن والسنة - معجزة الاسراء والمعراج ( 7 )
مقدمة
اذا تأملنا الاسراء والمعراج لابد أن
نتأمل مدلولات تتعلق بهذا الحدث ولا تنفصل عنه 1) البراق ودلالته من حيث السرعة ودلالة اللفظ من حيث العلاقة
بالضوء والسرعة والزمن وحواجز الزمن والمكان 2- ) نظرية النسبية والنسبة والتناسب
فى الكون 3-) قوانين الله فى الكون وسننه وتغير هذه الوانين بقدرته لتصنع معجزات
قد لا يصدقها البعض من البشر 4- ) حدث شرح الصدر وتهيئة الرسول ﷺ للرحلة 5-) الحارس الأمين الملاك
جبريل ومدى قدرته على اختراق السماء 6- ) حدث الاسراء وعالمية الاسلام .
ما هو الاسراء والمعراج ؟
الاسراء : هو رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله ﷺ من مكة الى بيت المقدس ، والاسراء لغة من السرى وهو
السير ايلا حيث كانت هذه الرحلة ليلا .
المعراج : رحلة سماوية تمت بقدرة الله عز وجل لرسوله ﷺ من بيت المقدس الى السموات العلا ثم الى سدرة المنتهى
ثم اللقاء بالله سبحانه وتعالى وفرض الصلاة ، والمعراج يعنى الصعود كقوله "
يوم يعرج الروح والملائكة" واستخدام لفظ
" عروج " وليس صعود له دلالة لأنه يعنى السير فى مسار متعرج لأن
السماء مليئة بالأجرام ولا يمكن السير فى خط مستقيم .
لماذا رحلة الاسراء والمعراج ؟
جاءت رحلة الاسراء والمعراج فى
عام الحزن الذى مات فيه
أبو طالب عم الرسول ﷺ الذى كان يحميه من أهل مكة ثم
ماتت زوجته الوفية الصادقة السيدة خديجة رضى الله عنها التى كانت تخفف عنه وتؤيده
فى دعوته والتى آمنت به وساعدته بمالها فحزن
الرسول ﷺ عليها
وأزداد قلقه على الدعوة بعد أن فقد نصيرين كبيرين وصدق توقعه فقد اشتد تعذيب
الكفار لأصحابه وحاول الرسول ﷺ
الخروج بالدعوة من مكة فتوجه الى الطائف بعد مضى عشر سنوات من بعثته وظل عشر أيام
يدعو كبار القوم الى الاسلام ولكن الطائف لم تكن أحسن حالا من مكة فقد رفض أهلها
قبول دعوته وسلطوا عليه صبيانهم وسفاهائهم فوقفوا صفين على طول طريقه يسبونه
ويقذفونه بالحجارة هو وزيد بن حارثة الذى كان يدافع عنه ويصد الحجارة حتى جرح فى
رأسه وسال الدم من قدم الرسول ﷺ
فدعا ربه ورفع يديه قائلا " اللهم اليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على
الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى --- "
وهكذا أعرض أهل مكة عن الاسلام
، وخذل أهل الطائف النبى ﷺ وازداد ايذاء الكفار له ولاصخابه وخاصة
بعد وفاة عمه والسيدة خديجة رضى الله عنها فاراد الله أن يخفف عن نبيه ويريه من
دعمه له وللعقيدة حتى يثبت فأكرمه برحلة الاسراء والمعراج .
هل للرحلة أهداف ؟
بالاضافة الى اخرج النبىﷺ من جو الحزن الذى كان عليه
حملت الرحلة أشياءا كثيرة سبقت رحلة الاسراء رحلة المعراج وكانت رحلة الاسراء الى
بيت المقدس وحكمة اختيار بيت المقدس أنها ملتقى الرسالتين اليهودية والنصرانية
ويتم الملتقى بالضلع الثالث الاسلام أى أن دعوة الله ممتدة وواحدة وليست منفصلة
وهى تصب فى معين واحد وهو عبادة الله سبحانه وتعالى التى بلغها رسله الذين التقى
بهم رسول الله ﷺ بهم وقد صبروا وتحملوا ما
تحملوا مع قومهم حتى يبلغوا الدعوة الى الله فجاءت هذه الرحلة لتمد الرسول ﷺ بزاد روحى بعد الجفوة التى
لاقاها من الكفار فى مكة وايذاءه هو وأصحابه لهم ليعلم أن من قبله من الرسل
والأنبياء هو امتداد لهم فيصبر ويحتمل حتى ينتصر مثلهم – فدعوة الاسلام عالمية
ممتدة .
وقد يتساءل البعض كيف يلتقى الرسول ﷺ بالرسل والأنبياء وهم ليسوا على قيد الحياة ؟وللرد على ذلك لا ننسى حديث الصلاة على النبى ﷺ حيث أمرنا بالصلاة عليه لأن صلاتنا تصله وعندما سألوه قال ان الله يرد على روحى ، فالله قد رد روح الأنبياء بحوله وقدرته وسوف يتم تناول ذلك فى موضوع عذاب القبر حيث أن ما يموت من الانسان هو مادة الأرض وتخرج روحه منه لتستمر حياته ختى يوم البعث فى شكل آخر حيث يقول الله " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا " .
وقد بدأت رحلة المعراج من بيت
المقدس وانتهت عند بيت المقدس " الى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله "
فاحاطته بركة بيت المقدس كما تحيطه بركة المسجد الحرام ، وذكرت كلمة المسجد الأقصى
لما سيكون فى المستقبل فحتى نزول الآية لم يكن تحول الى مسجد للمسلمين حتى تم فتح
القدس فى عهد سيدنا عمر بن الخطاب وهذه من معجزات القرآن الكريم
وحدثت الرحلتان الرحلة الأرضية
الاسراء والرحلة السماوية المعراج فى ليلة واحدة بعد العشاء وحتى ميعاد صلاة الفجر
وهى ساعات طوى فيها الزمان والمكان كما أوضحنا من قبل وهى المعجزة التى تمت بقدرة
الله لينزل السكينة والصبر فى قلب نبيه ليهون عنه ويخفف عنه الآلام ليبلغ رسالته ،
وقبل الهجرة بسنة ليمحص الله المؤمنين وليميز من كان صادقا خليقا بصحبة رسول الله ﷺ الى دار الهجرة وجديرا بما
يحتمله من أعباء وتكاليف وكان أبو بكر هو بطل التصديق عندما توجه اليه الكفار
ليخبروه بما قاله الرسول ﷺ عن الرحلة وتوقعوا منه أن يكذبها فردهم على أعقابهم
خائبين فقال انى أصدقه فى الخبر يصل من السماء فكيف لا أصدقه فى أقل من ذلك ، ونحن
نعلم دور الصديق فى رفقته فى رحلة الهجرة ورفقته فى الغار – غار ثور عندما أحاط
بهما الكفار فكانت معجزة أخرى .
وقد أرى الله لرسوله ﷺ عظم مكانته عنده فقد أم الأنبياء والمرسلين فهذه مكانته فى الأرض وأطلعه على آيات كونية لتكون درسا عمليا يتعلم فيه الرسول ﷺ بالمشاهدة والنظر لأنه أجدى أنواع التعليم وأشدها رسوخا وأطلع الله رسوله ﷺ على العوالم التى لا تصل أذهاننا الى ادراك كنهها وقد حبس عنا الكثير من العلم " وما أوتيتم من العلم الا قليلا " ، وللأنبياء والملائكة أحكاما أخرى لم يصل العقل البشرى الى تحديدها وابداء الرأى فيها ، والله عز وجل واضع نظام هذا الكون وقوانينه ، وان من وضع قوانين الكون والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك قادر على استبدالها بغيرها عندما يريد ذلك يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماء غير السماء " كما بأنا أول خلق نعيده " وقدرة الله لها أحاديث أخرى سيتم تناولها منفصلة .
الاسراء والمعراج فى القرآن والسنة
تحدث القرأن عن
الحدث فى سورة الاسراء وسورة النجم بقوله فى سورة الاسراء " سبحان الذى أسرى
بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير " الاسراء1 – 2
وفى سورة النجم " ان هو الا وحى يوحى * علمه شديد
القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو
أدنى * فأوحى الى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى *
ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى *
اذا يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى " النجم 5 – 19 وتحدثت سورة الاسراء
عن الاسراء وحده ، ونزلت آيات سورة النجم فى أحداث المعراج وحده ، ونزلت سورة
النجم حوالى السنة الخامسة من البعثة المحمدية أو قبلها بقليل ويتفق المؤرخون أن
الرسول ﷺ أمر بعض أصحابه فى هذه السنة بالهجرة الى الحبشة بعد
أن اشتد ايذاء كفار مكة لهم فهاجروا فى شهر رجب من السنة الخامسة .
تشير هذه الآيات الى رحلة الاسراء والمعراج ويستفاد
من الآيتين فى سورة الاسراء 1- ) أن الاسراء ثم بعد ذلك المعراج كان بالجسد
والروح ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى " بعبده " يعنى مجموع الجسد والروح
.، وبدأت السورة بالتسبيح " سبحان الذى " وهو تنزيه الله عن النقص
والعجز وتعظيم قدرته على فعل هذا الحدث العظيم وحتى يلغى كل شك وعدم تصديق قهو
خالق الكون كله فى ستة أيام وواضع قوانينه ونواميسه فكيف تعجز عليه رحلة الاسراء
والعراج ! ولو كان الأمر مناما لما كان مستعظما لأن البشر يرى فى منامه الكثير .
والآيات فى سورة النجم تشير الى عروج النبى ﷺ الى السماء ويستفاد منها
1- ) أن النبى ﷺ كان قاب قوسين أو أدنى يعنى أقرب من ذلك بينه وبين ربه
حتى تلقى الأمر من الله بالصلاة ، وفى رواية عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال
أن النبى ﷺ " فكان بينى وبينه قاب قوسين أو أدنى " .
2- ) أوحى الله
سبحانه وتعالى الى نبيه محمد ﷺعند سدرة المنتهى وفى رواية عن أبى هريرة رضى الله عنه
" أنه لما بلغ عند سدرة المنتهى فكلمه الله تعالى عند ذلك " ، وعن أنس
بن مالك رضى الله عنه " ثم انى رفعت الى سدرة المنتهى فقال الله لى " يا
محمد ----- ) الخصائص الكبرى .
3- ) رؤية الرسول ﷺ لله عز وجل وآياته الكبرى فعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها أن
النبى ﷺ لما ذكر سدرة المنتهى قلت : ماذا رأيت هناك يا رسول
الله ؟ قال : رأيت هناك ما رأيت " وذكرت كان يعنى الله عز وجل ( خصائص أبن
مردويه ) ، وعن أبن عباس رضى الله عنه قال فى قوله تعالى " ولقد رآه نزلة أخرى " أنه ﷺ رأى ربه بفؤاده مرتين ، أما رؤيته ﷺالآيات الربانية فى المعراج فلا خلاف فيه .
4- ) وصوله ﷺ الى سدرة المنتهى كما فى حديث أبى هريرة السابق قال
" ثم انتهى الى السدرة " روى الحديث أبن جرير وأبن أبى حاتم وأبن مردويه والبزار وأبو يعلى البيهقى عن
أبن عساكر عن أبى سعيد الخدرى وعن مالك بن صعصعة فى سند أبن حنبل والبخارى و مسلم
وأبن جرير فى حديث المعراج " ثم رفعت الى سدرة المنتهى " .
5- ) رؤية الجنة عند سدرة المنتهى فى حديث أبى سعيد
الخدرى " ثم انى رفعت الى الجنة " أبن جرير .
6- ) غطى السدرة شىء ما ففى حديث أبى هريرة عن المعراج
" فغشيها نور الخلاق عز وجل " ( خصائص أبن مردويه ) .
النسبية ومعجزة الاسراء والمعراج
يكمن
الاعجاز فى حدث الاسراء والمعراج فى الحيز الزمنى الذى تمت فيه الرحلة بالنسبة
لمقاييس البشر للقيام برحلة كتلك وبخاصة فى زمن بعثة الرسول ﷺ حيث لم يكن هناك الا وسائل
مواصلات واتصالات بدائية قوامها الدواب وكان أسرعها الحصان والحمام الزاجل والصورة
فى عصرنا أكثر اتضاحا فالتقدم فى وسائل الاتصال يتم فى لمح البصر والخبر والحدث
يشاهدان فى آن واحد من الأقمار الصناعية
والصواريخ التى تنطلق الى الفضاء بسرعات كبيرة والطائرات التى تملأ السماء والله
أعلم بما سيأتى " ويخلق ما لا تعلمون " وكذلك اكتشافات العلم لصفحة
السماء والتى لم يستطع العلم أن يبلغ منتهاها وعن ذكر أن السموات عددها سبع لم
يحدد ذلك العلم الحديث بل ذكره القرآن الكريم وكل ما نعرفه لا يتعدى السماء
الدنيا فكيف نصل الى أبعد من ذلك هذا تحدى من الله لمعشر الجن والانس " يا
معشر الجن والانس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون
الا بسلطان " وحت أقطار الأرض لم يستطع الانسان الا أن يصل الى عمق لا يكاد
يذكر لا يتعدى
30 ميل من عمق الأرض الذى يبلغ
أكثر من ستة آلاف ميل معظمها تحت سطح البحر
أو للكشف عن البترول .
نظرية
النسبية ومعجزة الاسراء والمعراج
نظرية
النسبية الخاصة لأنشتين التى كانت فى سنة 1905 محتواها " أنه ليس لنا أن نتحدث عن
الزمان دون المكان ، ولا عن المكان دون الزمان ، وما دام كل شىء يتحرك فلابد أن
يحمل زمنه معه ، وكلما تحرك الشىء أسرع فأن زمنه معه ، وكلما تحرك الشىء أسرع فان
زمنه سينكمش بالنسبة لما حوله من أزمنة مرتبطة بحركات أبطأ منه " .
ولقد
تحققت ظاهرة انكماش الزمن علميا فى معامل الفزياء حيث لوحظ أن الجسيمات الذرية atomic particles
تطول
أعمارها فى نظر اصدارها اذا ما تحركت بسرعة قريبة من سرعة الضوء ، وعلى سبيل
المثال يزداد نصف half
- life
العمرلجسيم البيون ( نصف العمرهو الزمن الازم لينحل هذا الجسيم اشعاعيا حتى يصل
الى نصف كميته ) فى الساعة المعملية الأرضية الى سبعة أمثال قيمته المعروفة اذا
تحرك بسرعة قدرها 99 % من سرعة الضوء .
وطبقا
لنظرية أنشتين فانا اذا تخيلنا أن صاروخا اقتربت سرعته من سرعة الضوء اقترابا
شديدا فانه يقطع رحلة تستغرق خمسين ألف سنة ( حسب الساعة الأرضية ) فى يوم واحد
فقط ( بالنسبة لطاقم الصاروخ ) ! ، واذا فكرت فى زيارة أطراف الكون فانك ستعود الى
اتلكرة الأرضية لتجد أجيالا أخرى وتغيرات كبيرة حدثت على هذا الكوكب الذى سيكون قد
مر عليه حينئذ آلاف أو ملايين أو بلايين السنين بحساب أهل الأرض الذين لم يخوضوا
معك هذه الرحلة المذهلة وذلك اذا كنت قد تحركت فى رحلتك بسرعة قريبة من سرعة الضوء
، وخلاصة القول " ان الزمن ينكمش مع ازدياد السرعة وتزداد السرعة مع ازدياد
القدرة على ذلك " .
هكذا
أصبح من المقنع للماديين أن السرعة والزمن والقدرة أشياء مترابطة ولكن اذا كان
هناك مخلوق أقوى من الانسان ( ينتمى الى غير الجنس البشرى كأن يكون من الجن أو من
الملائكة ) فانه يتحرك بقوانين أخرى غير قوانين الانسان فيقطع المسافات ويعبى
الحواجز وأشياء أخرى كثيرة لا يتخيلها الانسان الذى يسكن كوكبه الأرضى ، وطبقا
للنظرية النسبية أيضا فانه اذا وجد كائن يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء فان
المسافات تنطوى أمامه وينمحى الزمن فى قطعه هذه المسافات ، وبالرغم من أن سرعة
الضوء فى الفراغ ( الهواء ) هى أعلى سرعة معروفة حتى الآن فان العلم الحديث لا
ينكر وجود سرعة أكبر من سرعة الضوء فى الفراغ وان لم يصل اليها حتى الآن رغم سريان
دقائق بيتا B
- particles فى الماء بسرعة أكبر من سرعة الضوء فيه لأن هذه الدقائق
اخترقت حاجز الضوء فى الماء فقط وليس فى الهواء أو الفراغ فتسببت فى صدور اشعاع
يدعى اشعاع كيرنكوف .
النسبية
للكائنات الأرضية :
تتنوع
الكائنات من حيث الحجم وبالتالى الزمان والمكان فعلى الأرض يوجد الكائنات الضخمة
كالحوت والفيل والجمل والكائنات الدقية
كالنمل والفيروسات التى لا ترى باالعين المجردة ، فالمسافة بالنسبة للفيل أو الجمل
تختلف بالنسبة للنملة فالفيل أو الجمل خطوته تعدل آلاف الخطوات بالنسبة للنملة
وبالتالى المسافة التى يقطعها تستغرق زمن أقل بآلاف المرات من النملة وكذلك الأمر
بالنسبة الانسان والملاك فسرعة الضوء وهى أعظم سرعة يعرفها البشر هى 186 ألف ميل
فى الثانية أما سرعة الملاك فهى فوق ذلك فقد كان السائل يأتى الى النبى ﷺ فلا يكاد
يفرغ من سؤاله حتى يأتى جبريل بالجواب من
رب العزة والسرعة لا تقاس بمقاييس البشر فهى خيالية .
ومن
قوة جبريل أنه ينزل من مقامه الذى يتلقى فيه الوحى فوق سبع سموات ويسمع كلام الله
الى الأنبياء بمثل طرفة عين ، هذه المسافة الطويلة هى آلاف السنوات الضوئية
بمقاييس البشر ، وقد رأى الرسول ﷺ جبريل على صورته التى خلقها الله عليها مرتين :
مرة بعد البعثة بثلاث سنوات كما ثبت فى صحيح البخارى أن الرسول ﷺ قال : بينما أنا
أمشى سمعت صوتا من السماء فرفعت بصرى فاذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى
بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت " زملونى " ، والمرة الثانية رآه
عندما عرج به الى السماء ، وهاتان المرتان مذكورتان فى سورة النجم " علمه
شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى " الآيات من
5 – 8 .
وقول
الله فى حق جبريل " علمه شديد القوى " أى علم جبريل الأمين سيدنا محمد ﷺ
ما نزل به من الوحى كما أمره الله وجبريل شديد القوى أى ذو قوة شديدة كما وصفه
الله فقال " ذو مرة " أى ذو شدة فى خلقه ، وقد ورد فى الحديث أن جبريل
عليه السلام خلق على ستمائة جناح يتناثر منها تهاويل الدر والياقوت "
والتهاويل شىء يبهر الأنظار كالدر والياقوت ، وسيكون هناك حديث مفصل عن الملائكة ،
فجبريا بقوته هذه هو أمين الوحى وهو الذى قاد الرسول ﷺ فى رحلته الى السماء .
شرح
الصدر وصلته برحلة الاسراء والمعراج
شرح صدر رسول الله ﷺ مرتان فعن أنس
بن مالك رضى الله عنه يقول أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى اليه وهو نائم فى
المسجد الحرام فقال أولهم أيهم هو ؟ فقال أوسطهم هو خيرهم فقال آخرهم " خذوا
خيرهم فكانت تلك الليلة فلم يرهم ، حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه
ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم – فلم يكلموه حتى
احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى
جوفه ثم أتى بطست من ذهب فيه نور من ذهب محشوا ايمانا وحكمه فحشا به صدره ولغاديده
–يعنى عروق حلقه ثم أطبقه" ويقول
الله تعالى " ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك " وكان
الشرح الأول للتهيأة للرسالة .
شرح
الصدر الثانى وبداية الرحلة
وشرح الصدر الثانى كان فى ليلة
الاسراء والمعراج للتهيأة الى الرحلة الكبرى والانتقال من الأرض الى السماء ، فقد كان رسول الله ﷺ ذات ليلة بعد العشاء فى
بيت السيدة أم هانىء بنت عمه أبى طالب بين عمه حمزة وأبن عمه جعفر الطيار اذا فتح
سقف البيت وهو مضطجع بين النائم واليقظان ونزل عليه ثلاثة نفر من الملائكة يتقدمهم
جبريل عليه السلام ومعه اثنان من الخيرة الأبرار فاحتملوه ﷺ حتى أتوا به الحجر من
المسجد الحرام فشق جبريل عليه السلام صدره الشريف من تغرة نحره الى ثنته وغسلوا
قلبه بماء زمزم المبارك فى طست من ذهب ثم ملؤه ايمانا وحكمة ثم أعيد صدره وقلبه
الى ما كانا عليه ثم أتى بالبراق ، والبراق دابة تشبه البغل ولها جناحان ، ووسيلة
الركوب والانتقال هنا ترمز اتلى الخفة والسرعة والاقتدار على قطع المسافات فى أقل
الأوقات والبراق يذكر بالبرق الخاطف السريع المضىء وهو ضوء يأتى مع المطر ونحن
نقيس السرعة بين الكواكب فى العصر الحديث بالسنين الضوئية وقالت السيرة عنه "
ان البراق لونه أبيض فى فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ويخطو الخطوة فاذا حافره
فيها يقع عند نهاية بصره " فكأن سرعته أكثر من سرعة انتشار الضوء . وقال
الامام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلحة أخبرنا ثابت البنانى عن أنس بن
مالك رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ قال " أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق
الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه فركبنه " وعن أنس بن مالك قال
: لما جاء جبريل الى الرسول ﷺ بالبراق فكأنها حركت ذنبها فقال لها جبريل : مه يا
براق فوالله ما ركبك مثله ، وقال الامام أحمد حدثنا معمر عن قتادة عن أنس أن النبى
ﷺ " أتى بالبراق ليلة أسرى به مسرجا ملجما ليركبه فاستصعب عليه فقال له جبريل
: ما يحملك على هذا ؟ فو الله ما ركبك قط أكرم على الله منه ؟ قال : فأرفض عرقا
" ورواه الترمذى عن اسحاق بن منصور ، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول
الله ﷺقال " أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل ، خطوها عند منهى طرفها فركبت ومعى
جبريل عليه السلام – فسرت فقال : انزل فصل " فصليت فقال : أتدرى أين صليت ؟
صليت بطيبة واليها المهاجرة ثم قال : انزل فصل فصليت فثقال : أتدرى أين صليت ؟
صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ، ثم قال : أنزل فصل ، فصليت فقال : أتدرى أين
صليت ؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام ثم دخلت بيت المقدس فجمع لى
الأنبياء عليهم السلام فقدمنى جبريل عليه السلام حتى أممتهم ، وسار رسول الله ﷺ
فاذا هو بعجوز على جانب الطريق فقال : ما هذه يا جبريل ؟ قال : سر يا محمد قال :
فسار ما شاء الله أن يسير فاذا شىء يدعوه متنحيا عن الطريق فقال : هلم يا محمد
فقال له جبريل : أردد السلام يا محمد فرد السلام ، ثم لقيته الثانية فقال له مثل
مقالته الأولى ، ثم الثالثة كذلك ، فسار
بى حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التى يربط فيها الأنبياء ثم دخلت
فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتى جبريل باناء من خمر واناء من لبن فاخترت اللبن فقال
جبريل : أصبت الفطرة ، وقيل فعرض عليه
الخمر والماء واللبن فتناول الرسول ﷺ البن فقال له جبريل : أصبت الفطرة ولو شربت
الماء لغرقت وغرقت أمتك ، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك ، ثم بعث آدم فمن دونه
من ألأنبياء عليهم السلام فأمهم رسول الله ﷺ تلك الليلة ثم قال له جبريل : أما
العجوز الذى رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا الا كما بقى من عمر تلك
العجوز ، وأما الذى أراد أن تميل اليه فذاك عدو الله ابليس أراد أن تميل اليه ،
وأما الذين سلموا عليك فابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، قال أبن اسحاق عن أبى
سعيد الخدرى رضى الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺيقول : لما فرغت مما فى بيت المقدس
أتى بالمعراج ولم أر شيئا قط أحسن منه فاصعدنى صاحبى فيه حتى انتهى بى الى باب من
أبواب السماء يقال له باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة يقال له اسماعيل تحت يديه
اثنا عشر ألف ملك تحت يدى كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك قال : يقول رسول الله ﷺ
حين حدث بهذا الحديث " وما يعلم جنود ربك الا هو " فلما دخل بى قال : من
هذا يا جبريل ؟ قال : هذا محمد قال : أو قد بعث ؟ قال : نعم قال : فدعا لى بخير
وقاله ،وفى رواية ثم عرج بى الى السماء الدنيا فاستفتح جبريل قيل له : من أنت ؟
قال جبريل : وفى رواية أخرى فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء من هذا ؟ فقال
جبريل : قالوا ومن معك ؟ قال : معى محمد قالوا : وقد بعث اليه ؟ قال : نعم قالوا :
فمرحبا وأهلا . وجد فى السماء الدنيا " آدم " فقال له جبريل : هذا أبوك آدم
فسلم عليه ورد آدم فقال : مرحبا وأهلا يا بنى ، نعم الابن أنت ، فاذا هو فى السماء
الدنيا بنهرين يطردان فقال : ما هذان النهران يا جبريل ؟ قال : هذان النيل والفرات
عنصرهما ، ثم مضى فى السماء فاذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده
فاذا هو مسك أذفر فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذى خبأ لك ربك .
ثم عرج بنا الى السماء الثانية
فاستفتح جبريل فقيل له : من أنت ؟ قال جبريل : قيل ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل :
وقد أرسل اليه ؟ قال : قد أرسل اليه ففتح لنا فاذا أنا بأبنى الخالة يحيى وعيسى
فرحبا بى ودعوا لى بخير .
ثم عرج بنا الى السماء الثالثة فدار
الحديث كما حدث فى السماء الأولى والثانية ففتح لنا فاذا أنا بيوسف عليه السلام
واذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بى ودعا لى بخير ثم عرج بنا الى السماء الرابعة ففتح
لنا فاذا أنا بادريس عليه السلام فرحب بى ودعا لى بخير ثم يقول الله تعالى "
ورفعناه مكانا عليا ، ثم عرج بى الى السماء الخامسة فاذا بهارون فرحب بى ودعا لى
بخير ، ثم عرج الى السماء السادسة ففتح لنا فاذا بموسى عليه السلام فرحب بى ودعا
لى بخير ، ثم عرج بنا الى السماء السابعة ففتح لنا فاذاانا بابراهيم عليه السلام
واذا هو مستند الى البت المعمور واذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون
اليه ثم ذهب بى الى سدرة المنتهى فاذا ورقها كآذان الفيلة واذا ثمرها كاقلال فلما
غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها
قال : فأوحى الله الى ما أوحى وقد فرض على كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى
انتهيت الى موسى قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة فى كل يوم وليلة
قال : ارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فان أمتك لا تطيق ذلك وانى قد بلوت بنى
اسرائيل خبرتهم قال : فرجعت الى ربى فقلت : أى ربى خفف عن أمتى فحط عنى خمسا فقال
: ان أمتك لا تطيق ذلك فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال : فلم أزل أرجع بين
ربى وبين موسى ويحط عنى خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هن خمس صلوات فى كل يوم وليلة
بكل صلاة عشرا ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب فان عملها كتبت سيئة واحدة فنزلت
حتى انتهيت الى موسى فأخبرته فقال : ارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فان أمتك
لا تطيق ذلك فقال رسول الله ﷺ " لقد رجعت الى ربى حتى استحييت " رواه
مسلم عن شيبان بن فروخ عن حماد بن مسلمة بهذا السياق .
وفى رواية أخرى " حتى جاء سدرة
المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله
اليه فيما يوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة ، ثم هبط به حتى بلغ موسى
فاحتبسه موسى فقال : يا محمد ماذا عهد اليك ربك ؟ قال : عهد الى خمسين صلاة كل يوم
وليلة قال : أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم فالتفت النبى ﷺ الى
جبريل كأنه يستشيره فى ذلك فأشار اليه جبريل أن نعم ان شئت ، فعلا به الى الجبار
تعالى وتقدس فقال وهو فى مكانه : يارب خفف عنا فان أمتى لا تستطيع هذا " فوضع
عنه عشر صلوات ، ثم رجع الى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى الى ربه حتى صارت الى
خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد والله لقد راودت بنى اسرائيل
قومى على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه ، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا
وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك " .
فى كل ذلك يلتفت النبى ﷺ الى جبريل
ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل فرفعه عند الخامسة فقال : يا رب ان أمتى ضعفاء
أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنا " ، فقال الجبار تبارك
وتعالى : يا محمد قال
: لبيك وسعديك قال : انه لا يبدل
القول لدى ، كما فرضت عليك فى أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم
الكتاب ، وهى خمس عليك فرجع الى موسى فقال : كيف فعلت ؟ فقال : خفف عنا ، أعطانا
بكل حسنة عشر أمثالها قال موسى : قد والله راودت بنى اسرائيل على أدنى من ذلك
فتركوه فارجع الى ربك فليخفف عنك أيضا قال رسول الله ﷺ : يا موسى قد والله استحييت
من ربى عز وجل مما أختلف اليه " قال : فاهبط باسم الله واستيقظ وهو فى المسجد
الحرام .
وفى رواية ثم أتيت موسى فأمرنى
بالرجوع فرجعت فخفف على عشرا ثم ردت الى خمس صلوات قال : فارجع الى ربك فاسأله
التخفيف فانه فرض على بنى اسرائيل صلاتين فما قاموا بهما فرجعت الى ربى عز وجل
فسألته التخفيف فقال : انى يوم خلقت السموات والآرض فرضت عليك وعلى أمتك خمس صلوات
فخمس بخمسين فيقم بها أنت وأمتك " قال : فعرفت أنها من الله عز وجل " .
مشاهد
المعراج فى السماء
لقد كان رسول الله ﷺ وهو ينتقل فى
رحلة المعراج يرى جموعا من الملائكة وراء الجموع وتحدث عن كثرتهم الهائلة ثم
استشهد على ذلك بقول ربه " وما يعلم جنود ربك الا هو " المدثر 13 وكلمة
الجنود هنا نذكر بالجيش والجيش مظهر القوة فكأن معانى القوة كانت تحيط برسول الله ﷺ
عن يمين وشمال .
نظر رسول الله فى السماء الأولى فاذا
رجل تام الخلقة عن يمينه أسودة ( أرواح ) وعن يساره أسودة فاذا نظر الى التى عن
يمينه تبسم وقال : روح طيبة اجعلوها فى عليين فيفتح باب ويخرج منه ريح طيبة فتدخل
فيه ، واذا نظر الى التى عن يساره حزن وقطب جبينه وقال : روح خبيثة اجعلوها فى
سجين فيفتح باب ويخرج منه ريح خبيثة فتدخل فيه ، سأل رسول الله ﷺ عن هذا الشخص
التام الخلق وعن الأسودة وعن هذين البابين فقال جبريل عليه السلام : أما الشخص
التام الخلقة فهو أبوك آدم ، وأما هذه الأسودة عن يمينه وعن يساره فهى أرواح بنيه
: أهل يمينه أهل الجنة ، وأهل شماله أهل النار ، فاذا نظر الى أهل الجنة تبسم ،
واذا نظر الى أهل النار حزن وابتأس ، وأما البابان فالباب الذى الى اليمين باب
الجنة ، والباب الذى الى اليسار باب جهنم .
- قال أحمد حدثنا أبو المغيرة ،
حدثنا صفوان ، حدثنى راشد بن سعيد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس قال قال رسول الله ﷺ
: لما عرج بى الى ربى عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم
وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس ويقعون فى
أعراضهم " وأخرجه أبو داود من حديث صفوان بن عمرو .
- عن أبى هريرة رضى الله عنه أن
النبى ﷺ مر على قوم يزرعون ويحصدون فى يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال لجبريل
عليه السلام : ما هذا ؟ قال : هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة الى
سبعمائة ضعف وما أنفقوا من شىء فهو يخلفه وهو خير الرازقين .
- ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر
كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شىء فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال :
هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة .
- ثم أتى على قوم على أقبالهم وعل
أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم فقال : ما
هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤدون زكلة أموالهم وما ظلمهم الله وما ربك بظلام
للعبيد .
- ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم
نضيج فى قدر ولحم نيىء فى قدر خبيث فجعلوا يأكلون من النىء الخبيث ويدعون النضجيج
فقال : ما هؤلاء يا جبريل ؟ قال جبريل : هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة
الحلال الطيب فيأتى امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها
حلالا طيبا فتأتى رجلا حبيثا فتبيت عنده حتى تصبح .
- ثم أتى على رجل قد جمع حزمة من حطب
عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الرجل
من أمتك تكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها .
- ثم أتى على قوم ألسنتهم وشفاهم
تقرض بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شىء فقال : ما
هذا يا جبريل ؟ قال : هؤلاء خطباء الفتنة .
- ثم أتى على جحر صغير يخرج منه نور
عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال
: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها .
- ثم أتى على واد فوجد فيه ريحا طيبة
باردة وريح مسك وسمع صوتا فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا صوت الجنة تقول :
ربى آتينى بما وعدتنى فقد كثرت غرفى واستبرقى وحريرى وسندسى وعبقريى ولؤلؤى
ومرجانى وفضتى وذهبى وأكوابى وصحافى وأباريقى ومراكبى وعسلى ومائى ولبنى وخمرى
فأتينى بما وعدتنى قال : لك كل مسلم ومسلمة ، ومؤمن ومؤمنة ، ومن آمن بى وبرسلى
وعمل صالحا ولم يشرك بى شيئا ولم يتخذ من دونى أندادا ومن خشينى فهو آمن ومن سألنى
فقد أعطيته ، ومن أقرضنى جازيته ، ومن توكل على كفيته ، اننى أنا الله لا اله الا
أنا لا أخلف الميعاد ، قد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين قالت : قد رضيت
.
- ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا
ووجد ريحا منتنة فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا صوت جهنم تقول : رب آتينى بما
وعدتنى فقد كثرت سلاسلى وأغلالى وسعيرى وحميمى وضريعى وغساقى وعذابى وقد بعد قعرى
واشتد حرى فأتينى بما وعدتنى قال : لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل جبار لا
يؤمن بيوم الحساب قالت : قد رضيت فسار حتى أتى بيت المقدس " رواه الطبرانى
والبزار .
- ثم مضى رسول الله ﷺ فوجد ناسا
شفاههم كمشافر الابل فيأتى من يفتح أفواههم فيلقى فيها من اللحم الخبيث فيضجون
منها الى الله لأنها تصير نارا فى أمعائهم فلا يجيرهم أحد حتى تخرج من أسفلهم فقال
عليه الصلاة والسلام : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين يأكلون أموال
اليتامى بالباطل ظلما انما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " .
- رأى رسول الله ﷺ طريقا ممتدا الى
النار يمر فيه آل فرعون فيعرضون على النار غدوا وعشيا وأثناء مرورهم يجدون على
الطريق أقواما بطونهم منتفخة مثل البيوت كلما نهض أحدهم سقط يقول : اللهم أخر يوم
القيامة ، اللهم لا تقم الساعة فيطؤهم آل فرعون بأقدامهم فقال عليه السلام : من
هؤلاء يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين يتعاملون بالربا من أمتك ولا يقومون الا
كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس " .
- مضى الرسول ﷺ فرأى أقواما يقطع
اللحم من جنوبهم يقال لكل منهم : كل من هذا اللحم كما كنت تأكل لحم أخيك ميتا فقال
الرسول ﷺ : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين يغتابون الناس من أمتك
كان كل منهم يأكل لحم أخيه ميتا .
مر الرسول ﷺ على أقوام يحصدون فى يوم
كلما حصدوا عادوا كما كان فلما رآهم سأل جبريل : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل :
هؤلاء هم المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف ( كمثل حبة أنبتت
سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء " .
- ورأى الرسول ﷺ حول ابراهيم الخليل
قوما جلوسا بيض الوجوه أمثال القراطيس وقوما فى ألوانهم شىء فدخلوا نهرا اغتسلوا
فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شىء م دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت
ألوانهم فصارت مثل ألوان أصحابهم فجاءوا فجلسوا الى أصحابهم فقال عليه السلام : يا
جبريل من هؤلاء البيض الوجوه ؟ ومن هؤلاء الذين فى ألوانهم شىء ؟ وما هذه الأنهار
التى دخلوا فيها قجاءوا وقد صقت ألوانهم قال جبريل : أما هؤلاء البيض الوجوه فقوم
لم يلبسوا ايمانهم بظلم ، أى أنهم أخلصوا دينهم لله فليس فى قلوبهم شىء من شك أو
ميل الى الاثم والبغى فكان ايمانهم نقيا صافيا وأما هؤلاء الذين فى ألوانهم شىء
فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم وأما الأنهار فهى نهر
الرحمة ونهر النعمة والثالث شراب طهور .
رحلة
العودة
هبط الرسول ﷺ بصحبة جبريل الى حيث
صعد من بيت المقدس وعاد الرسول ﷺ الى مكة فى غاية الثبات مؤزرا بعناية الله محفوفا
بحراسته وقوته بعد أن شاهد فى تلك الليلة من المشاهد والآيات ما لو رآه غيره لطاش
منه العقل وتزلزل الفؤاد وأصبح على يقين ولا تخيفة معارضة المعارضين ولا يزلزله شك
المرتابين ولقد تعلقت بثوبه ابنة عمه أم هانىء مشفقة من مواجهته المشركين بحادث
الاسراء والمعراج وقالت له راجية : يا بنى لا تحدث الناس بهذا الحديث لئلا يكذبوك ويؤذوك
فيقسم لها بالله مؤكدا أنه لابد أن يحدثهم به لأنه الحق فماذا بعد الحق الا الضلال
.
فلما أصبح رسول الله ﷺ قال لقريش :
ان الله قد أسرى بى الى بيت المقدس وأرانى آثار الأنبياء ومنازلهم وأنى مررت بعير
لقريش فى موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيرا لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقى ذلك فقال
أبو جهل : قد أمكنتكم الفرصة منه فاسألوه كم اأساطين فيها والقناديل فقالوا : يا
محمد ان هاهنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه ! فجعل
يخبرهم بما يسألون عنه فلما أخبرهم قالوا : حتى تجىء العير ونسألهم .
وفى رواية أخرى لما رجع الرسول ﷺ
أخبر قومه بما حصل معه فقالوا له : من هنا الى هناك مسيرة شهر وكان فيهم من يعرف
بيت المقدس فقالوا له : كم بابا ببيت المقدس ، كان هو بالليل ما تأكد من عدد
الأبواب ، تضايق ، ثم كشف الله له فأراه فصار يعد لهم وهو ينظر الى الأبواب واحدا
واحدا فسكتوا ، ثم قيل لآبى بكر : صاحبك يدعى أنه أسرى به فقال : انه صادق فى ذلك
عن خبر السماء أنا أصدقه فكيف لا أصدقه عن خبر الأرض ! " .
مر رسول الله ﷺ فى رجوعه بعير قريش
واذا لهم ماء فى آنية وقد أضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله ﷺ من ذلك
الماء وأهرق ما فيه .
وفى رواية " لما أخبر الرسول ﷺ
قومه بخبر الاسراء كذبوه وشككوا فى قوله وتحدوه أن يثبت صدقه ان كان صادقا وراحوا
يسألونه : صف لنا بيت المقدس ! قال ﷺ : دخلت فيه ليلا وخرجت منه ليلا "
وحينئذ أتاه جبريل بصورته فجعل ينظر اليه ويخبرهم " ، وروى البخارى عن جابر
بن عبد الله قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : لما كذبتنى قريش قمت فى الحجر فجلى
الله لى بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر اليه " .
وذكر أبن اسحاق من حديث أم هانىء
" أنه لما خرج رسول الله ﷺ الى الناس أخبرهم فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا
محمد ؟ فانا لم نسمع بمثل هذا قط قال : آية ذلك أنى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا
وكذا فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا موجه الى الشام ثم أقبلت
حتى اذا كنت بضبحنان مررت ببعير بنى فلان فوجدت القوم نياما ولهم اناء فيه ماء قد
غطوا عليه بشىء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ثم غطيت عليه كما كان وآية ذلك أن عيرهم
الآن بصوب من البيضاء ثنية التنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان احدهما سوداء
والأخرى برقاء ط قالت : فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل كما وصف لهم
وسألوهم عن الاناء فاخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه وأنهم هبوا فوجدوه مغطى
كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء وسألوا الآخرين وهم بمكة فقالوا : صدق والله ، لقد
أنفرنا فى الوادى الذكر ذكر وند لنا بعير فسمعنا صوت رجل يدعونا اليه حتى أخذناه
" .
وهكذا أيد الله رسول ﷺ وأمده بالعديد
من الآيات الدالة على صدقه وعظيم منزلته عند الله عز وجل .
خاتمة
ظل
الرسول ﷺ ثلاثة عشرة عاما فى مكة ومر بها بعدة محطات قبل الهجرة الى المدينة
ابتداءا من محطة الوحى وموقف خديجة رضى الله عنها وموقف ورقة بن نوفل ودعوته على
الصفا " وأنذر عشيرتك الأقربين " الشعراء 214 وموقف الايذاء من قريش
وتصعيد الايذاء يوما بعد يوم ، وموقف الهجرة الى الحبشة مرتين ، وموقف المقاطعة
الاجتماعية ثلاث سنوات ، وموقف عام الحزن بموت خديجة رضى الله عنها وأبى طالب
السند والعم القوى له ، وموقف ذهابه الى الطائف للدعوة ورد أهل الطائف له أسوأرد ،
وموقف دائه وتضرعه ﷺ لربه ثم الاسراء والمعراج هذه المحطة المهمة فى حياته فى مكة
رحلة أرضية ليلية الى بيت المقدس من المسجد الحرام ورحلة المعراج – رحلة المعراج
رحلة سماوية من القدس الى السموات العلى الى مستوى لم يصل اليه بشر من قبل الى
سدرة المنتهى ليكون ذلك تسرية له عما قاسى ، وابراز القوة ، الله الذى اذا شاء طوى
الزمان والمكان وعطلت قوانين الأرض والسماء ليعلمه الله أنه اذا كان هؤلاء الناس
قد صدوك فان الله يرحب بك وأن الأنبياء يقتدون بك ويتخذونك اماما لهم ، وامتددادا
لرسالتهم وأنت خاتمهم ولا نبى بعدك وأنت الذروة فى سلسلة بدأت بآدم وانتهت اليك ،
مما يؤكد عالمية الاسلام ووحدانية الرسل ولا يعلم بالضبط الوقت الذى أسرى فيه
برسول الله ﷺ فانه بعد سنوات قيل أنها ثلاث سنوات وقيل ثمانية عشر شهرا ولكن
اليقين أنه كان قبل الهجرة ، كان ذلك اعدادا له لما بعد الهجرة ومواجهته للعرب
جميعا ونضاله المسلح لاعلاء الدعوة ، وكذلك مواجهته لليهود الذين تحالفوا مع
الكفار ضده ، ثم بعد ذلك دعوته للفرس المجوس عبدة النار ثم للروم ، ودعوته لكل أهل
الأرض من حوله وعرض الاسلام عليهم ، أراد الله أن يريه من آياته ويريه قدرته
ويهيأه الله لرسالته التى ستنتقل الى مرحلة جديدة فى المدينة ثم تنطلق منها الى
جزيرة العرب ثم العالم ، أراه الله من آياته فى الأرض وفى السماء ، واستدعاه الله
الى أهم أمر فى الدين وأهم عمود فيه وهو فرض الصلاة ، وكانت آية الاسراء بشارة أنه
سيكون هناك مسجد هو المسجد الأقصى الذى لم يكن موجودا وقد حدث الاسراء ، ولقاء
الرسول ﷺ بالآنبياء فى السموات وسؤالهم عن رسالته وهل كلف بها أم لا يؤكد عالمية
الرسالة الاسلامية وتصديق الرسل كافة عليها وشهادتهم على أنها الحق .
No comments:
Post a Comment