Grammar American & British

Friday, March 18, 2022

تبسيط تفسير ابن كثيرللقرآن الكريم - الجزء السادس والعشرين ( 26 )

26- ) تفسير ابن كثير للقرآن الكريم 

تفسير الجزء السادس والعشرين

تفسير سورة الأحقاف

سورة الأحقاف سورة مكية آياتها 35 آية ،وفيها سمات السور المكية من قصر الآيات ، والحديث عن قدرة الله فى الخلق ، وقضية الكفر والايمان ، والجنة والنار ،والتحدث عن أخبار الأمم السابقة ، كل هذا كان هدفه مواجهة المشركين فى مكة وتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم .

حمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ ٣ قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٤ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ ٥ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ ٦

"حمٓ " سبق الحديث عن الحروف المقطعة فى بدايات السور فى سورة البقرة ، " تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ " يخبر الله تعالى أنه أنزل الكتاب وهو القرآن الكريم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم دائما الى يوم الدين ووصف نفسه بالعزة التى لا ترام والحكمة فى الأقوال والأفعال ، " مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقّ" يقول الله عزوجل أنه خلق السموات الأرض وما بينهما لا على وجه العبث والباطل بل بالحق ، " وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ" يقول عزوجل أن خلق السموات والأرض الى مدة معينة مضروبة لا تزيد ولا تنقص وهو قيام الساعة ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ " يتحدث الله عن الكفار أنهم لاهون عما يراد بهم وقد أنزل الله تعالى اليهم كتابا وأرسل اليهم رسولا وهم معرضون عن ذلك كله وسيعلمون غب ذلك كله ، " قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ " يتحدث الله عن اتخاذ الكفار آلهة من دون الله يعبدونهم من أصنام وأوثان لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فيقول أرشدونى الى المكان الذى استقلوا بخلقه من الأرض ، " أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ" يقول عز وجل للكفار ان من اتخذتم من دون الله لا شرك لهم فى السموات ولا فى الأرض وما يملكون من قطمير ان الملك والتصرف كله الا لله عز وجل فكيف تعبدون معه غيره وتشركون به ؟ من أرشدكم الى هذا ؟ من دعاكم اليه ؟ أهو أمركم به أم هو شىء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال " ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ " يقول الله تعالى لهؤلاء الكفار هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء عليهم السلام يأمركم بعبادة هذه الأصنام ، " أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " ويخبرهم الله تعالى أن يأتوا بدليل بين على هذا المسلك الذى يسلكونه من الكفر ليدللوا على صدقهم وقرأ آخرون أو أثرة من علم أى أو علم صحيح تؤثرونه عن أحد ممن قبلكم كما قال مجاهد وقال ابن عباس أو بينة من الأمر وقال أبو بكر بن عياش أو بقية من علم وقال قتادة " أو أثارة من علم " خاصة من علم  ، " وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ " لاأضل ممن يدعو من دون الله أصناما ويطلب منها ما لا تستطيعه الى يوم القيامة وهى غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش لأنها جماد حجارة صم ، "وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ " يتحدث الله عن حال الكافرين يوم القيامة يوم الحشر الذى يجمع فيه الله العباد فى هذا اليوم يكون ما اتذوهم الكفار من أنداد وأصنام من دون الله أعداء يتخلون عنهم ويشهدون عليهم وعلى كفرهم وسيخنونهم أحوج ما يكونون اليهم ويتخلون عنهم ويجحدونهم أمام الله وهذا كقول الخليل عليه السلام " انما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " .    

وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٌ ٧ أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٨ قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٩

"وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٌ " يقول الله عزوجل مخبرا عن المشركين فى كفرهم وعنادهم أنهم اذا تتلى عليهم آيات الله بينات أى فى حال بيانها ووضوحها وجلائها يقولون عنها أنها سحر واضح وقد كذبوا وافتروا وضلوا وكفروا ، " أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُ" يتحدث هؤلاء الكفار عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ما جاء به هو كذب مفترى أى مدعيه من عنده وليس من عند الله ، " قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔاۖ" يرد الله عليهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنى لو كذبت على الله وزعمت أنه أرسلنى وليس كذلك لعاقبنى أشد العقوبة ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم أن يجيرنى منه كقوله " قل انى لن يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * الا بلاغا من الله ورسالاته " وكما قال تعالى " ولوتقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " ، " هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ" يرد الله على الكافرين فيما يدعونه مدافعا عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن الله أعلم بما يقولون ويستفيضون فى قوله وهو شاهد على وعليكم وحكم بيننا وهذا تهديد لهم ووعيد أكيد وترهيب شديد ،"وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ " والله هو الذى يغفر لعباده اذا رجعوا عما فيه من الضلال وهم رحيم بهم وهذا ترغيب لهم الى التوبة والانابة أى مع هذا كله ان رجعتم وتبتم تاب عليكم وعفا عنكم وغفر ورحم وهذه الآية كقوله عزوجل فى سورة الفرقان " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذى يعلم السر فى السموات والأرض انه كان غفورا رحيما " ، " قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ " قال ابن عباس وغيره ما أنا بأول رسول والمعنى يقول الله عز وجل مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المشركين لست بأول رسول طرق العالم بل جاءت الرسل من قبلى فما أنا بالأمر الذى لا نظير له حتى تستنكروننى وتستبعدون بعثتى اليكم فانه قد أرسل الله جل وعلا قبلى جميع الأنبياء الى الأمم ،"وَمَا ٓ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُم" يقول الله عز وجل مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم لا أدرى ما يفعل بى ولا بكم فى الدنيا أأخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم السلام من قبلى ؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلى ؟ ولا أدرى أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة ؟ وهذا قول ابن جرير فانه بالنسبة الى الآخرة جازم أنه يصير الى الجنة هو ومن اتبعه ، وأما فى الدنيا فلم يدر ما كان يئول اليه أمره وأمر مشركى قريش الى ماذا ؟ أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم ، وقال عكرمة والحسن وقتادة انها منسوخة بقوله تعالى " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " قالوا ولما نزلت هذه الآية قال رجل من المسلمين هذا قد بين الله تعالى ما هو فاعل بك يا رسول الله فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى "ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار " والذى هو ثابت فى الصحيح أن المؤمنين قالوا هنيئا لك يا رسول الله فما لنا ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار " ، " إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ " يقول الله مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم انما أتبع ما ينزله الله على من الوحى ، " وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِين" ويقول الله عز وجل مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم أنما أن نذير بين النذارة أمرى ظاهر لكل ذى لب وعقل فهو غير مسؤول عن أفعال الكافرين انما هو مرسل من ربه ليبلغ رسالته وانما الحساب عند الله وهو الذى يتولى أمر العباد .

قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَ‍َٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ ١١ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةٗۚ وَهَٰذَا كِتَٰبٞ مُّصَدِّقٞ لِّسَانًا عَرَبِيّٗا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ ١٢ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١٣ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٤

" قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِ" يقول الله تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن أرأيتم ان كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به ما ظنكم أن الله صانع بكم ان كان هذا الكتاب الذى جئتكم به قد أنزله على لأبلغكموه وقد كفرتم به وكذبتموه شهد بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء عليهم السلام قبلى بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر به هذا القرآن ، " وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِ فَ‍َٔامَنَ " أى هذا الذى شهد بصدقه من بنى اسرائيل لمعرفته بحقيقته آمن به ،"وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ" وأنتم والخطاب موجه الى المشركين من قريش أعرضتم واستكبرتم عن اتباعه وقال مسروق فآمن هذا الشاهد بنبيه وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ " والله لا يهدى الكفار نتيجة أفعالهم فهو أعلم بمن يستحق الهداية وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام رضى الله عنه وغيره فان هذه الآية مكية نزلت قبل اسلام عبد الله بن سلام رضى الله عنه وقال مسروق والشعبى ليس بعبد الله بن سلام هذه الآية مكية واسلام عبد الله بن سلام رضى الله عنه كان بالمدينة ،"وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ" يقول الله تعالى مخبرا عن الكافرين أنهم قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء اليه يعنون بلالا وعمارا وصهيبا وخبابا رضى الله عنهم وأشباههم وأضرابهم من المستضعفين والعبيد والاماء وما ذلك الا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية ، وقد غلطوا فى ذلك غلطا فاحشا وأخطأوا خطأ بينا كما قال تعالى " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا ولهذا قالوا " لوكان خيرا ما سبقونا اليه "  ، " َإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيم" يقول الله عزوجل مخبرا عن الكافرين أنهم اذا لم يهتدوا بالقرآن يقولون عنه أنه كذب قديم أى مأثور ومنقول عن الناس الأقدمين فينتقصون القرآن وأهله وهذا هو الكبر الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه " بطر الحق وغمط الناس " ، " وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَة" يتحدث الله عزوجل أنه أنزل من قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة اماما يعنى فيه من المبادىء ما يتبع ويؤتم به ويقتدى به وهو فيه رحمة من الله للعباد ، " وَهَٰذَا  كِتَٰب" يعنى القرآن ، " مُّصَدِّقٞ لِّسَانًا عَرَبِيّٗا " القرآن مصدق لما قبله من الكتب أى جاء بما جاءت به فالأنبياء دينهم واحد وهو بلسان عربى فصيح بين واضح ،" لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ " وهذا القرآن مشتمل على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين فهو ينذر الكافرين مما يلحق بهم جراء كفرهم ويبشر المؤمنين بما سينالون ويجازون به من الجنة جراء ايمانهم ،"إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ " سبق تفسير الآية فى سورة السجدة بهذا المعنى أى الذين آمنوا بالله حق الايمان واستقاموا أى اتبعوا الطريق القويم فى أقوالهم وأفعالهم وهم المؤمنون حقا ،" فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ " لا خوف عليهم فيما يستقبلونه فهم فى أمان فى الدنيا ولا هم يحزنون فى الآخرة أو بعد مماتهم ومفارقتهم الحياة على ما خلفوا فى الدنيا وراءهم من متاع الدنيا والأهل فعاقبتهم عند ربهم كما قال "  أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " فهم أصحاب الجنة أى مخلدون فيها يرثونها وهذا جزاء الأعمال الصالحة التى قدموها فهى سبب لنيل الرحمة لهم وسبوغها عليهم .

وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ١٥ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ١٦

لما ذكر الله تعالى فى الآية الأولى التوحيد له واخلاص العبادة والاستقامة اليه عطف بالوصية بالوالدين كما هومقرون فى غير ما آية كقوله عز وجل "وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا " ، "وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًا" يقول الله عز وجل أمرنا الانسان بالاحسان الى والديه والحنو عليهما ، " حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗا" يتحدث الله تعالى عن فضل الأم على الانسان  فقد قاست بسببه فى حال حمله مشقة وتعبا من وحم وغثيان وثقل وكرب الى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة وكذلك وضعته أى ولدته بمشقة أيضا من الطلق وشدته والمعاناة فى الوضع وهناك حالات تكون فى غاية الحرج قد تفقد الأم فيها حياتها ، " وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًا" تستغرق فترة الحمل والرضاعة حتى الفطام ثلاثون شهرا وقد استدل الامام على رضى الله عنه بهذه الآية مع التى فى لقمان " وفصاله فى عامين " وقوله تعالى " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوى صحيح ووافقه عليه عثمان رضى الله عنه وجماعة من الصحابة رضى الله عنهم فعن معمر بن عبد الله الجهنى قال تزوج رجل من امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر فانطلق زوجها الى عثمان رضى الله عنه فذكر ذلك له فبعث اليها فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت وما يبكيك فو الله ما التبس بى أحد من خلق الله تعالى غيره قط فيقضى الله سبحانه وتعالى فى ما شاء فلما أتى عثمان رضى الله عنه أمر برجمها فبلغ ذلك عليا رضى الله عنه فأتاه فقال له ما تصنع ؟ قال : ولدت تماما لستة أشهر وهل يكون ذلك ؟ فقال له على رضى الله عنه أما تقرأ القرآن ؟ فقال : بلى ، قال : أما سمعت الله عز وجل " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " وقال " حولين كاملين " فلم نجده بقى الا ستة أشهر ، فقال عثمان رضى الله عنه : ما فطنت بهذا على بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها فقال معمر : أما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه ، فلما رآه أبوه قال ابنى والله لا أشك فيه ، " حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَة" يتحدث الله عن الانسان أنه اذا بلغ أربعين سنة تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه ويقال انه لا يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الأربعين وعن عثمان رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " العبد المسلم اذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه ، واذا بلغ ستين سنة رزقه الله تعالى الانابة اليه واذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء واذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته واذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفعه الله تعالى فى أهل بيته وكتب فى السماء أسير الله فى أرضه " ، " قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ " يذكر الله عز وجل ما يقوله الانسان عند تمام عقله فهو يقول لله تعالى ألهمنى أن أوفى شكر نعمتك التى أنعمتها على وأنعمتها على والدى قبلى وأن أعمل الأعمال الصالحة فى مستقبلى ،" وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓ" ويسأل الله كذلك أن يصلح له نسله وعقبه أى يرزقهم الصلاح والتقوى لله ، "إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ " وكذلك يجدد توبته الى الله ويعلن اسلامه الحق له وهذا فيه ارشاد لمن بلغ سن الأربعين أن يجدد التوبة والانابة الى الله عز وجل ويعزم عليها وعن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا فى التشهد " اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات الى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا فى أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا ، وتب علينا انك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمهما علينا " ،" أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَنَّةِ" هؤلاء المتصفون بما ذكرنا التائبون الى الله المنيبون اليه المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار هم الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فيغفر لهم الكثير من الزلل ونتقبل منهم اليسير من العمل من أصحاب الجنة أى هم فى جملة أصحاب الجنة ولهذا قال تعالى " وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ " وهذا حكمهم عند الله وهذا كوعده عزوجل لمن تاب اليه وأناب .

وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٧ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ ١٨ وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ١٩ وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ ٢٠

لما ذكر الله تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز والنجاة عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين وكذلك هم كافرون جاحدون لله منكرون للبعث فأن قضية الايمان بالله والكفر مقترنان بعضهما ببعض كما قال " وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا " فأمر الله هوعبادته والاحسان الى الوالدين وهنا يثير قضية من خالف شرع الله فعق وعصى والديه وعصى الله كذلك وبين عاقبته  ، "وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ " هذا عام فى كل من عق والديه وكذب بالحق وقال الحسن وقتادة هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث فقال لوالديه أف لكما وهى كناية عن التضجر والضيق بهما عقهما ، " أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي " من صفات هذا الشخص بالاضافة الى عقوق الوالدين أنه منكر للبعث ووعد الله فيقول كيف يكون هناك بعث بعد الموت وحالى كحال من سبقنى من مات وتحلل منذ قرون قد خلت من قبلى فقد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر وقال الحسن وقتادة هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث  ، " وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ " هذا العاق يقول ذلك الكفر البواح ولكن رحمة الوالدين تكتنفه رغم ذلك فيسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما " وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّ" يحذر الوالدان هذا العاق الكافر من الهلاك ويطلبان منه التراجع عن الكفر والايمان بالله والبعث الذى هو وعد الله الحق ،" فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ " يكون رد الولد العاق أن هذا الحق الذى يدعونه اليه ما هو الا أساطير الأولين أى الحكايات الخرافية السابقة التى لا يصدقها عقل ،" أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ " هؤلاء الذين تحقق فيهم أمر الله مع من سبقهم  فدخلوا فى زمرة أشباههم وأضرابهم من الجن والانس الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، "وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُوا" يقول الله عز وجل لكل عذاب بحسب عمله، "وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ " الله عز وجل لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم درجات النار تذهب سفالا ودرجات الجنة تذهب علوا ، "  وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا " يقول الله تعالى تقريعا وتوبيخا للكافرين يوم القيامة أنكم نعمتم أنفسكم فى الحياة الدنيا واستكبرتم عن اتباع الحق وتعاطيتم الفسق والمعاصى فيكون الجزاء من الله هو " فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ " أنهم يوم القيامة ينالون جزاءهم من الله عز وجل وهو العذاب الهون وهو الاهانة والخزى والألام الوجعة والحسرات المتتابعة والمنازل فى الدركات المفظعة فى النار جراء استكبارهم على آيات الله وما أنزل من الحق والاعراض عنه وجحده والخروج عن طاعة الله وارتكاب كل ما يغضبه وهذه النماذج الت ذكرها القرآن تمتلىء بها الأرض فى عصرنا وبخاصة الكفر والخروج عن طاعة الله .   

وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ ٢١ قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَأۡفِكَنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٢٢ قَالَ إِنَّمَا ٱلۡعِلۡمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ ٢٣ فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢٤ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۢ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٢٥

يقول الله عز  وجل مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من قومه " وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ " أى وتذكر الحديث عن هود عليه السلام وهو من قوم عاد بعثه الله عز وجل الى عاد الأولى وكانوا يسكنون الأحقاف جمع حقف وهو الجبل من الرمل وقال عكرمة الأحقاف الجبل والغار وقال على رضى الله عنه : الأحقاف واد بحضرموت وقال قتادة ذكرلنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر ، " إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِ"  يتحدث الله عزوجل عن هود عليه السلام أنه قد أرسل نذيرا الى قومه بالأحقاف وقد أرسل الله تعالى الى من حول بلادهم فى القرى مرسلين ومنذرين كقوله عزوجل " فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود اذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا الا الله انى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أى قال لهم هود منذرا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له ولا يعبدون من دونه أوثانا وأصناما وأنه يخشى عليهم أن فعلوا ذلك أن يقع عليهم عذاب أليم شديد من الله كما فى هذه الآية " أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيم" فكان ردهم قائلين له " قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَأۡفِكَنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا " قالوا لهود عليه السلام جئتنا لتصدنا عن آلهتنا التى نعبدها وتبعدنا عنها ،" فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ "  قَالوا له متحدين مستهزئين وقد استعجلوا عذاب الله وعقوبته استبعادا منهم وقوعه كقوله تعالى " يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها " أأتنا بالعذاب الذى تعدنا به لتدلل على صدقك بما تنذرنا به ، "إِنَّمَا ٱلۡعِلۡمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِ" أى الله أعلم بكم ان كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فسيفعل ذلك بكم وأما أنا فمن شأنى أنى أبلغكم ما أرسلت به، "وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ " يقول هود عليه السلام بعد تكذيب قومه له وتحديهم أن يأتيهم بالعذاب أنهم قوم لا يعقلون ولا يفهمون من الأمور شيئا فهم يجهلون قدرة الله ،" فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَا" لما رأوا العذاب مستقبلهم اعتقدوا أنه عارض مطر ففرحوا واستبشروا به وقد كانوا محتاجين الى المطر قال الله عز وجل لهم " بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيم" هذا ما استعجلتموه من العذاب وقلتم فائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين وهو الريح التى تحمل العذاب الشديد المؤلم الموجع ، " تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۢ بِأَمۡرِ رَبِّهَا " هذه الريح التى تخرب كل شىء من بلادهم مما من شأنه الخراب باذن الله لها كقوله سبحانه وتعالى " ما تذر من شىء أتت عليه الا جعلته كالرميم " أى كالشىء البالى ولهذا قال تعالى " فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡ" أى قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق سوى مساكنهم خاوية لتشهد على ما حل بهم ، "  كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ " يقول عزوجل جزاءنا وهذا حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا ، عن عائشة رضى الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا عصفت الريح قال " اللهم انى أسالك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به "

وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡ‍ِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡ‍ِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٢٦ وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا مَا حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡقُرَىٰ وَصَرَّفۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٢٧ فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٢٨

"وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡ‍ِٔدَة" يقول تعالى ولقد مكنا الأمم السالفة فى الدنيا من الأموال والأولاد وأعطيناهم منها ما لم نعطكم مثله ولا قريبا منه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة أى كانوا أصحاء الحواس التى تسمع وترى وتعقل ورغم ذلك " فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡ‍ِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " هذه الحواس التى أنعم بها الله عليهم لم تنفعهم وتبعد عنهم أمر الله فهم لم يستمعوا ولم يبصروا ولم يعقلوا شيئا فأحاط بهم العذاب والنكال الذى كانوا يكذبون به ويستبعدون وقوعه ، أى فاحذروا أيها المخاطبون أن تكونوا مثلهم فيصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب فى الدنيا والآخرة ، " وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا مَا حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡقُرَىٰ " يقصد الله عز وجل وهو يتوجه بحديثه أهل مكة وقد أهلك الله الأمم المكذبة بالرسل مما حولها كعاد وكانوا بالأحقاف بحضرموت عند اليمن وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام وكذلك سبأ وهم أهل اليمن ومدين وكانت فى طريقهم وممرهم وكذلك بحيرة قوم لوط كانوا يمرون بها أيضا ، " وَصَرَّفۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ " أى بيناها وأوضحناها لهم لعلهم يرجعون عما هم فيه من الكفر ويتوبون الى الله ، " فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَ" فهل نصرتهم هذه الآلهة التى اتخذوها من دون الله وتقربوا اليهم عندما حل بهم أمر الله وعند احتياجهم اليهم ،" بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡ" بل هذه الآلهة وما اتخذوا ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا اليهم فى الدنيا وفى الآخرة فهى لا تنفع ولا تضر ولا تملك نفعا ولا ضرا لأنفسها عند حلول عذاب الله فهى يوم القيامة تشهد عليهم ، " وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ " وهذا هو كذبهم وافتراؤهم فى اتخاذهم اياهم آلهة وقد خابوا وخسروا فى عبادتهم لها واعتمادهم عليها .

وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ ٢٩ قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٣٠ يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ٣١ وَمَن لَّا يُجِبۡ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيۡسَ بِمُعۡجِزٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَيۡسَ لَهُۥ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءُۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٣٢

"وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم  وجهنا اليك طائفة من الجن ومنها تصرف الرياح أى توجيهها وتحريكها فى اتجاه معين كقوله " وتصريف الرياح المسخر بين السماء والأرض " يستمعون الى القرآن وعن الزبير قال ذلك بنخلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العشاء الآخرة " كادوا يكونون عليه لبدا " قال سفيان ألبد بعضهم على بعض كاللبد بعضه على بعض ، " فَلَمَّا حَضَرُوهُ فلما استمعوا اليه ،" قَالُوٓاْ أَنصِتُواْ" قالوا بعضهم لبعض استمعوا بأدب واصغوا وهذا أدب منهم ، " فَلَمَّا قُضِيَ " أى انتهى من القراءة وفرغ منها كقوله تعالى " فاذا قضيت الصلاة " وكقوله " فاذا قضيتم مناسككم " ، " وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ " رجعوا الى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كقوله تعالى " ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون " وقد استدل بهذه الآية على أنه فى الجن نذر وليس فيهم رسل ولا شك أن الجن لم يبعث الله تعالى منهم رسولا كقوله تعالى " وما أرسلنا قبلك الا رجالا نوحى اليهم من أهل القرى " فأما قوله تباركوتعالى " يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم " فالمراد من مجموع الجنسين فيصدق على أحدهما وهو الانس ويكون مرسل الى الجميع ، " قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ " لم يذكر الجن عيسى عليه السلام لأن عيسى أنزل عليه الانجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم وهو فى الحقيقة كالمتم لشريعة التوراة فالعمدة هو التوراة فلهذا قالوا أنزل من بعدموسى وهكذا قال ورقة بن نوفل حين أخبره النبى صلى الله عليه وسلم بقصة نزول جبريل عليه السلام أول مرة فقال بخ بخ هذا الناموس الذى كان يأتى موسى يا ليتنى أكون فيه جذعا ، " مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ " أى مصدق لما من قبله من الكتب المنزلة على الأنبياء قبله ، " يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيم" يهدى الى الحق فى الاعتقاد والاخبار والى الطريق المستقيم فى الأعمال فان القرآن مشتمل على شيئين خبر وطلب فخبره صدق وطلبه عدل كما قال تعالى " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " وقال تعالى " هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " فالهدى هو العلم النافع ودين الحق هو العمل الصالح وهكذا قالت الجن " يهدى الى الحق " فى الاعتقادات " والى طريق مستقيم " أى فى العمليات ، "  يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِ" يتوجه نفر الجن الى باقى قومهم بأن يجيبوا داعى الله وهو الرسول صلى الله عليه وسلم أى يؤمنوا به ويستجيبوا لما دعاهم اليه من الاسلام وهذا فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم الى الثقلين الجن والانس حيث دعاهم الى الله تعالى وقرأ عليهم السورة التى فيها خطاب الفريقين وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم وهى سورة الرحمن ولهذا قال " أجيبوا داعى الله وآمنوا به " ،" يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيم" يقول نفر الجن لقومهم أنهم اذا استجابوا لداعى الله فاتبعوه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فان الله سيغفر لهم ذنوبهم ويقيهم من عذابه الأليم الشديد وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء الى أن الجن المؤمن لا يدخلون الجنة وانما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار الحق أن مؤمنى الجن يدخلون الجنة كما هو مذهب جماعة من السلف وقد استدل بعضهم لهذا بقوله عز وجل " لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان " وأحسن منه قوله جل وعلا " ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان " فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولى أبلغ من الانس فقالوا ولا بشىء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد فلم يكن الله تعالى ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم وأيضا فانه اذا كان يجازى كافرهم بالنار وهومقامعدل فلأن يجازى مؤمنهم بالجنة وهومقام فضل بطريق الأولى والأحرى ، ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع أن مؤمنى الجن لا يدخلون الجنة وان أجيرو من النار ، "وَمَن لَّا يُجِبۡ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيۡسَ بِمُعۡجِزٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ"من لا يجب داعى الله بالايمان والاسلام وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ويتبعه  فان قدرة الله شاملة له ومحيطة به اذا أخذه بعذابه فانه يأخذ أخذ عزيز مقتدر ، " وَلَيۡسَ لَهُۥ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءُ" اذا أخذهم الله بعذابه فلا يجيرهم منه أحد ولا ينقذهم منه منقذ ، " أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ " وهم كذلك فى بعد وضلال عن الحق الواضح البين وهذا مقام تهديد وترهيب فدعوا قومهم بالترغيب والترهيب ولهذا نجع فى كثير منهم وجاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودا وفودا ، يحتمل أن أول مرة سمع الجن الرسول صلى الله عليه مسلم وهو يقرأ القرآن لم يشعر بهم كما قال ابن عباس رضى الله عنهما ثم بعد ذلك وفدوا اليه كما رواه ابن مسعود رضى الله عنه ومن حديث ابن جريج قال قال عبد العزيز بن عمر : أما الجن الذين لقوه بنخلة فجن نبنوى وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين ، قال ابن عباس فى روايته : كان الجن يستمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا فيكون ما سمعوا حقا وما زادوا باطلا وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يأتى مقعده الا رمى بشهاب يحرق ما أصاب فشكوا ذلك الى ابليس فقال ما هذا الا من أمر قد حدث فبث جنوده فاذا بالنبى صلى الله عليه وسلم يصلى بين جبلى نخلة فأتوه فأخبروه فقال هذا الحدث الذى حدث فى الأرض وقال الحسن البصرى انه صلى الله عليه وسلم ما شعر بأمرهم فى هذه المرة حتى أنزل الله تعالى عليه بخبرهم وانما استمعوا قراءته ثم رجعوا الى قومهم ثم بعد ذلك وفدوا اليه أرسالا قوما بعد قوم وفوجا بعد فوج كما ستأتى بذلك الأخبار فى موضعها وقال الحافظ البيهقى وهذا الذى حكاه ابن عباس رضى الله عنهما انما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمت حاله وفى ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم بعد ذلك أتاه داعى الجن فقرأ عليهم القرآن ودعاهم الى الله عز وجل كما رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ، وعن علقمة قال : قلت لعبد الله بن مسعود رضى الله عنه هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد ؟ فقال ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا اغتيل ؟ استطير ؟ ما فعل ؟ قال فبتنا شر ليلة بات بها قوم فلما كان فى وجه الصبح أو قال فى السحر اذا نحن به يجىء من قبل حراء فقلنا يا رسول الله فذكروا له الذى كانوا فقال " انه أتانى داعى الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن " قال فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال " كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا تستنجوا بهما فانهما طعام اخوانكم . 

أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٣٣ وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ ٣٤ فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۢۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٣٥

" أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ" يقول الله عز وجل أو لم ير هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يكرثه خلقهن بل قال لها كونى فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة بل طائعة مجيبة خائفة وجلة أفليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى كما قال عز وجل فى الآية الأخرى " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ولهذا قال " بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير" يقول عز وجل مجيبا أن ذلك حقيقة وواقع فهو على كل شىء قدير لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء ، " وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا" يتحدث الله عز وجل أنه يوم القيامة الذى يعرض فيه الذين كفروا على النار يقال للكفار هذا الذى كنتم تنكرونه من قبل وقد تحقق أليس حقا فلا يسعهم الا الاعتراف به ، " قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ " فيقال لهم ذوقوا عذاب جهنم جراء كفركم بالله وانكاركم البعث ، " فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ " يقول تبارك وتعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه  كما صبر أولوا العزم من الرسل الذين سبقوه فى تكذيب قومهم لهم ، " وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡ" يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم  لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تعالى " وذرنى والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا " وكقوله تعالى " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " ، " كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۢ" يتحدث الله عز وجل أنه بعد بعث الناس يوم القيامة وتحقق وعد الله لهم بالبعث ويرونه حق اليقين لا يشعرون الا أنهم لم يمكثوا فى قبورهم سوى ساعة من نهار رغم مرور أزمان عليهم جيلا بعد جيل وهذا كقوله تعالى  "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية أو ضحاها " وكقوله تعالى " ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا الا ساعة من النهار يتعارفون بينهم " ، " بَلَٰغ"قال ابن جرير يحتمل معنيين أحدهما أن يكون تقديره وذلك لبث بلاغ والآخر أن يكون تقديره هذا القرآن بلاغ ، " فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ " أى لا يهلك الا من يستحق الهلاك بكفره وخروجه عن طاعة الله  وهذا من عدله عز وجل أنه لا يعذب الا من يستحق العذاب .

تفسير الجزء السادس والعشرين

سورة محمد

تسمى كذلك سورة القتال وهى سورة مدنية  ، وعدد آياتها 38 آية ، وهى تحمل سمات السور المدنية وتبرز تغير الحال بعد أن تكون المجتمع الاسلامى فى المدينة وأصبح للاسلام مجتمع ودولة وشرع الله فيها  قتال الكفار ، وتتحدث عن المنافقين .

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ١ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ ٢ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡبَٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡحَقَّ مِن رَّبِّهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمۡثَٰلَهُمۡ ٣

"ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ " يتحدث الله عزوجل عن الذين كفروا بآيات الله ومنعوا غيرهم من اتباعها كما كان يفعل كفار مكة كانوا لا يؤمنون ويمنعون غيرهم من الايمان بل كانوا يعذبونهم ليردوهم عن دينهم ، الله سبحانه وتعالى يبطل أعمالهم ويذهبها ولم يجعل لها ثوابا ولا جزاءا كقوله تعالى " وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " ، " وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّد" يتحدث الله تعالى على النقيض من ذلك وهم من آمنوا بالله وصدقوا ايمانهم بالعمل الصالح أى آمنت قلوبهم وسرائرهم وانقادت الى شرع الله جوارحهم وبواطنهم وظواهرهم  وآمنوا بما جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من ربه وهو الحق من عند الله ربهم وهو عطف الخاص على عام وهودليل على أنه شرط فى صحة الايمان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم  ، " وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ " جملة معترضة حسنة لتأكيد أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحق من ربه ولا يصلح أى ايمان الا بالايمان بما نزل اليه من ربه فهو خاتم النبيين والمرسلين ، " كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ " جزاء من يفعلون ذلك أن الله عز وجل يتجاوز عما كان منهم من سيئات ويتوب عليهم ويصلح لهم أمرهم وقال مجاهد شأنهم وقال قتادة وابن زيد حالهم والكل متقارب وقد جاء فى حديث تشميت العاطس أن تقول له  "يهديكم الله ويصلح بالكم " ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡبَٰطِلَ " يعقب الله تعالى بالمقارنة بين فعل الكفار وفعل المؤمنين فالله تعالى انما أبطل أعمال الكفار لأنهم اختاروا اتباع والسير على الباطل وفضلوه على الحق  وهو البعد عن دين الله وشرع الله ، " وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡحَقَّ مِن رَّبِّهِمۡ" وعلى النقيض من ذلك فان الذين آمنوا أصلح لهم شؤونهم وتجاوز عن سيئاتهم لأنهم اختاروا الحق واتبعوه ، " كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمۡثَٰلَهُمۡ " وهكذا بهذه المقارنة فان الله يبين للناس مآل أعمالهم وما يصيرون اليه فى معادهم من اتبع الحق ومن اتبع الباطل .

فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٤ سَيَهۡدِيهِمۡ وَيُصۡلِحُ بَالَهُمۡ ٥ وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ ٦ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ٧ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٨ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٩ ۞

يقول الله تعالى مرشدا للمؤمنين الى ما يعتمدونه فى حروبهم مع المشركين " فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ " يقول الله عز وجل اذا واجهتم الكافرين فاحصدوهم حصدا بالسيوف أو قاتلوهم بما تصل اليه أيديكم من السلاح مع اختلاف العصر وهذا أمر من الله تعالى بقتال الكفار وعدم مهادنتهم لأنهم اذا قويت شوكتهم أبادوا المسلمين وهذا ما نواجهه فى عالمنا الحالى وفى عصرنا الحالى هناك ما يسمى بالحرب الوقائية وهى قتال ومباغتة العدو ، " حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ " يقول الله عز وجل اذا أهلكتم الكفار قتلا وأثخنتموهم بالجراح أى انتصرتم عليهم وهزمتموهم شر هزيمة وفرغتم منهم  ، " فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ  فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً " تتحدث الآية بشأن الأسرى من الكفار الذين يتم أسرهم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة فأنتم مخيرون فى أمرهم ان شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا وان شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشارطونهم عليه وهذا ما يسمى فى عصرنا الحديث بتبادل الأسرى وتعويضات الحرب وما ألحقته من دمار قال البعض انما الامام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط ولا يجوز له قتله وقال آخرون بل له أن يقتله ان شاء وزاد الشافعى فقال الامام مخير بين قتله أو المن عليه أومفاداته أو استرقاقه أيضا وهذه المسألة محررة وفى عصرنا الحالى تختلف الأمور فيجرى بعد الحرب تصنيف الأسرى فهناك من يعاملون كمجرمى حرب وهم من ارتكب أعمال انتقامية اجرامية ومنهم من هم قادة كبار من الذين خططوا وقادوا الحرب ومنهم من هومنقاد مجند ومجبر على الحرب فهنا لا يمكن أن تستوى المعاملة فالأمور تقديرية تترك للحاكم فى المعاملة مع الأعداء ، " حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَا" قال البعض حتى تضع الحرب أوزارها أى أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا الى الله عز وجل وقيل أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع فى طاعة الله وهذا شرع الله فى الحرب الى أن لا يبقى حرب وهذا كقوله تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله " وعن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح فقالوا : يا رسول الله سيبت الخيل ووضعت السلاح ووضعت الحرب أوزارها قالوا لا قتال ، قال " كذبوا الآن جاء القتال ، لايزال الله تعالى يزيغ قلوب قوم يقاتلونهم فيرزقهم منهم حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك وعقد دار المسلمين بالشام" وقال مجاهد حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم " لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال " وعن جبير بن نفير قال ان سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى سيبت الخيل وألقيت السلاح ووضعت الحرب أوزارها وقلت لا قتال فقال النبى صلى الله عليه وسلم " الآن جاء القتال لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الناس يزيغ الله تعالى قلوب أقوام فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك ، ألا ان عقد دار المؤمنين الشام والخيل معقود فى نواصيها الخير الى يوم القيامة " الأمة الاسلامية فى رباط الى يوم القيامة كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الواقع الذى نعيشه ،" ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ" يتحدث الله عز وجل أنه لو شاء لانتقم من الكافرين بعقوبة نكال من عنده وأهلكهم ولم يبقى منهم أحدا ،"وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡض" يتحدث الله عز وجل أنه شرع الجهاد وقتال الأعداء اختبارا وابتلاءا منه سبحانه وتعالى كما ذكر حكمته فى شرعية الجهاد فى سورتى آل عمران والتوبة فى قوله تعالى " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " وكما قال تعالى فى سورة التوبة " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم " ، " وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ " يتحدث الله عز وجل أنه لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين فان من يقتل فى سبيل الله أى دفاعا عن دينه وشرعه وما فرض الله الجهاد من أجله فان الله لن يذهب عمله بل يكثره له وينميه ويضاعفه ومن المؤمنين من يجرى عليه عمله طوال برزخه وهناك أحاديث فى فضل الشهداء منها عن المقدام بن معد يكرب الكندى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان للشهيد عند الله ست خصال : أن يغفر له فى أول دفقة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الايمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار مرصع بالدر والياقوت ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع فى سبعين انسانا من أقاربه " ، " سَيَهۡدِيهِمۡ" الله عز وجل سيهدى هؤلاء الذين قتلوا فى سبيل الله الى الجنة كقوله تعالى " ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم ، " وَيُصۡلِحُ بَالَهُمۡ " وكذلك جزاءهم من الله أنه يصلح أمرهم وحالهم ،  " وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ "وكذلك جزاء الله للشهداء الذين يقتلون فى سبيله أنه يدخلهم الجنة عرفهم بها وهداهم اليها قال مجاهد يهتدى أهلها الى بيوتهم ومساكنهم وحيث قسم الله لهم منها لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليه أحدا وقال محمد بن كعب يعرفون بيوتهم اذا دخلوا الجنة كما تعرفون بيوتكم اذا انصرفتم من الجمعة ، وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مظالم كانت بينهم فى الدنيا حتى اذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة ، والذى نفسى بيده ان أحدهم بمنزله فى الجنة أهدى منه بمنزله الذى كان فى الدنيا " ، " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ " يعد الله تعالى المؤمنين الذين يهبون لنصرته ونصرة دينه والحق الذى أنزله بالنصر من عنده - فى الدنيا بالنصر على العدو وفى الآخرة بالفوز بالجنة والتثبيت فى ملاقاة العدو وكذلك التثبيت يوم القيامة وهم على الصراط ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ " عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم يتحدث الله عز وجل عن الكفار أنهم من التعساء أى غير الموفقين فى أعمالهم الأشقياء فى حياتهم فالتعاسة عكس السعادة  كما ثبت فى الحديث " تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس وانتكس واذا شيك فلا انتفش " أى فلا شفاه الله عز وجل ،"وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ " ويقول الله عز وجل أنه يحبط أعمالهم ويبطلها أى يفشلها ولا توفق الى هدف بل مصيرهم الى النار ولهذا قال  " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ " هذا الجزاء من الله للكافرين لأنهم كرهوا ما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والرسل من قبله أى لا يريدونه ولا يحبونه  فلم يتبعوه بل ضلوا وأضلوا ولهذا قال أن النتيجة هى أنه تعالى " فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ " الله لا يوفقهم ويصيب أعمالهم بالخسران المبين فلا تصل الى ما تصبوا اليه من كيد للمؤمنين ومحاربة لدينه .

أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا ١٠ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَأَنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ لَا مَوۡلَىٰ لَهُمۡ ١١ إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ ١٢ وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ ١٣

" أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖۡ" يقول الله تعالى موجها كلامه الى المشركين بالله المكذبين لرسوله صلى الله عليه وسلم ألم يتحركوا فى بقاع الأرض من حولهم فيتأملوا ويفكروا فيما حدث لمن كذب من قبلهم فان الله عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم فدمرهم وأهلكهم ونجى المؤمنين من بين أظهرهم ، " وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا " وهذا سيكون جزاء الكافرين من كفار قريش وغيرهم "ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَأَنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ لَا مَوۡلَىٰ لَهُمۡ " هذا الذى يحدث من انجاء الله للمؤمنين واهلاك الكافرين لأن الله هو ناصر المؤمنين ومؤيدهم  ويتولاهم برعايته فى الوقت الذى لا ناصر للكافرين من دون الله ولا منقذ ، لما قال أبو سفيان صخر رئيس المشركين يوم أحد حين سأل عن النبى صلى الله عليه وسلم ةعن أبى بكر الصديق وعمر رضى الله عنهما فلم يجب وقال : أما هؤلاء فقد هلكوا ، واجابه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال كذبت يا عدو الله بل أبقى الله تعالى لك ما يسوؤك وان الذين عددت لأحياء فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، أما انكم ستجدون مثله لم آمر بها ولم تسؤنى وذهب ترتجز ويقول " اعل هبل اعل هبل " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبوه ؟ فقالوا : يا رسول الله وما نقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم قولوا : الله أعلى وأجل " ثم قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبوه ؟ قالوا : وما نقول يا رسول الله ؟ قال قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم " ،" إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰر" يعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه عز وجل يدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار يوم القيامة " ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ " يتحدث الله عن الذين كفروا بأنهم فى دنياهم يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل الأنعام خضما وقضما وليس لهم همة الا فى ذلك ولهذا ثبت فى الصحيح " المؤمن يأكل فى معى واحد ، والكافر يأكل فى سبعة أمعاء" ، " وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ " يقول الله عز وجل أن النار هى جزاء الكافرين يوم القيامة  والمقام الدائم لهمن لا خروج لهم منها ، " وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ " يتحدث الله مهددا ومتوعدا كفار قريش من أهل مكة الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم منها فى تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل وخاتم الأنبياء فاذا كان الله عز وجل قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم فى الدنيا والآخرة ؟ فانه رفع عن كثير منهم العقوبة فى الدنيا لبركة وجود الرسول صلى الله عليه وسلم نبى الرحمة فان العذاب يوفر على الكافرين به فى معادهم " يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون " وقوله تعالى " من قريتك التى أخرجتك " أى الذين أخرجوك من بين أظهرهم وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة الى الغار وأتاه فالتفت الى مكة وقال " أنت أحب بلاد الله الى الله ، وأنت أحب بلاد الله الى ، ولولا أن المشركين أخرجونى لم أخرج منك " فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى فى حرمه ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بدخول الجاهلية فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم " وكأين من قرية هى أشد قوة من قريتك التى أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم " .

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ كَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم ١٤ مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ ١٥

" أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِ" يقول الله تعالى هل من كان على بصيرة ويقين فى أمر الله ودينه بما أنزل الله فى كتابه من الهدى والعلم وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة ،" كَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم " هل يستوى هذا مع من حبب له وزين له الأعمال السيئة واتبع هوى النفس وبعد عن الحق وعن طريق الله المستقيم وهذا كقوله تعالى " أفمن يعلم أنما أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمى" وكقوله تعالى " لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " ، " مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ " الجنة التى أعدها الله ووعد بها المتقين  قال عكرمة "مثل" أى نعتها أنها،  "فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِن" الماء الآسن المنتن المتغير الطعم والرائحة قال ابن عباس وغيره يعنى غير متغير وقال قتادة وغيره غير منتن والعرب تقول أسن الماء اذا تغير ريحه وفى حديث مرفوع عن عبد الله رضى الله عنه أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك ، " وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُ" ومن أنهار الجنة أنهار من لبن فى غاية البياض والحلاوة والدسومة وفى حديث مرفوع " لم يخرج من ضروع الماشية "،"وَأَنۡهَٰر مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ " ومن أنهار الجنة أنهار من خمر ولكن خمر الجنة والآخرة غير خمر الدنيا فالله أحل لأهل الجنة ما لم يحل لهم فى الدنيا مع الاختلاف فهى مجرد تسمية للتعريف فقط بالشىء مع اختلاف المكون فخمر الجنة ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا التى تذهب بالعقول بل حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل فهى لا تذهب بالعقول بل فيها لذة لمن يشربها كقوله تعالى " بيضاء لذة للشاربين " وقوله " لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " وكقوله " لا يصدعون عنها ولا ينزفون " ، " وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗى" ومن أنهار الجنة أنهار من عسل فى غاية الصفاء وحسن اللون والطعم والريح وعن حكيم بن معاوية عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فى الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها بعد " وفى الصحيح " اذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فانه أوسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمن " وعن عاصم بن لقيط قال ان لقيط بن عامر خرج وافدا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله فعلى ما تطلع من الجنة ؟ قال صلى الله عليه وسلم " على أنهار عسل مصفى ، وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة لعمر الهك ما تعلمون وخير من مثله ، وأزواج مطهرة " قلت يا رسول الله أو لنا فيها أزواج مصلحات ؟ قال " الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم فى الدنيا ويلذوا بكم ، غير أن لا توالد " ، " وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ " ان لأهل الجنة كل ما يطلبونه من الثمرات وما يشتهونه كقوله عز وجل " يدعون فيها بكل فاكهة آمنين " وقوله تعالى " فيهما من كل فاكهة زوجان " ، " وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ" مع هذا كله فان للمؤمنين صفح منه وغفران لأى ذنوب ارتكبوها ، " كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ " أى أهؤلاء الذين ذكرنا منزلتهم من الجنة كمن هو خالد فى النار ؟ ليس هؤلاء كهؤلاء ، وليس من هو فى الدرجات كمن هو فى الدركات ،"  وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ " ليسوا كمن شرابهم الماء الحار الشديد الحرارة لا يستطاع يقطع ما فى بطونهم من الأمعاء والأحشاء .

وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ ١٦ وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ ١٧ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ ١٨ فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ ١٩

يقول الله تعالى مخبرا عن المنافقين فى بلادتهم وقلة فهمهم " وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًا" الذين أوتوا العلم هم الصحابة رضى الله عنهم  حيث كان المنافقون يجلسون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئا فيقولون للذين أوتوا العلم من الصحابة رضى الله عنهم ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذه الساعة الماضية فهم لا يعقلون ما قال ولا يكترثون له فهم لا يكترثون بأن يدخل فى قلوبهم الايمان بل هم يدعون الاسلام من أجل أهداف خفية فى نفوسهم ويتمنون زوال الاسلام والمسلمين ، " أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ " هؤلاء المشركون طبع الله عز وجل على قلوبهم فهم لا يفهمون ولا يعقلون فليس لهم فهم صحيح ولا قصد صحيح فهم يتبعون هوى أنفسهم التى لا تريد خيرا بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالاسلام ولا بالمسلمين ، " وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى " على النقيض من المنافقين يقف المؤمنون الذين اهتدوا الى سبيل الحق واتبعوه الذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم اليها وثبتهم عليها وزادهم منها ، " وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ " والله عز وجل ألهمهم رشدهم ومنحهم التقوى منه ، " فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَة" يتحدث الله عن الساعة والغفلة عنها ويقول تعالى أينتظرون الساعة دون عمل واستعداد لها وهم غافلون عنها ويمكن أن تحل عليهم فجأة فعلمها عند الله وحده ، "فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ" يقول الله عز وجل أن الساعة قد جاءت امارات اقترابها كقوله تعالى " هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة " وكقوله تعالى " اقتربت الساعة وانشق القمر " وقوله تعالى " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " وكقوله تعالى " اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون " فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة لأنه خاتم المرسلين أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبى قبله بما يحتاج الى بيان مستقل وقال الحسن البصرى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وهو كما قال ولهذا جاء فى أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبى التوبة ونبى الملحمة والحاشر الذى تحشر الناس على قدميه والعاقب الذى ليس بعده نبى ، وعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه هكذا بالوسطى والتى تليها " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، " فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ " يقول عز وجل فكيف للكافرين بالتذكر اذا جاءتهم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك ؟ كقوله تعالى " يوم يتذكر الانسان وأنى له الذكرى " وكقوله " وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد " ،"فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ " هذا اخبار من الله عز وجل بأنه لا اله الا الله ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك ولهذا عطف عليه بقوله عز وجل " وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ" بعد الدعوة الى توحيد الله وافراده بالألوهية يدعو سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله من أى ذنب ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " اللهم اغفر لى خطيئتى وجهلى واسرافى فى أمرى وما أنت أعلم به منى ، اللهم اغفر لى هزلى وجدى وخطئى وعمدى وكل ذلك عندى " وفى الصحيح أنه كان يقول فى آخر الصلاة " اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منى أنت الهى لا اله الا أنت " وفى الصحيح أنه قال " يا أيها الناس توبوا الى ربكم فانى أستغفر الله وأتوب اليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة " وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " عليكم بلا اله الا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما فان ابليس قال انما أهلكت الناس بالذنوب وأهلكونى بلا اله الا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون "  ،" وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ " يقول الله تعالى معقبا أنه سبحانه وتعالى يعلم تصرفكم فى نهاركم ومستقركم فى ليلكم كقوله تعالى " وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " وكقوله تعالى " وما من دابة الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين"  وعن ابن عباس قال متقلبكم فى الدنيا ومثواكم فى الآخرة .

وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ ٢٠ طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ ٢١ فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ ٢٢ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ ٢٣

" وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِ" يقول الله تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد فهم تمنوا نزول سورة مشتملة على حكم القتال  فلما فرضه الله عز وجل وأنزل فيه سورة واضحة تتحدث عن القتال وأمر به نكل عنه كثير من الناس من المنافقين وهم الذين فى قلوبهم مرض وينظرون الى القتال بالصدمة كمن أصابته غشية الموت  كقوله تعالى" ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا الى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا " ، " فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ * طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوف" أى وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا ويقولوا قولا حسنا ،" فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ " اذا جد الجد وحضر القتال ،" فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ " لو أخلصوا النية لله بان اتبعوا ما انزل وما كانوا تمنوه من قتال وكتبه الله عليهم  لكان ذلك خيرا لهم عند الله ،" فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُم" هل اذا توليتم عن الجهاد ونكلتم عنه ،" أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ " أن تعودوا الى ما كنتم فيه من الجاهلية جهلاء تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام وهذا لوم من الله عن البعد عن الجهاد لاعلاء كلمة الله والتولى عنه والعودة الى الجاهلية بما تحمله من سفك للدماء وتقطيع للأرحام فهل الجهاد والقتال فى سبيل الله أفضل أم العودة للجاهلية بما كان فيها من قتل الهدف منه الافساد فى الأرض من سلب ونهب وعداوة بين القبائل تقطع الأرحام ،"أُوْلَٰٓئِكَ  ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ " من يفعلون ذلك فعليهم لعنة الله بأنه جهلهم لا يستمعون الى الحق فهم صم عنه ولا يهتدون اليه فليس لهم أعين تبصر الحق وهذا نهى عن الافساد فى الأرض عموما وعن قطع الأرحام خصوصا بل قد أمر الله تعالى بالاصلاح فى الأرض وصلة الأرحام وهو الاحسان الى الأقارب فى المقال والأفعال وبذل الأموال وقد وردت الأحاديث الكثيرة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوى الرحمن عزوجل فقال مه فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال تعالى : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى قال فذاك لك ، قال ابو هريرة رضى الله عنه اقرءوا ان شئتم " فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ" وعن سليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب وقطع كل ذى رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم " .

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ٢٤ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ ٢٥ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ ٢٦ فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ ٢٧ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٢٨

يقول الله تعالى آمرا بتدبر القرآن وتفهمه وناهيا عن الاعراض عنه "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ " يدعو الله الى تدبر القرآن أى فهمه فهما عميقا والتفكر فيما جاء فيه للعظة منه وتطبيق ما جاء فيه وهذه ليست مجرد دعوة ولكن أستخدام " أفلا " فيه توبيخ لمن لم يفعل ونهى عن الاعراض عن القرآن واغلاق القلوب عنه أى عدم بذل الجهد لفهمه فهى مطبقة لا يخلص اليها شىء من معانيه وعن هشام بن عروة عن أبيه رضى الله عنه قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ " فقال شاب من أهل اليمن بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها، "إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى " يتحدث الله عزوجل عن الذين فارقوا الايمان ورجعوا الى الكفر من بعد أن وضح لهم طريق الحق ،" ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ " الشيطان سول لهم ذلك وحسنه وزينه  لهم وغرهم وخدعهم ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِ" الذين كرهوا ما نزل الله هم المنافقون فهم مالؤهم وناصحوهم فى الباطن على الباطل وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون ولهذا قال تعالى " وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ "الله يعلم ما يسرون وما يخفون والله مطلع عليه وعالم به كقوله " والله يكتب ما يبيتون " ، " فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ " يتحدث الله عزوجل عن ما يحدث للمنافقين والكافرين عند قبض روحهم فيقول كيف حالهم اذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعاصت الأرواح فى أجسادهم واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب كما قال تعالى " ولو ترى اذا يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم"  وكما قال تعالى " ولو ترى اذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم " أى بالضرب  "أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" ولهذا قال هنا "  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ " يتحدث الله عزوجل عن المنافقين والكفار أن ذلك الذى يحدث لهم من نزع أرواحهم من أجسادهم بالعنف والضرب لأنهم خالفوا أوامر الله فاتبعوا ما يغضبه ويسخطه عليهم من الكفر وكانوا يكرهون بأفعالهم وأقوالهم كل ما كان يرضى الله عنهم وليس هناك أكثر من الكفر يجلب عليهم أن تحبط أعمالهم أى تصاب بالفشل والخسران وعاقبة الخسران هى جهنم فى الآخرة ، فعذاب الكافرين من الله يكون من ساعة الموت ونزع الروح فضرب الوجوه لأنها استقبلت كلام الله بالاعراض وضرب الأدبار لأن الأدبار كناية عن التولى والاعراض والانصراف عن الحق وتركه فهذه الوجوه الذى استقبلت الحق وهذه الأدبار الذى تولت عنه وتركته لا تستحق الا الضرب جزاءا لها على فعلتها .  

أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ ٱللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ ٢٩ وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ ٣٠ وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ ٣١

"أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ ٱللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ " الذين فى قلوبهم مرض هم المنافقون فالنفاق مرض يصيب القلوب والأضغان جمع ضغن وهو ما فى النفوس من الحسد والحقد والكراهية للاسلام وأهله والقائمين بنصره فيوجه الله التهديد والوعيد للمنافقين قائلا لهم أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر وقد أنزل الله تعالى فى ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم وما يعتقدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم ولهذا كانت تسمى الفاضحة ، "وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡ" يتحدث الله الى رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول له عزوجل ولو نشاء لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عيانا ولكن لم يفعل الله تعالى ذلك فى جميع المنافقين سترا منه على خلقه وحملا للأمور على ظاهر السلامة وردا للسرائر الى عالمها ، " وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِ" يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه يمكنك التعرف على المنافقين فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم ويمكن للمتكلم من أى الحزبين من المؤمنين والمنافقين أن يعرف بمعانى كلامه وفحواه وهو المراد من لحن القول وفى الحديث " ما أسر أحد سرية الا كساه الله تعالى جلبابها ان خيرا فخير وان شرا فشر " وقال عثمان بن عفان رضى الله عنه : ما أسر أحد سريرة الا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه " وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ " ،" وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ " يقول الله عزوجل لنختبركم بالأوامر والنواهى ، " حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ " يقول ابن عباس حتى نعلم الا لنعلم أى لنرى من هم المجاهدين ومن هم الصابرين ونختبر ما تخبرون به من أوامر ونواهى والعمل به .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡ‍ٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٣٢ ۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ ٣٣ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ ٣٤ فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ ٣٥

" إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡ‍ٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ " يخبر الله تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله وخالف الرسول وشاقه أى وخرج عنه بالمخالفة والشقاق  وارتد عن الايمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئا وانما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذى عقبه بردته مثقال ذرة من خير بل يحبطه ويمحقه بالكلية كما أن الحسنات يذهبن السيئات ،" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ " يأمر الله عز وجل المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع ما جاء من الحق بفعل الطاعات والانتهاء عن المعاصى ، " وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ " أى لا تفشلوها وتصيبوها بالخسران بالردة وقيل أيضا فخافوا أن يبطل الذنب العمل وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال : كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شىء من الحسنات الا مقبول حتى نزلت " أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ" فقلنا ما هذا الذى يبطل أعمالنا ؟ فقال الكبائر الموجبات والفواحش حتى نزل قوله تعالى " ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " فلما نزلت كففنا عن القول فى ذلك فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ونرجو لمن لم يصبها ، ثم أمر تبارك وتعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التى هى سعادتهم فى الدنيا والآخرة ونهاهم عن الارتداد الذى هو مبطل الأعمال ولهذا قال بعدها " إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ" يقول تعالى ان الذين لن يغفر لهم هم الذين كفروا وصدوا الناس عن اتباع الحق وعن اتباع سبيل الله وماتوا هم على ما هم فيه من الكفر وهذا كقوله تعالى " ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ،" فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ  وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ " يقول الله تعالى للمؤمنين لا تضعفوا عن الأعداء وتدعون الى المسالمة والمهادنة ووضع القتال بينكم وبين الكفار فى حال قوتكم وكثرة عددكم أى فى حال علوكم على عدوكم فأما اذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة الى جميع المسلمين ورأى الامام المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين صده الكفار عن مكة ودعوه الى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم صلى الله عليه وسلم الى ذلك ، "وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ" فى قوله تعالى بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء يقول تعالى للمؤمنين أنه مساند لهم فى أقوالهم وأفعالهم فهو تعالى يقول " ان ينصركم الله فلا غالب لكم " ، " وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ " ويقول الله تعالى للمؤمنين معقبا أنه لن يحبط أعمالهم ويبطلها ويسلبهم اياها بل يوفيهم ثوابها ولا ينقصهم منها شيئا ، فالله تعالى يقول للذين كفروا " وسيحبط أعمالهم " ويقول الله تعالى للمؤمنين " ولن يتركم أعمالكم " .  

إِنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤۡتِكُمۡ أُجُورَكُمۡ وَلَا يَسۡ‍َٔلۡكُمۡ أَمۡوَٰلَكُمۡ ٣٦ إِن يَسۡ‍َٔلۡكُمُوهَا فَيُحۡفِكُمۡ تَبۡخَلُواْ وَيُخۡرِجۡ أَضۡغَٰنَكُمۡ ٣٧ هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم ٣٨

" إِنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡو" يقول الله تعالى تحقيرا لأمر الدنيا وتهوينا لشأنها أن حاصلها والانغماس فيها والانشغال بها هو اللعب واللهو فهى دار فناء وابتلاء وليست دار بقاء ودوام وهى مجرد متع تزول من مأكل ومشرب وأموال وأولاد فالانسان مهما عمل فيها فانه يتركها لغيره من بعده ويذهب وهى جنة الكافر الذى لا يرجو ولا يعتقد فيما بعدها ولهذا قال تعالى "  وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤۡتِكُمۡ أُجُورَكُمۡ وَلَا يَسۡ‍َٔلۡكُمۡ أَمۡوَٰلَكُمۡ " يتحدث الله عز وجل عن ما هو عوض عن دار الفناء وهو العمل للآخرة دار البقاء بالايمان والتقوى فهى التى تثاب من الله عز وجل وتستحق الأجر من الله فى الدنيا بالتوفيق وفى الآخرة بالجنة ونعيمها والله بكرمه يوفى الأجر وهو غنى عنكم لا يطلب منكم شيئا وانما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساة لاخوانكم الفقراء ليعود نفع ذلك عليكم ويرجع ثوابه اليكم ، "إِن يَسۡ‍َٔلۡكُمُوهَا فَيُحۡفِكُمۡ تَبۡخَلُواْ" أى يحوجكم تبخلوا أى أن الله عز وجل اذا طلب منكم وسألكم الانفاق تبخلوا يقول تعالى " واحضرت الأنفس الشح " ،" وَيُخۡرِجۡ أَضۡغَٰنَكُمۡ " الأضغان هى الحقد والحسد أن الانفاق يخرج الاضغان من النفوس قال قتادة : قد علم الله تعالى أن فى اخراج الأموال اخراج الأضغان وصدق قتادة فان المال محبوب ولا يصرف الا فيما هو أحب الى الشخص منه ، " هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُ" يقول الله عز وجل أنكم أيها المؤمنون ندعوكم للانفاق فى سبيل الله من منافذ الانفاق الشرعية من زكاة وصدقات ولكن يوجد منكم من يبخل عن الانفاق ولا يجيب الى ذلك ،" وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِ"ومن يبخل عن الانفاق انما نقص نفسه من الأجر وانما يعود وبال ذلك عليه من الحرمان من الأجر من الله وهو الباقى له ، " وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ" فالله غنى عن كل ما سواه وكل شىء فقير اليه دائما فالله هو الرزاق والانسان هو المحتاج والفقير اليه فوصفه تعالى بالغنى وصف لازم له ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم لا ينفكون عنه ، " وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم " يقول الله تعالى مهددا ومتوعدا أنكم أيها الناس ان تتولوا عن طاعته واتباع شرعه يهلككم ويأتى بقوم غيركم يطيعونه ولا يكونوا مثلكم بل يكونوا سامعين مطيعين له ولأوامره وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية " ۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم "  قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ان تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ قال فضرب بيده على كتف سلمان الفارسى رضى الله عنه ثم قال " هذا وقومه ولوكان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس " .

تفسير الجزء السادس والعشرين

تفسير سورة الفتح

سورة الفتح سورة مدنية ن عدد آياتها 29 آية , والمقصود بالفتح هو فتح مكة وقد نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فى ذى القعدة من سنة ست من الهجرة حين صده المشركون عن الوصول الى المسجد الحرام فيقضى عمرته فيه وحالوا بينه وبين ذلك ثم مالوا الى المصالحة والمهادنة وأن يرجع عامه هذا ثم يأتى من قابل فأجابهم الى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع أنزل الله عز وجل هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم وجعل ذلك الصلح فتحا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل اليه الأمر كما روى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال : انكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح صلح الحديبية وعن البراء رضى الله عنه قال : تعدون أنتم الفتح فتحمكة وقد كان فتحمكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية ببئر فنزحناها فلمنترك فيها قطرة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا باناء منماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم انها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا ، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فسألته عن شىء ثلاث مرات فلم يرد على ، فقلت فى نفسى ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألححت كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك ؟ فركبت راحلتى فحركت بعيرى فتقدمت مخافة أن يكون نزل فى شىء فاذا أنا بمناد يا عمر فرجعت وأنا أظن أنه نزل فى شىء فقال النبى صلى الله عليه وسلم " نزل على البارحة سورة هى أحب الى من الدنيا وما فيها " إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا * لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا * وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًاعَزِيزًا"

إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا ١ لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا ٢ وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا ٣

"إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا " الفتح المبين البين الواضح الظاهر والمراد به صلح الحديبية فانه حصل بسببه خير جزيل ، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض ، وتكلم المؤمن مع الكافر وانتشر العلم النافع والايمان ،" لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ " يقول الله عز وجل مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم أن بسبب ما تحملته من معاناة ومشقة بسبب ما وجهته من عنت المشركين حتى توصلت الى هذا الصلح معهم وما عانيته من معارضة بعض الصحابة لك ومن مواقف أخرى ترتبيت على هذا الصلح أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التى لا يشاركه فيها أحد وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم فى جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التى لم ينلها بشر سواه لا من الأولين ولا من الآخرين وهو صلى الله عليه وسلم أكمل البشر على الاصلاق وسيدهم فى الدنيا والآخرة وعن المغيرة بن شعبة قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى حتى تورم قدماه فقيل له أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " أفلا أكون عبدا شكورا ؟ " وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى قام حتى تنفطر رجلاه فقالت له رضى الله عنها يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " أفلا أكون عبدا شكورا " ، "  وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه يتم نعمته عليه فى الدنيا والآخرة فى الدنيا بنصره له وفى الآخرة بالشفاعة والجنة ،" وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا " ويقول له عز وجل أنه يهديه صلى الله عليه وسلم الى الصراط المستقيم بما شرعه له من الشرع العظيم والدين القويم ،" وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا " بسبب خضوعك لأمر الله عز وجل يرفعك الله وينصرك على أعداء نصرا كبيرا معززا كما جاء فى الحديث الصحيح " وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا وما تواضع أحد لله عز وجل الا رفعه الله تعالى " .

هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ٤ لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا ٥ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا ٦ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ٧

"هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡ" يقول الله تعالى أنه جعل الطمأنينة وهى السكينة مستقرة فى قلوب المؤمنين كما قال ابن عباس ، وقال قتادة الوقار فى قلوب المؤمنين وهم الصحابة رضى الله عنهم يوم الحديبية الذين استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت زادهم ايمانا مع ايمانهم وقد استدل بها البخارى وغيره من الأئمة على تفاضل الايمان فى القلوب ، " وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ" يتحدث الله عز وجل أنه مسخر له تحت ارادته مجندين له كل من فى السموات والأرض من ملائكة وكائنات وظواهر مسخرة له وتحت أمره لخدمة عباده المؤمنين وعقاب الكافرين فلو أرسل على الكافرين ملكا واحدا وجند من جنده لأباد خضراءهم ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال لما فى ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة والبراهين الدامغة ولهذا قال عظمته "وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا " انه عز وجل عليم بعباده وبكل الأمور عظيمها ووضيعها وهو الذى يسيرها بحكمته ، عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم "لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ " عند مرجعه من الحديبية فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لقد أنزلت على الليلة آية أحب الى مما على الأرض " ثم قرأها عليهم النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا هنيئا مريئا يا نبى الله بين الله عز وجل ما يفعل بك فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه صلى الله عليه وسلم"لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاوَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا " يقول عز وجل أن جزائه للمؤمنين والمؤمنات أن يدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا وغفر لهم خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها بل يعفو ويصفح ويغفر ويستر ويرحم ويشكر وهذا الجزاء من عند الله هو الفوز العظيم الذى لا بعده فوز الفوز بالجنات ونعيمها والفوز برضا الله كقوله تعالى " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " ،" وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ" فى مقابل الجزاء العظيم للمؤمنين والمؤمنات فان جزاء المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات هو العذاب فهم مسيؤون الظن بالله فهم يتهمون الله تعالى فى حكمه ويظنون بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية ولهذا قال تعالى "عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ " فهم كما ظنوا بالله ظن السوء والعقاب من جنس العمل فان السوء يحط عليهم ويسقطون فى دائرته وفى عاقبته وكذلك يحل عليهم غضب الله ولعنته أى ابعادهم من رحمته كل هذه الكلمات المغلظة توضح مصير وعاقبة المنافقين والمشركين الظانين بالله ظن السوء ، "وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا " ويتحدث عز وجل عن ما أعد لهؤلاء من جهنم وسعيرها فهى مصيرهم السىء أى مستقرهم الدائم الذى لا مفر منه ولا محيص عنه ، " وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" تكررت هذه الآية كآية مستقلة وكانت فيما سبقها جزءا من آية لتأكد قدرة الله على الانتقام من الأعداء أعداء الاسلام من الكفرة والمنافقين فيتحدث الله عزوجل أنه مسخر له تحت ارادته مجندين له كل من فى السموات والأرض من ملائكة وكائنات وظواهر مسخرة له وتحت أمره لخدمة عباده المؤمنين وعقاب الكافرين فلو أرسل على الكافرين ملكا واحدا وجند من جنده لأباد خضراءهم ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال لما فى ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة والبراهين الدامغة ولهذا قال عظمته "وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا " انه عز وجل عليم بعباده وبكل الأمور عظيمها ووضيعها وهو الذى يسيرها بحكمته .

إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٨ لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا ٩ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ١٠

" إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا " يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه أرسله برسالته خاتم النبيين بأتم رسالة ليكون شاهدا على الخلق ومبشرا للمؤمنين بحسن الجزاء والعاقبة من رضوان الله والجنة ونذيرا للكافرين من سخط الله ونقمته فى الدنيا باهلاكهم وفى الآخرة بعذابهم فى نار جهنم وقد تقدم تفسيرها فى سورة الأحزاب ، " لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا " يقول الله عزوجل أنه أرسل رسوله برسالته للعباد ليؤمنوا بالله ورسوله ويوفوا الله ورسوله حقهما من التعظيم ومن التوقير وهو الاحترام والاجلال والاعظام ويسبحون الله أى ينزهونه عما لا يليق به من خلال أقوالهم وأفعالهم فى كل اليوم من أول النهار الى آخره ،" إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ " يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا له وتعظيما وتكريما أن الذين يعطون له البيعة أى الاتياع والتأييد فانهم فى نفس الوقت انما يتبعون الله فما جاء به الرسول هو من عند الله وهذا كقوله تعالى " من يطع الرسول فقد أطاع الله "  ، " يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ" أى هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى المبايع بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى " ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه فى التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سل سيفه فى سبيل الله فقد بايع الله" وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحجر " والله ليبعثنه الله عز وجل يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق فمن استلمه فقد بايع الله تعالى " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡ"ولهذا قال تعالى " فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِ" نكث أى لم يوف بعهد الله فيتبعه ويتبع دينه فان وبال ذلك يعود على الناكث والله غنى عنه ،" وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا " وعكس ذلك من وفى بعهد الله وهو اتباع منهجه واتباع دينه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سيكون جزاءه من الله هو الأجر العظيم فى الدنيا والآخرة ، هذه الآيات تتحدث عن بيعة الرضوان وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية وكان الصحابة رضى الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألفا وثلثمائة وقيل وأربعمائة وقيل وخمسمائة والأوسط أصح كما قال عزوجل فى الآية الأخرى " لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا"

سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا ١١ بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا ١٢ وَمَن لَّمۡ يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ فَإِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَعِيرٗا ١٣ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ١٤

يقول الله تعالى مخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم بما سيعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام فى أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا بشغلهم بذلك وسألوا أن يستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد بل على وجه التقية والمصانعة " سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ " يفضح الله عز وجل من تخلفوا من الأعراب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يقولون ما يخالف الواقع فهم يقولون أن أشغالهم الدنيوية من أعمال وأموال يكتسبونها ورعايتهم لأهلهم منعتهم من المسير مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأنهم لم يكونوا يقصدون ذلك وهذا قول كاذب وليس الحقيقة ولكن ما تكنه قلوبهم هو التخلف وعدم الجهاد فى سبيل الله وتأييد رسوله صلى الله عليه وسلم فالايمان لم يتعمق فى قلوبهم بل منهم من هو منافق يتمنى الضرر للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولو جاءته الفرصة لفعل ذلك ومع هذا يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتجاوز عنهم وعن أعمالهم ،" يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡ" هؤلاء منافقون ما تقوله ألسنتهم ليس ما تخفيه قلوبهم فالله أعلم بهم ويفضحهم وقد نزلت سورة التوبة تفضح المنافقين لذلك سميت بالفاضحة ، "قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢا" يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم متوعدا ومهددا لهؤلاء الأعراب أن يقول لهم ان الله تعالى اذا أراد بكم الضرر أو أراد لكم النفع لا يقدر أحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس وهو العليم بسرائركم وضمائركم وان صانعتمونا ونافقتمونا ولهذا قال تعالى " بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا " يخبر الله تعالى أنه محيط وخبير بعلمه بكل أعمالكم ولن تستطيعوا أن تخفوا منها شيئا ، " بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا " يقول الله عز وجل فاضحا هؤلاء الأعراب لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص بل تخلف نفاق أى اعتقدتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقتلون وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم ولا يرجع منهم أحد الى أهله أبدا ، مخبرا " وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ " هذا الذى أعتقدتموه من تزيين الشطيان لكم وترسخه فى قلوبكم حتى تستهويه وتتصرف به  ، "وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا " أى ظنكم الذى ظننتموه كان سيئا وكنتم قوما بورا أى هلكى كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما وقال قتادة فاسدين ، وقيل هى لغة عمان ، " وَمَن لَّمۡ يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ فَإِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَعِيرٗا " يقول الله عز وجل معقبا أن من لم يؤمن بالله ورسوله ولم يخلص العمل فى الظاهر والباطن لله فان الله  تعالى سيعذبه فى السعير وان أظهر للناس خلاف ما هو عليه فى نفس الأمر ، " وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ" يقول الله عز وجل أن له وحده ملكوت السموات والأرض المتفرد بهما وحده لا شريك له الحاكم المتصرف فى أهل السموات والأرض فهو يغفر بمشيئته وعلمه وحكمته لمن يشاء ممن تاب اليه وأناب وخضع اليه ويعذب بمشيئته من يشاء من الكافرين والعاصين له ، " وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا " الله غفور لمن تاب من عباده يقبل منه التوبة ويعفو ويتجاوز عنه برحمته .

سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا ١٥

يقول الله تعالى مخبرا عن الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمرة الحديبية اذ ذهب النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم الى خيبر يفتحونها أنهم يسألون أن يخرجوا معهم الى المغنم وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجاهدتهم ومصابرتهم فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يأذن لهم فى ذلك معاقبة لهم من جنس ذنبهم فان الله تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين فلا يقع غير ذلك شرعا ولا قدرا  "سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡ" يتحدث الله تعالى عن الأعراب أنهم يريدون أن يأذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالخروج معهم الى الغنائم المتوقعة عند فتح خيبر فهم يريدون فقط المغنم ولا يريدون ما فيه مشقة من جهاد وقتال ولكن الله تعالى يضع المغنم مع المغرم والعطاء جزاء للبذل والمشقة ، " يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِ" هؤلاء المتخلفون يريدون تثبيط المسلمين عن الجهاد وبهذا يبدلون ما دعى اليه كلامه من حث على الجهاد وهم قد فعلوا ذلك بالتخلف عن الجهاد وقدموا أعذارهم كما قال ابن جريج وقال مجاهد وغيره كلام الله هو الوعد الذى وعد الله به أهل الحديبية من التوجه الى الجهاد ثم التوجه الى خيبر فيكون المغنم بعد المغرم ولكن هم لم يريدوا المغرم ولكن المغنم وحده وهذا تبديل ومخالفة لوعد الله ، " قُل لَّن تَتَّبِعُونَا " يتوجه الله تعالى بالكلام الى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المتخلفين من الأعراب أنكم لن تأتوا معنا الى مغانم خيبر،"كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡل" وهذا الذى أقوله لكم هو وعد الله أهل الحديبة وقوله وأمره قبل سؤالكم الخروج معهم الى مغانم خيبر، " فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ" يتحدث الله عز وجل عن رد المتخلفين من الأعراب على منع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون لهم من التوجه الى مغانم خيبر أنهم يقولوا هذا نابع من أنكم تحسدوننا أى أن نشرككم فى المغانم وهذا كذب منهم فكيف يحسدونهم والحسد هوتمنى ما فى يد الغير وليس العكس فهم الذين يتمنوا أن يشاركوا المؤمنين فى المغانم فيرد الله عليهم موبخا " بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا " أن الأمر ليس كما زعموا ولكن لا فهم لهم .

قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٦ لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٧ ۞

" قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيد" يرد الله على المخلفين من الأعراب ويخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم أنهم مدعوون الى مقاتلة قوم أولى بأس شديد وقد اختلف المفسرون فى هؤلاء القوم الذين يدعون اليهم على أقوال يقول قتادة وغيره أنهم هوازن وقال الضحاك أنهم ثقيف وقال جويبر هم بنو حنيفة وعن ابن عباس أنهم أهل فارس وقال كعب الأحبار الروم وعن أبى ليلى وعطاء والحسن وغيرهم هم فارس والروم وعن مجاهد هم أهل الأوثان ولم يعين فرقة وهو اختيار ابن جريج وابن جرير ، " تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَ" يعنى شرع الله لكم جهادهم وقتالهم فلا يزال ذلك مستمرا عليهم ولكم النصرة عليهم أو يسلمون فيدخلون فى دينكم بلا قتال بل باختيار ، "  فَإِن تُطِيعُواْ " يقول عز وجل للمخلفينمن الأعراب ان تستجيبوا وتنفروا فى الجهاد وتؤدوا الذى عليكم فيه ، "يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗا" ان فعلتم هذا يكون جزاءكم من الله الجزاء الحسن ، " وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا " بعد أن وعد الله عز وجل المخلفين بالجزاء الحسن اذا أطاعوا ما أمرهم به من الجهاد توعدهم ان لم يفعلوا ما أمرهم به من الخروج الى الجهاد ومقاتلة الكفار وتولوا  كما فعلوا من قبل فى زمن الحديبية حيث دعوا فتخلفوا يكون لهم من الله عز وجل العذاب الأليم فى الدنيا بالمذلة وفى الآخرة بالنار ، " لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَج"ذكر الله تعالى معقبا على ما فعله المخلفون من الأعراب الأعذار فى ترك الجهاد فمنها لازم كالعمى والعرج وعارض كالمرض الذى يطرأ أياما ثم يزول فهو فى حال مرضه ملحق بذوى الأعذار اللازمة حتى يبرأ ثم قال تبارك وتعالى مرغبا فى الجهاد وطاعة الله ورسوله " وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ" يقول عز وجل أن من يطع الله ورسوله فى كل ما أمرا به من جهاد وغيره فان الجزاء هو أن يدخله الله جنات تجرى من تحتها الأنهار ، " وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِيمٗا " ويقول عز وجل أن من يعرض عن طاعة الله ورسوله وينكل عن الجهاد ويقبل على المعاش ويعرض عن الطاعات فان الله يعذبه العذاب الشديد الموجع المؤلم فى الدنيا بالمذلة وفى الآخرة بالنار .

لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةٗ يَأۡخُذُونَهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا ١٩

عن اياس بن سلمة عن أبيه قال بينما نحن قائلون اذ نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، البيعة البيعة نزل روح القدس فسرنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فذلك قول الله تعالى " لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ " يخبر الله تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وهى شجرة بيعة الرضوان وقد تقدم ذكر عدتهم وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية ، " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ" يتحدث الله عز وجل أنه علم ما فى قلوب مؤمنين بيعة الرضوان من صدق ووفاء وسمع وطاعة ، " فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ" يقول تعالى أنه أنزل فى قلوبهم الطمأنينة ، " وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةٗ يَأۡخُذُونَهَا " وكان جزاء الله لهم أن أثابهم من عنده الفتح القريب وهو ما أجرى على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح مكة ثم سائر البلاد والأقاليم عليهم وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة فى الدنيا والآخرة  ، " وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا " يعقب الله بقوله أنه هو من له العزة وحده لا شريك له والمنعة وهو الحكيم فى أقواله وأفعاله .

 وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا ٢٠ وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا ٢١ وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ٢٢ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا ٢٣ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا ٢٤

" وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا " قال مجاهد أن وعد الله بالمغانم الكثيرة هى جميع المغانم ،" فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِ" من المغانم هو ما عجله للمؤمنين من فتح خيبر وقال ابن عباس يعنى صلح الحديبية ،" وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ" وقال عز وجل لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال ، وكذلك كف أيدى الناس عنكم الذين خلفتموهم وراء ظهوركم عن عيالكم وحريمكم ، " وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ " أى يكون ذلك عبرة للمؤمنين يعتبرون بها فان الله تعالى حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء مع قلة عددهم وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العالم بعواقب الأمور وأن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وان كرهوه فى الظاهر كما قال عز وجل " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " ،" وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا " الله عز وجل يهديكم الى الطريق الذى لا اعوجاج فيه بانقيادكم لأمره واتباعكم طاعته وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، " وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ" يقول الله عزوجل ممتنا على المؤمنين أنه قد من عليهم بغنيمة أخرى وفتحا آخر ومعينا لم يكونوا يقدرون عليه قد يسرها الله عليهم وأحاط بها لهم فانه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون ، وقد اختلف المفسرون فى هذه الغنيمة فقال ابن عباس هى خيبر وهذا فى قوله عز وجل " فعجل لكم هذه " وكذلك قال الضحاك وغيرع أنها صلح الحديبية وقال قتادة هى مكة وقال ابن ليلى والحسن البصرى هى فارس والروم وقال مجاهد هى كل فتح وغنيمة الى يوم القيامة وعن سماك الحنفى عن ابن عباس قال هذه الفتوح التى تفتح الى اليوم ،" وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا " يعقب الله بقوله أنه سبحانه وتعالى القادر الذى لا يعجزه شىء لا فى الأرض ولا فى السماء ، " وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا" يقول الله عزوجل مبشرا لعباده المؤمنين بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين عليهم ولانهزم جيش الكفر فارا مدبرا لا يجدون وليا ولا نصيرا لأنهم محاربون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولحزبه المؤمنين ،"  سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا " أى هذه سنة الله وعادته فى خلقه التى لا تتبدل ولا تتغير : ما تقابل الكفر والايمان فى موطن فيصل الا نصر الله الايمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلةعدد المسلمين وعددهم وكثرة المشركين وعددهم،   "وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا "هذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين حين كف أيدى المشركين عنهم فلم يصل اليهم منهم سوء وكف أيدى المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام بل صان كلا من الفريقين وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين وعافية فى الدنيا والآخرة ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال ان قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من أصحابه أحدا أو يأخذوا أحدا فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقدكانوا رموا الى عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل قال ابن اسحاق وفى ذلك أنزل الله تعالى " وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا " ، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا قال عفان فعفا عنهم ونزلت هذه الآية  وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا" .  

هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَ‍ُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا ٢٥ إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ٢٦

يقول الله تعالى مخبرا عن الكفار من مشركى العرب من قريش ومن ما لأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم " هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ " هم الكفار دون غيرهم " ، "وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ" وهم الذين منعوكم من دخول المسجد الحرام لأداء العمرة وأنتم أحق به وأنتم أهله فى نفس الأمر ، " وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُ" وهؤلاء الكفار كذلك صدوا الهدى أن يصل الى محله وهذا من بغيهم وعنادهم وكان الهدى سبعين بدنة ، "وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَ‍ُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡم " يقول عز وجل لولا وجود رجال مؤمنون ونساء مؤمنات بين أظهر المشركين ممن يكتم ايمانه ويخفيه منهم خيفة على انفسهم من قومهم لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتموهم ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل فيصيبكم من ذلك الفعل اثم وغرامة " لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ " يؤخر الله عز وجل عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين وليرجه كثير منهم الى الاسلام ، " لَوۡ تَزَيَّلُواْ " أى لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم ،" لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا " أى لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلا ذريعا وقال ابن عباس لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذابا أليما بقتلهم اياهم وقال جنيد بن سبيع قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافرا وقاتلت معه آخر النهار مسلما وفينا نزلت "وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَ‍ُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ" وقال كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين ،" إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ " يقول الله عز وجل أن الكفار كانت فى قلوبهم حمية الجاهلية حين رفضوا أن يكتبوا " بسم الله الرحمن الرحيم وأبوا أن يكتبوا " مذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فعن عبد الله بن مغفل المدنى قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه " أكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فأخذ سهيل بيده وقال ما نعرف الرحمن الرحيم ، أكتب فى قضيتنا ما نعرف فقال : أكتب باسمك اللهم - وكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة ، فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال : لقدظلمناك انكنت رسوله أكتب فى قضيتنا ما نعرف فقال : أكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، "   فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ " " أنزل الله الطمأنينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين وألزمهم بكلمة التقوى وهى لا اله الا الله محمد رسول الله وقال سعيد بن جبير هى لا اله الا الله والجهاد فى سبيله  ، " وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ" كان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها ، " وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا " والله عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر .

لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا ٢٧ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا ٢٨

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى فى المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت الحرام فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة فلما ساروا الى الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل وقع فى نفس الصحابة رضى الله عنهم من ذلك شىء ، حتى سأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى ذلك فقال له فيما قال : ألم تكن تخبرنا أنا سنأتى البيت ونطوف به ؟ قال " بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا ؟ قال : لا ، قال النبى صلى الله عليه وسلم " فانك آتيه ومطوف به " ولهذا قال تعالى  " لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ " جاءت " لقد " لتحقيق الخبر وتوكيده وهو أن تصدق رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم بدخول المسجد الحرام بمشيئته ، "  مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ " وحال مقدرتكممن دخول المسجد الحرام سيكون منكم من هو حالق شعره ومنكم من هو مقصره وهذا من شائر الحج والعمرة وهو الحلق أو التقصير وكانمن الصحابة من حلق شعره  ومنهم من قصره وثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ " قال صلى الله عليه وسلم : رحم الله المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين قالوا: والمقصرين يارسول الله ؟ قال : " والمقصرين " فى الثالثة أو الرابعة ، " لَا تَخَافُونَ" حال مؤكدة فى المعنى فأثبت لهم الأمن حال دخولهم المسجد الحرام ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم فى البلد لا يخافون من أحد ، وهذا كان فى عمرة القضاء فى ذى القعدة سنة سبه فان النبى صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية فى ذى القعدة رجع الى المدينة فأقام بها ذا الحجة والمحرم وخرج فى صفر الى خيبر ففتحها الله عليه بعضها عنوة وبعضها صلحا وهى اقليم عظيم كثير النخل والزروع فاستخدم من فيها من اليهود عليها على الشطر وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم ولم يشهدها أحد غيرهم الا الذين قدموا من الحبشة - جعفر بن أبى طالب وأصحابه وأبو موسى الأشعرى وأصحابه رضى الله عنهم ولم يغب منهم أحد قال ابن زيد الا أبا دجانة سماك بن خرشة كما هو مقرر فى موضعه ثم رجع الى المدينة ، فلما كان فى ذى القعدة من سنة سبع خرج صلى الله عليه وسلم الى مكة معتمرا هو وأهل الحديبية فأحرم من ذى الحليفة وساق معه الهدى قيل كان ستين بدنة فلبى وسار أصحابه يلبون ، فلما كان صلى الله عليه وسلم قريبا من الظهران بعث محمد بن سلمة بالخيل والسلاح أمامه ، فلما رآه المشركون رعبوا رعبا شديدا وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم وأنه نكث العهد الذى بينه وبينهم من وضه القتال عشر سنين فذهبوا فأخبروا أهل مكة فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بمر الظهران بعث السلاح من القسى والنبل والرماح الى بطن يأجج وسار الى مكة بالسيوف مغمدة كما شارطهم عليه فلما كان فى أثناء الطريق بعثت قريش مكرز بن حفص فقال : يا محمد ما عرفناك تنقض العهد ، فقال صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قال : دخلت علينا بالسلاح والقسى والرماح فقال صلى الله عليه وسلم : لم يكن ذلك وقد بعثنا به الى يأجج ؟ فقال : بهذا عرفناك بالبر والوفاء وخرجت رءوس الكفار من مكة لئلا ينظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى أصحابه رضى الله عنهم غيظا وحنقا ، وأما بقية أهل مكة فجلسوا فى الطريق وعلى البيوت ينظرون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فدخلها صلى الله عليه وسلم وبين يديه أصحابه يلبون والهدى قد بعثه الى ذى طوى وهو راكب تاقته القصواء التى كان ركبها يوم الحديبية ، "  فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا " فعلم الله عز وجل من الخيرة والمصلحة فى صرفكم عن مكة ودخولكم اليها عامكم ذلك ما لم تعلموا أنتم والمقصود " فجعل من دون ذلك " أى قبل دخولكم الذى وعدتم به فى رؤيا النبى صلى الله عليه وسلم فتحا قريبا وهو الصلح الذى كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين ، ثم قال تبارك وتعالى مبشرا للمؤمنين بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم على عدوه وعلى سائر أهل الأرض ، " هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ " يخبر الله تعالى أنه أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى من عنده والدين الشرعى الصحيح وقيل بالعلم النافع والعمل الصالح فان الشريعة تشتمل على شيئين علم وعمل فالعلم الشرعى صحيح والعمل الشرعى مقبول فاخباراتها حق وانشاآتها عدل "لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ" يظهره أى ينصره على أهل جميع الأديان من سائر أهل الأرض " وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا" وكفى بالله أنه الشاهد أنه رسوله وهو ناصره .

مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡ‍َٔهُۥ فَ‍َٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا ٢٩

" مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡ" يخبر الله تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسوله حقا بلا شك ثم تنى بالثناء على أصحابه رضى الله عنهم أنهم يتعاملون مع الكفار بدين الله بالشدة ولا تأخذهم فى دين الله لومة لائم بينما يتعاملون مع اخوانهم المؤمنين بالرحمة والرفق واللين كما قال عز وجل " فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار ، رحيما برا بالأخيار ، غضوبا عبوسا فى وجه الكافر ضحوكا بشوشا فى وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة " وقال النبى صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وقال صلى الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه " ، " تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ" وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين بكثرة العمل وكثرة الصلاة وهى خير الأعمال ووصفهم بالاخلاص فيها لله عز وجل والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب وهو الجنة المشتملة على فضل الله عز وجل وسعة الرزق عليهم ورضاه تعالى عنهم وهو أكبر من الأول كما قال جل وعلا " ورضوان من الله أكبر " ، " سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ" قال ابن عباس رضى الله عنهما سيماهم فى وجوههم يعنى السمت الحسن وقال مجاهد وغيره الخشوع والتواضع وقال السدى الصلاة تحسن وجوههم وقال بعض السلف من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وقال بعضهم ان للحسنة نورا فى القلب وضياء فى الوجه وسعة فى الرزق ومحبة فى قلوب الناس وعن جندب بن سفيان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أسر أحد سريرة الا ألبسه الله تعالى رداءها ان خيرا فخير وان شرا فشر " فالصحابة رضى الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر اليهم أعجبوه فى سمتهم وهديهم ، نوه الله تعالى بذكرهم فى الكتب المنزلة والأخبار المتداولة ولهذا قال سبحانه وتعالى هنا  "ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ " يضرب الله تعالى مثل أى تشبيه للصحابة حتى تتضح الصورة وترسخ فى الأذهان ويعطى ما صوره التوراة وهى كتاب الله الذى أنزل على موسى عليه السلام والانجيل وهو كتاب الله الذى أنزله الله على عيسى عليه السلام للصحابة " كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡ‍َٔهُۥ فَ‍َٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ" الصحابة هم كالشطء مع الزرع فى مساندتهم للرسول صلى الله عليه وسلم هذا الزرع يخرج فراخه وأعواده التى تسانده فشدته حتى شب وطال واستوى ، "  يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ " هذا الزرع الذى استوى وآتى ثماره يحوذ على اعجاب من زرعه وغيره من الزراع لحسنه وما أتى به من ثمر فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه "لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَ" هؤلاء الصحابة الاجلاء بما يحملونه من عقيدة وحب لله أنهم أحبابه الذين اجتباهم ليثير بهم غيظ الكفار وهذا كائن أبد الدهر فدائما ما يغتاظ الكفار من المؤمنين ويريدون بهم فتكا ومن هذه الآية انتزع الامام مالك فى رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضى الله عنهم لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضى الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ووافقه طائفة من العلماء على ذلك والأحاديث فى فضل الصحابة رضى الله عنهم والنهى عن التعرض بمساويهم كثيرة ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم "وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا " من هنا لبيان الجنس وعد الله ووعده الحق الذى لا يخلف ولا يبدل  الذين آمنوا من الصحابة بالمغفرة لذنوبهم وبالثواب الجزيل والرزق الكريم وجعل الله لهم الأجر العظيم فى الجنة وهى مأواهم وكل من اقتفى أثر الصحابة رضى الله عنهم فهو فى حكمهم ولهم الفضل والسبق والكمال الذى لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا أصحابى فو الذى نفسى بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " .   

تفسير الجزء السادس والعشرين

تفسير سورة الحجرات

سورة الحجرات سورة مدنية عدد آياتها 18 آية وفيها آداب أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم وفيما يعاملون به بعضهم بعضا ويتعاملون به مع غيرهم .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ١ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ ٢ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ ٣

ٓهذه آداب أدب الله تعالى بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والاعظام فقال تبارك وتعالى "يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ" يخاطب الله عز وجل المؤمنين بقوله لا تسرعوا فى الأشياء التى بين يدى الله ورسوله أى قبلهما بل كونوا تبعا له فى جميع الأمور قال ابن عباس رضى الله عنهما لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة وقال مجاهد لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء حتى يقضى الله تعالى على لسانه وقال الضحاك لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال سفيان الثورى لا تقدموا بقول ولا فعل وقال معاذ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه الى اليمن " بم تحكم ؟ " قال : بكتاب الله تعالى " قال صلى الله عليه وسلم " فان لم تجد ؟" قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم " فان لم تجد ؟ " قال رضى الله عنه : أجتهد برأيى " فضرب فى صدره وقال " الحمد لله الذى وفق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالغرض منه أنه أخر رايه ونظره واجتهاده الى ما بعد الكتاب والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدى الله ورسوله ، "وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ" اتقوا الله فيما أمركم به ، " إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم" الله سميع لأقوالكم عليم بأحوالكم ونياتكم ولا تخفى عليه منكم خافية "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ " هذا أدب ثان أدب الله به تعالى المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم فوق صوته وقد روى أنها نزلت فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما فعن ابن أبى مليكه أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما أخبره أنه قدم ركب من بنى تميم على النبى صلى الله عليه وسلم  فقال أبو بكر رضى الله عنه أمر القعقاع بن معبد وقال عمر رضى الله عنه بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر رضى الله عنه ما أردت الا خلافى فقال عمر رضى الله عنه ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت فى ذلك الآيات  : "  وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ " ينهى الله عز وجل عن الجهر بالصوت أثناء التحدث أى رفعه فى حضرة النبى صلى الله عليه وسلم كما يتحدث بعضهم الى بعض فلابد من التزام الأدب فى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فان هذا الفعل يحبط العمل دون أن يشعر بذلك من اقترفه رغم أنه قد يكون حسن النية أى انما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدرى كما جاء فى الصحيح " ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالا يكتب له بها الجنة ، وان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالا يهوى بها فى النار أبعد ما بين السماء والأرض "  وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال لما نزلت هذه الآية " ٰٓيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ " وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال أنا الذى كنت أرفع صوتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا من أهل النار حبط عملى وجلس فى أهله حزينا ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم اليه فقالوا له تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك ؟ قال : أنا الذى أرفع صوتى فوق صوت النبى صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول حبط عملى أنا من أهل النار فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال فقال صلى الله عليه وسلم "لا بل هو من أهل الجنة " قال أنس رضى الله عنه فكنا نراه يمشى بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة ،  فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت بن قيس ابن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال بئسما تعودون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضى الله عنه ، وفى رواية أخرى عن اسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه رضى الله عنه قال لما نزلت هذه الآية "ٰٓيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ " قعد ثابت بن قيس رضى الله عنه فى الطريق يبكى فمر به عاصم بن عدى من بنى العجلان فقال ما يبكيك يا ثابت ؟ قال هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فى وأنا صيت رفيع الصوت"  ، فمضى عاصم بن عدى رضى الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وغلبه البكاء فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبى سلول فقال لها اذا دخلت بيت فرشى فشدى على الضبة بمسمار فضربته بمسمار وقال لا أخرج حتى يتوفانى الله تعالى أو يرضى عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى عاصم رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذهب فادعه لى"  فجاء عاصم رضى الله عنه الى المكان فلم يجده فجاء الى أهله فوجده فى بيت الفرش فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقال اكسر الضبة فخرجا فأتيا النبى صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما يبكيك يا ثابت ؟ " فقال رضى الله عنه أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فى " فقال له النبى صلى الله عليه وسلم " أما أن ترضى حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ؟ فقال : رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرفع صوتى أبدا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى "إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ " ندب الله تعالى الى خفض الصوت عند الرسول صلى الله عليه وسلم وحث على ذلك وأرشد اليه ورغب فيه من يفعل ذلك فان الله تعالى أخلص قلوبهم وجعلها أهلا ومحلا للتقوى فيكون جزاءهم هو المغفرة لذنوبهم من الله ولهم الأجر العظيم فى الآخرة وهو الجنة ، وقال العلماء يكره رفع الصوت عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم كما كان يكره فى حياته صلى الله عليه وسلم لأنه محترم حيا وفى قبره صلى الله عليه وسلم ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه بل يخاطب بسكينة ووقار عظيم كما قال تعالى " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ".

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ ٤ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥

" إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ "  ذم الله تبارك وتعالى الذين ينادون النبى صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات وهى بيوت نسائه كما كان يصنع أجلاف الأعراب "  أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ  "أكثر هؤلاء الذين يفعلون ذلك  يفتقدون الى العقل والفهم ، " وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ" أرشد الله تعالى الى الأدب فى ذلك لو أن هؤلاء صبروا وانتظروا الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يخرج اليهم لكان لهم فى لك الخيرة والمصلحة فى الدنيا والآخرة ، " وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم " وقال جل ثناؤه داعيا لهم الى التوبة والانابة أنه يتقبل التوبة ممن تاب فيغفر له برحمته ، وقد ذكر أنها نزلت فى ألقرع بن حابس التميمى  رضى الله عنه فيما أورده غير واحد فعن ألقرع بن حابس رضى الله عنه أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد يا محمد " وفى رواية " يا رسول الله " فلم يجبه فقال يا رسول الله ان حمدى لزين وان ذمى لشين " فقال " ذاك الله عز وجل " ، وعن زيد بن أرقم رضى الله عنه قال : اجتمع ناس منالعرب فقالوا انطلقوا بنا الى هذا الرجل فان يكنبيا فنحن أسعد الناس به وان يكن ملكا نعش بجناحه ،ةفأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوافجاءوا الى حجرة النبى صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو فىحجرته يا محمد يا محمد ، فأنزل الله تعالى " إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ ٤ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم " قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذنى فمدها فجعل يقول " لقد صدق الله تعالى قولك يا زيد لقد صدقك الله قولك يا زيد " .   

"يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ ٧ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٨

ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت فى الوليد بن عقبة بن أبى معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بنى المصطلق وقد روى ذلك من عدة طرق ومن أحسنها ما رواه الامام أحمد فى مسنده من رواية ملك بنى المصطلق وهو الحارث بن ضرار بن أبى ضرار والد ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضى الله عنها ، قال الامام أحمد حدثنا محمد بن سابق حدثنا عيسى بن دينار حدثنى أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعى رضى الله عنه يقول : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعانى الى الاسلام فدخلت فيه وأقررت به ، ودعانى الى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع اليهم فأدعوهم الى الاسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لى دفعت زكاته ، وترسل الى يا رسول الله رسولا ابان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة ، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الابان الذى أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث اليه احتبس عليه الرسول ولم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطه من الله تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لى وقتا يرسل الى رسوله ليقبض ما كان عندى من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف ولا أرى حبس رسوله الا من سخطه فانطلقوا بنا نأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة الى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطرق فرق أى خاف فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان الحارث قد منعنى الزكاة وأراد قتلى فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث الى الحارث رضى الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه حتى اذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا : هذا الحارث ، فلما غشيهم قال لهم الى من بعثتم ؟ قالوا : اليك ، قال : ولم ؟ قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث اليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ، قال رضى الله عنه : لا والذى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة ولا أتانى ، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " منعت الزكاة وأردت قتل رسولى ؟ قال : لا والذى بعثك بالحق ما رأيته ولا أتانى وما أقبلت الا حين احتبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله قال فنزلت الحجرات "  يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ* وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ * فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم " وقال مجاهد وقتادة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة الى بنى المصطلق يتصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال : ان بنى المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك ،زاد قتادة وأنهم قد ارتدوا عن الاسلام ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضى الله عنه اليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا ، فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا رضى الله عنه أنهم مستمسكون بالاسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم ، فلما أصبحوا أتاهم خالد بن الوليد فرأى الذى يعجبه فرجع الى رسول الله صلى الله عليه سلم فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الثبت من الله والعجلة من الشيطان " ، والمعنى أن الله تعالى يخبر المؤمنين ان يتثبتوا اذا جاءهم من يخبرهم خبرا كاذبا حتى لا ينالوا عن جهل وعدم معرفة قوما بأذى ويحدث منهم الندم على فعلهم ، وأخبرهم كذلك أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم فيعظموه ويوقروه ويتأدبوا معه وينقادوا لأمره فانه أعلم بمصالحهم وأشفق عليهم منهم ورأيه فيهم أتم من رايهم لأنفسهم كما قال تعالى "النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة الى مراعاة مصالحهم فقال " لو يطيعكم فى كثير من الأمر لعندتم " أى لو أطاعكم فى جميع ما تختارونه لأدى ذلك الى عنتكم وحرجكم كما قال تعالى " ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون " ولكنه سبحانه وتعالى حبب الايمان الى نفوسهم وحسنه فى قلوبهم ، وبغض اليهم الكفر والفسوق وهى الذنوب الكبار والعصيان وهى جميع المعاصى وهذا تدرج لكمال النعمة ومن يتصفون بذلك هم الراشدون الذين أتاهم الله رشدهم وهذا العطاء الذى منحهم الله هو فضل منه عليهم ونعمة من لدنه فهو عليم بمن يستحق الغواية حكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .

 وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٩ إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ١٠

" وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا" يقول الله تعالى آمرا بالاصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض فسماهم مؤمنين مع الاقتتال ،وبهذا أستدل البخارى وغيره على أنه لا يخرج عن الايمان بالمعصية وان عظمت وعن أبى بكرة رضى الله عنه قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن على رضى الله عنهما فجعل ينظر اليه مرة والى الناس مرة أخرى ويقول " ان ابنى هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ، فكان كما قال صلى الله عليه وسلم أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة ، " فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِ" يقول الله عز وجل أنه بعد الصلح بين الطائفتين ان اعتدت واحدة منهما على الأخرى وجارت عليها تقاتل الطائفة الباغية المعتدية حتى ترجع الى أمر الله ورسوله وتسمع للحق كما ثبت فى الصحيح عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " انصر أخاك ظالما أو مظلوما قلت يا رسول الله هذانصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال صلى الله عليه وسلم : تمنعه من الظلم فذاك نصرك اياه " ، " فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ " ذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال فأنزل الله نعالى هذه الآية فأمر بالصلح بينهما وقال السدى كان رجل من الأنصار يقال له عمران كانت له امرأة تدعى أم زيد وأن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها فى علبة له لا يدخل عليها أحد من أهلها وأن المرأة بعثت الى أهلها فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها وأن الرجل كان قد خرج فاستعان أهل الرجل فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم هذه الآية فبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم وفاءوا الى أمر الله ، والمعنى ان فاءت أى أذعنت الى أمر الله وكفت عن قتال الأخرى يتم الصلح بين الطائفتين بالعدل ويأمر الله عز وجل بالعدل بينهما فيما كان أصاب بعضهم لبعض بالقسط وهو العدل والله يحب المقسطين أى  العادلين أى الذين يحكمون بالعدل وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان المقسطين فى الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدى الرحمن عز وجل بما أقسطوا فى الدنيا " ، "  إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة" الجميع أخوة فى الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " وفى الصحيح " والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه"  وفى الصحيح "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وفى الصحيح أيضا " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ،" فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ" أى أصلحوا بين الفئتين المقتتلتين ، "وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ " ويدعو الله الى التقوى فى جميع الأمور وينتهى بالتحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه .

 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ١١

"يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ" ينهى الله تعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليهوسلم أنه قال " تاكبر بطر الحق وغمص الناس - ويروى - وغمط الناس "والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام فانه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى وأحب اليه من الساخر منه والمحتقر له فنص على نهى الرجال وعطف بنهى النساء ،"  وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ " أى لا يطعن بعضكم على بعض كما قال ابن عباس وغيره والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال تعالى " ويل لكل همزة لمزة " والهمز بالفعل واللمز بالقول كما قال تعالى " هماز مشاء بنميم " أى يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشى بينهم بالنميمة وهى اللمز بالمقال كما قال " ولا تقتلوا أنفسكم " أى لا يقتل بعضكم بعضا ، " وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِ" ينهى الله عز وجل عن التداعى بالألقاب وهى التى يسوء المرء سماعها قال أبو جبيرة بن الضحاك فينا نزلت فى بنى سلمة " ولا تنابزوا بالألقاب " قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل الا وله اسمان أو ثلاثة فكان اذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا : يا رسول الله انه يغضب من هذا فنزلت " ولا تنابزوا بالألقاب " بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ " يقول الله عز وجل معقبا ذاما ذلك بئس الصفة والاسم الفسوق أى الخروج عن معصية الله وهو التنابز بالألقاب كما كان أهل الجاهلية يفعلون هذا بعد ما دخلتم فى الاسلام وعقلتموه ،"ومن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ " ومن لم يتب عن هذا الفعل فهم الظالمون والظلم هو بخس الحق وهنا بخس الشخص قدره من الاحترام بمعاملته بالسخرية والاستهزاء .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَ لَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ ١٢

ٰٓ" يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡم" يقول الله تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس فى غير محله لأن بعض ذلك يكون اثما محضا فليتجنب كثيرا منه احتياطا وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا " وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " ، " وَ لَا تَجَسَّسُواْ " التجسس يكون فى الشر ومنه الجاسوس ينهى الله عز وجل عن التجسس فيقول ولا تجسسوا بعضكم على بعض وأما التحسس فيكون فى الخير غالبا كما قال عز وجل اخبارا عن يعقوب عليه السلام " يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تياسوا من روح الله " وقد يستعمل كلا منهما فى الشر كما ثبت فى الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا " وقال الأوزاعى التجسس البحث عن الشىء ، والتحسس الاستماع الى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم والتدابر الصرم ، " وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ" نهى الله عز وجل عن الغيبة وقد فسرها الشارع كما جاء فى الحديث الأحديث الذى رواه أبو داود عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال صلى الله عليه وسلم " ذكرك أخاك بما يكره " قيل أفرأيت ان كان فى أخى ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم " ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قلت للنبى صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا ، قال عن مسدد تعنى قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " ، " أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ " الغيبة محرمة بالاجماع وهى على التحريم الشديد وقد ورد فيها الزجر الأكيد ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من الانسان الميت فكما تكرهون هذا طبعا فاكرهوا هذا شرعا فان عقوبته أشد من هذا ، وهذا من التنفير منها وثبت فى الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم قال فى خطبة حجة الوداع  " اندماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامكحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلمحرام ماله وعرضه ودمه ، حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم " وعن ابن عمر أن سول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الايمان الى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف رحله " ، "  وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيم " يقول عز وجل اتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فراقبوه فى ذلك واخشوا منه فالله تواب على من تاب اليه رحيم لمن رجع اليه واعتمد عليه وقال الجمهور من العلماء طريق المغتاب للناس فى توبته أن يقلع عن ذلك ويعزم على أن لا يعود وأن يتحلل من الذى اغتابه وفال آخرون لا يشترط أن يتحلله فانه اذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما اذا لم يعلم بما كان منه فطريقه اذن أن يثنى عليه بما فيه فى المجالس التى كان يذمه فيها وأن يرد عليه الغيبة بحسبه وطاقته لتكون تلك بنلك كما قال الامام أحمد وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهنى عن أبيه رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى اليه ملكا يحمى لحمه يوم القيامة مننار جهنم ، ومن رمى مؤمنا بشىء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ ١٣ ۞

ٰٓ" يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ " يقول الله تعالى مخبرا الناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها وهما آدم وحواء ، " وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ" يتحدث الله عز وجل عن ما خلقه من البشر من نسل آدم وحواء فجلع منهم شعوبا وهى أعم من القبائل وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك " إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ" فجميع الناس فى الشرف بالنسبة الطينية الى آدم وحواء عليهما السلام سواء انما يتفاضلون بطاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم " وعن محمد بنحبيب بن خراش العصرى عن أبيه رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون اخوة لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى " " إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير " الله عليم بكم خبير بأموركم فيهدى من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء ويفضل من يشاء وهو الحكيم العليم الخبير فى ذلك كله .

قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡ‍ًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ١٤ إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ١٥ قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ١٦ يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٧ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨

" قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ " يقول الله منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا فى الاسلام ادعوا لأنفسهم مقام الايمان ولم يتمن الايمان فى قلوبهم بعد وقد استفيد من هذه الآية الكريمة أن الايمان أخص من الاسلام كما هومذهب أهل السنة والجماعة ويدل عليه حديث جبريل عليه السلام حين سأل عن الاسلام ثم عن الاحسان فترقى من الأعم الى الأخص ثم للأخص منه ودل ذلك على أن هؤلاء الأعراب المذكورين فى هذه الآية ليسوا بمنافقين وانما هممسلمون لم يستحكم الايمان فى قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا اليه فأدبوا فى ذلك وهذا ما قال به ابن عباس وغيره ولوكانوا منافقين لعنفوا وفضحوا كما ذكر المنافقين فى سورة التوبة ثم قال تعالى " وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡ‍ًٔاۚ" يقول الله تعالى معقبا عن هؤلاء الأعراب أنهم لو يطيعوا الله ورسوله فان الله لا ينفصهم من أجورهم شيئا كقوله عزوجل " وما ألتناهم من عملهم من شىء " ،"إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ " يتحدث الله تعالى عن المؤمنين الكمل وهم الذين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم حق الايمان ولم يشكوا ولا تزلزلوا بل ثبتوا على حال واحدة وهى التصديق المحض ، "  وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ" من صفات المؤمنين الكمل أنهم بذلوا مهجهم ونفائس أموالهم فى طاعة الله ورضوانه ، " أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ " من يفعلون ذلك هم الصادقون فى قولهم اذا قالوا انهم مؤمنون لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الايمان الا الكلمة الظاهرة وعن أبى سعيد رضى الله عنه قال ان النبى صلى الله عليه وسلم قال " المؤمنون فى الدنيا على ثلاثة أجزاء : الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله ، والذى يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والذي اذا أشرف على طمع تركه لله عز وجل " ، "  قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ " يتحدث الله عز وجل بقوله لهم أتخبرون الله بما فى ضمائركم ، "  وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ " لا يخفى عليه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، "  وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم" قهو الذى يعلم كل شىء ويحيط به ، "   يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يعنى الأعراب  يقول الله متحدثا الى الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأعراب يمنون باسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم عليه فيرد الله عليهم أنكم لا تمنون على فان نفع ذلك انما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه ان كنتم صادقين فى دعواكم ذلك كما قال النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله ربى ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله ربى ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله ربى ؟ كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن " ١٧ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ " كرر الله تعالى الاخبار بعلمه بجميع الكائنات وبصره بأعمال المخلوقات فى السموات وفى الأرض .

تفسير الجزء السادس والعشرين

تفسير سورة ق

سورة ق سورة مكية ، عدد آياتها 45 آية ،  وفيها سمات القرآن المكى من قصر للآيات ، وفيها الحديث عن قدرة الله فى الخلق والحديث عن أخبار الأمم السابقة ، والحديث عن قضية العقيدة وعن الجنة والنار ، وكان رسول الله صلى الله عليهوسلم يقرأ بهذه السورة فى المجامع الكبار كالعيد والجمع لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعادوالحساب والجنةوالنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب .

قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ ١ بَلۡ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡ فَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَيۡءٌ عَجِيبٌ ٢ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ ٣ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ ٤ بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ ٥

" قٓۚ " سبق الحديث عن الحروف المقطعة فى بدايات السور فى سورة البقرة ، " وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ " يقسم الله تعالى بالقرآن الكريم العظيم واختلفوا فى جواب القسم ما هو ؟ والجواب هو مضمون الكلام بعد القسم وهو اثبات النبوة واثبات المعاد وتقريره وتحقيقه وان لم يكن القسم يتلقى لفظا وهذا كثير فى أقسام القرآن كما تقدم فى قوله " ص والقرآن ذى الذكر بل الذين كفروا فى عزة وشقاق " ، " بَلۡ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡ فَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَيۡءٌ عَجِيبٌ " يتحدث الله عز وجل من تعجب الكافرين من ارسال رسول اليهم من البشر كقول تعالى " أكان لناس عجبا أن أوحينا الى رجل منهم أن أنذر الناس " أى وليس هذا بعجيب فان الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس ، " أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيد" يتحدث الله عز وجل أيضا مخبرا عن تعجب الكافرين من المعاد واستبعادهم لوقعه فهم يقولون أاذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا ترابا كيف يمكن الرجوع بعد ذلك الى هذه البنية والتركيب ؟ هذا الرجوع أمر بعيد الوقوع والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم امكانه ، " قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡ" يقول الله رادا على الكافرين مؤكدا ومحققا باستخدام قد وجعل الفعل فى الماضى " قد علمنا " أى نعلم ما تأكل الأرض من أجسادهم فى البلى ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وأين صارت وقال ابن عباس قد علمنا ما تأكل الأرض من لحومهم وأبشارهم وعظامهم وأشعارهم ، " وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ " يقول عز وجل أن لديه كتاب حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضا فيه كل الأشياء مضبوطة ،"بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ " المريج هو المختلف المضطرب الملتبس المنكر بين الله تبارك وتعالى سبب كفر وعناد الكافرين واستبعادهم ما ليس ببعيد أى وهذاحال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل أى أن هؤلاء الكفار عندما كذبوا بالحق لما جاءهم أصبحوا فى وضع مضطرب وملتبس ومنكر وهذا هووضع الباطل والكذب دائما .

أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٖ ٦ وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ ٧ تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ ٨ وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ ٩ وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيدٞ ١٠ رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ ١١

" أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوج" يقول الله تعالى منبها العباد على قدرته العظيمة التى أظهر بها ما هو أعظم مما يعجبوا مستبعدين لوقوعه فاستخدم " أفلم " وهى  للتنبيه أى أن هؤلاء الكفار كيف لا يرون قدرة الله وعظمته فى خلق السماء فوقهم وكيفية خلقها وبنائها وما فيها من كواكب ونجوم تزينها وكيف أن هذا البناء محكم التركيب متماسك ليس فيه من تصدع أو شقوق وهذا من معجزات القرآن التى أثبتها ويثبتها العلم الحديث فرغم تباعد السماء وما تحويه من أعداد لا تحصى من نجوم وكواكب وامتداد لا تدركه الأبصار يقدر بما لا يدركه عقل من السنوات الضوئية فهى متماسكة وهذا كقوله تعالى " الذى خلق سبع سموات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير " أى كليل عن أن يرى عيبا أو نقصا ، " وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا " يتحدث الله عزوجل عن عظمة قدرته فى خلق الأرض كذلك من بسط للارض بحيث تكون مهيأة للمعيشة ، " وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ " الرواسى هى الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب فانها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها  يتحدث الله عز وجل كذلك عن عظمة قدرته فى خلق الجبال وسماها الرواسى فهى التى تثبت الأرض وترسيها كما ترسى السفن فى الميناء على سطح الماء  باستخدام الهلب فالأرض سابحة فى الفضاء كالسفينة التى تسبح فى الماء وتمخر عباب الأمواج وهى راسية على سطحه فالأرض بما تحمله من بشر كالسفينة تماما ، " وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيج" يتحدث الله عزوجل كذلك عن عظمة قدرته فى الخلق من انبات الزروع والثمار والنبات والأنواع كقوله " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " وقوله بهيج أى حسن المنظر يبعث على البهجة فى النفس ، "  تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيب" أى ومشاهدة خلق السموات والأرض وما جعل فيهما من الآيات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكل عبد منيب أى خاضع خائف وجل رجاع الى الله عز وجل ، " وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا" الماء المبارك هو ماء المطر أنزله الله تعالى وفيه البركة أى النفع  والماء المبارك هو النافع أنزله الله من السماء بقدرته  ، "فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ  " انبت الله تعالى بهذا الماء حدائق وبساتين ونحوها والزرع الذى يراد لحبه وادخاره الذى يحصد كالقمح وغيره ، " وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيد" باسقات طوال شاهقات أى أن الله تعالى أنبت بهذا الماء أيضا النخيل العالى الشاهق    ، "رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ" هذا العطاء من الله هو رزق لعباده "  وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ  " البلدة الميتة هى الأرض التى كانت هامدة فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف فى حسنها وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء ، "كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ" هذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك كذلك يحيى الله الموتى كما أحيا هذه الأرض وهذا المشهد من عظيمقدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث كقوله " أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى انه على كل شىء قدير " وقال سبحانه وتعالى " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ان الذى أحياها لمحيى الموتى انه على كل شىء قدير " .

كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَأَصۡحَٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ ١٢ وَعَادٞ وَفِرۡعَوۡنُ وَإِخۡوَٰنُ لُوطٖ ١٣ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعٖۚ كُلّٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ١٤ أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ ١٥

"كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَأَصۡحَٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ " يقول الله تعالى متهددا كفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من المكذبين قبلهم من النقمات والعذاب الأليم فى الدنيا كقوم نوح وما عذبهم الله بهمن الاهلاك بالغرق العام لجميع أهل الأرض وأصحاب الرس أى أصحاب البئر وقد تقدمت قصتهم فى سورة الفرقان وقوم ثمود أهلكهم الله بالريح والصيحة بعد أن عقروا الناقة ،" وَعَادٞ وَفِرۡعَوۡنُ وَإِخۡوَٰنُ لُوط" ومن الذين أهلكهم الله قوم فرعون أهلكهم بالغرق فى البحر وأمة لوط الذين بعث اليهم لوط عليه السلام من أهل سدوم ومعاملتها  من الغور وكيفخسف الله بهم الأرض وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة بكفرهم وطغيانهم ومخالفتهم الحق ،"  وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ " ومن أهلكهم الله عزوجل لكفرهم أصحاب الأيكة وهوقوم شعيب عليه السلام وقد تقدم الحديث عنهم ،" وَقَوۡمُ تُبَّع" وهو اليمانى وقد وردذكره فى سورة الدخان" كُل ٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ " كل من ذكرنا من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذبت رسلهم ومن كذب رسولا فكأنما كذب جميع الرسل كقوله تعالى " كذبت قوم نوح المرسلين " ، " أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ " يقول الله عزوجل أفعجزنا أن نبدأ الخلق حتى هم فى شك من الاعادة ؟ ،" بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيد " فكيف يكون عندهم شك ولبس فى اعادة الخلق والمعنى أن ابتداء الخلق الذى هو أصعب لم يعجزه والاعادة أسهل فكيف يعجزه كما قال تعالى " وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " وكقوله تعالى " وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهى رميم قل يحييها الذى خلقها أول مرة وهو بكل خلق عليم "وقد تقدم فى الصحيح " يقول الله تعالى يؤذينى ابن آدم يقول لن يعيجدنى كما بدأنى وليس أول الخلق بأهون على من اعادته " . 

وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦ إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨ وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ ١٩ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ ٢٠ وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ ٢١ لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ ٢٢

" وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُ" يخبر الله تعالى عن قدرته على الانسان بأنه خالقه وعلمه محيط بجميع أموره حتى أنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بنى آ>م من الخيروالشر وقد ثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان الله تعالى تجاوز لأمتى ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أوتعمل " ،  " وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ " يعنى الله عزوجل أن ملائكته تعالى أقرب الى الانسان من حبل وريده اليه وهو الحبل الذى يغذيه وهو فى بطن أمه ، واللفظ لا يقتضى الله سبحانه وتعالى فانه لم يقل وأنا أقرب اليه من حبل الوريد كما قال فى المحتضر " ونحنأقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون " يعنى ملائكته وكما قال تعالى " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" فالملائكة نزلت بالذكر وهو القرآن باذن الله عزوجل وكذلك الملائكة أقرب الى الانسان من حبل وريده اليه باقتدار الله جل وعلا لهم على ذلك   ،" إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيد"يخبر الله تعالى عن الملكينا للذين يكتبان عمل الانسان أحدهما عن يمينه يسجل الحسنات والآخر عن يساره يسجل السيئات والقعيد المترصد   ،" ما يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيد" يتحدث الله عزوجل عن الملكين أن كل لفظ وقول يقوله وكل كلمة يقولها الا وله من يراقبها معد لذلك يكتبها لا يترك كلمة ولا حرف كما قال تعالى " وان عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون " وعن بلاب بن الحارث المزنى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه الى يوم يلقاه ، وان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها من سخطه الى يوم يلقاه " وهذا كقوله تعالى " وكل انسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " ، " وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ " يقول الله عز وجل وجاءت أيها الانسان سكرة الموت بالحق أى كشفت لك عن اليقين الذى كنت تمترى فيه وهذا هو الذى كنت تفر منه قد جاءك فلا محيد ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول " سبحان الله ان للموت لسكرات "، " وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ " تقدم الكلام على حديث النفخ فى الصور والفزع والصعق والبعث وذلك يوم القيامة وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحتى جبهته وانتظر أن يؤذن له " قالوا يا رسول الله كيف نقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل " فقال القوم حسبنا الله ونعم الوكيل ، " وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيد"قال عثمان بن عفان رضى الله عنه فى هذه الآية سائق يسوقها الى الله تعالى وشاهد عليها بما عملت وعن أبى هريرة قال السائق الملك والشهيد العمل وقال ابن عباس رضى الله عنهما السائق من الملائكة والشهيد الانسان يشهد على نفسه ،"  لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيد " حكى ابن جرير ثلاثة أقوال فى المراد بهذا الخطاب أحدهما أن المراد بذلك الكافر والثانى أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر لأن الآخرة بالنسبة الى الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام والثالث أن المخاطب بذلك النبى صلى الله عليه وسلم والمعنى على قولهما لقد كنت فى غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى اليك فكشفنا عنك غطاءك بانزاله اليك فبصرك اليوم حديد والمراد غير هذا والظاهر من السياق خلاف هذا بل الخطاب مع الانسان من حيث هو والمراد يعنى لقدكنت فى غفلةمن هذا اليوم وهويوم القيامة فى هذا اليوم تكشف الغمة أمام العباد فيكون بصره قوى كالحديد لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصرا حتى الكفار يكونون يوم القيامة على الاستقامة لكن لا ينفعهم ذلك كما قال تعالى " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا " وقال عزوجل " ولوترى اذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون " .

وَقَالَ قَرِينُهُۥ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ٢٣ أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ ٢٤ مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٖ مُّرِيبٍ ٢٥ ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَأَلۡقِيَاهُ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ ٢٦ ۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۢ بَعِيدٖ ٢٧ قَالَ لَا تَخۡتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَيۡكُم بِٱلۡوَعِيدِ ٢٨ مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ ٢٩

" وَقَالَ قَرِينُهُۥ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ " يقول الله تعالى مخبرا عن الملك الموكل بعمل ابن آدم أنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول أن هذا الذى سجل معد محضر بلا زيادة ولا نقصان وقال مجاهد هذا كلام الملك السائق يقول هذا ابن آدم الذى وكلتنى به قد أحضرته وقد اختار ابن جرير أنه يعم السائق والشهيد فعند ذلك يحكم الله تعالى فى الخليقة بالعدل فيقول عز وجل " أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيد" الظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد فالسائق أحضره الى عرضه الحساب فلما أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بالقائه فىنار جهنم وبئس المصير أى ألقيا فى جهنم  كل كثير الكفروالتكذيب بالحق عنيد معاند للحق معارض له بالباطل مع علمه بذلك ، " مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ " لا يؤدى ما عليهمن حقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة ، "مُعۡتَد" متجاوز للحد فيما ينفقهويصرفه  قال قتادة معتد فى منطقه وسيره وأمره ، "ٖ مُّرِيبٍ " شاك فى أمره مريب لمن نظرفى أمره أمره غير مؤكد أنه متبع للحق ، " ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ "الذى اشرك بالله فعبد معه غيره ، "  فَأَلۡقِيَاهُ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ " تقدم فى الحديث أن عنقا من النار يبرز للخلائق فينادى بصوت يسمع الخلائق انى وكلت بثلاثة بكل جبار عنيد ، ومن جعل مع الله ىلها آخر ، وبالمصورين ثم تنطوى عليهم فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يخرج عنق من النار يتكلمويقول وكلت اليوم بثلاثة بكل جبار عنيد ومنجعل مع الله الها آخر ومن قتل نفسا بغير نفس فتطوى عليهم فتقذفهم فى غمرات جهنم " ، " قَالَ قَرِينُهُۥ"  قال ابن عباس وغيره هو الشيطان الذى وكل به  ، "رَبَّنَا ما َآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۢ بَعِيد" يقول القرين عن الانسان وهو شيطانه وقد وافى القيامة كافرا ياربنا ما أضللته بل كان هو فى نفسه ضالا قابلا للباطل معاندا للحق كما أخبر سبحانه وتعالى فى آية أخرى " وقال الشيطان لما قضى الأمر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان الا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى انى كفرت بما أشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب أليم " ، " قَالَ لَا تَخۡتَصِمُواْ لَدَيَّ" يقول الرب عزوجل للانسى وقرينه من الجن وذلك أنهما يختصمان بين يدى الحق تعالى فيقول الانسى يارب هذا أضلنى عن الذكر بعد اذ جاءنى ويقول الشيطان " ربنا ما أطغيته ولكن كان فى ضلال بعيد " أى عن منهج الحق فيقول الرب عز وجل لهما " لاتختصموا لدى " أى عندى ، "  وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَيۡكُم بِٱلۡوَعِيدِ " يقول الله عز وجل قد أعذرتكم على ألسنة الرسل وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين ، "مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ " يقول مجاهد يعنى قد قضيت ما أنا قاض ، "  وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ " ويقول عزوجل لا يظلملدى أحد من العباد فلست أعذب أحدا بذنب أحد ولكن لا أعذب أحدا الا بذنبه بعد قيام الحجة عليه .

يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ ٣٠ وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ غَيۡرَ بَعِيدٍ ٣١ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٖ ٣٢ مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ ٣٣ ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٖۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ ٣٤ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ ٣٥

" يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيد" يخبر الله تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة هل امتلأت ؟ وذلك لأنه تبارك وتعالى وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين فهو سبحانه وتعالى يأمر بمن يأمر به اليها ويلقى وهى تقول هل بقى شىء تزيدونى؟ وهذا هو الظاهر من سياق الآية وعليه تدل الأحاديث وقال ابن عباس ما امتلأت  فعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يلقى فى النار وتقول هل منمزيد ؟ حتى يضع قدمه فيها فتقول قط قط " وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال " افتخرت الجنة والنار فقالت النار يا رب يدخلنى الجبابرة والمتكبرون والملوكوالأشراف ، وقالت الجنة أى رب يدخلنى الضعفاء أو الفقراء والمساكين فيقول الله تبارك وتعالى للنار أنت عذابى أصيب بك من أشاء ، وقال للجنة أنت رحمتى وسعت كل شىء ولكل واحدة منكما ملؤها فيلقى فى النار أهلها فتقول هل من مزيد ، ويلقى فيها فتقول هل من مزيد ويلقى فيها فتقول هل من مزيد حتى يأتيها عزوجل فيضع قدمه عليها فتنزوى وتقول قدنى قدنى ، وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء الله تعالى أن يبقى فينشىء الله سبحانه وتعالى لها خلقا ما يشاء " ، "وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ غَيۡرَ بَعِيدٍ " قال قتادة وغيره أدتنيت الجنة وقربت من المتقين وذلك يوم القيامة وليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب ، "  هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ" الأواب الرجاع التائب المقلع والحفيظ الذى يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه وقال عبيد بن عمير الأواب الحفيظ الذى لا يجلس مجلسا فيقوم حتى يستغفر الله عز وجل يقول الله عزوجل للمتقين الذين يدخلون الجنة هذا المقام فى الجنة ما وعدبهكل ياتئب منكم مقلع عن الذنب والذى يحافظ على عهده فلا ينكثه مع الله ومع الناس والوعد مع الله بتنفيذ أوامره والبعد عن نواهيه والحفاظ على الوعودمع الناس فى كل الأمور أى الصدق فى كل الأمور والمحافظة عليه ، " مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ "ومن صفات المتقين الذين يدخلون الجنة أنهم من خاف الله فى سره حيث لا يراه أحد الا الله عز وجل كقوله صلى الله عليهوسلم " ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه " ولقى الله عزوجل يوم القيامة بقلب منيب سليم اليه خاضع لديه ، "ادۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٖۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ "يقول عز وجل للمتقين ادخلوا الجنة بسلام قال قتادة سلموا من عذاب الله عز وجل وسلمعليهم ملائكة الله وهذا الموعد الذى يخلدون فيه فى الجنة فلا يموتون أبدا ولا يظعنون أبدا ولا يبغون عنها حولا ، " لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيد " أى مهما اختاروا وجدوا من أصناف الملاذ طلبوا أحضر لهم وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال ان رسول الله صلى الله عليهوسلم قال له " انك لتشتهى الطير فى الجنة فيخر بين يديك مشويا " والمزيد هو الزيادة كقوله عز وجل " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " وقد تقدم فى صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومى أنها النظر الى وجه الله الكريم .

وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ ٣٦ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ ٣٧ وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ ٣٨ فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ ٣٩ وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ ٤٠

" وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا " يقول الله تعالى باستخدام " وكم " لتفيد الكثرة بمعنى أنا أهلكنا الكثيرين ممن كانوا أكثر من قبل هؤلاء المشركين فى مكة عددا وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها ولهذا قال تعالى "  فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ "  قال مجاهد " فنقبوا فى البلاد " خربوا فى الأرض وقال قتادة فساروا فى البلاد أى ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر مما تخاطفتم أنتم بها ويقال لمنطوف فى البلاد نقب فيها وقال ابن عباس أثروا فيها ، " هَلۡ مِن مَّحِيصٍ " هل من مفر كان لهم من قضاء الله وقدره وهل نفعهم ما جمعوه ورد عنهم عذاب الله اذ جاءهم لما كذبوا الرسل فأنت أيضا لا مفر لكم ولا محيد ولا مناص ولا محيص ،"إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيد" فى هذا الذى حدث للأمم السابقة عبرة لمن له قلب يحس به ولب يعى أو استمع الكلام فوعاه وتعقله بعقله وتفهمه بلبه وقال مجاهد " أو ألقى السمع " يعنى يحدث نفسه فى هذا بقلب وقال الضحاك العرب تقول ألقى فلان سمعه اذا استمع بأذنيه وهو شاهد بقلب غير غائب ، "  وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب"اللغوب هو التعب الشديد يتحدث الله رب العزة عن قدرته فى الخلق والبعث فهو سبحانه من خلق السموات والأرض فى ستة أيام ولم يصبه أدنى تعب من ذلك فأمره اذا قال لشىء كن فيكون وفى هذا تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن قادر على أن يحيى الموتى بطريق الأولى والأحرى ، وقال قتادة قالت اليهود خلق الله السموات والأرض فى ستة أيام ثم استراح فى اليوم السابع وهو يوم السبت وهم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى فى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه " وما مسنا من لغوب " أى من اعياء ولا تعب ولا نصب كما قال تعالى " أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى انه على كل شىء قدير " وكما قال عز وجل " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس " وكما قال " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها " ، " فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم اصبر على ما يقول المكذبون لك من المشركين واهجرهم هجرا جميلا وهذا دعوة من الله لرسوله وتسرية له لكى يحتمل تكذيب المشركين له ، "  وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ " كانت الصلاة المفروضة قبل الاسراء اثنتان قبل طلوع الشمس فى وقت الفجر وقبل الغروب فى وقت العصر ، وقيام الليل كان واجبا على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولا ثم نسخ فى حق الأمة وجوبه ، ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الاسراء بخمس صلوات ولكن منهن صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وعن جرير بن عبد الله رضى الله عنهما قال : كنا جلوسا عند النبى صلى الله عليه وسلم فنظر الى القمر ليلة البدر فقال " أما أنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه فان استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا " ثم قرأ " وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ " ، " وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ "  سبحه أى فصل له فى الليل كقوله تعالى " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربكمقاما محمودا " وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ " عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه التسبيح بعد الصلاة ويؤيد هذا ما ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : جاء فقراء المهاجرين فقالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال النبى صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قالوا : يصلون كما نصلى ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال صلى الله عليه وسلم " أفلا أعلمكم شيئا اذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم الا من فعل مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين " فقالوا : سمع اخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوامثله فقال صلى الله عليه وسلم " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " والقول الثانى أن المراد بقوله تعالى " وأدبار السجود " هما الركعتان بعد المغرب وقال ابن حاتم حدثنا هارون بن اسحاق الهمدانى حدثنا ابن فضيل عن رشدين بن كريب عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين اللتين قبل الفجر ثم خرج الى الصلاة فقال يا ابن عباس " ركعتين قبل صلاة الفجر ادبار النجوم ، وركعتين بعد المغرب اذبار السجود " حديث ابن عباس أنه بات فى بيت خالته ميمونة رضى الله عنها وصلى تلك الليلة مع النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ثابت فى الصحيحين وغيرهما ، فأما هذه الزيادة فغريبة لا تعرف الا من هذا الوجه ولعل هذا من كلام ابن عباس .

وَٱسۡتَمِعۡ يَوۡمَ يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ ٤١ يَوۡمَ يَسۡمَعُونَ ٱلصَّيۡحَةَ بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُرُوجِ ٤٢ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَإِلَيۡنَا ٱلۡمَصِيرُ ٤٣ يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعٗاۚ ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِيرٞ ٤٤ نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ٤٥

" وَٱسۡتَمِعۡ " يقول الله تعالى واستمع يا محمد ، "يَوۡمَ يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانٖ قَرِيب" قال قتادة قال كعب الأحبار يأمر الله تعالى ملكا أن ينادى على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة ان الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ، "  يَوۡمَ يَسۡمَعُونَ ٱلصَّيۡحَةَ بِٱلۡحَقِّ"يعنى النفخة فى الصور التى تاتى بالحق الذى كان أكثرهم فيه يمترون أى يكذبون "  ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُرُوجِ " هذا هو يوم الخروج من القبور ، "إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَإِلَيۡنَا ٱلۡمَصِيرُ " يتحدث الله تعالى أنه هو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه واليه مصير الخلائق كلهم فيجازى كلا بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر ، " يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعٗا" ينزل الله عز وجل مطرا من السماء ينبت به أجساد الخلائق كلها فى قبورها كما ينبت الحب فى الثرى بالماء فاذا تكاملت الأجساد أمر الله تعالى اسرافيل فينفخ فى الصور وقد أوعت الأرواح فى ثقب فى الصور فاذا نفخ اسرافيل فيه خرجت الأرواح تتوهج بين السماء والأرض فيقول الله عز وجل وعزتى وجلالى لترجعن كل روح الى الجسد الذى كانت تعمره فترجع كل روح الى جسدها فتدب فيه كما يدب السم فى اللديغ ةتنشق الأرض عنهم فيقومون الى موقف الحساب سراعا مبادرين الى أمر الله عز وجل " مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر " وكقوله تعالى " يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون ان لبثم الا قليلا " وفى صحيح مسلم عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أول من تنشق عنه الأرض " ،"  ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِير" يقول الله عز وجل تلك اعادة سهلة علينا يسيرة لدينا كما قال تعالى " وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر " وكما قال " ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ان الله سميع بصير " ، " نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ" يقول الله عز وجل نحن علمنا محيك بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهولنك ذلك كقوله " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " ، "وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّار" يقول الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أنك لست بالذى تجبر هؤلاء على الهدى وليس ذلك مما كلفت به  بمعنى وما أنت بمجبرهم على الايمان انما أنت مبلغ وقال الفراء سمعت العرب تقول جبر فلانا فلانا على كذا بمعنى أجبره  " فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ " يقول الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بلغ رسالتك من خلال هذا القرآن فانما يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجووعده كقوله تعالى " فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب " وقوله " فذكر انما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر " وكقوله " ليس عليك هداهم ولكن اله يهدى من يشاء " وكما قال " انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء " وقال قتادة اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعدك يا بار يارحيم .

تفسير الجزء السادس والعشرين

تفسير سورة الذاريات

سورة الذاريات سورة مكية ، عدد آياتها 60 آية ، تتسم بسمات السور المكية من قصر للآيات وابراز قدرة الله تعالى فى الخلق ، والحديث عن البعث ويوم القيامة ، والتحدث عن أخبار الأمم السابقة ،ومسألة الكفر والايمان لأن الدعوة الاسلامية كانت فى مرحلة عناد المشركين فى مكة واضطهاد المسلمين وكانوا مستضعفين

وَٱلذَّٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا ١ فَٱلۡحَٰمِلَٰتِ وِقۡرٗا ٢ فَٱلۡجَٰرِيَٰتِ يُسۡرٗا ٣ فَٱلۡمُقَسِّمَٰتِ أَمۡرًا ٤ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٞ ٥ وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٞ ٦ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡحُبُكِ ٧ إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ ٨ يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ ٩ قُتِلَ ٱلۡخَرَّٰصُونَ ١٠ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي غَمۡرَةٖ سَاهُونَ ١١ يَسۡ‍َٔلُونَ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٢ يَوۡمَ هُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ يُفۡتَنُونَ ١٣ ذُوقُواْ فِتۡنَتَكُمۡ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ ١٤

ثبت أن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألونى عن آية فى كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنبأتكم بذلك ، فقام اليه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى " وَٱلذَّٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا "؟ قال على رضى الله عنه الريح ، قال فَٱلۡحَٰمِلَٰتِ وِقۡرٗا " ؟ قال على رضى الله عنه السحاب قال " فَٱلۡجَٰرِيَٰتِ يُسۡرٗا " قال رضى الله عنه السفن قال " ٣ فَٱلۡمُقَسِّمَٰتِ أَمۡرًا " قال رضى الله عنه الملائكة وقيل أن المراد بالذاريات الريح كما تقدم وبالحاملات وقرا السحاب كما تقدم لأنها تحمل الماء فأما الجاريات يسرا فالمشهور عن الجمهور كما تقدم أنها السفن تجرى ميسرة فى الماء جريا سهلا والمقسمات أمرا الملائكة تنزل بأمر الله بأوامر الله الشرعية والكونية وهذا قسم من الله عز وجل على وقوع المعاد ولهذا قال تعالى  "  إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِق" أى ما توعدون من وقوع يوم القيامة والمعاد لخبر صدق ، " وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِع" الدين هو الحساب لكائن لا محالة ،"وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡحُبُكِ " يقسم الله بالسما ء أنها محكمة وعن أبى صالح ذات الحبك الشدة وعن رجل من اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان من ورائكم الكذاب المضل وان رأسه من ورائه حبكا حبكا " يعنى بالحبك الجعودة وهى تلبد الشعر فى كثافة والسماء مكللة بالنجوم والثوابت والسيارات شديدة البناء متسعة الأرجاء أنيقة البهاء ومع تقدم العلم الحديث يتضح لنا كثير مما ذكره القرآن وحتى هذا العلم عجز عن تفسير مراد الله تعالى فالسماء فسيحة الأرجاء تقاس بالسنوات الضوئية المسافات فيها ، " إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِف" يقول عز وجل أنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفى قول مختلف مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع وقال قتادة انكم لفى قول مختلف ما بين مصدق بالقرآ، ومكذب به ، "  يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ " قال الحسن البصرى يصرف عن هذا القرآن من كذب به وقال ابن عباس والسدى يضل عنه من ضل ، "قُتِلَ ٱلۡخَرَّٰصُونَ" الخراصون هم الكذابون كما قال مجاهد وهى مثل التى فى عبس " قتل الانسان ما أكفره " وهم الذين يقولون لا نبعث ولا يوقنون وقتل هنا بمعنى لعن أو هلك  وقال ابن عباس لعن المرتابون وقال معاذ رضى الله عنه هلك المرتابون وهم الشاكون فى البعث ووقوع يوم القيامة وقال قتادة الخراصون أهل الغرة والظنون  ، "  ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي غَمۡرَةٖ سَاهُونَ " قال ابن عباس وغيره هم من فى الكفر والشك غافلون لاهون ، "  يَسۡ‍َٔلُونَ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلدِّينِ " من صفات هؤلاء الخراصون أى الكذابون الشاكون يقولون تكذيبا وعنادا وشكا واستبعادا متى يكون يوم الدين وهو يوم القيامة فهم يستبعدون وقوعه ، "يَوۡمَ هُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ يُفۡتَنُونَ " قال ابن عباس وغيره يفتنون يعذبون كما يفتن الذهب على النار وقال جماعة آخرون يحرقون فالله سبحانه يقول متوعدا لهم أن يوم القيامة هو اليوم الذى يحرقون فيه فى النار ويعذبون بها   ، "ذُوقُواْ فِتۡنَتَكُمۡ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ " فتنتكم كما قال مجاهد حريقكم وقال غيره عذابكم يقول الله عز وجل لهم تهكما وسخرية منهم ذوقوا حريقكم أو عذابكم بالحريق وهذا هو الأمر الذى كنتم تستبعدونه وتستعجلون وقوعه سخرية واستهزاءا فاليوم كما كنتم تستهزعون يستهزأ بكم ويسخر منكم .

إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ ١٥ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ ١٦ كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ ١٧ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ١٨ وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ ١٩ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ ٢٠ وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ٢١ وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ ٢٣

"إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ " يقول الله تعالى مخبرا عن المتقين لله عز وجل أنهم يوم معادهم يكونون فى جنات وعيون بخلاف أهل النار وما عليه من العذاب والنكال والحريق والحميم والأغلال ، "ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُم"من صفات هؤلاء المتقين أنهم عاملين بما أتاهم الله من الفرائض ، "  إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ " ويقول عز وجل مخبرا عن المتقين من أصحاب الجنة أنهم كانوا فى الدار الدنيا محسنين فى الأعمال أى يقومون بالأعمال الصالحة والاحسان الى الناس كما قال تعالى " كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية " ثم بيتن الله تعالى احسانهم فى العمل "كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ * وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ  " تتحدث الآية كذلك عن صفات المتقين أنهم كما قال الحسن البصرى كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل الا أقله ونشطوا فمدوا الى السحر حتى كان الاستغفار بسحر وقال آخرون قاموا الليل وأخروا الاستغفار الى الأسحار كما قال تعالى " والمستغفرين بالاسحار " فان كان الاستغفار فى صلاة فهو أحسن وقال الأحنف بن قيس كانوا لا ينامون الا قليلا وقال الزهرى والحسن يقولان كانوا كثيرا من الليل ما يصلون وقال ابن عباس رضى الله عنهما كانوا قليلا من الليل ما ينامون وقد ثبت فى الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان الله تعالى ينزل كل ليلة الى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر " ، "  وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ "  من صفات المتقين كذلك أنهم متصفون بالبر فهم قد أفرزوا جزءا من أموالهم للسائل والمحروم وهذا قبل فرض الزكاة فالسورة مكية والزكاة فرضت فى المدينة أما السائل فمعروف وهو الذى يبتدىء بالسؤال وله حق وعن الحسين بن على رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للسائل حق وان جاء على فرس " وأما المحروم كما قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها هو المحارف الذى لا يكاد يتيسر له مكسبه وقال ابن عباس رضى الله عنهما ومجاهد هو المحارف الذى ليس له فى الاسلام سهم يعنى لا سهم له فى بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها وقال ابن جرير أن المحروم الذى لا مال له بأى سبب كان وقد ذهب ماله ، سواء كان لا يقدر على الكسب أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها ، " وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ " الموقنون هم من آمنوا بالله ايمانا يقينيا أى راسخا لا يتزعزع يتحدث الله عز وجل  أن فى الأرض من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والانهار والبحار واختلاف ألسنة الناس وألوانهم وغير ذلك مما لا يحصى فعظمة الخالق تبدو فى خلقه كله صغيره وكبيره ولا يوقن ذلك الا الموقنين ، "  وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ " يقول الله عز وجل من من آيات عظمته فى خلقه ما خلقه فى الانسان نفسه من حواس والعلم الحديث كل يوم يبرز عظمة الله فى خلقه فكم من العلوم تخصصت فى دراسة الانسان نفسه وقال قتادة من تفكر فى خلق نفسه عرف أنه انما خلق ولينت مفاصله للعبادة ، "  وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ " عند الله فى علمه وحده الرزق للعباد من مطر وغيره فهو مكتوب عنده قيل ما توعدون من الجنة ، " فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ " يقسم الله قسما عريضا بنفسه الكريمة وهو رب السماء والأرض ورب كل شىء فى الكون أن ما وعد به من أمر القيامة والبعث والجزاء كائن لا محالة وهو حق لا مرية فيه فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا فى نطقكم حين تنطقون وعن الحسن البصرى قال بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا " .

 هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ ٢٤ إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ ٢٥ فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ ٢٦ فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ ٢٧ فَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ ٢٨ فَأَقۡبَلَتِ ٱمۡرَأَتُهُۥ فِي صَرَّةٖ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِيمٞ ٢٩ قَالُواْ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ ٣٠ ۞

تقدمت هذه القصة فى سورتى هود والحجر هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ " يحدث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول له هل أخبرت قبل ذلك عن ما حدث مع ابراهيم عليه وسلم وضيوفه من الملائكة الذين نزلوا عنده وكانوا من الملائكة على هيئة بشرالذين أرصد لهم الكرامة وقد ذهب الامام أحمد وطائفة من العلماء الى وجوب الضيافة للنزيل واكرام الضيف  ،"  إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ " عندما دخل الملائكة وهم على هيئة بشر على ابراهيم عليه السلام ألقوا عليه السلام ورد عليهم السلام وقال تعالى " واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " فالخليل اختار الأفضل وقال " قوممنكرون " وذلك أن الملائكة قدموا عليه فى صورة شبان حسان عليهم مهابة عظيمة ، " فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِين" انسل ابراهيم خفية فى سرعة الى أهل بيته فجاء بخير ماله فجاء بلحم عجل مشوى على الرضف كما قال تعالى " فما لبث أنجاء بعجل حنيذ " ، " فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ "  قرب ابراهيم عليه السلام الطعام الى ضيوفه وكانوا من الملائكة وهو لا يعلم ذلك وعرض عليهم الطعام وتلطف فى العبارة والعرض وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة فانه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة ولم يمتن عليهم أولا فقال نأتيكم بطعام بل جاء به بسرعة وخفاء وأتى بأفضل ما وجد من ماله وهو عجل سمين مشوى فقربه اليهم لم يضعه وقال اقتربوا بل وضعه بين أيديهم ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم بل قال " ألا تأكلون " على سبيل العرض والتلطف كما يقول القائل اليوم ان رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل ، "  فَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَة" يتحدث الله عزوجل عن شعور ابراهيم عليه السلام عندما رآهم لا يأكلون فقد أصابه الخوف نتيجة للوجس أى الشك الذى حدث له منهم ومن تصرفهم معه   "قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيم" هدأت الملائكة من روع ابراهيم عليه السلام وزادوا على ذلك بأن بشروه بشارة من الله أنه سيرزقه بابنه وهو اسحاق الذى سيكبر ويشب ليصبح غلاما  ، " فَأَقۡبَلَتِ ٱمۡرَأَتُهُۥ فِي صَرَّةٖ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِيم" عند ذلك أقبلت امرأة ابراهيم عليه السلام فى صرة أى فى صرخة عظيمة ورنة وكانت قريبة لكى تؤدى حق الضيافة مع زوجها وضربت بيدها على جبينها وقال ابن عباس لطوت أى تعجبا كما تتعجب النساء من الأمر العجيب الغريب وقالت كيف ألد وأنا عجوز وقد كنت فى حال الصبا عقيما لا أحبل ؟ ، "  قَالُواْ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ " رد الملائكة على قولها بابراز قدرة الله الذى اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فهو عليم بما تستحقون من الكرامة والتكريم حكيم فى أقواله وأفعاله وقد تقدم هذا فى قوله تعالى " فلما رأى أيديهم لا تصل اليه نكرهم وأوجس منهمخيفة قالوا لا تخف انا أرسلنا الى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت " أى استبشرت بهلاك قوم لوط الفاسدين لتمردهم وعتوهم على الله تعالى فعند ذلك بشرتا الملائكة باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب وكقوله " قالت ياويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا ان هذا لشىء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انهحميد مجيد " فالبشارة لابراهيم عليه السلام هى بشارة لزوجته لأن الولد منها فكل منهما بشر به .

قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ ٣١ قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ ٣٢ لِنُرۡسِلَ عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن طِينٖ ٣٣ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُسۡرِفِينَ ٣٤ فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٣٥ فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٦ وَتَرَكۡنَا فِيهَآ ءَايَةٗ لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ٣٧

" قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ " حين هدأ روع ابراهيم عليه السلام سأل الملائكة ما شأنكم يامن أرسلكم الله عز وجل وفيم جئتم وبما أرسلتم به ، "  قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ " رد الملائكة على ابراهيم عليه السلام أنهم ارسلوا لقوم مجرمين أى أجرموا فى حق الله بأقوالهم وأفعالهم وهم قوم لوط ،" لِنُرۡسِلَ عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن طِين* مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُسۡرِفِينَ " أكملت الملائكة ردها على ابراهيم عليه السلام أنهم أرسلوا من الله لنرجمهم بالحجارة من الطين معلمة مكتتبة عنده بأسمائهم كل حجر عليه اسم صاحبه فقال فى سورة العنكبوت " قال ان فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله الا امرأته كانت من الغابرين " وقال تعالى هنا " فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " يتحدث الله تعالى عن انجاء لوط عليه السلام وأهل بيته الا امرأته ومن اتبعه من المؤمنين بما أرسله الله به ، "  فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ " كانت هذه البلدة كافرة الا شق قليل من المسلمين وهم أهل لوط ومن اتبعه احتج بهذه الآية من ذهب الى رأى المعتزلة ممن لا يفرق بين مسلمى الايمان والاسلام لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين وهذا الاستدلال ضعيف لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمني وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس فاتفق الاسمان هنا لخصوصية الحال ولا يلزم ذلك فى كل حال ، "  وَتَرَكۡنَا فِيهَآ ءَايَةٗ لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ " يقول الله عز وجل معقبا جعلناها عبرة بما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل ، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة ففى ذلك عبرة للمؤمنين الذين يخافون وقوع عذاب ربهم الشديد .

" وَفِي مُوسَىٰٓ إِذۡ أَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ ٣٨ فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ ٣٩ فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٞ ٤٠ وَفِي عَادٍ إِذۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلۡعَقِيمَ ٤١ مَا تَذَرُ مِن شَيۡءٍ أَتَتۡ عَلَيۡهِ إِلَّا جَعَلَتۡهُ كَٱلرَّمِيمِ ٤٢ وَفِي ثَمُودَ إِذۡ قِيلَ لَهُمۡ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٖ ٤٣ فَعَتَوۡاْ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَهُمۡ يَنظُرُونَ ٤٤ فَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ مِن قِيَامٖ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ ٤٥ وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ٤٦

"وَفِي مُوسَىٰٓ إِذۡ أَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِين" يتحدث الله عز وجل عن ارساله  موسى عليه السلام بدليل باهر وحجة قاطعة الى فرعون ليؤمن بما أرسله به اليه ومن ذلك العصا وبياض اليد وغير ذلك من الآيات ، " فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ " وكان رد فرعون أنه أعرض عما جاءه به موسى عليه السلام من الحق المبين استكبارا وعنادا كقوله تعالى " ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله " أى معرض عن الحق مستكبر  وقال مجاهد تعزز بأصحابه وقال ابن زيد " فتولى بركنه " أى بمجموعه التى معه كقوله تعالى " لو أن لى بكم قوة أو آوى الى ركن شديد " وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُون" اتهم موسى عليه السلام بالسحر والجنون وقال له لا يخلو أمرك فيما جئتنى به من أن تكون ساحرا أو مجنونا ، "فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ " كان عقاب الله لفرعون وقومه أن ألقاهم فى البحر وأغرقهم أجمعين ،"وَهُوَ مُلِيم" أهلك الله فرعون لأنه كان ملوم أى كافر جاحد فاجر معاند ، "  وَفِي عَادٍ إِذۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلۡعَقِيمَ " يتحدث الله عز وجل عن اهلاك عاد بالريح المفسدة التى لا تنتج شيئا سوى الخراب والدمار ،" مَا تَذَرُ مِن شَيۡءٍ أَتَتۡ عَلَيۡهِ إِلَّا جَعَلَتۡهُ كَٱلرَّمِيمِ"هذه الريح لم تبقى شيئا مما تفسده الريه الا أفسدته وأبادته وجعلته كالشىء الهالك البالى وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور" ،  " وَفِي ثَمُودَ إِذۡ قِيلَ لَهُمۡ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِين" يتحدث الله تعالى عن اهلاك ثمود فهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام فجاءهم فى صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار وهذا قوله " تمتعوا حتى حين " وقال ابن جرير يعنى الى وقت فناء آجالكم ، " فَعَتَوۡاْ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَهُمۡ يَنظُرُونَ " تجبر قوم ثمود وأعرضوا عن الحق من ربهم عنادا واستكبارا فكان عقابهممن الله أنه أهلكهم بالصاعقة من السماء  " فَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ مِن قِيَام"  لما أتى أمر الله باهلاكهم لم يتمكنوا من الهرب أو النهوض فقد أصبحوا فى ديارهم هالكين لا حراك لهم ، "  وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ " يقول الله عز وجل عقبا بعد اهلاك ثمود أنهم لا يقدرون على أن ينتصروا مما هم فيه ، وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُم ۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ " يتحدث الله عزوجل عن هلاك قوم نوح وزقد أهلكهم من قبل عاد وثمود وكانوا خارجين عن طاعة الله فقد كذبوا نوح عليه السلام فأهلكهم الله بالطوفان أهلكهم جميعا ماعدا من كان مع نوح عليه السلام فى السفينة ، وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة فى مواضع كثيرة من سور متعددة .

وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧ وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ ٤٨ وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ٤٩ فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٥٠ وَلَا تَجۡعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٥١

" وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " يتحدث الله عزوجل عن قدرته فى الخلق فى خلق السماء بقوة كما قال ابن عباس وغيره وهذه الآية قد سبقت عصرها وتعتبر من آيات الاعجاز فى القرآن الكريم الذى لا تنقضى عجائبه وهى نظرية تمدد الكون واتساعه كما قال تعالى " سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " ، " وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ " يتحدث الله كذلك عن آية أخرى من آيات قدرته على الخلق هذه المرة فى خلق الأرض فى جعلها ممهدة صالحة لمعايش المخلوقات عليها كقوله "الذى جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناءا " وكلمة فراشا تفيد الراحة حيث أن الفراش فيه الراحة والدفء فالله قد جعل الأرض مريحة ميسرة لمعيشة المخلوقات عليها ، "  وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ" يتحدث الله تعالى عن قدرته فى الخلق فقد جعل جميع المخلوقات أزواج سماء وأرض وليل ونهار وشمس وقمر وبر وبحر وضياء وظلام وايمانوكفر وحياة وموت حتى الحيوانات والنباتات ذكر وأنثى ولهذا قال  "لَعَلَّكُم ۡ تَذَكَّرُونَ " أى لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له ، "  فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّه" الفرار الى الله هو الجوء اليه والاعتماد عليه فى كل الأمور واستخدم لفظ فروا ليكون ذلك فى اسرع وقت دون تمهل أو انتظار فالانسان لا يضمن كم سيعيش ولا يعرف متى سيموت فلابد أن يبادر ويسرع فى اللجوء الى الله ولا ينتظر حتى يطلع عليه الصباح أو يأتيه المساء بل من لحظته التى هو عليها وهذا أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ويستكمل ذلك بقوله  "  إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِين" فهو صلى الله عليه وسلم أرسله الله ليكون نذيرا للكفار واضح الانذار أومبين أى موضح ما أرسله الله به من الحق ، "  وَلَا تَجۡعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ" ينهى الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم  عن الشرك به شيئا واتخاذ آلهة من دونه ، "  إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِين " فهو صلى الله عليه وسلم ينذر من ذلك انذارا واضحا شديد الوضوح.

كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ ٥٢ أَتَوَاصَوۡاْ بِهِۦۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ ٥٣ فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٖ ٥٤ وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٥٥ وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦ مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ ٥٧ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِينُ ٥٨ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ فَلَا يَسۡتَعۡجِلُونِ ٥٩ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٦٠

" كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ " يقول الله تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم وكما قال لك هؤلاء المشركون أنك ساحر أومجنون قال المكذبون من قبلهم لرسلهم مثل هذا القول ،" أَتَوَاصَوۡاْ بِهِ" يقول الله عز وجل موبخا للمشركين هل أوصى بعضهم بعضا بهذه المقالة ؟ ، "بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ " يقول الله تعالى ذاما المشركين أنهم قوم طغاة تشابهت قلوبهم فقال متأخرهم كما قال متقدمهم ، "  فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَمَآ أَنتَ بِمَلُوم" يدعو الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض عن المشركين وليس له من الله ملامة على ذلك ، "وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يذكر بما جاء به من الحق فالذكرى انما تنتفع بها القلوب المؤمنة، " وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ " يتحدث الله تعالى عن الحكمة من خلقه الجن والانس قائلا انما خلقتهم لآمرهم بعبادتى وقال ابن عباس الا ليعبدون الا ليقروا بعبادتى طوعا أوكرها وقال ابن جريج الا ليعرفون وقال الربيع بن أنس " الا ليعبدون " الا للعبادة وقال الضحاك المراد بذلك المؤمنون ، " مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ " يقول عزوجل أنه لم يخلق الانس والجن لاحتياجه اليهم من رزق أوطعام"إِنّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِينُ "  فهو وحده الرزاق للعباد القادر على كل شىء بقوته فهو القوى ولا قوى بعده المتين أى المفرط فى القوة والمنعة لا يقدرعليه من أحد ولا من شىء ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذبه أشد العذاب ، وأخبر أنه غير محتاج اليهم بل هم الفقراء اليه فى جميع أحوالهم ، فهو خالقهم ورازقهم وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى فى الحديث القدسى " يا ابن آدم تفرغ لعبادتى أملأ صدرك غنى وأسد فقرك والا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك "،" فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ فَلَا يَسۡتَعۡجِلُونِ " الذنوب النصيب من العذاب يتحدث الله عن المشركين أن لهم نصيب من العذاب مثل نصيب من شابهوهم وصاحبوهم فى جهنم من أصحاب النار فلا يستعجلون ذلك فانه واقع لا محالة ، " فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ " يقول الله تعالى مهددا ومتوعدا الكفار مما سيلحق بهم يوم القيامة وهو اليوم الذى يوعدون به من بعث وعقاب وحساب فلهم الهلاك واللعنة عليهم فى هذا اليوم .


 


No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...