4- ) علامات الساعة - العلامات الصغرى
21-) زخرفة المساجد والتباهى بها فقد
روى الامام أحمد عن أنس رضى الله عنه قال رسول الله ﷺ " لا
تقوم الساعة حتى يتباهى الناس فى المساجد " ، لابد أن نفرق مابين عمارة
المساجد والانفاق عليها حتى تصبح صالحة ومريحة للصلاة من حيث المرافق الاساسية
ولكن المبالغة هى الزخرفة والبهرجة التى تخرج عن عبادة الله والزينة المبالغ فيها
بما يخرج عن المألوف .
أي المشاريع الخيريّة هي الأكثر إقبالاً من قِبَل المتبرّعين؟ اسأل
المؤسّسات الخيريّة سيجيبونك وبدون تردّد: بناء المساجد! ولا حاجة للوقوف كثيراً
حتى نكتشف سرّ هذا الإقبال ، الذي وردت النصوص الشرعية بفضله والثواب عليه، ومنها
قوله –صلى الله عليه وسلم-: (من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في
الجنة) متفق عليه.
ولسنا في معرض الحديث عن بناء المساجد وفضلها والحثّ عليها، ولكن القصد هو
توجيه النظر إلى إشكاليّة شرعيّة تتعلّق بسوء تنفيذ تلك المساجد وخرْماً للضوابط
الشرعيّة المتعلّقة بها، فبناء المساجد بابٌ من أبواب الحسنات الجارية، لكن
زخرفتها بالزخارف المتنوّعة هو ما جاء التحذير منه واعتباره شرطاً من أشراط
الساعة، تنبّأ المصطفى –صلى الله عليه وسلم- بحصوله وحدوثه وتوسّع الناس فيه.
لقد جاء التحذير النبوي مبكّراً من هذه المظاهر السلبيّة في السنّة،
والأحاديث في ذلك مشتهرة، ومن أصحّها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد) رواه أحمد
وأبو داود، وفي لفظٍ مقارب: (من أشراط الساعة: أن يتباهى الناس في المساجد) رواه
النسائي وابن خزيمة.
ومن الوعيد الشديد الذي جاء في حقّ الزخارف ما جاء عن أبي الدرداء رضي
الله عنه قال: (إذا زوّقتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم) رواه ابن أبي
شيبة في المصنف ، والحديث موقوف وله حكم الرفع كما ذكر ذلك بعض أهل الحديث،
والتزويق هو الزخرفة.
وتوافقت كلمات الصحابة رضي الله عنهم للنهي عن هذه المظاهر، فقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد، قول أنس رضي الله عنه: "يتباهون، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، فالتباهي بها: العناية بزخرفتها"، وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى"، وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: " ما ساء عمل قوم قط، إلا زخرفوا مساجدهم".
ولو تأمّلنا في النصوص والآثار الورادة في هذه المسألة وجدنا أن زخرفة
المساجد هي في موضع النكير لاعتباراتٍ أربع:
الأول: دخول هذه الممارسات تحت دائرة الإسراف والتبذير الذي قد جاء النهي
عنه شرعاً، ومعلومٌ أن الإسراف هو مجاوزةٌ للحدود الشرعية وإهدارٌ وتضييع للمال ،
وقد جاء النهي عنه في قوله تعالى: { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}
(الأعراف:29)، وقوله تعالى: {ولا تبذر تبذيرا* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين
وكان الشيطان لربه كفورا} (الاسراء: 26،27).
الثاني: قيام البعض بتحلية المساجد وزخرفتها تشبّهاً باليهود والنصارى
الذين يُبالغون في هذا الجانب، فترى كثيراً من الكنائس والأديرة قد امتلأت
بالزخارف المتنوّعة والنقوش المختلفة والبلاط الملّون على نحوٍ مبالغٍ فيه، فيسيرُ
هؤلاء المزخرفين على خطى أهل الكتاب مخالفين بذلك دلائل الوحيين في النهي عن
اتباعِ سننهم والسير على نهجهم.
الثالث: الإلهاء عن ذكر الله تعالى، ومقاصد الشرع تدلّ على الاهتمام بعزل
الأمور الملهيةِ عن الخشوع والشاغلة عن إحضار القلب أثناء ممارسة العبادة، ولا
أدلّ على ذلك مما جاء في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها عندما صلّى النبي
-صلى الله عليه وسلم- بكساء مخطّط، فأبدله بكساءٍ آخر قائلاً: ( إنها ألهتني آنفا
عن صلاتي) وفي لفظٍ آخر: (كنت أنظر إلى علمها، وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني)،
فإذا كان هذا حال الكساء المربّع، فكيف إذا كانت البيئة المحيطة بالمصلّي مرصّعة
بأنواع الزخارف والتحف؟
الرابع: تحوّل نيّة المزخرف للمساجد إلى المماراة والتباهي، والتفاخر بين
الناس ولو لم يكن في المسألة إلا هذا الاعتبار لكفى بذلك مفسدة، والواقع يشهد أن
النوايا في هذه الممارسات لابد أن يشوبها شائبة الرياء والسمعة، والمباهاة
والتفاخر، على نحو ما حذّر منه النبي –صلى الله عليه وسلم-.
يقول الإمام البغوي: "المباهاة هي المفاخرة ، والمعنى : أنهم يزخرفون
المساجد ، ويزينونها ، ثم يقعدون فيها ، ويتمارون ، ويتباهون ، ولا يشتغلون
بالذِّكْر ، وقراءة القرآن ، والصلاة".
وإنما عمارة المسجد الحقيقيّة –كما يذكر العلماء- تكون بإقامة الصلاة فيها،
وأداء الاعتكاف، وممارسة التعليم، وإقامة المحاضرات والندوات، والتفرّغ بذكر الله
والدعوة إليه، وإقامة الشعائر المختلفة، وليست المسألة مجرّد بناءٍ –على أهميّته-
وتلوين، وتطعيمٍ بنفائس الحجارة ورسم الخطوط ونحوها.
ولنا في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أسوةٌ حسنة، لننظر كيف كان حال
أوّل مسجد بُني في الإسلام؟ سنجد في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن
المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن، وسقفه الجريد،
وعمده خشب النخل، ولمّا أراده والده عمر رضي الله عنه إعادة بناء المسجد وترميمه،
أوصى البُناةً بقوله: وقال: "أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمّر أو تصفّر
فتفتن الناس"، فكان القصد إيجاد المساجد التي تحمي الناس من المطر وإيجاد دار
العبادة دون أن يكون التزويق والتفخيم مقصوداً.
ومع مرور الأيام وانحراف الناس عن جادة الشريعة، بدأت مظاهر الاهتمام بهذه
المسألة على نحوٍ يُخرج المسجد من الإطار العبادي إلى الإطار العمراني، فبعد
البساطة التي رأيناها في المسجد النبوي، صرف الناس اهتمامهم في بناء المآذن
والقباب، والقناطر والسدود، وإضافة الأباريق والثريات، والقواعد والشمعدانات،
فضلاً عن المنابر والكراسيّ وحوامل المصاحف، ودخل في البناء استخدام الجص والرخام
بمختلف أنواعه، والشرائط المزخرفة بالفسيفساء، أو المرمر المزخرف.
وقد ذهب المسلمون أبعد من ذلك، فنشأ علم الفنّ الزخرفي الإسلامي والمسمّى: ARABESQUE وعلم التوريق ATAURIQUE والذي يُعنى
بتكوين الوحدات الخزفيّة بأشكال من الورق والزهور، وامتلأت مساجد المسلمين
بالكتابات والخطوط المتنوّعة التي تبطّن المحاريب والأسقف، وغيرها من الأمور التي
يضيق الوقت عن ذكرها.
وبعد هذه النظرة المتأنّية وبيان جذور المشكلة ومظاهرها، لابد من بيان أن بناء المساجد خير لا ينبغي التهوين منه، لكن الهدف هنا هو ترسيخ فكرة التوازن وتحقيق الاعتدال المطلوب بحيث لا نتجاوز حدود المعقول، مع لفت النظر إلى صرف المبالغ التي تُهدر في هذه "القشور" إلى ما هو أجدى وأنفع، من كفالة يتيم، وإغاثة ملهوف، ومساندة ضعيف، ودعوة غير المسلمين، وتأليف قلب، فهل تجد هذه الكلمات آذاناً صاغية، ذلك ما نرجوه ونأمّله.
22- ) التطاول فى البنيان ففى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه
أن النبى ﷺ قال لجبريل عندما سأل عن وقت قيام
الساعة " ولكن سأحدثك عن أشراطها فذكر منها -----واذا تطاول رعاة البهائم فى
البنيان فذاك من أشراطها " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : (من أشراط الساعة أن ترى الرعاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة
العراة رعاء الشاء يتباهون في البنيان، وأن تلد الأمة ربها وربتها).وهذا واضح جلى فقدورد
في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ما نصه :“ومعنى
التطاول في البنيان أن كلا ممن كان يبني بيتا يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع
الآخر”.
ونلحظ أن الأوصاف النبويّة التي جاءت في بيان هؤلاء المتطاولين في البنيان،
فنجد أنها: "رعاة الإبل" و"رعاة الشاء" وفي مسلم "رعاء البهم"
لتشمل جميع أنواع الأنعام، وأنهم "حفاة" وهم الذين ليس لهم نعالٌ
يلبسونها، وأنهم "عراةٌ" والمقصود به عدم وجود الثياب الكافية لهم لا
العُري الكامل، والوصفان السابقان هما على الأغلب، وهذا هو الواقع إذ كان عامّة
أهل الجزيرة بمثل هذه الحال.
وأما الوصف النبويّ بأنهم: "عالة" فهو وصفٌ يدل على شدّة فقرهم
وحاجتهم، يقول الإمام النووي مفسّراً: "أما العالة فهم الفقراء، والعائل
الفقير، والعيلة الفقر، وعال الرجل يعيل عَيلة أي افتقر..ومعناه أن أهل البادية
وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تُبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان"،
وعليه: فإن الأوصاف السابقة جاءت تحديداً في حقّ الشعوب العربية دون غيرهم، ويؤكّد
هذا المعنى أن النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما سئل: من أصحاب الشاء والحفاة
الجياع العالة؟ قال: (العرب) رواه أحمد.
فالحال أن التطاول في البنيان الذي يحدث من العرب هو علامةٌ من العلامات
التي تدلّ على قرب قيام الساعة، وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: ما المقصود
بالتطاول في البنيان؟
يجيب الحافظ ابن حجر عن هذا التساؤل بقوله: "ومعنى التطاول في
البنيان: أن كلاًّ ممن كان يبني بيتاً يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر،
ويحتمل أن يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة أو أعم من ذلك، وقد وجد
الكثير من ذلك وهو في ازدياد".
وعليه، فالتطاول في البنيان له دلالتان: التطاول بمعناه المباشر والذي
يقتضي أن يرفع كلّ واحدٍ بناءه، والتطاول بمعنى أن يحسّنوا ويجمّلوه ويتسابقون في
تزويقه وتفخيمه، وإبرازه كتحفةٍ معماريّة على وجه المغالبة والمفاخرة.
ولا شكّ أن هذا التطاول يكون على وجه المذمّة حين يكون على وجه الإسراف،
وأن منشأ هذا الخلل: صرف المال في غير ما ينبغي أن يُصرف المال فيه شرعاً،
فالمبالغة في الكماليات قد يشير إلى وجود الإسراف الذي نهى الله عنه شرعاً، ويَبين
عن خللٍ في السلوك وعدم استشعارٍ لحقيقة الدنيا، وكونها لم تُجعل للناس مقرّاً
ومنزلاً.
يقول الحافظ ابن رجب: "وفي قوله –صلى الله عليه وسلم-: (يتطاولون في
البنيان) دليل على ذم التباهي والتفاخر خصوصاً بالتطاول في البنيان، ولم يكن إطالة
البناء معروفا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم وأصحابه-، بل كان بنيانهم قصيرا
بقدر الحاجة".
وما قاله الحافظ حقّ، فقد كانت البيوت على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم-
على قدر الحاجة، وقد صوّر لنا الحسن رحمه الله بيوته عليه الصلاة والسلام حينما
قال: "كنت أدخل بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في خلافة عثمان رضي
الله عنه، فأتناول سقفها بيدي".
ومما يُشار إليه في الحديث: أن التطاول في البنيان إنما حدث نتيجةً لوفرة
المال والغنى الحاصل، وقد تحقّق هذا الأمر في عصرنا الحالي أكثر من ذي قبل، نتيجةً
للطفرة الاقتصادية الناشئة من اكتشاف النفط وتعدد الموارد الاقتصاديّة في الجزيرة
العربية، وما سبّبه ذلك من الفائض المالي الكبير الذي أوجد الغنى في المنطقة.
أشارت صحيفة كويتية نقلا عن “ميد” أن منافسة حادة تواجه برج دبي، من
المشاريع الأخرى في الخليج التي يطمح القائمون عليها أن يتجاوز ارتفاعها ارتفاع
برج دبي الذي قالت إن ارتفاعه -على الورق على الأقل- يقدر بحوالي 808 أمتار.
وقالت جريدة “القبس” الكويتية في عددها الصادر اليوم الإثنين 27-8-2007
“لكن فيما يعول أصحاب المشاريع على الشهرة والمجد في السباق على بناء أطول برج
أملا في تحقيق عوائدها، قد يكون إنفاقهم للأموال في هذه الاستثمارات ذا أمل ضئيل
بعودتها”.
منافسة إقليمية
وفي الكويت، تخطط شركة تمدين العقارية وأجيال لبناء برج يبلغ ارتفاعه 1001
متر ويدعى برج مبارك الكبير، وهو جزء من مشروع تطوير مدينة الحرير التي تبلغ
كلفتها 86 مليار دولار.
وفي البحرين، سيشمل مجمع مدينة مرجان على 200 طابق على ارتفاع 1022 مترا.
وتثير هذه المشاريع التي سيتم البدء بها جدلا، وفي حين ستساعد قيمة العلاقات
العامة من وراء الحصول على مبان هي الأعلى ارتفاعا في العالم بوضع المدينة على
الخريطة، فإن الواقع الاقتصادي والبنيوي للمباني العالية يبقى محط تساؤل كبير.
سباق على بناء أطول الأبراج في دول الخليج وتساؤلات عن جدواها وجماليتها وتأثيرها
البيئي . ترتسم ملامح معركة شرسة بين دول الخليج الغنية بالنفط لتشييد أعلى مبنى
في العالم، خصوصاً بعد الاعلان عن عزم الامير الوليد بن طلال تشييد برج في
السعودية يتجاوز ارتفاعه 1600 متر، متخطياً بذلك كل الحدود النفسية والهندسية. ومع
هذا البرج، يذهب الامير السعودي الذي يعتبر من اغنى رجال العالم، أبعد مما ذهب
اليه حتى الآن منافسوه الخليجيون المعلنون، خصوصاً في دبي والكويت. و الرسالة
مرفقة ببعض الصور عن أبراج في الدوحة ودبي والكويت.
وجه الإعجاز:
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن رعاة الشاة والإبل وهم العرب سكان
البادية (فمن كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كان مشهوراً برعي الإبل والشاة
إلا العرب) سوف يتطاولون في البنيان ويتباهون بها حتى يحاول كل منهم أن يبني
بنياناً يكون أعلى من نظيره وظهر هذا فسبحان الله تعالى من أخبر محمد صلى الله
عليه وسلم عن هذا قبل أكثر من 1400سنة إنه الله تعالى رب العالمين.
وفي الختام نؤكّد أن تطويل البنيان بحدّ ذاته ليس محلاًّ للذمّ بحدّ ذاته،
إلا أنه إخبارٌ عن علامة للساعة قد وقعت في عصرنا ولعلّها ستتجسّد أكثر في
المستقبل، ما لم يكن ذلك التطاول على وجه الإسراف والتبذير والتباهي، أو ناشيءٌ من
مال ربويّ محرّم، فهو الحال المذموم شرعاً، والله الموفق.
No comments:
Post a Comment