Grammar American & British

Sunday, January 30, 2022

24 - ) تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم - تفسير الجزء الرابع والعشرين

24 - ) تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم 

تفسير الجزء الرابع والعشرين

سورة الزمر

فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدۡقِ إِذۡ جَآءَهُۥٓۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡكَٰفِرِينَ ٣٢ وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ٣٣ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٣٤ لِيُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٣٥

يقول الله تعالى مخاطبا للمشركين الذين افتروا على الله وجعلوا معه آلهة أخرى وادعوا أن الملائكة بنات الله وجعلوا لله ولدا تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ومع هذا كذبوا بالحق اذ جاءهم على ألسنة رسل الله صلوات الله عليهم أجمعين" فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدۡقِ إِذۡ جَآءَهُ"لا أحد أكثر ظلما من هذا الكافر المكذب لأنه جمع بين طرفى الباطل كذب على الله عز وجل وكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الباطل وردوا الحق ولهذا قال جلت عظمته متوعدا لهم "أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡكَٰفِرِينَ " اقرار من الله بحقيقة أن جهنم ستكون الاقامة الدائمة للكافرين الجاحدين المكذبين ، " وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦ"الذى جاء بالصدق كما قال مجاهد وغيره هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال السدى الذى جاء بالصدق هو جبريل عليه السلام والذى صدق به هو محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس من جاء بلا اله الا الله وصدق به يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن مجاهد أن هذا القول يشمل كل المؤمنين فان المؤمنين يقولون الحق ويعملون به والرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس بالدخول فى هذه الآية فانه جاء بالصدق وصدق المرسلين وآمن بما أنزل اليه من ربه كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم " والذى جاء بالصدق " هو رسول الله صلى الله عليه وسلم"وصدق  به " قال المسلمون ،" أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ " قال ابن عباس أولئك هم من اتقوا الشرك ،"لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ " أى لهم فى الجنة كل ما طلبوا ومهما طلبوا وجدوا وهذا جزاء الله لمن أحسن عمله وأحسن الى العباد ، " لِيُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " ومن جزاء الله لعباده أن الله يتجاوز عن سيئاتهم ويبدلهم بسيئاتهم حسنات ويجزيهم أحسن الجزاء بافضل مما كانوا يعملون فالحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف وهذا كقوله تعالى " أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فى أصحاب الجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون " .

أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ ٣٦ وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٖ ذِي ٱنتِقَامٖ ٣٧ وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ ٣٨ قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ ٣٩ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ ٤٠

"أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُ" يقول الله تعالى أنه يكفى من عبده وتوكل عليه وهذا التساؤل يمكن أن يفيد التحقق من هذا الأمر بالرد نعم كاف عبده وكذلك التعجب من تصرف البشر فهم دائما فى نهم دائم فى الحياة الدنيا ولا يشبعون الا من رحم الله وهووحده الجدير بالتوكل عليه والاكتفاء به ولن يستطيع أحد أن يقدمشيئا أو أن يفعل شيئا الا بمشيئة الله وكفايته  وعن فضالة بن عبيد الأنصارى رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أفلح من هدى الى الاسلام وكان عيشه كفافا وقنع به" ،"وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ" المشركون يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التى يدعونها من دون الله جهلا منهم وضلالا ولهذا قال الله عز وجل " وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَاد" يرد الله عزوجل على هؤلاء المشركين أنه وحده الذى بيده أن يضل من يشاء ومن يضله فلا هادى له ، " وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّ" ومن يهدى الله الى الحق والطريق المستقيم فلا مضل له ، " أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٖ ذِي ٱنتِقَام"وهذا تساؤل آخر يفيد التحقق والرد بنعم الله هو العزيز أى منيع الجانب لا يضام من استند الى جنابه ولجأ بابه فانه العزيز الذى لا أعز منه ولا أشد انتقاما منه ممن كفر به وأشرك وعاند رسوله صلى الله عليه وسلم ، " وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ " يعنى أن المشركين كانوا يعترفون أن الله عز وجل هو الخالق للأشياء كلها ومع هذا يعبدون معه غيره مما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولهذا قال تعالى "  قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِ" يتوجه الله للمشركين يخبرهم أن ما تدعون من دون الله لا يملكون نفعا ولا ضرا ولا تستطيع شيئا من الأمر والله وحده هو القادر على النفع والضر فلا يستطيع أحد أن يدفع ضره ولا يستطيع أحد أن يمسك رحمته وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة ، اذا سألت فاسأل الله ، واذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشىء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك ، جفت الصحف ورفعت الأقلام واعمل لله بالشكر فى اليقين ، واعلم أن فى الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا " ، "  قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ"يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد على هؤلاء ويقول الله هوحسبى أى الله وحده كافى ، "عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ "  فالاعتماد والاتكال لمن أراد أت يتوكل هو على الله وحده كما قال هود عليه السلام وهو يرد على قومه " ان نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال انى أشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون * انى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم " وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما فى يد الله عز وجل أوثق منه بما فى يديه ، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل " ، " قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ " يقول الله تعالى مهددا ومتوعدا للمشركين ومخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم اعملوا على طريقتكم أى بما تشاءون أن تعملوا وأنا أعمل على طريقتى ومنهجى الذى أرسله الله الى من الحق فسوف تعلمون غب ذلك ووباله،"مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ " ستعلمون من سيحل به العذاب المخذى المذل فى الدنيا والآخرة ويحل عليه العذاب الدائم المستمر فى جهنم الذى لا محيد عنه يوم القيامة .

إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ ٤١ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٤٢

" إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ" يقول الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه نزل عليه الكتاب وهو القرآن لجميع الخلق من الانس والجن لينذرهم به وهو الحق منزل من عند الله لا ريب فيه كماقال " ذلك الكتاب لا ريب فيههدى للمتقين " ، " من فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِ" ومن اتبع الحق واهتدى اليه فانما يعود نفع ذلك الى نفسه ، " وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَا" وكذلك من بعد عن الحق واتبع طريق الضلالة انما يرجع وبال ذلك على نفسه ، " وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ " ويقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم انك لست عليهم بموكل أن يهتدوا كما فى قوله " انما أنت نذير والله على كل شىء وكيل " وكما قال له " انما عليك البلاغ وعلينا الحساب " ، يقول الله تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة  " ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا " سبحانه وتعالى هو المتصرف فى الوجود بما يشاء وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى التى لا بعدها حياة فى الدنيا الى يوم البعث بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان ، " وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ" وكذلك بيده الوفاة الصغرى عند المنام ، " فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّى" التى كتب الله عليها الموت من الأنفس يمسك الله عنها الحياة بالموتة الكبرى أما الأنفس التى لم يكتب عليه الموت يبعثها من نومها حتى ينقضى أجلها المسمى عنده فالموت عند الله موتان الكبرى وهى قبض الأنفاس والصغرى فى النوم حيث ينام الانسان لا حراك فهو يدخل فى عالم آخر لا يدرى ما يدور من حوله حتى يستيقظ من نومه وقد أثبت العلم الحديث ما بلغ به القرآن وكانت هذه الآية سببا فى اسلام أحد العلماء كما قال تعالى " وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم يتبئكم بمل كنتم تعملون ، وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى اذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون " ذكر الله تعالى فى هذه الآية الموتة الصغرى ثم يذكر الموتة الكبرى وفى الآية التى وردت فى هذه السورة ذكر الموتة الكبرى ثم الصغرى وكأن الموت سيان فى الحياة الدنيا وبعد انقضاء الحياة الدنيا فكل بعث ولعل الانسان يتعظ بما يشاهد فى الحياة الدنيا ولا يكذب بالبعث والنشور ولكن الكافر والمشرك على قلبه أقفال لا يفهم ولا يعقل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفضه بداخلة ازاره فانه لا يدرى ما خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربى وضعت جنبى وبك أرفعه ان أمسكت نفسى فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " وقال بعض السلف يقبض أرواح الأموات اذا ماتوا وأرواح الأحياء اذا ناموا فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف "فيمسك التى قضى عليها الموت " أى التى قد ماتت ويرسل الأخرى التى كتب لها الحياة قال السدى الى بقية أجلها وقال ابن عباس يمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء ولا يغلط ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ " فى هذا الذى خلقه الله أدلة على قدرته والوهيته لمن له عقل يتفكر به ويتدبر .

أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَۚ قُلۡ أَوَلَوۡ كَانُواْ لَا يَمۡلِكُونَ شَيۡٔٗا وَلَا يَعۡقِلُونَ ٤٣ قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗاۖ لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٤٤ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ٤٥

" أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ"  يقول الله تعالى ذاما للمشركين فى اتخاذهم شفعاء من دون الله وهم الأصنام والأنداد التى اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل ولا برهان هداهم على ذلك باستخدام كلمة " أم" وهى تفيد الذم واللوم على الفعل  ،"  قُلۡ أَوَلَوۡ كَانُواْ لَا يَمۡلِكُونَ شَيۡٔٗا وَلَا يَعۡقِلُونَ "وهى لا تملك من ألأمر شيئا بل وليس لها عقل تعقل به ولا سمع تسمع به ولا بصر تبصر به بل هى جمادات أسوأ حالا من الحيوان بكثير ، " قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗا" ثم قال الله تعالى قل يا محمد (صلى الله عليه وسلم) لهؤلاء الزاعمين ان ما اتخذوه شفعاء لهم عند الله تعالى وأخبرهم كذلك أن الشفاعة لا تنفع عند الله الا لمن ارتضاه وأذن له فمرجعها كلها اليه كقوله تعالى" من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه"،"لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ" فالله عز وجل هو المتصرف فى جميع السموات والأرض وما فيها   ، " ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " الكل يرجع الى الله يوم القيامة فيحكم بينكم بعدله ويجزى كلا بعمله ،" وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ" يقول الله تعالى عن المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة  اذا قيل لا اله الا الله وحده اشمأزت قلوبهم أى انقبضت قلوبهم كما قال مجاهد وقال قتادة كفرت واستكبرت كما قال تعالى " انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون " أى عن المتابعة والانقياد لها فقلوبهم لا تقبل الخير ومن لا يقبل الخير يقبل الشرك ولهذا قال تعالى " وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ " اذا ذكر الذين من دون الله من الأصنام والأنداد قال مجاهد اذا هم يفرحون ويسرون .

قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٤٦ وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ ٤٧ وَبَدَا لَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٤٨

يقول الله تبارك وتعالى بعد ما ذكر عن المشركين من المذمة لهم فى حبهم الشرك ونفرتهم عن التوحيد "قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ " قل يامحمد أو أيها المؤمن وتوجه بالدعوة الى الله وحده لا شريك له أنك أنت الله خالق السموات والأرض وأنت عالم السر والعلانية وحدك ، " أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ " أنت يا الله محدك الذى تحكم عبادك فى دنياهم وستفصل بينهم يوم معادهم ونشورهم وقيامهم من قبورهم فيما اختلفوا فيه من الحق والباطل والكفر والايمان بميزان عدلك وتجازى كل بعمله انخيرا فخير وان شرا فشر وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : سألت عائشة رضى الله عنها بأى شىء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته اذا قام من الليل ؟ قالت رضى الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام من الليل افتتح صلاته " اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والسهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنى لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم " وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة انى أعهد اليك فى هذه الدنيا أنى أشهد أن لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك فانك ان تكلنى الىنفسى تقربنى من الشر وتباعدنى من الخير ، وانى لا أثق الا برحمتك فاجعل لى عندك عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد الا قال الله عز وجل لملائكته يوم القيامة ان عبدى قد عهد الى عهدا فأوفوه اياه فيدخله الله الجنة " وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا نقول : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شىء ، أشهد أن لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك والملائكة شهدون ، أعوذ بك من الشيطان وشركه أ وأعوذ بك أن أقترف على نفسى اثما أو أجره الى مسلم " قال أبوعبد الرحمن رضى الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن يقول ذلك حين يريد أن ينام ، " وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ" الذين ظلموا هم الكفار والمشركون لو أن جميع ما فى الأرض وضعفه معه أرادوا أن يفتدوا به من العذاب الذى أوجبه الله تعالى يوم القيامة لا يقبل منهم الفداء ولو كان ملء الأرض ذهبا ، " وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ " وظهر لهؤلاء الكفار من الله من العذاب والنكال بهم ما لم يكن فى بالهم ولا فى حسابهم ،" وَبَدَا لَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا كَسَبُواْ " وظهر لهؤلاء جزاء ما اكتسبوا فى الدار الدنيا من المحارم والمآثم ، " وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " وأحاط بهم من العذاب والنكال ما كانوا يستهزئون به فى الدار الدنيا .

فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۢۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٩ قَدۡ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٥٠ فَأَصَابَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا كَسَبُواْۚ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ هَٰٓؤُلَآءِ سَيُصِيبُهُمۡ سَئَِّاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُم بِمُعۡجِزِينَ ٥١ أَوَ لَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٥٢ ۞

"فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡم" يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن الانسان أنه فى حال الضراء يتضرع الى الله عز وجل وينيب اليه ويدعوه واذا خوله الله وأنعم عليه بنعمة منه بغى وتجبر وتكبر وطغى وأدعى أن ما لديه من هذه النعمة وهذا الخير لأن الله يعلم من استحقاقه له ولولا أنه عند الله خصيص لما خوله هذا وقال قتادة " على علم عندى " على خبر عندى ويمكن أن نقول أن هناك من يدعى أن ما لديه من مال وفير وخير انما حققه لما يملكه من علم وينسى فضل الله عليه ويغتر وهذه النماذج كثيرة فى عصرنا الحالى  كما قال قارون " قال انما أوتيته على علم عندى" ، " بَلۡ هِيَ فِتۡنَة" ليس الأمر كما زعم الانسان بل الله انما انعم عليه بهذه النعمة ليختبره فيما أنعم عليه أيطيع ويشكر أم يعصى ويجحد ويكفر ويعصى ومع علم الله بذلك فهى فتنة أى اختبار من الله، "وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ " ولأن أكثر هؤلاء لا يعلمون الحق فهم يقولون ما يقولون ويدعون ما يدعون من الجهل وعدم العلم ولكن بالادعاء الباطل ،" قَدۡ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ " قد قال هذه المقالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم ، " فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ " فما صح قولهم ولا نفعهم جمعهم وما كانوا يكسبون ، " فَأَصَابَهُمۡ سَئَِّاتُ مَا كَسَبُواْۚ " نالهم ووقع بهم من سوء جزاء ما فعلوه وأدعوه ، " وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ هَٰٓؤُلَآءِ سَيُصِيبُهُمۡ سَئَِّاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُم بِمُعۡجِزِينَ " وكذلك هؤلاء الذين ارتكبوا المعصية وهذا الاثم من هؤلاء المخاطبين سيقع بهم ويصيبهم كذلك ما أصاب أولئك ولا هم يستعصون على قدرة الله ولا يعجزونها بل سيقع بهم ويحيق بهم ما وقع وحاق بمن قبلهم كما قال تعالى عن قارون أنه قال له قومه " لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله اليك ولا تبغ الفساد فى الأرض ان الله لا يحب المفسدين * قال انما أوتيته على علم عندى أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون " وكقوله تعالى " وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " ،"أَوَ لَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ" يقول الله لهؤلاء منبها لهم وموبخا على جهلهم ألا تعلموا أن الله هو الرزاق وبيده الرزق يوسعه على قوم ويضيقه على آخرين بعلمه وحكمته ،"إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ " فى كل هذا الذى يقع لعبرا وحججا لمن يعلم ويعتبر ويؤمن بقدر الله وقدرته واستطاعته .

قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣ وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ٥٤ وَٱتَّبِعُوٓاْ أَحۡسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةٗ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ ٥٥ أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَ ٥٦ أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٥٧ أَوۡ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِي كَرَّةٗ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٨ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَتۡكَ ءَايَٰتِي فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٥٩

هذه الآيات الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم الى التوبة والانابة " قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ " يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه القول لعباده الذين عصوه وارتكبوا الكثير من الذنوب والمعاصى واسرفوا فى المعصية ان لا ييأسوا من رحمة الله بهم وأنها لن تشملهم لما فعلوه من المعاصى وأنه لن تقبل منهم توبة فان الله رحمته وسعت كل شىءفالله يقبل التوبة ويغفر جميع الذنوب صغيرها وكبيرها  فالله برحمته وهو الرحيم بعباده يتوب ويغفر لهم فهو الغفار لكل  الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها وان كانت مهما كانت وان كثرت وكانت مثل زبد البحر الا الشرك فان الله لا يغفره لمن لم يتب منه وهناك أحاديث كثيرة كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة ولا يقنطن عبد من رحمة الله وان عظمت ذنوبه وكثرت فان باب الرحمة والتوبة واسع كما قال الله تعالى " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده " وكما قال تعالى " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " وعن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا ان الذى تقول وتدعوا اليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل " والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق ولا يزنون " ونزل " قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِ" وعن عمرو بن عنبسة رضى الله عنه قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم شيخ كبير يدعوهم على عصا له فقال : يا رسول الله ان لى غدرات وفجرات فهل يغفر لى ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " ألست تشهد أن لا اله الا الله ؟ قال : بلى وأشهد أنك رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم : قد غفر لك غدراتك وفجراتك " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيغفر لهم "، " وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ " يدعو الله تعالى ويستحث عباده الى المسارعة الى التوبة فيقول ارجعوا الى الله واستسلموا له قبل أن يقع بكم العذاب وبادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة ولن يشفع لكم أحد ولا ينصركم أحد عند وقوع عذاب الله بكم ولا ينقذكم أحد ، "وَٱتَّبِعُوٓاْ أَحۡسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةٗ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ " يدعو الله تعالى الى اتباع أحسن ما أنزل وهو القرآن الكريم والسير على هديه قبل وقوع عذاب الله الذى يمكن أن يحل فجأة ومن حيث لا يعلمون ولا يشعرون به وهو قيام الساعة أوحلول الموت الذى يمكن أن يأتى فى أى وقت فان قيامة الشخص هى موته  ، " أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَ " حين يأتى أمر الله ويأتى يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط فى التوبة والانابة ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله عز وجل ويقول انما كان عملى فى الدنيا عمل ساخر مستهزىء غير موقن مصدق ،"  أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ " تود هذه النفس  لو أعيدت الى الحياة الدنيا لتحسن العمل  وتتمنى هدى الله واتباع تقواه ، " أَوۡ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِي كَرَّةٗ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ " وتتمنى هذه النفس لو أن لها عودة الى الحياة الدنيا لتحسن العمل وقال ابن عباس أخبر الله سبحانه وتعالى ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه فأخبر الله تعالى أن لو ردوا لما قدروا على الهدى فقال " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هدانى فتكون عليه حسرة وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أن الله هدانى قال فيكون له الشكر " ، " بَلَىٰ قَدۡ جَآءَتۡكَ ءَايَٰتِي فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ " يقول الله تعالى موبخا قدجاءتك أيها العبد النادم على ما كان منه آياتى فى الدار الدنيا وقامت حججى عليك فكذبت بها واستكبرت عن اتباعها وكنت من الكافرين بها الجاحدين لها .

وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡمُتَكَبِّرِينَ ٦٠ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٦١

يخبر الله تعالى عن يوم القيامة يوم تبيض وجوه وتسودوجوه تسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف وتبيض وجوه أهل السنة والجماعة " وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌ" يوم القيامة يشاهد الذين كذبوا على الله فى دعواهم له شريكا وولدا يبعثون سود الوجوه بكذبهم وافترائهم على الله الكذب ،   "أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡمُتَكَبِّرِينَ " يوبخ الله ويتوعد هؤلاء بقوله أليست جهنم كافية لهم سجنا وموئلا لهم فيها الخزى والهوان بسبب تكبرهم وتجبرهم وابائهم عن الانقياد للحق ، " وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ " ينجى الله الذين اتقوا من كل سوء ويدخلهم جنته بما سبق لهم من السعادة والفوز عند الله ،"لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ " يوم القيامة لايصابون بأى سوء أو اذى ولا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر نائلون كل خير .

ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ ٦٢ لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٦٣ قُلۡ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ ٦٤ وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٦٥ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ٦٦

" ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيل" يخبر الله تعالى أنه خالق كل الأشياء وربها ومليكها والمتصرف فيها وكل تحت تدبيره وقهره وكلاءته ، "  لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ" قال مجاهد المقاليد هى المفاتيح بالفارسية وقال السدى خزائن السموات والأرض والمعنى على كلا القولين أن أزمة الأمور وأعنتها بيده تبارك وتعالى له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ " يصف الله الذين كفروا بحججه وبراهينه الدالة على صدق منهجه وطريقه  وحادوا عن الحق ولم يؤمنوا بما أنزل من الحق بالخسران فهم يخسرون الدنيا والآخرة ، " قُلۡ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ " ذكر فى سبب نزولها ما روى عن ابن عباس لأن المشركين من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عبادة آلهتهم ويعبدون معه آلهه فيخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ويصفهم بالجهل فى دعواهم له بعبادة غير الله ، " وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ " ويقول الله تعالى أنه اوحى اليه والى الرسل من قبله لئن اتبع الشرك فان كل عمله يصاب بالفشل وتكون عاقبته أنه من الخاسرين الين يخسرون الدنيا والآخرة وهذا كقوله تعالى " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " ،"  بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ " دعوة من الله  رسوله صلى الله عليه وسلم الى اخلاص العبادة له وحده لا شريك له هو ومن اتبعه وصدقه.

وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٦٧

قال مجاهد نزلت فى قريش يقول الله تعالى " وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِ" ما قدر المشركون الله حق  قدره حين عبدوا معه غيره وهو العظيم الذى لا أعظم منه القادر على كل شىء المالك لكل شىء وكل شىء تحت قهره وقدرته وعن ابن عباس قال هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم فمن آمن أن الله على كل شىء قدير فقد قدر الله حق قدره ، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره  وقال السدى ما عظموه حق تعظيمه ،" وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦوَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة قال البخارى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :جاء حبر من الأحبار الى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على أصبع والأرضين على اصبع والشجر على أصبع ، والماء والثرى على اصبع ، وسائر الخلق على اصبع فيقول أنا الملك " فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ"وعن عبد الله رضى الله عنه قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فقال يا أبا القاسم أبلغك أن الله تعالى يحمل الخلائق على اصبع والسموات على اصبع والأرضين على اصبع والشجر على اصبع والماء والثرى على اصبع ؟ قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه قال وأنزل الله عز وجل "  وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " تبرزهذه الآية قدرة الله سبحانه وتعالى وعلينا أن نتلقاها كما وردت ولا تشطح عقولنا فى تفاصيل لا سند لنا بها ويكفى علينا ما نراه من حولنا من سموات لا نستطيع أن نبلغ مداها وسبحانه تعالى عن الشرك وتنزه وتقدس وهذا تصور لما سيقع يوم القيامة .   

وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ ٦٨ وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٦٩ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ ٧٠

" وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُ" يقول الله تعالى مخبرا عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الآيات العظيمة والزلازل الهائلة وهذه هى النفخة الثانية وهى نفخة الصعق وهى التى يموت بها الأحياء من أهل السموات والأرض الا من شاء الله كما جاء مصرحا به مفسرا فى حديث الصور المشهور ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت وينفرد الحى القيوم الذى كان أولا وهو الباقى آخرا بالديموة والبقاء ويقول " لمن الملك اليوم " ثلاث مرات ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول " لله الواحد القهار " أنا الذى كنت وحدى وقد قهرت كل شىء وحكمت بالفناء على كل شىء ، ثم يحيى أول من يحيى اسرافيل ويأمره أن ينفخ فى الصور أخرى وهى النفخة الثالثة نفخة البعث قال تعالى " ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ " أى أحياء بعد ما كانوا عظاما ورفاتا صاروا أحياء ينظرون الى أهوال يوم القيامة كما قال تعالى " فانما هى زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة " وقال عزوجل "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون ان لبثتم الا قليلا " وقال جل وعلا " ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم اذا دعاكم دعوة من الأرض اذا أنتم تخرجون " ، "  وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا " يقول الله تعالى وأشرقت الأرض أى أضاءت يوم القيامة اذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء ،"وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ " قال قتادة كتاب الأعمال ، "وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ " قال ابن عباس جىء بالنبيين يشهدون على الأمم بأنهم بلغوهم رسالات الله اليهم والشهداء من الملائكة الحفظة على أعمال العباد من خير وشر ويكون الحساب والقضاء من الله تعالى الحكم العدل ويوفى كل جزاءه وعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر وهذا كقوله تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " ولهذا قال تعالى " وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ" أى تستوفى كل نفس جزاء عملها من خير أو شر ، " وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ " والله وحده هو العليم بأفعال عباده مطلع على كل شىء لا يخفى عليه خافية ، هذا الذى ورد فى هذه الآيات من أهوال يوم القيامة وما سيقع فيه يحدثنا به الله سبحانه وتعالى عبرة لمن يعتبر .  

وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧١ قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ ٧٢

" وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا" يخبر الله تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون الى النار وانما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد كما قال عزوجل " يوم يدعون الى نار جهنم دعا " أى يدفعون اليها دفعا زمرا أى جماعة بعد جماعة كما قال تعالى " يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا * ونسوق المجرمين الى جهنم وردا " وهم فى تلك الحال صم وبكم وعمى منهم من يمشى على وجهه "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا" ، " حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا " بمجرد وصول الكافرين الى جهنم تفتح لهم أبوابها سريعا لتعجل لهم العقوبة ،"وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا" ثم يقول خزنة جهنم الذين هم غلاظ الأخلاق شداد القوى على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل يقولون للكافرين ألم يأتكم رسل من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم ويقيمون عليكم الحجج والبراهين على صحة ما دعوكم اليه ويحذرونكم من شر هذا اليوم ؟ ، "  قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ " نعم قد جاؤونا وأنذرونا وأقاموا علينا الحجج والبراهين ولكن كذبناهم وخالفناهم لما سبق لنا من الشقوة التى كنا نستحقها حيث عدلنا عن الحق الى الباطل كما قال عز وجل مخبرا عنهم فى آية أخرى " كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شىء ان أنتم الا فى ضلال كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير " أى رجعوا على أنفسهم بالملامة والندامة ، "  قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَا"  يقول الله تعالى كل من رآهم وعلم حالهم يشهد عليهم بأنهم مستحقون للعذاب ولهذا لم يسند هذا القول الى قائل معين بل أطلقه ليدل على أن الكون شاهد على الكافرين بأنهم يستحقون ما هم فيه بما حكم العدل الخبير عليهم به فهم يدخلون جهنم ماكثين فيها لا خروج لهم منها ولا زوال لهم عنها  ، " فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ " المثوى هو الاقامة والقرار وهنا صيغة ذم لهذا المصير والمقيل أى فبئس المصير وبئس المقيل لكم بسبب تكبركم فى الدنيا وابائكم عن اتباع الحق فهو الذى صيركم الى ما أنتم فيه فبئس الحال وبئس المآل .

 وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ ٧٣ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ٧٤

" وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرً" هذا اخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب الى الجنة جماعة بعد جماعة : المقربون ثم الأبرار ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم : الأنبياء والصديقون مع أشكالهم ، والشهداء مع أضرابهم ، والعلماء مع أقرانهم ، وكل صنف مع صنف كل زمرة تناسب بعضها بعضا ، " حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا " حتى اذا وصلوا الى أبواب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم فى الدنيا حتى اذا هذبوها ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة وقد ثبت فى صحيح مسلم عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أول شفيع فى الجنة " وفى لفظ مسلم " وأنا أول من يقرع باب الجنة " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب درى فى السماء اضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخضون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا فى السماء " وعن سهل بن سعد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا أو سبعمائة ألف آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة  وجوههم على صورة القمر ليلة البدر" ، "حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا "  لم يذكر الجواب هنا وتقديره حتى اذا جاءوها وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم اكراما وتعظيما وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب فتقديره اذا كان هذا سعدوا وطابوا وسروا وفرحوا بقدر ما يكون لهم فيه نعيم وأبواب الجنة ذكر عددها ثمانية من خلال الأحاديث فعن سهل بن سعد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان فى الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله الا الصائمون " وفى صحيح مسلم عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله الا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " ، " وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ " يرحب خزنة الجنة بالسعداء الذين يدخلونها بالسلام عليهم  وبقولهم لهم طابت أعمالكم وأقوالكم وطاب سعيكم وطاب جزاءكم ، " فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ " أدخلوا الجنة ماكثين فيها أبدا لا تبغون عنها حولا ، " وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ" يقول المؤمنون اذا عاينوا فى الجنة ذلك الثواب الوافر والعطاء العظيم والنعيم المقيم والملك الكبير يقولون عند ذلك الحمد لله يقابلون عطاء ربهم بالحمد الذى صدقهم ما كان وعدهم من هذا النعيم على ألسنة رسله الكرام كما دعوا فى الدنيا من قبل " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد " وكقوله تعالى " الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق " وكقوله" الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب " ، " وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ "  قال أبو العالية وغيره أورثنا أرض الجنة فهذه الآية كقوله " ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون " " نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ " أين شئنا حللنا فى الجنة فكلها لنا مشاع فنعم الأجر أجرنا على عملنا وعن أبى سعيد قال ان ابن صائد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال " درمكة بيضاء مسك خالص " .

وَتَرَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٧٥

" وَتَرَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ" لما ذكر تعالى الحكمة فى أهل الجنة والنار وأنه نزل كلا فى المحل الذى يليق به ويصلح له وهو العادل فى ذلك الذى لا يجور أخبر عنملائكته أنهم محدقون من حول العرش المجيد يسبحون بحمد ربهم ويمجدونه ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور ، " وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ" بعد أن  يقضى الله بين الخلاق بالعدل من عنده ويوفى كل بعمله  ، "وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " نطق الكون أجمعه ولهذا لم يسند القول الى قائله بل أطلقه على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد فى حكمه وعدله  وهو رب العالمين الانس والجن وكل المخلوقات .

تفسير الجزء الرابع والعشرين

سورة غافر

تسمى سورة المؤمن وهى مكية وعدد آياتها 85 آية وفيها سمات القرآن المكى من ابراز لقدرة الله فى الخلق والكون وذكر أخبار من سلف من الأنبياء ونصر الله لهم واهلاك من كذبوهم لتثبيت رسوله صلى الله عليه وسلم فى مواجهة المشركين ، والحديث عن الجنة ونعيمها والنار وجحيمها وتتحدث عن قصة مؤمن آل فرعون الذى سميت باسمه ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ آية الكرسى وأول حم المؤمن عصم ذلك اليوم من كل سوء " . 

حمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٢ غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ٣

" حمٓ " تقدم الحديث عن الحروف المقطعة فى أوائل السور فى سورة البقرة بما يغنى عن اعادته وقد قيل أن "حم " اسم من أسماء الله عز وجل وعن المهلب بن أبى صفرة قال حدثنى من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان بيتم الليلة فقولوا حم لا ينصرون " وهذا اسناد صحيح ، واختار أبو عبيد أن يروى فقولوا حم لا تنصروا أى ان قلتم ذلك لا ينصروا جعله جزاء لقوله فقولوا ، "  تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ " تنزيل هذا الكتاب وهو القرآن العظيم من الله ذى العزة والعلم فلا يرام جنابه ولا يخفى عليه الذر وان تكاثف حجابه ، " غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ " يتحدث الله تعالى أن تزيل القرآن من الله غافر الذنب أى يغفر ما سلف من الذنب ويقبل التوبة فى المستقبل لمن تاب اليه وخضع لديه ، "  شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ " يتحدث الله تعالى أنه كذلك شديد العقاب لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا وعتا عن أمر الله تعالى وبغى وهذا كقوله " نبىء عبادى أنى العفور الرحيم * وأن عذابى هو العذاب الأليم " يقرن هذين الوصفين كثيرا فى مواضع متعددة من القرآن ليبقى العبد من الرجاء والخوف ، "  ذِي ٱلطَّوۡلِ" قال ابن عباس الطول هو السعة والغنى وقال يزيد الأصم ذى الطول يعنى الخير الكثير وقال عكرمة ذى المن وقال قتادة ذى النعم والفواضل والمعنى أنه المتفضل على عباده المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والانعام التى لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها كما قال " وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها " ، "  لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ" الله الواحد لا نظير له فى جميع صفاته فلا اله غيره ولا رب سواه ، "  إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ " اليه المرجع والمآب فيجازىكل عامل بعمله .

مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ ٤ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۢ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ ٥ وَكَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ ٦

" مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ " يقول الله تعالى ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان الا الكافرون الجاحدون لآيات الله وحججه وبراهينه ، " فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ " ينبه الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الا ينخدعوا ويغتروا بما فيه الكفار فى الدنيا وبلادها من أموال ونعيم وزهرة وتقلبهم فى النعمة ورغد العيش كما قال عز وجل " لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد"وكما قال" نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب غليظ " ، " كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ" قال الله تعالى مسليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من قومه بأن له أسوة من سلف من الأنبياء عليهم السلام فانه قد كذبهم أممهم وخالفوهم وما آمن بهم منهم الا قليل كذب نوح وهو أول رسول بعثه الله ينهى عن عبادة الأوثان من جانب قومه وبعد ذلك كان هناك فى الأمم التى جاءت من بعده مكذبين لأنبيائهم ، "وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۢ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوه" وكل أمة من هؤلاء الكفار المكذبين حرصوا على قتل رسلهم بكل ممكن ومنهم من قتل رسله ، " وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ " ولجأوا الى الجدل بالباطل والى الكذب ليردوا الحق الواضح الجلى الذى جاء به الرسل من عند الله ، " فَأَخَذۡتُهُمۡ" يتحدث الله تعالى أنه أخذهم أخذ عزيز مقتدر فأهلكهم على ما صنعوا من هذه الآثام والذنوب العظام وعن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من أعان باطلا ليدحض به حقا فقد برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، "فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ " فكيف بلغك عذابى لهم ونكالى بهم كم كان شديدا موجعا مؤلما كعقاب لهم على ما فعلوا ، " وَكَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ " كما حقت ووجبت كلمة العذاب على الذين كفروا من الأمم السالفة وتحققت بهم كذلك حقت على المكذبين من هؤلاء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الأولى والأحرى لأن من كذبك فلا وثوق له بتصديق غيرك .

 ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ ٧ رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٨ وَقِهِمُ ٱلسَّئَِّاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّئَِّاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٩

" ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ "" يخبر الله عن الملائكة المقربين من حملة العرش ومن حوله من الملائكة يسبحون بحمد ربهم أى يتقربون بين التسبيح الدال على نفى النقائص المقتضى لاثبات صفات المدح ، " َيُؤۡمِنُونَ بِهِ " وهؤلاء الملائكة خاشعون لله له أذلاء بين يديه يملأهم الايمان به ، " وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا" والملائكة يستغفرون لمن آمن بالغيب من أهل الأرض فقيض الله تعالى ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب ولما كان هذا من سجايا الملائكة عليه السلام كانوا يؤمنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب كما ثبت فى صحيح مسلم " اذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال االملك آمين ولك بمثله " ، " رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا " يخبر الله تعالى عما يقوله الملائكة فى استغفارهم للمؤمنين وهم يتوجهون الى الله يقولون رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم ، " فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ " يسأل الملائكة الله تعالى أن يصفح عن المسيئين اذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا فيه واتبعوا ما أمرهم به من فعل الخيرات وترك المنكرات ، "  وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ " يسأ ل الملائكة الله تعالى كذلك أن يزحزح من آمن من عباده عن عذاب الجحيم وهو العذاب الموجع الأليم ، " رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡ" من دعاء الملائكة للمؤمنين كذلك أن يسألوا الله تعالى أن يدخلهم جنات النعيم المقيم الدائم وأن يجمع بينهم وبين من هو صالح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم لتقر أعينهم بالاجتماع فى منازل متجاورة كما قال تعالى " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شىء " أى ساوينا بين الكل فى المنزلة لتقر أعينهم وما نقصنا العالى حتى يساوى الدانى بل رفعنا ناقص العمل فساويناه بكثير العمل تفضلا منا ومنة ، وقال سعيد بن جبير ان المؤمن اذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه أين هم ؟ فيقال انهم لم يبلغوا طبقتك فى العمل فيقول انى انما عملت لى ولهم فيلحقون به فى الدرجة ثم تلا سعيد بن جبير هذه الآية " رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " ، " إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " انت يا الله العزيز الذى لا يمانع ولا يغلب وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن الحكيم فى أقوالك وأفعالك من شرعك وقدرك  ،" وَقِهِمُ ٱلسَّئَِّاتِ" يسال الملائكة الله تعال أن يحفظ المؤمنين من فعل السيئات أو من وبالها ممن وقعت منه ، "  وَمَن تَقِ ٱلسَّئَِّاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُ" ويقر الملائكة بأن من يحفظه الله من هذه السيئات فقد فاز برحمة الله يوم القيامة فقد نجا من عذابه وفاز بجناته فقد لطف الله به ونجاه من العقوبة ، " وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ " وهذا الجزاء هو الفوز العظيم الذى لا فوز بعده .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ ١٠ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ ١١ ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ ١٢ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ١٣ فَٱدۡعُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ١٤

"إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عن الكفار أنهم ينادون يوم القيامة وهم فى غمرات النيران يتلظون ويلاقوا من العذاب ما لا قبل لأحد به فيمقتوا عند ذلك أنفسهم ويبغضوها غاية البغض بسبب ما عملوه فى الدنيا من الأعمال السيئة التى كانت سبب دخولهم النار فتخبرهم الملائكة عند ذلك وينادوهم بأن مقت الله تعالى لهم فى الدنيا حين كان يعرض عليهم الايمان فيكفرون أشد من مقتهم أنفسهم وهم يتعذبون وقال قتادة لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الايمان فى الدنيا فتركوه وأبوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة ،" قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ " يقول الكفار وهم فى النار يوم القيامة لله تعالى قدرتك عظيمة فانك أحييتنا بعد ما كنا أمواتا ثم أمتنا ثم أحييتنا فأنت قادر على ما تشاء وهذا كقوله تعالى " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون " وقال السدى أميتوا فى الدنيا ثم أحيوا فى قبورهم فخوطبوا ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة وقال ابن زيد أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم عليه السلام ثم خلقهم فى الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة وهذان القولان ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث احياءات واماتات ، " فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيل" يقول الكفار وهم فى النار نحن نعترف ونقر بذنوبنا التى ارتكبناها فى الحياة الدنيا فهل أنت مجيبنا الى أن تعيدنا الى الدار الدنيا فانك قادر على ذلك لنعمل غير الذى كنا نعمل فان عدنا الى ما كنا فيه فانا ظالمون والمقصود من كل هذا أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدى الله عز وجل فى عرصات القيامة كما قال عز وجل " ولو ترى اذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون " فلا يجابون ثم اذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها ونظروا الى ما فيها من العذاب والنكال سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة فلا يجابون ، " ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُوا" أجيب الكفار أنه لا سبيل الى عودكم الى الدار الدنيا ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تمجه وتنفيه أنت هكذا كنتم ترفضون وحدانية الله وتدعون من دونه أنداد وشركاء وهكذا  تكونون دائما وان رددتم الى الدار الدنيا لعدتم لما كنتم فيه من الشرك كما قال الله عز وجل "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون " ، " فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ " والله وحده هو الحاكم فى خلقه العادل الذى لا يجور فيهدى من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء لا اله الا هو،"هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِ" الله عز وجل يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه فى خلقه العلوى والسفلى من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها ،"وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗا" من آيات الله أنه ينزل من السماء المطر وهو الرزق الكبير الذى تقوم عليه الحياة وهو سبب كل رزق فتخرج به الزروع والثمار وهو مصدر الحياة التى تعتمد عليه ، "وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ " وما يعتبر ويتفكر فى هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها الا من هو بصير منيب الى الله تبارك وتعالى دائم التوبة والرجوع الى الله ، " فَٱدۡعُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ " يقول الله تعالى للمؤمنين فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء وخالفوا المشركين فى مسلكهم ومذهبهم وعن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى دبر كل صلاة لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير لا حول ولا قوة الا بالله ، لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا اله الا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ادعوا الله تبارك وتعالى وأنتم موقنون بالاجابة واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاء قلب غافل لاه " .  

رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ ١٥ يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ ١٦ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ١٧

" رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ " يقول الله تعالى مخبرا عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالى على جميع مخلوقاته كما قال تعالى " من الله ذى المعارج تعرج الملائكة والروح اليه فى يوم كان مقداره ألف سنة " ، " يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ "الروح هنا المقصود به ملك الوحى المنزل من عند الله يرسله الى الرسل وجبريل هو الروح الأمين كما قال تعالى عن القرآن"وانه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين " أى المقصود أن الله تعالى يرسل الوحى برسالاته الى من يجتبيه ويختاره من عباده وهم الرسل ليهدى عباده وينذرهم مما سيكون يوم القيامة وهو يوم تلاقى العباد جميعا أمام الله للحساب وقال ابن عباس يوم التلاق اسم من أسماء يوم القيامة حذر الله منه عباده يلتقى فيه العباد وقال قتادة وغيره يلتقى أهل السماء وأهل الأرض والخالق والخلق وقال ميمون بن مهران يلتقى الظالم والمظلوم وقد يقال ان يوم التلاق يشمل هذا كله ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشر ، " يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡء" فى هذا اليوم وهو يوم القيامة يكون العباد ظاهرين بادون كلهم لا شىء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم الجميع فى علمه على السواء ، " لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ"وقد تقدم فى حديث ابن عمر رضى الله عنهما أنه تعالى يطوى السموات والأرض بيده ثم يقول أنا الملك الجبار أنا المتكبر أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفى حديث الصور أنه عز وجل اذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له حينئذ يقول لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ثم يجيب نفسه قائلا" لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ " أى الذى هو وحده قد قهر كل شىء وغلبه ، " ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ"  يخبر الله تعالى عن عدله فى حكمه بين خلقه أنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر بل يجزى بالحسنة عشر أمثالها وبالسيئة واحدة ولهذا قال تعالى لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ " كما ثبت فى صحيح مسلم عن أبى ذر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عز وجل أنه قال " يا عبادى انى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا - الى أن قال - يا عبادى انما هى أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم اياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله تبارك وتعالى ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه" ، " إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ " أى أن الله عزوجل  يحاسب الخلائق كما يحاسب نفسا واحدة كما قال جل وعلا " ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة " وقال جل جلاله " وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر " .   

وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ ١٨ يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ ١٩ وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ٢٠ ۞

" وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ " يوم الآزفة هو اسم من أسماء يوم القيامة وسميت بذلك لازوفها أى اقترابها كما قال تعالى "أزفت الآزفة * ليس لها من دون الله كاشفة " وقال كذلك " اقتربت الساعة وانشق القمر" وكما قال " اقترب للناس حسابهم " وكما قال " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " يبلغ الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو النذير البشير أن ينذر الناس جميعا من اقتراب يوم القيامة ومن هوله ، " إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَ"يتحدث الله عن تصوير الهول فى هذا اليوم وتصوير الخوف الذى يحل فيه قال قتادة وقفت القلوب فى الحناجر من الخوف فلا تخرج ولا تعود الى أماكنها ونحن نقول فى تعبيرنا " وقف قلبه " اذا أصابه الهلع الشديد ومعنى "كاظمين" ساكتين لا يتكلم أحد الا باذنه كما قال تعالى " يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من أذن له الرحمن وقال صوابا " وقال ابن جريج " كاظمين " أى باكين،"مَا  لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ " فى هذا اليوم ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك والكفر بالله من قريب منهم ينفعهم ولا شفيع يشفع فيهم بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير ، " يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ " يخبر الله تعالى أنه فى هذا اليوم عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها دقيقها ولطيفها لا تخفى عليه خافية فى يوم الحساب ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه وأنه عز وجل يعلم العين الخائنة وان أبدت أمانة وما تنطوى عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر وقال الضحاك " خائنة الأعين " هو الغمز وقال ابن عباس يعلم الله تعالى من العين فى نظرها هل تريد الخيانة أم لا ؟ وقال السدى " وما تخفى الصدور " أى من الوسوسة ، " وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّ" الله عز وجل يحكم بالعدل وقال ابن عباس قادر على أن يجزى بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة " ان الله هو السميع البصير " ، " وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ" يتحدث الله عز وجل أن ما يدعوا الكفار من الأصنام والأوثان والأنداد من دون الله ، " لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍ" لا يملكون شيئا ولا يحكمون بشىء فهى عاجزة ولا تضر ولا تنفع ، " إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ" الله وحده عز وجل هو السميع لأقوال خلقه بصير بهم فيهدى من يشاء ويضل من يشاء وهو الحاكم العادل فى جميع ذلك .

أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُواْ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٖ ٢١ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٢٢

"أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أو لم يسير هؤلاء المكذبون برسالتك فى الأرض ، " فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُواْ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ " فيستمدون العبرة ويمعنون النظر كيف كانت عاقبة أى نهاية من سبقهم من الأمم البائدة المكذبة بالأنبياء عليهم السلام التى أهلكها الله وما حل بهم من العذاب والنكال مع أنهم كانوا أشد من هؤلاء قوة و كان لهم من سلطان عظيم  فقد أثروا فى الأرض من البنايات والمعالم والديارات ما لا يقدر هؤلاء عليه كما قال عز وجل " ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه " وكما قال تعالى " وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها " ،"  فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاق" مع هذه القوة العظيمة ، والبأس الشديد أخذهم الله بذنوبهم وهى كفرهم برسلهم وما دفع عنهم عذاب الله أحد ولا رد عنهم راد ولا وقاهم واق أى لم يحميهم من عذاب الله ويقيهم منه  ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَكَفَرُواْ " ذكر الله عز وجل علة أخذه الكفار واهلاكهم وذكر ذنوبهم التى ارتكبوها واجترحوها حيث كانت تأتيهم رسلهم بالدلائل الواضحات والبراهين القاطعات على صدق ما أرسلهم الله به وأنه الحق من عند الله ومع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا ، " فَأَخَذَهُم ُ ٱللَّهُ" كانت العاقبة هى أن الله أخذهم أخذ عزيز مقتدر فأهلكهم ودمر عليهم وللكافرين امثالها ، " إِنَّهُۥ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ " فهو عز وجل ذو قوة عظيمة وبطش شديد وعقابه أليم شديد وجيع .

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ ٢٣ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَقَٰرُونَ فَقَالُواْ سَٰحِرٞ كَذَّابٞ ٢٤ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡۚ وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ ٢٥ وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ ٢٦ وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٖ لَّا يُؤۡمِنُ بِيَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ ٢٧

يقول الله تعالى مسليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من قومه ومبشرا له بأن العاقبة والنصرة له فى الدنيا والآخرة كما جرى لموسى عليه السلام "وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ   إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَقَٰرُونَ فَقَالُواْ سَٰحِرٞ كَذَّاب" يقول الله تعالى أنه أرسل موسى عليه السلام بالآيات البينات والدلائل الواضحات وأرسله بالحجة والبرهان وقد تقدم ذكر الآيات التى أرسل الله بها موسى عليه السلام الى فرعون وقومه  من عصا وبياض اليد وخص منهم هامان وقارون وهما أقرب المقربين الى فرعون فقد كان هامان وزيره وقارون كان أكثر الناس فى زمانه مالا وتجارة فكذبوه وجعلوه ساحرا مجنونا مموها كذابا فى أن الله أرسله وهذا كقوله تعالى " كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون " ،" فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا " يقول الله تعالى لما جاء موسى عليه السلام فرعون وقومه بالبرهان القاطع الدال على أن الله عز وجل أرسله اليهم ، " قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡ" أمر فرعون للمرة الثانية بقتل ذكور بنى اسرائيل أما الأول فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى أو لاذلال بنى اسرائيل وتقليل عددهم أو لمجموع الأمرين بعد أن أخبره الكهنة أن مولودا فى بنى اسرائيل سوف يسلبه ملكه وأما المرة الثانية فكانت لاهانة بنى اسرائيل ولكى يتشاءموا بموسى عليه السلام ليكون وسيلة ضغط عليهم لكى لا يتبعوه ولهذا قالوا " أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون " ،" وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰل" يقول الله تعالى أن هذا الكيد وهوكيد الكافرين وهم فرعون وقومه لبنى اسرائيل وهو تقليل عدد بنى اسرائيل لئلا ينصروا عليهم واستحياء نساءهم لاذلالهم ذاهب وهالك وهو ضلال خارج عن الحق أو سوف يضل ويخرج عن طريقه ولن يحقق هدفه ،"وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُ" واستمر فرعون فى عزمه على قتل موسى عليه السلام وبلغ قومه أن دعونى حتى أقتل لكم موسى وفى غاية الجحد والتجهرم والعناد ولن يحجزنى أحد عن ذلك ولن أبالى لو أراد موسى أن يدعو ربه لينقذه منى فليدعوه وهذا قمة الكفر والتحدى المغرور ، " إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ " وقال فرعون لقومه أنه يخشى أن يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم  وهذا كما يقال فى المثل "صار فرعون مذكرا " يعنى أصبح واعظا يشفق على الناس من موسى عليه السلام أصبح الفاسد هو الواعظ ،" وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٖ لَّا يُؤۡمِنُ بِيَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ " لما بلغ موسى عليه السلام ما قاله فرعون قال وهو يخاطب استجرت بالله وعذت به من شر هذا المجرم المتكبر عن الحق وكل مجرم متكبر كافر لا يؤمن بالآخرة يوم الحساب الذى يجازى فيه الله الناس على أعمالهم فسوف يحاسب فرعون وأمثاله فى هذا اليوم على ما يقولون ويفعلون ولهذا قال يوم الحساب .

وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ ٢٨ يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ٢٩

يأتى الحديث عن مؤمن آل فرعون والذى سميت السورة باسمه والمشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون وقال السدى كان ابن عم فرعون واختاره ابن جرير ورد قول من ذهب الى أنه كان من بنى اسرائيل لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه وكف عن قتل موسى عليه السلام ، ولوكان اسرائيليا لأوشك أن يعاجل بالعقوبة لأنه منهم وقال ابن عباس لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون والذى قال " يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك " وقد كان هذا الرجل يكتم ايمانه عن قومه القبط فلم يظهر الا هذا اليوم حين قال فرعون " ذرونى أقتل موسى " فأخذت الرجل غضبة لله عز وجل وأفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر كما ثبت بذلك الحديث فقال قولته "وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُم " قال هذا المؤمن ناهيا عن قتل موسى عليه السلام لما تقتلون رجل لأنه يقول ربى الله وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق ؟  ،" وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُم" تنزل هذا المؤمن مع فرعون ومن حوله فى المخاطبة باستخدام العقل حتى لا يصيبوا موسى عليه السلام بالقتل فقال اذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل والرأى التام والحزم أن تتركوه ونفسه فلا تؤذوه فان يك كاذبا فان الله سبحانه وتعالى سيجازيه على كذبه بالعقوبة فى الدنيا والآخرة وان يكن صادقا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذى يعدكم فانه يتوعدكم ان خالفتموه بعذاب فى الدنيا والآخرة فمن الجائز عندكم أن يكون صادقا فينبغى على هذا لأن لا تتعرضوا له بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه ،  لوكان هذا الذى يزعم أن الله وتعالى أرسله اليكم كاذبا كما تزعمون لكان أمره بينا يظهر لكل أحد فى أقواله وأفعاله ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّاب" لوكان من المسرفين الكذابين لما هداه الله وأرشده الى ما ترون من انتظام امره وفعله ، " يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ " قال المؤمن محذرا قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور فى الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسوله واحذروا نقمة الله ان كبتم رسوله ، " فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ" قال المؤمن لفرعون وقومه لا تغنى عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئا من بأس الله ان أرادنا بسوء،"قَالَ  فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ" قال فرعون لقومه رادا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذى كان أحق بالملك من فرعون ما أقول لكم وأشير عليكم الا ما أراه لنفسى وما أدعوكم الا الى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب فرعون وقد غش رعيته وما نصحهم وافترى وخان الله تبارك وتعالى وقال الله تعالى " فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد " وكما قال " وأضل فرعون قومه وما هدى " وفى الحديث " ما من امام يموت وهو غاش لرعيته الا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام " .

وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُم مِّثۡلَ يَوۡمِ ٱلۡأَحۡزَابِ ٣٠ مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ ٣١ وَيَٰقَوۡمِ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ يَوۡمَ ٱلتَّنَادِ ٣٢ يَوۡمَ تُوَلُّونَ مُدۡبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ ٣٣ وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ ٣٤ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ ٣٥

" وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُم مِّثۡلَ يَوۡمِ ٱلۡأَحۡزَابِ " هذا اخبار من الله عز وجل عن هذا الرجل الصالح مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس الله تعالى فى الدنيا والآخرة مما حاق بالأمم السابقة من قبلهم   ، "مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ"عبر لهم عن خشيته مخاطبا لهم أنه يخاف عليهم أن يحل بهم ما حل بالذين كذبوا رسل الله فى قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة كيف حل بهم بأس الله وما ردهم عنه راد ولا صده عنهم صاد ، " وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ " الله لا يظلم عباده انما أهلكهم الله تعالى بذبوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره  فأنفذ فيهم قدره ،" وَيَٰقَوۡمِ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ يَوۡمَ ٱلتَّنَادِ " يوم التناد هو يوم القيامة وسمى بذلك كما قال بعضهم لما جاء فى حديث الصور ان الأرض اذا زلزلت وانشقت من قطر الى قطر وماجت فنظر الناس الى ذلك ذهبوا هاربين ينادى بعضهم بعضا وقال آخرون منهم الضحاك بل ذلك اذا جىء بجهنم ذهب الناس هرابا منها فتتلقاهم الملائكة فتردهم الى مقام المحشر وهو قوله تعالى" والملك على ارجائها " وقال قتادة ينادى كل قوم بأعمالهم ، ينادى أهل الجنة أهل الجنة وأهل النار أهل النار ، وقيل سمى بلك لمناداة أهل الجنة أهل النار " أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم " ومناداة أهل النار أهل الجنة " أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا ان الله حرمهما على الكافرين " ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار كما هو مذكور فى سورة الأعراف واختار البغوى وغيره أنه سمى بذلك لمجموع ذلك ، " يَوۡمَ تُوَلُّونَ مُدۡبِرِينَ " فى هذا اليوم يخاطب مؤمن قوم فرعون قومه أنكم سوف تولون ذاهبين هاربين ولهذا قال تعالى " مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِم" فى هذا اليوم ما لكم من مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه الشديد  ،" وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَاد" من أضله الله فلا هادى له غيره ،"وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ " يذكرهم مؤمن آل فرعون بيوسف عليه السلام لما جاء الى أهل مصر قبل موسى عليه السلام وبعثه الله اليهم وكان عزيز أهل مصر وكان رسولا يدعو الى الله تعالى أمته بالقسط فما أطاعوه تلك الطاعة الا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوى ولهذا قال " فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗا" أى اتبعتموه وأنتم على شك حتى اذا توفاه الله يئستم فقلتم طامعين لكفركم وتكذيبكم أن الله لن يبعث من بعده رسول ، " كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ " كحالكم هذا من الشك وعدم اتباع الحق من عند الله يكون حال من يضله الله لاسرافه فى أفعاله وارتياب قلبه، " ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ" الذين يدفعون الحق بالباطل ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى فان الله عز وجل يمقت على ذلك أشد المقت ولهذا قال تعالى "  كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا" أى والمؤمنونكذلك يبغضون أيضا من تكون هذه صفته فان من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه فلا يعرف بعد ذلك معروفا ولا ينكر منكرا ولهذا قال تعالى " كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّار" الله يطبع على قلب كل من هو متكبر عن اتباع الحق والجبار هو من يرتكب القتل بغير حق فقد قال قتادة آية الجبابرة القتل بغير الحق وهو أقصى درجات التجبر على العباد وهو من صفات فرعون فقد كان باطشا جبارا فى الأرض ينكل بأهلها ويظلمهم من بنى اسرائيل .

وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَٰهَٰمَٰنُ ٱبۡنِ لِي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَٰبَ ٣٦ أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ ٣٧

"وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَٰهَٰمَٰنُ ٱبۡنِ لِي صَرۡحٗا " يقول الله تعالى مخبرا عن فرعون وعتوه وتمرده وافترائه فى تكذيبه موسى عليه السلام أنه أمر وزيره هامان أن يبنى له صرحا وهو القصر العالى المنيف الشاهق وكان اتخاذه من الآجر المضروب من الطين المحروق ،" لَّعَلِّيٓ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَٰبَ * أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ " أسباب السموات قيل طرق السموات طلب فرعون من وزيره جهلا أن يبنى له هذا البنيان العالى وهو لا يملك أى فكرة عن الله عز وجل فقد نشأ فى عبادة أصنام وأوثان ولا يعرف شيئا عن التوحيد ونسب الاله أنه آله موسى وحتى عند موته وهلاكه قال آمنت بالذى آمنت به بنو اسرائيل فقد تأصل فى قلبه معتقده الباطل وكفره وجهله وعتوه وتكبره وتمرده وقد أتهم موسى عليه السلام بالكذب فى أن الله عز وجل أرسله اليه ولذلك قال تعالى " وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ " هذا الذى فعله فرعون من عمل سىء وهوتماديه فى الكفر والعصيان من تزيين الشيطان له ومن ابتعاده وصده عن سبيل الله والحق فقد صد عنه وصد قومه ومن حوله عنه ، " وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَاب " التباب هو الخسار أى أن تدبير فرعون وكيده وما يفعله من فعل وما يقوله نتيجته الخسران المبين كما حدث من اهلاك الله له .

وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُونِ أَهۡدِكُمۡ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ٣٨ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ ٣٩ مَنۡ عَمِلَ سَيِّئَةٗ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ يُرۡزَقُونَ فِيهَا بِغَيۡرِ حِسَابٖ ٤٠ ۞

" وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُونِ أَهۡدِكُمۡ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ " يتحدث الله تعالى عن مؤمن آل فرعون وحديثه  لقومه ودعوته لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ونسى الجبار الأعلى أن يتبعوه فهو الذى يمكن أن يهديهم الى سبيل الرشاد وهوطريق الحق وهو من المؤمنين بموسى عليه السلام وقد كان يكتم ايمانه،"يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ " وجه مؤمن آل فرعون كلامه الى قومه وهو يحذرهم أن الحياة الدنيا فانية ودار متاع زائل عن قريب تذهب وتضمحل وان المستقر والمرجع الدائم فى الآخرة التى لا زوال لها ولا انتقال منها ولا ظعن عنها الى غيرها بل اما نعيم واما جحيم ولهذا قال " مَنۡ عَمِلَ سَيِّئَةٗ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ يُرۡزَقُونَ فِيهَا بِغَيۡرِ حِسَاب " يعظ مؤمن آل فرعون قومه ويحدثهم عن الآخرة وعن مجازات الله وحسابه وكرم الله مع عباده فالسيئة يحاسب عليها بمثلها والله عز وجل يدخل من آمن وحسن عمله من ذكر أو أنثى كل على حد سواء الجنة يرزق فيها رزقا واسعا لا يتقدر بجزاء بل يثيبه الله عز وجل ثوابا كبيرا كثيرا لا انقضاء له ولا نفاد .

وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ ٤١ تَدۡعُونَنِي لِأَكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشۡرِكَ بِهِۦ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞ وَأَنَا۠ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡغَفَّٰرِ ٤٢ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ ٤٣ فَسَتَذۡكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٤٤ فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِ مَا مَكَرُواْۖ وَحَاقَ بَِٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ ٤٥ ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ ٤٦

" وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ " يتحدث مؤمن آل فرعون عن اعراض وكفر قوم فرعون ففى الوقت الذى يدعوهم الى الحق والى طريق النجاة فى الحياة الدنيا والآخرة وهو عبادة الله وحده لا شريك له وتصديق رسوله الذى بعثه موسى عليه السلام يدعونه الى ترك ما هو عليه من الايمان والسير فى طريقهم طريق الخسران المبين المؤدى الى النار ، " تَدۡعُونَنِي لِأَكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشۡرِكَ بِهِۦ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞ وَأَنَا۠ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡغَفَّٰرِ " يفصل مؤمن آل فرعون ما قاله وهو أنهم يدعونه الى الكفر والشرك بالله على جهل بلا دليل بينما هو يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له الذى هو فى عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب اليه فهو يدعوهم الى التوبة مما هم فيه الى رب العزة والمغفرة ، " لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ " قال الضحاك " لا جرم " لا كذب أن الذى تدعوننى  اليه من الأصنام والأنداد والأوثان الذى ليس له شىء ولا ينفع ولا يضر وقال السدى : لايجيب داعيه لا فى الدنيا ولا فى الآخرة وهذا كقوله تعالى " ومن أضل مممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * واذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " وكقوله تعالى " ان تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم " ، " وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ " ويقول مؤمن آل فرعون لقومه وهو يؤمن باليوم الآخر أن مرجعنا الى الله فى الآخرة فيجازى كل بعمله ولهذا قال " وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ " المسرفين هم الكفار فيكون مصيرهم الى النار خالدين فيها باسرافهم وهو شركهم بالله عز وجل ، "  فَسَتَذۡكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمۡۚ" يقول مؤمن آل فرعون لقومه سوف تعلمون صدق ما أمرتك به ونهيتكم عنه ونصحتكم ووضحت لكم وتتذكرونه وتندمون حيث لا ينفعكم الندم ،"وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ" يقول مؤمن آل فرعون فى ختام دعوته أن أمره وشأنه كله مفوض الى الله يتوكل عليه ويستعينه ويقاطعهم ويباعدهم ، " إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ " الله هو بصير بعباده تعالى وتقدس فيهدى من يستحق الهداية ويضل من يستحق الاضلال وله الحجة البالغة والحكمة التامة والقدر النافذ ، "  فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِ مَا مَكَرُواْ" " ان ما قاله مؤمن آل فرعون من تفويض أمره الى الله استجاب الله له فحفظه من كل سوء يحاق ضده فى الدنيا والآخرة أما فى الدنيا فنجاه الله تعالى مع موسى عليه السلام وأما فى الآخرة فان جزاءه هو الجنة ، "وَحَاقَ بَِٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ " وقع على آل فرعون سوء العذاب وهو الهلاك بالغرق فى البحر ثم النقلة منه الى الجحيم ، " ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗا" انتقل آل فرعون مباشرة الى الجحيم فلم يمهلهم الله الى يوم القيامة فان أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساءا الى قيام الساعة فاذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم فى النار ولهذا قال  " وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ " حينما يأتى يوم القيامة يدخل آل فرعون الى عذاب أشد ألما وأعظم نكالا ، وهذه الآية أصل كبير فى الاستدلال من أهل السنة على عذاب البرزخ فى القبور فى قوله تعالى " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا " فالآية ذكرت العرض ثم ذكرت الادخال الفعلى ، وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أحدكم اذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ان كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وان كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة " .  

وَإِذۡ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِيبٗا مِّنَ ٱلنَّارِ ٤٧ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُلّٞ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَيۡنَ ٱلۡعِبَادِ ٤٨ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ يُخَفِّفۡ عَنَّا يَوۡمٗا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٤٩ قَالُوٓاْ أَوَ لَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ ٥٠

" وَإِذۡ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّار " يخبر الله تعالى عن تحاج أهل النار وتخاصمهم وفرعون وقومه من جملتهم ، " فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِيبٗا مِّنَ ٱلنَّارِ " يقولِ الضعفاء وهم الأتباع للذين استكبروا عن الحق وصدوا عنه وهم القادة والسادة والكبراء أطعناكم فيما دعوتمونا اليه فى الدنيا من الكفر والضلال فهل تتحملون عنا نصيبا أى قسطا من عذاب النار ، " قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُلّٞ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَيۡنَ ٱلۡعِبَادِ " يرد هؤلاء الين استكبروا عن اتباع الحق وهم السادة والكل يصلى عذاب النار لا نتحمل عنكم شيئا كفى بنا ما عندنا وما حملنا من العذاب والنكال فالله قد قسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كل منا كما قال تعالى " قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " ، " وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ يُخَفِّفۡ عَنَّا يَوۡمٗا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ " لما علموا أن الله عز وجل لا يستجيب منهم ولا يستمع لدعائهم بل قد قال لهم " اخسؤا فيها ولا تكلمون " سألوا الخزنة وهم كالسجانين لأهل النار أن يدعوا لهم الله تعالى فى أن يخفف عن الكافرين ولو يوما واحدا من العذاب فقالت لهم الخزنة ردا عليهم "قَالُوٓاْ أَوَ لَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ" يرد عليهم الخزنة ما قامت عليكم الحجج فى الدنيا على ألسنة الرسل ، " قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ " ردالكفار على الخزنة أن الرسل قد أتتهم فرد عليهم الخزنة أن يدعو هم لأنفسهم فنحن لا ندعو لكم ولا نسمع منكم ولا نود خلاصكم ونحن منكم براء ونخبركم أنه سواء أدعوتم أو لم تدعوا لا يستجاب لكم ولا يخفف عنكم فان دعاء الكافرين فى ذهاب لا يقبل ولا يستجاب .

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١ يَوۡمَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّٰلِمِينَ مَعۡذِرَتُهُمۡۖ وَلَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ ٥٢ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡهُدَىٰ وَأَوۡرَثۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡكِتَٰبَ ٥٣ هُدٗى وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٥٤ فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ ٥٥ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ٥٦

" إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ " يقول الله تعالى مؤكدا على نصر رسله المؤمنين بكلمة "انا"ولام التوكيد وأن نصره لهم  فى الحياة الدنيا ويوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأشد والأشهاد الذين يقومون ويكونوا متواجدين حاضرين ينفذون ما أمر به الله كما قال مجاهد الملائكة ، وقد أورد أبوجعفر بن جرير سؤالا فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم السلام قتله قومه بالكليه كيحيى وزكريا وشعيب عليهم السلام  ومنهم من خرج من بين أظهرهم اما مهاجرا كابراهيم عليه السلام واما رفع الى السماء كعيسى عليه السلام فأين النصرة فى الدنيا ثم أجاب عن ذلك بجوابين ( أحدهما ) أن يكون الخبر خرج عاما والمراد به البعض وهذا سائغ فى اللغة ( الثانى ) أن يكون المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم وسواء كان ذلك بحضرتهم أو فى غيبتهم أو بعد موتهم كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعيب سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم وقد ذكر أن النمروذ أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ، وأما الذين راموا صلب المسيح عليه السلام من اليهود فسلط عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى عليه السلام اماما عادلا وحكما مقسطا فيقتل المسيخ الدجال وجنوده من اليهود ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ، ويضع الجزية فلا يقبل الا الاسلام وهذه نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى فى خلقه فى قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين فى الدنيا ويقر أعينهم ممن آذاهم ففى صحيح البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال"يقول الله تبارك وتعالى من عادى لى وليا فقد بارزنى بالحرب " وفى الحديث الآخر " انى لأثأر لأوليائى كما يثأر الليث الحرب "  ولهذا أهلك الله عز وجل قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق ، وأنجى الله من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحدا وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحدا وقال السدى لم يبعث الله عز وجل رسولا قط الى قوم فيقتلونه أو قوما من المؤمنين يدعون الى الحق فيقتلون فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم فى الدنيا فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون فى الدنيا وهم منصورون فيها وهكذا نصر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه فجعل كلمته هى العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان ، وأمره بالهجرة من بين ظهرانى قومه الى المدينة وجعل له فيها أنصارا وأعوانا ، ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر فنصره عليهم وخذلهم وقتل صناديدهم ، وأسر سراتهم فاستاقوهم مقرنين فى الأصفاد ثم من عليهم بأخذه الفداء منهم ثم بعد مدة قريبة فتح عليه مكة فقرت عينه ببلده فأنقذه الله تعالى مما كان فيه من الكفروالشرك وفتح له اليمن ودانت له شبه جزيرة العرب بكاملها ودخل الناس فى دين الله أفواجا ثم قبضه الله تعالى اليه لما عنده من الكرامة العظيمة فأقام الله تعالى أصحابه خلفاء من بعده فبلغوا عنه دين الله تعالى وفتحوا البلاد حتى انتشرت الدعوة المحمدية فى مشارق الأرض ومغاربها ثم لا يزال هذا الدين قائما منصورا ظاهرا الى قيام الساعة ،" يَوۡمَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّٰلِمِينَ مَعۡذِرَتُهُمۡۖ وَلَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ " يتحدث الله عن يوم القيامة وهو يوم الأشهاد لا يقبل من الكفار والمشركين عذر ولا فدية ولهم الابعاد والطرد من رحمة الله ولهم سوء الدار أى المقام والمستقر وهى النار وقال السدى بئس المنزل والمقيل وقال ابن عباس" ولهم سوء الدار" أى سوء العاقبة ،" وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡهُدَىٰ" تحدث الله تعالى عن ما آتاه موسى عليه السلام وهو ما بعثه به من الهدى والنور ، " وَأَوۡرَثۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡكِتَٰبَ " يقول الله عزوجل جعلنا لبنى اسرائيل العاقبة وأورثناهم بلاد فرعون وأمواله وحواصله وأرضه بما صبروا على طاعة الله تبارك وتعالى واتباع رسوله موسى عليه السلام وفى الكتاب الذى ورثوه وهو التوراة ، " هُدٗى وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ " فى هذا الكتاب وهو التوراة هدى وتذكرة لأصحاب العقول الصحيحة ، " فَٱصۡبِرۡ" يدعو الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الى الصبر ، " إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّ" فقد وعدناك أنا سنعلى كلمتك ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك " والله لا يخلف الميعاد " وهذا الذى أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك ، " وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ " هذا تهييج للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة من بعده للاستغفار وطلب المغفرة من الله ،"وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ"ويدعو الله كذلك الى التسبيح بحمده فى أوائل الليل وهو العشى والابكار وهو آخر الليل وأوائل النهار ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ " يتحدث الله تعالى عن الذين يدفعون الحق بالباطل ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله عز وجل ، " إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِ" هؤلاء الذين يفعلون ذلك ما فى صدورهم الا كبر على اتباع الحق واحتقار لمن جاءهم به وليس ما يرومونه من اخماد الحق واعلاء الباطل بحاصل لهم بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع ، " فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ" يدعو الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الى الاستعاذة به واللجوء اليه من حال مثل هؤلاء المجادلين فى آيات الله بغير سلطان من الكفار والمشركين  " إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ " الله وحده هو الذى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء يسمع دبيب النملة فى الصخرة الصماء وبصير بأفعال وأقوال العباد لا يخفى عليه شىء منها .

لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٥٧ وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ ٥٨ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞ لَّا رَيۡبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ٥٩

" لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ " يقول الله تعالى منبها على أنه يعيد الخلائق يوم القيامة وأن ذلك سهل عليه يسير لديه فانه هو عزوجل الذى خلق السموات والأرض وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة واعادة فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الأولى والأحرى كما قال تعالى " أو لم يروا أن الله الى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى انه على كل شىء قدير " وهم لا يتدبرون هذه الحجة ولا يتأملونها كما كان كثير من العرب يعترفون بأن الله تعالى خلق السموات والأرض وينكرون المعاد استبعادا وكفرا وعنادا وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا ، " وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُ" كما لا يستوى الأعمى الذى لا يبصر شيئا والبصير الذى يرى ما انتهى اليه بصره بل بينهما فرق عظيم كذلك لا يستوى المؤمنون الأبرار والكفرة الفجار ، " قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ " ما أقل ما يتذكر كثير من الناس آيات الله وقوله الحق ، " إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞ لَّا رَيۡبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ " يؤكد الله تعالى وقوع يوم القيامة بلام التوكيد وأن الساعة لكائنة وواقعة دون شك ولكن معظم الناس لا يصدقون بها بل يكذبون بوجودها . 

وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠

" وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ" من فضل الله وكرمه عز وجل أنه ندب عباده الى دعائه وتكفل لهم بالاجابة وعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه عز وجل قال " أربع خصال واحدة منهن لى وواحدة لك وواحدة فيما بينى وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادى ، فأما التى لى لا تشرك بى شيئا وأما التى لك على فما عملت من خير جزيتك به وأما التى بينى وبينك فمنك الدعاء وعلى الاجابة وأما التى بينك وبين عبادى فارض لهم ما ترضى لنفسك " وعن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الدعاء هو العبادة " ثم قرأ " وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يسأل الله يغضب عليه " ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " يقول الله تعالى من يستكبر عن دعائى وتوحيدى سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين وكما ورد فى الحديث " أن الدعاء هو العبادة " والدعاء هو التوجه الى الله والصلاة تدخل فى الدعاء اذا كان بهذا المعنى والعبادات كلها فيها التوجه الى الله ومن ينصرف عن الدعاء استكبارا أن يسأل الله كما استكبر ابليس عن السجود لآدم وعصى ربه فاستحق الطرد من رحمة الله ومصيره فى الآخرة هو جهنم فالتكبر هو صفة من صفات ابليس ولا يدخل الجنة من كان فى قلبه ذرة من كبر وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده  عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر فى صور الناس يعلوهم كل النار " .  

ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ ٦١ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ٦٢ كَذَٰلِكَ يُؤۡفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ ٦٣ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٦٤ هُوَ ٱلۡحَيُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۗ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٦٥ ۞

" ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًا" يقول الله تعالى ممتنا على خلقه بما جعل لهم من الليل الذى يسكنون فيه ويستريحون من حركات ترددهم فى المعايش بالنهار وجعل النهار مضيئا ليتصرفوا فيه بالسعى والأسفار والتمكن من الصناعات ، "إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ" يقول عزوجل أنه بالرغم من فضله ونعمته على عباده ومن ضمنها الليل والنهار فان أكثر الناس لا يقومون بشكر نعم الله عليهم ، " ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ" يقول عزوجل أن الذى فعل هذه الأشياء هو الله الواحد الأحد خالق الأشياء الذى لا اله الا هو ولا رب سواه ، " فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ" فكيف تعبدون من الأصنام التى لا تخلق شيئا بل هى مخلوقة منحوتة افكا وكذبا وبعدا عن الحق   ، " كَذَٰلِكَ يُؤۡفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ " كما ضل هؤلاء بعبادة غير الله كذلك أفك الذين من قبلهم فعبدوا غيره بلا دليل ولا برهان بل بمجرد الجهل والهوى وجحدوا حجج الله وآياته ، " ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا " يذكر الله عزوجل من آياته أنه هو وحده الذى الذى جعل الأرض لعباده مستقرا بساطا مهادا يعيشون عليها ويتصرفون فيها ويمشون فى مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد بهم ، "وَٱلسَّمَآءَ بِنَآء" والله عزوجل هو الذى جعل السماء بناءا محكما متماسكا محفوظا ،" وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ" والله عز وجل هو الذى خلقكم فى احسن الأشكال ومنحكم أكمل الصور فى احسن تقويم ،"وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ" الله عز وجل وحده هو الذى رزقكم من الطيب من المآكل والمشارب فى الدنيا فذكر أنه خلق الدار والسكان والأرزاق كما قال تعالى فى سورة البقرة " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذى جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون " ، " ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " الذى فعل هذا كله هو الله عز وجل ربكم وسيدكم وخالقكم فتعالى وتقدس وتنزه رب العالمين كلهم ،" هُوَ ٱلۡحَيُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ" يقول الله تعالى هو الحى أزلا وأبدا لم يزل ولا يزال هو الأول والآخر والظاهر والباطن لا نظير له ولا عديل له فادعوه وحده موحدين له مقرين بأنه لا اله الا هووأتبع ذلك بقوله " ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " هو وحده المتفضل المستحق للحمد على نعمه الجليلة رب وسيد العالمين كلهم الانس والجن وكل المخلوقات وعن عبد الله بن الزبير قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى دبر كل صلاة " لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير لا حول ولا قوة الا بالله لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا اله الا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهن دبر كل صلاة .

قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٦٦ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٦٧ هُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٦٨

 " قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يقول الله تعالى عز وجل قل يا محمد لهؤلاء المشركين ان الله عز وجل ينهى فيما أنزل الى من آياته الواضحة البينة الجلية أن يعبد أحد سواه من الأصنام والأنداد والأوثان وأمرنى ربى أن أعلن له اسلامى واذعانى وخضوعى وحده رب العالمين رب الانس والجن ورب كل شىء وربيبه وقد بين تبارك وتعالى أنه لا يستحق العبادة أحد سواه فى قوله جلت عظمته " هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗا" يذكر الله عزوجل أنه وحده المستحق بالعبادة فهو الذى يقلب البشر فى كل الأطوار فهو الذى خلقهم من تراب عندما خلق آدم عليه السلام ثم بعد ذلك جعل ذريته تخلق من نطفة ثم تصير علقة ثم تنمو فى مراحل النمو حتى تصبح طفلا يخرج الى الحياة من رحم أمه ويعيش على الأرض حتى يصبح شابا ثم يبلغ أشده من حيث الجسم والعقل ثم بعد هذه القوة يصيبه الهرم فيصبح شيخا ويتبع الله عز وجل ذلك بقوله " وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى " ومن قدرة الله تعالى كذلك أن كما بيده الحياة فبيده الموت فهناك من يموت قبل أن يوجد ويخرج الى هذا العالم بل تسقطه أمه سقطا ومنهم من يتوفى صغيرا وشابا وكهلا قبل الشيخوخة كقوله تعالى " لنبين لكم ونقر فى الأرحام ما نشاء الى أجل مسمى " والكل يبلغ ما قدره الله له من أجل معلوم فى كتاب عنده ، " وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ " أى لعلكم تفهمون وتعقلون وتتذكرون قدرة الله فى كل مراحل الحياة وقال ابن جريج تتذكرون البعث ،" هُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ" يذكر الله عزوجل أنه هو المتفرد بالحياة والموت ولا يقدر على ذلك أحد سواه ، " فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ " يتحدث الله عز وجل عن مطلق قدرته فهو أمره بين الكاف والنون  اذا قال لشىء كن فيكون فكل الأمور بين يديه له الخلق والأمر يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير .

أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ ٦٩ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلۡكِتَٰبِ وَبِمَآ أَرۡسَلۡنَا بِهِۦ رُسُلَنَاۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٧٠ إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ ٧١ فِي ٱلۡحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسۡجَرُونَ ٧٢ ثُمَّ قِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ ٧٣ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡٔٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧٤ ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمۡ تَفۡرَحُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَمۡرَحُونَ ٧٥ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ ٧٦

" أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ " يقول الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ألا تعجب من هؤلاء المكذبين بآيات الله ويجادلون فى الحق بالباطل كيف تصرف عقولهم عن الهدى الى الضلال ، " ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلۡكِتَٰبِ وَبِمَآ أَرۡسَلۡنَا بِهِۦ رُسُلَنَا"الذين يجادلون فى آيات الله هم الذين كذبوا بالكتاب وهو ما أنزله الله على الرسل من كتب وهى تصب فى معين واحد وهو سبيل الله ولذلك فهى كتاب واحد وان اختلفت الكتب والأسماء وكذبوا بما أرسل الله به الرسل من الهدى والبيان،"فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ" هذا تهديد من الله شديد ووعيد أكيد من الرب جل جلاله للكفار المكذبين مما سيقع عليهم من عذاب يوف بعلمون شدته حينما يقع عليهم فى الدنيا والآخرة ، "إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ " بين الله عز وجل ما سيحل بالكفار فى نار جهنم فهم سوف يقيدون من أعناقهم بالأغلال وسلاسل متصلة بالأغلال بأيدى الزبانية يسحبون منها على وجوههم ، " فِي ٱلۡحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسۡجَرُونَ " هم يسحبون تارة الى الحميم وتارة الى الجحيم كما قال تبارك وتعالى " هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن " وقال تعالى بعد ذكر أكلهم الزقوم وشربهم الحميم " ثم ان مرجعهم لالى الجحيم " وقال عز وجل " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * فى سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم" ( الى قوله تعالى هذا نزلهم يوم الدين " الواقعة ، والآيات كثيرة التى تذكر عذاب النار ، " ثُمَّ قِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ" يقول الله تعالى موبخا أهل النار من المشركين أين الأصنام التى كنتم تعبدونها من دون الله هل ينصرونكم اليوم ، " قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا" يرد الكفار أن هذه الأصنام قد ذهبت عنهم فلم تنفعهم ، " بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡٔٗا" ولم يجد الكفار سوى النكران والتكذيب فجحدوا عبادتهم كقوله عزوجل  " ثم لم تكن فتنتهم الا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " ولهذا قال عز وجل    "كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَٰفِرِينَ " يقول عز وجل هكذا يكون ضلال الكفار وبعدهم عن الحق فهم يتخبطون فى أقوالهم ويكذبون ويبعدون عن الحق فى جهنم كما كانوا يبعدون عنه فى الدنيا ، " ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمۡ تَفۡرَحُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَمۡرَحُونَ " تقول الملائكة للكفار هذا الذى أنتم فيه جزاء على فرحكم فى الدنيا بغير الحق ومرحكم وأشركم وبطركم ،" ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ " وتقول الملائكة للكفار اذلالا لهم ومهانة هذه هى أبواب جهنم أدخلوها من هذه الأبواب فبئس المنزل والمقبل الذى فيه الهوان والعذاب الشديد لمن استكبر عن آيات الله واتباع دلائله وحججه .

 فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ ٧٧ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بَِٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلۡحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ٧٨

" فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّ" يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه فان الله تعالى سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك فى الدنيا والآخرة ، " فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُم" وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يريه ما سوف يحل بالكفار فى الدنيا وكذلك وقع فان الله تعالى أقر أعين الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه من كبراء الكفار وعظمائهم : أبيدوا فى يوم بدر ثم فتح الله عليه مكة وسائر شبه جزيرة العرب فى حياته ،"أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ " ويقول الله عز وجل لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حين يأتى وفاتك ثم ترجع يوم القيامة يوم الحساب وتبعث فنذيقهم العذاب الشديد فى الآخرة وقال الله تعالى مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم " وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَ" يخبر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سبقه الكثير من الرسل أرسلهم الله منهم من أعلمه بهم ومنهم من لم يعلمه بهم وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف والأمر سواء أى الذين أوحينا اليك خبرهم وقصصهم مع قومهم وكيف كذبهم والذين لم نوحى اليك خبرهم ، " وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بَِٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ" لم يكن لواحد من الرسل أن يأتى قومه بخارق للعادات الا أن يأذن الله له فى ذلك فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به ، " فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلۡحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ " اذا جاء أمر الله وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين فقد حكم الله بحكمه العادل وقضائه النافذ فينجى المؤمنين ويهلك المبطلين وهم  الكافرون ويحيق بهم الخسران فى هذا الوقت يوم الحساب يوم القيامة .

ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٧٩ وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ ٨٠ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَأَيَّ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ ٨١

" ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ * وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ " يقول الله تعالى ممتنا على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهى الابل والبقر والغنم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون لحومها ويشربون ألبانها ويطعمون منها فالابل تركب وتؤكل وتحلب ويحمل عليها الأثقال فى الأسفار والرحال الى البلاد النائية والبقر تؤكل ويشرب لبنها ويحرث عليها الأرض والغنم تؤكل ويشرب لبنها والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة كما فصل ذلك فى سورة الأنعام وسورة النحل وغير ذلك وهى تستخدم فى الأسفار والنقل مثل استخدام السفن التى تمخر البحار فتحمل الناس والبضائع وتستخدم فى أغراض أخرى كثيرة كما تستخدم الأنعام فى أغراض كثيرة فالكل متساو فى النفع والكل من تسخير الله عز وجل ، " وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَأَيَّ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ " يؤكد الله أنه سيظهر حججه وبراهينه الدالة على عظمته وقدرته فى الآفاق وفى البشر كذلك والعلم الحديث بما فيه من أجهزه وتقدم يكشف لنا الكثير كل يوم من المعجزات فى خلق الله مما يحتاج الى كتب ومجلدات فلا يمكن الا لجاحد أوكافر انكار آيات الله والمعنى لا تقدرون على انكار شىء من آياته الا أن تعاندوا وتكابروا .

أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٨٢ فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٨٣ فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ ٨٤ فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨٥

"أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ " يدعو الله عز وجل الى السير فى الأرض لأخذ العبر مما حدث للأمم المكذبة بالرسل منذ قديم الدهر وماذا حل بهم من العذاب الشديد مع شدة قواهم وما آثروه فى الأرض وجمعوه من الأموال فما أغنى عنهم ذلك شيئا ولا رد عنهم ذرة من بأس الله عز وجل ، " فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " يخبر الله تعالى أن هؤلاء المكذبين الكافرين لما جاءتهم الرسل بالبينات والحجج القاطعات والبراهين الدامغات لم يلتفتوا اليهم ولا أقبلوا عليهم واستغنوا بما عندهم من العلم فى زعمهم عما جاءتهم به الرسل قال مجاهد قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب وقال السدى فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم " فحاق بهم " أى أحاط بهم من كل جانب ما كانوا يستحقون من العذاب الذى كانوا يكذبونه ويستبعدون وقوعه ، "فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ " لما عاين الكافرون وقوع العذاب بهم وحدوا الله عزوجل وكفروا بالطاغوت ولكن حيث لا تقال العثرات ولا تنفع المعذرة وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق " آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين " فرد الله عليه " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " أى فلم يقبل الله منه لأنه لم يؤمن من قبل ولكن خوفا ورهبة من عذاب الله عسى ان قال ما قال أن ينجيه الله فالعذاب لا يقع الا بعد أن تقام الحجة على من ادعى ، "  فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦ" لم ينفع الكفار ما قالوا من اداء للايمان عند وقوع عذاب الله وبأسه الشديد بهم فقد قضى الأمر فهذا الذى حكم الله فى جميع من تاب عند معاينة العذاب أنه لا يقبل ولهذا جاء فى الحديث " ان الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أى فاذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة وعاين الملك المكلف بقبض الأرواح فلا توبة حينئذ ولهذا قال تعالى "وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ " فى هذا الوقت الذى وقع فيه العذاب حين لا تقبل التوبة وقع الخسران المبين بالكافرين .

تفسير الجزء الرابع والعشرين

سورة فصلت

سورة فصلت سورة مكية ، فيها سمات السور المكية من قصر الآيات ، فهى تثير قضية الكفر والايمان وقدرة الله فى الخلق ، وآيات الله فى الكون الدالة على عظمته وقدرته عز وجل ، وتتحدث عما حاق بالأمم السابقة التى كذبت الرسل ، لعل كفار ومشركى مكة يؤمنوا ، وليثبت الله رسوله صلى الله عليه وسلم حتى ينجز وعده لنصره له .وآياتها 54 آية . 

حمٓ ١ تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٢ كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٣ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ ٤ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ ٥

وردت فى هذه الآيات رواية عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه وكذلك أورد محمد بن اسحاق بن يسار قصة فى كتاب السيرة فقال حدثنى يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظى قال أن عتية بن ربيعة وكان سيدا قال يوما وهو جالس فى نادى قريش ورسول الله جالس فى المسجد وحده يا معشر قريش ألا أقوم الى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلكحين أسلم حمزة رضى الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون ، فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم اليه فكلمه ، فقام اليه عتبة حتى جلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبن أخى انك منا حيث علمت من البسكة فى العشيرة والمكان فى النسب ، وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسقهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع منى أعرض عليك أمورا ننظر فيها لعلك تقبل منها بعضها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل يا أبا الوليد أسمع " قال : يا ابن أخى ان كنت انما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وان كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ، وان كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وانكان هذا الذى يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له ، حتى اذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال : نعم قال " فاستمع منى " قال : أفعل " قال بسم الله الرحمن الرحيم " حمٓ ١ تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٢ كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٣ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ " ثم مضى رسول الله صلى الله عليهوسلم فيها وهو يقرؤها عليه فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السجدة فسجد ثم قال " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك " فقام عتبة الى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذى ذهب به ، فلما جلس اليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائى أنى سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعونى واجعلوها لى خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذى سمعت نبأ ، فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وان يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به ، قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ؟ قال هذا رأيى فيه فاصنعوا ما بدا لكم " وفى رواية جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال : اجتمعت قريش يوما فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذى قد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه فقالوا ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ان كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التى عبت وان كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك وانا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك ، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا ، وعبت ديننا وفضحتنا فى العرب ، حتى لقد طال فيهم أن فى قريش ساحرا وأن فى قريش كاهنا والله ما ننتظر الا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا الى بعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل ، ان كان انما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا وأخذا ، وان كان انما بك الباءة فاختر أى نساء قريش شئت فلنزوجنك عشرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فرغت؟ " قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حمٓ ١ تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ " حتى بلغ " فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ " فقال عتبة حسبك حسبك ما عندك غير هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا" فرجع الى قريش فقالوا ما وراءك ؟ قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمون به الا كلمته ، قالوا فهل أجابك ؟ قال : نعم لا والذى نصبها بنيه ما فهمت شيئا مما قاله غير انه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، قالوا : ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدرى ما قال ؟ قال : لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة وقد ساقه البغوى فى تفسيره بسنده فذكر الحديث الى قوله " فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ " فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع الى أهله ولم يخرج الى قريش واحتبس عنهم ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش والله ما نرى عتبة الا قد صبأ الى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك الا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا اليه فانطلقوا اليه ، فقال أبو جهل : يا عتبة ما حبسك عنا الا أنك صبأت الى محمد وأعجبك طعامه فان كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ، فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا وقال " والله لقد علمتم أنى من أكثر قريش مالا ولكنى أتيته وقصصت عليه القصة فاجابنى بشىء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ السورة الى قوله تعالى " فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ " فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا اذا قال شيئا لم يكذب فخشيت أن ينزل بكم العذاب ، يقول الله تعالى " حمٓ " سبق الحديث عن الحروف المقطعة فى أوائل السور فى سورة البقرة ، " تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ " يخبر الله تعالى أن القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله " قل نزله روح القدس من ربك الحق" وكقوله عز وجل " وانه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين " ، " كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا " يتحدث الله عز وجل عم القرآن أنه كتاب بينت معانيه وأحكمت أحكامه فهو قرآن عربى وليس أعجمى أى بلغة العرب وليس غريبا عليهم وفى حال كونه قرآنا عربيا بينا واضحا فمعانيه مفصلة وألفاظه واضحة غير مشكلة كقوله تعالى " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " أى هو معجز من حيث لفظه ،" لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ " انما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون فى العلم من الناس وهم القوم الصفوة ، " بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا " هذا القرآن بشيرا للمؤمنين يبشرهم بما وعد الله به من حسن الجزاء فى الدنيا والآخرة وينذر الكافرين مما سيلحق بهم من عذاب الله فى الدنيا والآخرة ، " فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ " أكثرهم أى أكثر قريش بعدوا عنه فهم لا يفهمونه ولا يعلمون ما به بسبب تكذيبهم مع بيانه ووضوحه وآياته المفصلة الواضحة ، "  وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡر وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَاب " وكان قول الكفار الذين أغلقوا قلوبهم وهى لا تعقل ولا تفهم  وفى صمم فهى  فى غلف مغطاة معزولة عن دعوته صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من الحق فلا يصل اليهم شىء مما يقوله وما جاءهم به ، " فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ " يقول الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم اعمل أنت على طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك .

قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ ٦ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ ٧ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ ٨ ۞

" قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِد" يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين انما أنا بشر مثلكم يوحى الى أنما الهكم اله واحد لا كما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين انما الله اله واحد لا شريك له ، "  فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُ" أخلصوا لله العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل واستغفروا الله وتوبوا اليه من سالف الذنوب ، "وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ " والدمار والهلاك للمشركين ، "  ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ " المراد بالزكاة هنا طهارة النفس من الشرك ومن الأخلاق الرذيلة وزكاة المال انما سميت بالزكاة لأنها تطهره من الحرام وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه وتوفيقا الى استعماله فى الطاعات وهذا كقوله " قد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها " وكقوله عز وجل " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " وقوله تعالى " فقل هل لك الى أن تزكى " ، "  إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُون " غير ممنون أى غير مقطوع ولا مجبوب كما قال مجاهد وغيره وهذا كقوله تعالى " عطاء غير مجذوذ " وكقوله " ماكثين فيه أبدا " فهذا الأجر من الله دائم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة فهومتصل غير مقطوع وفى الجنة حيث دار البقاء الأزلى .

قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ ١٠ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ ١١ فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ١٢

" قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " هذا انكار من الله على المشركين الذين عبدوا معه غيره وهو الخالق لكل شىء القاهر لكل شىء المقتدر على كل شىء وهو رب العالمين جميعا من انس وجن وغير ذلك فهو رب كل شىء وربيبه وهو الذى خلق الأرض فى يومين ورغم ذلك هم يجعلون لله نظراء وأمثالا يعبدونها من أصنام وأوثان ، " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ " فصل الله هنا ما يختص بالأرض فذكر الله عز وجل أنه خلق الأرض أولا فى يومين وجعل فوق الأرض الجبال التى ترسيها وتثبتها كأوتاد الخيمة ولذلك أطلق عليها رواسى أن تميد بكم أى تميل لأنها كالأساس والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعد ذلك تكونت فى الأرض مقدراتها من ماء ومعادن وزروع وثمار وغير ذلك فى أربعة أيام أخرى لتكون الأرض صالحة للبشر فى معيشتهم ليجدوا فيها ما يحتاجون ويسألون على أكمل وجه وهو السواء من التسوية أى تمام الشىء ، " ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَان" لايجب أن ندخل فى تفاصيل لاعلم لنا بها ونسأل عن الاستواء وقد ورد فى آيات أخرى " الرحمن على العرش استوى " فالله وحده عنده علم الاستواء ويشير الله تعالى الى نظرية خلق الكون من دخان وفى العلم الحديث أبحاث عن نشأة الكون تقر وتشهد بما أنزل فى القرآن والمرحلة الأولى هى نشأة الكون من دخان ثم جاءت مرحلة الرتق بعد كما جاء فى آية أخرى ، " فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ " بعد أن خلق الله تعالى السموات والأرض أمرهما بطاعته والاستجابة لأمره من التسخير وقال استجيبا لأمرى وانفعلا لفعلى طائعتين أو مكرهتين وقال ابن عباس قال الله تبارك وتعالى للسموات اطلعى شمسى وقمرى ونجومى وقال للأرض شقى أنهارك وأخرجى ثمارك قالتا بل نستجيب لك مطيعين بما فينا مما تريد خلقه من الملائكة والجن والانس جميعا مطيعين لك وقيل تنزيلا لهن معاملة من يعقل بكلامهما  ،" فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ " فرغ الله عز وجل من تسويت السموات السبع فى يومين كذلك ، " وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ" ورتب سبحانه وتعالى مقررا فى كل سماء ما تحتاج اليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التى لا يعلمها الا هو ،"وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ " وخلق الله تعالى فى السماء ما فيها من أجسام منيرة تضىء الكون ،" وَحِفۡظٗاۚ" وحفظ الله السماء والأرض بحفظه من الشياطين ومن أن تزولا فكلمة " حفظا " تشمل كل أنواع الحفظ لهذا الكون حتى تقوم الساعة ، " ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ " وهذا التقدير أى التدبير والتخطيط هو من فعل الله وحده العزيز الذى قد عز كل شىء فغلبه وقهره العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم ، وهذه الآية علمها الصحيح عند الله وحده وكل ما يقال هو اجتهادات لمحاولة الفهم .

 ما هو الكون؟ وكيف نشأ؟ أذكر أدلة على نشأته وعلى مادة الكون.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد أمر الله الإنسان أن يسير في الأرض ليبحث وينظر في بداية الخلق والكون، فقال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت:19] . ثم بين الله أن طريق هذه المعرفة هو السير في الأرض مع النظر والتفكر، فقال في الآية التي تليها: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت:20] ، فلما سار الإنسان وصل إلى بعض الحقائق والنتائج:

ففي عام 1927م عرض العالم البلجيكي جورج لوميتر نظرية الانفجار العظيم (والنظرية فوق الفرضية ودون الحقيقية) والتي تقول: بأن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة، ثم بتأثير الضغط الهائل المتأتي من شدة حرارتها حدث انفجار عظيم فتق الكتلة الغازية، وقذف بأجزائها في كل اتجاه، فتكونت مع مرور الوقت الكواكب والنجوم والمجرات.

وفي عام 1964م اكتشف العالمان باتريس وويلسون موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، سميت بالنور المتحجر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة، ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون.

وفي عام 1989م أرسلت وكالة الفضاء الأميريكية (ناسا) قمرها الصناعي، والذي أرسل بعد ثلاث سنوات معلومات دقيقة تؤكد نظرية الانفجار العظيم.

وفي سنة 1986م أرسلت المحطات الفضائية السوفياتية معلومات تؤيد نظرية الانفجار العظيم.

ولعل هذه النتائج التي وصلوا إليها بعد جهد جهيد، وزمن مديد هي التي أشار إليها القرآن في سياق دعوة الكافرين إلى الإيمان، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) ][الأنبياء:30] . ومعنى الآية: أن الأرض والسموات بما تحويه من مجرات وكواكب ونجوم، والتي تشكل بمجموعها الكون الذي نعيش فيه كانت في الأصل عبارة عن كتلة واحدة ملتصقة، وقوله (رَتْقاً) أي: ملتصقتين، إذ الرتق هو الالتصاق، ثم حدث لهذه الكتلة الواحدة فتق أي انفصال وانفجار تكونت بعده المجرات والكواكب والنجوم، وهذا ما كشف عنه علماء الفلك في نهاية القرن العشرين، وأدق وصف للمادة التي نشأ منها الكون أنها دخان، كما قال الله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:11] .

ويقرر علماء الفيزياء النظرية والفلكية أن الدخان الكوني كان خليطاً من الغازات الحارة المعتمة التي تتخللها بعض الجسيمات الأولية للمادة وأضداد المادة، قال الدكتور زغلول النجار : في الثامن من نوفمبر سنة 1989م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية مركبة باسم (مكتشف الخلفية الإشعاعية للكون) ارتفعت إلى مدار حول الأرض يبلغ ارتفاعه ستمائة كيلو متر فوق مستوى سطح البحر، وذلك لقياس درجة حرارة الخلفية الإشعاعية للكون، وقياس كل من الكثافة المادية والضوئية والموجات الدقيقة في الكون المدرك، بعيداً عن تأثير كل من السحب والملوثات في المناطق الدنيا من الغلاف الغازي للأرض، وقام هذا القمر الصناعي المستكشف بإرسال قدر هائل من المعلومات وملايين الصور لآثار الدخان الكوني الأول الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم للكون من على بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية، وأثبتت تلك الصور أن هذا الدخان الكوني في حالة معتمة تماماً، تمثل حالة الإظلام التي سادت الكون في مراحله الأولى.

وكذا أخبرنا الله في كتابه عن اتساع الكون فقال: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذريات:47] .

والآية تشير إلى أن الكون المعبر عنه بلفظ السماء هو في حالة توسع دائم، يدل على ذلك لفظ (لَمُوسِعُونَ) فهو اسم فاعل بصيغة الجمع لفعل أوسع، وهو يفيد الاستمرار، لكن القرآن لم يبين تفاصيل الاتساع، وإنما أورده مجملاً، وهذا ما أثبته العلم الحديث.

ووجه الإعجاز في الآية لفظ (لَمُوسِعُونَ) الذي يفيد أن الكون في حالة توسع مستمر في الماضي والحال والاستقبال.

والله أعلم.

مراحل خلق السماوات والأرض :

الآيات أعلاه نماذج للآيات الآفاقية ، وعلائم العظمة ، وقدرة الخلق جلّو علا في خلق الأرض والسماء ، وبداية خلق الكائنات ، حيث يأمر تعالى النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بمخاطبة الكافرين والمشركين وسؤالهم : هل يمكن إنكار خالق هذه العوالم الواسعة العظيمة؟

لعلّ هذا الأسلوب يوقظ فيهم إحساسهم ووجدانهم فيحتكمون للحق .

يقول تعالى : {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} . وتجعلون لله تعالى شركاء ونظائر : (وتجعلون له أنداداً) .

إنّه لخطأ كبير ، وكلام يفتقد إلى الدليل . {ذلك ربّ العالمين} .

إنّ الذي يدبّر أُمور هذا العالم ، أليس هو خالق السماء والأرض؟ فإذا كان سبحانه وتعالى هو الخالق ، فلماذا تعبدون هذه الأصنام وتجعلونها بمنزلته ؟!

إنّ الذي يستحق العبادة هو الذي يقوم بالخلق والتدبير ، ويملك هذا العالم ويحكمه .

الآية التي تليها تشير إلى خلق الجبال والمعادن وبركات الأرض والمواد الغذائية ، حيث تقول : {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيّام} وهذه المواد الغذائية هي بمقدار حاجة المحتاجين : {سواء للسائلين}  .

وبهذا الترتيب فإنّ تبارك وتعالى قد دبّر لكلّ شيء قدره وحاجته ، وليس ثمّة في الوجود من نقص أو عوز ، كما في الآية (50) من سورة «طه» حيث قوله تعالى : {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه : 50] .

المقصود من «السائلين» هنا هم الناس ، أو أنّها تشمل بشكل عام الإنسان والحيوان والنبات

[وإذا ذكرت بصيغة الجمع للعاقل فهي من باب التغليب] .

ووفق هذا التّفسير فإنّ الله تعالى لم يحدّد احتياجات الإنسان لوحده منذ البداية وحسب ، وإنّما فعل ذلك للحيوانات والنباتات أيضاً .

وهنا يثار هذا السؤال : تذكر الآيات القرآنية ـ أعلاه ـ أنّ خلق الأرض تمّ في يومين ، وخلق الجبال والبركات والطعام في أربعة أيّام . وبعد ذلك خلق السماوات في يومين ، وبذا يكون المجموع ثمانية أيّام ، في حين أن أكثر من آية في كتاب الله تذكر أنّ خلق السماوات والأرض تمّ في ستة أيّام ، أو بعبارة اُخرى : في ستة مراحل  ؟

سلك المفسّرون طريقان في الإجابة على هذا السؤال :

الطريق الأوّل : وهو المشهور المعروف ، ومفاده أنّ المقصود بأربعة أيّام هو تتمة الأربعة أيّام ، بأن يتم في اليومين الأولين من الأربعة خلق الأرض ، وفي اليومين الآخرين خلق باقي خصوصيات الأرض . مضافاً إلى ذلك اليومين لخلق السماوات ، فيكون المجموع ستة أيّام أوست مراحل .

وشبيه ذلك ما يرد في اللغة العربية من القول مثلا بأنّ المسافة من هنا إلى مكّة يستغرق قطعها عشرة أيّام ، وإلى المدينة المنورة (15) يوماً ، أي إنّ المسافة بن مكّة والمدينة تكون خمسة أيام ومن هنا إلى مكّة عشرة أيّام.

وهذا التّفسير صحيح لوجود مجموعة الآيات التي تتحدث عن الخلق في ستة أيّام ، وإلاّ ففي غير هذه الحالة لا يمكن الركون له ، من هنا تتبين أهمية ما يقال من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً .

الطريق الآخر الذي اعتمده المفسّرون للإجابة على الإشكال أعلاه هو قولهم : إنّ أربعة أيّام لا تختص ببداية الخلق ، بل هي إشارة إلى الفصول الأربعة للسنة ، والتي هي بداية ظهور الأرزاق ونمو المواد الغذائية التي تنفع الإنسان والحيوان.

لكن هذا التّفسير فضلا عن أنّه لا يلائم الآيات أعلاه ، فإنّه أيضاً يقصر «اليوم» فيما يتعلق بالأرض ولمواد الغذائية وحسب ، لأنّ معناه يتعلق بالفصول الأربعة فقط ، بينما لاحظنا أن «يوم» في معنى خلق السماوات والأرض يعني بداية مرحلة!

مضافاً لذلك تكون النتيجة اختصاص يومين من الأيّام الستة لخلق الأرض ، ويومين آخرين لخلق السماوات ، أمّا اليومان الباقيان اللذان يتعلقان بخلق الكائنات بين السماء والأرض «ما بينهما» فليس هناك إشارة إليهما!

من كلّ ذلك يتبيّن أنّ التّفسير الأوّل أجود .

وقد لا تكون هناك حاجة للقول بأنّ «اليوم» في الآيات أعلاه هو حتماً غير اليوم العادي ، لأنّ اليوم بالمعنى العادي لم يكن قد وجد قبل خلق السماوات والأرض ، بل المقصود بذلك هو مراحل الخلق التي استنفذت من الزمن أحياناً ملايين بل وبلايين السنين .

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات :

قوله تعالى : {قل أ إنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا} الآية .

أمره ثانيا أن يستفهم عن كفرهم بالله بمعنى شركهم مع ظهور آيات وحدانية في خلق السماوات والأرض وتدبير أمرهما بعد ما أمره أولا بدفع قولهم : {قلوبنا في أكنة} إلخ .

والاستفهام للتعجيب ولذا أكد المستفهم عنه بأن واللام كأن المستفهم لا يكاد يذعن بكفرهم بالله وقولهم بالأنداد مع ظهور المحجة واستقامة الحجة .

وقوله : {وتجعلون له أندادا} تفسير لقوله : {لتكفرون بالذي خلق الأرض} إلخ ، والأنداد جمع ند وهو المثل ، والمراد بجعل الأنداد له اتخاذ شركاء له يماثلونه في الربوبية والألوهية .

وقوله : {ذلك رب العالمين} في الإشارة بلفظ البعيد رفع لساحته تعالى وتنزيهه عن أمثال هذه الأوهام فهورب العالمين المدبر لأمر الخلق أجمعين فلا مسوغ لأن يتوهم ربا آخر سواه وإلها آخر غيره .

والمراد باليوم في قوله : {خلق الأرض في يومين} برهة من الزمان دون مصداق اليوم الذي نعهده ونحن على بسيط أرضنا هذه وهو مقدار حركة الكرة الأرضية حول نفسها مرة واحدة فإنه ظاهر الفساد ، وإطلاق اليوم على قطعة من الزمان تحوي حادثة من الحوادث كثير الورود شائع الاستعمال ، ومن ذلك قوله تعالى : {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } [آل عمران : 140] ، وقوله : {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} [يونس : 102] ، وغير ذلك .

فاليومان اللذان خلق الله فيهما الأرض قطعتان من الزمان تم فيهما تكون الأرض أرضا تامة ، وفي عدهما يومين لا يوما واحدا دليل على أن الأرض لاقت زمان تكونها الأولي مرحلتين متغايرتين كمرحلة النيء والنضج أو الذوبان والانعقاد أو نحو ذلك .

قوله تعالى : {وجعل فيها رواسي من فوقها} إلى آخر الآية .

معطوف على قوله : {خلق الأرض في يومين} ولا ضير في تخلل الجملتين : {وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين} بين المعطوف والمعطوف عليه لأن الأولى تفسير لقوله : {لتكفرون} والثانية تقرير للتعجيب الذي يفيده الاستفهام .

والرواسي صفة لموصوف محذوف والتقدير جبالا رواسي أي ثابتات على الأرض وضمائر التأنيث الخمس في الآية للأرض .

وقوله : {وبارك فيها} أي جعل فيها الخير الكثير الذي ينتفع به ما على الأرض من نبات وحيوان وإنسان في حياته أنواع الانتفاعات .

وقوله : {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} قيل : الظرف أعني قوله : {في أربعة أيام} بتقدير مضاف وهو متعلق بقدر ، والتقدير قدر الأقوات في تتمة أربعة أيام من حين بدء الخلق - فيومان لخلق الأرض ويومان - وهما تتمة أربعة أيام - لتقدير الأقوات .

وقيل : متعلق بحصول الأقوات وتقدير المضاف على حاله ، والتقدير قدر حصول أقواتها في تتمة أربعة أيام - فيها خلق الأرض وأقواتها جميعا - .

وقيل : متعلق بحصول جميع الأمور المذكورة من جعل الرواسي من فوقها والمباركة فيها وتقدير أقواتها والتقدير وحصول ذلك كله في تتمة أربعة أيام وفيه حذف وتقدير كثير .

وجعل الزمخشري في الكشاف ، الظرف متعلقا بخبر مبتدأ محذوفين من غير تقدير مضاف والتقدير كل ذلك كائن في أربعة أيام فيكون قوله : {في أربعة أيام} من قبيل الفذلكة كأنه قيل : خلق الأرض في يومين وأقواتها وغير ذلك في يومين فكل ذلك في أربعة أيام .

قالوا : وإنما لم يجز حمل الآية على أن جعل الرواسي وما ذكر عقيبه أو تقدير الأقوات في أربعة أيام لأن لازمه كون خلق الأرض وما فيها في ستة أيام وقد ذكر بعده أن السماوات خلقت في يومين فيكون المجموع ثمانية أيام وقد تكرر في كلامه تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام فهذا هو الوجه في حمل الآية على أحد الوجوه السابقة على ما فيها من ارتكاب الحذف والتقدير .

والإنصاف أن الآية أعني قوله : {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} ظاهرة في غير ما ذكروه والقرائن الحافة بها تؤيد كون المراد بها تقدير أقواتها في الفصول الأربعة التي يكونها ميل الشمس الشمالي والجنوبي بحسب ظاهر الحس فالأيام الأربعة هي الفصول الأربعة .

والذي ذكر في هذه الآيات من أيام خلق السماوات والأرض أربعة أيام يومان لخلق الأرض ويومان لتسوية السماوات سبعا بعد كونها دخانا وأما أيام الأقوات فقد ذكرت أياما لتقديرها لا لخلقها ، وما تكرر في كلامه تعالى هو خلق السماوات والأرض في ستة أيام لا مجموع خلقها وتقدير أمرها فالحق أن الظرف قيد للجملة الأخيرة فقط ولا حذف ولا تقدير في الآية والمراد بيان تقدير أقوات الأرض وأرزاقها في الفصول الأربعة من السنة .

وقوله : {سواء للسائلين} مفعول مطلق لفعل مقدر أي استوت الأقوات المقدرة استواء للسائلين أوحال من الأقوات أي قدرها حال كونها مستوية للسائلين يقتاتون بها جميعا وتكفيهم من دون زيادة أو نقيصة .

والسائلون هم أنواع النبات والحيوان والإنسان فإنهم محتاجون في بقائهم إلى الأرزاق والأقوات فهم سائلون ربهم (2) قال تعالى : {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن : 29] ، وقال : {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [إبراهيم : 34] .

قوله تعالى : {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين} الاستواء - على ما ذكره الراغب - إذا عدي بعلى أفاد معنى الاستيلاء نحو الرحمن على العرش استوى ، وإذا عدي بإلى أفاد معنى الانتهاء إليه .

وأيضا في المفردات ، أن الكره بفتح الكاف المشتقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه ، والكره بضم الكاف ما تناله من ذاته وهو يعافه .

فقوله : {ثم استوى إلى السماء} أي توجه إليها وقصدها بالخلق دون القصد المكاني الذي لا يتم إلا بانتقال القاصد من مكان إلى مكان ومن جهة إلى جهة لتنزهه تعالى على ذلك .

وظاهر العطف بثم تأخر خلق السماوات عن الأرض لكن قيل : إن {ثم} لإفادة التراخي بحسب الخبر لا بحسب الوجود والتحقق ويؤيده قوله تعالى : {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات : 27 - 32] فإنه يفيد تأخر الأرض عن السماء خلقا .

والاعتراض عليه بأن مفاده تأخر دحو الأرض عن بناء السماء ودحوها غير خلقها مدفوع بأن الأرض كروية فليس دحوها وبسطها غير تسويتها كرة وهو خلقها على أنه تعالى أشار بعد ذكر دحو الأرض إلى إخراج مائها ومرعاها وإرساء جبالها وهذه بعينها جعل الرواسي من فوقها والمباركة فيها وتقدير أقواتها التي ذكرها في الآيات التي نحن فيها مع خلق الأرض وعطف عليها خلق السماء بثم فلا مناص عن حمل ثم على غير التراخي الزماني فإن قوله في آية النازعات : {بعد ذلك} أظهر في التراخي الزماني من لفظة {ثم} فيه في آية حم السجدة والله أعلم .

وقوله : {وهي دخان} حال من السماء أي استوى إلى السماء بالخلق حال كونها شيئا سماه الله دخانا وهو مادتها التي ألبسها الصورة وقضاها سبع سماوات بعد ما لم تكن معدودة متميزا بعضها من بعض ، ولذا أفرد السماء فقال : {استوى إلى السماء} .

وقوله : {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها} تفريع على استوائه إلى السماء والمورد مورد التكوين بلا شك فقوله لها وللأرض : {ائتيا طوعا أوكرها} كلمة إيجاد وأمر تكويني كقوله لشيء أراد وجوده : كن ، قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ } [يس : 82] .

ومجموع قوله لهما : {ائتيا} إلخ وقولهما له : {أتينا} إلخ تمثيل لصفة الإيجاد والتكوين على الفهم الساذج العرفي وحقيقة تحليلية بناء على ما يستفاد من كلامه تعالى من سراية العلم في الموجودات وكون تكليم كل شيء بحسب ما يناسب حاله ، وقد أوردنا بعض الكلام فيه فيما تقدم من المباحث ، وسيجيء شطر من الكلام فيه في تفسير قوله : {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت : 21] من السورة إن شاء الله .

وقول بعضهم : إن المراد بقوله : {ائتيا} إلخ أمرهما بإظهار ما فيهما من الآثار والمنافع دون الأمر بأن توجدا وتكونا مدفوع بأن تكون السماء مذكور فيما بعد ولا معنى لتقديم الأمر بإظهار الآثار والمنافع قبل ذكر التكون .

وفي قوله : {ائتيا طوعا أوكرها} إيجاب الإتيان عليهما وتخييرهما بين أن تفعلا ذلك بطوع أوكره ، ولعل المراد بالطوع والكره - وهما بوجه قبول الفعل ونوع ملاءمة وعدمه – هو الاستعداد السابق للكون وعدمه فيكون قوله : {ائتيا طوعا أوكرها} كناية عن وجوب إتيانهما بلا مناص وأنه أمر لا يتخلف البتة أرادتا أو كرهتا سألتاه أولم تسألا فأجابتا أنهما يمتثلان الأمر عن استعداد سابق وقبول ذاتي وسؤال فطري إذ قالتا : أتينا طائعين .

وقول بعضهم : إن قوله : {طوعا أوكرها} تمثيل لتحتم تأثير قدرته تعالى فيهما واستحالة امتناعهما من ذلك لا إثبات الطوع والكره لهما .

مدفوع بقوله بعد : {قالتا أتينا طائعين} إذ لوكان الترديد المذكور تمثيلا فقط من غير إثبات كما ذكره لم يكن لإثبات الطوع في الجواب وجه .

وقوله : {قالتا أتينا طائعين} جواب السماء والأرض لخطابه تعالى باختيار الطوع ، والتعبير باللفظ الخاص بأولي العقل - طائعين - لمكان المخاطبة والجواب وهما من خواص أولي العقل ، والتعبير بلفظ الجمع دون أن تقولا : أتينا طائعتين لعله تواضع منهما بعد أنفسهما غير متميزة من سائر مخلوقاته تعالى المطيعة لأمره فأجابتا عن لسان الجميع ، نظير ما قيل في قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة : 5] .

ثم إن تشريك الأرض مع السماء في خطاب {ائتيا} إلخ مع ذكر خلقها وتدبير أمرها قبلا لا يخلو من إشعار بأن بينهما نوع ارتباط في الوجود واتصال في النظام الجاري فيهما وهو كذلك فإن الفعل والانفعال والتأثير والتأثر دائر بين أجزاء العالم المشهود .

وفي قوله : {فقال لها وللأرض} تلويح على أي حال إلى كون {ثم} في قوله : {ثم استوى} للتراخي بحسب رتبة الكلام .

قوله تعالى : {فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها} الأصل في معنى القضاء فصل الأمر ، وضمير {هن} للسماء على المعنى ، و{سبع سموات} حال من الضمير و{في يومين} متعلق بقضاهن فتفيد الجملة أن السماء لما استوى سبحانه إليها وهي دخان كان أمرها مبهما غير مشخص من حيث فعلية الوجود ففصل تعالى أمرها بجعلها سبع سماوات في يومين .

وقيل : إن القضاء في الآية مضمن معنى التصيير و{سبع سموات} مفعوله الثاني ، وقيل فيها وجوه أخر لا يهمنا إيرادها .

والآية وما قبلها ناظرة إلى تفصيل ما أجمل في قوله : {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } [الأنبياء : 30] .

وقوله : {وأوحى في كل سماء أمرها} قيل : المراد بأمر السماء ما تستعد له أو تقتضيه الحكمة فيها من وجود ملك أو كوكب وما أشبه ذلك ، والوحي هو الخلق والإيجاد ، والجملة معطوفة على قوله : {قضاهن} مقيدة بالوقت المذكور للمعطوف عليه ، والمعنى وخلق في كل سماء ما فيها من الملائكة والكواكب وغيرها وأنت خبير بأن إرادة الخلق من الوحي وأمثال الملك والكوكب من الأمر تحتاج إلى عناية زائدة لا تثبت إلا بدليل بين ، وكذا تقيد الجملة المعطوفة بالوقت المذكور في المعطوف عليها .

وقيل : المراد بالأمر التكليف الإلهي المتوجه إلى أهل كل سماء من الملائكة والوحي بمعناه المعروف والمعنى وأوحى إلى أهل كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة .

وفيه أن ظاهر الآية وقد قال تعالى : {في كل سماء} ولم يقل : إلى كل سماء لا يوافقه تلك الموافقة .

وقيل : المراد بأمرها ما أراده الله منها ، وهذا الوجه في الحقيقة راجع إلى أحد الوجهين السابقين فإن أريد بالوحي الخلق والإيجاد رجع إلى أول الوجهين وإن أريد به معناه المعروف رجع إلى ثانيهما .

والذي وقع في كلامه تعالى من الأمر المتعلق بوجه بالسماء يلوح إلى معنى أدق مما ذكروه فقد قال تعالى : {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } [السجدة : 5] ، وقال : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق : 12] ، وقال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ } [المؤمنون : 17] .

دلت الآية الأولى على أن السماء مبدأ لأمره تعالى النازل إلى الأرض بوجه والثانية على أن الأمر يتنزل بين السماوات من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى الأرض ، والثالثة على أن السماوات طرائق لسلوك الأمر من عند ذي العرش أو لسلوك الملائكة الحاملين للأمر إلى الأرض كما يشير إليه قوله : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر : 4] ، وقوله : {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان : 4] .

ولوكان المراد بالأمر أمره تعالى التكويني وهو كلمة الإيجاد كما يستفاد من قوله : {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} [يس : 82] ، أفادت الآيات بانضمام بعضها إلى بعض أن الأمر الإلهي الذي مضيه في العالم الأرضي هو خلق الأشياء وحدوث الحوادث تحمله الملائكة من عند ذي العرش تعالى وتسلك في تنزيله طرق السماوات فتنزله من سماء إلى سماء حتى تنتهي به إلى الأرض .

وإنما تحمله ملائكة كل سماء إلى من دونهم كما يستفاد من قوله : {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [سبأ : 23] وقد تقدم الكلام فيه والسماوات مساكن الملائكة كما يستفاد من قوله : {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} [النجم : 26] ، وقوله {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات : 8] .

فللأمر نسبة إلى كل سماء باعتبار الملائكة الساكنين فيها ، ونسبة إلى كل قبيل من الملائكة الحاملين له باعتبار تحميله لهم وهو وحيه إليهم فإن الله سبحانه سماه قولا كما قال : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ } [النحل : 40] .

فتحصل بما مر أن معنى قوله : {وأوحى في كل سماء أمرها} أوحى في كل سماء إلى أهلها من الملائكة الأمر الإلهي .

المنسوب إلى تلك السماء المتعلق بها ، وأما كون اليومين المذكورين في الآية ظرفا لهذا الوحي كما هما ظرف لخلق السماوات سبعا فلا دليل عليه من لفظ الآية .

قوله تعالى : {وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم} توصيف هذه السماء بالدنيا للدلالة على أنها أقرب السماوات من الأرض وهي طباق بعضها فوق بعض كما قال : {خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [الملك : 3] .

والظاهر من معنى تزيينها بمصابيح وهي الكواكب كما قال : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات : 6] أن الكواكب في السماء الدنيا أو دونها كالقناديل المعلقة ولو كانت متفرقة في جميع السماوات من غير حجب بعضها بعضا لكون السماوات شفافة كما قيل كانت زينة لجميعها ولم تختص الزينة ببعضها كما يفيده السياق فلا وجه لقول القائل : إنها في الجميع لكن لكونها ترى متلألئة على السماء الدنيا عدت زينة لها .

وأما قوله : {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح : 15 ، 16] فهو بالنسبة إلينا معاشر المستضيئين بالليل والنهار كقوله : {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ : 13] .

وقوله : {وحفظا} أي وحفظناها من الشياطين حفظا كما قال : {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر : 17 ، 18] .

وقوله : {ذلك تقدير العزيز العليم} إشارة إلى ما تقدم من النظم والترتيب .

كلام فيه تتميم

قد تحصل مما تقدم : أولا : أن المستفاد من ظاهر الآيات الكريمة - وليست بنص - أن السماء الدنيا من هذه السبع هي عالم النجوم والكواكب فوقنا .

وثانيا : أن هذه السماوات السبع المذكورة جميعا من الخلق الجسماني فكأنها طبقات سبع متطابقة من عالم الأجسام أقربها منا عالم النجوم والكواكب ، ولم يصف القرآن شيئا من السماوات الست الباقية دون أن ذكر أنها طباق .

وثالثا : أن ليس المراد بالسماوات السبع الأجرام العلوية أو خصوص بعضها كالشمس والقمر أو غيرهما .

ورابعا : أن ما ورد من كون السماوات مساكن للملائكة وأنهم ينزلون منها بأمر الله حاملين له ويعرجون إليها بكتب الأعمال ، وأن للسماء أبوابا لا تفتح للكفار وأن الأشياء والأرزاق تنزل منها وغير ذلك مما تشير إليه متفرقات الآيات والروايات يكشف عن أن لهذه الأمور نوع تعلق بهذه السماوات لا كتعلق ما نراه من الأجسام بمحالها وأماكنها الجسمانية الموجبة لحكومة النظام المادي فيها وتسرب التغير والتبدل والدثور والفتور إليها .

وذلك أن من الضروري اليوم أن لهذه الأجرام العلوية كائنة ما كانت كينونة عنصرية جسمانية تجري فيها نظائر الأحكام والآثار الجارية في عالمنا الأرضي العنصري والنظام الذي يثبت للسماء وأهلها والأمور الجارية فيها مما أشرنا إليه يباين هذا النظام العنصري المشهود .

أضف إلى ذلك ما ورد أن الملائكة خلقوا من نور ، وأن غذاءهم التسبيح ، وما ورد من توصيف خلقهم ، وما ورد في توصيف خلق السماوات وما خلق فيها إلى غير ذلك .

فللملائكة عوالم ملكوتية سبعة مترتبة سميت سماوات سبعا ونسبت ما لها من الخواص والآثار إلى ظاهر هذه السماوات بلحاظ ما لها من العلو والإحاطة بالنسبة إلى الأرض تسهيلا للفهم الساذج .

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص294-301 .

2- ظاهر الآيتين وان كان اختصاصهما بذوي العقول لكنهما وخاصة الثانية تفيدان ان المراد بالسؤال هو الحاجة والاستعداد وعليه فالآية تعم للنيات والاتيان بضمير أولي العقل للتغليب .

ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات :

{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ} . لا وقت ولا مكان قبل خلق الكون ، لا شيء على الإطلاق إلا الواحد القهار ، وعليه يكون المراد باليومين الدفعتان أو الطوران - كما قيل - وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 53 من سورة الأعراف ج 3 ص 338 . . وبالمناسبة نذكر ما قاله بعض الأدباء حول بعض الآيات : (ان أسلوب القرآن يختلف عن كل الأساليب ، فهو حين يشير إلى مسألة علمية لا يعرضها كما يعرضها علماء الطبيعة بالمعادلات والتفاصيل ، بل يقدمها بالإشارة والرمز واللمحة الخاطفة بكلمة قد يفوت فهمها على معاصريها ، ولكنه يعلم أن التاريخ والمستقبل سوف يشرح هذه الكلمة ويثبتها تفصيلا) . وقد جاءت هذه الحقيقة على لسان ابن عباس منذ حوالي 14 قرنا حيث قال : لا تفسروا القرآن الزمان يفسره . أي لا تتعمقوا في تفسير الآيات الكونية فإن تقدم العلم كفيل بالكشف عن أسرارها .

{وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها} أي جبالا فوق الأرض ونحوه الآية 15 من سورة النحل : {وأَلْقى فِي الأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} . {وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ} . بارك سبحانه بما حوته من نبات ومعادن وبترول وغيره ، والمراد بقدر أقواتها ان ما في الأرض من خيرات هي على قدر ما فيها من الأحياء الذين يحتاجون إلى القوت مهما بلغ عددهم .

وقال جماعة من المفسرين : ان اليومين الأولين هما من جملة الأيام الأربعة أي ان خلق الأرض وتقدير الأقوات فيها ، كل ذلك تم في أربعة أيام من أيام اللَّه ، والمراد بالسائلين هنا كل من يحتاج إلى القوت ، وسواء تومئ إلى أن اللَّه ما جعل خير الأرض لجنس دون جنس أو فئة دون فئة ، بل الخلائق بكاملها سواء في رزقه وفضله ، وإذا وجد جائع فإنما هومن ظلم القوي للضعيف . انظر تفسير الآية 56 من سورة الأعراف ج 3 ص 340 فقرة اللَّه أصلح الأرض والإنسان أفسدها .

ما هو الحل لمشكلة الجوع ؟

ولمناسبة قوله تعالى عن الأرض : {وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها} نشير إلى الذين قالوا : ان السبب الأول لوجود الجوع في العالم هو تضخم سكان الأرض وتزايدهم يوما بعد يوم بينا أقوات الأرض وخيراتها لا تفي بحاجة السكان ، ولا تتناسب مع زيادة انتاج الأطفال ، ثم اختلف هؤلاء فيما بينهم على وجه الحل لهذه المشكلة ، فمن قائل : ان الحل هو حتمية الحروب الطاحنة ، وتقتيل الناس بالملايين حتى يحصل التوازن بين عدد السكان وانتاج الغذاء . . وقد روّج لهذا الرأي الذين يملكون الصناعة العسكرية ومعهم الذين يحتكرون موارد الأرض ومقدراتها ، ويكدسون الثروات على حساب الملايين وبؤسهم وشقائهم .

وقال آخرون : إذا لم تكن الحرب فلتكن الأمراض والأوبئة المهلكة ، وشاع رأي ثالث ، وهو تحديد النسل وتخطيطه . ولا ضرر في هذا الرأي فإن تحديد النسل حق طبيعي وشرعي لكل إنسان ، شريطة أن يكون التحديد قبل وجود النسل ، بل وقبل استقرار النطفة في الرحم واستعدادها لتكوين الجنين ، أما الرأي القائل بضرورة انتشار الأوبئة فهو موبوء . وكفى القول الأول وهنا ان القائلين به هم تجار الحروب الاستعمارية ، وأصحاب الشركات الاحتكارية والسيطرة الاقتصادية على البلاد الفقيرة النامية .

ان السبب الأول لمشكلة الجوع يكمن في صراع قوى الشر على خيرات الأرض واحتكار مقدراتها ، وفي رفاهية الفئة القليلة على حساب شقاء الفئة الكثيرة ، وفي إحراق المحاصيل الزراعية للمحافظة على الغلاء وارتفاع الأسعار ، وفي إلقاء ألوف الأطنان من المواد الكيماوية السامة على القرى والمزارع في مناطق واسعة شاسعة بفيتنام وغيرها ، وفي توجيه العلم إلى الانتاج الحربي والصناعة العسكرية .

ولو اتجه العلم إلى الانتاج السلمي فقط لزادت خيرات الأرض عن حاجة أهلها وكانت الأرزاق كالتراب . فقد نشرت {مجلة اليونسكو} بحثا جاء فيه : ان تكاليف قذيفة كبيرة واحدة تكفي لبناء 75 مستشفى ، بكل واحد منها مائة سرير بكامل المعدات ، أو شراء خمسين ألفا من الجرارات الزراعية التي يمكن أن تحرث ملايين الأفدنة بدلا من حرثها بمن عليها بقنابل الدمار . . وقد أنفقت الولايات المتحدة على حرب فيتنام وحدها 400 بليون دولار دون أن تنهي الحرب . . أليست هذه البلايين من بعض خيرات الأرض وبركاتها ؟ ولو أنفقت في سبيل الزراعة لكانت كافية وافية بزرع جميع الصحاري والبحار وبعض الكواكب أيضا ، ولعاش أهل الأرض ومعهم أمثالهم في هناء ورخاء .

وأيضا لو صح الرأي القائل : ان خيرات الأرض وأقواتها لا تفي بحاجة أهلها لكان معنى هذا ان اللَّه لم يحسن التقدير والتدبير ، وانه أخطأ في إحصاء سكان الأرض على مدى الأزمان ، أوانه أخطأ في تقدير ما يحتاجونه من الأقوات . .

تعالى اللَّه عما يقول الجاهلون . . ان الحل لمشكلة الجوع لا يكون بالحروب ، ولا بانتشار الأوبئة ، ولا بتحديد النسل ، وأية جدوى من هذا التحديد ما دام في الناس ظالم ومظلوم ، وآكل ومأكول ، وإنما الحل لهذه المشكلة هو إزالة الموانع التي تحول بين الإنسان وأسباب معيشته ، هو استغلال خيرات الأرض لإنتاج الغذاء والكساء ، ولسد كل ما يحتاجه الإنسان الحاضر والآتي .

{ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوكَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} . استوى قصد ، وقالتا أتينا طائعين كناية عن قدرة اللَّه وانقياد الكون لأمره ، وتومئ الآية إلى أن الفضاء قبل خلق الكواكب كان فيه شيء كالدخان {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} . والسماوات السبع هي الأكوان الفضائية العلوية السبعة ، وليس الكواكب السبعة . انظر تفسير الآية 17 من سورة المؤمنون ج 5 ص 362 فقرة (معنى السماوات السبع) أما اليومان فهما الدفعتان أو الطوارن كما قيل .

{وأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها} أي خلق في كل سماء ما فيها من الكواكب وغيرها مما علمه عند ربي {وزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ} وهي الكواكب التي تضيء كالمصابيح ( وحفظا ) يحفظ اللَّه الكواكب في استمرارها على نهج واحد {ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} . ذلك إشارة إلى كل ما تقدم من خلق الأرض وأقواتها ، وخلق السماء وزينتها وحفظها ، ولا يكون ذلك إلا من قادر حكيم ، ومدبر عليم .

هذا كل ما نملك من الفهم والعلم في تفسير هذه الآيات ، نذكره بتحفظ مؤمنين باللَّه وقدرته ، وبكل غيب أشار إليه في كتابه بكلمة لا نعرف معناها على وجهه ولا ندرك سرها على حقيقته . . ولو ألححنا في طلب المزيد من المعرفة لا نجد أمامنا إلا النقل من كتب أهل الاختصاص ، على أنهم لا يقيمون البراهين القاطعة على ما يثبتون وينفون إلا قليلا . ومن أراد الاطلاع على أقوالهم فليرجع إلى كتاب (الكون العجيب) لقدري حافظ طوقان وكتاب (مع اللَّه في السماء) لأحمد زكي وغيره .

فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ ١٣ إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ ١٤ فَأَمَّا عَادٞ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ وَكَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ ١٥ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ ١٦ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٧ وَنَجَّيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ١٨

" فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ " يقول الله تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق ان أعرضتم عما جئتكم به من عند الله تعالى فانى أنذركم حلول نقمة الله بكم كما حلت بالأمم من المكذبين بالمرسلين كما وقع لعاد وثمود ومن شاكلهما ممن فعل كفعلهما والمقصود بالصاعقة هو ما وقع عليهم من العذاب السريع الذى وقع وقوع الصاعقة ، " إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ " بعث الله اليهم الرسل وفى القرى المجاورة لبلادهم يأمرون بعبادة الله وحده لا شريك له ومبشرين ومنذرين ومع ما رأوا ما احل الله بأعدائهم من النقم وما ألبس أولياءه من النعم ومع هذا ما آمنوا ولا صدقوا بل كذبوا وجحدوا وقالوا لو أرسل الله رسلا لكانوا ملائكة من عنده وانكم أيها البشر لا نؤمن بما أرسلتم به ولا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا ، " فَأَمَّا عَادٞ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ " يتحدث الله عز وجل عن عاد فقال عنهم أنهم بغوا وعتوا وعصوا وخرجوا عن سبيل الله واتبعوا الضلال وخرجوا عن الحق الذى أرسله الله ، " وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ" اغتروا بما آتاهم الله ومنوا بشدة تركيبهم وقواهم واعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله ، "أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّة" أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة فانه العظيم الذى خلق الأشياء وركب فيها قواها وأن بطشه شديد وخلق من أشد منهم قوة كما قال تعالى "والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون " ،"وَكَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ " فبارزوا الجبار بالعداوة وجحدوا بآياته وعصوا رسله فلهذا قال " فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا"  الريح الصرصر قال بعضهم هى شديدة الهبوب وقيل الباردة وقيل هى التى لها صوت من شدتها والحق أنها متصفة بجميع ذلك فانها كانت ريحا شديدة قوية لتكون عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم وكانت باردة وشديدة البرد جدا كقوله " بريح صرصر عاتية " أى باردة شديدة وكانت ذات صوت مزعج ومنه سمى النهر المشهور صرصرا لقوة صوت جريه ،" فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَات" فى أيام متتابعات كما قال "سبع ليال وثمانية أيام حسوما " وكقوله " فى يوم نحس مستمر " ابتدأوا بهذا العذاب فى يوم نحس عليهم واستمر بهم هذا النحس"سبع  ليال وثمانية أيام حسوما " حتى أبادهم عن آخرهم ،" لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ " واتصل بهم خزى الدنيا بعذاب الآخرة وسيكون عذاب الآخرة أشد خزيا لهم وهم لن ينصروا فى الآخرة كما لم ينصروا فى الدنيا وما كان لهم من الله من واق يقيهم العذاب ويدرأ عنهم النكال ، " وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ " يتحدث الله عزوجل عن ثمود فيقول بينا لهم ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح عليه السلام فخالفوه وكذبوه وعقروا ناقة الله تعالى التى جعلها آية وعلامة على صدق نبيهم ، " فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ"بعث الله عليهم صيحة ورجفة وذلا وهوانا وعذابا ونكالا ، " بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ " وهذا جزاءا لهم لما اقترفوه من التكذيب والجحود وما اكتسبوا من الاثم ، " وَنَجَّيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ " يقول الله عز وجل أنه نجى من بين أظهرهم نبيهم صاله عليه السلام ومن كان معه من المؤمنين بايمانهم وتقواهم لله عزوجل لم يمسهم سوء ولا نالهم من ذلك ضرر .

وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ ١٩ حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٠ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٢١ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ٢٢ وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٢٣ فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ ٢٤ ۞

" وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ " يقول الله تعالى حدث هؤلاء المشركين أعداء الله عن يوم يحشرون الى النار يوزعون أى تجمع الزبانية أولهم على آخرهم كما قال عز وجل " ونسوق المجرمين الى جهنم وردا " أى عطاشا ، " حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " يخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفار اذا وقفوا على النار فان حواسهم من سمع وبصر وحس ولمس وغير ذلك وكل أعضاء بدنهم تشهد بأعمالهم مما قدموه وأخروه ولا يكتم منه حرف ، " وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَا" يلوم الكفار جلودهم وخص هما الجلد لانه يعم كل أعضاء البدن أى كل أعضاءهم حين شهدوا عليهم فعند ذلك أجابتهم الأعضاء " قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ " تقول الأعضاء الذى أنطقنا هو الله الذى يسيركل شىء بأمره يقول كن فيكون وهو الذى خلقكم أول مرة من تراب من عدم حين خلق آدم عليه السلام وخلق منه ذريته وهو الذى يرجعكم يوم القيامة فهو لا يخال ولا يمانع وهو على كل شىء قدير وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقول هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقول أهلك عشيرتك فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله تعالى وتشهد عليهم ألسنتهم ويدخلهم النار " وقد تقدم أحاديث كثيرة وآثار عند قوله تعالى فى سورة يس"اليوم  نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " ، " وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ " تقول الأعضاء والجلود للكفار حين يلومنها على الشهادة عليهم ما كنتم تكتمون منا الذى كنتم تفعلونه بل وكنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصى ولا تبالون منه فى زعمكم ولهذا قال تعالى "  وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ " أى أنكم كنتم تعتقدون أن الله لا يعلم جميع أفعالكم ، " وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ " هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذى أهلككم وهو الذى أتلفكم عند ربكم وفى مواقف يوم القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم وخسرتم كل شىء  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال تعالى أنا مع عبدى عند ظنه بى وأنا معه اذا دعانى " فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل وأما الكافر والمنافق والمشرك فأساء الظن بالله فاساء العمل وعن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يموتن أحد منكم الا وهو يحسن بالله الظن فان قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله تعالى " وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ "  ، "  فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ "  قال ابن جرير " وان يستعتبوا " أى يسالوا الرجعة الى الدنيا فلا جواب لهم يقول الله عز وجل متحدثا عن الكافرين أنهم سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا هم فى النار لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها ، وان طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذارا فما لهم أعذار ولا تقال لهم عثرات وهذا كقوله تعالى اخبارا عنهم " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون * قال اخسئوا فيها ولا تكلمون " .

وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ ٢٥ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ ٢٦ فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابٗا شَدِيدٗا وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٧ ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ ٢٨ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ ٢٩

" وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ " يذكر الله تعالى أنه هو الذى أضل المشركين وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته وهو الحكيم فى أفعاله بما قيض لهم من القرناء من شياطين الانس والجن فحسنوا لهم أعمالهم فى الماضى وبالنسبة للمستقبل فلم يروا أنفسهم الا محسنين كما قال تعالى " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون " الذين ضلوا يزيدهم الله ضلالا ويزين لهم حسن أعمالهم حتى اذا أخذهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر  ،"وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ"  " حق على هؤلاء الكافرين العذاب كماحق على أمم قد خلت من قبلهم ممن فعل فعلهم من الجن والانس ،" إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ " استووا جميعا فى الخسار والدمار،" وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ" تواصوا فيما بينهم عن الاعراض عن القرآن وعن مجرد السماع له فهم بالتالى لا يطيعوا القرآن ولا ينقادوا الى أوامره ، " وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ " اذا تلى القرآن لاتسمعوا له وعلاوة على ذلك كما قال مجاهد "والغوا فيه " يعنى يقابلوه بالمكاء وهو الصياح والصفير والتخليط فى المنطق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قريش تفعل ذلك وقال ابن عباس عيبوه وقال قتادة اجحدوا به وأنكروه وعادوه ، " لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ " فى اعتقاد الكفار أنهم اذا فعلوا ذلك فقد فازوا بالصد عن سبيل الله ومنع كلمة الله أن ترتفع وتبلغ الاسماع وهذا اسلوب الضعيف الجبان الذى لا يواجه الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان وفى المثل العام "خذوهم بالصوت ليغلبوكم " وهذا حال الجهلة من الكفار ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بخلاف ذلك فقال تعالى " واذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "  ، " فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابٗا شَدِيدٗا وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " قال الله عزوجل منتصرا للقرآن ومنتقما ممن عاداه من أهل الكفر وتوعدهم بشديد العذاب وأنه سوف يجزيهم بشر أعمالهم وسيىء أفعالهم ،" ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ " فصل الله تعالى ما سيلحق بالكفار أعدائه  من عذاب شديد وهى النار يخلدون فيها جزاء جحودهم بآيات الله وكفرهم بها ، " وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ "  كما تقدم فى سورة الأعراف يسأل الأتباع الله تعالى  أن يعذب قادتهم من الجن والانس  أضعاف عذابهم وليكونوا فى درك أسفل منهم فى النار ليكونوا أشدعذابا منهم وقال الله تعالى ردا على ذلك " قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " أى أنه تعالى قد أعطى كلا منهم ما يستحقه من العذاب والنكال بحسب عمله وافساده كما قال تعالى " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون " .

إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ٣٠ نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ٣١ نُزُلٗا مِّنۡ غَفُورٖ رَّحِيمٖ ٣٢

" إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ " يقول الله ان الذين يؤمنون به وحده لا شريك ربهم ورب كل شىء وأخلصوا العمل لله وعملوا بطاعة الله على ما شرع الله لهم وقال ابن عباس استقاموا على شهادة أن لا اله الا الله وقال الزهرى تلا عمر رضى الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا والله لله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب وقال ابن عباس استقاموا على أداء فرائض الله وكان الحسن يقول اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة وقال أبو العالية أخلصوا لله الدين والعمل وعن سفيان بن عبد الله الثقفى قال قلت يارسول الله حدثنى بأمر أعتصم به قال صلى الله عليه وسلم " قل ربى الله ثم استقم - قلت يارسول الله ما أكثر مل تخاف على ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه ثم قال - هذا " ، " تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ " قال مجاهد وغيره يعنى تتنزل عليهم عند الموت وقيل أن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم كما قال ابنعباس وغيره قائلين " أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ "  قال مجاهد وغيره لا تخافوا مما تقدمون عليه من عمل الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتموه من أمر الدنيا من ولد وأهل ومال أو دين فانا نخلفكم فيه فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير بدخول الجنة التى وعدهم الله بها وقال زيد بن أسلم يبشرونه عند موته وفى قبره وحين يبعث وهذا القول يجمع الأقوال كلها وهو الواقع وجاء فى حديث البراء رضى الله عنه قال " ان الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجى أيتها الروح الطيبة فى الجسد الطيب كنت تعمرينه اخرجى الى روح وريحان ورب غير غضبان "، " نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ" تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار نحن كنا أولياءكم أى قرناءكم فى الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم فى الآخرة نؤنس منك الوحشة فى القبور وعند النفخة فى الصور ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوزكم الصراط المستقيم ونوصلكم الى جنات النعيم  ، "وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ " لكم فى الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس وتقر به العيون ومهما طلبتم وجدتم وحضر بين أيديكم كما اخترتم ،"نُزُلٗامِّنۡ غَفُورٖ رَّحِيم " هذا الجزاء ضيافة وعطاء وانعام من غفور لذنوبكم رحيم بكم رؤوف حيث غفر وستر ورحم ولطف وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومنكره لقاء الله كره الله لقاءه " قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت قال صلى الله عليه وسلم " ليس ذلك كراهية الموت ولكن المؤمن اذا حضر جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر اليه فليس شىء أحب اليه من أن يكون قد لقى الله تعالى فأحب الله لقاءه " .

وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٣ وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ ٣٤ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ ٣٥ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٣٦

" وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ " يقول الله عز وجل مادحا ومثنيا ليس هناك من هو أحسن قولا من الذى دعا عباد الله الى عبادة الله واتباع سبيله وهونفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق الى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة فى كل من دعا الى خير وهو نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك وعن حسن البصرى أنه تلا هذه الآية فقال هذا حبيب الله هذا ولى الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض الى الله أجاب الله فى دعوته ودعا الناس الى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا فى اجابته وقال اننى من المسلمين هذا خليفة الله ،" وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ" يقول الله عز وجل هناك فرق عظيم بين الحسنة والسيئة فهما لا يستويان ، " ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ " من أساء اليك فادفعه عنك بالاحسان اليه كما قال عمر رضى الله عنه : ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ،" فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم" الولى الحميم هو الصديق الشديد الصداقة والحب أى اذا أحسنت الى من أساء اليك قادته تلك الحسنة اليه الى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولى لك حميم أى قريب اليك من الشفقة عليك والاحسان اليك ، "  وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ " وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها الا من صبر على ذلك فان ذلك يشق على النفوس ويحتاج الى الصبر وهو ملاقاة السيئة بالحسنة،" وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم"من يقبل هذه الوصية ويعمل بها فهو ذو نصيب وافر من السعادة فى الدنيا والآخرة وقال ابن عباس فى تفسير هذه الآية : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الاساءة فاذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولى حميم ، " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ" يتحدث الله عن اللجوء اليه فى حالة وسوسة الشيطان فان شيطان الانس ربما ينخدع بالاحسان اليه فأما شيطان الجن فانه لا حيلة فيه اذا وسوس الا الاستعاذة بخالقه الذى سلطه عليك فاذا استعذت بالله والتجأت اليه كفه عنك ورد كيده كما فى سورة الأعراف " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم " وفى سورة المؤمنين " ادفع بالتى هى أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون "  وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام الى الصلاة يقول " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " ،" إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ " الله وحده يسمع كل صغيرة وكبيرة لا تخفى عليه خافية هو العليم بما يقوله عباده وما يفعلونه .

وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ ٣٧ فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسَۡٔمُونَ۩ ٣٨ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ٣٩

" وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ" يقول الله عزوجل منبها خلقه على قدرته العظيمة وأنه لا نظير له وأنه على ما يشاء قدير فهو الذى خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه وهما متعاقبان لا يفتران ، والشمس ونورها واشراقها والقمر وضياؤه وتقدير منازله فى فلكه واختلاف سيره فى سمائه ليعرف باختلاف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار والجمع والشهور ويتبين بذلك حلول الحقوق وأوقات العبادات والمعاملات ، "لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ " لما كان الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة فى العالم العلوى والسفلى نبه تعالى على أنهما مخلوقان مسخران تحت قهره وتسخيره ونهى عن الشرك به وعبادتهما واتخاذهما آلهة من دونه كما فعلت الأمم السابقة فى عبادة الشمس والقمر فالله هو عزوجل خالقهما فلا تكون العبادة والصلاة والسجود والركوع الا اليه وحده ولا تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره فانه لا يغفر أن يشرك به ولهذا قال تعالى"فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ " فان استكبر أحد من عباده عز وجل عن افراد العبادة له وحده لا شريك له وأبوا الا أن يشركوا معه غيره ، " فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسَۡٔمُونَ" الذين عند الله رب العباد هم الملائكة وهم يسبحون له طوال الوقت من الليل والنهار وهم لايصابون بالملل والكلل كقوله تعالى " فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بكافرين " وعن جابر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الرياح فانها ترسل رحمة لقوم وعذابا لقوم " ، " وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ" ومن الدلائل على قدرته عز وجل على اعادة الموتى ،" أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَة"  تشاهد الأرض وهى هامدة لا نبات فيها بل هى ميتة ، "  فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ" هذه الأرض يحييها الله عما يحيى الأموات فاذا نزل عليها المطر أخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار ،"إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ " ان الله عز وجل الذى أحيا هذه الأرض الموات هو الذى يحيى الأموات فهو الذى بحوله يقدر على كل شىء اذا قال له كن فيكون .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ٤٠ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ٤١ لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢ مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٖ ٤٣

" إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا " الالحاد وضع الكلام على غير مواضعه وقال قتادة وغيره هو الكفر والعناد  ويقول الله عزوجل ان الذين يكفرون بآياته ويغيرون ما أنزل من الآيات ويخرجونها عن مواضعها أو بالانكار لها وما جاءت به ، " لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآ" هذا فيه تهديد شديد ووعيد أكيد أنه عزوجل عالم بمن يلحد فى آياته وأسمائه وصفاته وسيجزيه على ذلك بالعقوبة والنكال ولهذا قال عزوجل ،" أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ" هل يستوى يوم القيامة فى الفضل والنعمة من كان كافرا ملحدا فى آيات الله ويلقى فى النار ليذوق العذاب الأليم ومن هو مؤمن بالله وآياته فيظله الله بأمنه من العذاب وينجيه من النار وهو فى مأمن منها  ،" ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ "يقول الله مهددا الكفار اعملوا ما شئتم من خير أو شر حسب ما تصوره لكم أنفسكم فالله سبحانه وتعالى يترك للعباد حرية الفعل ويكون حسابه يوم القيامة فالله عز وجل عالم بكم وبصير بأعمالكم وسيجازيكم به ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيز لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيد "الذكر هو القرآن الكريم بعد أن ذكر الله عز وجل الذين يلحدون فى آياته وعاقبتهم فى الآخرة ذكر الله الذين كفروا بالقرآن الكريم وهم من بينهم من كفار مكة عندما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وجاءهم به وهوكتاب عزيز أى منيع الجانب لا يرام أن يأتى أحد بمثله وليس للبطلان وهو البعد عن طريق الحق اليه سبيل لأنه منزل من رب العالمين الحكيم فى أقواله وأفعاله وحميد بمعنى محمود أى فى جميع ما يأمر به وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته ، " مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَ" يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مسريا عنه ما يقال لك من التكذيب قد قيل مثله للرسل من قبلك فكما كذبت كذبوا وكما صبروا على أذى قومهم لهم فاصبر أنت على أذى قومك لك ، " إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيم " وعقب الله على ذلك بقوله تعالى أن بابه مفتوح فهو عزوجل ذو مغفرة لمن تاب اليه وهو كذلك ذو عقاب أليم لمن استمر على كفره وطغيانه وعناده وشقاقه ومخالفته وعن سعيد بن المسيب رضى الله عنه قال لما نزلت هذه الآية " إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش ، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد " .

وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيّٗا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥٓۖ ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّٞۗ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ ٤٤ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ ٤٥

" وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيّٗا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥٓۖ ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّ" لما ذكر الله عز وجل القرآن وفصاحته وبلاغته واحكامه فى لفظه ومعناه ومع هذا لم يؤمن به المشركون نبه على أن كفرهم به كفرعناد وتعنت فلوأنزل القرآن كله بلغة العجم لقالوا على وجه التعنت والعناد لولا فصلت أى وضحت آياته وأنزل مفصلا بلغة العرب ولأنكروا ذلك فقالوا أأعجمى وعربى أى كيف ينزل كلام أعجمى على مخاطب عربى لا يفهمه ؟ كما قال ابن عباس وغيره وقيل المراد بقولهم لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى أى هل أنزل بعض آياته بالأعجمى وبعضها بالعربى ؟ وهذا كما قال تعالى عن تعنت الكفار " ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين " ، " قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآء" يقول الله عز وجل مخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم قل يا محمد أن هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما فى الصدور من الشكوك والريب ، " وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡر" أما الذين كفروا لا يفهمون ما فيه فآذانهم مسدودة عن السمع معزولة عنه ، " وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًى" فهم فى عمى عنه لا يهتدون الى ما فيه من البيان كما قال تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا"،  "أُوْلَٰٓئِكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۢ بَعِيد" قال ابن جرير كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون ما يقولون وقال مجاهد يعنى بعيد من قلوبهم وهذا كمثل قوله تعالى " ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون " وقال الضحاك ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم ،" وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ" يتحدث الله تعالى عن موسى عليه السلام أنه أنزل اليه الكتاب وهو التوراة ولم يتفق عليه بنى اسرائيل حرفوا وبدلوا فيه وحدث بينهم خلاف عليه وفى هذا تسرية للرسول صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبر غيره من الرسل ومن بينهم موسى عليه السلام وما وقع معه عندما أوتى الكتاب وهو التوراة  كما قال " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل" ،"وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ" ولولا أن الله تعالى ووعده بتأخير الحساب الى يوم المعاد وهو يوم القيامة لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ، " وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيب " وما كان تكذيب هؤلاء الكفار لما جاءهم من الحق ومن بين ذلك يوم القيامة وأن العذاب سيلحق بهم عن بصيرة منهم لما قالوا بل كانوا شاكين فيه غير محققين لشىء كانوا فيه كما قال ابن جرير. 

مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ ٤٦ ۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ ٤٧ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَدۡعُونَ مِن قَبۡلُۖ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ ٤٨

"مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ " يقول الله عز وجل من عمل الصالح من العمل انما يعود نفع ذلك على نفسه ومن أتى بالسىء من العمل انما يرجع وبال ذلك عليه فهو عزوجل لا يعاقب أحدا الا بذنبه ولا يعذب أحدا الا بعد قيام الحجة عليه وارسال الرسول اليه ، "إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ" قول الله عز وجل ان علم الساعة أى يوم القيامة له وحده ولا يرد لأحد سواه ولا يعلمه أحد سواه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين سأله عن الساعة فقال " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " وكما قال عز وجل " الى ربك منتهاها " وكما قال " لا يجليها لوقتها الا هو"، "وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِ" الله هو العليم بكل شىء فكما أن علم الساعة له وحده فهو كذلك العليم بكل شىء ولا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء الجميع يحدث بعلمه فلا تنبت ثمرة ،ولا تحمل ولا تلد من أنثى الا بأمره وعلمه كما قال "وما تسقط من ورقة الا يعلمها " وكما قال عز وجل " يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار " وكقوله تعالى " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا فى كتاب ان ذلك على الله يسير" ،" وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي" يتحدث عز وجل أنه يوم القيامة ينادى المشركين على رؤوس الخلائق أين شركائى الذين عبدتموهم معى ، " قَالُوٓاْ ءَاذَنَّٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيد"يرد الكفار لله تعالى أعلمناك ليس أحد منا يشهد أن معك شريكا ، "وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَدۡعُونَ مِن قَبۡلُ" يقول الله عز وجل عن الكفار والمشركين أن من كانوا يدعونه من أندا وشركاء يعبدونهم من دون الله قد ذهبوا فلم ينفعوهم ،" وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيص " أى وتيقن الكفار أن لا محيد لهم من عذاب الله ولا مفر منه كقوله تعالى" ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا " .

لا يسأم الانسان من دعاء الخير وان مسه الشر فيؤس قنوط * ٤۹ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لى وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى فلنبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ * ۵۰ واذآ أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه واذا مسه الشر فذو دعاء عريض ۵۱

"لا يسأم الانسان من دعاء الخير وان مسه الشر فيؤس قنوط " يقول الله تعالى لا يمل الانسان من دعاء ربه بالخير وهو المال والبنون وصحة الجسم وغيره من متاع الدنيا وان مسه الشر وهو البلاء أو الفقر أو نقص الأموال والأنفس والثمرات يقع فى ذهنه أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير ، " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لى " واذا أصاب الانسان خير ورزق من الله بعد ما كان فى شدة ليقولن هذا لى اذ كنت أستحقه عند ربى ، "وما أظن الساعة قائمة " ويكفر بقيام الساعة أى لأجل أنه خول نعمة يبطر ويفخر ويكفر كما قال تعالى " كلا ان الانسان ليطغى * أن رآه استغنى " ، " ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى " ولئن كان لى معاد فليحسنن الى ربى كما أحسن لى فى هذه الدار الدنيا فهو يتمنى على الله عزوجل مع اساءته العمل وعدم اليقين ، " فلنبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ " يتهدد الله عزوجل من كان هذا عمله واعتقاده بالعقاب والنكال الشديد ، "واذآ أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه" يقول عز وجل أنه اذا من على الانسان وأنعم عليه بنعمة منه وفضل أعرض عن الطاعة واستكبر عن الانقياد لأوامر الله عز وجل كقوله " فتولى بركنه " ،" واذا مسه الشر فذو دعاء عريض " واذا مس الانسان الشدة يطيل المسألة فى الشىء الواحد ، فالكلام العريض ما طال لفظه وقل معناه والوجيز عكسه وهو ما قل ودل كما قال تعالى " واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا الى ضر مسه " .

قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرۡتُم بِهِۦ مَنۡ أَضَلُّ مِمَّنۡ هُوَ فِي شِقَاقِۢ بَعِيدٖ ٥٢ سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ٥٣ أَلَآ إِنَّهُمۡ فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمۡۗ أَلَآ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطُۢ ٥٤

" قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرۡتُم بِهِ" يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن كيف ترون حالكم عند الله الذى أنزل هذا القرآن الذى كفرتم به على رسوله؟ ، ولهذا قال تعالى "مَنۡ أَضَلُّ مِمَّنۡ هُوَ فِي شِقَاقِۢ بَعِيد" ليس هناك أضل ممن هو فى كفر وعناد ومشاقة للحق ومسلك بعيد عن الهدى ،" سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ" يقول الله تعالى متحديا كل البشر سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزلا من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية فى الكون من حولهم وما فى خلق الانسان وجسمه وما هومركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة كما هو مبسوط فى علم التشريح وغيره الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى وهذه الآية من آيات القرآن المعجزة الدالة على صدقه وأنه منزل من عند الله والعلم الحديث بكل ما أوتى لم يكتشف حتى الآن الا القليل وهناك الكثير الذى يجب أن يكتشف الى يوم القيامة فى كل العلوم والمعارف كما قال تعالى  " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا " وهذا القرآن لا تنقضى عجائبه الى يوم القيامة ، " أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ" كفى بالله شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم وهو يشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به عنه كما قال " لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه " ، " أَلَآ إِنَّهُمۡ فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمۡ" ورغم ذلك فان هؤلاء المشركين والكفار فى شك من قيام الساعة ولهذا لا يتفكرون فيه ولا يعملون له ولا يحذرون منه بل هو عندهم هدر لا يعبأون به وهو كائن لا محالة وواقع لا ريب فيه ، " أَلَآ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطُۢ " المخلوقات كلها تحت قهره سبحانه وتعالى  وفى قبضته وتحت طى علمه وهو المتصرف فيها كلها بحكمه فما شاء كان ولم يشأ لم يكن لا اله الا هو .


No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...