Grammar American & British

Tuesday, September 21, 2021

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم - تفسير الجزء العشرين

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم


تفسير الجزء العشرين

تفسير سورة النمل

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوٓاْ ءَالَ لُوطٖ مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَٰهَا مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ ٥٧ وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِينَ ٥٨

 " فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوٓاْ ءَالَ لُوطٖ مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ "كان رد قوم لوط عليه السلام على ما دعاهم اليه أن قالوا أن لوط عليه السلام ومن معه يتطهرون أى يتحرجون من فعل ما تفعلونه ومن اقراركم على صنيعكم فأخرجوهم من بين أظهركم فانهم لا يصلحون لمجاورتكم فى بلادكم ، " فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَٰهَا مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ " عزموا على اخراج لوط عليه السلام ومن معه فدمر الله عليهم ونجى الله لوطا عليه السلام وأهله ومن اتبعه الا زوجته التى حل عليها قدر الله من الاهلاك مع قومها لأنها كانت ردءا على دينهم وعل طريقتهم فى رضاها بأفعالهم القبيحة فكانت تدل قومها على ضيفان لوط عليه السلام ليأتوا اليهم ، "  وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ " انزل الله عليهم حجارة من سجيل مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد ، "  فَسَآءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِينَ " بئس هذا المطر الذى أمطره الذين قامت عليهم الحجة ووصل اليهم الانذار فخالفوا الرسول وكذبوه وهموا باخراجه من بينهم .

قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ ٥٩ أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ
وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآء
ٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ ٦٠

" قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓ " يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول الحمد لله أى على نعمه التى لا تعد ولا تحصى على عباده وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم وهم رسله وأنبياؤه الكرام عليهم السلام وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره أن المراد بعباده الذين اصطفى هم الأنبياء وهذا كقوله "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " وقال الثورى والسدى هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه رضى الله عنهم  ، والقصد أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه بعد ذكره لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد وما أحل بأعدائه من الخزى والنكال والقهر أن يحمدوه على جميع أفعاله وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار ، "ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ " استفهام انكار على المشركين فى عبادتهم مع الله آلهة أخرى هل هذه الأصنام التى تشركونها فى عبادة الله التى لا تضر ولا تنفع خير من عبادة الله ، " أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ " شرع الله تعالى يبين أنه المتفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ، خلق تلك السموات فى ارتفاعها وصفائها ، وما جعل فيها من النجوم والكواكب وخلق الأرض وما جعل فيها من الجبال والسهول والأوعار والفيافى والقفار والزروع والأشجار والبحار والأنهار ، "  وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآء" الله الذى أنزل المطر من السماء وجعله رزقا للعباد ، " فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَة" أنزل الله الماء فأنبت به البساتين ذات المنظر الحسن والشكل البهى ، "  مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآ " وأنتم لم تكونوا تقدرون على انبات زروعها وأشجارها وانما يقدر على ذلك الخالق الرازق المستقل بذلك المتفرد به دون سواه ، " أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ " هل يمكن أن يكون هناك اشراك لله الخالق وحده من أصنام وأنداد كما يعترف بذلك هؤلاء المشركون كما قال تعالى فى آية أخرى " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " وكقوله " ولئن سالتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله " أى هم معترفون أنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له ثم هم يعبدون معه غيره مما يعرفون أنه لا يخلق ولا يرزق  ، " بلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ " يلوم الله المشركين أنهم يجعلون لله عدلا ونظيرا وهذا كقوله " وجعلوا لله شركاء قل سموهم" .

 أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٦١

"أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا " يذكر الله دلالات قدرته على الخلق فهو عز وجل من جعل الرض قارة أى مستقرة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بهم فانها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة بل جعلها من فضله ورحمته مهادا بساطا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك وهذا كقوله " الله الذى جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء " ، "  وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا " الله الذى أجرى الأنهار العذبة الطيبة  بحوله وقوته فى الأرض وسيرها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا بحسب مصالح عباده حيث ذرأهم فى أرجاء الأرض وسير لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون ، "  وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ " وكذلك من قدرة الله فى الكون خلق الجبال وأطلق عليها رواسى لأنها ترسى الأرض وتثبتها لئلا تميد كقوله " والجبال أوتادا " ، " وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ " جعل الله بين المياه العذبة والمالحة حاجزا أى ما نعا يمنعها من الاختلاط لئلا يفسد هذا بهذا فان الحكمة الآلهية تقتضى بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه كقوله " وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " ، "أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِ " هذا استفهام للاستنكار والاقرار بانه ليس هناك أحد غير الله وحده لا شريك له يفعل كل ذلك ، " بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ " ويقرع الله المشركين وغيرهم لأنهم لا يعلمون قدرة الله وعظمته فى عبادتهم غيره .

 أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢

" أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ " ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد المرجو عند النوازل وهو الذى لا يلجأ المضطر الا اليه ، والذى لا  يكشف ضر المضرورين سواه كقوله تعالى " واذا مسكم الضر فى البحر من تدعون الا اياه " وكقوله " ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون " ، "  وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ" الله يذكر قدرته فى الخلق فجعل البشر فى الأرض يخلف قرنا لقرن قبلهم وخلفا لسلف حتى يرث الأرض ومن عليها وأمة بعد أمة وجيلا بعد جيل وقوما بعد قوم ولوشاء لأوجدهم كلهم فى وقت واحد ولم يجعل بعضهم من ذرية بعض بل لو شاء لخلقهم كلهم أجمعين كما خلق آدم  كقوله تعالى " وهو الذى جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات " وقال تعالى " واذ قال ربك للملائكة انى جاعل فى الأرض خليفة " أى قوما يخلف بعضهم بعضا ، " أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ " هذا استفهام تقريرى أى لا يقدر أحد أن يفعل ذلك الا الله عز وجل وحده لا شريك له ، "  قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ " فما أقل تذكر هؤلاء فيما يرشدهم الى الحق ويهديهم الى الصراط المستقيم .

 أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٦٣

" أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ " يستمر الاستفهام التقريرى الذى يقر بقدرة الله والآيات الدالة على قدرته ومن هذه الآيات ما خلقه الله من الدلائل السماوية والأرضية التى يسترشد بها البشر فى حركتهم وتنقلهم وسفرهم فى البر والبحر من نجوم السماء وجاذبية الأرض واستخدام البوصلة والاسطرلاب وغيرها من الأدوات للسير والتحرك فى البر والبحر وبخاصة فى الظلمات وهذا كقوله " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " وكقوله " وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر " ، "وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦ" هل يستطيع أحد غير الله أن يرسل الرياح التى تسوق السحاب الذى فيه المطر يغيث الله به عباده المجدبين القانطين برحمته وفضله ، "أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ "ويستمر الاستفهام التقريرى الذى رده لا أحد غير الله يفعل ذلك كله ويقدر عليه وهو موجه الى المشركين الذين يشركون مع الله غيره من أوثان وأصنام ، " تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " تنزه الله سبحانه وتعالى عز وجل عن الشرك فهو واحد لا شريك له .

 أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٦٤

" أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُه" يستمر الاستفهام التقريرى الذى يقر بقدرة الله سبحانه وتعالى فهو الذى بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثم يعيده كما قال تعالى " ان بطش ربك لشديد * انه هو يبدىء ويعيد " وكقوله " وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " ، " وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ " والله وحده هو الذى ينزل الرزق من السماء بما ينزل من مطر مبارك فيسلكه ينابيع فى الأرض  وينبت من بركات الأرض ورزقها من زروع وثماروغير ذلك من الرزق من أنعام وما فى باطن الأرض وبحارها ،" أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِ " يستمر الاستفهام التقريرى الذى رده ليس هناك أحد غير الله سبحانه وتعالى هو الذى يفعل كل ذلك ويقدر عليه ، " قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " اذا كنتم صادقين فيما تشركون مع الله من أصنام وأوثان لا تضر ولا تنفع أأتوا بما لديكم من حجج وبراهين تدل على ما تدعونه ولكن لاحجة لهم ولا برهان وهذا كقوله تعالى " ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون " .

 قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٦٥ بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ ٦٦

" قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ " يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلما لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب الا الله عز وجل وهذا استثناء منقطع أى لا يعلم أحد ذلك الا الله وحده فانه المتفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى " وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو " ، " وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ " وما يشعر الخلائق الساكنون فى السموات والأرض بوقت الساعة كما قال تعالى " ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم الا بغتة " أى ثقل علمها على أهل السموات والأرض ، "  بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَة " قال أبن عباس يقول الله تعالى غاب علمهم بالآخرة فلا يدركون ميعادها أو أن علمهم انتهى وعجز عن معرفة وقتها أو تساوى فى العجز علم المسؤل والسائل كما ثبت فى الصحيح لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل وقد سأله عن وقت الساعة " ما المسؤل عنها بأعلم من السائل " أى تساوى فى العجز فى درك ذلك علم المسؤل والسائل  ، " بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَا " الأكثر من ذلك أن هؤلاء المشركون شاكون فى وجود الساعة ووقوعها ، " بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ "بل هم فى عماية وجهل كبير فى أمر الساعة وشأنها . 

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبٗا وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَمُخۡرَجُونَ ٦٧ لَقَدۡ وُعِدۡنَا هَٰذَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٦٨ قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٦٩ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُن فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ ٧٠

" وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبٗا وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَمُخۡرَجُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عن منكرى البعث من المشركين أنهم استبعدوا اعادة الأجساد بعد صيرورتها عظاما ورفاتا وترابا ، "  لَقَدۡ وُعِدۡنَا هَٰذَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ " يقول الكافرون ما زلنا نسمع بهذا نحن وآباؤنا ولا نرى له حقيقة ولا وقوعا ، " إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ "هذا أخذه قوم عمن قبلهم من كتبهم يتلقاه بعض عن بعض وليس له حقيقة ، "  قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ " يخبر الله تعالى رسوله محمد صلى الله وسلم أن يقول لهؤلاء المشركين المكذبين بالرسل أن يسيروا فى الأرض وينظروا ماذا حدث للمكبين بالرسل زبما جاءوهم به من أمر المعاد وغيره وكيف حلت بهم نقمة الله وعذابه ونكاله زنجى الله من بينهم رسله الكرام ومن اتبعهم من المؤمنين فدل ذلك على صدق ما جاءت به الرسل وصحته ، " وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِم " يقول الله تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يحزن هلى هؤلاء المكذبين بما جاء به ولا ياسف عليهم وتذهب نفسه عليهم حسرات ، "ۡ وَلَا تَكُن فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يضيق صدره بما يفعله المشركون معه من كيد ورد ما جاء به فان الله مؤيده وناصره ومظهر دينه على ما خالفه وعانده فى المشارق والمغارب .  

 وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٧١ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي تَسۡتَعۡجِلُونَ ٧٢ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ ٧٣ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ ٧٤ وَمَا مِنۡ غَآئِبَةٖ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ ٧٥

" وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ "يقول الله تعالى مخبرا عن المشركين فى سؤالهم عن يوم القيامة واستبعادهم وقوع ذلك ، " قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي تَسۡتَعۡجِلُونَ " ردف اكم معناها عجل لكم كما قال مجاهد فى رواية عنه " عسى أن يكون ردف لكم " عجل لكم  يقول الله تعالى مخبرا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين كما قال ابن عباس من المحتمل والممكن أن يكون قرب أو أن يقرب لكم بعض الذى تستعجلون وهذا كقوله تعالى "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون  قريبا " وقال تعالى " ويستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين " ، " وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ " الله فضله كبير على الناس فى اسباغه نعمه عليهم مع ظلمهم لأنفسهم وهم مع ذلك لا يشكرونه على ذلك الا القليل منهم ، " وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ " والله يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر ويعلم السر والعلن كقوله " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، " وَمَا مِنۡ غَآئِبَةٖ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِين " أخبر تعالى بأنه عالم غيب السموات والأرض وأنه عالم الغيب والشهادة وهو ما غاب عن العباد وما شاهدوه وهذا كقوله " ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السموات والأرض ان ذلك فى كتاب ان ذلك على الله يسير " . ٍ

إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٧٦ وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ ٧٨ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِينِ ٧٩ إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ ٨٠ وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ ٨١ ۞

" إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عن كتابه العزيز وما اشتمل عليه من الهدى والبيان والفرقان أنه يقص على بنى اسرائيل وهم حملة التوراة والانجيل أكثر الذى يختلفون فيه كاختلافهم فى عيسى وتبيانهم فيه فاليهود افتروا والنصارى غلوا فجاء القرآن بالقول الوسط الحق العدل أنه عبد من عباد الله وأنبيائه ورسله الكرام عليه أفضل الصلاة والسلام كما قال تعالى " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون " ،" وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ" هذا القرآن هدى لقلوب المؤمنين به ورحمة لهم  ، " إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُم بِحُكۡمِه" الله يحكم يوم القيامة  بين العباد بحكمه وعدله ويحاسبهم على أفعالهم ، " وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ " والله عزيز فى انتقامه عليم بأفعال عباده وأقوالهم ، "  فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِينِ " يدعو الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الى التوكل عليه وحده والاعتماد عليه فى جميع أموره وأن يبلغ رسالته فهو متبع للحق الواضح الذى لا ريسب فيه وان خالفه من خالف ممن كتبت عليه الشقاوة وهذا كقوله " حقت عليهم كلمة ربك أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية " ، " إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ"وقال تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ان هؤلاء موتى القلوب لا تسمعهم شيئا ينفعهم فهم على قلوبهم غشاوة وفى آذانهم وقر الكفر والصمم فلا يسمعوا شيئا مما تدعوهم اليه اذا ابتعدوا وفروا وأدبروا عن الحق ، " َمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِم " ويسرى الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ليس عليه أن يهدى ويرشد من عمت قلوبهم وأبصارهم عن الحق وضلوا فالله وحده الذى بيده الهداية وانما عليه البلاغ ، " إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ " انما يستجيب له من هو سميع بصير السمع والبصر النافع فى القلب والبصيرة الخاضع لله ولما جاء عنه على ألسنة الرسل عليهم السلام .

وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِايَٰتِينا َ َ لَا ُيوقِنُونَ٨٢ۡ

وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِ بِايَٰتِينا َ َ لَا ُيوقِنُونَ " اذا قرب يوم القيامة فى آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق تخرج دابة من الأرض قيل من مكة فتكلم الناس أى تخاطبهم مخاطبة وقال عطاء الخراسانى تكلمهم فتقول لهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون أى لا يؤمنوا الايمان اليقينى الحق ، وقد ورد فى ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة فعن حذيفة بن أسيد الغفارى قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابنمريم عليه السلام والدجال وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيق قالوا " وقال الترمذى حسن صحيح ، وعن عبد الله بن عمرو قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليهوسلم حديثا لم أنسه بعد سمعت رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول " ان أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ، وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا " . 

وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجٗا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ  ٨٣ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُ وا قَالَ أَكَذَّبۡتُم باياتى َ وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ٨٤ٔ وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمۡ لَا يَنطِقُونَ ٨٥ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٨٦

ٔيقول الله تعالى مخبرا عن يوم القيامة وحشر الظالمين من المكذبين بآيات الله ورسله الى بين يدى الله عز وجل ليسألهم عما فعلوه فى الدار الدنيا تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا  " وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجٗا " أى يوم القيامة حين يحشر الناس جميعا من كل قوم وقرن فوجا أى جماعة ، " مِّمَّن يُكَذِّبُ بِايَٰتِنَا" من الذين كفروا وكذبوا بآيات الله كقوله تعالى " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم " وقال تعالى " واذا النفوس زوجت " ، " فَهُمۡ يُوزَعُونَ " قال قتادة يرد أولهم على آخرهم وقال أبن عباس يدفعون وقال عبد الرحمن بن أسلم يساقون ، " حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُ وا "حتى وقفوا بين يدى الله عز وجل فى مقام المساءلة ، " قَالَ أَكَذَّبۡتُم باياتى َ وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ" فيسئلون عن اعتقادهم وأعمالهم فلما بم يكونوا من أهل السعادة ولم يعملوا بأوامر الله ونواهيه فحينئذ قامت عليهم الحجة ولم يكن لهم عذر فيعتذرون ،ٔ" وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمۡ لَا يَنطِقُونَ "  فبهتوا فلم يكن لهم جواب لأنهم كانوا فى الدار الدنيا ظلمة لأنفسهم وقد ردوا الى عالم الغيب والشهادة الذى لا تخفى عليه خافية ، " أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا ،جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًا " يبرز الله تعالى قدرته فى خلق الليل والنهار فخلق الله الليل ليسكن الناس فى ظلامه وتسكن حركاتهم وتهدأ أنفسهم ويستريحون من نصب التعب فى نهارهم الذى جعله الله منيرا مشرقا فيتصرف الناس فى المعايش والمكاسب والأسفار والتجارات وغير ذلك من شؤنهم التى يحتاجون اليها ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ " فيما خلق الله آيات ودلائل على قدرته وعظمته لمن آمن به كما قال " ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب " .   

وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ ٨٧ وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ ٨٨ مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ ٨٩ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٩٠

" وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ " يخبر الله تعالى عن هول يوم القيامة يوم نفخة الفزع فى الصور وهو كما جاء فى الحديث قرن ينفخ فيه ، وفى حديث الصور أن اسرافيل هو الذى ينفخ فيه بأمر الله تعالى فينفخ فيه أولا نفخة الفزع وذلك فى آخر عمر الدنيا حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء فيفزع من فى السموات ومن فى الأرض ، " إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّه" كل يفزع الا من شاء الله له من الشهداء فانهم أحياء عند ربهم يرزقون ، بعد نفخة الفزع تكوننفخة الصعق وهو الموت ثم بعد ذلك نفخة القيام لرب العالمين وهو النشور من القبور لجميع الخلائق ولهذا قال "  وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ " كل الناس يحشروا الى ربهم داخرين أى صاغرين مطيعين لا يتخلف أحد عن أمر الله كما قال تعالى " ثم اذا دعاكم دعوة من الأرض اذا أنتم تخرجون " وكما قال " يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم الى نصب يوفضون " ، " وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ " يتحدث الله عن الجبال والله أعلم بقصده هل الحديث عنها فى الحياة الدنيا وهى تتحرك مع الأرض فى الكون اذا رأيت الأرض والجبال وهى تتحرك فى الكون حول الشمس لتحقق دورة كاملة فانك لا تشعر بحركة الأرض وما عليها بفعل الجاذبية ، واما أن يكون ذلك فى الآخرة حيث تزول الجبال عن أماكنها كما قال تعالى " يوم تمور السماء مورا * وتسير الجبال سيرا " وقال تعالى " ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة " ، "  صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡء " هذا كله الموجود من خلق وفعل تم ويتم بقدرة الله العظيمة الذى أتقن كل ما خلق وأودع فيه من الحكمة ما أودع  ،  " إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ " والله وحده هو العليم بما يفعل عباده من خير وشر وسيجازيهم عليه أتم الجزاء ، "  مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا " بين الله تعالى حال السعداء والأشقياء يوم القيامة فمن يعمل حسنة يجازيه الله بأحسن منها والحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء ، " وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ " ومن حسنت أعمالهم لا يصيبهم الفزع كقوله تعالى " لا يحزنهم الفزع الأكبر " وكقوله " أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى آمنا يوم القيامة " وقال تعالى " وهم فى الغرفات آمنون " ، " وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " ومن لقى الله مسيئا لا حسنة له أو قد رجحت سيئاته على حسناته يلقى فى النار وقيل السيئة يعنى الشرك وهذا جزاء ما عملوه من سوء الجزاء العادل من الله سبحانه وتعالى .

إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٩١ وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ٩٢ وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَاۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٩٣

يقول الله تعالى مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم " إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا" أمر الله رسول صلى الله عليه وسلم أن يعبده وهو رب كل شىء وسيده ورب العالمين ورب البلدة وهى مكة وذلك تعظيم لها ولمكانتها فاختصها الله وجعلها بلدا حراما شرعا و قدرا بتحريمه كما ثبت فى الصحيحين عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من عرفها ولا يختلى خلاها " ، "وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡء" من باب عطف العام على الخاص أى هو رب هذه البلدة ورب كل شىء ومليكه لا اله الا هو ، " وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ " يستمر أمر الله وتوجيهه لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه من الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له ، " وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَ" وأمرت أن أبلغ هذا القرآن للناس ولى أسوة بالرسل الذين أنذروا قومهم وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة اليهم وخلصوا من عهدتهم وحساب أممهم على الله تعالى كقوله تعالى " ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " وكقوله " نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق " أى أنا مبلغ ومنذر ، "  فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِ " والهدى من الله " ليس عليك هداهم " ولكن الله يهدى من يشاء ومن اهتدى فلنفسه فهو مخير ما بين الخير والشر والايمان والضلال والله عليه الحساب ، " وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ " ومن ابتعد عن الحق فحسابه على الله وانما أنت منذر ومذكر ولست عليهم بمسيطر وهذا كقوله " فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب " وكقوله " انما أنت نذير والله على كل شىء وكيل "  وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ " يدعو الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الى حمده هو الذى لا يعذب أحدا الا بعد قيام الحجة عليه والانذار اليه ، " سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَا " هذا ابلاغ من الله سبحانه وتعالى للبشر فآياته فى الكون كثيرة ومع تقدم العلم نكتشف الكثير من آيات الله فى الخلق والكون وهذا لأن القرآن سابق عصره ، " وهذا كقوله " سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " ، " وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ" الله شهيد على كل شىء ولا يغفل عنه شىء وعن أبى سعيد قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس لا يغترن أحدكم بالله فان الله لو كان غافلا شيئا لأغفل البعوضة والخردلة والذرة " .

تفسير الجزء العشرين

تفسير سورة القصص

سورة القصص مكية فيها كل سمات القرآن المكى من ابراز اقضية الكفر والايمان ونصر الله لرسله وتتحدث السورة عن قصة موسى عليه السلام وقصة قارون وآياتها 88 آية . 

طسٓمٓ ١ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٣ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦

 " طسٓمٓ " سبق الحديث عن الحروف المقطعة فى بدايات السور فى سورةالبقرة ، " تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ"هذه اشارة الى القرآن الكريم وآياته الواضحة الجلية الكاشف عن حقائق الأمور وعلم ما قد كان وما هو كائن ، " نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ " يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم نذكر لك ونقص عليك من أخبار ما وقع ما بين موسى عليه السلام وبين فرعون على ما كان عليه كأنك تشاهد وكأنك حاضر كما قال تعالى" نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا اليك هذا القرآن "،" لِقَوۡم   يُؤۡمِنُونَ " هذا القصص الحق موجه الى قوم مؤمنين ليسوا بكافرين ولا مكذبين فهو الحق من عند الله  ، " إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ " يبدا الله وتعالى فى الحديث عن فرعون أنه تكبر وتجبر وطغى فى الأرض ، " وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا " فهو قد فرق بين الناس وجعلهم أصنافا صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته ، " يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ " استضعف واسترق بنى اسرائيل وكانوا فى ذلك الوقت خيار أهل زمانهم لأنهم أتباع التوحيد ، وقد سلط عليهم فرعون الجبار العنيد يستعملهم فى أخس الأعمال ويكدهم ليلا ونهارا فى أشغاله وأشغال رعيته ، " يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُم " ومع كل هذا كان يقتل أبناءهم ويستبيح حياء نساءهم اهانة لهم واحتقارا وخوفا من أن يوجد منهم الغلام الذى كان قد تخوف هو وأهل ملكه منه أنه يوجد من بنى اسرائيل يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه وكان القبط قد تلقوا هذا من بنى اسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول ابراهيم الخليل عليه السلام حين ورد الديار المصرية وجرى له مع جبارها ما جرى حين أخذ زوجته سارة ليتخذها جارية فصانها الله منه ومنعها منه بقدرته وسلطانه فبشر ابراهيم عليه السلام ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك فرعون مصر على يديه فكانت القبط تحدث بهذا عند فرعون فاحترز فرعزم من ذلك وأمر بقتل ذكور بنى اسرائيل ولن ينفع حذر من قدر لأن أجل الله اذا جاء لا يؤخر ، " إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ " يقول الله عن فرعون أنه من المفسدين فى الأرض ، "  وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ " يقول الله تعالى أنه بارادته سوف ينزل نعمته وفضله ومنته على بنى اسرائيل الذين استضعفهم فرعون ويجعلهم سادة يرثون الحكم على البلاد حولهم ويحكمونها ، " وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ " يقول الله تعالى أنه بارادته سوف يرى فرعون ووزيره هامان ومن حوله من جند وأتباع يستقوى بهم ما كان يحذر منه من زوال ملكه فقد أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى عليه السلام فما نفعه من ذلك مع قدرة الله الملك العظيم الذى لا يخالف أمره القدرى ولا يغلب بل نفذ حكمه وجرى قلمه بأن يكون هلاك فرعون على يديه بل يكون هذا الغلام الذى احترز من وجوده وقتل بسببه ألوفا من الولدان منشؤه ومرباه على فراش فرعون وفى داره وغذاؤه من طعامه وهو يربيه ويتدلل عنده ويتفاداه فرعون  ولكن حتفه وهلاكه وهلاك جنوده كان على يديه ليعلم أن رب السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوى والعزيز الشديد المحال الذى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٧ فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِِٔينَ ٨ وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ٩

ذكر أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بنى اسرائيل خافت القبط أن يفنى بنى اسرائيل فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة فقالوا لفرعون أنه يوشك اذا استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم وغلمانهم يقتلون ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال فيخلص اليهم ذلك فأمر بقتل الولدان عاما وتركهم عاما فولد هارون عليه السلام فى السنة التى يتركون فيها الولدان وولد موسى عليه السلام فى السنة التى يقتلون فيها الولدان ، وكان لفرعون ناس موكلون بذلك وقوابل يدورون على النساء فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها ، فاذا كان وقت ولادتها لا يقبلها الا نساء القبط فان ولدت المرأة جارية تركتها وذهبن وان ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار المرهفة فقتلوه ومضوا ، فلما حملت أم موسى به عليه السلام لم يظهر عليها أعراض الحمل كغيرها ولم تفطن لها الدايات ، ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا وخافت عليه خوفا شديدا وأحبته حبا زائدا وكان موسى عليه السلام لايراه أحد الا أحبه فالسعيد من أحبه طبعا وشرعا كما قال تعالى " وألقيت عليك محبة منى " " وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِ " يبدأ القرآن بسرد قصة موسى عليه السلام منذ ميلاده عندما ولدته أمه ضاقت به ذرعا فألهمت فى سرها وألقى فى روعها ،  وخافت عليه من بطش فرعون" فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓ " أوحى الله اليها وكان دارها على حافت النيل أن تتخذ تابوتا وتمهد فيه مهدا وجعلت ترضع ولدها فاذا دخل عليها أحد ممن تخافه ذهبت فوضعته فى ذلك التابوت وسيرته فى النهر وربطته بحبل عندها ، " إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " طمأن الله أم موسى عليه بعد أن حدث أن ذهب التابوت مع الماء أن الله سيرده اليها وسيكون رسولا ، فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه فذهبت فوضعته فى ذلك التابوت وأرسلته وذهلت أن تربطه فذهب مع الماء واحتمله حتى مر به على دار فرعون  ،" فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًا إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِِٔينَ * وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا " فالتقطه الجوارى فذهبن به الى امرأة فرعون ولا يدرين ما فيه وخشين أن يفتتن عليها فى فتحه دونها فلما كشفت عنه اذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأجلاه وأبهاه فأوقع الله محبته فى قلبها حين نظرت اليه ولما رآه فرعون هم بقتله خوفا من أن يكون من بنى اسرائيل ولكن امرأته شرعت تخاصم عنه وتذب دونه وتحببه الى فرعون فقالت " قرة عين لى ولك " فجعله الله كذلك وقالت " عسى أن ينفعنا " وقد حصل ذلك لها وهداها الله به وأسكنها الجنة بسببه  و لسعادتها وما أراده الله من كرامتها وشقاوة فرعون قيضهم الله لالتقاط موسى عليه السلام ليجعله الله عدوا لهم وحزنا ، " وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ " وقوم فرعون لا يدرون ما أراد الله منه لالتقاطهم اياه من الحكمة العظيمة البالغة والحجة القاطعة .

وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٠ وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ١١ ۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ ١٢ فَرَدَدۡنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ١٣

"وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًا " يقول الله تعالى مخبرا عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها فى النهر أنه أصبح فارغا من كل شىء من أمور الدنيا الا من موسى ، " إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا " كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها أن تظهر أن ابنها ذهب وتخبر بحالها لولا أن ثبتها الله وصبرها   "لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " ثبتها الله لتثق به وتؤمن بما أخبرها به من بشرى ، " وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِ " أمرت أم موسى عليه السلام ابنتها وكانت كبيرة تعى ما يقال أن تتبع أثره وتأخذ خبره وتطلب شأنه من نواحى البلد ، " فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ " خرجت أخت موسى عليه السلام وتتبعت عن بعد  وقال قتادة جعلت تنظر اليه وكأنها لا تريده ، "وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ " أحبت امرأة فرعون موسى عليه السلام واستطلقته من فرعون وعرضوا على موسى المراضع التى فى دار فرعون فلم يقبل منها ثديا وأبى أن يقبل شيئا من ذلك فخرجوا به الى السوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته فلما رأته أخته بأيديهم عرفته ولم تظهر ذلك ولم يشعروا بها لما رأتهم حائرين فيمن يرضعه عرضت عليهم المساعدة فيمن يكفل موسى بالرضاعة و من يصلحون له ولرضاعته قال ابن عباس فلما قالت ذلك أخذوها وشكوا فى أمرها وقالوا لها وما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه فرغبتهم فى سرور فرعون ورجاء منفعته فأرسلوها فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم ذهبوا معها الى منزلهم فدخلوا به على أمه فاعطته ثديها فالتقمه ففرحوا بذلك فرحا شديدا وذهب البشير الى امرأة فرعون فاستدعت أم موسى وأحسنت اليها وأعطتها عطاءا جزيلا وهى لا تعرف أنها أمه فى الحقيقة ولكن لكونه وافق ثديها ثم سألتها امرأة فرعون أن تقيم عندها فترضعه فأبت عليها فقالت : ان لى بعلا وأولادا ولا أقدر على المقام عندك ولكن ان أحببت أن أرضعه فى بيتى فعلت فأجابتها امرأة فرعون الى ذلك وأجرت عليها النفقة والاحسان الجزيل ،" فَرَدَدۡنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّ" فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمنا فى عز وجاه ورزق دار ولهذا جاء فى الحديث " مثل الذى يعمل ويحتسب فى صنعته الخير كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها " وهكذا رد الله موسى الى أمه لتقر عينها به ولا يصيبها الحزن على فراقه ولتعلم أن وعد الله حق فيما وعدها الله به من رده اليها وجعله من المرسلين فحينئذ تحققت برده اليها أنه كائن منه رسول من المرسلين فعاملته فى تربيته ما ينبغى له طبعا وشرعا ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ " يعقب الله بقوله أن أكثر الناس لا يعلمون حكم الله فى أفعاله وعواقبها المحمودة التى هو المحمود عليها فى الدنيا والآخرة فربما يقع الأمر كريها الى النفوس وعاقبته محمودة فى نفس الأمر كما قال تعالى " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو شر لكم " وقال تعالى " فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " .

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٤ وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ ١٥ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي فَٱغۡفِرۡ لِي فَغَفَرَ لَهُۥٓۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ١٦ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ ١٧

" وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗا"ذكر الله تعالى أن موسى عليه السلام لما بلغ أشده واستوى آتاه الله حكما وعلما قال مجاهد يعنى النبوة ، " وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ " وهذا جزاء الله لمن آمن به وأحسن عمله ، " وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا " يروى القرآن قصة موسى أن سبب وصوله الى المدينة ورجوعه لها الى ما كان تعالى قدره له من النبوة والتكليم رجع دون أن يشعر به أحد وتحدث القرآن فى قضية قتله ذلك القبطى الذى كان سببا فى خروجه من الديار المصرية الى بلاد مدين وقال ابن عباس قدم بين المغرب والعشاء ، "  فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦ" وجد موسى عليه السلام رجلين يتضاربان ويتنازعان أحدهما من بنى اسرائيل والآخر قبطى ، "  فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِ "  فاستغاث الذى من بنى اسرائيل بموسى عليه السلام فوجد موسى فرصة وهى غفلة الناس فعمد الى القبطى فطعنه بجمع كفيه كما قال مجاهد وقال قتادة وكزه بعصا كانت معه فكان فيها حتفه فمات ، "  قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِين"  قال موسى عليه السلام أن ما قام به من عمل الشيطان الذى هو عدو للانسان مضل له واضح العداوة ، " قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي فَٱغۡفِرۡ لِي " سأل موسى عليه السلام الله التوبة مما حدث منه وأنه قد ظلم نفسه بما فعل من ذنب ، " فَغَفَرَ لَهُۥٓۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ " غفر الله لموسى عليه السلام ما وقع منه دون أن يتعمد وقوعه فهو الذى يغفر الذنوب لعباده برحمته فهو غفور يقبل التوبة رحمته وسعت عباده ، " قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ " قال موسى عليه السلام بعد توبته أنه بما جعل الله له من عزة وجاه ونعمة لن يكون معينا للكافرين به والمخالفين لأمره .

 فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ ١٨ فَلَمَّآ أَنۡ أَرَادَ أَن يَبۡطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوّٞ لَّهُمَا قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ أَتُرِيدُ أَن تَقۡتُلَنِي كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِيدُ إِلَّآ أَن تَكُونَ جَبَّارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ ١٩

 "فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ " يقول الله تعالى مخبرا عن موسى عليه السلام أنه أصبح خائفا ويتلفت ويتوقع ما يكون من الأمر الذى فعله ، " فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُ " مر موسى عليه السلام فى بعض الطرق فاذا بذلك الشخص الذى طلب منه الاغاثة والنصرة على القبطى الذى كان يتنازع معه يقاتل آخر واستصرخه مرة أخرى على الآخر ، "  قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِين" رد عليه موسى عليه السلام بقوله انه شخص ظاهر الغواية وهى الانحراف عن الحق كثير الشر ، "  فَلَمَّآ أَنۡ أَرَادَ أَن يَبۡطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوّٞ لَّهُمَا قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ أَتُرِيدُ أَن تَقۡتُلَنِي كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِ إِن تُرِيدُ إِلَّآ أَن تَكُونَ جَبَّارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ " ثم عزم هذا الشخص على البطش بذلك القبطى فاعتقد هذا الشخص من بنى اسرائيل لخوره وضعفه وذلته  ولما سمع ما قاله له موسى عليه السلام من الزجر قال لموسى عليه السلام وهو يدفع عن نفسه أتريد أن تقتلنى كما قتلت القبطى من قبل واتهمه بالتجبر فى الأرض وأن يكون من غير المصلحين أى الذين يفسدون فى الأرض ، وهذا الأمر لم يسمع به ويعلمه الا هو وموسى عليه السلام فلما سمعها ذلك القبطى لقفها من فمه ثم ذهب بها الى باب فرعون وألقاها عنده فعلم فرعون بذلك فاشتد غضبه وعزم على قتل موسى عليه السلام فطلبوه وبعثوا وراءه ليحضروه لذلك .

وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ ٢٠

 "وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ " قال تعالى وجاء شخص وصفه تعالى بالرجولية لأنه قد خالف طريق الذين بعثوا وراء موسى عليه السلام فسبق اليه وحذره مما قد يقع له من بطش فرعون وملأه وهم يتشاورون فيه وفى قتله وطلب منه الخروج من البلد وأن يتبع نصيحته .

فَخَرَجَ مِنۡهَا خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٢١ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ٢٢ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ ٢٣ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ ٢٤

" فَخَرَجَ مِنۡهَا خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ " لما أخبر ذلك الرجل موسى عليه السلام بما تملأ عليه فرعون ودولته فى أمره خرج موسى عليه السلام من مصر وحده وهو خائف يلتفت ويتوقع وهو لم يألف ذلك من قبل فقد كان فى رفاهية ونعمة ورياسة وسأل الله تعالى أن ينجيه من فرعون وملئه ووصفهم بالظلم ، " وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَآءَ مَدۡيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يَهۡدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ " وتوجه موسى عليه السلام الى مدين وسأل الله تعالى أن يرشده الى الطريق الأقوم ففعل الله به ذلك وهذاه الى الطريق الصحيح والى الصراط المستقيم فى الدنيا والآخرة فجعله هاديا مهديا ، "  وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ " لما وصل موسى عليه السلام الى مدين وورد ماءها وكان لها بئر يرده رعاة الشاة ، "  وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ " وجد موسى عليه السلام جماعة من الناس يسقون شياههم ، " وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِ " وجد موسى عليه الشلام امرأتين تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاة لئلا يؤذيا ، "قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ " رق موسى عليه السلام لحال الامرأتين وسالهما عن خبرهما حيث لايردان مع الرعاة  ، " قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِير" ردت الامرأتان على موسى عليه السلام أنه لا يحصل لهما سقى الا بعد فراغ الرعاة وهم والحال الملجىء لهما هو كبر سن والدهما وعدم قدرته على العمل ، " فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِير" بعد أن سقى موسى عليه السلام غنم الامرأتين طلب من الله الرزق وقال ابن عباس : سار موسى عليه السلام من مصر الى مدين ليس له طعام الا البقل وورق الشجر لأنه خرج فجأة دون تدبير لأمره فما وصل الى مدين حتى سقطت نعل قدميه وجلس فى الظل تحت شجرة وهو الفقير الذى لا يملك شيئا حتى الطعام . 

فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٢٥ قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسۡتَٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ ٢٦ قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٢٧ قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ ٢٨ ۞

" فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآء" لما رجعت المرأتان سريعا بالغنم الى أبيهما أنكر حالهما بسبب مجيئهما سريع فسالهما عن خبرهما فقصتا عليه ما فعل موسى عليه السلام فبعث احداهما اليه لتدعوه الى أبيها وهى تمشى مشى الحرائر والحياء من الصفات المستحبة فى المرأة ، "  قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ " دعته الى التوجه الى أبيها وهى لم تطلبه طلبا مطلقا لئلا يوهم ريبة بل يتوجه الى أبيها ليثيبه ويكافئه على سقيه لغنمهم ، "  فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ " لما توجه موسى عليه السلام الى والد الامرأتين وذكر له ما كان من أمره وما جرى له من السبب الذى خرج من اجله من بلده ، "  قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ "قال له طب نفسا وقر عينا فقد خرجت من بين القوم الظالمين قوم فرعون فلا حكم لهم فى بلده وقد اختلف المفسرون فى هذا الرجل من هو ؟ وقيل أنه شعيب عليه السلام ولكن هذا غير صحيح لأن شعيب كان قبل موسى عليه السلام بوقت طويل لأنه قال لقومه " وما قوم لوط منكم ببعيد " وقد كان هلاك قوم لوط فى زمن الخليل عليه السلام بنص القرآن وعلم أن بين موسى عليه السلام والخليل مدة طويلة تزيد عن أربعمائة سنة وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب ، "  قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسۡتَٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ " قالت احدى ابنتى هذا الرجل قيل هى التى ذهبت وراء موسى عليه السلام قالت لأبيها أن يستأجر موسى عليه السلام لرعيه الغنم وهو يتمتع بالقوة والامانة وقال ابن عباس وقتادة ومحمد بن اسحاق وغيرهم أن أبوها قال لها وما علمك بذلك ؟ قالت له انه رفع الصخرة التى على البسر التلا لا يكيق رفعها الا عشرة رجال وأنها لما جائت معه تقدمت أمامه فقال لها كونى من ورائى ، " قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَج" طلب هذا الرجل الشيخ الكبير من موسى عليه السلام أن يرعى غنمه على أن يزوجه احدى ابنتيه على أن يرعى الغنم له ثمانى سنين ، "  فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَ "  فان تبرع موسى عليه السلام بزيادة سنتين فهو اليه والا ففى الثمان كفاية ، "  وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " وقال لكوسى عليه السلام أنه لن يشق عليه ولا يؤذيه ولا يماريه وقال عتبة بن المنذر السلمى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ان موسى عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه"  ، " قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيل" يقول الله تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام أنه قال لصهره الأمر على ما قلت من أنك استأجرتنى ثمان سنين فان أتممت عشرا فمن عندى فأنا متى فعلت أقلهما فقد برئت من العهد وخرجت من الشرط ولا حرج على .

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ ٢٩ فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٠ وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ ٣١ ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ ٣٢

" فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ " قضى موسى عليه السلام أتم الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأنقاهما فعن أبى ذر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل أى الأجلين قضى موسى ؟ قال " أوفاهما وأبرهما وان سئلت أى المرأتين لاتزوج فقل الصغرى منهما " ، " وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ "  قالوا كان موسى عليه السلام قد اشتاق الى بلاده وأهله فعزم على زيارتهم فى خفية من فرعون وقومه فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التى وهبها له صهره فسلك بهم فى ليلة مطيرة مظلمة باردة فنزل منزلا جعل كلما أورى زنده لا يضىء شيئا فعجب من ذلك ، " قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ " فبينما هو فيما هو عليه رأى نارا تضىء له على بعد فطلب من أهله المكث حتى يذهب الى النار وذلك لأنه أضل الطريق فسوف يأتى بالخبر اليقين الذى يرشده الى طريقه وأن يأتى بجذوة من النار ليستدفىء بها من البرد الشديد ، "  فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " لما اقترب موسى عليه الاسلام من جانب الوادى مما يلى الجبل عن يمينه من ناحية الغرب كما قال تعالى " وما كنت بجانب الغربى اذا قضينا الى موسى الأمر " فهذا مما يرشد الى أن موسى قصد النار الى جهة القبلة والجبل الغربى عن يمينه ، والنار وجدها تضطرم فى شجرة خضراء فى لحف الجبل مما يلى الوادى فوقف باهتا فى أمرها فناداه ربه أن الذى يخاطبه ويكلمه هو رب العالمين الفعال لما يشاء لا اله غيره ولا رب سواه ، " وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ " أمره الله أن يلقى عصاه التى فى يده اليمنى كما قرره على ذلك فى قوله تعالى " وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى " ، "  فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ  " لما رأى موسى عليه السلام العصا تتحرك كالجن وتضطرب فى حركتها السريعة مع عظم خلقتها وقوائمها واتساع فمها ولى موسى عليه السلام الأدبار ولم يكن يلتفت ، " يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ " قال الله لموسى عليه السلام أن يرجع الى مقامه الأول وأن لا يخاف فهو فى أمان ، " ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓء " يقول الله تعالى لموسى عليه السلام اذا أدخلت يدك فى جيب درعك ثم أخرجتها فانها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر فى لمعان البرق من غير برص أومرض ، " وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ " أمر موسى عليه السلام اذا خاف من شىء أن يضم اليه جناحه من الرهب وهو يده فاذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجسده من الخوف وربما اذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده فانه يزول عنه ما يجده أو يخفف ان شاء الله وبه الثقة ، "  فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ " هذان آيتان ودليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار وصحة نبوته الى فرعون وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع  وهما القاء العصا وجعلها حية تسعى وادخاله يده فى جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء  وهؤلاء القوم خارجين عن طاعة الله مخالفين لأمره ودينه .

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلۡتُ مِنۡهُمۡ نَفۡسٗا فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ ٣٣ وَأَخِي هَٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّي لِسَانٗا فَأَرۡسِلۡهُ مَعِيَ رِدۡءٗا يُصَدِّقُنِيٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ٣٤ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا بَِٔايَٰتِنَآۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ ٣٥

 " قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلۡتُ مِنۡهُمۡ نَفۡسٗا فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ " لما أمر الله تعالى موسى عليه السلام بالذهاب الى فرعون الذى انما خرج من مصر فرارا منه وخوفا من سطوته قال أنه قتل قبطى من قوم فرعون وكانوا يريدون قتله حتى فر منهم واذا رأوه يخشى أن يقتلوه ، " وَأَخِي هَٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّي لِسَانٗا " سأل الله أن يعينه بأخيه هارون فهو أفصح منه لسانا وذلك أن موسى عليه السلام كان فى لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه فحصل فيه شدة فى التعبير لازمته منذ كان فى المهد وتعرض لاختبار فرعون ، " فَأَرۡسِلۡهُ مَعِيَ رِدۡءٗا يُصَدِّقُنِي إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ٓ" سال موسى الله تعالى أن يعززه بارسال أخيه هارون معه وزيرا ومعينا ومقويا لأمره يصدقه فيما يقوله ويخبر به عن الله عز وجل لأن خبر الاثنين أنجع فى النفوس من خبر الواحد ليبين لفرعون وقومه ما يكلمهم به عنه فانه يفهم عنه ما لا يفهمون ويخشى من تكذيبهم له فيكون دعما وسندا له ،" قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ " رد الله على موسى عليه السلام بأنه سيقوى أمره ويعز جانبه بأخيه الذى سأل أن يكون نبيا معه كما قال له فى آية أخرى " قد أوتيت سؤلك يا موسى " وكما قال تعالى " ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " ولهذا قال بعض السلف ليس أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون عليهما السلام فانه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا معه الى فرعون وملئه ولهذا قال الله تعالى فى حق موسى " وكان عند الله وجيها " ، " وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا " أخبر الله تعالى موسى عليه السلام أنه سيجعل لهما حجة قاهرة ، " فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا بَِٔايَٰتِنَآۚ " فلا يكون لفرعون وقومه سبيل الى الوصول لآذاهما بسبب ابلاغهما آيات الله كما قال تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك - الى قوله - والله يعصمك من الناس " ، " أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ " أخبر الله تعالى أنه سيحق لموسى وأخيه هارون ومن اتبعهما الغلبة والنصر وأنه سيجعل لهما سلطانا فلا يصلون اليهم  كما قال تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلى ان الله قوى عزيز " وكما قال " انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا "

فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ ٣٦ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيٓ أَعۡلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ مِنۡ عِندِهِۦ وَمَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٣٧

 " فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ "   يخبر الله تعالى عن مجىء موسى وأخيه هارون الى فرعون وملئه وعرضه ما آتاه الله من المعجزات الباهرة والدلالة القاهرة على صدقهما فيما أخبرا به عن الله عز وجل من توحيده واتباع أوامره فلما عاين فرعون وملؤه ذلك وشاهدوه وتحققوه وأيقنوا أنه من عند الله عدلوا بكفرهم وبفيهم الى العناد والمباهتة وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق وقالوا ان ما جاء به موسى عليه السلام ما هو الا سحر مفتعل مصنوع وأرادوا معارضته بالحيلة والجاه وأنهم ما رأوا أحدا من آبائهم على هذا الدين ولم يروا الناس الا يشركون مع الله آلهة أخرى ، " وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيٓ أَعۡلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ مِنۡ عِندِهِ" رد موسى عليه السلام على قوم فرعون أن الله وحده هو أعلم منه ومنهم بمن هو على الهدى وسيفصل بينه وبينهم ،" وَمَن  تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ" والله وحده يعلم من سيكون له العاقبة الحسنة والنصر والتأييد ، "إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ " والمشركون بالله عز وجل يخيب دائما عملهم فى الدنيا والآخرة .

وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣٨ وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ إِلَيۡنَا لَا يُرۡجَعُونَ ٣٩ فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤٠ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ ٤١ وَأَتۡبَعۡنَٰهُمۡ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِينَ ٤٢

 " وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي " يخبر الله تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه فى دعواه الالوهية لنفسه كما قال تعالى " فاستخف قومه فأطاعوه " وذلك لأنه دعاهم الى الاعتراف له بالالهية فأجابوه الى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم وقال تعالى اخبارا عن فرعون " فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى *ان فى ذلك لعبرة لمن يخشى " يعنى أنه جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالى مصرحا لهم بذلك فأجابوه سامعين مطيعين ولهذا انتقم الله منه فجعله عبرة لغيره فى الدنيا والآخرة ومن غرور فرعون أنه واجه موسى عليه السلام بذلك فقال " لئن اتخذت الها غيرى لأجعلنك من المسجونين " ، " فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ " انتاب الغرور فرعون فطلب من وزيره هامان أن يوقد له على الطين ليتحول الى آجر بعد حرقه ليكون أشد صلابة وأن يبنى له بناءا ليس هناك فى الدنيا أعلى منه وأراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى اله غير فرعون ولهذا قال عن موسى عليه السلام "  وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ " أنه يعتقد أن موسى عليه السلام كاذبا فى قوله أن ثم ربا غيره لا أنه كذبه فى أن الله تعالى أرسله لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع جل وعلا فانه قال " وما رب العالمين " ولهذا قال لموسى عليه السلام " لأن اتخذت الها غيرى لأجعلنك من المسجونين " وقال " يا أيها الملأ ما علمت لكم من اله غيرى"، " وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ إِلَيۡنَا لَا يُرۡجَعُونَ " يخبر الله تعالى عن فرعون أنه هو وجنوده طغوا وتجبروا وأكثروا فى الأرض الفساد واعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد ،" فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ " كان جزاء فرعون وقومه من الله أنه أغرقهم جميعا فى البحر فى صبيحة واحدة فلم يبق منهم أحد ، " فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ " يدعو الله تعالى الى النظر والتدبر فى عاقبة هؤلاء القوم الظالمين بكفرهم وجبروتهم وهذا كقوله " فصب عليهم ربك سوط عذاب ان ربك لبالمرصاد " ، " وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ " يقول الله عن فرعون وقومه أنه جعلهم من السابقين الى النار لمن سلك وراءهم وأخذ طريقتهم فى تكذيب الرسل ، " وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ " وسيدخلهم الله يوم القيامة النار وسيصيبهم الخزى والهزيمة فيجتمع عليهم خزى الدنيا والآخرة ويكون الخزى موصولا بذل الآخرة كقوله تعالى " وَأَتۡبَعۡنَٰهُمۡ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَة " أى وشرع الله لعنتهم ولعنة فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين لرسله كما أنهم فى الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم وكذلك " وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِينَ " ويوم القيامة من الذين قبح عملهم ومصيرهم وهذا كقوله " وأتبعوا فى هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود " .

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٤٣

 "وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ " يخبر الله تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم من انزال التوراة عليه بعد ما أهلك فرعون وملئه ويعنى الله أنه بعد انزال التوراة لم يعذب أمة بعامة بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين كما قال تعالى " وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة * فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية " وعن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض الا قبل موسى ثم قرأ " وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ ، " بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَة " هذا الكتاب الذى أنزله الله على موسى يبصرالله به الناس من العمى والغى وهدى الى الحق ورحمة أى ارشاد الى العمل الصالح ، " لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ"  لعل الناس يتذكرون به ويهتدون بسببه .   

وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِيِّ إِذۡ قَضَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٤٤ وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ ٤٥ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٤٦ وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧

يقول الله تعالى منبها على برهان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بالغيوب الماضية خبرا كأن سامعه شاهد وراء لما تقدم وهو النبى الأمى لا يقرأ شيئا من الكتب نشأ بين قوم لا يعرفون شيئا من ذلك وهذا كما أخبره الله عن مريم وما كان من أمرها فقال تعالى " وما كنت لديهم اذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون " ومعنى ذلك وما كنت حاضرا لذلك ولكن الله أوحاه اليك وهكذا لما أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم عن نوح وقومه وما كان من انجاء الله له واغراق قومه ثم قال تعالى"تلك من أنباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين " وقال تعالى بعد ذكر قصة يوسف عليه السلام " ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون " ويقول الله تعالى هنا " وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِيِّ إِذۡ قَضَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّٰهِدِينَ " يعنى الله تعالى ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربى الذى كلم الله موسى من الشجرة التى هى شرقية على شاطىء الوادى وما كنت من المشاهدين لذلك ، " وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُ "  ولكن الله سبحانه وتعالى أوحى اليك ذلك ليكون حجة وبرهانا على قرون قد نطاول عهدها ونسوا حجج الله عليهم وما أوحاه الى الأنبياء المتقدمين ، " وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا " ويقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ما كنت مقيما فى أهل مدين تتلو عليهم آياتنا حين أخبرت عن نبيها شعيبا وما قال لقومه وما ردوا عليه ، " وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ " ولكن نحن أوحينا اليك ذلك وأرسلناك الى الناس رسولا ، "  وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا " ويقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن حاضرا بجانب الطور اذا نادينا موسى وهذا شبيه بقوله " وما كنت بجانب الغربى اذ قضينا الى موسى الأمر " ، " وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ " ما كنت مشاهدا لشىء من ذلك ولكن الله تعالى أوحاه اليك وأخبرك به رحمة منه بك وبالعباد بارسالك اليهم ، "  لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ " أوحينا اليك ما أنزل اليك لتنذر به قومك الذين لم يأتهم أحد ينذرهم من قبلك لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله عز وجل ، "  وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " يقول الله تعالى وأرسلناك اليهم لتقيم عليهم الحجة ولينفطع عذرهم اذا جاءهم العذاب من الله بكفرهم فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير وهذا كقوله " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " وكقوله تعالى " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " والآيات فى ذلك كثيرة .

فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَ لَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ ٤٨ قُلۡ فَأۡتُواْ بِكِتَٰبٖ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَآ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٤٩ فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥٠ ۞وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٥١

 " فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓ " يقول الله تعالى مخبرا عن القوم الذين لوعذبهم قبل قيام الحجة عليهم لاحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول أنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قالوا على وجه التعنت والعناد والكفر والجهل والالحاد أنه لم يؤتى من الآيات الكثيرة مثل ما أوتى موسى من الآيات الكثيرة مثل العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وتنقيص الزروع والثمار مما يضيق على أعداء الله وكفلق البحر وتظليل الغمام وانزال المن والسلوى الى غير ذلك من الآيات الباهرة والحجج القاهرة التى أجراها الله تعالى على يدىموسى عليه السلام حجة وبرهانا له على فرعون وملئه وبنى اسرائيل ومع هذاوكله لم ينجع فى فرعون وملئه بل كفروا بموسى وأخيه هارون كما قالوا لهما " أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء فى الأرض وما نحن لكما بمؤمنين " ، " أَوَ لَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ " يوبخ الله هؤلاء الكفار الذين يتحدثون عن الآيات بأن الله أرسل موسى عليه السلام بالآيات أو لم يكفروا بها وقالوا ساحران تعاونا وتناصرا وصدق كل منهما الآخر  وكفروا بهما  وقال السدى يعنى صدق كل واحد منهما الآخر ،  ، قال مجاهد : امرت اليهود قريشا أن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك فرد الله عليهم بقوله فى هذه الآية  وقال ابن عباس المشركون يعنون التوراة والقرآن لأنه قال من بعده " قُلۡ فَأۡتُواْ بِكِتَٰبٖ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَآ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " وكثيرا ما يقرن الله بين التوراة والقرآن كما قال تعالى " قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس - الى أن قال - وهذا كتاب أنزلناه مبارك " وقال فى آخر السورة " ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذى أحسن " وقال الجن " انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه " وقد علم بالضرورة لذوى الألباب أن الله تعالى لم ينزل كتابا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن وبعده فى الشرف والعظمة الكتاب الذى أنزله على موسى عليه السلام وهو الكتاب الذى قال فيه " انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " والانجيل انما أنزل متمما للتوراة ومحلا لبعض ما حرم على بنى اسرائيل ولهذا قال تعالى " قُلۡ فَأۡتُواْ بِكِتَٰبٖ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَآ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " أى فيما تدافعون به عن الحق وتعارضون به من الباطل ، " فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ " فان لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتبعوا الحق ، " فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡ " وان لم يفعلوا ذلك ولن يفعلوه فاعلم أنهم انما يتبعون أهواءهم باطلا بلا دليل ولا حجة ، "  وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّه " يذم الله  من يتبع هواه بدون دليل ولا حجة مأخوذة من كتاب الله بأنه لا يوجد من أضل منه ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ " والله لا يهدى من هو مصر على الكفر ظالم لنفسه بل هو يتخبط فى الكفر والضلال ، " وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ " قال مجاهد وصلنا لهم القول أى فصلنا لهم القول وقال السدى بينا لهم القول وقال قتادة أخبرهم كيف صنع بمن مضى وكيف هو صانع ليكون لهم ذلك ذكر وعظة لعلهم يعتبرون وقال مجاهد يعنى قريشا .

ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ ٥٢ وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِينَ ٥٣ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٥٤ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِي ٱلۡجَٰهِلِينَ ٥٥

 " ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ " يخبر الله تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن كما قال تعالى " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به " وقال تعالى " وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم خاشعين لله " ، " وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِينَ " هؤلاء يؤمنون بالقرآن واذا تلى عليهم يقولوا أنهم آمنوا به وأنهم من قبل القرآن كانوا مسلمين أى موحدين مخلصين لله مستجيبين له ، " أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ " وهؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول ثم بالثانى يؤتيهم الله أجرهم مرتين على ما آمنوا به من قبل وأخرى بما آمنوا به جزاء صبرهم على اتباع الحق فى كل الأحوال فان تجشم مثل هذا شديد على النفوس وقد ورد فى الصحيح عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بى ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها " وعن أبى أمامة قال : انى لتحت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال قولا حسنا جميلا وقال فيما قال " من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين وله ما لنا وعليه ما علينا " ، " وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ " ومن صفاتهم أنهم لا يقابلون السيىء بمثله ولكن يعفون ويصفحون ، " وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ " وهم ينفقون من الحلال الذى رزقهم الله على خلق الله فى النفقات الواجبة لأهليهم وأقاربهم والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات وصدقات النفل والقربات ، " وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ " وهم لا يخالطون أهل اللغو أى الكلام الذى لا جدوى منه أو التحدث بسوء ويعرضون عنهم ولا يعاشرونهم كما قال " واذا مروا باللغو مروا كراما "  ، "  وَقَالُواْ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِي ٱلۡجَٰهِلِينَ " واذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق نهم الجواب عنه أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ، لا يصدر عنهم الا الكلام الطيب وردهم أنا لانريد طريق الجاهلين ولا نحبها.

إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٥٦ وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَ لَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٥٧

" إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ " يقول الله تالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك الهدى وانما عليك البلاغ والله يهدى من يشاء وله الحكمة البالعة والحجة الدامغة كما قال تعالى " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء " ، " ۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ " والله وحده أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية وفد ثبت فى الصحيحين أنها نزلت فى أبى طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه وينصره ويقوم فى صفه ويحبه حبا شديدا طبيعيا لا شرعيا فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الايمان والدخول فى الاسلام فسبق القدر فيه فاستمر على ما كان عليه من الكفر ، وقال الزهرى حدثنى سعيد بن المسيب عن أبيه وهو المسيب بن حزن المخزومى رضى الله عنه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عم قل لا اله الا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ، فقال أبوجهل وعبد الله بن أبى أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له تلك المقالة حتى كان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله تعالى الآية " إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ "  وعن أبى هريرة قال : لما حضرت وفاة أبى طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا عماه قل لا اله الا الله أشهد لك بها يوم القيامة ، فقال : لولا أن تعيرنى بها قريش يقولون ما حمله الا جزع الموت لأقررت بها عينك لا أقولها الا لأقر بها عينك فأنزل الله تعالى الآية ، "  وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ " يقول الله تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفار فى عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم نخشى ان اتبعنا ما جئت به من الهدى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ويتخطفونا أينما كنا ، "  أَوَ لَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا " رد الله عليهم أن الذى اعتذروا به كذب وباطل لأن الله تعالى جعلهم فى بلد أمين وحرم آمن منذ وضع فكيف يكون هذا الحرم آمنا لهم فى حال كفرهم وشركهم ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا واتبعوا الحق ، " يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡء" يقصد الله أن هذا البلد وهو مكة تأتى اليه الثمرات من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره وكذلك المتاجر والأمتعة   ، " رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا " وهذا الرزق من عند الله ، " وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ " وأكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون حقيقة أن الله وحده هو الذى يطلب منه الأمن والرزق .

وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۢ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥٨ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ ٥٩

 " وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۢ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ " يقول الله تعالى معرضا بأهل مكة محذرا لهم أن يحدث لهم ما حدث لمن قبلهم من الكثير من البلاد التى طغت واشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق كما قال فى آية أخرى " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يآتيها رزقها رغدا من كل مكان - الى قوله - فأخذهم العذاب وهم ظالمون " ، "  فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ" أهلكهم الله ودثرت ديارهم فلا ترى الا مساكنهم ، " وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ " والله وحده هو الذى يرث الأرض ومن عليها ، " وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ  وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ " يتحدث الله عن عدله وأنه لا يهلك أحدا ظلما وانما يهلك من أهلك بعد قيام الحجة عليهم وهذا فيه دلالة على أن النبى الأمى محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث من أم القرى رسول الى جميع القرى من عرب وعجم كما قال تعالى " لتنذر أم القرى ومن حولها " وقال تعالى " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " وثبت فى الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بعثت الى الأحمر والأسود " ولهذا ختم الله به النبوة والرسالة فلا نبى بعده ولا رسول بل شرعه باق الى يوم القيامة.

وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٦٠ أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ ٦١

 " وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَا " يقول الله تعالى مخبرا عن حقارة الدنياوما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة الى ما أعده الله لعباده الصالحين فى الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم ، " وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ " ما عند الله أفضل وأبقى فهو نعيم خالد فى الجنة التى فيها ما لاعين رأت ولاأذن سمعت وما خطر على فلب بشر وهى حياة أذلية لا موت فيها كما قال تعالى " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " وكما قال " وما عند الله خير للأبرار " وكما قال " وما الحياة الدنيا فى الآخرة الا متاع " وكما قال تعالى " بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى "  ، " أَفَلَا تَعۡقِلُونَ " يوبخ الله من يفضل الدنيا على الآخرة أليس لك عقل تعقل به الأمور ! ، " أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ " يقول الله تعالى أفمن هو مؤمن مصدق بما وعده الله على صالح الأعمال من الثواب الذى هو صائر اليه لا محالة كمن هوكافر مكذب بلقاء الله ووعده ووعيده فهو ممتع فى الحياة الدنيا أياما قلائل قال مجاهد وقتادة " ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ " من المعذبين الذين يدخلون جهنم كما قال تعالى عن المؤمن حين أشرف على صاحبه وهو فى الدرجات وذلك فى الدركات " ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين " .

وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ فَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ ٦٢ قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَغۡوَيۡنَآ أَغۡوَيۡنَٰهُمۡ كَمَا غَوَيۡنَاۖ تَبَرَّأۡنَآ إِلَيۡكَۖ مَا كَانُوٓاْ إِيَّانَا يَعۡبُدُونَ ٦٣ وَقِيلَ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ لَوۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ يَهۡتَدُونَ ٦٤ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبۡتُمُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٦٥ فَعَمِيَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَنۢبَآءُ يَوۡمَئِذٖ فَهُمۡ لَا يَتَسَآءَلُونَ ٦٦ فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَعَسَىٰٓ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلۡمُفۡلِحِينَ ٦٧

" وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ فَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة حيث يناديهم فيقول أين الآلهة التى كنتم تعبدونها فى الدار الدنيا من الأصنام والأنداد هل ينصرونكم أو ينتصرون وهذا على سبيل التقريع والتهديد كما قال تعالى " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " ،" قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ " الذين حق عليهم عذاب الله من الشياطين والمردة والدعاة الى الكفر ، " رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَغۡوَيۡنَآ أَغۡوَيۡنَٰهُمۡ كَمَا غَوَيۡنَاۖ تَبَرَّأۡنَآ إِلَيۡكَۖ مَا كَانُوٓاْ إِيَّانَا يَعۡبُدُونَ " يشهدوا على الذين أغووهم فاتبعوهم ويتبرؤا منهم ومن اتباعهم لهم أمام الله يوم القيامة فهم أغووهم وضلوهم كما هم غاوون ليكونوا مثلهم من أصحاب السعير كما قال تعالى عن المشركين واتخاذهم آلهة من دون الله " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونوا عليهم ضدا " وقال الخليل عليه السلام " انما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضطم بعضا " وكما قال تعالى " اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب " ، " وَقِيلَ ٱدۡعُواْ شُرَكَآءَكُمۡ " يوبخ الله الكفار والمشركين ويأمرهم يوم القيامة أن يدعوا من أشركوا فى عبادته من أصنام وأوثان وغيرهم ليخلصوهم مما هم فيه كما كانوا يرجون منهم فى الدار الدنيا ، " فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُم وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ " دعوا هؤلاء الذين أشركوا مع الله فلم يستجيبوا لهم وتيقنوا أنهم صائرون الى النار لا محالة ، "  لَوۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ يَهۡتَدُونَ " ود هؤلاء حين تيقنوا ورأوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين فى الدار الدنيا وهذا كقوله تعالى " ويوم يقول نادوا شركائى الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا * ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا " ، "  وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبۡتُمُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " النداء الأول من الله عن سؤال التوحيد فيقول الله تعالى ماذا جوابكم للمرسلين اليكم وكبف كان حالكم معهم وهذا كما يسئل العبد فى قبره من ربك ومن نبيك وما دينك ؟ فأما المؤمن فيشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأما الكافر فيقول ها ها لا أدرى ولهذا لا جواب له يوم القيامة الا السكوت لأن من كان فى هذه أعمى فهو يوم القيامة أعمى وأضل سبيلا ولهذا قال تعالى " فَعَمِيَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَنۢبَآءُ يَوۡمَئِذٖ فَهُمۡ لَا يَتَسَآءَلُونَ " قال مجاهد فعميت عليهم الحجج أى ليس لديهم حجة ليبرروا ما كانوا عليه من الشرك والكفر فهم لا يتساءلون بالأنساب لن تغنى عنهم أنسابهم وحسبهم ونسبهم ، "  فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَعَسَىٰٓ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلۡمُفۡلِحِينَ " لا ينفع الا العمل من تاب فى الدنيا وآمن بالله وعمل العمل الصالح فهذا الشخص يكون من المفلحين يوم القيامة وعسى من الله موجبة فكل شىء واقع بفضل الله ومنته وحده على عباده .

وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٦٨ وَرَبُّكَ يَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ ٦٩ وَهُوَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٧٠

 يخبر الله تعالى أنه المتفرد بالخلق والاختيار وأنه ليس له فى ذلك منازع ولامعقب " وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُ " فهو يخلق ما يشاء فما يشاء كان وما لم يشأ لم يكن فالأمور كلها خيرها وشرها بيده ومرجعها اليه ، " مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ  " الله هو المتفرد بالخلق والتقدير والاختيار وأنه لا نظير له فى ذلك وهو يختار لعباده الذى لهم فيه خيرة وهذا كقوله " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " ولهذا قال تعالى "سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " تنزه الله وتسامى عن كل ما يشركون معه من الأصنام والأنداد التى لا تخلق ولا تختار شيئا ، " وَرَبُّكَ يَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ " والله وحده هو الذى يعلم ما تكن الضمائر وما تنطوى السرائر كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق كما قال تعالى " سواء منك من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " ، " وَهُوَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُو " الله هو المتفرد بالالهية فلا معبود سواه كما لا رب يخلق ويختار سواه ، "   لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡأٓخِرَةِ " الله له الحمد فى جميع ما يفعله هو المحمود عليه بعدله وحكمته ، " وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ " هو الذى لا معقب له لقهره وغلبته وحكمته ورحمته ، " وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " وجميع الخلائق ترجع الى الله يوم القيامة فيجزى كل عامل بعمله من خير وشر ولا يخفى عليه منهم خافية فى سائر الأعمال .

قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ ٧١ قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ٧٢وَمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٧٣

 " قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ " يقول الله تعالى ممتنا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار فهم لا قوام لهم بدونهما وبين الله تعالى أنه لو جعل الليل عليهم دائما سرمدا الى يوم القيامة لأضر ذلك بهم ولسئمته النفوس وانحصرت منه فهو وحده الذى جاء بالضياء الذى يضىء ظلمة الليل ليبصر به الخلائق وتستأنس  وخص الله الليل بالسمع لأنه فى الظلام تتعطل حاسة الرؤيا وتعمل حاسة السمع ، "  قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ " وكذلك اذا جعل الله النهار مستمرا سرمدا دائما الى يوم القيامة لأضر ذلك بعباده ولتعبت الأبدان وكلت من كثرة الحركات والأشغال فلا أحد غيره يأتى بالليل لستريح الأبدان وتسكن من حركاتها وأشغالها وخص البصر فى قوله أفلا تبصرون لأنه الحاسة الأولى فى النهار التى يعتمد عليها البشر فى حركاتهم برؤية الأشياء والتحرك فمن حرم من نعمة البصر تكون حياته ليل دائم وتكون باقى حواسه محدودة الحركة لأنه لا يرى فيتصرف كمن هو أعمى فقد حاسة البصر ولديه كل الحواس ، "  َمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ " من رحمة الله أن جعل هناك توازن بين الليل والنهار بين السكون والحركة فالنهار أنسم بالحركة والليل بالسكون لتستمر الحياة والانسان فى حياته فى حاجة الى كل منهما وهذه النعمة تستوجب الشكر لله بأنواع العبادات بالليل والنهار .

وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ فَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ ٧٤ وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا فَقُلۡنَا هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ فَعَلِمُوٓاْ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٧٥ ۞

 " وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ فَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ " هذا أيضا نداء ثان على سبيل التوبيخ والتقريع لمن عبد مع الله الها آخر يناديهم الله تعالى على رءوس الأشهاد عن الشركاء الذين أشركوهم مع الله فى الحياة الدنيا من أصنام وأوثان بزعمهم ، " وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا " قال مجاهد اخترنا من كل أمة رسولا ليشهد على من أشركوا ولم يتبعوه ويتبعوا ما أرسل به رسله ، "  فَقُلۡنَا هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ " ويقول الله لهؤلاء المشركين أين ما عندكم من دليل على صحة ما ادعيتموه من أن لله شركاء ، " فَعَلِمُوٓاْ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ " وهنا تخرس الألسن لأنهم علموا وتيقنوا بعد بعثهم أن لا اله غير الله فلم ينطقوا ولم يجدوا جوابا وذهب عنهم افكهم الذى كانوا يفترونه فلم ينفعهم  من كانوا يتخذونهم أنددا لله .

إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ ٧٦ وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٧٧

 يروى الله قصة قارون " إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِم " فقارون كان من قوم موسى وقال ابن عباس كان ابن عمه ولكنه خرج عن سبيل الحق فأهلكه الله الله لبغيه ، "  وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ " آتاه الله من الأموال التى يثقل حمل مفاتيها على الفئام من الناس لكثرتها ، " إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ " وعظه قومه فيما هو فيه صلاحه وألا يغتر بالمال وكثرته فقالوا على سبيل النصح والارشاد لا تفرح بما أنت فيه يعنون لا تبطر بما أنت فيه من المال فالله كما قال مجاهد لا يحب الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم ، " وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ " نصحوه أن يستعمل ما وهبه الله من المال الجزيل والنعمة الطائلة فى طاعة ربه والتقرب اليه بأنواع القربات التى يحصل له بها الثواب فى الدنيا والآخرة ، "وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَا" نصحوه بأن يكون متوازنا وأن يستمتع بما أتاح الله له فى الدنيا من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح فان لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزورك عليكحقا فآت كل ذى حق حقه  ، " وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَ " ونصحوه أن يحسن الى لق الله كما أحسن الله اليه ، " وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِ " ونصحوه بأن لاتكن همته بما هو فيه أ، يفسد فى الأرض ويسىء الى خلق الله ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ " والله يبغض الفساد والمفسدين .

قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَ لَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسَۡٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٧٨

 " قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓ " يقول الله تعالىمخبرا عن جواب قارون لقومه حين نصحوه وأرشدوه الى الخير أنا لا أفتقر الى ما تقولون فان الله تعالى انما أعطانى هذا المال لعلمه بأنى أستحقه ولمحبته لى ، فتقديره انما أعطيته لعلم الله فى أنى أهل له وقال الامام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن قارون قال لولا رضا الله على ومعرفته بفضلى ما أعطانى هذا المال وهكذا يقول من قل علمه اذا رأى من وسع الله عليه لولا أن يستحق ذلك ما أعطى  وهذا كقوله تعالى " واذا مس الانسان ضر دعانا ثم اذا خولناه نعمة قال انما أوتيته على علم " أى على علم من الله وكقوله تعالى " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لى " أى هذا أستحقه ، " أَوَ لَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗا" قال الله تعالى ردا على قارون وما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال قد كان من هو أكثر منه مالا وما كان ذلك عن محبة وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم ولهذا قال " وَلَا يُسَۡٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ " والله لا يسأل أويحاسب المجرمين لكثرة ذنوبهم بل يأخذهم أخذ عزيز مقتدر بعد أن يملى لهم .

فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖ ٧٩ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّٰبِرُونَ ٨٠

 " فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦ " يقول الله تعالى مخبرا عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه فى زينة عظيمة وتجمل باهر من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه ، " قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيم" لما رأى من يريد الحياة الدنيا ويميل الى زخارفها وزينتها ما عليه قارون تمنوا أن لو كان لهم مثل الذى أعطى فهو ذو حظ وافر من الدنيا ، " وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا " لما سمع أهل العلم مقالة من يريد الدنيا وزخارفها ومتاعها حذروهم من سوء العاقبة وأن جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين فى الدار الآخرة خير مما يرون ، كما فى الحديث الصحيح يقول الله تعالى " أعددت لعبادى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرءوا ان شئتم " فلا تعلمنفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون "،"وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّٰبِرُونَ " ولا يلقى الجنة ويفوز بنعيمها الا الصابرون كأنه جعل ذلك من تمام كلام الذين أوتوا العلم وقال ابن جرير ولا يلقى هذه الكلمة الا الصابرون عن محبة الدنيا الراغبون فى الدار الآخرة وكأنه جعل ذلك مقطوعا من كلام أولئك وجعله من كلام الله عز وجل واخباره بذلك .

فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ ٨١ وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨٢

 " فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ " لما ذكر الله تعالى اختيال قارون فى زينته وفخره على قومه وبغيه عليهم عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض كما ثبت فى الصحيح عن البخارى من حديث الزهرى عن سالم عن أباه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينما رجل يجر ازاره اذ خسف به فهو يتجلجل فى الأرض الى يوم القيامة " ، "  فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ " ما أغنى عن قارون ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله ولا كان هو منتصرا لنفسه فلا ناصر له من نفسه ولا من غيره ، " وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ " والذين كانوا قد رأوا قارون فى زينته وتمنوا أن لوكان لهم مثل ما أعطى من متاع الدنيا ،  "  يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِر " لما خسف به أصبحوا يقولون حسرة أن ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه فان الله يعطى ويمنع ويضيق ويوسع ويخفض ويرفع وله الحكمة التامة والحجة البالغة وذا كما فى الحديث المرفوع عن ابن مسعود " ان الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وان الله يعطى المال من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطى الايمان الا من يحب " ، " لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ " لولا لطف الله بنا واحسانه الينا لخسف بنا كما خسف بقارون لأننا وددنا أ، نكون مثله ، "  وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ " يعنون أن قارون كان كافرا ولا يفلح الكافر عند الله لا فى الدنيا ولا فلا الآخرة وقال قتادة عن " ويكأنه " بمعنى ألم تر أن .

تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ ٨٣ مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّئَِّاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٨٤

  " تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا " يخبر الله تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذى لا يحول ولا يزول جعلها الله ، "  لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ " لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون تعظما وتجبرا فى الأرض لا يريدون ترفعا على خلق الله وتعظما عليهم وتجبرا بهم ولا فسادا فيهم وعن مسلم البطين العلو فى الأرض التكبر بغير حق والفساد أخذ المال بغير حق  ، "  وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ " حسن الجزاء لمن يتقى ربه ويخشاه فى الدنيا والآخرة ، " مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ " من جاء بحسنة أى يوم القيامة ، " فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ " ثواب الله خير من حسنة العبد فالله يضاعف الحسنات والحسنة بعشرة أمثالها والله يضاعف لمن يشاء الى سبعمائة ضعف ، " وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّئَِّاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُون " ومن يعمل سيئة فهذا من عنده ولا يجزى الا بها ويحاسبه الله عيها والجزاء من جنس العمل كما قال " ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم فى النار هل تجزون الا ما كنتم تعملون " .

إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٨٥ وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبُ إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ ٨٦ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٨٧ وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٨

  " إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَاد" اختلف فى تفسير هذه الآية بسبب تفسير كلمة " معاد"  فقيل يوم القيامة ويكون التفسير أن الله تعالى يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ببلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس ومخبرا له بأنه سيرده الىمعاد وهو يوم القيامة فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة كقوله " فلنسألن الذين أرسل اليهم ولنسألن المرسلين " وقال تعالى " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " وقال السدى عن ابن عباس لرادك الى الجنة ثم سائلك عن القرآن وقال مجاهد يحييك يوم القيامة وقال الحسن البصرى ان له لمعادا فيبعثه الله يوم القيامة ثم يدخله الجنة وعن عكرمة عن ابن عباس "لرادك الى معاد " قال مكة أى لرادك الى مكة كما أخرجك منها وعن الضحاك قال لما خرج النبى صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الحجفة اشتاق الى مكة فأنزل الله عليه الآية وهذا الكلام يقتضى أن تكون السورة مدنية وان كان مجموع السورة مكيا ،ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوع الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكة وهو الفتح الذى هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجل النبى صلى الله عليه وسلم كما فسر ابن عباس " اذا جاء نصر الله والفتح " أنه أجل الرسول صلى الله عليه وسلم نعى اليه وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب ووافقه عمر على ذلك ، وفسر ابن عباس تارة أخرى بالموت وتارة بيوم القيامة الذى هو بعد الموت وتارة بالجنة التى هى جزاؤه ومصيره على أداء رسالة الله وابلاغها الى الثقلين الانس والجن ولأنه أكمل خلق الله وأفصح خلق الله وأشرف خلق الله على الاطلاق ، "  قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِين" يعقب الله تعالى على ذلك أنه قال لرسوله أن يبلغ أنه هو الذى أعلم من هو مهتد ومن هو فى ضلال واضح ممن خالفه وكذبه من قومه المشركين ومن تبعهم على كفرهم قل ربى أعلم بالمهتدى منكم ومنى وستعلمون لمن تكون له عاقبة الدار والنصرة فى الدنيا والآخرة  ، " وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبُ " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ما كنت تظن قبل انزال الوحى اليك أن الوحى ينزل عليك ، " إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ " انما أنزل الوحى عليك من الله من رحمتة بك وبالعباد بسببك فاذا منحك هذه النعمة العظيمة ، " فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ " لا تكونن معينا للكافرين ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم ، " وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لا تتأثر لمخالفة المشركين لك وصدهم الناس عن طريقك ولا تلوى على ذلك فان الله معل كلمتك ومؤيد دينك ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان ولهذا قال " وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ " أى يأمره بأن يدعو الى عبادة الله ربه وحده لا شريك له ، " وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ  " وأمره الله أن يبتعد عن الشرك والمشركين ، " وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ" وامر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بان يوحده وحده لا شريك له لا تليق العبادة الا له ولا تنبغى الالهية الا لعظمته ، "  كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ" اخبار بان الله هو الدائم الباقى هو الحى القيوم الذى تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى " كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " وكل الذوات فانية وزائلة الا ذاته تعالى وتقدس فانه الأول والآخر الذى هو قبل كل شىء وبعد كل شىء  وقال مجاهد والثورى كل شىء هالك الا ما أريد به وجهه وهذا اخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة الا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة ، " لَهُ ٱلۡحُكۡمُ " الله وحده له الملك والتصرف ولا معقب لحكمه ، " وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " الى الله وحده يم معاد العباد فيجازيهم بأعمالهم ان كان خيرا فخير وان شرا فشر .

 

تفسير الجزء العشرين

تفسير سورة العنكبوت

سورة العنكبوت مكية الا من آية 1 الى 11 فمدنية وآياتها 69 آية وهى تحمل سمات القرآن المكى من اخبار بأنباء الرسل السابقين واخبار عن قدرة الله فى الكون وتثير قضية العقيدة وما حدث للمكذبين للرسل.

الٓمٓ ١ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣ أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٤

  " الٓمٓ " تقدم الكلام عن الحروف المقطعة فى بدايات السور فى سورة البقرة ، "  أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ " استفهام انكار ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبتلى عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الايمان لأن الايمان ما صدقهم العمل وليس بالقول وحده كما جاء فى الحديث الصحيح " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان فى دينه صلابة زيد له البلاء " وهذا كقوله" أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" ، " وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ " يقول الله تعالى أن ابتلائه كان لمن سبق من الأمم ليعلم من صدقوا فى دعوى الايمان ممن هو كاذب فى قوله ودعواه والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، "  أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ " يسبقونا أى يفوتونا أى يقول الله تعالى لا يحسبن الذين لم يدخلوا فى الايمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان فان من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم ، " سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ " بئس ما يظنون .

مَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأٓتٖۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٥ وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٦ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٧

 " مَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ " يقول الله تعالى من من كان يتمنى ويسعى الى لقاء الله فى الدار الآخرة وعمل الصالحات ورجا ما عند الله من الثواب الجزيل ، " فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأٓتٖۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ " من يرجو ذلك فان الله سيحقق له رجاءه ويوفيه عمله كاملا موفرا فان ذلك كائن لا محالة لأنه سميع الدعاء بصير بكل الكائنات عليم بها  ، " وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ " من عمل صالحا فانما يقع نفع عمله على نفسه فان الله غنى عن أفعال العباد ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك فى ملكه شيئا وقال الحسن البصرى : ان الرجل ليجاهد وما ضرب يوما بسيف ، " وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُون " أخبر الله تعالى أنه مع غناه على الخلائق جميعهم ومع بره واحسانه بهم يجازى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أحسن الجزاء وهو أنه يكفر عنهم أسوأ الذى عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذى كانوا يعملون ، فيقبل القليل من الحسنات ويثيب عليها الواحدة بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف ويجزى على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح كما قال تعالى " ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " .

وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٨ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِي ٱلصَّٰلِحِينَ ٩

 " وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ " يقول الله تعالى آمرا عباده بالاحسان الى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده فان الوالدين هما سبب وجود الانسان ، فالوالد بالانفاق والوالدة بالاشفاق ولهذا قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فل تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا" ، " وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ " ومع هذه الوصية بالرافة والرحمة والاحسان اليهما فى مقابلة احسانهما المتقدم لكن فى حالة الشرك بالله فان الأمر يختلف فان حرضا عليك أن تتبعهما على دينهما اذا كانا مشركين فاياك واياهما فلا تطعهما فى ذلك ، "  إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " لا تطعهما فى الشرك فان مرجعكم الى الله يوم القيامة يجزيك باحسانك اليهما وصبرك على دينك ويحشرك مع الصالحين لا فى زمرة والديك وان كنت أقرب الناس اليهما فى الدنيا فان المرء انما يحشر يوم القيامة مع من أحب أى حبا دينيا ولهذا قال سبحانه وتعالى " وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِي ٱلصَّٰلِحِين " الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجنة ويحشرهم مع الصالحين فلا ينفع الانسان الا ايمانه وعمله فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، وقال الترمذى عن سماك بن حرب قال : سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد بن أبى وقاص قال " نزلت فى أربع آيات فذكر قصته مع أمه وقال : قالت أم سعد : أليس الله قد أمرك بالبر ؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر " قال فكانوا اذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها ( أى يطعموها عنوة بالقوة ) فنزلت الآية ،وهذا الحديث رواه الامام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى وقال الترمذى حسن صحيح .

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَ لَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٠ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ ١١

يقول الله تعالى مخبرا عن صفات قوم من المكذبين الذين يدعون الايمان بألسنتهم ولم يثبت الايمان فى قلوبهم  " وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ " اذا جاءتهم محنة وفتنة فى الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم فارتدوا عن الاسلام قال ابن عباس يعنى فتنته أن يرتد عن دينه اذا أوذى فى الله وهذا كقوله تعالى " ومن الناس من يعبد الله على حرف فان أصابه خير اطمأن به وان أصابته فتنة انقلب على وجهه " ، "  وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ " يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لئن جاء نصر قريب من ربك وفتح ومغانم ليقولن هؤلاء لكم انا كنا معكم أى اخوانكم فى الدين كما قال تعالى " الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وان كان للكافرين نصيب قالو ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين " ، " أَوَ لَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يوبخهم الله ويلومهم فيقول أليس الله بأعلم بما فى قلوبهم وما تكنه ضمائرهم وان أظهروا لكم الموافقة ؟ ، "  وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ " أى وليختبرن الله الناس بالضراء والسراء ليتميز هؤلاء من هؤلاء من يطيع الله فى الضراء والسراء ومن انما يطيعه فى حظ نفسه كما قال تعالى " ولنبونك حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم " وقال الله تعالى بعد موقعة أحد التى كان ما كان فيها من الاختبار والابتلاء " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب"  .

 وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَٰيَٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَٰمِلِينَ مِنۡ خَطَٰيَٰهُم مِّن شَيۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١٢ وَلَيَحۡمِلُنَّ أَثۡقَالَهُمۡ وَأَثۡقَالٗا مَّعَ أَثۡقَالِهِمۡۖ وَلَيُسَۡٔلُنَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ١٣

" وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا " يقول الله تعالى مخبرا عن كفار قريش أنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى : ارجعوا من دينكم الى ديننا واتيعوا سبيلنا ، " وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَٰيَٰكُمۡ " يقولون لهم نحن نتحمل آثامكم ان كانت لكم آثام فى ذلك علينا وفى رقابنا كما يقول القائل افعل هذا وخطيئتك فى رقبتى ،"وَمَاهُم بِحَٰمِلِينَ مِنۡ خَطَٰيَٰهُم مِّن شَيۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ " هم كاذبون فيما يدعون وفيما قالوه أنهم يحتملون عن أولئك خطاياهم فانه لا يحمل أحد وزر أحد كما قال تعالى " وان تدع مثقلة الى حملها لا يحمل منه شىء ولو كان ذا قربى " ، " وَلَيَحۡمِلُنَّ أَثۡقَالَهُمۡ وَأَثۡقَالٗا مَّعَ أَثۡقَالِهِمۡ " هذا اخبار عن الدعاة الى الكفر والضلالة أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزار أخرى بسبب ما أضلوا من الناس من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئا كما قال تعالى " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغيرعلم " وفى الصحيح " من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه الى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من اتبعه الى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئا" ، " وَلَيُسَۡٔلُنَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ " يكون حساب هؤلاء الضالين المضلين يوم القيامة عما كانوا يكذبون ويختلقون من البهتان وفى الصحيح " ان الرجل ليأتى يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا وأخذ مال هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته فاذا لم تبق له حسنة أخذ من سيئاتهم فطرح عليه " .

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ ١٤ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٥

 " وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا " هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يخبره عن نوح عليه السلام أنه مكث فى قومه ألف سنة الا خمسين عاما أى تسعمائة وخمسين عاما مكث فى قومه هذه المدة يدعوهم الى الله تعالى ليلا ونهارا وسرا وجهارا ومع هذا ما زادهم الا فرارا ونفورا وبعدا عن الحق واعراضا عنه وما آمن معه الا قليل ، " فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ " كان جزاءهم من الله بعد هذه المدة الطويلة وما نجح فيهم البلاغ والانذار أن أغرقهم جميعا بالطوفان جراء كفرهم وظلمهم ، فأنت يا محمد لا تأسف على من كفر بك من قومك ولا تحزن عليهم فان الله يهدى من يشاء ويضل من يشاء وبيده الأمر واليه ترجع الأمور وأعلم أن الله سيظهرك وينصرك ويؤيدك ويذل عدوك ويكبتهم ويجعلهم أسفل سافلين ، "  فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ" نجى الله نوح عايه السلام ومن كان معه ، " وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ " يقول الله تعالى وجعلنا تلك السفينة باقية لتكون عبرة للناس وعظة ودليل على قدرة الله  كما قال قتادة أنها بقيت الى أول الاسلام على جبل الجودى تذكرة لنعم الله على الخلق كيف أنجاهم من الطوفان كما قال تعالى " انا لما طغى الماء حملناكم فى الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية " .

وَإِبۡرَٰهِيمَ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُۖ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١٦ إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ١٧ وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ١٨

 يخبر الله عن عبده ورسوله وخليله ابراهيم امام الحنفاء أنه دعا قومه الى عبادة الله وحده لا شريك له والاخلاص له فى التقوى وطلب الرزق منه وحده لا شريك له ، وتوحيده فى الشكر فانه المشكور على النعم لا يسدى لها غيره" وَإِبۡرَٰهِيمَ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ " أمر ابراهيم عليه السلام قومه باخلاص العبادة لله والخوف منه وخشيته ، " ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " يقول ابراهيم عليه السلام لقومه اذا فعلتم ذلك حصل لكم الخير فى الدنيا والآخرة واندفع عنكم الشر فى الدنيا والآخرة ، " إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا " يوبخ ابراهيم قومه بأن الأصنام التى يعبدونها لا تضر ولا تنفع وانما اختلقوا لها أسماء فسموها آلهة وانما هى مخلوقة مثلهم وقال ابن عباس وتصنعون افكا أى تنحتون أصناما وهى لا تملك لكم رزقا ، "  فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ " أمر ابراهيم عليه السلام قومه أن يطلبوا الرزق من الله لا عند غيره فان غيره لا يملك شيئا ، " وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُ " يقول لهم كلوا من رزق الله واعبدوه وحده واشكروا له على ما أنعم به عليكم ، " إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " الرجعة الى الله وحده يوم القيامة فيجازى كل عامل بعمله ، "  وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ " لستم أنتم المكذبين وحدكم فقد كذبت أمم من قبلكم فبلغكم ما حل بهم من العذاب والنكال فى مخالفة الرسل ، " وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ " انما على الرسول أن يبلغكم ما أمره الله تعالى به من الرسالة والله يضل من يشاء ويهدى من يشاء فاحرصوا لأنفسكم أن تكونوا من السعداء .

 أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ١٩ قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٠ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرۡحَمُ مَن يَشَآءُۖ وَإِلَيۡهِ تُقۡلَبُونَ ٢١ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ ٢٢ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحۡمَتِي وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢٣

  " أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير" يقول الله تعالى مخبرا عن الخليل عليه السلام أنه أرشد قومه الى اثبات المعاد الذى ينكرونه بما يشاهدونه فى أنفسهم من خلق الله اياهم بعد أن لم يكونواشيئا مذكورا ثم وجدوا وصاروا اناسا سامعين مبصرين فالذى بدأ هذا الخلق قادر على اعادته فانه سهل عليه يسير لديه ، " قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير" أرشد ابراهيم عليه السلام  قومه الى الاعتبار بما فى الآفاق من الآيات المشاهدة من خلق الله الأشياء : السموات وما فيها والأرض وما فيها كل ذلك دال على حدوث الخلق واستمراره وتكراره فهذا دليل على وجود الصانع الفاعل المختار الذى يقول للشىء كن فيكون كقوله تعالى " وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " والنشأة الآخرة هى يوم البعث يوم القيامة كقوله تعالى " سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " وكقوله " أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون " ، " يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرۡحَمُ مَن يَشَآءُ " الله هو الحاكم المتصرف الذى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فله الخلق والأمر ، " وَإِلَيۡهِ تُقۡلَبُونَ " الى الله وحده المرجع يوم القيامة ، "  وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ " لا يعجز الله أحد من أهل سمواته وأرضه يل هو القاهر فوق عباده فكل شىء خائف منه فقير اليه وهو الغنى عما سواه ، " وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِير" لا ناصر لكم ولا مجير ولا منقذ ولا مؤيد الا الله وحده ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحۡمَتِي وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم" والذين كفروا بآيات الله وجحدوها وأنكروها وكذبوا بها وبالرسل وكفروا بالمعاد والبعث يوم القيامة لا نصيب لهم فى رحمة الله ومصيرهم الى العذاب الموجع الشديد فى الدنيا والآخرة .

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٢٤ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا مَّوَدَّةَ بَيۡنِكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضٖ وَيَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٢٥

 "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ " يقول الله تعالى مخبرا عن قوم ابراهيم فى كفرهم وعنادهم ومكابرتهم ودفعهم الحق بالباطل أنهم ما كان لهم جواب بعد مقالة ابراهيمعليه السلام المشتملة على الهدى والبيان الا أن يتوجهوا الى قتل ابراهيم أو حرقه لأنهم قام عليهم البرهان وتوجهت عليهم الحجة فعدوا الى استعمال جاههم وقوة ملكهم وبطشهم كما قال تعالى فى آية أخرى " قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه فى الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين " حشدوا فى جمع أحطاب عظيمة مدة طويلة وحوطوا حولها ثم أضرموا فيها النار فارتفع لها لهب الى عنان السماء ثم عهمدوا الى ابراهيم فكتفوه وألقوه فى كفة المنجنيق وقذفوه فيها ، " فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ " أنجى الله ابراهيم عليه السلام وجعل الله عليه النار بردا وسلاما وخرج منها سالما بعد ما مكث فيها أياما وفى هذا عبرة لمن يؤمن بالله ويثق فى نصره ، " وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا مَّوَدَّةَ بَيۡنِكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ " يقول ابراهيم عليه السلام لقومه مقرعا لهم وموبخا على سوء صنيعهم فى عبادتهم للأوثان انما اتخذتم هذه لتجتمعوا على عبادتها فى الدنيا صداقة وألفة منكم بعضكم لبعض فى الحياة الدنيا وفى قول آخر انما اتخذتم هذه الأوثان لتحصل لكم المودة فى الدنيا فقط ثم يوم القيامة ينعكس هذا الحال فتبقى هذه الصداقة والمودة بغضا وشنآنا ، " ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضٖ وَيَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا " ويوم القيامة تتاحجون ما كان بينكم فيلعن الأتباع المتبوعين والمتبوعون الأتباع كما قال تعالى " كلما دخلت أمة لعنت أختها " وكما قال " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين " ، " وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّٰصِرِينَ " ثم يكون مصيركم بعد عرصات القيامة الى النار وما لكم من ناصر ينصركم ولا منقذ ينقذكم من عذاب الله وهذا حال الكافرين .

۞فََٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٦ وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَجۡرَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٢٧

" فََٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ " يقول الله تعالى مخبرا عن ابراهيم أنه آمن له لوط يقال انه ابن أخ ابراهيم ولوطا عليه السلام آمن بابراهيم عليه الاسلام وهاجر معه الى الشام ثم أرسل فى حياة الخليل الى أهل سدوم وأقام بها ، " وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓ" يحتمل عودة الضمير على ابراهيم وعلى لوط وهو الأقرب أنه القائل وأنه اختار المهاجرة من بين أظهر قومه ابتغاء اظهار الدين والتمكن من ذلك ، "  إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " الله الذى له العزة الحكيم فى أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية وقال قتادة هاجرا جميعا من كوثى وهى من سواد الكوفة الى الشام ، " وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ " لما فارق ابراهيم عليه السلام قومه أقر الله عينه بوجود ولد صالح نبى وولد له ولد صالح نبى فى حياة جده كما فى قوله " فبشرناه باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب " وكون يعقوب ولد اسحاق نص عليه القرآن وثبتت به السنة النبوية كما قال تعالى " أم كنتم شهداء اذا حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد الهك واله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا " وقال ابن عباس " ووهبنا له اسحاق ويعقوب " هما ولدا ابراهيم ومعنى أن ولد الولد بمنزلة الولد لايكاد يخفى على من هو دون ابن عباس ، "  وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ " هذه خلعة سنية عظيمة مع اتخاذ الله ابراهيم عليه السلام خليلا وجعله للناس اماما أن جعل فى ذريته النبوة والكتاب فلم يوجد نبى بعد ابراهيم عليه السلام الا وهو من سلالته فجميع أنبياء بنى اسرائيل من سلالة يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم حتى كان آخرهم عيسى بن مريم فقام فى ملئهم مبشرا بالنبى العربى القرشى الهاشمى خاتم الرسل والذى اصطفاه الله من صميم العرب من سلالة اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ، ولم يوجد نبى من سلالة اسماعيل سواه عليه أفضل الصلاة والسلام ، " وَءَاتَيۡنَٰهُ أَجۡرَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " جمع الله لابراهيم عليه السلام بين سعادة الدنيا الموصولة بسعادة الآخرة فكان له فى الدنيا الرزق الواسع الهنى والمنزل الرحب والمورد العذب والزوجة الحسنة الصالحة والثناء الجميل والذكر الحسن وقال تعالى " وآتيناه أجره فى الدنيا وانه فى الآخرة لمن الصالحين " .

وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٨ أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٢٩ قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٣٠

" وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يقول الله تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام أنه أنكر على قومه سوء صنيعهم ، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال ولم يسبقهم الى هذه الفعلة أحد من بنى آدم قبلهم ، " أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ " وهذه الفعلة هى اتيانهم الذكران من العالمين وكانوا مع هذا يكفرون بالله ويكذبون رسوله ويخالفونه ويقطعون السبيل أى يقفون فى طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم ، " وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَر " وكانوا يفعلون ما لا يليق من الأقوال والأفعال فى مجالسهم التى يجتمعون فيها لا ينكر بعضهم على  بعض شيئا من ذلكقفمن قائل كانوا يأتون بعضهمبعضا فى الملأ ، " فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " وكان رد قومه عليه هو تحديه أن ينزل عليهم العذاب كما توعدهم وهذا منكفرهم واستهزائهم وعنادهم ، " قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُفۡسِدِينَ " استنصر نبى الله على قومه وفسادهم وتحديهم وطلب من الله أن يريهم آياته ويخرجه منهم .

وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ ٣١ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطٗاۚ قَالُواْ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَن فِيهَاۖ لَنُنَجِّيَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ ٣٢ وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗاۖ وَقَالُواْ لَا تَخَفۡ وَلَا تَحۡزَنۡ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهۡلَكَ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ ٣٣ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰٓ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ٣٤ وَلَقَد تَّرَكۡنَا مِنۡهَآ ءَايَةَۢ بَيِّنَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ٣٥

" وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ " لما استنصر لوط عليه السلام بالله عز وجل على قومه بعث الله لنصرته ملائكته فمروا على ابراهيم عليه السلام فى هيئة أضياف فجاءهم بما ينبغى للضيف أخبروه بأنهم أرسلوا لهلاك قوم لوط وقالوا له انا مهلكوا أهل هذا البلد الكافرين الذين تجاوزا الحد ،"  قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطٗاۚ قَالُواْ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَن فِيهَاۖ لَنُنَجِّيَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ " لما قالوا له أنهم مهلكوا هذه القرية رد عليهم أن فيها لوط فردوا عليه أنهم أعلم بمن فى هذه القرية من الصالحين والفاسدين وأنهم سوف ينجونه وأهله ومن اتبعه الا امرأته فانها من الهالكين لأنها كانت تمالىء قومها على كفرهم وبغيهم ، "  وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗاۖ " سار الملائكة الى لوط عليه السلام فدخلوا عليه فى صورة شبان حسان فلما رآهم كذلك اغتم بأمرهم ان هو أضافهم خاف عليهم من قومه وان لم يضفهم خشى عليهم منهم ولم يعلم بأمرهم فى الساعة الراهنة ، " وَقَالُواْ لَا تَخَفۡ وَلَا تَحۡزَنۡ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهۡلَكَ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ " هدأ الملائكة من روع لوط عليه السلام ومن حزنه وبشروه بنجاته واهلاك قومه ما عدا امرأته فهى هالكة مع قومها ، " إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰٓ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ * وَلَقَد تَّرَكۡنَا مِنۡهَآ ءَايَةَۢ بَيِّنَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ " قالوا له أنه سينزلون بهذه القرية العذاب من السماء وذلك أن جبريل عليه السلام اقتلع قراهم من قرار الأرض ثم رفعها الى عنان السماء ثم قلبها عليهم وجعل الله مكانها البحر الميت وهو عبارة عن بحيرة خبيثة منتنة وجعلهم عبرة الى يوم التناد وهم من أشد الناس عذابا يوم المعاد وهم آية واضحة لمن يرى ويعقل ويتدبر كما قال تعالى " وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون " .  

وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗا فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرۡجُواْ ٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ ٣٦ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ ٣٧

" وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗا فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرۡجُواْ ٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ" يخبر الله تعالى عن عبده ورسوله شعيب عليه السلام أنه أنذر قومه أهل مدين فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له وأن يخافوا بأس الله ونقمته وسطوته يوم القيامة ونهاهم عن العيث فى الأرض بالفساد وهو السعى فيها والبغى على أهلها وذلك أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان ويقطعون الطريق على الناس هذا مع كفرهم بالله ورسوله ، " فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ " جراء تكذيبهم ما أرسل الله به رسوله وكفرهم بالله أهلكهم الله برجفة عظيمة زلزلت عليهم بلادهم وصيحة أخرجت القلوب من حناجرها ، وعذاب يوم الظلة الذى أزهق الأرواح من مستقرها انه كان عذاب يوم عظيم وقد تقدم ذكرهم فى سور الأعراف وهود والشعراء فأصبحوا فى ديارهم ميتين كما قال قتادة وقال غيره قد ألقى بعضهم على بعض .

وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمۡۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسۡتَبۡصِرِينَ ٣٨ وَقَٰرُونَ وَفِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانُواْ سَٰبِقِينَ ٣٩ فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٤٠

" وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِم " يخبر الله تعالى عن كيف أباد وأهلك الأمم المكذبة للرسل وكيف أبادهم وتنوعه فى عذابهم وأخذهم بالانتقام منهم فعاد قوم هود عليه السلام وكانوا يسكنون الاحقاف وهى قريبة من حضرموت بلاد اليمن ، وثمود قوم صالح كانوا يسكنون الحجر قريبا منوادى القرى ،وكانت العرب تعرف مساكنهما جيدا وتمر عليها كثيرا ،  ، " وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسۡتَبۡصِرِينَ " فهم قد اتبعوا الشيطان وأبعدهم عن طريق الله وكانت الأمور لديهم واضحة بينة على يد رسلهم ولكنهم كذبوا وعاندوا فى الحق ، "  وَقَٰرُونَ وَفِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانُواْ سَٰبِقِينَ " وذكر الله تعالى فيمن أهلكهم قارون صاحب الأموال الجزيلة ومفاتيح الكنوز التقيلة وفرعون مصر فى زمان موسى ووزيره هامان الكافران بالله تعالى وهم قد كذبوا موسى عليه السلام وعلوا فى الأرض وتجبروا ولم يسبقهم أحد فى تجبرهم وجبروتهم ،" فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦ " وكل واحد من هؤلاء كانت عقوبته بما يناسبه ويستحقه ، " فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا " منهم من أرسل عليه الريح المهلكة وهم عاد وذلك أنهم قالوا من أشد منا قوة فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد عاتية شديدة الهبوب جدا تحمل عليها حصباء الأرض فتلقيها عليهم وتقتلعهم من الأرض فترفع الرجل منهم الى عنان السماء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى بدنا بلا رأس كأنهم أعجاز نخل منقعر، "وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ " من أخذته الصيحة هم ثمود قامت عليهم الحجة وظهرت لهم الدلالالة من تلك الناقة التى انفلقت عنها الصخرة مثل ما سألوا سواء بسواء ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم وكفرهم وتهددوا نبى الله صالح عليه السلام ومن آمن معه وتوعدوهم بأن يخرجوهم ويرجموهم فجاءتهم صيحة أخمدت ألصوات منهم والحركات ، " وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ " من خسف به الله الأرض هو قارون الذى طغى وبغى وعتا وعصى الرب ومشى فى الأرض مرحا وفرحا وتاه بنفسه وأعتقد أنه أفضل من غيره واختال فى مشيه فخسف الله به وبداره الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة ، "  وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَا " من أغرق الله هو فرعون وهامان وجنودهما عن آخرهم أغرقوا فى صبيحة فلم ينجو منهم أحد ، " وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ " الله لم يظلم هؤلاء فيما فعل بهم ، "  وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ "انما فعل الله بهم ذلك جزاءا وفاقا بما كسبت أيديهم .

مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٤١ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٤٢ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ ٤٣

" مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ * إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين فى اتخاذهم آلهة من دون الله يرجون نصرهم ورزقهم ويتمسكون بهم فى الشدائد فهم فى ذلك كبيت العنكبوت فى ضعفه ووهنه فليس فى أيدى هؤلاء من آلهتهم الا كمن يتمسك ببيت العنكبوت فانه لا يجدى عنه شيئا فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله وهو مع ذلك يحسن العمل فى اتباع الشرع فانه متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها ثم قال تعالى متوعدا لمن عبد غيره وأشرك به أنه تعالى يعلم ما هم عليه من ألعمال ويعلم ما يشركون به من الأنداد وسيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم  ، " وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ " هذه الأمثال التى يضربه الله للناس لا يفهمها ويتدبرها الا الراسخون فى العلم المتضلعون منهن ، وفى هذه الآية من الاعجاز العلمى ما كشفه العلم الحديث من أن الوهن فى بيت العنكبوت هو وهن معنوى أيضا فأنثى العنكبوت تقتل زوجها بعد التناسل وكذلكالوهن المادى أنك اذا وضعت يدك على ما يتخذه العنكبوت من نسيج ينهار تحت يدك .

 خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٤ ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ ٤٥

" خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ" يقول الله تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أنه خلق السموات والأرض بالحق يعنى لاعلى وجه العبث واللعب ويثبت العلم الحديث بمكتشفاته قدرة الله فى خلقه وكونه فى الصغيرة قبل الكبيرة مما يحتاج الى صفحات لابراز الاعجاز فى خلق الله وقدرته ، "  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ" فيما خلق الله آيات ودلالات على عظمة الله وقدرته لمن يؤمنون به على أنه تعالى المتفرد بالخلق والتدبير والالهية ، "  ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ " يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بتلاوة القرآن وهو قراءته وابلاغه للناس ، "  وَأَقِمِ ٱلصلاٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ" أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين باقامة الصلاة وهى تشتمل على شيئين على ترك الفواحش والمنكرات أى أن مواظبتها تحمل على ترك ذلك وقد جاء فى الحديث من رواية عمران وابن عباس مرفوعا " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله الا بعدا ، " وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ" يقول ابن عباس ولذكر الله لعباده أكبر اذا ذكروه من ذكرهم اياه وقال الله تعالى " فاذكرونى أذكركم " فلذكر الله ايانا أكبر من ذكرنا اياه  ، " وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ " والله يعلم جميع أعمالكم وأقوالكم .

No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...