11- ) علامات الساعة - العلامات الصغرى
44- ) تمنى الموت من شدة البلاء
فعن أبى
هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ " لا
تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتنى مكانه " رواه البخارى
وقد استشرف عبدالله بن مسعود رضي
الله عنه هذه الحقيقة، وعبّر عنها بصورةٍ تجسّد ذلك الصراع المرير بين الاستمرار
في المقاومة والاصطبار على الحق، وبين مخاوف الفتنة في الدين، فقد أُثر عنه قوله:
"سيأتى عليكم زمان، لو وجد فيه أحدكم الموت يباع لاشتراه" ذكره الإمام
الداني في كتاب السنن الواردة في الفتن.
على أن هناك حالة أخرى مغايرة لتلك الحالة السُننيّة، حالةٌ تزداد فيها صور
البلاء وتتنوّع، وتنهمر على الناس كالمطر، فيكون وقعها شديداً على النفوس، حتى يصل
الأمر بالواحد إذا خُيّر بين الحياة –برونقها وجمالها- وبين الممات –على شدّته- أن
يختار الممات على البقاء، على نحوٍ لا يتلاءم ما هو مطبوعٌ في الجبلّة من حب
الدنيا وكراهية الموت، وهذه قضيّةٌ لابد من التوقّف عندها، وأن نستجلي حقيقتها،
ونكشف سرّها، وذلك بإعمال العقل تفكّراً وتدبّراً في علامةٍ من علامات الساعة التي
ستكون آخر الزمان.
فلنتجّه إذن إلى كتب السنّة لنجد خبر الصادق المصدوق –صلى الله عليه وسلم-،
والذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ونصّه كالآتي: (لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل
بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه) متفق عليه.
يوضّح الإمام ابن عبدالبرّ ذلك فيقول: " ظن بعض الناس أن هذا الحديث
معارض لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن تمنّي الموت، وليس كما ظن وإنما هذا خبر أن
ذلك سيكون لشدة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين، وضعفه وخوف ذهابه، لا
لضرٍّ ينزل بالمؤمن يحطّ خطاياه" وقول الإمام وجيهٌ، ويدلّ على جواز الدعاء
بالموت إن كان لمصلحة دينية، وهو خوف الفتنة في دينه، أو شوقاً إلى لقاء الله
تعالى، ومما يُستدلّ به تتمّة الحديث الذي ينهى عن تمنّي الموت، وفيه: (فإن كان لا
بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة
خيرا لي).
ونختم بلطيفةٍ ذكرها الإمام ابن حجر، تتعلّق بالمذكور في حديثأبي هريرة من
تمنّي الموت عند القبر، يقول الحافظ: "ويؤخذ من قوله –صلى الله عليه وسلم-:
(حتى يمر الرجل بقبر الرجل) أن التمني المذكور إنما يحصل عند رؤية القبر، وليس ذلك
مراداً بل فيه إشارةٌ إلى قوة هذا التمني، لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي
تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني أو يخفّ عند مشاهدة القبر والمقبور، فيتذكر هول
المقام، فيضعف تمنيه، فإذا تمادى على ذلك دلّ على تأكد أمر تلك الشدة عنده، حيث لم
يصرفه ما شاهده من وحشة القبر، وتذكر ما فيه من الأهوال، عن استمراره على تمني
الموت".
ثم نقول: قد أوصانا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالثبات في مواجهة
الفتن، ولا فتنة أعظم من فتنة الدجّال، الذي يُجري الله على يديه من الخوارق ما
يزلزل عقائد الناس وثوابتهم، ففي مثل هذه الفتنة جاءت النصيحة النبويّة : (يا عباد
الله اثبتوا) رواها الترمذي وابن ماجة، ولن يصلح أمر ديننا ولا دنيانا إلا بالصبر،
وهو العامل الأهم على الثبات، نسأل الله أن يجيرنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
No comments:
Post a Comment