Grammar American & British

Tuesday, May 24, 2022

30- )تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم - الجزء الثلاثون

 30 - ) تبسيط تقسير ابن كثير للقرآن الكريم

تفسير الجزء الثلاثون

تفسير سورة النبأ

سورة النبأ سورة مكية ، وهى من قصار السور ، عدد آياتها 40 آية ، وهى تتحدث عن النبأ العظيم وهو يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال ، وتتحدث عن انكار المشركين لهذا اليوم ، وتتحدث عن قدرة الله فى الخلق ، وتتحدث عن جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين يوم القيامة . 

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ ٢ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ ٣ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ ٥ أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا ٦ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا ٧ وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا ٨ وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا ٩ وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا ١٠ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا ١١ وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا ١٢ وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا ١٣ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا ١٤ لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا ١٥ وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا ١٦

يقولول تعالى منكرا على المشركين فى تساؤلهم عن يوم القيامة انكارا لوقوعها " عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ " أى عن أى شىء يتساءلون من أمر يوم القيامة وهو النبأ العظيم يعنى الخبر الهائل المفظع الباهر وقال قتادة وابن زيد النبأ العظيم البعث بعد الموت ، " ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ " يعنى الناس فيه على قولين مؤمن وكافر ثم قال تعالى متوعدا لمنكرى يوم القيامة " كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ *  ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ " هذا تهديد شديد ووعيد أكيد أى أن هؤلاء سيعرفون هذا اليوم وهوله عندما يتحقق وكرر الله تهديده لهم لتأكيد وقوع هذا التهديد والوعيد وتحققه وهم منكرون له ، ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره فقال  " أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا " يذكر الله تعالى قدرته على خلق الأرض وجعلها ممهدة للخلائق ميسرة لمعيشتهم ساكنة قارة لهم ثابتة ، " وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا " أى جعل الله الجبال أوتاد لها أرساها بها وثبتها وقررها وأطلق عليها رواسى شامخات حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها والجبال تمتد فى الأرض لأعماق كبيرة ويمكن أن يكون ما امتد منها يتفوق على ارتفاعها نفسه وهذه حقيقة أوردها القرآن ولم يكن للعرب علم بها وحتى العالم القديم كله فالأرض فى الفضاء تتحرك بسرعة هائلة وتحتاج الى ما يقرها ، " وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا " يعنى من ذكر وأنثى يتمتع كل منهما بالآخر ويحصل التناسل بذلك كقوله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ، " وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا " السبات هو قطع الحركة والسكون أى جعلنا الليل فيه قطع للحركة وسكون لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعى فى المعايش فى عرض النهار وقد تقدم مثل هذه الآية فى سورة الفرقان ، " وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا " قال قتادة أى سكنا واللباس هو ما يلبس ويسكن ويركن اليه كقوله عن الزوجات " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن "، " وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا " ويتحدث الله تعالى عن النهار فيقول جعلناهمشرقا نيرا مضيئا ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجىء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك ، " وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا " يعنى السموات السبع فى اتساعها ةارتفاعها واحكامها واتقانها وما تحفل به من أجرام السماء ولهذا قال بعدها ، " وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا " السراج الوهاج هو الشمس وشبهها عز وجل بالسراج لأنها يتوهج ضؤوها لأهل الأرض كلهم وهى التى تلقى بضوئها على القمر كما يلقى السراج ضوءه على أى جسم فينيره فينبعش منه النور مثل نور القمر وقال الله عنه وقمرا منيرا ، " وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا " المعصرات هى السحب الممطرة وقال ابن عباس أن الرياح تستدر المطر من السحاب وقال الفراء هى السحاب التى تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد كما يقال امرأة معصر اذا دنا حيضها ولم تحض والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب كما قال تعالى " الله الذى يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه فى السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله " أى من بينه وقوله تعالى " ماءا ثجاجا " والثج هوالصب المتتابع وقال ابن زيد كثير ولا يعرف فى كلام العرب فى صفة الكثرة الثج وانما الثج الصب المتتابع ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم " أفضل الحج العج والثج " يعنى صب دماء البدن  وقال مجاهد وغيره ثجاجا منصبا وقال الثورى متتابعا ، " لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا " يتحدث الله تعالى عن الماء فيقول لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك الحب يدخر للأناسى والأنعام والنبات الذى يكون خضرا ويؤكل رطبا ، "  وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا " أى بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة وان كان ذلك فى بقعة أرض واحدة مجتمعا ولهذا قال وجنات ألفافا وقال ابن عباس وغيره ألفافا مجتمعة وهذا كقوله تعالى " وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأكل ان فى ذلك لآيات لقوم يعقلون " .

 إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا ١٧ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا ١٨ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا ١٩ وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا ٢٠ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتۡ مِرۡصَادٗا ٢١ لِّلطَّٰغِينَ مَ‍َٔابٗا ٢٢ لَّٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا ٢٣ لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا ٢٤ إِلَّا حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا ٢٥ جَزَآءٗ وِفَاقًا ٢٦ إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا ٢٧ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا ٢٨ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ كِتَٰبٗا ٢٩ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمۡ إِلَّا عَذَابًا ٣٠

" إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا " يخبر الله تعالى عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلم وقته على التعيين الا الله عز وجل كما قال تعالى " وما نؤخره الا لأجل معدود " ، " يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا " أفواجا كما قال مجاهد زمرا زمرا وقال ابن جرير يعنى تأتى كل أمة مع رسولها كقوله تعالى " يوم ندعو كل أناس بامامهم " وقال البخارى " يوم ينفخ فى الصور فتأتون أفواجا " وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بين النفختين أربعون " قالوا : أربعون يوما ؟ قال " أبيت " قالوا : أربعون شهرا ؟ قال " أبيت " قالوا : أربعون سنة ؟ قال " أبيت " قال " ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليسش من الانسان شىء الا يبلى الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة "، " وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا" الأبواب الطرق والمسالك تفتح لنزول الملائكة ، " وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا " أى يخيل الى الناظر أنها شىء وليست بشىء وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر كما قال تعالى " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " وقال تعالى " ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة " ، " إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتۡ مِرۡصَادٗا " مرصادا أى مرصدة معدة أى أن جهنم معدة لاستقبال اهلها وقال الحسن وقتادة يعنى أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار فان كان معه جواز نجا والا احتبس وهى للذين قال الله عنهم " لِّلطَّٰغِينَ مَ‍َٔابٗا " جهنم تكون مرجعا ومنقلبا ومصيرا ونزلا للطاغين وهم المردة العصاة المخالفون للرسل ، "  لَّٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا " الأحقاب جمع حقب وهى المدة من الزمان أى ماكثين فيها فترة من الزمان وقد اختلفوا فى المقدار وقد قال مقاتل أن هذه الاية منسوخة بقوله تعالى " فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا " ثم قال ويحتمل أن يكون قوله تعالى " لابثين فيها أحقابا " متعلقا بقوله تعالى " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " ثم يحدث لهم بعد ذلك عذابا من شكل آخر ونوع آخر ثم قال والصحيح أنها لا انقضاء لها كما قال قتادة والربيع بن أنس وقال سعيد عن قتادة قال تعالى " لبثين فيها أحقابا " لا يعلم عدة هذه الأحقاب الا الله عز وجل وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة والسنة ثلثمائة وستون يوما كل يومكألف سنة مما تعدون ، " لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا " أى لايجدون فى جهنم بردا لقلوبهم ولا شرابا طيبا يتغذون به ولهذا قال تعالى " إِلَّا حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا " قال ابو العالية اسثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق فأما الحميم فهو الحار الذى قد انتهى حره وحموه ، والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه وقد تقدم الكلام على الغساق فى سورة ص ، " جَزَآءٗ وِفَاقًا " الوفاق المستحق الذى يتفق مع ما فعلوه أى هذا الذى صاروا اليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التى كانوا يعملونها فى الدنيا كما قال مجاهد وغيره ، " إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا " أى لم يكونوا يعتقدون أن ثم دارا يجازون فيها ويحاسبون فهم مكذبون بيوم القيامة يستبعدونه ، " وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا " كذابا أى تكذيبا وهو مصدر من غير الفعل وهو مؤكد لما فعلوه من تكذيب أى وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله ، " وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ كِتَٰبٗا " يقول الله عز وجل أى وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناها عليهم وسنجزيهم على ذلك ان خيرا فخير وان شرا فشر ، " فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمۡ إِلَّا عَذَابًا " أى يقال لأهل النار ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم الا عذابا من جنسه وآخر من شكله أزواج وقال عبد الله بن عمر لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الاية " فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا " فهم فى مزيد من العذاب أبدا .

 إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ مَفَازًا ٣١ حَدَآئِقَ وَأَعۡنَٰبٗا ٣٢ وَكَوَاعِبَ أَتۡرَابٗا ٣٣ وَكَأۡسٗا دِهَاقٗا ٣٤ لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا كِذَّٰبٗا ٣٥ جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا ٣٦

" إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ مَفَازًا " قال ابن عباس المفاز هو المتنزه أى أن للمتقين متنزها وقال مجاهد وقتادة : فازوا فنجوا من النار والأظهر هنا قول ابن عباس لأنه قال بعده " حَدَآئِقَ وَأَعۡنَٰبٗا " والحدائق هى البساتين من النخيل وغيرها والأعناب هى كرم العنب ، " وَكَوَاعِبَ أَتۡرَابٗا " أى وللمتقين حورا والحور هن نساء أهل الجنة  كواعب أتراب أى فى سن واحد كما تقدم بيانه فى سورة الواقعة ، " وَكَأۡسٗا دِهَاقٗا " الكأس هى كأس الشراب والدهاق المملوءة المتتابعة كما قال ابن عباس  وقال عكرمة الصافية وقال مجاهد وغيره الملأى المترعة وقال مجاهد وغيره هى المتتابعة ، "  لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا كِذَّٰبٗا " اللغو هو الكلام الفارغ عار عن الفائدة أى أن أهل الجنة لا يسمعون فيها هذا الكلام وكذلك لا يسمعون اثم كذب بل هى دار سلام وكل ما فيها سا لم من النقص ، " جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا " أى هذا الذى ذكرناه جازاهم الله به وأعطاهموه بفضله ومنه واحسانه ورحمته عطاء حسابا أى كافيا سالما كثيرا فالعرب تقول " أعطانى فأحسبنى " أى كفانى ، ومنه حسبى الله أى الله كافى .

 رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا ٣٧ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا ٣٨ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَ‍َٔابًا ٣٩ إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا ٤٠

" رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗ" يخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وأنه رب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وأنه الرحمن الذى شملت رحمته كل شىء لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته الا باذنه كقوله تعالى " من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه " وكقوله تعالى " يوم يأت لا تكلم نفسه الا باذنه " ، " يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا " اختلف المفسرون فى المراد بالروح هنا ما هو ؟ على أقوال ( أحدها ) ما قاله ابن عباس أنهم أرواح بنى آدم ( والثانى ) هم بنو آدم كما قال الحسن وقتادة ( والثالث ) أنهم خلق من خلق الله على صور بنى آدم وليسوا بملائكة ولا بشر وهم يأكلون ويشربون كما قال مجاهد وغيره ( الرابع ) هوجبريل كما قال الشعبى وغيره ويستشهد لهذا بقوله عز وجل " نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين " وقال مقاتل بن حيان الروح هو أشرف الملائكة وأقرب الى الرب عز وجل وصاحب الوحى ( الخامس ) أنه القرآن كما قال ابن زيد كقوله " وكذاك أوحينا اليك روحا من أمرنا " ( السادس ) أنهملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات عن ابن عباس " يوم يقوم الروح " قال هو ملك عظيم من اعظم الملائكة خلقا وتوقف ابنجرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها وألشبه والله أعلم أنهم بنو آدم وقوله تعالى " الا من أذن له الرحمن " كقوله " يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه " وكما ثبت فى الصحيح " لا يتكلم يومئذ الا الرسل " وقوله تعالى " وقال صوابا " أى حقا ومن الحق لا اله الا الله كما قال أبو صالح وعكرمة ، " ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّ" يتحدث الله عزوجل عن يوم القيامة أنه اليوم الحق أى الذى واقع لا محالة ، "فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَ‍َٔابًا " المآب هو المرجع والطريق يهتدى اليه ومنهجا يمر به عليه أى فمن شاء أن يكون من المتقين وينال هذا الذى وعد الله به يتخذ هذا النهج والطريق الذى يهتدى به اليه والمنهج الذى يمر به عليه ، " إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا " يعنى يوم القيامة يتوعد الله فيه الكافر بالعذاب وأطلق عليه قريبا لتأكدوقوعه صار قريبا لأنكل ما هو آت آت ، " يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ " فى هذا اليوم الذى يعرض على المرء جميع أعماله خيرها وشرها قديمها وحديثها كقوله تعالى " ووجدوا ما عملوا حاضرا " وكقوله تعالى " ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر " ، " وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا"أى يود الكافر يومئذ أنه كان فى الدار الدنيا ترابا ولم يكن خلق ولا خرج الى الوجود وذلكحين عاين عذاب الله ونظر الى أعماله اتلفاسدة قد سطرت عليه بأيدى الملائكة السفرة الكرام البررة ،وقيل انما يود ذلكحين يحكم الله بين الحيوانات التى كانت فى الدنيا فيفصل بينها بحكمه العدل الذى لا يجور حتى أنه ليقتص للشاء الجماء من القرناء فاذا فرغ من الحكم بينها قال لها كونى ترابا فتصير ترابا فعند ذلك يقول الكافر " يا ليتنى كنت ترابا " أى كنت حيوانا فأرجع الى التراب وقدورد معنى هذا فى حديث الصور المشهور وورد فيه آثار عن أبى هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما .

سورة النازعات

سورة النازعات سورة مكية ،من قصار السور ، عدد آياتها 46 آية تتحدث كذلك عن أهوال يوم القيامة وما فيه ،وتتحدث عنما حدث لفرعون عندا كذب موسى عليه السلام ،وتذكر قدرة الله فى الخلق التى تشهد أنه هو الاله الواحد ، وتتحدث عن جزاء الكفار يوم القيامة وما ينتظر المؤمنين من نعيم ، وتصف يوم القيامة بأنه الطامة الكبرى لما يحدث فيه من أهوال ، وفى هذا التهويل تهديدووعيد للمشركين المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم .

وَٱلنَّٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا ١ وَٱلنَّٰشِطَٰتِ نَشۡطٗا ٢ وَٱلسَّٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا ٣ فَٱلسَّٰبِقَٰتِ سَبۡقٗا ٤ فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا ٥ يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ ٦ تَتۡبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ ٧ قُلُوبٞ يَوۡمَئِذٖ وَاجِفَةٌ ٨ أَبۡصَٰرُهَا خَٰشِعَةٞ ٩ يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِي ٱلۡحَافِرَةِ ١٠ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا نَّخِرَةٗ ١١ قَالُواْ تِلۡكَ إِذٗا كَرَّةٌ خَاسِرَةٞ ١٢ فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ ١٣ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ ١٤

"  وَٱلنَّٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا * وَٱلنَّٰشِطَٰتِ نَشۡطٗا " قال ابن مسعودوابن عباس وغيرهما هم الملائكة حين تنزع أرواح بنى آدم فمنهم من تاخذ روحه بعسر فتغرق فى نزعها ،ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلته من نشاط وهوقوله " والناشطات نشطا " وعن ابن عباس أيضا قال هى أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق فى النار وقال مجاهد " والنازعات غرقا " الموت ، " وَٱلسَّٰبِحَٰتِ سَبۡحا" قال ابن مسعود وغيره هى الملائكة التى تسبح لله وقال قتادة هى النجوم التى تسبح فى الفضاء وقال عطاء بن أبى رباح هى السفن فى البحار تسبح على سطح الماء  ، " فَٱلسَّٰبِقَٰتِ سَبۡقٗا " عن على وغيره يعنى الملائكة وقال الحسن سبقت الى الايمان والتصديق به وعن مجاهد الموت وقال قتادة هى النجوم وقال عطاء هى الخيل فى سبيل الله ،" فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا " قال على وغيره هى الملائكة زاد الحسن تدبر الأمر من السماء الى الأرض يعنى بامر ربها عز وجل ولم يختلفوا فى هذا ولم يقطع ابن جرير بالمراد فى شىء من ذلك الا أنه حكى فى المدبرات أمرا أنها الملائكة ولا أثبت ولانفى ، "يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتۡبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ " قال ابن عباس وغيره هما النفختان الأولى والثانية وعن مجاهد أما الأولى وهى قوله جل وعلا " يوم ترجف الراجفة " فكقوله جلت عظمته " يوم ترجف الأرض والجبال " والثانية وهى الرادفة كقوله " وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة " وقد روى الترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا ذهب ثلثا الليل قام فقال " يا ايها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " ، " قُلُوبٞ يَوۡمَئِذٖ وَاجِفَةٌ " واجفة قال ابن عباس يعنى خائفة فالله عز وجل يتحدث عما يقع من هول هذا اليوم من خوف فى القلوب ، " أَبۡصَٰرُهَا خَٰشِعَة" أى أبصار أصحابها وانما أضيف اليها للملابسة أى ذليلة حقيرة مما عاينت من الأهوال فى هذا اليوم تكون الأبصار من هول ما تراه منكسرة ، " يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِي ٱلۡحَافِرَةِ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا نَّخِرَة " الحافرة هى القبور التى تحفر للميت ويعنى مشركى قريش ومن قال بقولهم فى انكار المعاد يستبعدون وقوع البعث بعد المصير الى القبور وبعد تمزق أجسادهم وتفتت عظامهم ونخورها ولهذا قالوا  " أئذا كنا عظاما نخرة " وقرىء ناخرة وقال ابن عباس وغيره بالية وهو العظم اذا بلى ودخلت الريح فيه وقال قتادة وغيره الحافرة الحياة بعد الموت وقال ابن زيد الحافرة النار وما أكثر أسمائها هى النار والجحيم وسقر وجهنم والهاوية والحافرة ولظى والحطمة ، " قَالُواْ تِلۡكَ إِذٗا كَرَّةٌ خَاسِرَة" قال محمد بن كعب قالت قريش لئن أحيانا الله بعد أن نموت لنخسرن ، "  فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَة* فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ "الزجرة هى الصيحة أى تكون صيحة واحدة وقال ابراهيم التيمى أشد ما يكون الرب عز وجل غضبا على خلقه يوم يبعثهم وقال الحسن البصرى زجرة من الغضب وقال أبومالك والربيع بن أنس زجرة واحدة هى النفخة الآخرة  وقال ابن عباس وغيره الساهرة الأرض كلها وقال عكرمة وغيره وجه الأرض وقال مجاهد كانوا بأسفلها فأخرجوا الى أعلاها والساهرة المكان المستوى وقال قتادة الساهرة جهنم وهذه الأقوال كلها غريبة والصحيح أنها الأرض وجهها الأعلى وعن سهل بن سعد الساعدى " فاذا هم بالساهرة"  قال أرض بيضاء عفراء خالية كالخبزة النقى وقال الربيع بن أنس " فاذا هم بالساهرة " يقول الله عزوجل " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار " ويقول تعالى "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " وقال تعالى " ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة " وبرزت الأرض التى عليها الجبال وهى لا تعد من هذه الأرض وهى أرض لم يعمل عليها خطيئة ولم يهرق عليها دم .

هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ ١٥ إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى ١٦ ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ١٧ فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ ١٨ وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ ١٩ فَأَرَىٰهُ ٱلۡأٓيَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ ٢٠ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ٢١ ثُمَّ أَدۡبَرَ يَسۡعَىٰ ٢٢ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ٢٣ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٢٤ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ ٢٥ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰٓ ٢٦

يخبر الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله ورسوله موسى عليه السلام أنه ابتعثه الى فرعون وأيده بالمعجزات ومع هذا استمر على كفره وطغيانه حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ،وكذلك  من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم وكذب بما جاء به ولهذا تحدث فى آخر القصة عن  عاقبة من خالفه وكذب بما جاء به فقال " هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ " أى هل سمعت بخبرموسى ، " إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى " اذ كلمه ربه نداء وهو بوادى طوى المقدس أى المطهر ،" ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ" هذا أمر من الله عز وجل الى موسى عليه السلام بالذهاب الى فرعون الذى تجرد وتمرد وعتى وتجبر ،"فَقُل هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ " أى قل له أى لفرعون هل لك أن تجيب الى طريقة ومسلك تزكى به وتسلم وتطيع ، " وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ " أى أهديك وأدلك الى عبادة ربك فيصير قلبك خاضعا لهمطيعا خاشعا بعد ما كان قاسيا خبيثا بعيدا عن الخير ، " فَأَرَىٰهُ ٱلۡأٓيَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ " يعنى فأظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قوية ودليلا واضحا على صدق ما جاء به من عند الله ونحن نعلم فى السور السابقة ما جاء به موسى عليه السلام من آيات من عصا وغيرها ، " فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ " ولكن فرعون كذب بالحق وخالف ما أمره الله به من الطاعة وحاصله أنه كفر قلبه فلم ينفعل لموسى بباطنه ولا بظاهره وعلمه بأن ما جاء به حق لا يلزم منه أنه مؤمن به لأن المعرفة علم القلب والايمان عمله وهو الانقياد للحق والخضوع له ،" ثُمَّ أَدۡبَرَ يَسۡعَىٰ " أدبر تعنى التولى عن الحق والبعد عنه بعد أن عرض عليه موسى عليه السلام الحجج والبراهين وسعى فى مقابلة الحق بالباطل وهو جمعه السحرة ليقابلوا ما جاء به موسى عليه السلام من المعجزات الباهرات ، " فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ " أى بعد أن حشر السحرة وحشر قومه نادى فيهم أنه هو ربهم الأعلى أى الذى لا رب يعلو عليه أو يتفوق عليه وهذا يبرز غرور فرعون وقال ابن عباس ومجاهد وهذه الكلمة قالها فرعون بعد قوله ما علمت لكم من اله غيرى بأربعين سنة ،" فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ " أى انتقم الله منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين فى الدنيا وكذلك ينتقم الله منه فى الآخرة هو وقومه كما فى قوله " ويوم القيامة بئس الرفد المرفود " كما قال تعالى " وجعلناهم أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون " ، وهذا هو الصحيح فى معنى الآية أن المراد بقوله " نكال الآخرة والأولى " أى الدنيا والآخرة ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰٓ " يقول عز وجل أن فى ما حدث لفرعون عبرة وعظة ودرسا لمن يتعظ وينزجر .

ءَأَنتُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُۚ بَنَىٰهَا ٢٧ رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا ٢٨ وَأَغۡطَشَ لَيۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا ٢٩ وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ ٣٠ أَخۡرَجَ مِنۡهَا مَآءَهَا وَمَرۡعَىٰهَا ٣١ وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا ٣٢ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَ لِأَنۡعَٰمِكُمۡ ٣٣

"ءَأَنتُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُۚ بَنَىٰهَا " يقول تعالى محتجا على منكرى البعث فى اعادة الخلق بعد بدئه أأنتم أيها الناس فى خلقكم أشق وأصعب من خلق السماء وما فيها فالله وحده هو الذى أبدعها وخلقها وجعلها بناءا محكما رغم اتساعها بما يقاس بالسنوات الضوئية وبالحسابات الفلكية التى تعجز لغة الأرقام عن بلوغها فتكون الاجابة محسومة بل السماء أشد خلقا منكم كما قال تعالى " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس " وقال تعالى " أو ليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم " ، يفسر الله عز وجل عملية البناء وما عليه هذا البناء للسماء  " رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا " أى جعلها عالية البناء بعيدة الفناء مستوية الأرجاء تزخر بالأجرام السماوية التى يعجز عن حصرها أعقد ما يملكه الانسان من أجهزة فنحن حتى الآن لم نبلغ حتى السماء الأولى والله وحده هو الذى أخبرنا أنها سبع سموات طباقا ، "وَأَغۡطَشَ لَيۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا " قال ابن عباس وغيره "أغطش ليلها" أظلمه و"أخرج صحها " أى أنار نهارها أى جعل ليلها مظلما أسود حالكا ونهارها مشرقا واضحا " ، " وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ " الدحية هى البيضة فى اللغة فالأرض بيضاوية مستديرة ومدببة من أحد أطرافها كما تم تصويرها من الفضاء وهذا القرآن المعجز جاء بالآيات ما سبق به عصره والتى لم يكشفها الا العلم الحديث فعلى حد علمهم قال ابن عباس " ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشقق فيها الأنهار وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام " وهذا يفتقد للدقة المعهودة فى القرآن ودلالة ألفاظه لأنه بعد ذلك تحدث عن ما قالوه منفصلا فقال " أَخۡرَجَ مِنۡهَا مَآءَهَا وَمَرۡعَىٰهَا " بعد أن خلق الله الأرض على شكلها وجعل لها سماها وغلافها الجوى الذى يحميها ويمنع الماء من التبخر والخروج والتبدد أخرج منها الماء الذى على سطحها وفى جوفها سواء أكان مالحا أو عذبا وبعد الماء جاء خروج الزروع والمراعى والثمار الذى نبت بهذا الماء ودارت به دورة الحياة كما نعرفها فلنا أن نتوقف كثيرا عند دقة القرآن ولا نمر أمام تعبيراته وألفاظه مر الكرام ونأخذ بمجمل المعنى لابد أن نتوقف أمام التعبيرات وأمام الألفاظ ودلالاتها ، " وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا" أرسى الله عز وجل الأرض وثبتها بأن قرر الجبال وأثبتها وأكدها فى أماكنها وقال " والجبال أوتادا " فهى مثل أوتاد الخيمة التى تثبتها وعن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجب الملائكة من خلق الجبال فقالت يارب فهل من خلقك شىء أشد من الجبال ؟ قال تعم : الحديد ، قالت : يارب فهل من خلقك شىء أشد من الحديد ؟ قال : نعم النار ، قالت يارب فهل من خلقك شىء أشد من النار ؟ قال نعم الماء ، قالت يارب فهل من خلقك شىء أشد من الماء ؟ قال نعم الريح ، قالت يارب فهل من خلقك شىء أشد من الريح ؟ ، قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها عن شماله " ،" مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَ لِأَنۡعَٰمِكُمۡ " أى أن الله عزوجل دحى الأرض وأخرج منها ماءها وأظهر مكنونها وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها ، وثبت جبالها لتستقر بأهلها ويقر قرارها ،كل ذلك متاعا لخلقه ولما يحتاجون اليه من الأنعام التى يأكلونها ويستخدمونها وهكذا مدة احتياجهم اليها فى هذا الدار الى أن ينتهى الأمد وينقضى الأجل .

فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ ٣٤ يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ ٣٥ وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ٣٦ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ٣٧ وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ٣٨ فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٣٩ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤١ يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكۡرَىٰهَآ ٤٣ إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَىٰهَآ ٤٤ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا ٤٥ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا ٤٦

" فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ " الطامة الكبرى هى يوم القيامة وقال ابن عباس سميت بذلك لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع كما قال تعالى " والساعة أدهى وأمر " ، " يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ " أى فى هذا اليوم يتذكر ابن آدم جميع عمله خيره وشره كما قال تعالى " يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى " ،"وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ " برزت أى أظهرت الجحيم للناظرين فرآها الناس عيانا وهذا من التهويل قبل دخولها فيكون الرعب والهلع منذ لحظة البعث والحساب ، " فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا * فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ " يتحدث الله عز وجل عن من تمرد وعتى عن أمر الله وبعد عن الحق وفضل الحياة الدنيا وقدمها على أمر دينه وأخراه فان مصيره ومستقره الأزلى الذى لا محيد له عنه الى الجحيم وان مطعمه من الزقوم ومشربه من الحميم ، "  وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ " ويتحدث الله عز وجل عن من خاف القيام بين يدى الله عز وجل وخاف حكم الله فيه ونهى النفس عن هواها وردها الى طاعة مولاها فان منقلبه ومصيره ومرجعه الى الجنة الفيحاء ونعيمها ، " يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا " المرسى هو الميعاد الذى ترسو وتستقر عليه والساعة هى يوم القيامة يتحدث الله عز وجل ويرد على من يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن ميعاد يوم القيامة ،   " فِيمَ أَنتَ مِن ذِكۡرَىٰهَآ " يرد الله تعالى ليس علمها اليك ولا الى أحد من الخلق ، " إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَىٰهَآ " أى ليس علمها اليك ولا الى أحد من الخلق بل مردها ومرجعها الى الله عز وجل فهو الذى يعلم وقتها على التعيين كقوله تعالى " ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم الا بغتة * يسئلونك كأنك حفى عنها قل انما علمها عند الله " ولهذا لما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة قال " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " ، "  إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا " يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم انما بعثتك لتنذر الناس وتحذرهم من بأس الله وعذابه فمن خشى الله وخاف مقامه ووعيده واتبعك فيما جئت به من الحق فقد أفلح ،والخيبة والخسار على من كذبك وخالفك ، " كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا " يقول الله عز وجل عن يوم القيامة وعن شعور الناس به يوم البعث فيقول أنهم اذا قاموا من قبورهم وبعثوا الى المحشر يستقصرون مدة الحياة الدنيا حتى كأنها عندهم كانت عشية من يوم أو ضحى من اليوم أما العشية فهى ما بين الظهر الى غروب الشمس وأما الضحى فهوما بين طلوع الشمس الى نصف النهار وقال قتادة : وقت الدنيا فى أعين القوم حين عاينوا الآخرة .

تفسير سورة عبس

سورة عبس سورة مكية ، وهى من السور القصار ،وعدد آياتها 42 آية ،والسورة تتحدث عن موقف حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاتبه الله عليه ، فقد ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع فى اسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه اذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شىء ويلح عليه وود النبى صلى الله عليه وسلم أن لوكف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة لك الرجل طمعا ورغبة فى هدايته ، وعبس فى وجه ابن أم مكتوم وكان كفيف البصر أعمى وهو المقصود فى السورة وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله تعالى " عبس وتولى " الى قوله " تلهى " ، وعن أنس رضى الله عنه فى قوله تعالى " عبس وتولى " جاء ابن أم مكتوم الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبى بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله عز وجل " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " فكان النبى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه وقال أنس بنمالك : رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء يعنى ابن أممكتوم ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت " أنزلت " عبس وتولى " فى ابن أم مكتوم الأعمى أتى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرشدنى وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول " أترى بما أقول باسا ؟ " فيقول : لا " ففى هذا أنزلت " عبس وتولى " وعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتة تسمعوا أذان ابن أم مكتوم " وهو الأعمى الذى أنزل الله تعالى فيه " عبس وتولى " وكان يؤذن مع بلال ، وقال سالم بن عبد الله عنه أنه كان رجلا ضرير البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون الى بزوغ الفجر أذن ، والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو .

عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ ٢ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣ أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ ٤ أَمَّا مَنِ ٱسۡتَغۡنَىٰ ٥ فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ ٦ وَمَا عَلَيۡكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ ٧ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسۡعَىٰ ٨ وَهُوَ يَخۡشَىٰ ٩ فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ ١٠ كَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَةٞ ١١ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ ١٢ فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ ١٣ مَّرۡفُوعَةٖ مُّطَهَّرَةِۢ ١٤ بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ ١٥ كِرَامِۢ بَرَرَةٖ ١٦

" عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ *  أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ " يتحدث الله عز وجل معاتبا رسوله صلى الله عليه وسلم على موقفه من ابن أم مكتوم وعبوسه فى وجهه وانصرافه عنه وكان كفيف البصر وقد جاءه يستزيد من علمه وهو يتحدث مع أحد عظماء قريش وقد طمع فى اسلامه ، " وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ " يقول عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم انه قد يغيب عن علمك والله هو علام الغيوب وحده أن هذا الذى انصرفت  عنه ربما يحصل له زكاة وطهارة فى نفسه أى يستفيد مما تقوله له وتعلمه ، " أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ " أو قد يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم ، " أَمَّا مَنِ ٱسۡتَغۡنَىٰ *  فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ " أى أما الغنى فيمكن أن يكون الغنى هو غنى المال الذى أعطى منه الكثير حتى أصبح غنيا أو استغنى من الاستغناء عن الشىء وهو تركه أى فى نيته أن لا يتبع ما تدعو اليه فى مقابل أن ابن أم مكتوم كان فقيرا وكذلك كان مؤمنا متبعا صادق الايمان وجاء يسعى للاستزادة عكس الآخر الذى جاء ليس بهدف الهداية ولكن كعادة كفار قريش للمجادلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلهم يصرفوه عن دين الله وعن الحق فهم كفار معاندين فيكون المعنى أما الغنى فأنت تتعرض له لعله يهتدى ، " وَمَا عَلَيۡكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ " يتحدث الله عز وجل ليرفع عن رسوله صلى الله عليه وسلم الحرج فيقول له ما أنت بمطالب منه اذا لم يحصل له زكاة أى هداية لدين الله فالله وحده الذى يهدى من يشاء وما على رسوله صلى الله عليه وسلم الا البلاغ ، " وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسۡعَىٰ * وَهُوَ يَخۡشَىٰ * فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ" ويخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثه بشأن ابن أم مكتوم أن من يقصدك ويؤمك ليهتدى بما تقول له فأنت تتشاغل عنه ، ومن ÷نا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخص بالانذار أحدا بل يساوى فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغنى والسادة والعبيد والرجال والنساء والصغار والكبار ، ثم الله تعالى يهدى من يشاء الى صراط مستقيم وله الحمة البالغة والحجة الدامغة  ، " كَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَة"أى هذه السورة أو الوصية بالمساواة بين الناس فى ابلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم تذكر بذلك وقال قتادة والسدى " كلا انها تذكرة " يعنى القرآن ،" فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ " أى فمن شاء ذكر الله تعالى فى جميع أموره ويحتمل عودة الضمير الى الوحى لدلالة الكلام عليه كما سيأتى فى الآية اللاحقة ، " فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَة" أى هذه السورة أو العظة وكلاهما متلازم بل جميع القرآن فى صحف مكرمة أى معظمة موقرة ، " مَّرۡفُوعَة" أى عالية القدر ،" مُّطَهَّرَةِۢ " أى من الدنس والزيادة والنقص ، " بِأَيۡدِي سَفَرَة" السفرة كما قال ابن عباس وغيره هى الملائكة وقال ابن جرير والصحيح أن السفرة الملائكة والسفرة يعنى بين الله تعالى وبين خلقه ومنه يقال السفير الذى يسعى بين الناس فى الصلح والخير وقال البخارى سفر الملائكة وسفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة اذا نزلت بوحى الله تعالى وتأديته كالسفير الذى يصلح بين القوم وقال وهب بن منبه هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين يقرأون القرآن أو يكون بين أيديهم وبين ظهرانيهم وقال قتادة هم القراء وقال ابن جريج عن ابن عباس السفرة بالنبطية القراء والسفير هومن يرعى مصالح قومه أو دولته ويقوم بها لدى طرف آخر تربطه به علاقة فالملائكة هم رسل الله وسفراؤه الى الرسل يبلغون ما يرسلهم به وينفذون ويفعلون ما يأمرون به وسمى جبريل عليه السلام سفير الوحى ، " كِرَامِۢ بَرَرَة " أى خلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة ومن هنا ينبغى لحامل القرآن أن يكون فى أفعاله وأقواله على السداد والرشاد وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذى يقرأ القرآن وهوماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذى يقرؤه وهو عليه شاق له أجران " .

قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ ١٧ مِنۡ أَيِّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥ ١٨ مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ ١٩ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُۥ ٢٠ ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقۡبَرَهُۥ ٢١ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُۥ ٢٢ كَلَّا لَمَّا يَقۡضِ مَآ أَمَرَهُۥ ٢٣ فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ ٢٤ أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا ٢٥ ثُمَّ شَقَقۡنَا ٱلۡأَرۡضَ شَقّٗا ٢٦ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا حَبّٗا ٢٧ وَعِنَبٗا وَقَضۡبٗا ٢٨ وَزَيۡتُونٗا وَنَخۡلٗا ٢٩ وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا ٣٠ وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا ٣١ مَّتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ ٣٢

" قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ " يقول تعالى ذاما لمن أنكر البعث والنشور من بنى آدم قال ابن عباس لعن الانسان وهذا لجنس الانسان المكذب لكثرة تكذيبه بلا مستند بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم وهولفظ تستخدمه العرب للعن الشخص ويمكن أن يكون معناه أنه يصيبه الهلاك من هذا الفعل وهذا لتغليظ هذا الفعل لأنه لا يوجد أشنع وأشد من هذا الفعل وهو الكفر ، " مَآ أَكۡفَرَهُۥ " قال ابن جريج ما أشد كفره وقال قتادة ألعنه وقال ابن جرير ويحتمل أن يكون المراد أى شىء جعله كافرا أى ما حمله على التكذيب بالمعاد ، " مِنۡ أَيِّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥ * مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ " بين تعالى للانسان كيف خلقه من الشىء الحقير وأنه قادرعلى اعادته كما بدأه فقد خلقه من نطفة وقدر أجله ورزقه وعمله وشقى أو سعيد ، " ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُۥ " أى بين ووضح له طريق الحق وسهل عليه عمله كقوله تعالى " انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا " ، " ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقۡبَرَهُۥ " أى أنه بعد خلقه له أماته فأقبره أى جعله ا قبر والعرب تقول قبرت الرجل اذا تولى ذلك الأمر منه وجعل له قبرا وأقبره الله وبترت ذنب البعير وأبتره الله وطردت عنى فلانا وأطرده الله أى جعله طريدا ، " ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُۥ " أى ان الله اذا شاء وحلت مشيئته بعثه بعد موته ومنه يقال البعث والنشور كقوله تعالى " ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم اذا أنتم بشر تنتشرون " وكقوله " وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " وعن أبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يأكل التراب كل شىء من الانسان الا عجب ذنبه " قيل وما هو يا رسول الله ؟ قال " مثل حبة خردل منه تنشأون " وهذا الحديث ثابت فى الصحيحين عن أبى هريرة بدون هذه لزيادة ولفظه " كل ابن آدم يبلى الا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب " ، "  كَلَّا لَمَّا يَقۡضِ مَآ أَمَرَهُۥ " قال ابن جرير يقول جل ثناؤه كلا ليس الأمر كما يقول هذا الانسان الكافر من أنه قد أدى حق الله عليه فى نفسه وماله فهو لم يؤد ما فرض الل عز وجل عليه من الفرائض وقالمجاهد لا يقضى أحد أبدا كل ما افترض عليه ، والذى يقع فى معنى ذلك ثم اذا شاء بعثه ولا يفعل ما أمره الله به الآن حتى تنقضى المدة ويفرغ القدر من بنى آدم ممن كتب الله أن سيوجد منهم ويخرج الى الدنيا وقد أمر به تعالى كونا وقدرا فاذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم ، فى هذه الآيات امتنان واستدلال باحياء النبات من الأرض الهامدة على احياء الأجسام بعدما كانت "فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦ" يدعو الله عزوجل الى أن ينظر الانسان ويتأمل فيما رزقه الله من طعام يطعمه وكائن أمامه طوال الوقت ويستوجب شكر نعمة الله عليه فهو الخالق وهو الرازق ، " أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا"أى انزلنا الماء من السماء على الأرض بما يكفى العباد ، " ثُمَّ شَقَقۡنَا ٱلۡأَرۡضَ شَقّٗا " أى أسكناه فى الأرض فيدخل فى تخومها وتخلل فى أجزاء الحب المودع فيها فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض ، " فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا حَبّٗا * وَعِنَبٗا وَقَضۡبٗا * وَزَيۡتُونٗا وَنَخۡلٗا " يذكر الله عز وجل نعمه التى تخرج من الأرض من الحبوب  والعنب والقضب هو العشب أو الفصفصة التى تأكلها الدواب رطبة ويقال لها القت أيضا كما قال ابن عباس وغيره وقال الحسن البصرى القضب العلف والزيتون وما له من منافع واستخدامات والنخل الذى يثمر البلح  وبما له من منافع واستخدامات ،  " وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا " الحدائق هى البساتين وقال ابن عباس ومجاهد كل ما التف واجتمع أى كثيفة الشجر والنبات وقال أيضا غلبا الشجر الذى يستظل به وقال كذلك "وحدائق غلبا " أى طوال وقال الحسن وقتادة غلبا نخل غلاظ كرام وقال عكرمة غلبا أى غلاظ الأوساط وفى رواية غلاظ الرقاب ويقال للرجل اذا كان غليظ الرقبة قيل والله انه لأغلب ، " وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا " والفاكهة كل ما يتفكه به من الثمار وقال ابن عباس الفاكهة كل ما أكل رطبا والأب ما أنبتت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس وفى رواية عنه هو الحشيش للبهائم وفى رواية له الأب الكلأ والمرعى وعن الحسن وغيره الأب للبهائم كالفاكهة لقبنى آدم وقال الضحاك كل شىء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو الأب وعن أنس قال : قرأ عمر بن الخطاب رضى الله عنه " عبس وتولى " فلما أتى على هذه الآية " وفاكهة وأبا " قال قد عرفنا ما الفاكهة فما الأب ؟ فقال لعمرك يا ابن الخطاب ان هذا لهو التكلف " ، " مَّتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ " أى أخرج الله عز وجل هذا ليجعله عيشة لخلقه من بنى آدم ولأنعامهم فى هذه الدار الدنيا الى يوم القيامة .

فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ ٣٣ يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ ٣٧ وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ ٣٩ وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَةٞ ٤٠ تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ ٤١ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَفَرَةُ ٱلۡفَجَرَةُ ٤٢

" فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ " قال ابن عباس الصاخة اسم من أسماء يوم القيامة وقال البغوى : الصاخة يعنى صيحة يوم القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع أى تبالغ فى اسماعها حتى تكاد تصمها وقال ابن جرير لعله اسم للنفخة فى الصور ، " يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ * وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ " أى يوم القيامة أن المرء يراهم جميعا قال قتادة الأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من هول هذا اليوم - أخيه وأمه وأبيه وكل من يصحبه من زوجة وأصداقاء فى الدنيا وأبنائه ويفر منهم ويبتعد منهم لأن الهول عظيم والخطب جليل فكل مشغول بأمره ويقول نفسى نفسى فهو لا يستطيع حولا لينقذ نفسه فكيف ينقذ غيره من أقرب الناس اليه وهو فى شغل شاغل عن غيره وفى الحديث الصحيح فى أمر الشفاعة أنه اذا طلب الى كل من أولى العزم أن يشفع عند الله فى الخلائق يقول نفسى لا أسالك الا نفسى حتى أن عيسى أبن مريم يقول لا أساله اليوم الا نفسى لا أساله مريم التى ولدتنى وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تحشرون حفاة عراة مشاة غرلا " فقالت زوجته يا رسول الله ننظر أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال " لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه - أو قال - ما أشغله عن النظر" وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال " يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا " فقالت عائشة : يا رسول الله فكيف بالعورات ؟ فقال " لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " ،  يكون الناس هنالك فريقين "  وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَة* ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَة" وجوه مسفرة آىمستنيرة " ضاحكة مستبشرة " أى مسرورة فرحة من السرور فى قلوبهم قد ظهر البشر على وجوههم وهؤلاء أهل الجنة ،" وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَة*  تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ " والفريق الآخر هم الكفار وجوههم يعلوها ويغشاها قترة أى سواد وقال ابن عباس أى يغشاها سواد الوجوه وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم فهو قوله تعالى " ووجوه عليها غبرة " ، " أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَفَرَةُ ٱلۡفَجَرَةُ " أى هؤلاء هم الكفرة قلوبهم الفجرة فى أعمالهم .

تفسير سورة التكوير

سورة التكوير سورة مكية ، وعدد آياتها 29 آية ، وهى تتحدث عن أهوال يوم القيامة وما يقع فيه ، وعن ابن عمر أ، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من سره أن ينظر الى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ " اذا الشمس كورت " ، " واذا السماء انفطرت " ، " واذا السماء انشقت " .

إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ ٢ وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ ٣ وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ ٤ وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ ٥ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ ٦ وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ ٧ وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨ بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ ٩ وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ ١٠ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ ١١ وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ ١٢ وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ ١٣ عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ ١٤

" إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ " قال قتادة ذهب ضوؤها  وهذه الآية من آيات الاعجاز فى القرآن فنحن نعلم أن الشمس كرة ملتهبة من الغازات وتصل الحرارة على سطحها وفى أعماقها  ملايين الدرجات  والشمس تشع هذه الحرارة وتلقى بالضوء الى الكون ولكنها تفقد حرارتها وتنكمش وقدر عمرها بخمسة بلايين ستة واذ فقدت حرارتها صارت مثل الكرة باهتة الضوء والتكوير جمع الشىء بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها الى بعض ، " وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ " أصل الانكدار الانصباب والمعنى هنا انتثرت وتلاشت وقال مجاهد وغيره تناثرت  كما قال تعالى " واذا الكواكب انتثرت "  الانفطار2 -  وفى آية أخرى " فاذا النجوم طمست " - 8 المرسلات وطمس النجوم هو اختفائها وذهابها  ، " وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ"  أى زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعا صفصفا كقوله " يوم ترجف الأرض مالجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا " المزمل 14 ،" وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ " المقصود أن العشار من الابل وهى خيارها والحوامل منها التى قدوصلت فى حملها الى الشهر العاشر ، واحدتها عشراء ولا يزال ذلك أسمها  حتى تضع  قد أشغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعد ما كانوا أرغب شىء فيها بما دهمهم من الأمر العظيم المفظع الهائل وهو أمر يوم القيامة وانعقاد أسبابها ووقوع مقدماتها وقيل بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك لا سبيل لهم اليها وقال عكرمة ومجاهد عشار الابل وقال مجاهد عطلت تركت وسيبت وقال أبى بن كعب والضحاك أهملها أهلها وقال الربيع بن خيثم لم تحلب ولم تصر تخلى منها أربابها وقال الضحاك تركت لاراعى لها والمعنى فى هذا كله متقارب ، " وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ " أى جمعت كما قال تعالى " وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم الى ربهم يحشرون " وقال ابن عباس يحشر كل شىء حتى الذباب قال ابن جرير الأولى من قال حشرت جمعت قال الله تعالى " والطيرمحشورة " أى مجموعة "وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ "  قال مجاهد والحسن بن مسلم سجرت أوقدت وقال الضحاك فجرت وقال ابن عباس وغيره يرسل الله عليها الرياح الدبور فتسعرها وتصير نارا تأجج وفى سنن أبى داود " لايركب البحر الا حاج أومعتمر أو غاز فان تحت البحر نارا وتحت النار بحرا " وخلاصة القول أن البحار تشتعل أما بتفجر الأرض ونحن نعلم أن الأرض تخرج منها البراكين وهناك براكين كثيرة تحدث تحت سطح البحر وتكون الجزر كما قال الحديث تحت البحر نار ويمكن أن تتسبب بقدرة الله ولكنها فى كل الأحوال توقد وهذه أحدى مظاهر يوم القيامة وأهواله ، "وَإِذَاٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ " أى جمع كل شكل الى نظيره كقوله تعال " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم " وعن النعمان بن بشير أن عمر بن الخطاب قال وهو يخطب : يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء فى النار فذلك تزويج الأنفس وقال مجاهد الأمثال من الناس جمع بينهم وقال أبو العالية وغيره أآ زوجت بالأبدان ، وقيل زوج المؤمنون بالحور العين وزوج الكافرون بالشياطين وعن النعمان بن بشير أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " واذا النفوس زوجت - قال - الضرباء كل رجل معكل قوم كانوا يعملون عمله " وذلك بأن الله عز وجل يقول " وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون " قال هم الضرباء ، " وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ * بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ " قال ابن عباس هى المدفونة والموءودة هى التى كان أهل الجاهلية يدسونها فى التراب كراهية البنات فيوم القيامة تسئل الموءودة على أى ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدا لقاتلها فانه اذا سئل المظلوم فما ظن الظالم اذا ؟ وقال أبو الضحى سالت أى طالبت بدمها وعن عمر بن الخطاب قال جاء قيس بن عاصم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى وأدت بنات لى فى الجاهلية قال " اعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال : يارسول الله انى صاحب ابل قال "فانحر عن كل واحدة منهن بدنة "  وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الوائدة والموءودة فى النار "  وعنخنساء بنت معاوية عن عمتها قالت قلت يارسول الله من فى الجنة ؟ قال "النبى فى الجنة والشهيد فى الجنة والمولود فى الجنة والموءودة فى الجنة "  ، " وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ "قال الضحاك أعطى كل انسان صحيفته بيمينه أو بشماله ، " وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ " الكشط معناه الازالة وقال الضحاك تنكشت فتذهب وهذا كقوله " اذا السماء انشقت " وكقوله " واذا السماء فرجت " ، " وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ " الجحيم هى النار وهى جهنم  قال السدى أحميت وقال قتادة أوقدت ، " وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ"قال الضحاك وغيره قربت الى أهلها  ، " عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ " هذا هوجواب الشرط أى اذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك لها كما قال تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " وقال تعالى " ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر " .

فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ١٥ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ ١٦ وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ ١٧ وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ ١٨ إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ١٩ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ ٢٠ مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِينٖ ٢١ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ ٢٢ وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ ٢٣ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ ٢٤ وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ ٢٥ فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ ٢٦ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٧ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٩

" فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ * ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ " هذه آية من آيات الاعجاز التى أتى بها القرآن وكشفها علم الفلك الحديث أن هناك نوع من النجوم فى السماء منخنسة أى مختفية وبعيدة تجرى فى السماء وتسير فيها وتبتلع فى طريقها نجوم وتكنسها مثل المكنسة الكهربائية التى تبتلع ما أمامها وتسمى بالنجوم الكانسة ويمكن الرجوع الى علم الفلك فى هذا ويمكن الرجوع الى ما قاله الدكتور زغلول النجار فى موقعه على شبكة المعلومات فى هذه الاية أما التفسير الذى ورد عن على قال هى النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل وفى قول آخر قال هى النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل  قال بعض الأئمة انما قيل للنجوم الخنس أى فى حال طلوعها ثم هى جوار فى فلكها وفى حال غيبوبتها يقال لها كنس من قول العرب أوى الظبى الى كناسه اذا تغيب فيه ، " وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ " فيه قولان ( أحدهما ) اقباله بظلامه قال مجاهد أظلم وقال الحسن البصرى اذا غشى الناس و( الآخر ) اذا ذهب فتولى وعن ابن عباس اذا أدبر  وقال ابن جرير أن المراد اذا أدبر وعندى أن المراد بقوله " اذا عسعس " اذا أقبل وان كان يصح استعماله فى الادبار أيضا لكن الاقبال أنسب كأنه أقسم بالليل وظلامه اذا أقبل وبالفجر اذا اشرق كما قال تعالى " والليل اذا يغشى * والنهار اذا تجلى " وقال تعالى " والضحى * والليل اذا سجى " وقال تعالى " فالق الاصباح وجعل الليل سكنا " وغير ذلك من الآيات ، وقال كثير من علماء الأصول ان لفظة عسعس تستعمل فى الاقبال والادبار على وجه الاشتراك فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما ، " وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ " أى أضاء وأقبل كما قال قتادة  وقال الضحاك اذا طلع وقال ابن جرير يعنى ضوء النهار اذا أقبل وتبين ، " إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيم" يعنى ان هذا القرآن لتبليغ رسول كريم من الله عز وجل لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الرسول الكريم هوجبريل عليه السلام أى ملك شريف حسن الخلق بهى المنظر ، " ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِين" يصفه الله عز وجل بالقوة أى شديد البطش والفعل وكان لجبريل ستمائة جناح ويسد الأفق وله مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة ، " مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِين" أى له وجاهة وهومسموع القول مطاع فى الملأ الأعلى قال قتادة " مطاع ثم أمين " أى فى السموات يعنى ليس من أفناد الملائكة بل هو من السادة والأشراف معتنى به انتخب لهذه الرسالة العظيمة وقوله تعالى " امين " صفة لجبريل بالأمانة وهذا عظيم جدا أن الرب عز وجل يزكى عبده ورسوله الملكى جبريل كما زكى عبده ورسوله البشرى محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى " وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُون" قال الشعبى وغيره يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وقال صاحبكم أى منكم وهو يخاطب قريش بعد أن اتهموه بالجنون فيما جاء به من الحق من ربه ، " وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ " يعنى ولقد رأى محمد جبريل الذى يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التى خلقه الله عليها له ستمائة جناح فى افق السماء البين وهى الرؤية التى كانت بالبطحاء والظاهر والله أعلم أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الاسراء لأنه لم يذكر فيها الا هذه الرؤية وهى الأولى وأما الثانية فى الآيات التى ذكرت فى سورة النجم وقد نزلت بعد سورة الاسراء فى قوله تعالى " ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * اذ يغشى السدرة ما يغشى " ، " وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِين" اذا قرأت بالضاد معناها ببخيل بل يبذله أى القرآن لكل أحد قال قتادة كان القرآن غيبا فأنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم فما ضن به على الناس بل نشره وبلغه وبذله لكل من أراده ومن قرأها بالظاء والظنين هو المتهم أى وما محمد على ما أنزله الله اليه بظنين أى بمتهم ولا كاذب بل هو صادق مبلغ من ربه وقال سفيان بن عيينه ظنين وضنين سواء أى ما هوكاذب وما هو بفاجر واختار ابن جرير قراءة الضاد وكلاهما متواتر ومعناه صحيح ، " وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰن رَّجِيم" أى وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم أى شيطان ملعون مطرود من رحمة الله أى لا يقدر على حمله ولا يريده ولا ينبغى له كما قال تعالى " وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغى لهم وما يستطيعون * انهم عن السمع لمعزولون " ، " فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ " أى فأين تذهب عقولكم فى تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقا من عند الله عز وجل كما قال الصديق رضى الله عنه لوفد بنى حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الكذاب الذى هو فى غاية الهذيان والركاكة فقال " ويحكم أين تذهب عقولكم ؟ والله ان هذا الكلام لم يخرج من ال أى من أله وقال قتادة " فاين تذهبون " أى عن كتاب الله وعن طاعته ، " إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ"  أى هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون ،" لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ " أى لمن أراد الهداية منكم فعليه بهذا القرآن فانه منجاة له وهداية ولا هداية فيما يسواه ، " وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " أى ليست المشيئة موكولة اليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين وعن سليمان بن موسى قال لما نزلت هذه الآية " لمن شاء منكم أن يستقيم"قال أبوجهل : الأمر الينا ان شئنا استقمنا وان شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى " وما تشاءون الا أن يشاء الله رب العالمين " .

تفسير سورة الانفطار

سورة الانفطار سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 19 آية تتحدث عن أهوال يوم القيامة ، وقد تقدم من رواية عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من سره أن ينظر الى القيامة رأى العين فليقرأ ذا الشمس كورت ، واذا السماء انفطرت ، واذا السماء انشقت " .

إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ ١ وَإِذَا ٱلۡكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتۡ ٢ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ فُجِّرَتۡ ٣ وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ ٤ عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ ٥ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ ٦ ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ ٧ فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ٨ كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ ٩ وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ ١٠ كِرَامٗا كَٰتِبِينَ ١١ يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ ١٢

يتحدث الله تعالى عن أهوال يوم القيامة وما يحدث فيه من وقائع " إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ " انفطرت أى انشقت  بمعنى اذا انشقت السماء كما قال تعالى " والسماء منفطر به " ،" وَإِذَا ٱلۡكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتۡ " انتثرت أى تساقطت بمعنى اذا تساقطت الكواكب وتناثرت ، " وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ فُجِّرَتۡ " قال الحسن فجر الله بعضها فى بعض فذهب ماؤها وقال قتادة اختلط عذبها بمالحها وقال ابن عباس فجر الله بعضهم فى بعض ونحن نعلم أن ما يجرى فيه الماء تطلق عليه العرب بحر سواء أكان عذب الماء أومالحه كما ورد فى سورة الرحمن "مرج البحرين يلتقيان " وكما قال " هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج " فتفجر الأمور هوخروجها عن السيطرة واختلاط بعضها ببعض لما ستتعرض له الأرض فى هذا اليوم ويمكن أن تطغى البحار والمحيطات على الأرض اليابسة وتتلاشى الأنهار والله أعلم بما سيحدث وحده ،" وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ " قال السدى تبعثر تحرك فيخرج من فيها كما قال تعالى " ونفخ فى الصورفاذا هم من الأجداث الى ربهم ينسلون " يس 51 ، " عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ " هذا جواب الشرط أى اذا حصل كل هذا يكون يوم الحساب وتعلم كل نفس فيه كل ما قدمته من عمل فى حياتها فى أولها وآخرها ،’" يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ " هذا تهديد ووعيد من الله تعالى يقول تعالى ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم أى العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق ؟ والتغرير هو الخداع أى ما جعل نفسك تنخدع وتخرج عن طريق ربك وتعصيه وهو الذى كان كريما معك فلم يهلكك بما فعلت بل أمهلك ولكنك تماديت فى المعاصى فاليوم يوم الحساب وقال ابن عمر غره والله جهله وقال قتادة ما غر ابن آدم غير هذا العدو الشيطان وانما أتى باسمه الكريم لينبه على أنه لا ينبغى أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور ، ، " ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ " "  يتحدث الله عز وجل موبخا هذا الذى يعصيه  فيكون المعنى ما غرك بالرب الكريم الذى جعلك سويا مستقيما معتدل القامة منتصبا فى أحسن الهيئات والأشكال ؟  ، " فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ " قال مجاهد فى أى شبه أب أو أم أو خال أو عم وفى الحصحيحين عن أبى هريرة أن رجلا قال يارسول الله ان امرأتى ولدت غلاما أسود ، قال " هل لك من ابل ؟ " قال : نعم ، قال " فما ألوانها ؟ " قال : حمر ، قال " فهل فيها من أورق ؟ قال : نعم ، قال " فأنى أتاها ذلك ؟ " قال : عسى أن يكون نزعه عرق " قال " وهذا عسى أن يكون نزعه عرق " ، "  كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ " أى انما يحملكم على مواجهة الكريم ومقابلته بالمعاصى تكذيب فى قلوبكم بالمعاد والجزاء والحساب ، " وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ * كِرَامٗا كَٰتِبِينَ *  يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ " يعنى وان عليكم لملائكة حفظة كراما فلا تقابلوهم بالقبائح فانهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان لله ملائكة يعرفون بنى آدم - وأحسبه قال : ويعرفون أعمالهم - فاذا نظروا الى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا أفلح الليلة فلان ، نجا الليلة فلان ، واذا نظروا الى عبد يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا هلك الليلة فلان " وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله ينهاكم عن التعرى فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم الا عند احدى ثلاث حالات : الغائط والجنابة والغسل ، فاذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجرم حائط أو ببعيره " .

إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ ١٣ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ١٤ يَصۡلَوۡنَهَا يَوۡمَ ٱلدِّينِ ١٥ وَمَا هُمۡ عَنۡهَا بِغَآئِبِينَ ١٦ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٧ ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٨ يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ ١٩

" إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيم" يخبر تعالى عما يصير الأبرار اليه من النعيم وهم الذين أطاعوا الله عز وجل ولم يقابلوه بالمعاصى وعن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " انما سماهم الله الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء " ، " وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيم* يَصۡلَوۡنَهَا يَوۡمَ ٱلدِّينِ * وَمَا هُمۡ عَنۡهَا بِغَآئِبِينَ " ذكر الله تعالى ما يصير اليه الفجار من الجحيم والعذاب المقيم يوم الدين وهو اسم من أسماء يوم القيامة يوم الحساب والجزاء وهم لا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة ولا يخفف عنهم من عذابها ولا يجابون الى ما يسالون من الموت أو الراحة ولو يوما واحدا ، " وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ * ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ " هذا تعظيم ليوم الدين وهو يوم القيامة وتأكيد له ولحدوثه بتكرار الآية فيسأل عز وجل ما هو حد علمك بهذا اليوم ما يكون وما يقع فيه ثم يفسر ذلك بتعقيبه بقوله "  يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ" هو اليوم الذى لا يقدر أحد على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه الا أن ياذن الله لمن يشاء ويرضى وقال قتادة والأمر اليوم لله لا ينازعه فيه يومئذ أحد  ونذكر هنا حديث " يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار لا أملك لكم من الله شيئا " وقوله تعالى " والأمر يومئذ لله " كقوله " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " وكقوله " الملك يومئذ للرحمن " وكقوله " مالك يوم الدين " .   

تفسير سورة المطففين

سورة المطففين سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 17 آية وتحذر من تطفيف الكيل وتحذر منه وهو عدم الوفاء بالكيل بالزيادة والنقصان - بالزيادة اذا كان لهم الحق وبالنقص اذا كان عليهم ، وهذا من آداب وسلوك الاسلام وهو الأمانة فى البيع والشراء قال ابن عباس لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وكانوا من أخبث الناس كيلا حسنوا الكيل مع هذه السورة .

  

وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ ١ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ ٢ وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ ٣ أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ ٤ لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ ٥ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٦

" وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ " المراد بالتطفيف هنا البخس فى المكيال والميزان اما بالازدياد ان اقتضى من الناس واما بالنقصان ان قضاهم ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم الخسارة والهلاك وهو الويل اذا اكتالوا على الناس أى من الناس يأخفون حقهم بالوفى والزائد واذا كان الكيل أو الوزن للناس منهم ينقصون وقد أمر الله تعالى بالوفاء فى الكيل والميزان فقال تعالى " وأوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم * ذلك خيرا وأحسن تأويلا " وقال تعالى " واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها " وقال تعالى " وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " وأهلك الله قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس فى الميزان والمكيال ثم قال تعالى متوعدا لهم " أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ * لِيَوۡمٍ عَظِيم" أى ما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدى من يعلم السرائر والضمائر فى يوم عظيم الهول كثير الفزع جليل الخطب من خسر فيه أدخل نارا حامية ؟ ،" يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " أى يقومون حفاة عراة غرلا فى موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ويغشاهم من أمر الله تعالى ما تعجز القوى والحواس عنه عن المقداد بن الأسود الكندى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أوميلين فتصهرهم الشمس فيكونون فى العرق كقدر أعمالهم ومنهم من يأخذه الى عقبيه ومنهم من يأخذه الى ركبتيه ومنهم من يأخذه الى حقويه ومنهم من يلجمه الجاما " وفى سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة " .

كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ ٧ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّينٞ ٨ كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ ٩ وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ ١٠ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ١١ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ١٢ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣ كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٤ كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ ١٥ ثُمَّ إِنَّهُمۡ لَصَالُواْ ٱلۡجَحِيمِ ١٦ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ١٧

" كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّين"  سجين فعيل مأخوذ من السجن وهو الضيق كما يقال فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك وهو يجمع الضيق والسفول وان المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع  أى أن مصير الفجار وهم من خرج عن طريق الحق وهم الكفار الذين فصل فيهم القول  "وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّين" عظم الله هذا الأمر فكرر هذا القول أى هو أمر عظيم وسجن مقيم وعذاب أليم ولما كان مصير الفجار الى جهنم وهى أسفل سافلين كما قال تعالى " ثم رددناه أسفل سافلين * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وسجين يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى " واذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا " ، " كِتَٰبٞ مَّرۡقُوم" ليس تفسير لقوله "وما أدراء ما سجين " وانما هو تفسير لما كتب لهم من المصير الى سجين أى مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد ، " وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ " أى اذا صاروا يوم القيامة الى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين والمراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال ويل لفلان وكما جاء فى المسند والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوبة بن ضمرة  بن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل الذى يحدث فيكذب ليضحك الناس ويل له ويل له " ثم قال تعالى مفسرا للمكذبين الفجار الكفرة " ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ " هم الذين لا يصدقون بوقوع يوم القيامة ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره عن الله تعالى ،" وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ " وهذا اليوم لا يكذب به الا كل معتد فى أفعاله من تعاطى الحرام والمجاوزة فى تناول المباح والأثيم فى أقواله اذا حدث كذب ، وان وعد أخلف ، وان خاصم فجر ، " إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ " ومن صفات المعتد الأثيم اذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ويظن به السوء فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل كما قال تعالى " واذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين " وكما قال تعالى " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا " ، " كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ " الرين يعترى قلوب الكافرين والغيم للأبرار والغين للمقربين أى ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا ان هذا القرآن أساطير الأولين بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وانما حجب قلوبهم عن الايمان به ما عليها من الرين الذى قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان العبد اذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء فى قلبه فان تاب منها صقل قلبه وان زاد زادت " فذل كقوله تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " وقال الترمذى حسن صحيح ولفظ النسائى " ان العبد اذا أخطأ خطيئة نكت فى قلبه نكتة سوداء فان هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه فان عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذى قال الله تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " وقال الحسن البصرى وهو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت ، " كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ " هؤلاء المكذبون لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين ثم هم يوم القيامة كذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم وقال الامام أبو عبد الله الشافعى : وفى هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يومئذ وهو استدلال بمفهوم هذه الآية :كما دل عليه منطوق فى قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة " وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة فى رؤية المؤمنين ربهم عز وجل فى الدار الآخرة رؤية بالابصار فى عرصات يوم القيامة وفى روضات الجنان الفاخرة ،" ثُمَّ إِنَّهُمۡ لَصَالُواْ ٱلۡجَحِيمِ " ثم هؤلاء الكفار مع هذا الحرمان عن رؤية الرحمن هم من أهل النيران يصطلون بنارها ملازمين لها غير مفارقين ، "  ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ " يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ والتصغير والتحقير هذا الذى يحدث لكم وواقع الآن بكم هو ما كنتم تنكرونه فى حياتكم الدنيا فقدكنتم تكذبون بالبعث يوم القيامة وهو كائن .

كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ١٨ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ ١٩ كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ ٢٠ يَشۡهَدُهُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ٢١ إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ٢٢ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ٢٣ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِيمِ ٢٤ يُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِيقٖ مَّخۡتُومٍ ٢٥ خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ ٢٦ وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ ٢٧ عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ ٢٨

يتحدث الله عز وجل عن الأبرار بعد أن تحدث عن الفجار وما يلحق بهم "كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ" فهم بخلاف الفجار مصيرهم الى عليين وهو بخلاف سجين وقال ابن عباس عليين يعنى الجنة وفى قول آخر عنه أعمالهم فى السماء عند الله والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو وكلما علا الشىء وارتفع عظم واتسع ولهذا قال تعالى معظما أمره ومفخما شأنه كما كان الأمر فى آية أخرى استخدم فيها نفس التعبير"وَمَا أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ " ثم قال تعالى مؤكدا لما كتب لهم " كِتَٰبٞ مَّرۡقُوم" تفسير لما كتب لهم من المصير الى الجنة أى مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد ، " يَشۡهَدُهُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ" المقربون كما قال قتادة هم الملائكة وقال ابن عباس يشهده من كل سماء مقربوها ، " إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٍ" يقول عز وجل ان الأبرا يوم القيامة فى نعيم مقيم وجنات فيها فضل عميم ، " عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ" الأرائك هى السرر تحت الحجال ينظرون قيل معناه ينظرون فى ملكهم وما أعطاهم الله من الخير والفضل الذى لا ينقضى ولا يبيد وقيل معناه " على الأرئك ينظرون " الى الله عز وجل ، هذا مقابل لما وصف به أولئك الفجار " كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " فذكر عن هؤلاء أنهم يباحون النظر الى الله عز وجل وهم على سررهم وفرشهم كما تقدم فى حديث ابن عمر " ان أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظرفى ملكه مسيرة ألفى سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه وان أعلاهم لمن ينظر الى الله عز وجل فى اليوم مرتين " ،  " تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِيمِ " أى تعرف اذا نظرت اليهم فى وجوههم نضرة النعيم أى صفة الترافه والحشمة والسرور والدعة والرياسة مما هم فيه من النعيم العظيم ، " يُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِيقٖ مَّخۡتُومٍ " الرحيق المختوم هو من أسماء الخمر فى الجنة أى يسقون من خمر الجنة وهى ليست كخمر الدنيا كما نعلم ولكن الله يبرز قدرته على أن ما كان فى الدنيا محرما مستبشعا يذهب بالعقول ويوجع الأبدان هو فى الجنة نعيم بقدرة الله وعن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أيما مؤمن سقى مؤمنا شربة ماء على ظمأ سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم ، وأيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ، وأيما مؤمن كسا مؤمنا ثوبا على عرى كساه الله من خضر الجنة " ،" خِتَٰمُهُۥ مِسۡك "قال ابن مسعود أى خلطه مسك ، وقال ابن عباس طيب الله لهم الخمر فكان آخر شىء جعل فيها مسك ختم بمسك وقال ابراهيم والحسن ختامه مسك أى عاقبته مسك وقال مجاهد طيبه مسك ، "  وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ " أى وفى مثل هذا الحال فليتفاخر المتفاخرون وليتباهى ويكاثر ويستبق الى مثله المستبقون كقوله تعالى " لمثل هذا فليعمل العاملون " ، " وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ " أى ومزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم أى من شراب يقال له تسنيم وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه ولهذا قال " عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ " أى يشربها أو يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجا كما قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما .

 إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ ٢٩ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمۡ يَتَغَامَزُونَ ٣٠ وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ ٣١ وَإِذَا رَأَوۡهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ ٣٢ وَمَآ أُرۡسِلُواْ عَلَيۡهِمۡ حَٰفِظِينَ ٣٣ فَٱلۡيَوۡمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلۡكُفَّارِ يَضۡحَكُونَ ٣٤ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ٣٥ هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٣٦

" إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمۡ يَتَغَامَزُونَ " يخبر تعالى عن المجرمين وهم الكفار أنهم كانوا فى الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين أى يستهزئون بهم ويحتقرونهم واذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم أى محتقرين لهم ، " وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ " أى واذا انقلب أى رجع هؤلاء المجرمون الى منازلهم انقلبوا اليها فاكهين أى مهما طلبوا وجدوا ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحقرونهم ويحسدونهم ، "  وَإِذَا رَأَوۡهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ " اذا رأى هؤلاء الكفار المؤمنين كانوا يقولون عنهم أنهم ضالون لكونهم على غير ما هم عليه من الضلال ، " وَمَآ أُرۡسِلُواْ عَلَيۡهِمۡ حَٰفِظِينَ " أى وما بعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم من أعمالهم وأقوالهم ولا كلفوا بهم فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم ؟كما قال تعالى " اخسؤا فيها ولا تكلمون * انه كان فريق من عبادى يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتختموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون * انى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " ولهذا قال هنا " فَٱلۡيَوۡمَ " يعنى يوم القيامة " ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلۡكُفَّارِ يَضۡحَكُونَ " أى فى مقابلة ما ضحك بهم أولئك فى الحياة الدنيا فهم يوم القيامة يضحكون منهم ويستهزءون بهم كما كانوا يفعلون ذلك ولكن من ضحك أخيرا ضحك كثيرا ،" عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ " أى أن المؤمنين وهم على ارائكهم فى الجنة ينظرون الى الله عز وجل فى مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون وليسوا بضالين بل هم أولياء الله المقربين ينظرون الى ربهم فى دار كرامته ، " هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ " أى هل جوزى الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا ؟ يعنى قد جوزوا أوفر الجزاء وأتمه وأكمله .

تفسسر سورة الانشقاق

سورة الانشقاق سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 25 آية ، وهى تتحدث عن أهوال يوم القيامة وما يحدث فيه ، وتتحدث عنجزاء المؤمنين وجزاء الكافرين ، وعن أبى سلمة أن أبا هريرة قرأ بهم " اذا السماء انشقت " فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها وعن أبى هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى " اذا السماء انشقت " " واقرأ باسم ربك الذى خلق " .

لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

باحث في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم

ظاهرة الشفق من الظواهر الكثيرة التي أثارت أهتمام الناس منذ القدم

قال الله عز وجل:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ * َفمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ ﴾(الانشقاق:16- 21).

أولاً- هذه الآيات وردت في بداية المقطع الثالث والرابع من سورة الانشقاق ‏,‏ وفيها يعرض الحق جل وعلا بعض الظواهر الكونية الحاضرة، مما يقع تحت حس الإنسان، مع التلويح بالقسم بها، تشريفًا لها وتعريضًا للاعتبار بها، على أن الناس متقلبون في أحوال مقدرة مدبرة , لا مفر لهم من ركوبها ومعاناة أهوالها وشدائدها. فاليد التي تمسك بأقدار هذا الكون، وترسم خطواته، وتبدل أحواله، قادرة أن تبدل أحوال الناس الذين يعيشون في هذا الكون، وتنقلهم من حياة إلى موت، ومن بعث إلى حساب، فما لهؤلاء القوم لا يؤمنون بصحة البعث والقيامة، وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون بعد أن وضحت لهم الدلائل ؟

 وأول ما ينبغي التنبيه إليه هو أن قوله تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ ﴾ تلويح بالقسم، خلافًا لما أجمع عليه علماء النحو والتفسير من أنه قسم صريح، و( لا ) فيه ليست بزائدة، أو لنفي ما قبلها، أو لنفي القسم ؛ وإنما هي لنفي الحاجة إلى القسم. والفرق بين القسم، والتلويح به: أن القسم لا يكون إلا على الأشياء التي تكون موضع شك عند المخاطب. أما التلويح بالقسم فيكون على الأشياء اليقينية الثابتة التي لا يتطرق إليها الشك أبدًا. وبيان ذلك وتفصيل القول فيه موجود في المقال الآتي:( لا أقسم: أقسم هو، أم غير قسم ؟.

وقوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ جواب للتلويح بالقسم، وهو كما قال ابن عاشور:« جملة نُسِجَ نظمُها نسجًا مجملاً، لتوفير المعاني التي تذهب إليْها أفهام السامعين، فجاءت على أبدع ما يُنْسَج عليه الكلام الذي يُرسَل إرسال الأمثال من الكلام الجامع البديع النسْج الوافر المعنى ؛ ولذلك كثرت تأويلات المفسرين لها. فلمعاني الركوب المجازية، ولمعاني الطبَق من حقيقي ومجازي، مُتَّسَع لما تفيده الآية من المعاني، وذلك ما جعَل لإِيثار هذين اللفظين في هذه الآية خصوصية من أفنان الإعجاز القرآني ».

والظواهر الملوح بالقسم بها هي:﴿ الشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴾، وهي من الظواهر الكونية الرائعة التي تدل على عظمة الخالق جل وعلا، وتشهد له بالألوهية والربوبية والوحدانية، يعرضها الخالق جل وعلا في لمحات سريعة خاطفة تغمر النفس رهبة وجلالاً، وتملأ القلب خوفًا وخشوعًا، وهي ذات ظلال موحية تتفق مع ظلال مطلع السورة، ومشاهدها بصفة عامة، وتتناسب مع ما يدل عليه قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ من تفاوت الأحوال التي يختبط الناس فيها يوم القيامة.

أما ﴿ الشَّفَقُ ﴾ فهو ضياء من شعاع الشمس يظهر في الأفق عندما يحجبها عن عيون الناس بعض جرم الأرض، بعد غروب الشمس وقبل شروقها، ويمثل فترة الانتقال من النهار إلى الليل، ومن الليل إلى النهار ‏.‏ وقيل: سُمِّيَ بالشفق لرقَّته، ومنه الشفقة التي هي عبارةٌ عن رقَّة القلب. وتعد ظاهرة الشفق من روائع الظواهر الكونية التي حيَّرت العلماء، وربما يكون أجمل أنواع الشفق ذلك الذي يتجلى في منطقة ( القطب الشمالي ) للكرة الأرضية، وهو ما سماه العلماء ( الشفق القطبي )، حيث تظهر السماء بألوان زاهية بالأخضر والأحمر والأصفر والأزرق وغير ذلك. وسبب تكونه هو وجود أشعة أو رياح شمسية تأتي من الشمس، وتتفاعل مع طبقات الغلاف الجوي العليا للأرض، ومع المجال المغنطيسي المحيط بها، فيكون الناتج تلك الصور الإلهية الرائعة.

وأما ﴿ اللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ﴾ فالمراد به: الليل وما جمع وضم. وقيل: الليل وما علا، فلم يمتنع منه شيء. فإذا جلَّل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض والنجوم فاجتمعت له، فقد وسقها. و( ما ) تفيد التعميم والتهويل، وتحتمل المصدرية والموصولة، والجمهور على الثاني، والعائد محذوف. أي: والذي وسقه. والوَسْق: جمع الأشياء المتفرقة بعضها إلى بعض. وأصل الوسق: الحمل المحمول على ظهر البعير.

وأما ﴿ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴾ فالمراد به: إذا اجتمع نوره واكتمل بدرًا. والاتساق: الاجتماع، وهو افتعال من الوَسْق بمعنى الجمع – كما تقدم آنفًا – يقال: وَسَقَهُ فاتَّسَقَ. أي: جمعه فاجتمع. وأصل اتَّسَقَ: اوْتَسَقَ، قلبت الواو تاء فوقية، ثم أدغمت في تاء الافتعال، وهو قلب مطَّرد.

ثانيًا- ويزعم بعض الباحثين في أسرار الإعجاز العلمي للقرآن أن في قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾(الانشقاق: 19) إشارة علمية إلى إمكانية الصعود إلى القمر والكواكب الأخرى. ولعل آخر من كتب في هذا الموضوع الباحث عبد الدايم الكحيل، فقد كتب في موقعه ( أسرار الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ) مقالاً قصيرًا بعنوان:( الوصول إلى القمر )، بدأه بشرح الآيات السابقة، فقال ما نصُّه:

« يقسم تبارك وتعالى بظاهرة الشفق، وهذه الظاهرة من أجمل الظواهر الكونية، والله يقسم بما يشاء من مخلوقاته، ويقسم كذلك بالليل وما حوى، وبالقمر ومنازله، أن الناس سيركبون طبقًا عن طبق ».

ثم تحدث عن الحقيقة العلمية، فقال:

« في 20 يوليو( تموز )من عام 1969 نزل رائدا الفضاء الأمريكيان: نيل أمسترنغ، وأدوين الدري إلى سطح القمر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يهبط فيها الإنسان على سطح القمر. لقد استخدموا في هذه الرحلة مركبة الفضاء التي هي عبارة عن طبق من المعدن، ومن ثم تطور علم الفلك كثيرًا وتطورت مراكب الفضاء، ففي كل عام يبتكر العلماء مراكب فضاء بتقنيات متطورة أكثر حتى إنهم اخترعوا آلاف الأنواع لهذه المراكب، وأصبحت المركبة الواحدة تتألف من عدة طوابق أو طبقات ».

وانتهى من ذلك إلى بيان وجه الإعجاز في الآية الأخيرة فقال:

« من خلال الآية الكريمة ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ نرى إشارة إلى إمكانية صعود الإنسان إلى القمر، خصوصًا أن هذه الآية تأتي بعد ذكر القمر ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴾، وهذه الإشارة تحققت في القرن العشرين، بما يدل على أن القرآن كتاب الله، وأنه يتطابق مع العلم الحديث ».

وهذا يعني أن المراد بركوب الطبق في الآية الكريمة: ركوب المركبة الفضائية، وأن الله سبحانه– كما قال بعضهم – يقسم بهذه الظواهر الكونية على أن الإنسان لن يقتصر على ركوب الدواب والسفن والإبل التي سخرها الله له خلال آلاف السنين ؛ بل سيأتي زمن تتطور فيه العلوم، ويركب هذا الإنسان طبقًا بعد طبق. أي: تتطور هذه الوسائل المستخدمة للنقل من القطار مثلاً، إلى الطائرة، ثم إلى المراكب الفضائية، ثم إلى المراكب الفضائية المتطورة جدًا.

وقال الباحث محمد سمير العرش:« ولفظ طبق وطباق وأطباق ورد في القرآن إشارة لمستويات السموات المتعددة، بمعنى أننا سنصعد لطبقات عدة في الفضاء، وبالفعل بدأنا بالبالون الذي ارتفع 300 متر، ثم المنطاد الذي ارتفع إلى 3 كلم، ثم طائرات الحرب العالمية الأولى التي ارتفعت إلى 3 كلم، ثم طائرات الحرب العالمية الثانية التي ارتفعت إلى 6 كلم، ثم الطائرات النفاثة التي ارتفعت إلى 10-20 كلم، ثم الصواريخ التي ارتفعت إلى 400 كلم فما فوق حتى وصلنا القمر، ثم مكوك الفضاء، ثم تعدينا القمر للكواكب الأخرى عن طريق المسابير الفضائية حتى خرجنا من المجموعة الشمسية ».

وأضاف هذا الباحث قائلاً:« والذين يزعمون أن المقصود بالطبقات هو أحوال الموت والحياة، أسألهم: هل ورد في القرآن الكريم لفظ ( طبق – طباق – أطباق ) إلا فيما يخص السماوات فقط ؟ ».

والغريب في أمر هذا الباحث أنه ذهب إلى أن المراد بالسموات السبع التي ورد ذكرها في القرآن هو الغلاف الجوي بطبقاته السبع، وأن السماء الدنيا هي الطبقة الأولى من هذا الغلاف الذي يحفظ الأرض وسكانها من النيازك المدمرة والإشعاعات القاتلة القادمة إلينا من الشمس والكواكب الأخرى في الكون الفسيح. ولولا هذا الغلاف الجوي الذي يحفظ الأرض، لانعدمت الحياة على الأرض كما انعدمت على القمر. ويستشهد على ذلك بقوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾(الأنبياء: 32). ثم يقول بعد هذا كله:« وباختراع الصواريخ ارتفع الإنسان إلى 400 كم، ثم نفذ من الغلاف الجوي بطبقاته السبع لكوكب الأرض، ثم سافر للقمر والكواكب الأخرى القريبة كالمريخ والزهرة، ثم تطور للمكوك الفضائي ذي المسافات الأبعد والاستخدامات المتعددة، وخرج المسبار بايونير 10 خارج المجموعة الشمسية بعد أن تعدى كوكب بلوتو. ثم يخطط العلماء لسفن فضائية أحدث تقلهم لنجوم أخرى ».

ثالثًا- ومن قبل هؤلاء الباحثين الذين رأوا في الآية الكريمة سبقًا علميًّا إعجازيًا، ذهب الشيخ محمد أمين الشنقيطي في تفسيره ( أضواء البيان ) إلى عدم إمكانية الوصول إلى القمر، وأنكر قول القائلين به، ووصفهم بالجهل بكتاب الله سبحانه، وساق الأدلة على ذلك من آيات القرآن الكريم ؛ ومنها قول الله عز وجل:

﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾(الحجر: 16- 17).

وتعقيبًا على الآية الثانية قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:« صرح تعالى في هذه الآية أنه حفظ السماء من كل شيطان رجيم، وبين هذا المعنى في مواضع أخر ؛ كقوله:﴿وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴾(الصافات: 7)، وقوله:﴿ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ ﴾(الملك: 5)، وقوله:﴿ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ﴾(الجن: 9)، وقوله:﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾(الشعراء: 212)، وقوله:﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾(الطور: 38).. إلى غير ذلك من الآيات ».

ثم قال:« يؤخذ من هذه الآيات التي ذكرنا أن كل ما يتشدق به أصحاب الأقمار الصناعية، من أنهم سيصلون إلى السماء ويبنون على القمر كله كذب وشقشقة لا طائل تحتها. ومن اليقين الذي لا شك فيه أنهم سيقفون عند حدهم ويرجعون خاسئين أذلاء عاجزين ».

ووجه دلالة الآيات المذكورة عنده على ما ذهب إليه أن اللسان العربي الذي نزل به القرآن يطلق اسم الشيطان على كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب. ولا شك أن أصحاب الأقمار الصناعية يدخلون في اسم الشياطين دخولاً أولياً لعتوهم وتمردهم.. وانتهى من ذلك إلى القول:

« وإذا علمت ذلك، فاعلم أنه تعالى صرح بحفظ السماء من كل شيطان كائنًا من كان، في عدة آيات من كتابه ؛ كقوله هنا:﴿ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾(الحجر: 17)، وقوله:﴿ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾(فصلت: 12).. إلى غير ذلك من الآيات. وصرح بأن من أراد استراق السمع، أتبعه شهاب راصد في مواضع أخر ؛ كقوله:﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ﴾(الجن: 9)، وقوله:﴿ إِلاَّ مَنِ استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِين ﴾(الحجر: 18)، وقوله:﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾(الصافات: 10)، وقال:﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾(الشعراء: 212)، وقال:﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾(الطور: 38) ؛ وهو تعجيز دال على عجز البشر عن ذلك عجزًا مطلقًا ».

وأما بخصوص الآية التي نحن بصدد الحديث عنها فقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:« وكذلك ما يزعمه من لا علم عنده بمعنى كتاب الله جل وعلا أن الله تعالى أشار بقوله:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾(الانشقاق: 19) إلى أن أهل الأرض سيصعدون إلى السموات واحدة بعد أخرى، زاعمًا أن معنى الآية الكريمة: لتركبن أيها الناس طبقًا. أي: سماء عن طبق. أي: بعد سماء حتى تصعدوا فوق السموات، فهو أيضًا جهل بكتاب الله، وحمل له على غير ما يراد به ».

وأضاف الشيخ الشنقيطي قائلاً: « اعلم أولاً أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين مشهورتين:

إحداهما: ﴿ لَتَرْكَبَنَّ ﴾، بفتح الباء، وبها قرأ من السبعة: ابن كثير وحمزة والكسائي. وعلى هذه القراءة ففي فاعل ﴿ لَتَرْكَبَنَّ ﴾ ثلاثة أوجه معروفة عند العلماء:

الأول: وهو أشهرها أن الفاعل ضمير الخطاب الواقع على النبي. أي: لتركبن أنت يا نبيَّ الله طبقًا عن طبق. أي: بعد طبق. حالاً بعد حال. أي: فترتقي في الدرجات درجة بعد درجة. وقال ابن مسعود والشعبي ومجاهد وابن عباس في إحدى الروايتين والكلبي وغيرهم:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾. أي: لتصعدن يا محمد سماء بعد سماء. وقد وقع ذلك ليلة الإسراء.

والثاني: أن الفاعل ضمير السماء. أي: لتركبن هي. أي: سماء طبقًا. أي: لتنتقلن السماء من حال إلى حال. أي: تصير تارة كالدهان، وتارة كالمهل، وتارة تتشقق بالغمام، وتارة تطوى كطي السجل للكتب.

والثالث: أن الفاعل ضمير يعود إلى الإنسان المذكور في قوله:﴿ يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً ﴾(الانشقاق: 6) الآية. أي: لتركبن أيها الإنسان حالاً بعد حال، من صغر إلى كبر، ومن صحة إلى سقم كالعكس، ومن غنى إلى فقر كالعكس، ومن موت إلى حياة كالعكس، ومن هول من أهوال القيامة إلى آخر.. وهكذا.

والقراءة الثانية: وبها قرأ من السبعة: نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم:﴿ لَتَرْكَبُنَّ ﴾، بضم الباء، وهو خطاب عام للناس المذكورين في قوله:﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾(الانشقاق: 7)، إلى قوله:﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ ﴾(الانشقاق: 10) الآية. ومعنى الآية: لتركبن أيها الناس حالاً بعد حال، فتنتقلون في دار الدنيا من طور إلى طور، وفي الآخرة من هول إلى هول ».

واستطرد الشيخ الشنقيطي رحمه الله قائلاً:« فإن قيل: يجوز بحسب وضع اللغة العربية التي نزل بها القرآن، على قراءة ضم الباء، أن يكون المعنى: لتركبُّن أيها الناس طبقًا بعد طبق. أي: سماء بعد سماء، حتى تصعدوا فوق السماء السابعة ؛ كما تقدم نظيره في قراءة فتح الباء، خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا جائزًا في لغة القرآن فما المانع من حمل الآية عليه ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أن ظاهر القرآن يدل على أن المراد بالطبق الحالُ المتنقل إليها من موت ونحوه، وهول القيامة، بدليل قوله بعده مرتبًا له عليه بالفاء:﴿ فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ ﴾(الانشقاق: 20-21) ؛ فهو قرينة ظاهرة على أن المراد: إذا كانوا ينتقلون من حال إلى حال، ومن هول إلى هول، فما المانع لهم من أن يؤمنوا، ويستعدوا لتلك الشدائد ؟ ويؤيده أن العرب تسمي الدواهي: بناتِ طبق ؛ كما هو معروف في لغتهم.

الوجه الثاني: أن الصحابة – رضي الله عنهم – هم المخاطبون الأولون بهذا الخطاب، وهم أولى الناس بالدخول فيه، بحسب الوضع العربي، ولم يركب أحد منهم سماء بعد سماء بإجماع المسلمين، فدل ذلك على أن ذلك ليس معنى الآية. ولو كان، لما خرج منه المخاطبون الأولون بلا قرينة على ذلك.

الوجه الثالث: هو ما قدمنا من الآيات القرآنية المصرحة بحفظ السماء وحراستها من كل شيطان رجيم كائنًا من كان. فبهذا يتضح أن الآية الكريمة ليس فيها دليل على صعود أصحاب الأقمار الصناعية فوق السبع الطباق، والواقع المستقبل سيكشف حقيقة تلك الأكاذيب والمزاعم الباطلة ».

رابعًا- وتعقيبًا على ذلك كله نقول:

1- إذا كان لا يجوز حمل الآية، على قراءة:﴿ لَتَرْكَبُنَّ ﴾ بضم الباء، على معنى: لتركبُّن أيها الناس سماء بعد سماء، حتى تصعدوا فوق السماء السابعة، فكذلك لا يجوز حملها، على قراءة:﴿ لَتَرْكَبَنَّ ﴾ بفتح الباء، على معنى: لتصعدن يا محمد سماء بعد سماء، خلافًا لقائله ؛ لأن القراءتين متواترتان، ولا يجوز حمل إحداهن على معنى مناقض لمعنى الأخرى. وبالتالي لا يوجد في الآية، على القراءتين، دليل على صعود الإنسان إلى القمر، أو السموات السبع الطباق. وبيان ذلك:

أن قوله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾(16 – 19) جاء تفريعًا بالفاء على ما أجمل وفصل قبله في المقطع السابق ؛ وهو قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾(6 – 15).

وهو خطاب يشمل الإنسان المؤمن والكافر ؛ كما يؤذن به التقسيم بعده إلى:﴿ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾، وهو المؤمن، و﴿ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴾، وهو الكافر. هذا الإنسان الذي يكدح في عمله طوال حياته ؛ إنما يكدح إلى لقاء ربه كدحًا. أي: يكدح إلى الموت وما بعده من أهوال يوم القيامة وشدائدها كدحًا، من غير صارف يلويه عن ذلك.

فأما المؤمن فسوف يحاسب حسابًا هيِّنًا، وينقلب إلى أهله مسرورًا بما أعد الله تعالى له في الجنة من النعيم.. وأما الكافر فسوف يدعو ثبورًا، ويصلى سعيرًا ؛ إنه كان في أهله فرحًا بطرًا مترفًا، بما أعطي في الدنيا من النعيم، لا يعرف الله ولا يفكر في عاقبته، فلم يعمل شيئًا للآخرة، ظنًّا منه أن لن يرجع إلى ربه، ولن يتغير عن حاله، تكذيبًا منه بالمعاد والحساب والجزاء، ولم يخطر بباله أبدًا أن ربه الذي خلقه كان بصيرًا به وبأعماله، بحيث لا يخفى عنه منها خافية، فلا بدَّ من رجعه وحسابه عليها حسابًا عسيرًا، وجزائه بما يستحق من عقاب.

هذا الإنسان الكافر الذي ظن أن لن يحور. أي: أن لن يبعث، هو المقصود الأول من هذا الوعيد الذي تضمنه هذا الخطاب ؛ لأنه هو الذي أنكر البعث وكذب به، بخلاف المؤمن. فالخطاب بالنسبة إلى المؤمن زيادة تذكير وتبشير، وهو بالنسبة إلى هذا الكافر زيادة للإنذار ؛ ولهذا جاء الرد عليه بقوله تعالى:﴿ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾(15). أي: بلى ليحورنَّ. أي: ليبعثن ؛ فربه الذي خلقه كان بصيرًا به وبأعماله. ثم عقَّب سبحانه وتعالى على ذلك بقوله:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾(16 – 19).

ملوِّحًا بالقسم بهذه الظواهر الكونية التي تقع تحت حس هذا الإنسان على أن الناس ليركبن طبقًا عن طبق. أو أن الإنسان ليركبن طبقًا عن طبق. فعلى الأول يكون الخطاب لجنس الإنسان باعتبار شموله لأفراده، وهو المنادى أولاً بقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾(6). وعلى الثاني يكون الخطابِ للإنسانِ باعتبارِ لفظه.

والفاء في قوله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ ﴾– كما قال الألوسي- واقعة في جواب شرط مقدر. أي: إذا عرفت هذا. أو: إذا تحقق الحور بالبعث، فلا أقسم بالشفق.. ». ونظير ذلك قوله تعالى:

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾(التغابن: 7).

فقوله تعالى:﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ﴾ كقوله تعالى:﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ﴾. وقوله تعالى:﴿ قُلْ بَلَى ﴾ كقوله تعالى:﴿ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾. وقوله تعالى:﴿ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾ كقوله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾.

والمخاطب في الموضعين واحد، وهو الكافر المكذب بالبعث. والفرق بينهما هو فرق بين القسم، والتلويح بالقسم. فإذا علمت ذلك، تبين أنه لا يجوز حمل قوله تعالى:﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ بفتح الباء، على أن المخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويؤيد ذلك ما ذهب إليه بعضهم من أن المراد بالإنسان المخاطب بقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾(6) الأسود بن هلال المخزومي، جادل أخاه أبا سلمة في أمر البعث، فقال أبو سلمة: إي، والذي خلقك، لتركبن الطبقة، ولتوافين العقبة. فقال الأسود: فأين الأرض والسماء ؟ وما حال الناس ؟ لاحظ قوله:« لتركبن الطبقة، ولتوافين العقبة ».

2- أما ( الركوب ) في قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ فالمراد به: الملاقاة والمعاناة. والعرب تعبر عن ملاقاة الأمور ومعاناتها بركوبها. والتعبير بركوب الأهوال والأخطار مألوف في اللسان العربي ؛ كقولهم:« إن المضطر يركب الصعب من الأمور » ؛ وكأن تلك الأهوال والأخطار مطايا يركبها الناس تنقلهم من حال إلى حال.

وأما ( الطبق ) في اللغة فيطلق على كل غطاء لازم، ويجمع على: أطباق وأطبِقة. والطَّبَقُ أيضا من كل شيءٍ: ما ساواه. والطَّبَقُ: وجه الأرضِ، والذي يُؤْكَلُ عليه. وعَظْمٌ رقيق يفصل بين كل فَقارَيْنِ. والطَّبَقُ: الأمة بعد الأمة. والقَرْنُ من الزمان، أو عشرون سنة. والطَّبَقُ من الناس: الجماعةُ يعدلون جماعة مثلهم. والطَّبَقُ من المطر: العامُّ. ومن الليل والنهار معظمهما. والطَّبَقُ: سد الجراد عين الشمس. والطَّبَقُ: انطباق الغيم في الهواء. والطَّبَقُ: الدَّرَكُ من أدراك جهنم. والسموات طباقٌ، بعضها فوق بعض. الواحدة: طَبَقَةٌ، ويُذكَّر، فيقال: طَبَقٌ واحد. والطَّبَقُ: الشدة والمشقة. وبِنْتُ الطَّبَق: الداهية، والعَربُ تقولُ: وقَع فلانٌ في بَناتِ طَبَق: إذا وقَع في الأمر الشّديد. والطَّبَقُ والطَّبَقَةُ: الحال على اختلافها. يقال: كان فلان على أطباق وطبقات شتى من الدنيا. أي: على أحوال وحالات ؛ ومنه حديث عَمْرو بن العاص:« إنّي كُنتُ على أطْباقٍ ثلاث ». أي: أحْوال. وقول الأقرع بن حابس التميمي:

إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره… وساقني طبق منها إلى طبق

أي: ساقني حال منها إلى حال.

وهذا القول الأخير في تفسير معنى الطبق هو أشهر الأقوال وأولاها، وعليه حمل الجمهور قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾، والمعنى: لتُلاقُنَّ حالاً عن حال، كلُّ واحدة منها مطابقة لأختها في الشدةِ والفظاعةِ ». والأوفقُ للركوبِ المنبىءُ عن الاعتلاءِ على ما قيل: أن يكون طبق جمع: طبقة، وهي المرتبةُ، والمَعْنَى: لتركَبُنَّ أحوالاً عن أحوال، هي طبقاتٌ في الشدةِ، بعضُها أرفعُ من بعضٍ، وهي الموت وما بعده من مواطنِ القيامةِ ودواهيها. ويؤيد ذلك أن الغرض من تنكير ( طبق ) هو التعظيم والتهويل.

ومن هنا يخطىء كل من حمل الركوب في الآية على حقيقته، ثم فسر الطبق فيها بغير ما فسره أئمة اللغة ؛ فركوب الطبق في الآية ليس كروب المركبة أو الطائرة ؛ كما أن قولك: ركب الصعب، ليس كقولك: ركب الحمار. وقولك: ركب رأسه، ليس كقولك: ركب فرسه. والظاهر أن أولئك الذين زعموا أن في الآية إشارة أو دليلاً على الصعود إلى السموات السبع قد ركبوا رؤوسهم حين فسروا ركوب الطبق بركوب المركبة الفضائية.

3- وأما ( عن ) في اللغة فتقتضي مجاوزة ما أضيفت إليه، وتفيد في نحو قولك: فعلت هذا عن أمرك، أن ما بعدها مصدر وسبب لما قبلها، فيكون المعنى: فعلته مجاوزًا أمرك وبسببه. أي: إن أمرك سببٌ لحصول فعلي. ونظير ذلك قولك: أطعمته عن جوع، معناه: أن الجوع سببٌ لحصول الإطعام ؛ ومن ذلك قوله تعالى:﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾(الكهف: 50). أي: أتاه الفسق لما أمر فعصى، فكان سبب الفسق أمر ربه. ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾. أي: لتركبن طبقًا مجاوزين طبقًا كنتم تركبونه، وفق ما هو مرسوم لكم من تقديرات وأحوال. فـ( عن ) هنا على بابها من دلالتها على المجاوزة، والجمهور على أنها للبعدية، وأن المعنى: لتركبن طبقًا بعد طبق ؛ كما في قول كعب بن زهير:

كذلك المرء إن ينسأ له أجل… يركب على طبق من بعده طبق

وحملها في الآية على معنى المجاوزة الذي هو حقيقة فيها أولى من حملها على معنى البعدية ؛ لأن المراد من قول كعب ( يركب على طبق من بعده طبق ): يركب حالاً من بعده حال في الدنيا. أما قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ فالمراد منه: لتركبن أحوالاً يوم القيامة، مجاوزين أحوالاً كنتم تركبونها في الدنيا.. والله تعالى أعلم بمراده.

خامسًا- نخلص مما تقدم إلى أنه لو كان في قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ إشارة إلى إمكانية صعود الإنسان إلى القمر، أو دليل على صعود أصحاب الأقمار الصناعية فوق السبع الطباق، لكان كعب بن زهير في قوله السابق، والأقرع بن حابس التميمي في قوله:

إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره… وساقني طبق منها إلى طبق

وعَمْرو بن العاص في قوله:« إنّي كُنتُ على أطْباقٍ ثلاث »، من أوائل الرواد الذين جابوا الفضاء بمراكبهم الفضائية، وصعدوا إلى القمر وغيره من الكواكب، قبل أن توجد تلك المراكب.

والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه هو: إن كان المراد بالسموات السبع التي ورد ذكرها في القرآن هو الغلاف الجوي بطبقاته السبع، وهو الذي يحفظ الأرض وسكانها من النيازك المدمرة والإشعاعات القاتلة القادمة إلينا من الشمس والكواكب الأخرى، وأن السماء الدنيا هي الطبقة الأولى من هذا الغلاف، فكيف استطاع الإنسان بمركبته الفضائية أن يخترق هذا الغلاف الجوي بطبقاته السبع وينفذ إلى ما وراءه، فيسافر إلى القمر والمريخ والزهرة وبلوتو ؟ كيف، والله سبحانه وتعالى يقول:﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ ﴾(الملك: 5)، ثم يقول سبحانه:﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾(الأنبياء: 32) ؟

وإن كان المراد بالسموات السبع الكواكب السبع السيارة، أو أفلاكها، فكيف استطاع هذا الإنسان أن يسافر إلى تلك الكواكب، والله سبحانه يقول:﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾(الفرقان: 61)، ثم يقول سبحانه:﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِين ﴾(الحجر: 16- 18) ؟

وإن سلمنا جدلاً بأن شياطين الإنس تفوقوا على شياطين الجن، واستطاعوا بقدرتهم الخارقة أن يخترقوا السموات ويسافروا بمراكبهم الفضائية إلى الكواكب، فكيف استطاعوا أن يؤمنوا الحماية لأنفسهم من الأخطار التي تحدق به من كل جانب وهم يجوبون الفضاء ؟

وأختم بقول الله عز وجل:﴿ أََفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾(محمد: 24) ؟ نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يفقهون كلامه، ويدركون أسرار بيانه. والحمد لله رب العالمين.

إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٢ وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ٣ وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ٤ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٥ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ ٦ فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ٧ فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا ٨ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا ٩ وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ ١٠ فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا ١١ وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا ١٢ إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا ١٣ إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ١٤ بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا ١٥

يتحدث الله عزوجل عن أهوال يوم القيامة وما يحدث فيه فيقول" إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ " اذا انشقت السماء وذلك يوم القيامة والانشقاق هو التداعى وانهيار البناء كما تنشق الأرض أى يحدث فيها تصدع وانهيار ،  "وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ "أى استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق وحق لها أن تطيع أمر ربها لأنه العظيم الذى لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شىء وذل له كل شىء ،" وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ " أى بسطت وفرشت وتوسعت وعن على بن الحسين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس الا موضع قدميه فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها فأقول يا رب ان هذا أخبرنى أنك أرسلته الى فيقول الله عز وجل صدق ثم أشفع فأقول يا رب عبادك عبدوك فى أطراف الأرض قال وهو المقام المحمود " ، " وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ " أى ألقت ما فى بطنها من الأموات وتخلت منهم ، "وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ "أى استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الالقاء لما فيها والتخلى عنه وحق لها أن تطيع أمر ربها لأنه العظيم الذى لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شىء وذل له كل شىء ، " يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ " يخاطب الله عز وجل الانسان انك ساع الى ربك سعيا وعامل عملا وانك ستلقى ما عملت من خير أو شر ويشهد لذلك ما جاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال جبريل يا محمد عش ما شئت فانك ميت ، وأحبب من شئت فانك مفارقه ، واعمل بما شئت فانك ملاقيه " ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ربك أى فملاق ربك ومعناه فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك وعلى هذا فكلا القولين متلازم وقال ابن عباس تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أم شرا وقال قتادة ان كدحك يا ابن آدم لضعيف فمن استطاع أن يكون كدحه فى طاعة الله فليفعل ولا قوة الا بالله ، "  فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ* فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا" يتحدث الله عز وجل عن من يتلقى كتابه بيمينه وهم السعداء يكون حسابهم سهلا بلا تعسير أى لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فان من حوسب كذلك هلك لا محالة ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نوقش الحساب عذب " قالت : فقلت : أفليس قال الله تعالى  "فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال " ليس ذلك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " وعن عائشة رضى الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بعض صلاته " اللهم حاسبنى حسابا يسيرا " فلما انصرف قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال " أن ينظر فى كتابه فيتجاوز له عنه ، انه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك " ،" وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا "أى ويرجع الى أهله فى الجنة وقال قتادة مسرورا أى فرحا مغتبطا بما أعطاه الله عز وجل وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " انكم تعملون أعمالا لا تعرف ويوشك العارف أن يثوب الى أهله فمسرور أو مكظوم " ، " وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ * فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا * وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا " الثبور هو الخسارة والهلاك ويتحدث الله عز وجل عن التعيس الذى يتلقى كتابه يوم القيامة بشماله من وراء ظهره تثنى يده الى ورائه ويعطى كتابه بها كذلك فانه يكون مصيره الى الخسران والهلاك ويلقى فى السعير فى جهنم ،"  إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا *  إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ " هذا الذى ألقى فى جهنم كان فى الدنيا وسط أهله فرحا مشغولا بالدنيا لا يفكر فى العواقب ولا يخاف مما أمامه فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل فقد كان يعتقد أن لن يرجع الى ربه يوم القيامة ولا يعيده بعد موته والحور هو الرجوع ، " بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا " يعنى بل سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله خيرها وشرها فانه كان بصيرا أى عليما خبيرا به وبأحواله وأعماله وأقواله .

 فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ ١٦ وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ ١٧ وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ ١٨ لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ ١٩ فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٢٠ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ۩ ٢١ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ٢٢ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ ٢٣ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٢٤ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۢ ٢٥

" فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ " الشفق هو الحمرة وعن أبى هريرة قال الشفق البياض فالشفق هو حمرة الأفق اما قبل طلوع الشمس كما قالمجاهد واما بعد غروبها كما هو معروف عند أهل اللغة فقد قال الخليل بن أحمد : الشفق الحمرة من غروب الشمس الى وقت العشاء الآخرة فاذا ذهب قيل غاب الشفق وقال الجوهرى : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها فى أول الليل الى قريب من العتمة وقال عكرمة الشفق الذى يكون بين المغرب والعشاء وفى صحيحمسلم عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " وقت المغرب ما لم يغب الشفق " ففى هذا كله دليل على أن الشفق هم كما قاله الجوهرى والخليل ولكن صح عن مجاهد أنه قال فى هذه الآية " فلا أقسم بالشفق " هو النهار كله وانما حمله على هذا قرنه بقوله تعالى " والليل وما وسق " أى جمع كأنه أقسم بالضياء والظلام وقال ابن جرير : أقسم الله بالنهار مدبرا وبالليل مقبلا وقال ابن جرير وآخرون الشفق اسم للحمرة والبياض وقالوا هو من الأضداد ،" وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ " قال ابن عباس وغيره وما وسق وما جمع وقال قتادة وما جمع من نجم ودابة وقال عكرمة " والليل وما وسق " ما ساق من ظلمة اذا كان الليل ذهب كل شىء الى مأواه ، "وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ " قال ابن عباس اذا اجتمع واستوى وقال الحسن اذا اجتمع اذا امتلأ وقال قتادة اذا استدار ومعنى كلامهم أنه اذا تكامل نوره وأبدر جعله مقابلا لليل وما وسق ، " لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَق" اختلف فى تفسير الآية حسب المراد بكلمة " طبق "  فعن الشعبى قال لتركبن يا محمد سماء بعد سماء وعن ابن مسعود وغيره سماء بعد سماء ( قلت ) يعنون ليلة الاسراء ؟ وهذا كما قال تعالى" الذى خلق سبع سموات طباقا " وهل المقصود هو ما يحدث فى عصرنا من اجتياز الفضاء وطبقات سماء الأرض والصعود منها كما ورد فى سورة الرحمن " يامعشر الجن والانس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان " فكما نعلم فان القرآن قد سبق عصره فى كثير من الآيات فهو لن تنقضى عجائبه الى يوم القيامة والله أعلم بمراده ، وهل المقصود هو الصعود الى الله يوم القيامة فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ والسورة تتحدث عن يوم القيامة وقال ابن عباس " لتركبن طبقا عنطبق " حالا بعد حال قال هذا نبيكم صى الله عليه وسلم وهومحتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبى صلى الله عليه وسلم كنه قال سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون قوله نبيكم مرفوعا على الفاعلية من قال وهو الأظهر وقال السدى عن ابن عباس  "طبقا عن طبق " منزلا على منزل وزاد العوفى عن ابن عباس فقال أمرا بعد أمر وحالا بعد حال وقال السدى نفسه " لتركبن طبقا عن طبق " أعمل من قبلكم منزلا بعد منزل ( قلت ) كأنه أراد معنى الحديث الصحيح  "لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا : يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال " فمن ؟ " وهذا محتمل وقال سعيد بن جبير " لتركبن طبقا عن طبق " قوم كانوا فى الدنيا خسيس أمرهم فارتفعوا فى الآخرة ، وآخرون كانوا أشرافا فى الدنيا فاتضعوا فى الآخرة ، وقال ابن جرير بعد ما حكى أقوال الناس فى هذه الاية من القراء والمفسرين : والصواب من التأويل قول من قال لتركبن أنت يا محمد حالا بعد حال وأمرا بعد أمر من الشدائد والمراد بذلك وان كان الخطاب موجها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الناس وأنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأحواله أهوالا ، " فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَ" يتوجعه الله بالتوبيخ واللوم على الكافرين فيقول ماذا منعهم من الايمان بالله واليوم الآخر وما لهم اذا قرئت عليهم آيات الله وكلامه وهو القرآن الكريم لا يسجدون اعظاما واكراما واحتراما ؟ ،" بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ " ويعقب عز وجل على هذا الفعل بقوله أن من سجية الكفار التكذيب والعناد والمخالفة للحق ، " وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " قالمجاهد وقتادة الله أعلم بما يكتمون فى صدورهم ويخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينشر هؤلاء الكفار ببشرة السوء بأنه قد أعد لهم العذاب الأليم الذى ينتظرهم ، " إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۢ " هذا استثناء منقطع لكن الذين آمنوا أى بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم لهم أجر أى فى الدار الآخرة غير ممنون قال ابن عباس غير منقوص وقال مجاهد والضحاك غير محسوب وحاصل قولهما أنه غير مقطوع ومتصل كما قال تعالى " عطاء غير مجذوذ " وقال السدى قال بعضهم غير ممنون غير منقوص والله عز وجل له المنة على أهل الجنة فى كل حال وآن ولحظة وانما دخلوها بفضله ورحمته لا بأعمالهم فله عليهم المنة دائما سرمدا ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .

تفسير سورة البروج

سورة البروج سورة مكية ، عدد آياتها 22 آية ، وهى من قصار السور تتحدث عما حدث لأصحاب الاخدود من بطش وتنكيل وتتحدث عما فعله الله بالقوم الجبارين وأطلق عليهم لفظ الجنود ، والأخدود جمعه أخاديد وهى الحفر فى الأرض وهذا خبر عن قوم من الكفار لعنهم الله وأطلق عليهم أصحاب الأخدود فهم عمدوا الى من عندهم من المؤمنين بالله عز وجل فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم فحفروا لهم فى الأرض أخدودا وأججوا فيه نارا وأعدوا لها وقودا يسعرونها به ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم فقذفوهم فيها ، وقد اختلف أهل التفسير فى أهل هذه القصة من هم ؟ وقال اسباط عن السدى فى قوله تعالى " قتل أصحاب الأخدود " قال كانت الأخدود ثلاثة : واحدة بنجران باليمن والأخرى بالشام والأخرى بفارس حرقوا بالنار : أما التى بالشام فهو انطانيوس الرومى ،  وأما التى بفارس فهو بختنصر ،  وأما التى بأرض العرب فهو يوسف ذو نواس ، فأما التى بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهم قرآنا وأنزل فى التى كانت بنجران وذكر محمد بن اسحاق فى السيرة أن الذى قتل أصحاب الأخدود هو ذو نواس واسمه زرعة ويسمى فى زمان مملكته بيوسف وقال محمد بن اسحاق بن يسار حدثنى زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظى وحدثنى أيضا بعض أهل نجران عن أهلها أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان وكان فى قرية من قراها قريبا من نجران - ونجران هى القرية العظمى التى اليها جماع أهل تلك البلاد وملخص ما قاله أن أهل نجران اتبعوا ما جاء به عيسى بن مريم عليه السلام من الانجيل وحكمه واتبعوا دين عبد الله بن التامر ومن هناك كان أصل دين النصرانية بنجران وهذا الملك اتبع صاحب خيمة بعد أن أعجبه ما يرى من عبادته فجعل يجلس اليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبده وآل اليه حكم نجران ، فسار اليهم ذونواس بجنده فدعاهم الى اليهودية وخيرهم بين ذلك أو القتل فاختاروا القتل فخد الأخدود فحرق بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم وقتل منهم قريبا من عشرين ألفا ففى ذى نواس وجنده أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم " قتل أصحاب الأخدود ---- " وذكر ابن اسحاق انه لم ينج منهم سوى  رجل واحد يقال له دوس ذو تغلبان ذهب فارسا الى قيصر الروم ملك الشام فكتب الى النجاشى ملك الحبشة فأرسل معه جيشا من نصارى الحبشة يقدمهم أرياط وأبرهة فأنقذوا اليمن من أيدى اليهود وذهب ذو نواس هاربا فلجج فى البحر فغرق واستمر ملك الحبشة فى أيدى النصارى سبعين سنة ثم استنقذه سيف بن ذى يزن الحميرى من أيدى النصارى لما استجاش بكسرى ملك الفرس فأرسل معه من فى السجون فكانوا قريبا من سبعمائة ففتح بهم اليمن ورجع الملك الى حمير ، وقد يحتمل أن ذلك قد وقع فى العالم كثيرا كما قال ابن أبى حاتم حدثنا أبو اليمان أخبرنا صفوان بن عبد الرحمن بن جبير قال كانت الأخدود فى اليمن زمان تبع وفى القسطنطينية زمان قسطنطين حين صرف النصارى قبلتهم عن دين المسيح والتوحيد فاتخذوا أتونا وألقى فيه النصارى الذين كانوا على دين المسيح والتوحيد ، وفى العراق فى أرض بابل بختنصر الذى صنع الصنم وأمر الناس أن يسجدوا له فامتنع دانيال وصاحباه عزريا وميشائيل فأوقد بهم أتونا وألقى فيها الحطب والنار ثم ألقاهما فيه فجعلها الله تعالى عليهما بردا وسلاما وأنقذهما منها وألقى فيها الذين بغوا عليه وهم تسعة رهط فأكلتهم النار ، ولكن لنا ملحوظة وهى أن القرآن حينا يذكر القصص يذكره للعبرة والعظة ولا يهتم كثيرا بالأسماء والأماكن ، والعبرة فى هذه القصة تمسك المؤمنين بدينهم الموحد لله فى مواجهة من قتلوهم ومثلوا بهم وألقوهم فى النار وهذه القصة لتثبيت الله لرسوله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه ، فالقصص رموز ودلالات وعبر وعظات ودروس وليست للتسلية أو اللهو والقرآن ليس كتاب قصص ولكن يأتى بالقصص من أخبار السابقين للعبرة وتثبيت العقيدة .

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ ١ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ ٢ وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ ٣ قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ ٤ ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ ٥ إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ ٦ وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ ٧ وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ٨ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ٩ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ ١٠

" وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ " البروج هى النجوم العظام يقسم لله عز وجل بها كما فى قوله تعالى " تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا " وقال ابن عباس وغيره البروج النجوم  ،  "وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ * وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُود "  اختلف المفسرون فى ذلك  فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " واليوم الموعود يوم القيامة وشاهد يوم الجمعة وما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا الا أعطاه اياه ولا يستعيذ فيها من شر الا أعاذه ومشهود يوم عرفة " وعن يونس قال سمعت عمارا مولى بنى هاشم يحدث عن أبى هريرة أنه قال فى هذه الآية وشاهد ومشهود قال الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة والموعود يوم القيامة وعن أبى مالك الأشعرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم الموعود يوم القيامة وأن الشاهد يوم الجمعة وأن المشهود يوم عرفة ويوم الجمعة ذخرة الله لنا " وعن ابن عباس قال : الشاهد هو محمد صلى الله عليه وسلم والمشهود يوم القيامة ثم قرأ " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " وعن جرير عن مغيرة عن شباك قال سأل رجل الحسن بن على عن " وشاهد ومشهود " قال سألت أحدا قبلى ؟ قال نعم سألت ابن عمرو وابن الزبير فقالا يوم الذبح ويوم الجمعة فقال لا ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم ثم قرأ " فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " والمشهود يوم القيامة ثم قرأ " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " وعن عكرمة أيضا الشهيد محمد صلى الله عليه وسلم والمشهود يوم الجمعة وعن ابن عباس قال الشاهد الله والمشهود يوم القيامة وقال آخرون المشهود يوم الجمعة وروا عن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكثروا من الصلاة يوم الجمعة فانه يوم مشهود تشهده الملائكة " وقال الأكثرون على أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة ، " قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ * إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُود" أى لعن أصحاب الأخدود وجمعه أخاديد وهى الحفرة فى الأرض وهذا خبر عن قوم كفار عمدوا الى من عندهم من المؤمنين بالله عز وجل فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم فحفروا لهم فى الأرض أخدودا وأججوا فيه نارا وأعدوا لها وقودا يسعرونها به ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم فقذفوهم فيها ،" وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُود" وهم مشاهدون لما يفعلون بأولئك المؤمنين ، " وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ " أى وما كان لهم عندهم من ذنب الا ايمانهم بالله العزيز الذى لا يضام من لاذ بجنابه المنيع الحميد فى جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره وان كان قدر على عباده هؤلاء هذا الذى وقع بهم بأيدى الكفار به فهو العزيز الحميد وان خفى سبب ذلك على كثير من الناس ثم قال تعالى " ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ " من تمام الصفة أنه المالك لجميع السموات والأرض وما قيهما وما بينهما ،"وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ " والله عز وجل لا يغيب عنه شىء فى جميع السموات والأرض ولا يخفى عليه خافية ، "  إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ " قتلوا أى قتلوهم حرقا يقول عز وجل معقبا على هذه القصة وما يمكن أن يحدث مشابها لها ان الذن قتلوا المؤمنين والمؤمنات حرقا  ثم لم يقلعوا عما فعلوا ويندموا على ما أسلفوا جزاءهم أن لهم عذاب جهنم ولهم فيها عذاب الحرق وذلك أن الجزاء من جنس العمل وقال الحسن البصرى انظروا الى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم الى التوبة والمغفرة ، هذه القصة تتكرر كثيرا مع المسلمين الذين يتمسكون بدينهم وعقيدتهم فى كل زمان ومكان حتى عصرنا الحديث وما يفعل بالمسلمين من قتل وتنكيل لتمسكهم بعقيدتهم على يد الحكام وعلى يد غير المسلمين فى بلدان كثيرة وهذا توعد من الله لهم كما توعد من سبقهم .

 إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ ١١ إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ١٢ إِنَّهُۥ هُوَ يُبۡدِئُ وَيُعِيدُ ١٣ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ ١٤ ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِيدُ ١٥ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ ١٦ هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡجُنُودِ ١٧ فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ ١٨ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكۡذِيبٖ ١٩ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُۢ ٢٠ بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ ٢١ فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۢ ٢٢

" إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ " يخبر الله تعالى عن عباده المؤمنين أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بخلاف ما أعد لأعدائه من الحريق والجحيم وهذا هو الفوز الكبير العظيم الأزلى الذى لا يعادله فوز ، " إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ " يتحدث الله عز وجل أن بطشه وانتقامه من أعدائه الذين كذبوا رسله وخالفوا أمره لشديد عظيم قوى فانه تعالى ذو القوة المتين الذى ما شاء كان كما يشاء فى مثل لمح البصر أو هو أقرب ولهذا قال تعالى "  إِنَّهُۥ هُوَ يُبۡدِئُ وَيُعِيدُ" أى من قوته وقدرته التامة يبدىء الخلق ويعيده كما بدأه بلا مانه ولا مدافع ، "  وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ" أى يفغر ذنب من تاب اليه وخضع لديه ولو كان الذنب من أى شىء كان والودود قال ابن عباس وغيره هو الحبيب ، "  ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِيدُ " صاحب العرش العظيم العالى على جميع الخلائق والمجيد فيه قراءتان الرفع على أنه صفة للرب عز وجل والجر على أنه صفة للعرش وكلاهما معنى صحيح ، " فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ " أى مهما أراد فعله لا معقب لحكمه ولا يسئل عما يفعله لعظمته وقهره وحكمته وعدله ،" هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡجُنُودِ فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ " يخبر الله بقوله هل بلغك ما أحل الله بفرعون وثمود من البأس وأنزل عليهم من النقمة التى لم يردها أحد عنهم ؟ وهذا تقريرلقوله تعالى " ان بطش ربك لشديد " أى أنه اذا أخذ الظالم أخذه أخذ عزيزمنتقم أخذا أليما شديدا وعن عمرو بن ميمون قال مر النبى صلى الله عليه وسام على امرأة فقرأ " هل أتاك حديث الجنود " فقام يستمع فقال " نعم قد جاءنى "  ، " بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكۡذِيب" يعقب الله تعالى معقبا عن الكافرين أنهم فى شك وريب وكفر وعناد ، " وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُ" والله عزوجل قادر عليهم قاهر لا يفوتونه ولا يعجزونه ، " بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيد" يتحدث الله عز وجل عن القرآن بأنه عظيم كريم ، " فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۢ " أى هو فى الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله تعالى خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء صغحاتها من ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، لله فة كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة ، يخلق ويرزق زيميت ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء " .

تفسير سورة الطارق

سورة الطارق سورة مكية ، وهى من قصار السور ، وعدد آياتها  17آية ، وهى تتحدث عن آيات الله فى الكون وفى الخلق .

ما هو النجم الثاقب الذي أقسم به الله تعالى

إن الأجرام السماوية هي جزء من عظمة الله وآياته البديعة في الكون ، لقد خلق الله سبحانه وتعالى تلك الأجسام المادية في الغلاف الجوي ، وأورد ذكرها في القرآن الكريم في مجموعة من السور والآيات الكريمة ، ومن السور التي حملت أسماء تلك المعجزات سورة الشمس وسورة القمر وسورة النجم ، وهناك من الآيات المباركات ما أقسم الله فيها بتلك الأجسام ، وذلك ليؤكد سبحانه وتعالى عظمة القسم والمقسوم عليه

ومما ورد في ذلك القسم بالسماء والطارق والنجم الثاقب في سورة الطارق

ما هو النجم الثاقب

تفسيرات بعض العلماء عن معنى النجم الثاقب

يقول المولى عزّ وجل في بداية سورة الطارق “وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)” ، وقد بدأ الله عزّ وجل السورة بقسمه المعظم بالسماء والطارق ، والسماء واضحة لجميع البشر ، بينما جاء الله سبحانه وتعالى بتعظيم الطارق في الآية الثانية ، ثم جاءت الآية الثالثة لتعريف ماهية هذا الطارق ، والذي قال عنه الله سبحانه وتعالى بأنه النجم الثاقب ، وقد حدث اختلاف في تفسير معنى النجم الثاقب ، وورد معنى هذا النجم في كتب التفسير بمعنى أنه نجم يمتلك ضوء قوي ساطع والذي يمكنه من ثقب أو اختراق السماء بنوره ؛ حتى يرى هذا النور من يعيش على سطح الأرض.

وقد تحدث العلماء عن النجم الثاقب موضحين أنه اسم جنس يشير إلى جميع النجوم المضيئة المتلألئة في السماء ؛ حيث أنهم يرون بأنه ليس اسم يختص بنجم واحد على وجه التحديد ، وقد ورد في تفسير القسم بالنجم الثاقب للدلالة على عظمة الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق السماء والنجوم ؛ حيث أن هذه النجوم لطالما أبهرت الناس ، وهو ما جعل البعض يعبدها من دون الله تعالى ، ولذلك جاء القسم بها ليوضح مدى قدرة الله تعالى على خلق تلك النجوم العظيمة وغيرها.

 

.تفسيرات العلم الحديث والإعجاز العلمي في النجم الثاقب

والباحثون من علماء العصر الحديث قد تحدثوا عن الأوجه الموجودة في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم فيما يختص بالنجوم ؛ حيث أوضحوا بأن النجم النيتروني أو النباض أو تلك النجوم المعروفة في علم الفلك ؛ إنما هي نجوم تقوم بالدوران حول محورها بسرعة فائقة للغاية ، كما تقوم بإصدار موجات راديو والتي تتحول إلى موجات صوتية مسموعة ، وتكون تلك الموجات شبيهة بصوت المطارق ، ولذلك يرى هؤلاء العلماء أن المقصود بالنجم الطارق هي هذه النجوم  ؛ حيث أن من صفات هذه النجوم أيضًا إصدار إشعاع ضوئي يكون ثاقبًا للسماوات ، وهو ما يتماشى مع وصفه النجم الطارق بالثاقب.

لقد اجتهد العلماء في التأكيد على وجود الأصوات الصادرة من النجوم التي تدور حول محورها ؛ حيث أنهم قاموا بتسجيل تلك الأصوات وتم عرضها على المواقع العلمية ، ويطلق العلماء عليها اسم النجوم النابضة ، ولكنهم اكتشفوا أن هذه التسمية لا تبدو دقيقة ، وأطلقوا عليها اسم المطارق أو المطرقة ؛ حيث عُرفت باسم المطارق العملاقة ؛ حيث أن الصوت الصادر يشبه صوت المطرقة تمامًا ، ويؤكد العلماء كذلك أن هذه النجوم تقوم ببث إشعاعات تُعتبر الألمع من نوعها ؛ حيث أنها تقوم بإصدار أشعة تبهر الأنظار ، ولذلك وصفه الله تعالى بأنه نجم “ثاقب”.

وأوضح العلماء أن المعنى المقصود بالنجم الثاقب هو ثقب واختراق أي شيء يصادفه ، لدرجة اختراق الكرة الأرضية بالكامل من قِبل الموجات الصادرة عن هذه النجوم النيوترونية أو المعروفة باسم المطارق الكونية ، ومن هنا يتجلى الإعجاز العلمي الصادر في قوله تعالى ” النَّجْمُ الثَّاقِبُ” ؛ حيث تبين بأنه أدق وصف يمكن أن يصف هذه النجوم  التي تصدر الطرقات والموجات بدقة شديدة ، ولذلك اقسم بها الله تعالى ليؤكد مدى قدرته سبحانه على خلق مثل هذه المعجزات الكونية وقدرته على خلق الغيبيات ايضًا.

معنى الطارق الطّارق هو اسم مشتقّ من الفعل طرق، وهو اسم فاعل، والطّرق هو الضّرب أو الدّق بقوّة حتّى يُسمع لهذه الضّربة صوت،[١] كما يشتقّ لفظ الطّارق من الطّروق وهو عادة كانت منتشرة عند العرب فهم يقومون بطرق أبوابهم بحجر أو عصا أو شيء يُحدث صوتاً إذا عادوا من أسفارهم ليلاً ونزلوا إلى ديارهم، وكانوا يفعلون ذلك لتنبيه أهل البيت بمجيئهم، فأصبح لفظ الطّروق مرتبط بالقدوم في وقت اللّيل.[٢]

توسّع إطلاق لفظ الطّارق على أي صور خالية تظهرفي الليل، ويقال أنّ الطارق اسم جنس يطلق على كوكب يظهر في اللّيل، أو هو الكوكب ذاته الذي يسمّى كوكب الصّبح.[٣] ولذلك يكون كلّ آتٍ ليلاً يسمّى طارقاً، وقد أطلق الله لفظ الطّارق في القرآن الكريم على النّجم الذّي يظهر في السّماء في وقت اللّيل، فقد رُوي أنّ أبا طالب عمّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يجالس ابن أخيه وإذ بنجم يضيء فجأة في السّماء، ولمّا تساءل أبو طالب عن ذلك أخبره رسول الله بأنّه نجم رمى به الله إلى السّماء، فأنزل الله -تعالى- الآيات التي تشير إلى هذا النجم بقوله: (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ* وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ)،[٤] وقد فسّر الله -تعالى- معنى الطّارق في السّورة ذاتها بقوله عن الطّارق أنّه هو (النَّجْمُ الثَّاقِبُ)،[٥] أي النّجم شديد التّوهّج والوضاءة في السّماء.[٦] أين ورد ذكر الطارق في القرآن؟ افتتح الله -تعالى- سورة الطّارق بالقسم بالسّماء وما تحوي من نجوم، وقد ورد لفظ الطّارق في هذه السّورة مرّتين في الآيتين الأولى والثّانية، وذلك عندما تساءل الله عن الطّارق، ثمّ أعاد التّساؤل مرّة أخرى؛ لتعظيم أمر النّجم الطّارق، وسورة الطّارق هي أحد سور المفصّل في الجزء الثّلاثين من كتاب الله -تعالى-، وهي سورة مكّية نزلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة قبل الهجرة.[٧] دلالات قسم الله بالطارق إنّ قسم الله -تعالى- بالطّارق نجم السّماء له دلالات ومعانٍ جليلة، كما يأتي: اختيار الله -تعالى- النّجوم والكواكب والسّماء وما فيها للحلف بها ما هو إلّا دلالة على عظمتها وتجلّي قدرة الخالق في خلق هذه النّجوم والكواكب، فإنّها آية من آيات الله -تعالى- في ظهورها ومغيبها وفي تغيّر أشكالها وألوانها وغير ذلك ممّا يدلّ على عظيم صنع الخالق.[٨] تنويه وتنبيه للقارئ بعظم شأن هذا الكوكب، ولذلك كرّر القسم به مرّتين.[٣] رفع الله قدر هذا الكوكب عندما أقسم به ليعلم المخلوق أنّه يعجز عن إدراك مثل هذه الخلق العظيم، وأنّه لا يكون إلّا من صانع وخالق بديع.[٣] خلاصة المقال: الطّارق هو النّجم المضيء في السّماء الذّي يأتي ليلاً، وقد سمّي بذلك لأنّ العرب يسمّون كل آت ليلاً طارقاً، وقد أقسم الله -تعالى- به في مستهلّ سورة الطّارق مرّتين؛ تعظيماً لشأنه وتذكيراً بعظيم خلق الله -تعالى-.

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم: "النجم الثاقب"

قال تعالى:" وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ" (الطارق، آية : 1 ـ 3).

يقسم سبحانه وتعالى بكل من السماء والطارق، ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهية الطارق ويحدده بالنجم الثاقب وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من تعبير "الطارق" فمنهم من قال: إن الوصف ينطبق على كل نجم، ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته، ولا ضرورة لهذا التحديد، بل الإطلاق أولى ليكون المعنى : والسماء ونجومها الثاقبة للظلام، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء، ومنهم من قال: إنه الثريا أو النجم الذي يقال له "كوكب الصباح" أو نجم آخر محدد بذاته، ومنهم من قال إن الوصف ينطبق على الشهب التي وصفها القرآن الكريم بأنها ثاقبة كما في قول الحق سبحانه " إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ" (الصافات، آية : 10).

وذلك على الرغم من الفروق الضخمة بين كل من النجم والشهاب، ولكن الواضح من الآيات أن القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا سبحانه :" بالطارق" ووصفه " النَّجْمُ الثَّاقِبُ" وقد ورد ذكر النجوم في القرآن الكريم ثلاث عشرة، أربع منها بالأفراد "النجم" وتسع بالجمع "النجوم" ولم يوصف أي منها " بالطارق النجم الثاقب" إلا في هذه السورة المباركة التي نحن بصددها والتي حملت اسم الطارق تأكيداً أن الطارق نجم محدد بذاته.

ويرى الدكتور زغلول النجار: أن الوصف القرآني "بالطارق النجم الثاقب" ينطبق على مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا ومن أهمها: النجوم النيوترونية شديدة التضاغط والمعروفة باسم النجوم النابضة أو النابضات أو النوابض، وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة وحجم صغير ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات عالية، مطلقة كميات هائلة في الموجات الراديوية ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية، لأنها ترسل نبضات منتظمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها وسرعة دورانها حول محورها، وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلى ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة، ويعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره وتسجل المقربات "التليسكوبات" الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة، ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية وإلا لكان لنبضاتها المتسارعة أثر مدمر للحياة على الأرض، إذا كانت على نصف هذه المسافة منا ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضاً ما يعرف اليوم بين علماء الفلك باسم أشباه النجوم، وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا، ضعيفة الإضاءة جداً "ربما لبعدها البالغ عنا" ومنها ما يطلق أقوى الموجات الراديوية التي تصل إلينا من السماء الدنيا ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية تمييزاً لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لا تصدر موجات راديوية وعلى الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة، وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا حتى اليوم وتبدو كأنها على أطراف السماء الدنيا تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا، وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا، وتقدر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس، وهو قليل الكثافة جداً إذ تقدر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتمتر المكعب وتقدر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس، وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون، ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخرى منها لم تكتشف بعد، وكل من المرحلتين المطلقتين للموجات الراديوية من مراحل حياة النجوم : من مثل النوابض الراديوية، وأشباه النجوم الراديوية يعتبر من أهم المصادر الراديوية في السماء الدنيا وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وإنكدارها التي تسبق الطمس والخنوس، كما في حالة النوابض أو من مراحل التحول إلى دخان السماء اللاحقة بمرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم ولعل هذه المراحل الراديوية المتميزة في ختام حياة النجوم هي المقصودة بالوصف القرآني "الطارق النجم الثاقب" لأنها تطرق صفحة السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد وموجاتها الراديوية الخاطفة، والله تعالى أعلم.

وإن في سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى تلك المراحل من حياة النجوم والتي لم يعرفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقة بربانية القرآن الكريم وبنبوة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد هذا القسم بالسماء والطارق يأتي جواب القسم " إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ".

كل حركاتك وسكناتك، وكل أقوالك وأفعالك، وكل تمنياتك، وكل بواعثك وكل آمالك وكل ما أخفيته عن الناس يحفظه الله لك، وسيحاسبك عليه، لأن الذي خلق النجم الثاقب، النجم الطارق، والنجم إذا هوى، هو الذي سيحاسبك على عملك.

" وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ" لم يغب عن علمه نجم في السماء، فهل يغيب عنه شيء في الأرض.

وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ ١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ ٢ ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ ٣ إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظٞ ٤ فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ ٥ خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ ٦ يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ ٧ إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ ٨ يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ ٩ فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِرٖ ١٠

" وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ " يقسم تبارك وتعالى بالسماء وما جعل فيها من خلق وبالنجم الطارق ولا خلاف فى السماء ولكن الخلاف فى النجم الطارق الذى يثقب بنوره السماء وهناك حسب اكتشافات علم الفلك الحديث وكما قال الدكتور زغلول النجار أن هناك نجوم تطرق أبواب السماء وتثقب بضوءها السماء ونحن نعلم أن النجوم تبعد عنا بمسافات منها ما يصلنا ضوءه بعد سنوات وكل نجم له ضوء حسب درجة حرارته أما ما قاله المفسرون قديما قال قتادة عن " النجم القاقب " انما سمى النجم طارقا لأنه انما يرى بالليل ويخنفى بالنهار ويؤيده ما جاء فى الحديث الصحيح " نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا أى يأتيهم لجأة بالليل وفى الحديث الآخر المشتمل على الدعاء " الا طارقا يطرق بخير يا رحمن " وتعظيما لأمر هذا الطارق وتفسيرا له قال تعالى " وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ " وما أعلمك بهذا الأمر لأنه أمر عظيم وعظم هذا الأمر كشفه علم الفلك الحديث لمن أراد البحث فى هذا الموضوع ليبين الله قدرته على الخلق وأنه الاله القادر الذى لا اله غيره الواحد الأحد فقال " ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ " قال ابن عباس المضىء ولكن لماذا استخدم القرآن لفظ الثاقب الذى يفيد التخلل ، " إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظ" بقول الله عز وجل أن كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها كما قال تعالى " لهمعقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " ، " فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ " ينبه الله عز وجل الانسان على ضعف أصله الذى خلق منه وارشاد له الى الاعتراف بالمعاد لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الاعادة بطريق الأولى كما قال تعالى " وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " ،" خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِق" الماء الدافق يعنى المنى يخرج دفقا من الرجل ومن المرأة فيتولد منهما الولد باذن الله عز وجل ، " يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ " هذا المنى يخرج من صلب الرجل وهو الظهر ومن تريبة المرأة وهى عظمة فى الصدر وعن ابن عباس صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها وفى قول لابن عباس هذه الترائب ووضع يده على صدره وقال الضحاك تريبة المرأة موضع القلادة وفى قول عن ابن عباس الترائب بين ثدييها وعن مجاهد ما بين المنكبين الى الصدر وعنه أيضا الترائب أسفل من التراقى  وهذه آية من آيات القرآن التى أثبتها العلم الحديث من تكون المنى ولم يعرفها أحد من قبل ، " إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِر" انه عز وجل على رجع هذا الانسان المخلوق من ماء دافق أى اعادته الى الدار الآخرة لقادر لأن من قدر على البداءة قدر على الاعادة وقد ذكر الله عزوجل هذا الدليل فى القرآن فى غير ما موضع ولهذا قال تعالى " يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ " أى يوم القيامة تبلى فيه السرائر أى تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا ، " فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِر " أى الانسان يوم القيامة ليس له قوة فى نفسه وليس له بناصر من خارجمنه أى لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع أحد له ذلك .

 وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ ١١ وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ ١٢ إِنَّهُۥ لَقَوۡلٞ فَصۡلٞ ١٣ وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ ١٤ إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا ١٥ وَأَكِيدُ كَيۡدٗا ١٦ فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا ١٧

" وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ " هذه الآية من آيات الاعجاز العلمى فى القرآن والمعنى يكمن فى قوله تعالى"ذات الرجع " وهذا يتفق مع قوله " وجعلنا السماء سقفا محفوظا " فالسماء المحيطة بالأرض لها غلاف جوى يحميها ويحفظها ومن وظائفه الارجاع وهو الاعادة فالغلاف الجوى يحمى الأرض من الاشعة الضارة الواردة من الشمس بطبقة الأوزون التى حدث فيها ثقب أثر على الحياة على الأرض وهناك دعوات لحماية هذا الغلاف الذى يحمى الأرض وهذا الغلاف لا يسمح بدخول الشهب والنيازك الذى لو سقطت على الأرض لأحرقتها ولكنها تنصهر بمجرد احتكاكها بالغلاف الجوى وفى تفسير ابن عباس أن الرجع هو المطر وعنه هو السحاب فيه المطر وعنه " والسماء ذات الرجع " تمطر ثم تمطر ، " وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ " وهذه الآية أيضا من آيات الاعجاز العلمى فى القرآن فالأرض يحدث فيها تصدعات فى قشرتها بسبب حدوث البراكين والزلازل التى تحدث على سطح الأرض وفى البحار تتصدع الأرض فتخرج منها البراكين بالحمم فيحدث خلل فى باطن الأرض فتحدث الزلازل وهى تصدعات فى القشرة الأرضية من هذه التصدعات تتكون الجزر وتكونت القارات أما فى تفسير ابن عباس قال " والأرض ذات الصدع " هو انصداعها عن النبات ، " إِنَّهُۥ لَقَوۡلٞ فَصۡل" القول الحق يمكن أن يكون المقصود منه القرآن الكريم ويمكن أن يكون القول الحق هو كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن وسنة وما أوحى اليه من ربه وكذلك ممكن أن يكون الاسلام ككل فهو الثقول الفصل الذى فصل بين الكفر والايمان وبؤكد ذلك ما جاء بعده "وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ " الهزل هو عكس الجد وهو اللغو والكلام الذى لا معنى له أى هو جد حق  وهذه الصفة تنطبق على كل ما قلنا  ،" إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا * وَأَكِيدُ كَيۡدٗا " الكيد هو المكر الشديد بما يوقع الضرر فالله عز وجل يخبر عن الكافرين بأنهم يكذبون ويصدون عن سبيله ويمكرون بالناس فى دعوتهم الى خلاف القرآن ولكن مكر الله بهم أشد والجزاء من جنس العمل فكما تكيد يكاد لك أنت تكيد للناس والله يكيد لك ،" فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا " يتوعد الله الكافرين بالنكال فيقول مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم أنظر هؤلاء الكفار قليلا ولا تستعجل لهم وسترى ماذا أحل بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك كما قال تعالى " نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب غليظ " . 

تفسير سورة الأعلى

سورة الأعلى سورة مكية ، وهى من قصار السور ، وعدد آياتها 19 آية ،وعن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قرأ فى العيدين بسبح اسم ربك الأعلى ، وهل أتاك حديث الغاشية وانوافق يوم الجمعة وقد روى الامام أحمد فى مسنده منحديث أبى بنكعب وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبزى وعائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون " ، وقل هو الله أحد زادت عائشة والمعوذتين "، والسورة تتحدث عن قدرة الله فى الخلق التى تستحق الثناء عليه والتسبيح باسمه وتنزيهه بكل ما لا يليق به من صفات .

سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى ١ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ٢ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ٣ وَٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ ٤ فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ ٥ سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ ٦ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ ٧ وَنُيَسِّرُكَ لِلۡيُسۡرَىٰ ٨ فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ ٩ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ ١٠ وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى ١١ ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ ١٢ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ ١٣

" سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى " التسبيح هوذكر الله بما يليق به من ذكروعبادات وتسبيح اسم الله هو تنزيهه مما لا يليق به من صفات وهو الأعلى فى السموات الأرض علا علو كبيرا وعن عقبة بن عامر الجهنى قال لما نزلت " فسبح اسم ربك العظيم " قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجعلوها فى ركوعكم " فلما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " قال " اجعلوها فى سجودكم " وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا قرأ " سبح اسم ربك الأعلى " قال " سبحان ربى الأعلى " ، " ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ " الله عز وجل الذى خلق الخليقة وسوى كل مخلوق فى أحسن الهيئات ، " وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ " الذى قدر قدرا وهدى الخلائق اليه وقال مجاهد هدى الانسان للشقاوة والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها وهذه الآية كقوله تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام أنه قال لفرعون " ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى " كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " ،" وَٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ " الذى أخرج من جميع صنوف النباتات والزروع ، " فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ " الغثاء هو الهشيم المتغير وقال ابن جرير : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذى معناه التقديم وأن معنى الكلام والذى أخرج المرعى أحوى أى أخضرا الى السواد أى شديد الخضرة والنضارة فجعله غثاء بعد ذلك ثم قال ابن جرير وهذا ولن كان محتملا الى أنه غير صواب لمخالفته أقوال أهل التأويل ، " سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ " هذا اخبار من الله تعالى الى رسوله صلى الله عليه وسلم ووعد منه له بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها " إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ " وهذا اختيار ابن جرير وقال قتادة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئا الا ما شاء الله وقيل المراد بقوله " فلا تنسى " طلب وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ أى لا تنسى ما نقرئك الا ما شاء الله رفعه فلا عليك أن تتركه ،" إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ " أى يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه من ذلك شىء ،"وَنُيَسِّرُكَ لِلۡيُسۡرَىٰ" أى نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك شرعا سهلا سمحا مستقيما عدلا لا أعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر ، " فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ " أى ذكر حيث تنفع التذكرة ، ومن هنا يؤخذ الأدب فى نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله كما قال أمير المؤمنين على رضى الله عنه ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان فتنة لبعضهم ، وقال حدث الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ ، " سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ" أى سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قلبه يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه ،"وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى " أى ويبعد عن هذه التذكرة بالله وبالحق الشقى البعيد فى الشقاوة أشقى الناس ويعرفه الله عز وجل بقوله ، "ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ *  ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ " يعرف الله من هو الأشقى وهو الذى يدخل النار الشديدة الألم الكبيرة الوقع الكبرى فى عذابها كما قال " الطامة الكبرى " ومن يدخلها لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة نافعة بل هى مضرة عليه لأن من فيها يشعر بأليم العذاب وأنواع النكال وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس - أو كما قال - تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم فيميتهم اماتة حتى اذا صاروا فحما أذن فى الشفاعة فجىء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة فيقال يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون فى حميل السيل " فقال رجل من القوم حينئذ كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية " وقال الله تعالى اخبارا عن أهل النار " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون " وقال تعالى " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " الى غير ذلك من الآيات فى هذا المعنى .

قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥ بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ١٦ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ١٧ إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ ١٨ صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ ١٩

" قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ " يقول الله تعالى قد أفلح وقد تستخدم للتأكيد من طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة وتابع ما أنزل الله على الرسول صلى الله عليه وسلم وعن جابر بن عبد الله عن النبى صلى الله عليه وسلم قال"قد أفلح من تذكى " قال " من شهد أن لا اله الا الله ، وخلع الأنداد وشهد أنى رسول الله " " وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ قال " هى الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها " ، " وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ"  أى أقام الصلاة فى أوقاتها ابتغاء رضوان الله وطاعة لأمر الله وامتثالا لشرع الله وروى عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس باخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الآية " قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ " وقال قتادة فى هذه الآية زكى ماله وأرضى خالقه ، " بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا" أى تقدمون الحياة الدنيا على أمر الآخرة وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم فى معاشكم ومعادكم ،"وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ " أى ثواب الله فى الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى فان الدنيا فانية والآخرة شريفة باقية فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ويهتم بما يزول عنه قريبا ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " وعن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى " ، "إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ * صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ  "  اختار ابن جرير أن المراد بقوله ان هذا اشارة الى قوله " قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ  *بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا * وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ" ثم قال تعالى " ان هذا " أى مضمون هذا الكلام " لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ * صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ"  وهذا الذى اختاره حسن قوى وقد روى عن قتادة وابن زيد نحوه  وعن عكرمة قال عن " إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ * صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ "  الآيات التى فى سبح اسم ربك الأعلى وعن ابن عباس قال لما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " قال كلها فى صحف ابراهيم وموسى .  

تفسير سورة الغاشية

سورة الغاشية سورة مكية ، وهى من قصار السور ، عدد آياتها 26 آية ، والغاشية من أسماء يوم القيامة قال ابن عباس لأنها تغشى الناس وتعمهم ، وهى تتحدث عن أحوال يوم القيامة لمن يدخلون النار ومن يتنعمون بالجنة ، وتتحدث عن قدرة الله فى خلقه التى تدل على انه الاله الواحد الخالق الذى بيده أمر كل شىء ،وقدتقدم عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية فى صلاة العيد ويوم الجمعة " وقال الامام مالك أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ مع سورة الجمعة ؟ قال : هل أتاك حديث الغاشية "، وعن عمرو بنميمون قال : مر النبى صلى الله عليهوسلم على امرأة تقرأ " هل أتاك حديث الغاشية " فقام يستمع ويقول " نعم قد جاءنى " .

هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١ وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢ عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ ٣ تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ ٤ تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ ٥ لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ ٦ لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ ٧

" هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ " تبدأ السورة بتحريك الذهن والحواس للحديث عن يوم القيامة وما يكون فيه باستخدام الاستفهام بهل أى هل جاءك هذا الذى يحدث يوم القيامة وتفصل السورة الحديث فى الآيات التالية من أحوال تبدأ بذكر أحوال أهل النار للتنفير منها  ، " وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ " خاشعة أى ذليلة وهى وجوه أهل النار وقال ابن عباس تخشع ولا ينفعها عملها ، " عَامِلَةٞ نَّاصِبَة" أى قد عملت عملا كثيرا ونصبت فيه وصليت يوم القيامة نارا حامية وعن عكرمة والسدى عاملة فى الدنيا بالمعاصى ناصبة فى النار بالعذاب والاهلاك وقال ابن عباس النصارى ،" تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَة" أهل النار يصلون نارا حارة شديدة الحر ، " تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَة"آنية أى قد انتهى حرها وغليانها أى أن شراب أهل النار من عين شديدة الحر تغلى ، " لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيع"  الضريع قال ابن عباس شجر من النار وقال سعيد بن جبير هو الزقوم وعنه أنها الحجارة وقال مجاهد الضريع نبت يقال له الشبرق يسميه أهل الحجاز الضريع اذا يبس وهو سم وقال قتادة هو الشبرق اذا يبس سمى الضريع وقال قتادة " ليس لهم طعام الا من ضريع " من شر الطعام وأبشعه وأخبثه وقال قتادة : قريش تسميه فى الربيع الشبرق وفى الصيف الضريع  ،" لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوع" يعنى لا يحصل به مقصود ولا يندفع به محذور فهو لا يجعل الابدان تنمو وتسمن ولا يجعل البطون تسد شبعها .

 وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ٨ لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ ٩ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ١٠ لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ ١١ فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَةٞ ١٢ فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ ١٣ وَأَكۡوَابٞ مَّوۡضُوعَةٞ ١٤ وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ ١٥ وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ ١٦

 لما ذكر الله تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء فقال " وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَة" عكس الوجوه الخاشعة تكون وجوه أهل الجنة يوم القيامة ناعمة أى يعرف النعيم فيها ، " لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَة" وقد حدث لها ذلك الرضى بسعيها أو هى راضية عما فعلت فى الحياة الدنيا وما جره عليها من نعيم فى الجنة وقال سفيان يقول تعالى قد رضيت عليها ،" فِي جَنَّةٍ عَالِيَة" أى أصحاب هذه الوجوه فى جنة رفيعة بهية فى الغرفات آمنون ، " لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَة" الاغية أى كلمة لغو وهو الكلام الخبيث أو الذى لا جدوى منه ولا معنى له أى أن أهل الجنة لا يسمعون حتى كلمة واحدة من هذا الكلام وهم فى الجنة كما قال تعالى " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما الا قيلا سلاما سلاما " وقال تعالى " لا لغو فيها ولا تأثيم " وكما قال تعالى " لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما " ،" فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَة " جارية أى سارحة وهذه نكرة فى سياق الاثبات وليس المراد بها عينا واحدة وانما هذا جنس يعنى فيها عيون جاريات وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنهار الجنة تفجر من تحت تلال - أو من تحت جبال - المسك " ، " فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَة" مرفوعة أى عالية ناعمة كثيرة الفرش مرتفعة السمك عليها الحور العين وهذا هو وصف السرر قالوا فاذا أراد ولى الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له ، " وَأَكۡوَابٞ مَّوۡضُوعَة" يعنى أوانى الشرب معدة مرصدة لمن أرادوها من أربابها ، " وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَة" قال ابن عباس وغيره النمارق الوسائد أى معدة لهم فى صفوف جاهزة ، " وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ " قال ابن عباس الزرابى البسط ومعنى مبثوثة أى ههنا وههنا لمن أراد الجلوس عليها عن أسامة بن زيد أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا هل من مشمر للجنة فان الجنة لا حصر لها ، وهى ورب الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام فى أبد فى دار سليمة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، فى محلة عالية بهية ؟ " قالوا : نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها ، قال " قولوا ان شاء الله " قال القوم : ان شاء الله " .

 أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ١٧ وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ ١٨ وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ ١٩ وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ ٢٠ فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢ إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ٢٣ فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ٢٤ إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ٢٥ ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم ٢٦

يقول تعالى آمرا عباده بالنظر فى مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ" ذكر الله تعالى الابل لأن العرب غالب دوابهم كانت الابل فانها خلق عجيب وتركيبا غريب فانها فى غاية القوة والشدة وهى مع ذلك تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها ، والابل مهيئة للصحراء فهى تتحمل العطش والجوع لفترات طويلة وتختزن الطعام والشراب فى سنامها وتسير فى الرمال دون تعب أوكلل لأن الخف فى أرجلهايمكنها من ذلك ولذلك سمى الجمل سفينة الصحراء وكانت تسير بقوافل التجارة ووسيلة المواصلات فى الصحراء ، " وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ " يدعو الله عز وجل الى النظر فى خلق السموات مرفوعة بغير عمد وتمتد وتزخر بالنجوم والكواكب والأجرام السماوية الأخرى أى كيف رفعها الله عز وجل عن الارض هذا الرفع العظيم كما قال تعالى " أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج " وكان شريح القاضى يقول اخرجوا بنا حتى ننظر الى الابل كيف خلقت ؟ والى السماء كيف رفعت ؟  ، " وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ " ويدعو الله عز وجل الى النظر الى خلق الجبال وكيف جعلت منصوبة فانها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها ، وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن وما عليها من ثلوج تذوب فتسيل الأنهار وما يسقط عليها من مطر كذلك ويسيل أنهارا وبحيرات وما عليها من نباتات وغابات ، " وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ " يدعو الله تعالى كذالك الى تدبر الأرض وكيف بسطت ومدت ومهدت وجعلت ميسرة للحياة نبه الله تعالى اليبدوى على الاستدلال بما يشاهده من عيره الذى يركب عليه والسماء التى فوق رأسه والجبل الذى تجاهه والأرض التى تحته على قدرة خالق ذلك وصانعه وأنه الرب العظيم الخالق المالك المتصرف وأنه الاله الذى يستحق العبادة ولا يستحق العبادة سواه وعن أنس قال كنا نهينا أن نسالب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شىء فكان يعجبنا أن يجىء الرجل من أهل البادية العاقل فيساله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يامحمد انه أتانا رسولك فزعملنا أنك تزعم أن الله أرسلك ، قال "صدق " قال : فمنخلق السماء ؟ قال " الله " ، قال فمن خلق الأرض قال " الله " قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال " الله " قال فبالذى خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال آالله أرسلك ؟ قالنعم قال وزعم لنا رسولك أن علينا خمس صلوات فى يومنا وليلتنا ؟ قال " صدق " قال فبالذى أرسلك آالله أمرك بهذا قال " نعم " قال وزعم رسولك أن علينا زكاة فى أموالنا ؟ قال " صدق " قال فبالذى أرسلك آالله أمرك بهذا قال " نعم " قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت لمن استطاع اليه سبيلا قال " صدق " قال ثم ولى فقال والذى بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا ولا أنقص منهن شيئا فقال النبى صلى الله عليهوسلم " ان صدق ليخلن الجنة "  ، "  فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّر* لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فذكر يا محمد الناسبما أرسلتبه اليهم " فانما عليكالبلاغ وعلينا الحساب " ولهذا قال " لست عليهم بمصيطر" وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما " لست عليهم بجبار " أى لست تخلق الايمان فى قلوبهم وقال ابن زيد لست بالذى تكرههم على الايمان وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليهوسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فاذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله عز وجل " ثم قرأ " فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر " وهذا الحديث مخرج فى الصحيحين من رواية أبى هريرة بدون ذكر هذه الآية  ، " إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ " أآ تولى عن العمل بأركانه وكفر بالحق بجنانه ولسانه وهذا كقوله تعالى " فلا صدق ولا صلى ولكنكذب وتولى " ولهذا قال " فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ" مصير من تولى وكفر فان الله يدخله جهنم ويصلى فيها العذاب الشديد ووصفه الله بأنه الأكبر أى أكبر عذاب لا يتوقعه أحد ولا يجاوزه عذاب آخر ، " إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ " يعقب الله تعالى بعد هذه الآيات بقوله ان الينا مرجعهم يوم القيامة ومنقلبهم ، " ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم " وكذلك بعد هذا الاياب يكون الحساب فنحن سنحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها انخيرا فخير وان شرا فشر .

تفسير سورة الفجر

سورة الفجر سورة مكية ، وهى من قصار السور ، وعدد آياتها 30 آية ، وتتحدث عنما أوقعه الله من دمار ونكال بمن كذبه من الأمم السابقة ليكونوا عبرة للمشركين فى مكة وهم كانوا أكبر منهم شأنا ، ويتحدث الله تعالى عما يحدث يوم القيامة من عذاب للكفار فى جهنم وللمؤمنين من نعيم فى الجنة .

وَٱلۡفَجۡرِ ١ وَلَيَالٍ عَشۡرٖ ٢ وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ ٣ وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ ٤ هَلۡ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٞ لِّذِي حِجۡرٍ ٥ أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦ إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ ٧ ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ ٨ وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ ٩ وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ ١٠ ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ ١١ فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ ١٢ فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ ١٣ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ ١٤

" وَٱلۡفَجۡرِ "قسم الله تعالى بالفجر وهو الصبح وعنمسروق ومحمد بن كعب أن المراد به فجر يوم النحر خاصة وهوخاتمة الليالى العشر من ذى الحجة وقال ابن عباس فى رواية عنده أنه جميع المراد ، " وَلَيَالٍ عَشۡر" والليالى العشر المراد بها عشر ذى الحجة كما قال ابن عباس وغيره وقد ثبت فى صحيح البخارى عن ابن عباس مرفوعا " ما من أيام العمل الصالح أحب الى الله فيهن من هذه الأيام " يعنى عشر ذى الحجة قالوا ولا الجهاد فى سبيل الله ؟ قال " ولا الجهاد فى سبيل الله الا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشىء "وفى قول عن ابن عباس " وليال عشر " قال هو العشر الأول منرمضان ، والصحيح القول الأول ، " وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ " قد تقدم فى الحديث أن الوتر يوم عرفة لكونه التاسع وأن الشفع يوم النحر لكونه العاشر وعن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان العشر عشر الضحى ، والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر "وقال عطاء لما سأل عن " والشفع والوتر " من واصل بن السائب قلت : صلاتنا وترنا هذا ؟ قال لا ولكن الشفع يوم عرفة والوتر ليلة الأضحى  وفى الصحيحين من رواية أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة وهووتر يحب الوتر " وفى قول رابع قال الحسن البصرى وزيد بن أسلم الخلق كلهم شفع ووتر أقسم تعالى بخلقه وعن ابن عباس "والشفع والوتر " قال الله وتر واحد وأنتم شفع وفى قول خامس عن مجاهد "الشفع والوتر " قال الشفع الزوج والوتر الله عز وجل وعن مجاهد : الله الوتر وخلقه الشفع الذكر والأنثى وفى قول آخر عنه : كل شىء خلقه الله شفع ، السماء والأرض والبر والبحر والجن والانس والشمس والقمر ونحو هذا ونحا مجاهد فى هذا ما ذكروه فى قوله تعالى " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " أى لتعلموا أن خالق الأزواج واحد قال أبو العالية والربيا بن أنس وغيرهما هى الصلاة منها شفع كالرباعية والثنائية ومنها وتر كالمغرب فانها ثلاث وهى وتر النهار وكذلك صلاة الوتر فى آخر التهجد من الليل وعن عمران بن حصين "والشفع والوتر " قال هى الصلاة المكتوبة منها شفع ومنها وتر ولم يجزم ابن جرير بشىء من هذه الأقوال فى الشفع والوتر ،" وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ " قال ابن عباس يسر أى اذا ذهب وقال عبد الله بن الزبير حتى يذهب بعضه بعضا ويحتمل أن يكون المراد اذا سار أى أقبل وقدد يقال ان هذا أنسب لأنه فى مقابلة قوله " والفجر " فان الفجر هو اقبال النهار وادبار الليل فاذا حمل قوله  " واليل اذا يسر " على اقباله كان قسما باقبال الليل وادبار النهار وبالعكس كقوله " والليل اذا عسعس والسبح اذا تنفس " وقال الضحاك " والليل اذا يسر " أى يجرى ،" هَلۡ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٞ لِّذِي حِجۡرٍ " ذى حجر أى لذى عقل ولب ودين وحجى وانما سمى العقل حجرا لأنه يمنع الانسان من تعاطى ما لا يليق به من الأفعال والأقوال ، ومنهحجر البيت لأنه يمنع الطائف من اللصوق بجداره الشامى ، ومنه حجر اليمامة ، وحجر الحاكم على فلان اذا منعه النصرف " ويقولون حجرا محجورا " كل هذا من قبيل واحد ومعنى متقارب وهذا القسم هو بأوقاتالعبادة وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع التقرب التى يتقرب بها اليه عباده المتقون المطيعون له الخائفون منه المتواضعون لديه الخاشعون لوجهه الكريم ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده "  أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ " عاد هؤلاء كلنوا متمردين عتاة جبارين خارجين عن طاعة الله مكذبين لرسله جاحدين لكتبه فذكر الله تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديث  وعبرا وهؤلاء عاد الأولى وهم ولد عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح قال ابن اسحاق وهم الذين بعث الله فيهم رسولا هود عليه السلام فكذبوه وخالفوه فانجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانيىة أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ؟ وقد ذكر الله قصتهم فى القرآن فى غير ما موضع ليعتبر بمصرعهم المؤمنون فقوله تعالى "  إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ " عطف بيان زيادة تعريف بهم وقوله تعالى " ذات العماد " لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التى ترفع بالأعمدة الشداد وقد كانوا أشد الناس فى زمانهم خلقة وأقواهم بطشا ،ولهذا ذكرهم هود عليه السلام بتلك النعمة وأرشدهم الى أنم يستعملوها فى طاعة ربهم فقال " واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين " ، " ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ " أعاد ابن زيد الضمير على العماد لارتفاعها وقال بنوا عمدا يالاحقاف لم يخلق مثلها فى البلاد ومن زعم ان المراد مدينة ارم والمراد انما هو الاخبار عن اهلاك القبيلة المسماة بعاد وما أحل الله بهم من بأسه الذى لا يرد لا أن المراد الاخبار عن مدينة أو اقليم  ، " وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ " جابوا الصخر بالواد يعنى يقطعون الصخر بالوادى قال ابن عباس ينحتونها ويخرقونها ومنه يقال اجتاب الثوب اذا فتحه ومنه الجيب أيضا وهذا يتفق مع قوله تعالى " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " وقال ابن اسحاق ثمود كانوا عربا وكانمنزلهم بوادى القرى وقد ذكرت قصتهم فى القرآن من قبل ، "  وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ " قال ابن عباس الأوتاد االجنود الذين يشدون له أمره ويقال كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم فى أوتاد من حديد يعلقهم بها وقال مجاهد كان يوتد الناس بالأوتاد ، "  ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ * فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ " الطغيان هو التجبر والظلم والعتو والتعدى على الآخرين فهم عاثوا فى الأرض فسادا وأذية للناس، "  فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ " أى أنزل الله عز وجل عليهم رجزا من السماء وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين " إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَاد " قال ابن عباس يسمع ويرى يعنى يرصد خلقه فيما يعملون ويجازى كلا بسعيه فى الدنسا والآخرة وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله ويقابل كلا مما يستحقه وهو المنزه عن الظلم والجور .

 فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ ١٥ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ ١٦ كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ ١٧ وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ١٨ وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلٗا لَّمّٗا ١٩ وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبّٗا جَمّٗا ٢٠

" فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ " يقول تعالى منكرا على الانسان فى اعتقاده اذا وسع الله تعالى عليه فى الرزق ليختبره فى ذلك فيعتقد أن ذلك من الله اكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون " ، " وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ " وكذلك فى الجانب الآخر اذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه فى الرزق يعتقد أن ذلك من الله اهانة له ،" كَلَّاۖ " أى ليس الأمر كما زعم لا فى هذا ولا فى هذا فان الله تعالى يعطى المال من يحب ومن لا يحب ويضيق على من يحب ومن لا يحب وانما المدار فى ذلك على طاعة الله فى كل من الحالين اذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك واذا كان فقيرا بأن يصبر ، " بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ " يتحدث الله عز وجل عن من لا يكرم اليتيم وفى هذا أمر بالاكرام له وعدم البخب عليه وهذا توصية من الله به وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم " خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه وشر بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه - ثم قال بأصبعه - أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا وعن ابن سعيد أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال " أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة " وقرن بين أصابعه الوسطى والتى تلى الايهام ، " وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ" "التحاض أن يحض بعضهم بعضا على تقديم الطعام الى المسكين وهو من لا يجد قوت يومه يعنى لا يامرون بالاحسان الى الفقراء والمساكين ويحث بعضهم بعضا فى ذلك ،" وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلٗا لَّمّٗا" التراث يعنى الميراث أى تأخذونه من أى جهة حصل لكم من حلال أو حرام  ، " وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبّٗا جَمّٗا " الجم الكثير يتحدث الله عز وجل عن النفس البشرية بأنها تحب المال حبا كثيرا وزاذ بعضهم فاحشا .

كَلَّآۖ إِذَا دُكَّتِ ٱلۡأَرۡضُ دَكّٗا دَكّٗا ٢١ وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلۡمَلَكُ صَفّٗا صَفّٗا ٢٢ وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۢ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ ٢٣ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي ٢٤ فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ ٢٥ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ ٢٦ يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ ٢٨ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي ٣٠

يخبر الله تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة فقال تعالى " كَلَّا" أى حقا ، " إِذَا دُكَّتِ ٱلۡأَرۡضُ دَكّٗا دَكّٗا " الدك هو التدمير أى اذا وطئت الأرض وسويت الجبال وقام الخلائق من قبورهم لربهم ،"وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلۡمَلَكُ صَفّٗا صَفّٗا " يعنى جاء الله عز وجل لفصل القضاء بين خلقه ، وذلك بعد ما يستشفعون اليه بسيد ولد آدم على الاطلاق محمد صلى الله عليه وسلم بعدما يسألون أولى العزممن الرسل واحدا بعد واحد فكلهم يقول لست بصاحب ذاكم حتى تنتهى النوبة الى محمد صلى الله عليهوسلم فيقول " أنا لها أنا لها " فيذهب فيشفع عند الله تعالى فى أن يأتى لفصل القضاء فيشفعه الله تعالى فى ذلك وهى أول الشفاعات وهى المقام المحمود فيجيىء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا ،" وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۢ بِجَهَنَّمَۚ " وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمامسبعون ألف ملك يجرونها "  يَوۡمَئِذ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ " فى هذا الحين يتذكر الانسان عمله وما كان أسلفه فى قديمدهره وحديثه وكيف تنفعه الذكرى فقد قضى الأمر ؟ ،" يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي " يندم الانسان على كل ما سلف من من المعاصى انكان عاصيا ويود لوكان ازداد من الطاعات ان كان طائعا وقال محمد بنعمرة وكانمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن عبدا خر على وجهه من يوم ولد الى أن يموت فى طاعة الله لحقره يوم القيامة ولود أنه رد الى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب ، " فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَد" أى ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه ، " وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَد" أى وليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن كفروا بربهم عز وجل وهذا فى حق المجرمين من الخلائق والظالمين ، اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية فعن ابن عباس أنها نزلت فى عثمان بن عفان ، وعن بريدة بن الحصيب نزلت فى حمزة بن عبد المطلب " يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ " يخاطب الله عز وجل النفس الزكية المطمئنة وهى الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها  "ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ " أى ارجعى الى جوار ربك وثوابه وما أعد لعباده فى جنته "رَاضِيَة" أى فى نفسها  "مَّرۡضِيَّة" أى قد رضيت عن الله ورضى عنها وأرضاها ، "  فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي " فادخلى فى جملة عبادى  "وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي " وادخلى جنتى وهذا يقال لها عند الاحتضار وفى يوم القيامة كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره وعند بعثه يوم القيامة ودخوله الجنة ، وقال ابن عباس يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة "  يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ *  ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّة" أى أيتها الأرواح ارجعى الى صاحبك وهو بدنها الذى كانت تعمره فى الدنيا راضية مرضية  وهو غريب والظاهر الأول لقوله تعالى " ثم ردوا الى مولاهم الحق * وأنمردنا الى الله " أى الى حكمه والوقوف بين يديه وعهن ابن عباس فى قوله " يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ * ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّة" قال نزلت وأبو بكر جالس فقال يا رسول الله ما أحسن هذا فقبال " أما سيقال لك هذا " وعن أشعت بن جبير قال : قرأت عند النبى صلى الله عليه وسلم "  يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّة" فقال أبو بكر رضى الله عنه ان هذا لحسن فقال له النبى صلى الله عليه وسلم " أما ان الملك سيقول لك هذا عند الموت " وعن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل " قل اللهم انى أسالك نفسا بكمطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بطاعتك " .

تفسير سورة البلد

سورة البلد سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 20 آية ، والبلد هنا هو مكة المكرمة لعظم مكانتها عند الله أقسم بها كما أقسم فى سورة التين " والتين والزيتون * وطور سنين * وهذا البلد الأمين " ، وتتحدث عن عظمة الله فى خلق الانسان ، وتتحدث عن أصحاب الميمنة وهم أهل الجنة وأصحاب المشئمة وهم أهل النار بايجاز .

لآأُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ١ وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٢ وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ ٣ لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ ٤ أَيَحۡسَبُ أَن لَّن يَقۡدِرَ عَلَيۡهِ أَحَدٞ ٥ يَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالٗا لُّبَدًا ٦ أَيَحۡسَبُ أَن لَّمۡ يَرَهُۥٓ أَحَدٌ ٧ أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ ٨ وَلِسَانٗا وَشَفَتَيۡنِ ٩ وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ ١٠

" لآأُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ " هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة أم القرى فى حال كون الساكن فيها حالا لينبه على عظمة قدرها فى حال احرام أهلها ومعناه لا رد عليهم أقسم بهذا البلد ، " وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ " والخطاب بأنت للرسول صلى الله عليه وسلم أى يا محمد يحل لك أن تقاتل فيه كما قال سعيد بن جبير وغيره وقال مجاهد ما أصبت فيه فهو حلال لك وقال قتادة أنت به من غير حرج ولا اثم ونحن نعلم أن مكة بلد حرام حرم فيه القتال والصيد وحرم شجره وزرعه أن يقلع وهو البلد الحرام الذى يتوجه اليه الحجيج وبه بيت الله الحرام وقال الحسن البصرى أحلها الله له ساعة من نهار وهذا المعنى الذى قالوه قد ورد به الحديث المتفق على صحته " ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه ، وانما أحلت لى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ألا فليبلغ الشاهد الغائب " وفى لفظ آخر " فان أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم " ، " وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ " قال مجاهد وقتادة والحسن البصرى وكثيرون غيرهم يعنى بالوالد آدم وما ولد ولده وهذا الذى ذهب اليه مجاهد وأصحابه حسن قوى لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهى أم المساكن أقسم بعده بالمساكن وهو آدم أبو البشر وولده وقال أبو عمران الجونى هو ابراهيم وذريته واختار ابن جرير أنه عام فى كل والد وولده وهومحتمل أيضا ، " لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ" الكبد هو المشقة وطلب معيشة كما قال سعيد بن جبير وقال عكرمة فى شدة وطول وقال قتادة فى مشقة وقال الحسن يكابد أمرا من أمر الدنيا وأمرا من أمر الآخرة وفى رواية يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة واختار ابن جرير أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقها وقال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما يعنى منتصبا وزاد ابن عباس فى رواية عنه منتصبا فى بطن أمه والكبد الاستواء والاستقامة ،ومعنى هذا القول لقد خلقناه سويا مستقيما كقوله تعالى " يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ما شاء ركبك " وكقوله تعالى " لقد خلقنا الانسان فى أحسن تقويم " وفى قول آخر عن ابن عباس فى كبد قال فى شدة خلق ألم تر اليه وذكر مولده ونبات أسنانه وقال مجاهد " فى كبد " نطفة ثم علقة ثم مضغة يتكبد فى الخلق قال مجاهد وهوكقوله تعالى " حملته أمه كرها ووضعته كرها " وأرضعته كرها ومعيشته كره فهو يكابد ذلك ، " أَيَحۡسَبُ أَن لَّن يَقۡدِرَ عَلَيۡهِ أَحَد" قال قتادة ابن آدم يظن أن لن يسئل عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه ؟ وقال السدى قل الله عز وجل ( أى هو وحده الذى يقدر عليه ) وقال الحسن البصرى " أيحسب أن لن يقدر عليه أحد " يأخذ ماله ، " يَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالٗا لُّبَدًا " أى يقول ابن آدم أنفقت مالا لبدا أى كثيرا كما قال مجاهد وغيره والآية تبرز اغترار الانسان بما لديه من مال وكم يقولون المال هو أساس الشرور اذا كان للمباهاة وينفق فى غير الوجه الصحيح  ، " أَيَحۡسَبُ أَن لَّمۡ يَرَهُۥٓ أَحَدٌ " قال مجاهد وغيره من السلف أى يحسب أن لم يره الله عز وجل هذا زجر من الله وأمر منه أن يكون مراعيا لله فى كل حركاته وسكناته  ، " أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ * وَلِسَانٗا وَشَفَتَيۡنِ " يقول الله عز وجل ممتنا بنعمته على ابن آدم بما انعم عليه من عينين يبصر بهما ولسانا ينطق به فيعبر عما فى ضميره وشفتين يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام وجمالا لوجهه وهذه النعم لا يقدرها الا من حرم منها سواء أكان كفيف أو أخرس أو أصم من أبصر حوله يرى نعمة الله وفضله عليه وعن مكحول قال قال النبى صلى الله عليه وسلم  " يقول الله تعالى يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعما عظاما لا تحصى عددها ولا تطيق شكرها وان مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما وجعلت لهما غطاء فانظر بعينيك الى ما أحللت لك وان رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما وجعلت لك لسانا وجعلت له غلافا فانطق بما أمرتك وأحللت لك فان عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك ، وجعلت لك فرجا وجعلت لك سترا فأصب بفرجك ما أحللت لك فان عرض عليك ما حرمت فأرخ عليك سترك ، ابن آدم انك لا تحمل سخطى ولا تطيق انتقامى" ،  "  وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ " النجدين الطريقين وعن عبد الله بن مسعود قال الخير والشر ونظير هذه الآية قوله تعالى " انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا " .

فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ ١١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ ١٢ فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣ أَوۡ إِطۡعَٰمٞ فِي يَوۡمٖ ذِي مَسۡغَبَةٖ ١٤ يَتِيمٗا ذَا مَقۡرَبَةٍ ١٥ أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ ١٦ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ ١٧ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ ١٨ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ ١٩ عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ ٢٠

" فَلَا ٱقۡتَحَمَ " عن ابن عمر قال أى دخل ،"  ٱلۡعَقَبَةَ " قال جبل فى جهنم أزل وقال كعب الأحبار هو سبعون درجة فى جهنم وقال الحسن البصرى عقبة فى جهنم وقال قتادة انها عقبة فحمة شديدة فاقتحموها بطاعة الله تعالى ولتعظيم أمرها قال تعالى مفسرا لها " وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ " أى ما أعلمك بشأن هذه العقبة وكيف تجتازها ثم أخبر تعالى عن اقتحامها فقال " فَكُّ رَقَبَةٍ " فك الرقبة هو العتق من العبودية والرق الذى كان منتشرا متفشيا فى هذا الوقت أو من الأسر اذا وقع أحد فى يد العدو ، " أَوۡ إِطۡعَٰمٞ فِي يَوۡمٖ ذِي مَسۡغَبَة*  يَتِيمٗا ذَا مَقۡرَبَةٍ *  أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَة" ذى مسغبة قال ابن عباس ذى مجاعة والسغب هو الجوع وقال ابراهيم النخعى فى يوم الطعام فيه عزيز وقال قتادة فى يوم يشتهى فيه الطعام أى تقديم الطعام فى يوم فيه مجاعة والناس لا تجد الطعام أو تجده بمشقة وصعوبة لدرجة العجز لعدم وجود الطعام أو لغلاء أسعاره يقدم الى اليتيم القريب أى ذا القرابة سواء أكانت القرابة هى صلة الدم لأن الأقربون هم لهم الأولوية حتى فى الزكاة أو قرب مكانى للجوار وصلة الدم أولى واليتيم هومن فقد والده ولا يجد من يعوله أو يقدم الطعام لمسكين وهو من لا يجد قوت يومه وذا متربة أى فقيرا مدقعا لاصقا بالتراب وهو الدقعاء وقال ابن عباس ذا متربة هو المطروح فى الطريق الذى لا بيت له ولا شىء يقيه من التراب وفى رواية هو الذى لصق بالدقعاء من الفقر والحاجة ليس له شىء وقال عكرمة هو الفقير المديون المحتاج وقال سعيد بن جبير هو الذى لا أحد له وقال ابن عباس وغيره هو ذو العيال وكل هذه قريبة المعنى ، " ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ " أى ثم هومع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة مؤمن بقلبه محتسب ثواب ذلك عند الله عز وجل كما قال تعالى" ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " وقال تعالى " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهومؤمن "  ،" وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ " أى كان من المؤمنين العاملين صالحا المتواصين بالصبر على أذى الناس وعلى الرحمة بهم كما جاء فى الحديث الشريف " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء " وفى الحديث الآخر " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " ، " أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ " أى المتصفون بهذه الصفات من أصحاب اليمين وهم أهل الجنة ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ " ويقول عز وجل ان الذين كفروا بما جاء به الرسل من آيات الله هم أصحاب المشأمة أى الشمال وهم أهل النار ،" عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ " النار عليهم مطبقة فلا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها وقال أبو هريرة وغيره " مؤصدة " أى مطبقة وقال ابن عباس مغلقة الأبواب وقال مجاهد أصد الباب بلغة قريش أى أغلقه وقال الضحاك " مؤصدة " حيط لا باب له وقال قتادة مطبقة لا ضوء فيها ولا فرج ولا خروج منها آخر الأبد .

تفسير سورة الشمس

سورة الشمس سورة مكية ، وهى من قصار السور ، عدد آياتها 15 آية , تتحدث السورة عن قدرة الله فى الخلق وأنه الواحد القادر الجدير بالالوهية الواحد الأحد الذى لا رب سواه ، وتتحدث عن النفس البشرية ، وأن الانسان مخير لفعل الخير ولفعل الشر  ، وتتحدث عن ما وقع بثمود من هلاك ودمار ليكونوا عبرة لمن تجبر وخالف أوامر الله .

وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا ١ وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ٢ وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ٣ وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا ٤ وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ٥ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا ٦ وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ١٠

"وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا " أقسم الله بالشمس ونهارها لأن ضوء الشمس الظاهرة النهار قال مجاهد وضحاها أى وضوئها وقال قتادة النهار كله ، " وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا " قال قتادة اذا تلاها اذا تبعها قال ابن عباس يتلو النهار ،" وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا " قال مجاهد أضاء وقال قتادة اذا غشيها النهار وقال ابن جرير : وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى والنهار اذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها ( قلت ) ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى " والنهار اذا جلاها " أى البسيطة وهى الأرض لكان أولى ولصح تأويله فى قوله تعالى " والليل اذا يغشاها " فكان أجود وأقوى ولهذا قال مجاهد " والنهار اذاجلاها " أنه كقوله تعالى " والنهار اذا تجلى " وأما ابنجرير فاختار عود الضمير فى ذلك كله على الشمس لجريان ذكرها وقالوا فى قوله تعالى " وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا "  يعنى اذا يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق  ، "  وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا " يحتمل أن تكون ما هنا مصدرية بمعنى والسماء وبنائها وهو قول قتادة ويحتمل أن تكون بمعنى والسماء وبانيها وهو قول مجاهد وكلاهما متلازم والبناء هو الرفع كقوله تعالى " والسماء بنيناها بأيد (أى بقوة ) وانا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون " ، " وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا " قال مجاهد طحاها دحاها وقال الجوهرى طحوته مثل دحوته أى بسطته وقال ابن عباس أى خلق فيها وفى قول آخر قسمها وقال مجاهد وغيره " طحاها " بسطها وهذه أشهر الأقوال وهو المعروف عند أهل اللغة والمعنى جعلها مبسوطة ميسرة مهيأة للمعيشة ، " وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا " النفس هى النفس البشرية وسواها أى خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء " وعن عياض بن حماد المجاشعى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله عز وجل انى خلقت عبادى حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " ،" فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا " أى فأرشدها الى فجورها وتقواها أى بين ذلك لها وهداها الى ما قدر لها  وقال ابن عباس بين لها الخير والشر وقال ابن زيد جعل فيها فجورها وتقواها وعن عمران بن حصين أن رجلا من مزينة أو جهينة أتى رسول الله صلةى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرايت ما يعمل الناس فيهويتكادحون أشىء قضى عليهم ومضى هعليهم من قدر قد سبق أم شىء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال " بل شىء قد قضى عليهم " قال ففيم نعمل ؟ قال " من كان الله خلقه لأحد المنزلتين يهيئه لها وتصديق ذلك فى كتاب الله تعالى " وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا " ،" قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا " يحتمل أن يكون المعنى قد أفلحمن زكى نفسه أى بطاعة الله كما قال قتادة وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل وكقوله تعالى " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى " وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى قوله عز وجل " قد افلح منزكاها " قال النبى صلى الله عليه وسلم " أفلحت نفس زكاها الله عز وجل "  ،" وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا " أى دسسها أى أخملها ووضع منها بخذلانه اياها عن الهدى حتى ركب المعاصى وترك طاعة الله عزوجل وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه وقد خاب من دسى الله نفسه كما قال ابن عباس  وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مر بهذه الآية " وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا " وقف ثم قال " اللهم آت نفسى تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها  وعن زيد بن أرقم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم انى أعوذ بك من العجز والكسل ، والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر ، اللهم آت نفسى تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم انى أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها " قال زيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكموهن " .

 كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ ١١ إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشۡقَىٰهَا ١٢ فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا ١٣ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا ١٤ وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا ١٥

" كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ " يخبر الله تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغى وقال مجاهد وقتادة وغيرهما فأعقبهم ذلك تكذيبا فى قلوبهم بما جاءهم به رسولهم عليه السلام من الهدى واليقين " إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشۡقَىٰهَا " أى أشقى القبيلة الذى عقر الناقة وهو قدار بن سالف وهو أحيمر ثمود وهو الذى قال الله فيه " فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر " وكان هذا الرجل عزيزا فيهم شريفا فى قومه نسيبا رئيسا مطاعا وعن عبد الله بن زمعة قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذى عقرها فقال " اذ انبعث أشقاها انبعث لها رجل عارم عزيز منيع فى رهطه مثل أبى زمعة " وعن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى " ألا أحدثك بأشقى الناس ؟ " قال بلى قال"رجلان  أحيمر ثمود الذى عقر الناقة والذى يضربك يا على على هذا - يعنى قرنه - حتى تبتل منه هذه (والرسول صلى الله عليه وسلم  يعنى الذى قتل على رضى الله عنه وهذه نبوءة منه  ) ، " فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا " رسول الله هو صالح عليه السلام قال لقومه احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء ولا تعتدوا عليها فى سقياها فان لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم ، " فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا " أى كذبوا صالح عليه السلام فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التى أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم ، " فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ " أى غضب عليهم ربهم فدمر عليهم بما فعلوه من ذنب وهو عقر الناقة ، " فَسَوَّىٰهَا " أى فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء قال قتادة بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم فلما اشترك القوم فى عقرها دمدم الله أى غضب عليهم فسواها أى فأصابهم الدمار كل على حد سواء أو سواها من التسوية أى دمرها تماما وسواها بالأرض ،" وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا " قال ابن عباس لا يخاف الله من أحد تبعه وقال الضحاك والسدى ولا يخاف عقابها أى لم يخف الذى عقرها عاقبة ما صنع والقول الأول أولى لدلالة السياق عليه .

تفسير سورة الليل

سورة الليل سورة مكية ، وهى من قصار السور ، عدد آياتها 21 آية ، تتحدث كذلك على آيات الله عز وجل الدالة على قدرته فى الكون وهى تعاقب الليل والنهار وخلق الذكر والأنثى ، وتتحدث السورة عن من عمل صالحا ومصيره فى الآخرة وكذلك من عمل سيئا ومصيره فى النار .

وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ ١ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ٢ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ ٣ إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ ٤ فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ٥ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٦ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ ٧ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ٨ وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٩ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ ١٠ وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ ١١

" وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ " يقسم الله تعالى بالليل اذا غشى الخليقة بظلامه ، " وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ " والنهار اذا تجلى أى ظهر بضيائه واشراقه ، " وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ " يقسم الله على ما خلقه من الذكر والأنثى كقوله تعالى " وخلقناكم أزواجا " وكقوله " ومن كل شىء خلقنا زوجين " ولما كان القسم بهذه الشياء المتضادة والتى تثبت قدرة الله فى وجود الشىء ونقيضه كان المقسم عليه أيضا متضادا ولهذا قال تعالى "إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ " أآ أعمال العباد التى اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة فمن فاعل خيرا ومن فاعل شرا وبين الله تعالى ذلك بقوله " فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ " أى من أعطى ما أمر به الله من اخراجه واتقاه فى أموره ، " وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ " أى الجزاء الحسن فى الدار الآخرة على ذلك وقال خصيف بالثواب وقال عبد الرحمن السلمى والضحاك أى بلا اله الا الله وعن عكرمة بما أنعم الله عليه وعنزيد بن أسلم قال الصلاة والزكاة والصوم وقال مرة صدقة الفطر وعن أبى بن كعب قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسشلم عن الحسنى قال " الحسنى الجنة " ، " فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ " قال ابن عباس للخير وقال زيد بن أسلم يعنى الجنة وقال بعض السلف من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ،ومن جزاء السيئة السيئة بعدها ولهذا قال تعالى "  وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ " من بخل بما عنده وقال ابن عباس أى بخل بماله واستغنى عن ربه عز وجل وعن ابن حاتم " وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ " أى بالجزاء فى الدار الآخرة ، " فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ " أى لطريق الشر كما قال تعالى " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون " والآيات فى هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يجازى من قصد الخير بالتوفيق له ومن قصد الشر بالخذلان وكل ذلك بقدر مقدر والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بقيع الغرقد فى جنازة فقال " ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل ؟ فقال " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " ثم قرأ " فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ * وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ " وعن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من يوم غربت فيه شمسه الا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعه خلق الله كلهم الا الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا " وأنزل الله فى هذا القرآن " فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ * وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ " قال ابن جرير أن هذه الآية نزلت فى أبى بكر الصديق رضى الله عنه وعنعامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يعتق على الاسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء اذا أسلمن فقال له أبوه أى بنى أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك تعتق رجالا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أى أبت انما أريد - أظنه قال - ما عند الله فحدثنى بعض أهل بيتى أن هذه الآية نزلت فيه " فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ " ، " وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ" التردى هو الموت ومنها الردى قال مجاهد أى اذا مات وقال زيد بن أسلم اذا تردى فى النار أى لأنما يملكه من مال لن يغنى عنه شيئا سواء بعد موته فقد انقطع عمله دون حسنات  ويحاسب على ماله وما فعل به وسواء فى الآخرة اذا تردى فى النار فلن يدفع عنه ماله العذاب .

إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ ١٢ وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ ١٣ فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ ١٤ لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى ١٥ ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ١٦ وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى ١٧ ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ ١٨ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ ١٩ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٢٠ وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ ٢١

" إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ " قال قتادة أى نبين الحلال والحرام وقال غيره : من سلك طريق الهدى وصل الى الله وجعله كقوله تعالى " وعلى الله قصد السبيل " ،" وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ " يخبر الله عز وجل أن الجميع الآخرة وبدأ بها لأنها الباقية وهى الأولى وكذلك الأولى وهى الحياة الدنيا له وهو المتصرف فيهما ، "فَأَنذَرۡتُكُم ۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ " تلظى أى توهج كما قال مجاهد فالله عز وجل يحذ من النار وجحيمها وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع فى أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه " رواه البخارى وفى رواية أخرى عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وانه لأهونهم عذابا" ، " لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى" أى لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه الا الأشقى ثم فسره بقوله " ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ"  الذى كذب بقلبه وتولى عن العمل بجوارحه وأركانه وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل النار الا شقى " قيل ومن الشقى قال " الذى لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية " وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل أمتى تدخل الجنة يوم القيامة الا من أبى " قالوا من يأبى يا رسول الله ؟ قال " من أطاعنى دخل الجنة ، ومن عصانى فقد أبى " ، " وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى " أى وسيزحزح عن النار التقى النقى ثم فسره بقوله " ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ " أى الذى يصرف ماله فى طاعة ربه ليزكى نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ،" ، " وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ * إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ "الذى ليس بذله ماله فى مكافأة من أسدى اليه معروفا فهو يعطى فى مقابلة ذلك واما دفعه ذلك طمعا فى أن يحصل له رؤية ربه عز وجل فى الدار الآخرة فى روضات الجنات ، " وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ " ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات أى ينال رضى ربه عنه ، وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الايات نزلت فى أبى بكر الصديق رضى الله عنه حتى أن بعضهم حكى الاجماع من المفسرين على ذلك ولا شك أنه دخل فيها وأولى الأمة بعمومها فان لفظها لفظ العموم ولكنه مقدم الأمة وسابقهم فى جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة فانه كان صديقا تقيا كريما جوادا بذالا لأمواله فى طاعة الله ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أنفق زوجين فى سبيل الله دعته خزانة الجنة يا عبد الله هذا خير " فقال أبو بكر يا رسول الله ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال نعم وأرجو أن تكون منهم " .

تفسير سورة الضحى

سورة الضحى سورة مكية ، وهى من قصار السور ، وعدد آياتها 11 آية ، وعن هشام بن عروة عن أبيه قال أبطأ جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة انى أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك قال فنزلت " وَٱلضُّحَىٰ * وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ " الى آخرها ، وعن ابن عباس قال لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فتغير بذلك فقاتل المشركون ودعه ربه وقلاه فأنزل الله " مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ " ، وقد ذكر بعض السلف منهم ابن اسحاق أن هذه السورة هى التى أوحاها جبريل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبدى له فى صورته التى خلقه الله عليها ودنا اليه وتدلى منهبطا عليه وهو بالأبطح " فأوحى الى عبده ما أوحى " قال قال له " وَٱلضُّحَىٰ * وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ " هذه السورة فيها تطمين للرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل لحبه ورعايته له وفضله عليه .

وَٱلضُّحَىٰ ١ وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ٣ وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ ٤ وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ ٥ أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَ‍َٔاوَىٰ ٦ وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ ٧ وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ ٨ فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ ٩ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ ١٠ وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ ١١

" وَٱلضُّحَىٰ " هذا قسم من الله عز وجل بالضحى وما جعل فيه من الضياء ونحن نؤدى صلاة الضحى ، والضحى هو الفترة مابين طلوع الشمس حتى الظهر والله سبحانه أقسم بفترات اليوم فى سور أخرى مثل "والعصر " و " الليل " و " الفجر " ولله أن يقسم بما شاء فالزمن وما فيه وتقلبه من قدرة الله ، "وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ " سجى سكن فأظلم وادلهم بعد أن أقسم الله بالضحى وهو فترة من فترات النهار وما فيها من حركة ونشاط أقسم بالليل وسكونه وحلوله والليل عكس الضحى بما فيه من ظلمة وهذا التضاد يبرز قدرة الله عز وجل فى تبديل الأحوال وقال مجاهد وغيره وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا وهذا كما قال تعالى " والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى " وقال " فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم " ، " مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ " يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه ما تركك وما أبغضك لأن القلى هو الكره أو البغض  كما زعم من قال ذلك لمجرد تأخر الوحى ، "وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ " ويبشر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بما ينتظره فى الآخرة من حسن العاقبة والجزاء فيقول له وللدار الأخرة خير لك من هذه الدار الدنيا فالدار الآخرة هى دار البقاء ودار خلود ونعيم دائم والدار الدنيا دار اختبار وفناء ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس فى الدنيا وأعظمهم لها طرحا كما هومعلوم بالضرورة من سيرته ، ولما خير صلى الله عليه وسلم فى آخر عمره بين الخلد فى الدنيا الى آخرها ثم الجنة وبين الصيرورة الى الله عز وجل اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنيئة واسمها من الدنو وعن عبد الله بن مسعود قال : اضطجع رسول الله صلبى الله عليه وسلم على حصير فأثر فى جنبه فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مالى وللدنيا انما مثلى ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها "  ، " وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ " أى فى الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه فى أمته وفيما أعده له من الكرامة ومن جملته نهر الكوثر الذى حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينه مسك أزفر كما سيأتى وعن ابن عباس قال من رضاء محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار رواه ابن جرير وغيره وقال الحسن يعنى بذلك الشفاعة وعن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك فترضى " ، ثم قال تعالى يعدد نعمه على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال " أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَ‍َٔاوَىٰ " الله عز وجل آوى رسوله صلى الله عليه وسلم أى جعله فى كنفه ورعايته بعد أن تركه أبوه وتوفى عنه وهو لم يولد بعد فقد توفى أباه وهوحمل فى بطن أمه وقيل بعد أن ولد عليه الصلاة والسلام ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين ، ثم كان فى كفالة جده عبد المطلب الى أن توفى وله من العمر ثمان سنين فكفله عمه أبوطالب ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره بالرسالة ، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره الى أن توفى أبو طالب قبل الهجرة بقليل فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم الى بلد الأنصار من الأوس والخزرج كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل فلما وصل اليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه رضى الله عنهم أجمعين وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به ، " وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ " أى أن الله هداك وأخرجك من الضلالة التى كان عليها قومك فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعبد فى غار حراء قبل الرسالة ولم يعبد أو يسجد لصنم وهذا من هداية الله له وأرسله الله بدينه فهدى به البشرية كقوله تعالى " وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا " ومنهم من قال ان المراد بهذا أن النبى صلى الله عليه وسلم ضل فى شعاب مكة وهو صغير ثم رجع وقيل أنه ضل وهو مع عمه فى طريق الشام وكان راكبا ناقة فى الليل فجاء ابليس فعدل بها عن الطريق فجاء جبريل فنفخ ابليس نفخة ذهب منها الى الحبشة ثم عدل بالراحلة الى الطريق حكاهما البغوى ، " وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ "أى كنت فقيرا ذا عيال فأغناك الله عمن سواه فجمع له بين مقامى الفقير الصابر والغنى الشاكر صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة " أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَ‍َٔاوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ" كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل وفى الحصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس " وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " ، " فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ " أى كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم أى لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن اليه وتلطف به وقال قتادة كن لليتيم كالأب الرحيم وهناك كثير من الأحاديث التى توصى بالاحسان الى اليتيم منها " أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين وأشار باصبعيه السبابة والوسطى " ،" وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ " أى فلا تكن جبارا ولا متكبرا ولا فحاشا ولا فظا على الضعفاء من عباد الله وقال قتادة يعنى رد المسكين برحمة ولين ، " وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ " أى وكما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله فحدث بنعمة الله عليك كما جاء فى الدعاء المأثور النبوى " واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها علينا " وعن الحسن بن على قال ما عملت من خير فحدث اخوانك  وعن أبى نضرة قال كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يشكر الله من لا يشكر الناس " وقال محمد بن اسحاق ما جاءك من الله من نعمة وكرامة من النبوة فحدث فيها واذكرها وادع اليها قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوة سرا الى من يطمئن اليه من أهله وافترضت عليه الصلاة فصلى .

تفسير سورة الشرح

سورة الشرح سورة مكية ، وهى من قصار السور ، عدد آياتها 8 آيات ، وتتحدث عن شرح الصدر للرسول صلى الله عليه وسلم ، والشرح وقع للرسول صلى الله عليه وسلم مرتان واحدة قبل البعثة فعن أبى ابن كعب أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يساله عنها غيره فقال يارسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال " لقد سألت يا أباهريرة ، انى فى الصحراء ابن عشر سنين وأشهر واذا بكلام فوق رأسى واذا رجل يقول لرجل أهو هو ؟ فاستقبلانى بوجوه لم أرها قط وأرواح لم أجدها من خلق قط وثياب لم أرها على أحد قط فأقبلا الى يمشيان حتى أخد كلواحد منهما بعضدى لا أجد لأحدهما مسا فقال أحدهما لصاحبه أضجعه فأضجعانى بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما لصاحبه أفلق صدره فهوى أحدهما الى صدرى ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها فقال له أدخل الرأفة والرحمة فاذ مثل الذى أخرج شبه الفضة ثم هز ابهام رجلى اليمنى فقال أعد واسلم فرجعت بها أعدو رقة على الصغير ، ورحمة للكبير " ، وقيل المراد بقوله " ألم نشرح لك صدرك " شرح صدره ليلة الاسراء كما رواه مالك بن صعصعة وورد فى كتب السيرة .

أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ ١ وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ ٢ ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ ٣ وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ ٤ فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا ٥ إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا ٦ فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ ٧ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب ٨

" أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ " يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم انا شرحنا لك صدرك أى نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا كقوله " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام " وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سهلا لا حرج فيه ولا اصر ولا ضيق وقيل المراد شرح صدره ليلة الاسراء وهذا وان كان واقعا ليلة الاسراء لا منافاة من جملة شرح صدره ليلة الاسراء وما نشأ عنه من شرح معنوى والشرح الذى كان مع ما بعثه الله به من الاسلام والهداية فالشرح كله من فضل الله على رسوله سواء بجعله منشرح الصدر بهديه ودينه وشرح الصدر وما نتج عنه من الشرح المعنوى ،" وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ *ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ "  الوزر هو الحمل الثقيل أنقض ظهرك أى أثقلك حمله  والوزر بمعنى الذنب جمع أوزار وهو غفران الذنوب له صلى الله عليه وسلم فقد حط الله عنه ذنوبه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما قال تعالى " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "  ، " وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ "يتحدث الله عزوجل على ما أنعم به على رسوله صلى الله عليه وسلم من رفع الذكر له قال مجاهد لا أذكر الا ذكرت معى أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وقال قتادة رفع الله ذكره فى الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولاصاحب صلاة الا ينادى بها أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وعن أبى سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أتانى جبريل فقال ان ربى وربك يقول كيف رفعت ذكرك ؟ قال الله أعلم قال اذا ذكرت ذكرت معى " وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"سألت ربى مسالة وددت أنى لم أساله قلت قد كان قبلى أنبياء منهم من سخرت له الريح ومنهم من يحيى الموتى قال يا محمد ألم أجدك يتينا فآويتك ؟ قلت بلى يارب قال ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت بلى يا رب قال الم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت بلى يارب قال ألم اشرح لك صدرك ؟ ألم أرفع لك ذكرك ؟ قلت بلى يا رب ؟ " وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما فرغت مما أمرنى به من أمر السموات والأرض قلت يا رب انه لم يكن نبى قبلى الا وقد كرمته جعلت ابراهيم خليلا وموسى كليما وسخرت لداود الجبال ولسليمان الريح والشياطين وأحييت لعيسى الموتى فما جعلت لى ؟ قال أو ليس قد أعطيتك كنزا من كنوز عرشى لاحول ولا قوة الا بالله العلى العظيم " وحكى البغوى عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان يعنى ذكره فيه ، وقال آخرون رفع الله ذكره فى الأولين والآخرين ونوه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به وأن يأمروا أممهم بالايمان به ثم شهر ذكره فى أمته فلا يذكر الله الا ذكر معه . " فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا * إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا " أخبر الله تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ثم أكد هذا الخبر بتكرار الاية وعن الحسن قال خرج النبى صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا وهو يضحك وهو يقول " لن يغلب عسر يسرين ، لن يغلب عسر يسرين ، فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا " وقال سعيد عن قتادة ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال " لن يغلب عسر يسرين " ومعنى هذا أن العسر معرف فى الحالين فهومفرد واليسر منكرا فتعدد ولهذا قال " لن يغلب عسر يسرين " يعنى قوله " فان مع العسر بسرا * ان مع العسر يسرا" فالعسر الأول عين الثانى واليسر تعدد وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نزل المعونة من السماء على قدر المؤنة ، ونزل الصبر على قدر المصيبة " ،"  فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ " أى اذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب الى العبادة وقم اليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق علي صحته " لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان " وقوله صلى الله عليه وسلم " اذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء " وقال مجاهد فى هذه الآية اذا فرغت من أمر الدنيا فقمت الى الصلاة فانصب لربك وفى رواية عنه اذا قمت الى الصلاة فانصب فى حاجتك وعن ابن مسعود اذا فرغت من الفرائض فانصب فى قيام الليل وعن ابن عباس فاذا فرغت فانصب يعنى فى الدعاء وقال الضحاك " فاذا فرغت " أى من الجهاد " فانصب " أى فى العبادة ، " وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب " قال الثورى اجعل نيتك ورغبتك الى الله عز وجل .  

تفسير سورة التين

سورة التين سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 8 آيات ، وعن البراء بن عازب كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى سفره فى احدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه " أخرجه الجماعة فى كتبهم  ، وقيل أن ما ورد فى السورة هو أسماء أماكن أقسم الله عليها لمكانتها " وطور سنين" هوجبل الطور فى سيناء الذى كلم الله موسى عليه السلام عنده ، " وهذا البلد الأمين " هو مكة " واختلف فى "التين " و " الزيتون " هل هى أماكن أم التين هو فاكهة التين والزيتون هو الزيتون كما ذكر الله من قبل من " ريحان " " وزنجبيل " و"ريحان " و"فاكهة "و  " رمان " وغير ذلك مما هو فى الدنيا ويكون فى الجنة فى الآخرة مع الفارق " وأوتوا به متشابها " وقال بعض الأئمة هذه محال ثلاثة بعث الله فى كل واحد منها نبيا مرسلا من أولى العزم أصحاب الشرائع الكبار ( فالأول ) محلة التين والزيتون وهى بيت المقدس التى بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام ( والثانى ) طور سينين وهوطور سيناء الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام ( والثالث ) مكة وهو البلد الأمين الذى من دخله كان آمنا وهو الذى أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأقسم الله بالأشرف ثم الأشرف ثم الأشرف منهما وهذه الأماكن تخص أديان الله السماوية النصرانية واليهودية والاسلام فكأن دين الله واحد على مر العصور.    

وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ ١ وَطُورِ سِينِينَ ٢ وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ ٣ لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ ٤ ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ ٥ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ ٦ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ ٧ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ ٨

" وَٱلتِّينِ " اختلف المفسرون هنا على أقوال كثيرة فقيل المراد بالتين الجبل الذى عند دمشق وعن ابن عباس أنهمسجد نوح الذى على الجودى وقال القرطبى هو مسجد أصحاب الكهف وقال مجاهد هو تينكم هذا أى فاكهة  التين ، " وَٱلزَّيۡتُونِ " جبل الزيتون موجود ببيت المقدس وقال كعب الأحبار وغيره هومسجد بيت المقدس وقال مجاهد وعكرمة هو هذا الزيتون الذى تعصرون كما فى سورة " النور " --يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار " ، " وَطُورِ سِينِينَ " قال كعب الأحبار وغير واحد هو الجبل الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام والمعروف طور سيناء ، "وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ " يعنى مكة ، " لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيم" هذا هو المقسم عليه وهو أنه تعالى خلق الانسان فى أحسن صورة وشكل منتصب القامة سوى الأعضاء حسنها ، " ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ " قال مجاهد وغيره ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيرهم الى النار ان لم يطع الله عز وجل ويتبع النبيين ولهذا قال " إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ " وقال بعضهم " ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ "أى الى أرذل العمر وروى هذا عن ابن عباس وعكرمة حتى قال عكرمة من جميع القرآن لم يرد أرذل العمر واختار ذلك ابن جرير ولو كان هذا هو المراد اما حسن استثناءئ المؤمنين من ذلك لأن الهرم قد يصيب بعضهم وانما المرا ما ذكر أولا كقوله تعالى " والعصر ان الا نسان لفى خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، " فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُون " غير ممنون غير مقطوع كما تقدم أى أجرهم عند الله فى الدنيا بمضاعفة الأجر على الحسنات وفى الجنة أعظم الأجر والجزاء فهم فى الجنة خالدين مخلدين  ، "  فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ " الدين هنا هو يوم الدين وهو يوم القيامة فيكون المعنى يا ابن آدم ما الذى يجعلك تكذب بالجزاء فى المعاد ولقد علمت الباءة وعرفت أن من قدر على البداءة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى فأى شىء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا ؟ ،" أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ " يقول الله عز وجل أليس وهذا ليس من باب السؤال ولكن من باب التحقق والتأكيد لتكون الاجابة بلى فهو أحكم الحاكمين الذى لا يجور ولا يظلم أحدا ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم فى الدنيا ممن ظلمه ، وقد تقدم فى الحديث عن أبى هريرة مرفوعا " فاذا قرأ أحدكم والتين والزيتون فأتى الى آخرها " اليس الله بأحكم الحاكمين " فليقل وأنا على ذلك من الشاهدين ".

تفسير سورةالعلق

سورة العلق سورة مكية ، وهى أول شىء نزل من القرآن ، وعدد آياتها 19 آية ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت : أول ما بدىء بهرسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يأتى حراء فيتحنث قيه - وهو التعبد - الليالى ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فتزوده لمثلها حتى فجأه الوحى وهو فى غار حراء  فجاءه الملكفقال اقرأ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقلت ما أنا بقارىء - قال - فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ باسم ربك الذى خلق - حتى بلغ - ما لم يعلم " قال فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال " زملونى زملونى " فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة " مالى ؟ " وأخبرها الخبر وقال " خشيت على نفسى " فقالت له : كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا انك لنصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى وهو ابن عم خديجة أخى أبيها وكان امرأ قد تنصر فى الجاهلية وكان يكتب العربى وكتب بالعبرانية من الانجيل ما شاء الله له أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت خديجة أى ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال ورقة ابن أخى ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى فقال ورقة هذا الناموس الذى أنزل على موسى ليتنى فيها جذعا ليتنى أكون حيا حين يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو مخرجى هم ؟ فقال ورقة نعم لم يأت رجل قط بما جئت به الا عودى وان أدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا " ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا .

ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ٥

" ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ " هذا أمر من جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم بالقراءة وهذا يدل على مدى حرص الاسلام بالتعليم والتعلم فالعلم مفتاحه القراءة ونحننعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أميا لم يكن يعرف القراءة وهذا الأمر بالقراءة الذى جاء به الملك من الله عز وجل الخالق وعقب بذلك بقوله والكلام متصل " خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ " الله الذى خلق الانسان من علق جمع علقة وهى مرحلة من نمو الجنين ، " ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ " تكرر الأمر بالقراءة وأنها باذن الله ومن الله الأكرم وهى صفة تفضيل فلا أكرم من الله عز وجل ، " ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ " القلم هو وسيلة التعليم وهو الذى سجل العلوم البشرية والمقصود هنا هوكتابة العلم وتسجيله فالقلم هووسيلة تسجيل العلم وان اختلف شكله فيصبح عندنا القراءة والكتابة والعلم يكون بالقراءة والكتابة ، " عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَم " ومنكرم الله تعالى أن علم الانسان ما لم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذى امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة ،والعلم تارة يكون فى الاذهان وتارة يكون فى اللسان وتارة يكون فى الكتابة بالبنان ذهنى ولفظى ورسمى وفى الأثر قيدوا العلم بالكتابة ،وفيه أيضا من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم .

 كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰٓ ٨ أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يَنۡهَىٰ ٩ عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰٓ ١١ أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلۡيَدۡعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩ ١٩

"كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ * أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰ " ٓيخبر تعالى عن الانسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان اذا رأى نفسه قد استغنى وكثرماله ثم تهدده الله وتوعده ووعظه فقال " إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰٓ " أى الى الله المصير والمرجع وسيحاسبكعلى مالك من أين جمعته وفيم صرفته وقال عبد الله : منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى فى الطغيان ثم قرأ الآية ، وقد روى هذا مرفوعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم " منهومان لا يشبعان طالب علم وكالب دنيا " ، " أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يَنۡهَىٰ * عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰٓ "  نزلت هذه الآيات فى أبى جهل حين توعد النبى صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فعن ابن عباس قال قال أبوجهل لئن رأيت محمدا يصلى عند الكعبة لأطأن على عنقه فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم فقال " لئن فعل لأخذته الملائكة "    فوعظه تعالى بالتى هى أحسن فقال "أَرَءَيۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰٓ " أى فما ظنك انكان هذا الذى تنهاه على الطريق المستقيمة فى فعله " أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰٓ" أو أمر بالتقوى وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ، " أَرَءَيۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ " يقول الله عزوجل متوعدا له هذا الذى كفروكذب عن دين ربه وتولى عنه "أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ " أى أما علم هذا الناهى لهذا المهتدى أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله أتم الجزاء وعقب عز وجل مهددا ومتوعدا " كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ " يستخدم الله "كلا " أى لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد فانا يوم القيامة لنسمن ناصيته بالسواد وخص الله تعالى الناصية وهى مقدمة الرأس أو الجبهة  لما فيها من الجزء الخاص بالادراك والفهم من المخ ، " نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَة" ويعلق الله تعالى بوصفه على هذه الناصية ناصية أبى جهل بأنها كاذبة فى مقالها خاطئة فى أفعالها ، وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام فقال يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره فقال يا محمد بأى شىء تهددنى ؟ أما والله انى لأكثر هذا الوادى ناديا فانزل الله " فليع ناديه * سندع الزبانية " وقال ابن عباس لودعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته " فَلۡيَدۡعُ نَادِيَهُۥ * سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ"ويتوعد الله أبى جهل الذى كان يفتخر بأنه سيد فى قومه بانه يوم القيامة لن يكون له من الله منقذ ولا مجير ويتحداه الله ويتوعده أن يأتى بقومه وعشيرته ويدعهم ليستنصر بهم وفى المقابل فى عدم هذه الاستطاعة سيدعى اليه من الله الزبانية زبانية جهنم وهمملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أمحزبه ؟ وعن عكرمة عن ابن عباس قال قال أبوجهل لئن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه  قال فقال " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ،ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا " وعن أبى هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا نعم فقال والات والعزى لئن رأيته يصلى كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فى التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ليطأ على رقبته قال فما فجأهم الا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه قال فقيل له ما لك ؟ فقال : ان بينى وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة قال فقثال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " ،  " كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرب " يعقب الله تعالى قائلا لرسوله صلى الله عليه وسلم يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها وصل حيث شئت ولا تباله فان الله حافظكوناصرك وهو يعصمك من الناس .

تفسير سورة القدر

سورة القدر سورة مكية ،وهىمن قصار السور ، عدد آياتها 5 آيات ، وهى تتحدث عن ليلة القدر وقيمتها عند الله وهى اللليلة المباركة التى أنزل فيها القرآن التى قال عنها الله عز وجل " انا أنزلناه فى ليلة مباركة" وهى من شهر رمضان كما قال تعالى " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " قال ابن عباس وغيره أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ الى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع فى ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال لماحضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قدجاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين ،  فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها ألف شهر ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى ليلة القدر " ليلة سمحة لا حارة ولا باردة وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء " وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " انى رأيت ليلة القدر فأنسيتها وهى فى العشر الأواخر من لياليها طلقة بلجة لا حارة ولا باردة كأن فيها قمرا لا يخرج شيطانها حتى يضىء فجرها " ويحتج الامام الشافعى أنها لا تنتقل وأنها معينة من الشهر بما رواه البخارى فى صحيحه عن عبادة بن الصامت قال :خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال : خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة " وجه الدلالة منه أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين لما حصل لهم العلم بعينها فى كل سنة اذ لو كانت تنتقل لما علموا تعيينها الا ذلك العام فقط اللهم الا أن يقال انه خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط وقوله " فتلاحى فلان وفلان فرفعت " فيه استئناس لما يقال ان الممارة تقطع الفائدة والعلم النافع كما جاء فى الحديث " ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " وقوله " فرفعت " أى رفع علم تعيينها لكم لا انها رفعت بالكلية من الوجود كما يقوله جهلة الشيعة لأنه قد قال بعد هذا " فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة " وقوله " وعسى أن يكون خيرا لكم " يعنى عدم تعيينها لكم فانها اذا كانت مبهمة اجتهد طلابها فى ابتغائها فى جميع محال رجائها فكان أكثر للعبادة بخلاف ما اذا علموا عينها فانها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط وانما اقتضت الحكمة ابهامها لتعم العبادة جميع الشهر فى ابتغائها ويكون الاجتهاد فى العشر الأخير أكثر ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده وعن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فى رمضان فالتمسوها فى العشر الأواخر فانها فى وتر احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أوخمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أوفى آخر ليلة " وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " تحروا ليلة القدر فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان " ، وعن ابن عباس أن رسول الله قال  " التمسوها فى العشر الأواخر من رمضان فى تاسعة تبقى فى سابعة تبقى فى خامسة تبقى " فسره كثيرون بليالى الأوتار وهو أظهر وأشهر  ،وقيل أنها تكون ليلة سبع وعشرين لما رواه مسلم فى صحيحه عن أبى بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين " ، وفى الباب عن معاوية وابن عمر وابن عباس وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين وهو قول طائفة من السلف وهو الجادة من مذهب الامام أحمد بن حنبل وهو رواية عن أبى حنيفة أيضا ،وقدحكى عن بعض السلف أنه حاول استخراج كونها ليلة سبع وعشرين من القرىن من قوله " هى " لأنها الكلمة السابعة والعشرين من السورة فالله أعلم ، وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر أحيى الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ولمسلم عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فى العشر ما لا يجتهد فى غيره وهذا معنى قولها وشد المئزر ،وقدحكى عنمالك أن جميع ليالى العشر فى تطلب ليلة القدر على السواء لا يترجح منها ليلة على الأخرى والمستحب الاكثار من الدعاء فى جميع الأوقات وفى شهر رمضان أكثر وفى العشر الأخير منه ثم فى أوتاره أكثر والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى فعن عائشة رضى الله عنها قالت قلت يا رسول الله ان وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟ قال " قولى اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى " .

إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ٢ لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ ٣ تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ ٤ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ ٥

" إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ "  يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن فى لية القدر وهى الليلة المباركة التى قال عنها " انا أنزلناه فى ليلة مباركة " وهى ليلة القدرثم قال الله تعالى معظما لشأن ليلة القدر التى اختصها بانزال القرآن العظيم فيها فقال "وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ *  لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡر" وعن مجاهد أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بنى اسرائيل لبس السلاح فى سبيل الله ألف شهر قال فعجب المسلمون من ذلك قال فأنزل الله عز وجل " إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ * وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ * لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡر" التى لبس ذلك الرجل السلاح فى سبيل الله ألف شهر ، قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل وعن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال عملها صيامها وقيامها خير من ألف شهر ، "  تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم " أى يكثر تنزل الملائكة فى هذه الليلة لكثرة بركتها والملائكة يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له ، وأما الروح فقيل المراد هنا جبريل عليه السلام فيكون من باب عطف الخاص على العام وقيل هم ضرب من الملائكة كما تقدم فى سورة النبأ ، " مِّن كُلِّ أَمۡر" قال مجاهد سلام هى من كل أمر ، " سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ " عن مجاهد فى قوله " سلام هى " قال سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى وقال قتادة وغيره تقضى فيها الأمور وتقدر الآجال والأرزاق كما قال تعالى " فيها يفرق كل أمر حكيم " وعن الشعبى قال تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى ليلة القدر أنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين وان الملائكة تلك الليلة فى الأرض أكثر من عدد الحصى وقال قتادة " سلام هى " يعنى هى خير كلها ليس فيها شر الى مطلع الفجر ويؤيد هذا المعنى ما جاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليلة القدر فى العشر البواقى ،من قامهن ابتغاء حسبتهن فان الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهى ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة " .

تفسير سورة البينة

سورة البينة سورة مدنية ، وهى من قصار السور ، عدد آياتها 8 آيات ، وتتحدث عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى وعن ضلالهم ومطالبة الله عز وجل لهم بالايمان بما جاء من الله من القرآن وأن يتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك هو البينة أى الحق البين الواضح  ، وما كان تفرقهم الا من بعد ما جاءهم من الله فزاغوا عنه ، فمصير من حاد منهم عن الحق هم والكفار يكون فى الآخرة فى نار جهنم ، وعن مالك بن عمروا الأنصارى لما نزلت " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " الى آخرها قال جبريل يا رسول الله ان ربك يأمرك أن تقرئها أبيا فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى " ان جبريل أمرنى أن أقرئك هذه السورة " قال أبى وقد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال " نعم " قال فبكى أبى وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بن كعب " ان الله أمرنى أن أقرأ عليك " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " قال وسمانى لك ؟ " قال " نعم " فبكى وانما قرأ عليه النبى صلى الله عليه وسلم هذه السورة تثبيتا له وزيادة لايمانه .

لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ ١ رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ ٢ فِيهَا كُتُبٞ قَيِّمَةٞ ٣ وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ ٤ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ٥

" لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ " أهل الكتاب هم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران وغيرها من العرب والعجم لم يكونوا منتهين حتى يتبين لهم الحق كما قال قتادة أى هذا القرآن وفسر البينة بقوله " رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَة" رسول من الله هو محمد صلى الله عليه وسلم والصحف المطهرة هو ما يتلوه من القرآن العظيم الذى هو مكتتب فى الملأ الأعلى فى صحف مطهرة كقوله تعالى " فى صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدى سفرة * كرام بررة " وقال قتادة يتلو صحفا مطهرة يذكر القرآن بأحسن الذكر ويثنى عليه بأحسن الثناء  ، " فِيهَا كُتُبٞ قَيِّمَة" قال ابن جرير أى فى الصحف المطهرة كتب من كتب الله قيمة عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله عز وجل وقال ابن زيد " فيها كتب قيمة " مستقيمة معتدلة ،" وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ " يعنى بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا فى الذى أراده الله من كتبهم واختلفوا اختلافا كثيرا كما جاء فى الحديث المروى من طرق " ان اليهود اختلفوا على احدى وسبعين فرقة وان النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار الا واحدة " قالوا ومن هم يا رسول الله ؟ قال " ما أنا عليه وأصحابى " ، " وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ "  حنفاء أى متحنفين عن الشرك الى التوحيد كقوله تعالى " ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقد تقدم ذكر الحنيف فى سورة الأنعام والمعنى أن الله أمرهم بعبادته وأن يتبعوا الدين الخالص له دون زيغ بعيدين عن الشرك موحدين وهم خلاف ذلك ، "وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ" وأمرهم الله بالصلاة وهى أشرف عبادات البدن وأمرهم بتقديم العون والاحسان الى الفقراء والمحاويج وهى الزكاة وليست الزكاة كما فرضها الاسلام ،"  وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ " أى هذه هى الملة القائمة العادلة أو الملة المستقيمة المعتدلة ، وقد استدل كثير من الأئمة كالزهرى والشافعى بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة فى الايمان ولهذا قال " وما أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ".

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ ٦ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ خَيۡرُ ٱلۡبَرِيَّةِ ٧ جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ ٨

" إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ " يخبر الله تعالى عن مآل الفجار من كفرة أهل الكتاب والمشركين المخالفين لكتب الله المنزلة وأنبياء الله المرسلة أنهم يوم القيامة فى نار جهنم خالدين فيها أى ماكثين لا يحولون عنها ولا يزولون وهم شر الخلقة التى برأها الله وذرأها ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ خَيۡرُ ٱلۡبَرِيَّةِ " ثم أخبر الله تعالى عن حال الأبرار الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بأبدانهم بأنهم خير البرية وقد استدل بهذه الآية أبوهريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة لقوله " أولئك هم خير البرية " ، "جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗا" جزاءهم يوم القيامة جنات عدن  التى تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها خالدين مخلدين فيها بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ  لا يحولون عنها ، " رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ" رضى الله عنهم ومقام رضاه عنهم أعلى مما أتوه من النعيم المقيم ورضوا عنه فيما منحهم من الفضل العميم ، " ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ" أى هذا الجزاء حاصل لمن خشى الله واتقاه حق تقواه وعبده كأنه يراه وعلم أنه ان لم يكن يراه فهو يراه وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم بخير البرية ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال " رجل أخذ بعنان فرسه فى سبيل الله كلما كانت هيعة استوى عليه ، ألا أخبركم بخير البرية ؟ " قالوا بلى يا رسول الله ؟ قال " رجل فى ثلة من غنمه يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ، ألا أخبركم بشر البرية ؟ قالوا بلى قال " الذى يسأل بالله ولا يعطى به " .

تفسير سورة الزلزلة

سورة الزلزلة سورة مكية ،وهى من قصار السور ،وعدد آياتها 8 آيات ، وهى تتحدث عن يوم القيامة وما يكون فيه من أهوال وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه "هل تزوجت يا فلان " قال لا والله يا رسول الله ولا عندى ما أتزوج ؟ قال " أليس معك قل هو الله أحد ؟ - قال بلى ، قال - ثلث القرآن - قال أليس معك اذا جاء نصر الله والفتح ؟ - قال بلى ، قال ربع القرآن - قال - أليس معك قل يا أيها الكافرون ؟ - قال بلى قال - ربع القرآن - قال - أليس معك اذا زلزلت الأرض - قال بلى ، قال - ربع القرآن ، تزوج ".

إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا ١ وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا ٢ وَقَالَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا لَهَا ٣ يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا ٤ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا ٥ يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٦ فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ ٨

"إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا " أى اذا تحركت الأرض من أسفلها ، " وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا " يعنى ألقت ما فيها من الموتى وهذا كقوله تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شىء عظيم " وكقوله"واذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت " ،" وَقَالَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا لَهَا " أى استنكر أمرها بعد ما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها أى تقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذى لا محيد عنه ثم ألقت ما فى بطنها من الأموات الأولين وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار ، " يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا " أى تحدث بما عمل العاملون على ظهرها وعن ابن عباس قال قال لها ربها قولى فقالت وعن أبى هريرة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " يومئذ تحدث أخبارها " قال " أتدرون ما أخبارها ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال " فان أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها " وعن ربيعة الحدسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"تحفظوا من الأرض فانها أمكم وانه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا الا وهى مخبرة " ، " بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا " قال مجاهد أوحى لها أى أمرها وقال القرطبى أمرها أن تنشق عنهم ،"  يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا " أى يرجعون عن موقف الحساب أشتاتا أى أنواعا وأصنافا ما بين شقى وسعيد ومأمور به الى الجنة ومأمور به الى النار وقال ابن جريج يتصدعون أشتاتا فلا يجتمعون آخر ما عليهم وقال السدى أشنانا فرقا ،" لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ " أى ليعملوا ويجازوا بما عملوه فى الدنيا من خير وشر ولهذا قال   "فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ * وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ" وعن سعيد بن جبير قال لما نزلت "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشىء القليل اذا أعطوه فيجىء المسكين الى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك فيردونه ويقولون ما هذا بشىء انما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبه ، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك يقولون انما وعد الله النار على الكبائر فرغبهم فى القليل من الخير أن يعملوه فانه يوشك أن يكثر وحذرهم اليسير من الشر فانه يوشك أن يكثر فنزلت " فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ * وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ " أى من يعمل مثل وزن أصغر شىء وهو الذرة من خير أومن شر يحاسب عليه يوم القيامة ويراه فى كتابه وصحيفة أعماله وجاء العلم الحديث ليكشف لنا الذرة وما تحويه وهى لا ترى بالعين وذكرها القرآن بسبقه ونشأ عليها علم كامل يراه فى كتابه يوم القيامة ويحاسب عليه ويسره ذلك الخير ويكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة وبكل حسنة عشر حسنات فاذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضا بكل واحد عشرا ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة ،  وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اياكم ومحقرات الذنوب فانهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجىء بالعود والرجل يجىء بالعود حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها " .  

تفسير سورة العاديات

سورة العاديات سورة مكية ، وهى من قصار السور ، وعدد آياتها 11 آية ، والعاديات هى الخيل التى تعدو ، وأقسم الله بها لأنها كانت أقوى عدة للقتال فى هذا الوقت وهذا تعظيم للجهاد فاذا كان الله قد عظم الأداة المستخدمة فى الجهاد فما بالنا بتعظيم الجهاد والقتال فى سبيله ، والمسلمون لا يقاتلون عدوانا بل دفاعا عن أنفسهم واتقاءا للخطر ممن حولهم  وبعد هذا القسم يكون الجواب هو أن الانسان به جحود وكفر لربه ، ويتحدث الله عز وجل عن ما سوف يحدث يوم القيامة من حساب له .

وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا ١ فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا ٢ فَٱلۡمُغِيرَٰتِ صُبۡحٗا ٣ فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا ٤ فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا ٥ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ ٦ وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٞ ٧ وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ ٨ ۞أَفَلَا يَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِي ٱلۡقُبُورِ ٩ وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ ١٠ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّخَبِيرُۢ ١١

" وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا " يقسم تعالى بالخيل اذا أجريت فى سبيله فعدت وضبحت والضبح هو الصوت الذى يسمع من الفرس حين تعدو عن ابن عباس قال هى الخيل وقال ابن عباس وعطاء ما ضبحت دابة قط الا فرس أوكلب ، " فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا " الخيل حين تقدح بحوافرها  القدح هو ما يجرى من استخدام حجرين أو عودين وحكهما لاستخراج الشرر ولكن المقصود هنا هو اصطكاك نعال الخيل للصخر فتقدح منه النار من شدة السرعة فالصورة واضحة للتعبير عن السعى لقطع المسافات للجهاد فى سبيل الله والتحبيب فيه وفى جزاءه وهو من الأمور الشاقة ،  " فَٱلۡمُغِيرَٰتِ صُبۡحٗا " يعنى الاغارة وقت الصباح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويستمع الأذان ومفاجأة الأعداء تقلل من الخسائر وتقرب النصر ،"فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا " النقع هو التراب المثار نتيجة حركة الخيل وهى تعدو وبخاصة فى رمال الصحراء المحيطة بهم وقال كلهم هو المكان الذى حلت فيه أثارت به الغبار اما فى حج أو غزو  ، " فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا " قال ابن عباس وغيره يعنى جمع الكفار من العدو ويحتمل أن يكون المعنى فوسطن بذلك المكان جميعهن ويكون جمعا منصوبا على الحال المؤكدة ، " إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُود" هذا هو المقسم عليه بمعنى بنعم ربه لكفور جحود وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : الكنود الكفور وقال الحسن - الكنود هو الذى يعد المصائب وينسى نعم الله عليه ،" وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيد" قال قتادة وسفيان الثورى وان الله على ذلك لشهيد ويحتمل أن يعود الضمير على الانسان كما قال محمد بن كعب القرظى فيكون تقديره وان الانسان على كونه كنود لشهيد أى بلسان حاله أى ظاهر ذلك عليه فى أقواله وأفعاله كما قال تعالى " ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر " ، "  وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ " أى وانه لحب الخير وهو المال لشديد وفيه مذهبان ( أحدهما ) أن المعنى وانه لشديد المحبة للمال و( الثانى ) وانه لحريص بخيل من محبة المال وكلاهما صحيح ، يقول الله تعالى مزهدا فى الدنيا ومرغبا فى الآخرة ومنبها على ما هوكائن بعد هذه الحال وما يستقبله الانسان من الأهوال فى الآخرة يوم القيامة واستخدم صيغة"أَفَلَا يَعۡلَمُ " هل وصل الى علمه " إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِي ٱلۡقُبُورِ " أى اذا أخرج ما فى القبور من الأموات كقوله"واذا القبور بعثرت " ، "  وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ " قال ابن عباس وغيره يعنى اذا أبرز وظهر ما كانوا يسرون فى نفوسهم ، " إِنَّ رَبَّهُم بِهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّخَبِيرُ " أى أن الله عزوجل لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ومجازيهم عليه أوفر الجزاء ولا يظلم مثقال ذرة .

تفسير سورة القارعة

سورة القارعة سورة مكية والقارعة من أسماء يوم القيامة كالحاقة والطامة والصاخة والغاشية وغير ذلك ،وهى من قصار السور ، عدد آياتها 11 آية وهى تتحدث عن أهوال يوم القيامة وما يكون فيه من حساب للسعداء والتعساء .

ٱلۡقَارِعَةُ ١ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٢ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٣ يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ ٤ وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ ٥ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ١٠ نَارٌ حَامِيَةُۢ ١١

" ٱلۡقَارِعَةُ * مَا ٱلۡقَارِعَةُ " يتحدث الله عز وجل عن يوم القيامة فيطلق عليه لفظ القارعة لأنها تقرع القلوب والنفوس بشدتها والقرع هو الضرب الشديد كما تقرع الباب أى تضربه بشدة وكرر الكلمة باستخدام " ما " ماهى تمهيدا لشرحها وما يكون فيها ثم قال تعالى معظما أمرها ومهولا لشأنها  " وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ " أى ما أعلمك بما سيكون من أمرها وما يكون فيها ويشرح الله عز وجل ذلك مفصلا " يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ " الفراش المبثوث المنتشر أى يكون الناس فى انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم من حيرتهم مما هم فيه كأنهم فراش مبثوث أى منتشر كما قال تعالى " كأنهم جرادمنتشر " ، "وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ " العهن هو الصوف والمنفوش الذى قد شرع فى الذهاب والتمزق يمو القيامة تتحرك الجبال من أمكاكنها وتدك فتكون مثل الصوف المتمزق الغير متماسك وهو صوف الغنم الذى يأخذ منه بعد جزه فلنتخيل هذا الصوف الذى جز تصبح الجبال مثله هشة ، ثم أخبر تعالى عما يؤول اليه عمل العاملين وما يصيرون اليه من الكرامة أو الاهانة بحسب أعمالهم فقال " فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ * فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَة" أى من رجحت حسناته فمعيشته راضية له فى الجنة ولن يكون هناك رضى أكثر من ذلك كما قال تعالى " ولسوف يرضى " ، " وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ *  فَأُمُّهُۥ هَاوِيَة" ومن رجحت سيئاته على حسناته فهو ساقط هاو بأم رأسه فى نار جهنم وعبر عنه بأمه يعنى دماغه وقال ابن عباس وغيره يهوى فى النار على رأسه وقال ابو صالح يهوون فى النار على رءوسهم وقيل معناه فأمه التى يرجع اليها وبصير فى المعاد اليها هاوية وهى اسم من أسماء النار وقال ابن جرير وانما قيل للهاوية أمه لأنه لا مأوى له غيرها وقال ابنزيد الهاوية النار التى هى أمه ومأواه التى يرجع اليها ويأولا اليها وقرأ " ومأواهم النار " وعن قتادة قال هى النار وهى مأواهم ولهذا قال تعالى مفسرا للهاوية "  وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ * نَارٌ حَامِيَةُ " حامية أى حارة شديدة الحر قوية اللهب والسعير وعن أبى هريرة قال قال النبى صلى الله عليه وسلم " نار بنى آدم التى توقدون جزء من سبعينجزء من نار جهنم ، قالوا يا رسول الله ان كانت لكافية ؟ فقال " انها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهى أشد سوادا من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفا" وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  " أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة " وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان أهون أهل النار عذابا من له نعلان يغلى منهما دماغه " وثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اشتكت النار الى ربها فقالت يارب أكل بعضى بعضا فأذن لها بنفسين نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف فأشد ما تجدون فى الشتاء من بردها وأشد ما تجدون فى الصيف من حرها " وفى الصحيحين " واذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم " .

تفسير سورة التكاثر

سورة التكاثر سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 8 آيات ، والتكاثر يكون فى الأموال والأولاد وهو الذى يشغل عن طلب الآخرة ويتمادى الانسان فى ذلك حتى يدركه الموت ويزور المقابر ويصير من أهلها ، ومن تشغله الدنيا عن الآخرة يكون مصيره جهنم وجحيمها وهذا النعيم الذى تنعم به فى الدنيا دون حساب لما سيكون فى الآخرة سيكون مسؤولا عنه يوم القيامة ، وعن ابن بريدة فى قوله " ألهاكم التكاثر " قال نزلت فى قبيلتين من قبائل الأنصار بنى حارثة وبنى الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت احداهما فيكم مثل فلان ابن فلان وقال الآخرون مثل ذلك وتفاخروا بالأحياء ثم قالوا  انطلقوا بنا الى القبور فجعلت احدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان يشيرون الى القبور ومثل فلان وفعل الآخرون مثل ذلك فأنزل الله " أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ ١ حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ " .

أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ ١ حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ ٢ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ ٣ ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ ٤ كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡيَقِينِ ٥ لَتَرَوُنَّ ٱلۡجَحِيمَ ٦ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيۡنَ ٱلۡيَقِينِ ٧ ثُمَّ لَتُسۡ‍َٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ ٨

" أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ " يقول تعالى أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر أى صرتم اليها ودفنتم فيها  وصرتم من أهلها وقال الحسن البصرى ألهاكم التكاثر فى الأموال والأولاد وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألهاكم التكاثر - عن الطاعة - حتى زرتم المقابر - حتى يأتيكم الموت " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول العبد مالى مالى " وانما له ثلاث : ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدق فأمضى ، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله " وعن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنتان الحرص والأمل " وعن ميمون بن مهران قال كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرأ " أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ " فلبث هنيهة ثم قال يا ميمون ما أرى المقابر الا زيارة وما للزائر بد من أن يرجع الى منزله قال أبو محمد يعنى أن يرجع الى منزله أى الى جنة أو الى نار ، "كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ " قال الحسن البصرى هذا وعيد بعد وعيد وقال الضحاك " كلا سوف تعلمون " يعنى الكفار " ثم كلا سوف تعلمون " يعنى أيها المؤمنون وقوله عزوجل " كلا " " ثم كلا " يفيد كذلك تحقق هذا الأمر وأنه سيكون علم محقق ولكن يمكن القول أن المقصود هو الكفار فقط لأن المؤمن يعلم تحقق هذا الأمر ولا يحتاج الى وعيد أو تأكيد ولنفى الكفار البعث ، " كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡيَقِينِ" ذكر الله عزوجل علم اليقين وهو يسبق عين اليقين فالعلم يسبق تحق الأمر أى لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة حتى صرتم الى المقابر ثم قال  " لَتَرَوُنَّ ٱلۡجَحِيمَ *  ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيۡنَ ٱلۡيَقِينِ " هذا تفسير الوعيد المتقدم توعدهم بهذا الحال وهو رؤية النار التى اذا زفرت زفرة واحدة خر كل ملك مقرب ونبى مرسل على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال على ما جاء به الأثر المروى فى ذلك ، " ثُمَّ لَتُسۡ‍َٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ " أى ثم لتسئلن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ما اذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته وعن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة فوجد أبا بكر فى المسجد فقال " ما أخرجك هذه الساعة ؟ " فقال : أخرجنى الذى أخرجك يا رسول الله قال وجاء عمر بن الخطاب فقال " ما أخرجك يا ابن الخطاب ؟ " قال : أخرجنى الذى أخرجكما قال فقعد عمر وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهما ثم قال " هل بكما من قوة تنطلقان الى هذا النخل فتصيبان طعاما وشرابا وظلا ؟ " قلنا نعم قال " مروا بنا الى منزل ابن التيهان أبى الهيثم الأنصارى " قال فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا فسلم واستأذن ثلاث مرات وأم الهيثم تسمع الكلام تريد أن يزيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلام فلما أراد أن ينصرف خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم فقالت يا رسول الله قد والله سمعت تسليمك ولكن أردت أن تزيدنى من سلامك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ثم قال "أين أبو الهيثم لا أراه " قالت يا رسول الله هو قريب ذهب يستعذب الماء أدخلوا فانه يأتى الساعة ان شاء فبسطت بساطا تحت شجرة فجاء أبوالهيثم ففرح بهم وقرت عيناه بهم فصعد على نخلة فصرم لهم أعذاقا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " حسبك يا ابا الهيثم " فقال يا رسول الله تأكلون من بسره ومن رطبه ومن مذنوبه ثم أتاهم بماء فشربوا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا من النعيم الذى تسالون عنه " وعن عبد الله بن الزبير قال قال الزبير لما نزلت " ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم " قالوا يا رسول الله لأى نعيم نسئل عنه وانما هما الأسودان التمر والماء قال " ان ذلك سيكون " وعن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله " لتسئلن عن النعيم " قال " الأمن والصحة " وقال زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم " يعنى شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم " وقال مجاهد : عن كل لذة من لذات الدنيا وعن ابن عباس " ثم لتسئلن عن النعيم " قال النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم وهو قوله تعالى " ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا " وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " ومعنى هذا أنهم مقصرون فى شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون .   

تفسير سورة العصر

سورة العصر سورة مكية ، من قصار السور ، عدد آياتها 3 آيات ، وعن عبيد الله بن حصن قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ التقيا لم يفترقا الا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر الى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر " ، وقال السافعى : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم .

وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣

" وَٱلۡعَصۡرِ " العصر الزمان الذى يقع فيه حركات بنى آدم من خير وشر وقال مالك عنزيد بن أسلم هو العصر والمشهور الأول ، " إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ " أقسم الله تعالى بذلك على أن الانسان لفى خسر أى فى خسارة وهلاك ، " إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ " فاستثنى من جنس الانسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ، " وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ  وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ " التواصى هو أن يوصى بعضهم بعضا باتباع الحق والصبرأو يتمسكوا بهما فيما بينهم والحق هو أداء الطاعات وترك المحرمات والصبر يكون على المصائب والأقدار وأذى من يؤذى ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر .

تفسير سورة الهمزة

سورة الهمزة من قصار السور ،وهى سورة مكية ، قال بعضهم المراد بذلك الأخنس بن شريق وقيل غيره وقال مجاهد هى عامة .

وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ ١ ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ ٢ يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ ٣ كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ ٤ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ ٥ نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ ٦ ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡ‍ِٔدَةِ ٧ إِنَّهَا عَلَيۡهِم مُّؤۡصَدَةٞ ٨ فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِۢ ٩

وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ " يتوعد الله بالهلاك وقيل الويل هو وادى فى جهنم  الهمزة الهماز بالقول واللماز بالفعل يعنى يزدرى الناس وينتقص بهم وقد تقدم بيان ذلك فى قوله " هماز مشاء بنميم " وقال ابن عباس همزة لمزة طعان معياب وقال الربيع بن أنس ان الهمزة يهمزه فى وجهه واللمزة من خلفه وقال قتادة الهمزة واللمزة لسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم وقال مجاهد الهمزة باليد والعين واللمزة باللسان وقال زيد بن أسلم همزة لحوم الناس أى الذى ينهش فى أعراضهم ويغتابهم وهذا كقوله " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أت يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم " الحجرات 12 ، " ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُ"ۥ يفسر الله قوله أى جمع ماله بعضه على بعض وأحصى عدده كقوله تعالى " وجمع فأوعى " كما قال السدى وابن جرير وقال محمد بن كعب ألهاه ماله بالنهار هذا الى هذا فاذا كان الليل نام كأنه جيفة منتنة ، "يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ " أى يظن أن جمعه المال يخلده فى الدار الدنيا ، " كَلَّاۖ " أى ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب ، " لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ " أى ليلقين هذا الذى جمع مالا فعدده فى الحطمة وهى اسم طبقة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها ولهذا قال مهولا من أمرها وشارحا لها  " وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ " أى ما أعلمك بها وبأمرها ، " نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ " الحطمة هى نار الله المتقدة فى جهنم ، "ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡ‍ِٔدَةِ " قال ثابت البنانى تحرقهم الى الأفئدة وهم أحياء وقال محمد بن كعب تأكل كل شىء من جسده حتى اذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده ، " إِنَّهَا عَلَيۡهِم مُّؤۡصَدَة" النار مؤصدة أى مغلقة مطبقة لا يستطيعون منها فرارا كما تقدم تفسيره فى سورة البلد وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم " انها عليهم مؤصدة " قال مطبقة ، " فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِ " قال عطية العوفى فى عمد منۢ حديد وقال السدى من نار وقال ابن عباس " فى عمد ممددة " يعنى الأبواب هى الممددة وقال ايضا أدخلهم فى عمد فمدت عليهم بعماد فى أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب وقال قتادة وابن جرير كنا نحدث أنهم يعذبون بعمد فى النار وقال أبو صالح " فى عمد ممددة " يعنى القيود الثقال .

تفسير سورة الفيل

سورة الفيل سورة مكية ، وهى من قصار السور، عدد آياتها 5 آيات ، وهى تتحدث عن نعمة من النعم التى أنعم الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله وأرغم أنافهم وخيب سعيهم وأضل عملهم وردهم بشر خيبة وكانوا قوما نصارىوكان دينهم اذا ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان ولكن كان هذا من باب الارهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فان فى ذلك العام ولد على أشهر القوال ،ولسان حال القدرة يقول لم ينصركم يا معشر قريش على الحبشة لخبرتكم عليهم ولكن صيانة للبيت العتيق الذى سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبى الأمى محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وقصة أصحاب الفيل بايجاز كما تقدم فى قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا وهو الذى قتل أصحاب الأخدود وكانوا نصارى وكانوا قريبا من عشرين ألفا فلم يفلت منهم الا دوس بن ثعلبان فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام وكان نصرانيا فكتب له الى النجاشى ملك الحبشة لكونه أقرب اليهم فلبعث معه أميرين أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم فى جيش كثيف فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار واستلبوا الملك من حمير وهلك ذو نواس غريقا فى البحر واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران أرياط وأبرهة فاختلفا فى أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا فقال أحدهما للآخر انه لا حاجة بنا الى اصطدام الجيشين بيننا ولكن أبرز الى وابرز اليك فاينا قتل الآخر استقل بعده بالملك فأجابه فتبارزا وخلف كل واحد منهما قناة فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وفمه وشق وجهه وحمل عتودة مولى ابرهة على أرياط فقتله ورجع أبرهة جريحا فداوى جرحه فبرأ واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن فكتب اليه النجاشى يلومه على ما كان منه ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجز ناصيته  فأرسل اليه أبرهة يترقق له ويصانعه وبعث مع رسوله بهدايا وتحف فرضى عنه وأقره على عمله وأرسل أبرهة يقول للنجاشى انى سأبنى لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها فبنى كنيسة هائلة بصنعاء سمتها العرب القليس لارتفاعها لأن الناظر اليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب اليها كما يحج الى الكعبة بمكة فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك وغضبت قريش حتى قصدها بعضهم وتوصل الى أن دخلها ليلا فأحدث فيها وكر راجعا فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمره الى ملكهم أبرهة وقالوا انما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذى ضاهيت هذا به فأقسم أبرهة ليسيرن الى بيت مكة وليخربنه حجرا حجرا وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا وكان يوما فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت الى الأرض فتأهب أبرهة لذلك وصار فى جيش كثيف عرمرم لئلا يصده أحد عنه واصطحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله قط وكان قد بعثه اليه النجاشى ملك الحبشة لذلك ويقال كان معه أيضا ثمانية أفيال وقيل اثنا عشر فيلا غيره ليهدم الكعبة بأن يجعل السلاسل فى الأركان وتوضع فى عنق الفيل ثم يزجر ليلقى الحائط جملة واحدة ، فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك ورأوا أن عليهم المحاجبة دون البيت ورد من أراده بكيد فخرج اليه رجل من أشرف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب الى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله وما يريده من هدمه وخرابه فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه وأسر ذونفر فاستصحبه معه ثم مضى لوجهه حتى اذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمى فى قومه شهدان وناهس فقاتلوه فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب فأراد قتله ثم عفا عنه واستصحبه معه ليدله فى بلاد الحجاز فلما اقترب من أرض الطائف خرج اليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذى عندهم الذى يسمونه اللات فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلا فلما انتهى ابرهة الى المغمس وهو قريب من مكة نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الابل وغيرها فأخذوه ، وكان فى السرح مائتا بعير لعبد المطلب ، وكان الذى أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة وكان يقال له الأسود بن مفصود فهجاه بعض العرب فيما ذكره ابن اسحاق وبعث أبرهة حناطة الحميرى الى مكة وأمره بأن يأتيه بأشراف قريش وأن يخبره أن الملك لم يجىء لقتالكم الا أن تصدوه عن البيت فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال فقال له عبد المطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة ، وهذا بيت الله الحرام وبيت خليله ابراهيم فان يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وان يخلى بينه وبينه فو الله ما عندنا دفع عنه فقال له حناطة فاذهب معى اليه فذهب معه فلما رآه أبرهة أجله ، وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر ونزل أبرهة على سريره وجلس معه على البساط ،وقال لترجمانه قل له ما حاجتك ؟ فقال للترجمان ان حاجتى أن يرد على الملك مائتى بعير أصابها لى فقال أبرهة لترجمانه قل له لقد كنت أعجبتنى حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى أتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمنى فيه ؟ فقال له عبد المطلب انى أنا رب الابل وان للبيت ربا سيمنعه ، قال ما كان ليمتنع منى ، قال أنت وذاك ، ويقال انه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم ورد أبرهة على عبد المطلب ابله ورجع عبد المطلب الى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن فى رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش ثم قال عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة الكعبة :

لا هم ان المرء يمنع رحله فامنع رحالك

لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك

قال ابن اسحاق ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ثم خرجوا الى رؤوس الجبال فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام الى جنبه ثم أخذ بأذنه وقال ابرك وارجع من حيث جئت فانك فى بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد فى الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا فى رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم فى مراقه فنزعوه بها ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه الى مكة فبرك وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر فى منقاره وحجران فى رجليه أمثال الحمص والعدس لا يصيب منهم أحدا الا هلك وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق ، هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة ومما قاله نفيل

أين المفر والاله الطالب والأشرم المغلوب وليس الغالب

وقال ابن اسحاق وقال نفيل فى ذلك أيضا

حمدت الله اذا أبصرت طيرا  * وخفت حجارة تلقى علينا

فكل القوم تسأل عن نفيل      * كأن على للحبشان دينا

وقال عطاء بن يسار وغيره ليس كلهم أصابه العذاب فى الساعة الراهنة بل منهم من هلك سريعا ومنهم من جعل يتساقط عضوا عضوا وهم هاربون وكان أبرهة ممن تساقط عضوا عضوا حتى مات ببلاد خثعم ، وذكر مقاتل بن سليمان أن قريشا أصابوا مالا جزيلا من أسلابهم وما كان معهم وأن عبد المطلب اصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة وقال ابن اسحاق فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال " أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ ١ أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِي تَضۡلِيل* وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ * تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيل* فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ " ، وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة " ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وانه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ألا فليبلغ الشاهد الغائب " .

أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ ١ أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِي تَضۡلِيلٖ ٢ وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ ٣ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ ٤ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ ٥

"أَلَمۡ تَرَ " هل أخبرت أوجاء الى علمك وهذا أسلوب لفت الاسماع والانظار والعقول والحواس لتلقى ما سيأتى لتلقى العبرة منه  ، " كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ "ماذا فعله ربك بأصحاب الفيل  ،" أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِي تَضۡلِيل" ذكر الله عز وجل أنه أبعد كيدهم الذى جاءوا به من تدمير بيته الحرام وجعله لم يصيب هدفه وضل عنه فكان الفيل كلما وجهوه الى مكة هرب وصاح وكلما جعلوا يصرفه الى جهة من سائر الجهات هب فيها ، " وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ * تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيل" قال ابن هشام الأبابيل الجماعات وقال ابن عباس والضحاك أبابيل يتبع بعضها بعضا وقال الحسن البصرى وقتادة الأبابيل الكثيرة وقال مجاهد أبابيل شتى مننابعة مجتمعة وقال ابن زيد الأبابيل المختلفة تأتى من هنا ومن ههنا أتتهم من كل مكان وقال الكسائى سمعت بعض النحويين يقول واحد الأبابيل ايبل  وأما السجيل قال ابن هشام  فأخبرنى النحوى وأبو عبيدة أنه عند العرب الشديد الصلب قال وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة وانما هو سنج وجل يعنى بالسنج الحجر والجل الطين يقول الحجارة من هذين الجنسين الحجر والطين وعن عبيد بن عمير " طيرا أبابيل " قال هى طيور سود بحرية فى مناقيرها وأظافيرها الحجارة وعن أبى سفيان عن عبيد بن عمير قال لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا انشئت من البحر أمثال الخطاطيف كل طير منها يحمل ثلاثة أحجار حجرين فى رجليه وحجرا فى منقاره فجاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما فى أرجلها ومناقيرها فما يقع حجر على رأس رجل الا خرج من دبره ولا يقع على شىء من جسده الا خرج من الجانب الآخر وبعث الله ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعا  وهذه أسانيد صحيحة  يذكر الله عز وجل أنه أرسل على أصحاب الفيل طيرا من البحر فى جماعات أو يتبع بعضها بعضا  ترميهم بحجارة شديدة صلبة أو هى من حجر وطين ، "  فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ " وقال ابن هشام العصف ورق الزرع الذى لم يقضب واحدته عصفة وقال سعيد بن جبير يعنى التبن وفى رواية عن سعيد ورق الحنطة وعنه أيضا والمأكول القصيل يجز للدواب وعن ابن عباس العصف القشرة التى على الحبة كالغلاف على الحنطة وقال ابن زيد العصف ورق الزرع وورق البقل اذا أكلته البهائم فراثته فصار درينا والمعنى أن الله سبحانه وتعالى أهلكهم ودمرهم وردهم بكيدهم وغيظهم لم ينالوا خيرا وأهلك عامتهم ولم يرجع منهم بخبر الا هوجريح كما جرى لملكهم أبرهة فانه انصدع صدره عن قلبه حين وصل الى بلده صنعاء وأخبرهم بما جرى لهم ثم مات فملك من بعده ابنه يكسوم ثم من بعده مسروق بن أبرهة ،ثم خرج سيف بن ذى يزن الحميرى الى كسرى فاستعانه على الحبشة فأنفذ معه من جيوشه فقاتلوا معه فرد الله اليهم ملكهم وما كان فى آبائهم من ملك وجاءته وفود العرب بالتهنئة .

تفسير سورة قريش

سورة قريش سورة مكية ن وهى من قصار السور ، عدد آياتها 4 آيات ، يذكر الله نعمته التى أنعمها على قريش من رزق من التجارة فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف  الى الشام وعن أم هانىء بنت أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فضل الله قريشا بسبع خلال : انى منهم ، وان النبوة فيهم ، والحجاجة السقاية فيهم ، وان الله نصرهم على الفيل وانهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وان الله أنزل فيهم سورة من القرآن - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ * إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ * فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ * ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ " .

لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ ١ إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ ٢ فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ٣ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ ٤

" لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ *  إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ " أى لائتلافهم واجتماعهم فى بلدهم آمنين وقيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة فى الشاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام فى المتاجر وغير لك ثم يرجعون الى بلدهم آمنين فى أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله فمن عرفهم احترمهم بل من صوفى اليهم وسار معهم أمن بهم وها حالهم فى أسفارهم ورحلتهم فى شتائهم وصيفهم وأما فى حال اقامتهم فى البلد فكما قال تعالى " أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " ولهذا قال تعالى " لايلاف قريش ايلافهم " بدل من الأول ومفسر له ولهذا قال تعالى " ايلافهم رحلة الشتاء والصيف " ، وقال ابن جرير : الصواب أن اللام لام التعجب كأنه يقول اعجبوا لايلاف قريش ونعمتى عليهم فى ذلك ،"  فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ " أرشد الله قريش الى شكر هذه النعمة العظيمة بان يوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما كما قال تعالى " قل انما أمرت أن أعبد ربه هذه البلدة الذى حرمها وله كل شىء وأمرت أن أكون من المسلمين " ، "  ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ " أى هو رب البيت وهو الذى أطعمهم من جوع وتفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ولا يعبدوا من دونه صنما ولا ندا ولا وثنا ولها من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمرين أمن الدنيا وأمن الآخرة ومن عصاه سلبهما منه كما قال تعالى " ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا منكلمكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقدجاءهم رسولمنهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون " وعن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف ويحكم يامعشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف " .

تفسير سورة الماعون

سورة الماعون سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 7 آيات ، تتحدث السورة عن صفات من يكذب بالدين وهو يوم القيامة ، وسميت بالماعون الذى أختلف فى معناه ولكن الاسم له معانى تتفق على شىء وهو تقديم المساعدة أو العون للمحتاج أو ما ينتفع به اليه وهو من الشح الذى نهى الله عنه .

أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ١ فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ ٢ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ٣ فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ ٤ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ٥ ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ ٦ وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ ٧

يحدث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين من بعده فيقول "أَرَءَيۡتَ" بمعنى هل علمت من هو ، " ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ " الذى ينكر ويكذب بالدين وهو يوم القيامة والمعاد والجزاء والثواب ثم يمضى فيشرح ذلك " فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ " يدع بمعنى يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن اليه وقد خص اليتيم لأنه أشد الناس حاجة فقد حرم معنويا وماديا لأن اليتيم من فقد أباه المعيل له ولا يقدر على الكسب ، " وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ " المسكين هو الفقير الذى لا شىء له يقوم بأوده وكفايته وهو أشد حاجة من الفقير فهو لا يقدم له الطعام ولا يسعى اليه  كما قال تعالى " كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين " ،" فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ " يتوعد الله بالهلاك والخسران وقيل الويل وادى فى جهنم لنوع من المصلين قال ابن عباس وغيره يعنى المنافقين الذين يصلون فى العلانية ولا يصلون فى السر ولهذا قال " للمصلين " الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ثم هم عنها ساهون اما عن فعلها بالكلية كما قال ابن عباس واما عن فعلها فى الوقت المقدر لها شرعا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قال مسروق وأبو الضحى ، وقال عطاء بن دينار الحمد لله الذى قال " عن صلاتهم ساهون " ولم يقل فى صلاتهم ساهون ، واما عن وقتها الأول فيؤخرونها الى آخره دائما أو غالبا ، واما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به ، واما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها : فاللفظ يشتمل ذلك كله ولكل من اتصف بشىء من ذلك قسط من هذه الآية ، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكفل من النفاق العملى كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى اذا كانت بين قرنى الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا " فهذا آخر صلاة العصر التى هى الوسطى كما ثبت به النص الى آخر وقتها وهو وقت كراهة ثم قام اليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا ولهذا قال لا يذكر الله فيها الا قليلا فهذا من باب التكاسل وهو من صفات المنافقين ولعله انما حمله على القيام اليها مراآة الناس لا ابتغاء وجه الله فهو كما اذا لم يصل بالكلية كما قال تعالى " ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا " وقال تعالى هنا " ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ " المراآة هى النفاق فمن يسهى عن الصلاة فان ذلك من النفاق والمراآة ، وعن سعد بن وقاص قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " وعن مصعب عن أبيه موقوفا : لهوا عنها حتى ضاع الوقت وهذا أصح اسناد  وعن الحسن بن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان فى جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادى فى كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك الوادى للمرائين من أمة محمد : لحامل كتاب الله وللمصدق فى غير ذات الله وللحاج الى بيت الله وللخارج فى سبيل الله " وهذا تشديد أن يكون كل عمل خالصا لوجه الله وأن النية هى أساس العمل وان الأعمال بالنيات ويجب أن تبعد عن النفاق ولكن من عمل عملا فأطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء والدليل عن أبى هريرة رضى الله عنه قال كنت أصلى فدخل على رجل فأعجبنى ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كتب لك أجر السر وأجر العلانية " وفى رواية أخرى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رجل يا رسول الله الرجل يعمل يسره فاذا اطلع عليه أعجبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " له أجران أجر السر وأجر العلانية "  ،" وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ " سأل أبا العبيدين عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو واشباه ذلك وعن عبد الله قال كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن وعن عبد الله قال كل معروف صدقة وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر وقال ابن عباس " ويمنعون الماعون " يعنى متاع البيت وقال مجاهد وغيره أنها العارية للأمتعة  أى لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا الى خلقه حتى ولو باعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه اليهم فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى وقال مجاهد على الماعون الزكاة وقال الحسن البصرى وغيره ان صلى راءى وان فاتته لم يأس عليها ويمنع زكاة ماله وفى لفظ صدقة ماله وقال زيد بن أسلم هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها وخفيت الزكاة فمنعوها ،وقداختلف الناس فى ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة ومنهم من قال يمنعون الطاعة ومنهم من قال يمنعون العارية وقال عكرمة رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والابرة وما قاله عكرمة يشمل الأقوال كلها وترجع كلها الى شىء واحد وهوترك المعاونة بمال أومنفعة ولهذا قال محمد بن كعب ويمنعون الماعون قال المعروف ولهذا جاء فى الحديث " كل معروف صدقة " .

تفسير سورة الكوثر

سورة الكوثر سورة مدنية وقيل مكية ، وعدد آياتها 3 آيات وتعتبر هى والعصر أقصر سور القرآن ، والكوثرحسب الحديث هو نهر فى الجنة ، عن أنس بن مالك قال أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم اغفاءة فرفع رأسه متبسما اما قال لهم واما قالوا له : لم ضحكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"انه أنزلت على آنفا سورة فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " انا أعطيناء الكوثر حتى ختمها فقال " هل تدرون ما الكوثر ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم " قال " هو نهر أعطانيه ربى عز وجدل فى الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب انه من أمتى ، فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك " هكذا رواه الامام أحمد ،وقد ورد فى صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر وأن آنيته عدد نجوم السماء ولفظ مسلم قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فى المسجد اذ أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما قلنا ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال لقد أنزلت على آنفا سورة فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ " ثم قال أتدرون ما الكوثر ؟ - قلنا الله ورسوله أعلم " قال " فانه نهر وعدنيه  ربى عز وجدل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد النجوم فى السماء فيختلج العبد منهم فأقول رب انه من أمتى ، فيقول انك لا تدرى ما أحدث بعدك " وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة وأنها منزلة معها .

إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ ٣

" إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ " عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير والكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير  ومن ذلك النهر وقال مجاهد هو الخير الكثير فى الدنيا والآخرة وقال عطاء هو حوض فى الجنة وقد  تقدم الحديث أن الكوثر هو نهر فى الجنة وعن أنس أنه قرأ هذه الآية " انا أعطيناك الكوثر " قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت الكوثر فاذا هو نهر يجرى ولم يشق شقا واذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدى فى تربته فاذا مسك أذفر واذا حصباؤه اللؤلؤ " وفى حديث آخر عن أنس بن مالك قال لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم مضى به جبريل  الى السماء الدنيا فاذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ وزبرجد فذهب يشم ترابه فاذا هو مسك قال " يا جبريل ما هذا النهر ؟ قال هو الكوثر الذى خبأ لك ربك "  ، " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ " أى كما أعطيناك الخير الكثير فى الدنيا والآخرة ومن ذلك النهر الذى تقدم صفته فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك فاعبده وحده لا شريك له وانحر على اسمه وحده لا شريك له كما قال تعالى " قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " وقال ابن عباس وغيره يعنى بذلك نحر البدن ونحوها وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله والذبح على غير اسمه كما قال تعالى " ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق " وقيل المراد بقوله وانحر وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النحر وعن أبى جعفر الباقر " وانحر " يعنى رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وقيل " وانحر " أى استقبل بنحرك القبلة ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك ولهذاكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العيد ثم ينحر نسكه ويقول " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد اصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له " ، قال جعفر بن جرير والصواب قول من قال ان معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك أجعله له دون الأوثان شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذى لا كفء له وخصك به ،وهذا الذى قاله غاية فى الحسن ، "  إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ " أى أن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره وقال ابن عباس وغيره نزلت فى العاص بن وائل وقال محمد بن اسحاق عن يزيد بن رومان كان العاص بن وائل اذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دعوه فانه رجل أبتر لا عقب له فاذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله هذه السورة وقال ابن عباس أيضا وعكرمة نزلت فى كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش وعن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيدهم ألا ترى هذا الصبى المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية فقال أنتم خير منه قال فنزلت " ان شانئك هو الأبير " ، وعن عطاء قال نزلت فى أبى لهب وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب الى المشركين فقال بتر محمد الليلة فأنزل الله فى ذلك " ان شانئك هو الأبتر " وعن ابن عباس نزلت فى أبى جهل وعنه ان شانئك يعنى عدوك وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم وقال عكرمة الأبتر الفرد وقال السدى كانوا اذا مات ذكور الرجل قالوا بتر فلما مات أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا بتر فأنزل الله " ان شانئك هو الأبتر " وهذا يرجع الى ما قلناه من أن الأبتر الذى اذا مات انقطع ذكره فتوهموا لجهلهم أنه اذا مات بنوه انقطع ذكره وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد وأوجب شرعه على رقاب العباد مستمرا على دوام الآباد الى يوم المحشر والمعاد صلى الله عليه وسلم عليه دائما الى يوم التناد .

تفسير سورة الكافرون

سورة الكافرون مكية من قصار السور ، عدد آياتها 6 آيات وثبت فى صحيح  مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة وبقل هو الله أحد فى ركعتى الطواف وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما فى ركعتى الفجر وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ فى الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعا وعشرين مرة أو بضع عشرة مرة قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ، وقدتقدم الحديث أنها تعدل ربع القرآن واذا زلزلت تعدل ربع القرآن ، وعن فروة بن نوفل هو ابن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " هل لك فى ربيبة لنا نكفلها ؟ " قال أراها زينب قال ثم جاء فساله النبى صلى الله عليه وسلم عنها قال "ما فعلت الجارية ؟"  قال تركتها عند أمها قال " فمجىء ما جاء بك " قال جئت لتعلمنى شيئا أقوله عند منامى قال " اقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم على خاتمتها فانها براءة من الشرك " تفرد به أحمد وعن زيد بن حارثة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذا أويت الى فراشك فاقرأ قل يا ايها الكافرون حتى تمر بآخرها فانها براءة من الشرك " . 

قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ ١ لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ ٢ وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ٣ وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ ٤ وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ٥ لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ ٦

هذه السورة سورة البراءة من العمل الذى يعمله المشركون وهى آمرة بالاخلاص فيه الكافرون يشمل كل كافر على وجه الأرض ولكن المواجهون بهذا الخطاب هم كفار قريش وقيل انهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عبادة أوثانهم سنة ويعبدون معبوده سنة فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرا من دينهم بالكلية فقال  " قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ * لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ " يقول عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء الكفار لا أعبد ما تعبدون من الأصنام والأنداد ، " وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ " ولا أنتم أيها الكافرون عابدون ما أعبد وهو الله وحده لا شريك له أى ولا أعبد عبادتكم أى لا أسلكها ولا أقتدى بها وانما أعبد الله على الوجه الذى يحبه ويرضاه ولهذا قال "  وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ * وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ " أى لا تقتدون بأوامر الله وشرعه فى عبادته بل قد اخترعتم شيئا من تلقاء أنفسكم كما قال " ان يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " فتبرأ منهم فى جميع ما هم فيه فان العابد لابد له من معبود يعبده وعبادة يسلكها اليه فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه ولهذا كان كلمة الاسلام لا اله الا الله محمدرسول الله أى لا معبود الا الله ولا طريق اليه الا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله ولهذا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ " أى أنتم لا تتبعون ما أنا عليه من دين فدينكم عبادة من دون الله وأنا أعبد الله وحده فلا نتفق فلكل منا دينه الذى هو عليه كما قال تعالى"وان  كذبوك فقل لى عملى ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برىء مما تعملون " وقال البخارى يقال"لكم دينكم " الكفر " ولى دين " الاسلام ولم يقل دينى لأن الآيات بالنون فحذف الياء كما قال " فهو يهدين " " ويسقين " وقال غيره لا أعبد ما تعبدون الآن ولا أجيبكم فيما بقى من عمرى ولا أنتم عابدون ما أعبد وهم الذين قال " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا " ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقوله " فان مع العسر يسرا * ان مع العسر يسرا " وكقوله " لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين " ،وقد استدل الامام الشافعى وغيره بهذه الآية الكريمة " لكم دينكم ولى دين " على أن الكفر كله ملة واحدة فورث اليهود من النصارى وبالعكس اذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به لأن الأديان ما عدا الاسلام كالشىء الواحد فى البطلان وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه الى عدم توريث النصارى من اليهودوالعكس لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى ".  

تفسير سورة النصر

سورة النصر مدنية من قصار السور ، عدد آياتها 3 آيات وتتحدث عن فتح مكة ونصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ،وقد تقدم أنها تعدل ربع القرآن ، واذا زلزلت تعدل ربع القرآن وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : قال لى ابن عباس يا ابن عتبة أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ؟ قلت نعم : اذا جاء نصر الله والفتح قال صدقت ،وعن ابن عمر قال أنزلت هذه السورة " اذا جاء نصر الله والفتح " على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة ، وعن ابن عباس قال لما نزلت " اذا جاء نصر الله والفتح " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال " انه قد نعيت الى نفسى " فبكت ثم ضحكت وقالت أخبرنى أنه نعيت اليه نفسه فبكيت ثم قال اصبرى فانك أول أهلى لى فأبى ، فضحكت " وقد رواه النسائى كما سيأتى بدون ذكر فاطمة ، وعن ابن عباس وغيره أنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى اليه ، والمراد بالفتح هنا فتحمكة قولا واحدا فان أحياء العرب كانت تتلوم باسلامها فتحمكة يقولون انظهر على قومه فهو نبى فلما فتح الله عليه مكة دخلوا فى دين الله أفواجا فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب ايمانا ولم يبق فى سائر قبائل العرب الا مظهر للاسلام وروى البخارى فى صحيحه عن عمرو بن سلمة قال لما كان الفتح بادر كل قوم باسلامهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تتلوم باسلامها فتح مكة يقولون دعوهوقومه فانظهر عليهم فهو نبى الحديث .  

إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا ٢ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا ۳

"إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ * وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا * فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا " ما فسر به ابن عباس وعمر رضى الله عنهما من أن هذه السورة نعى فيها رسول الله صلى الله عليهوسلم روحه الكريمة وأعلم أنك اذا فتحت مكة وهى قريتك التى أخرجتك ودخل الناس فى دين الله أفواجا فقد فرغ شغلنا بك فى الدنيا فتهيأ للقدوم علينا والوفود الينا ، فالآخرة خير لكمن الدنيا ،ولسوف يعطيك ربك فترضى ولهذا قال " فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا ، وعن ابن عباس قال لما نزلت " اذا جاء نصر الله والفتح " الى آخر السورة قال نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت فأخذ فى أشدما كان اجتهادا فى أمر الآخرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك " جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن" فقال رجل يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال " قوم رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم ، الايمان يمان ، والحكمة يمانية والفقه يمان " وقالت عائشة رضى الله عنها كان رسول الله صلى الله عليهوسلميكثر فى آخر أمره من قول "سبحان الله وبحمده ، استغفر اللهوأتوب اليه " وقال ان ربى كان أخبرنى أنى سـرى علامة فى أمتى وأمرنى اذا رأيتها أن اسبح بحمده وأستغفره انه كان توابا فقد رأيتها " "إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ * وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا * فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا " ، وعن عبد الله قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا جاء نصر الله والفتح " كان يكبر اذا قرأها وركع أن يقول " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى انك أنت التواب الرحيم " ثلاثا تفرد به أحمد .

تفسير سورة المسد

سورة المسد سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 5 آيات , ةهى تتحدث عما فعله أبو لهب وامرأتهمع الرسول صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج الى البطحاء فصعد الجبل فنادى " ياصباحاه " فاجتمعت اليه قريش فقال : أرايتم ان حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنت تصدقونى ؟ قالوا نعم قال " فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد " فقال أبو لهب ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك فأنزل الله " تبت يدا أبى لهب وتب " الى آخرها ، وفى رواية فقام ينفض يديه وهو يقول تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله " تبت يدا أبى لهب وتب " ، وابو لهب أحد أعمام النبى صلى الله عليهوسلم واسمه عبد العزى بن عبد المطلب وكنيته أبو عتبة وانما سمى أبا لهب لاشراق وجهه وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليهوسلم والبغضة له والازدراء به والتنقص له ولدينه وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال أخبرنى رجل يقال له ربيعة بن عباد من بنى الديل وكان جاهليا فأسلم قال : رايت النبى صلى الله عليه وسلم فى الجاهلية فى سوق ذى المجازوهو يقول " يا أيها الناس قولوا لا اله الا الله فلحوا " والناس مجمعون عليه ووراءه رجلوضىء الوجه أحول ذو غديرتين يقول انه صابىء كاذب ن يتبعه حيث ذهب فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب ، وقال محمد بن اسحاق أن ربيعة بن عباد الديلى قال " انى لمع أبى رجل شاب أنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضىء الوجه ذو جمة يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول " يابنى فلان انى رسول الله اليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا وأن تصدقونى وتمنعونى حتى أنفذ عن الله ما بعثنى به "واذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه يا بنى فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا الات والعزى وحلفاءكم من الجن من بنى مالك بن أفيش الى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تسمعوا له ولا تتبعوه فقلت لأبى من هذا ؟ قال عمه أبو لهب ،  وكانت زوجة أبى لهب من سادات نساء قريش وهى أم جميل وأسمها أروى بنت حرب بن أمية وهى أخت أبى سفيان وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده تكون يوم القيامة عونا عليه فى عذابه فى نار جهنم ، وقال ابن عباس وغيره كانت تضع الشوك فى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن جرير كانت تعير النبى صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحتطب فعيرت بذلك والصحيح الأول ، وعن الوليد بن كثير عن أبى يدرس عن أسماء بنت أبى بكر قالت لما نزلت " تبت يدى أبى لهب " أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفى يدها فهر وهى تقول :

مذمما أبينا     ودينه قلينا        وأمره عصينا

ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى المسجد ومعه أبو بكر قال : يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انها لن ترانى " وقرأ قرآنا أعتصم به كما قال تعالى " واذا قرأت القرآن جعلنا بينكوبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجرا محجورا " فأقبلت حتة وقفت على أبى بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر انى أخبرت أن صاحبك هجانى قال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت وهى تقول قد علمت قريش أنى ابنة سيدها ، وعن ابن عباس قال لما نلت " تبت يدا أبى لهب " جاءت امراة أبى لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر فقال له أبو بكر لو تنحيت لا تؤذيك بشىء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انه سيحال بينى وبينها " فأقبلت حتى وقفت على أبى بكر فقالت يا أبا بكر هجانا صاحبك فقال ابو بكر لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به فقالت انك لمصدق فلما ولت قال أبو بكر ما رأتك ؟ قال " لا مازال ملك يسترنى حتى ولت " .

تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ ١ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ ٢ سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ ٣ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ٤ فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۢ ٥

" تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَب" أىخسر وخاب وضل عمله وسعيه ،" وَتَبَّ "أى وقد تب تحقق خسارته وهلاكه ، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه الى الايمان قال ابو لهب ان كان ما يقول ابن أخر حقا فانى أفتدى نفسى يوم القيامة من العذاب بمالى وولدى فانزل الله تعالى"مَا  أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ " لن يغنى عنه ماله قال ابن عباس " وما كسب " يعنى ولده ، "  سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَب" يتوعده الله تعالى أنه يوم القيامة سيصلى نارا ذات شرر ولهب واحراق شديد  ، وامرأته كانت لزوجها عونا على كفره وجحوده وعناده فلهذا تكون يوم القيامةعونا عليه فى عذابه فى نار جهنم ولهذا قال تعالى" وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ *  فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۢ " يعنى تحمل الحطب فتلقى على زوجها ليزداد على ما هو فيه وهى مهيأة لذلك مستعدة له والجيد هو الرقبة قال مجاهد حبل من مسد وعروة من مسد النار وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقها فى عداوة محمد يعنى فأعقبها الله منها حبلا فى جيدها من مسد النار وعن الشعبى قال المسد الليف وكذلك قال الجوهرى والمسد أيضا حبل من ليف أوخوص وقد يكون من جلود الابل أو أوبارها ومسدت الحبل أمسده مسدا أذا أجدلت فتله  وهذا فى الدنيا كما نعرفه ولكن سيكون من مسد جهنم وقال عروة المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعا وعن الثورى هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعا وقال مجاهد " فى جيدها حبل من مسد " أى طوق من حديد ألا ترى العرب يسمون البكرة مسدا ؟ ، وقد قال بعض أهل العلم فى قوله تعالى " فى جيدها حبل منمسد " أى فى عنقها حبل فى نار جهنم ترفع به الى شفيرها ثم ترمى الى أسفلها ثمكذلك دائما ، وقال العلماء فى هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة فانه منذ نزل قوله تعالى " سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * فى جيدها حبل من مسد " فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الايمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطنا ولا ظاهرا ، لا مسرا ولا معلنا فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة .

تفسير سورة الاخلاص

سورة الاخلاص سورة مكية من قصار السور ، عدد آياتها 4 آيات ، وعن أبى كعب أن المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى " قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ * وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ " وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فنزلت هذه السورة " قل هو الله أحد " ،وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل شىء نسبة ونسبة الله قل هو الله أحد * الله الصمد " والصمد ليس بأجوف ، وعن أنس أن رجلا قال يا رسول الله أنى أحب هذه السورة " قل هو الله أحد " قال " ان حبك اياها أدخلك الجنة ،وعن ابى سعيد أن رجلا سمع رجلا يقرأ " قل هو الله أحد " يرددها فلما أصبح جاء الى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال النبى صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده انها لتعدل ثلث القرآن " وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بقل هو الله أحد فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " والذى نفسى بيده انها لتعدل نصف القرآن - أو ثلثه " وعن أبى مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " .

قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ٤

" قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ " يعنى هو الله الواحد الأحد الذى لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل ولا يطلق هذا اللفظ على أحد فى الاثبات الاعلى الله عز وجل لأنه الكامل فى جميع صفاته وأفعاله ، " ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ " قال ابن عباس يعنى الذى يصمد اليه الخلائق فى حوائجهم ومسائلهم وفى قول آخر له هو السيد الذى قدكمل فى سؤدده والشريف الذى قد كمل فى شرفه والعظيم الذى قدكمل فى عظمته وقال أبو وائل السيد الذى قد انتهى سؤدده وقال مالك عن زيد بن أسلم " الصمد " السيد وقال الحسن وقتادة هو الباقى بعد خلقه وقال الحسن أيضا الصمد الحى القيوم الذى لا زوال له وقد قال الطبرانى فى كتاب السنة له بعد ايراده كثيرا من هذه الأقوال فى تفسير الصمد وكل هذه صحيحة وهى صفان ربنا عز وجل هو الذى يصمد اليه فى الحوائج وهو الذى قد انتهى سؤدده وهو الصمد الذى لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهو الباقى بعد خلقه ، " لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ *  وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ " أى ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة وقال مجاهد لا صاحبة له وهذا كما قال " بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شىء " أى هو مالك كل شىء وخالقه فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه تعالى وتقدس وتنزه قال الله تعالى " وقالوا تخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه  وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغلا للرحمن أن يتخذ ولدا * انكل من فى السموات والأرض الا آتى الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آيته يوم القيامة فردا " ، وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عز وجل كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمنى ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه اياى فقوله لن يعيدنى كما بدأنى وليس أول الخلق بأهون على من اعادته ، وأما شتمه اياى فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لى كفوا أحد " .

فضل المعوذتين

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ، وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط " قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس " وعن عقبة بن عامر قال أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرا بالمعوذات فى دبر كل صلاة " وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الناس لم يتعوذوا بمثل هذين " قل أعوذ برب الفلق " و" قل أعوذ برب الناس " وقد تقدم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهن وينفث فى كفيه ويمسح بهما راسه ووجهه وما أقبل من جسده وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات وأمسح بيده عليه رجاء بركتها " .

تفسير سورة الفلق

سورة الفلق مدنية من قصار السور وهى احدى المعوذتين ، عدد آياتها 5 آيات ، وفيها الاستعاذة بالله من شر السحر والحسد .

قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ ١ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ٢ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ٣ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ ٤ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ٥

" قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ " الفلق كما قال ابن عباس الصبح وهى كقوله " فالق الاصباح " وفى قول آخر لابن عباس " الفلق " الخلق وقال الضحاك أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله وقال كعب الأحبار"الفلق"  بيت فى جهنم اذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره وعن زيد بن على عن آبائه قالوا " الفلق " جب فى قعر جهنم عليه غطاء فاذا كشف عنه خرجت منه نار تضج منه جهنم من شدة ما يخرج منه وقال ابن جرير والصواب القول الأول أنه فلق الصبح وهذا هو الصحيح وهو اختيار البخارى فى صحيحه ، " مِن شَرِّ مَا خَلَقَ " أى من شر جميع المخلوقات وقال الحسن البصرى جهنم وابليس وذريته مما خلق ، " وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ " قال مجاهد غاسق الليل اذا وقب غروب الشمس وقال قتادة وغيره أنه الليل اذا أقبل بظلامه وعن عطية وقتادة اذا وقب الليل اذا ذهب وعن أبى هريرة " ومن شر غاسق اذا ةقب " الكواكب  وقال ابن زيد :كانت العرب تقول الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها قال أصحاب القول الأول وهو آية الليل اذا ولج هذا لا ينافى قولنا لأن القمر آية الليل ولا يوجد سلطان الا فيه وكذلك النجوم لا تضىء الا بالليل فهو يرجع الى ما قلناه ، "  وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ " قال مجاهد وغيره يعنى السواحر وقال اذا رقين ونفثن فى العقد وعن طاوس عن أبيه قال ما من شىء أقرب الى الشرك من رقية الحية والمجانين " وفى الحديث الآخر أن جبريل جاء الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال اشتكيت يا محمد ؟ فقال "نعم " فقال " بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ، ومن شر كل حاسد وعين ، الله يشفيك " ولعل هذا كان من شكواه صلى الله عليه وسلم حين سحر ثم عافاه الله تعالى وشفاه ورد كيد السحرة الحساد من اليهود فى رءوسهم وجعل تدميرهم فى تدبيرهم وفضحهم ، وعن زيد بن أرقم قال سحر النبى صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما فجاءه جبريل فقال ان رجلا من اليهود سحرك وعقد لك عقدا فى بئر كذا وكذا فأرسل اليها من يجىء به فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجها فجاءه بها فحللها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال فما ذكر ذلك اليهودى ولا رآه فى وجهه حتى مات " ورواه النسائى عن هناد عن أبى معاوية محمد بن حازم الصرير ، ( وقد يقول قائل كيف يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم والمحصن بحماية الله ؟ ولكن ما حدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت أنه بشر كقوله تعالى " انما أنا بشر مثلكم يوحى الى " يقع عليه ما يقع على البشر من حوله وتجرى الأحداث فى مجراها الطبيعى كما تجرى مع كل البشر ثم تتدخل العناية الالهية لتعطيه الحلول لتبين فضل الله عليه كما هو فضله على خلقه ولكن الرسول أميز لمكانته عند ربه وهناك كثير من المواقف تحدث للأنبياء وهم وسط قومهم كما تحدث للبشر فهم بشر ولكن لهم مكانة عند ربهم لما هم عليه وليس للانبياء العصمة فهم ليسوا مألهين كما يؤله النصارى المسيح عليه السلام وتأله اليهود العزير ويقولون أبناء الله ،وهذا بعيد عن الاسلام ، وقدم الاسلام الحلول للمشاكل لكل المسلمين من عند الله من خلال القرآن وسنة رسوله ومنها معالجة السحر والحسد ) ،" وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " هذه استعاذة من الحسد ومن العين ونحن نعلم أن الحسد يقع وهناك الكثير من المواقف فى حياتنا تثبت ذلك وطابنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نبتعد عن ذلك وأن نقول " ما شاء الله " ونذكر الله اذا أبصرنا شيئا وأن لا ننظر اليه نظرة حسد ، وأعطانا الله الدواء بالمعوذتين .

تفسير سورة الناس

سورة الناس سورة مكية وهى المعوذة الثانية وختام القرآن ، عدد آياتها 6 آيات ، وفيها استعاذة من الوسواس الخناس وهو الشيطان الموكل بالانسان فانه ما من أحد من بنى آدم الا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدا فى الخيال ، والمعصوم من عصمه الله وقد ثبت فى الصحيح أنه " ما منكم من أحد الا وقد وكل به قرينه " قالوا وأنت يا رسول الله قال " نعم الا أن الله أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى الا بخير " ، وثبت فى الصحيحين عن أنس قصة زيارة صفية للنبى صلى الله عليه وسلم وهو معتكف وخروجه معها ليلا ليردها الى منزلها فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبى صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "على رسلكما أنها صفية بنت حيى " فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال " ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم وانى خشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئا- أو قال شرا - ".

قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ٢ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ٣ مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ ٤ ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ٥ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ ٦

" قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ *  مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ " الله  هو رب الناس كلهم  وملك الناس ومليكهم فهو الذى له ملكوت السموات والأرض وهو آلههم ولا اله غيره هو الله سبحانه وتعالى يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين من بعده بالقول بالاستعاذة به " مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ " قال ابن عباس الشيطان جائم على قلب ابن آدم فاذا سها وغفل وسوس فاذا ذكر الله خنس وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه ذكر لى أن الشيطان الوسواس ينفث فى قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فاذا ذكر الله خنس وقال العوفى عن ابن عباس فى قوله " الوسواس " هو الشيطان يأمر فاذا أطيع خنس ، " ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ " هل يختص هذا ببنى آدم كما هو الظاهر أو يعم آدم والجن ؟ فيه قولان ويكونون قددخلوا فى لفظ الناس تغليبا وقال ابن جرير وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا يدع فى اطلاق الناس عليهم وقوله تعالى " مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ " هل هو تفصيل لقوله " الذى يوسوس فى صدور الناس"  ثم بينهم فقال " من الجنة والناس " وهذا يقوى القول الثانى ، وقيل قوله " من الجنة والناس " تفسير الذى يوسوس فى صدور الناس من شياطين الانس والجن كما قال تعالى " كذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا " وعن ابن عباس قال : جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى لأحدث نفسى بالشىء لأن أخر من السماء أحب الى من أن أتكلم به فقال النبى صلى الله عليه وسلم " الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذى رد كيده الى الوسوسة " وعن أبى ذر قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد فجلست فقال "يا أبا ذر هل صليت ؟ قلت لا قال - قم فصل - قال فقمت فصليت ثم جلست فقال - يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الانس والجن - قال فقلت يا رسول الله وللانس شياطين ؟ قال - نعم - قال فقلت يا رسول الله الصلاة ؟ قال - خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر - قلت يا رسول الله فالصوم ؟ قال - فرض مجزىء وعند الله مزيد - قلت يا رسول الله فالصدقة ؟ قال - أضعاف مضاعفة ، قلت يا رسول الله فأيهما أفضل ؟ قال - جهد من مقل أوسر الى فقير - قلت يا رسول الله أى الأنبياء كان أول ؟ قال - آدم - قلت يا رسول الله ونبيا كان ؟ قال - نعم نبى مكلم - قلت يا رسول الله كم المرسلون ؟ قال - ثلثمائة وبضعة عشر جما غفيرا - وقال مرة - خمسة عشر قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم ، قال آية الكرسى " الله لا اله الا هو الحى القيوم " .  

No comments:

209-] English Literature

209-] English Literature Charles Dickens  Posted By lifeisart in Dickens, Charles || 23 Replies What do you think about Dickens realism? ...