5 _ ) حكم كلمة "قل" فى القرأن الكريم
فى
سورة الأعراف
1
. " واذا فعلوا فاحشة قالوا
وجدنا عليه آباءنا والله أمرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله
ما لا تعلمون * قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوا الله مخلصين
له الدين كما بدأكم تعودون " 28 - 29
قال
مجاهد كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع
المرأة على قبلها النسعة أو الشىء ، ماعدا قريشا وكانت قريش وهم الحمس يطوفون فى
ثيابهم ومن أعاره أحمسى ثوبا طاف فيه ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا
يتملكه أحد ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا اعاره أحمسى ثوبا طاف عريانا وربما كانت
امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر وأكثر ما كان النساء
يطفن عراة بالليل وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم
ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند الى أمر من الله وشرع فأنكر الله تعالى عليهم ذلك
فقال " واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها "
فقال تعالى ردا عليهم "قل" أى يا محمد لمن ادعى ذلك " ان الله لا
يأمر بالفحشاء " أى هذا الذى تصنعونه فاحشة منكرة والله لا يأمر بمثل ذلك ،
" أتقولون على الله ما لا تعلمون" أى أتسندون الى الله من الأقوال ما لا
تعلمون صحته ، " قل أمر ربى بالقسط " يقول الله تالى لرسوله صلى الله
عليه وسلم أن يرد على هؤلاء ويقول لهم أن ربى أمر بالعدل والاستقامة ، " وأقيموا
وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين " أى أمركم بالاستقامة فى عبادته
فى محالها وهى متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله وما
جاءوا به من الشرائع وبلاخلاص له فى عبادته فانه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع
هذين الركنين أن يكون صوابا موافق الشريعة وأن يكون خالصا من الشرك ، " كما
بدأكم تعودون " قال مجاهد يحييكم بعد موتكم وقال الحسن البصرى كما بدأكم فى
الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء وقال قتادة بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم ذهبوا
ثم يعيدهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما بدأكم كذلك يعيدكم آخرا وعن ابن
عباس قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال " يا أيها الناس
انكم تحشرون الى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا
فاعلين " .
2
. " قل من حرم زينة الله
التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم
القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون " 32
يقول
تعالى ردا على من حرم شيئا من المآكل أو المشارب أو الملابس من تلقاء نفسه من غير
شرع من الله قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة
وابتداعهم قال ابن عباس كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون فأنزل
الله " من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق " فأمروا
بالثياب ، " قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا " هى مخلوقة لمن آمن
بالله وبدينه فى الحياة الدنيا وان شركهم فيها الكفار حبا فى الدنيا ، " خالصة
يوم القيامة " فهى خالصة يوم القيامة للمؤمنين لا يشركهم فيها أحد من الكفار
فان الجنة محرمة على الكافرين ، " كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون " يقول
تعالى أنه يوضح ويفصل الآيات لمن يعقلونها ويفهمونها .
3
. "قل انما حرم ربى الفواحش
ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به
سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " 33
يقول
الله تعالى موجها امره لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويوجه كلامه وأن يتحدث
عن ما حرم الله " انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن " تقدم
الكلام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن فى سورة الأنعام ، "
والاثم والبغى بغير الحق " قال السدى أما الاثم فالمعصية والبغى أن تبغى على
الناس بغير الحق وقال مجاهد الاثم المعاصى كلها وأخبر أن الباغى بغيه على نفسه
والبغى هو التعدى الى الناس فحرم الله هذا ، " وأن تشركوا بالله ما لم ينزل
به سلطانا " وحرم الله أن يجعل له شركاء فى عبادته وهو لم ينزل أو يأذن
بالشرك ، " وأن تقولوا على الله ما
لا تعلمون " وحرم الله تعالى الافتراء والكذب من دعوى أن له ولد ونحو ذلك مما
لا علم لكم به كقوله " فاجتنبوا الرجس من الأوثان " .
4
. " قل يا أيها الناس انى
رسول الله اليكم جميعا الذى له ملك السموات والأرض لا اله الا هو يحيى ويميت
فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون
" 158
يقول
الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد " يا أيها
الناس" وهذا خطاب للأسود والأبيض والعربى والعجمى وكل الناس جميعا من خلقه ،
" انى رسول الله اليكم جميعا " أى جميعكم وهذا من شرفه وعظمة رسول الله
صلى لله عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث الى الناس كافة كما قال تعالى
" قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ "
، " الذى له ملك السموات والأرض لا اله الا هو يحيى ويميت " صفة الله
تعالى فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الذى أرسلنى هو خالق كل شىء
وربه ومليكه الذى بيده الملك والاحياء والاماتة وله الحكم " ، " فآمنوا
بالله ورسوله " أخبرهم الله أنه رسول الله اليهم ثم أمرهم باتباعه والايمان
به ، " النبى الأمى " أى الذى وعدتم به وبشرتم به فى الكتب المتقدمة
فانه منعوت بذلك فى كتبهم ولهذا قال ذلك ، " الذى يؤمن بالله وكلماته "
أى يصدق قوله عمله وهو يؤمن بما أنزل اليه من ربه ، " واتبعوه " أى اسلكوا طريقه واقتفوا
أثره ، " لعلكم تهتدون " أى هو الذى يقودكم باتباعه الى الصراط المستقيم
والى الهدى .
5
. " يسألونك عن الساعة أيان
مرساها قل انما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت فى السموات والأرض لا
تأتيكم الا بغتة يسألونك كأنك حفى عنها قل انما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا
يعلمون " 187
"
يسالونك عن الساعة " قيل نزلت فى قريش وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعادا
لوقوعها وتكذيبا بوجودها كما قال تعالى " ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم
صادقين " وقال تعالى " يستعجل بها من لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون
منها ويعلمون أنها الحق ألا ان الذين يمارون فى الساعة لفى ضلال بعيد" ،
" أيان مرساها " قال ابن عباس منتهاها أى متى محطها وأيان آخر مدة
الدنيا الذى هو أول وقت الساعة ، " قل انما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها
الا هو " أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم اذا سئل عن وقت الساعة أن يرد
علمها الى الله تعالى فانما هو الذى يجليها لوقتها أى يعلم جلية أمرها ومتى يكون
على التحديد لا يعلم ذلك الا هو تعالى ولهذا قال " ثقلت فى السموات والأرض
" قال ثقل علمها على أهل السموات والأرض أنهم لا يعلمون وقال الحسن اذا جاءت
ثقلت على أهل السموات والأرض يقول كبرت عليهم وقال ابن عباس ليس شىء من الخلق الا
يصيبه من ضرر يوم القيامة وقال ابن جريج اذا جاءت انشقت السماء وانتثرت النجوم
وكورت الشمس وسيرت الجبال وكان ما قال الله عز وجل كذلك قلها واختار ابن جرير أن
المراد ثقل علم وقتها على أهل السموات والأرض وقال السدى خفيت فى السموات والأرض
فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبى مرسل ، " لا تأتيكم الا
بغتة" يبغتهم قيامها تأتيهم على غفلة وذكر لنا أن النبى الله صلى الله عليه
وسلم كان يقول " ان الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقى ماشيته
والرجل يقيم سلعته فى السوق ويخفض ميزانه ويرفعه " ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " لاتقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت
ورآها الناس أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى
ايمانها خيرا ، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه
، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط
حوضه فلا يسقى فيه ، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع أكلته الى فيه فلا يطعمها
" ، " يسألونك كأنك حفى عنها " اختلف المفسرون فى معناه قال ابن
عباس يقول كأنك بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم وقال ابن عباس لما سأل الناس النبى
صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفى بهم فأوحى
الله اليه انما علمها عنده استأثر به فلم يطلع الله عليها ملكا مقربا ولا رسولا وقال
قتادة قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم ان بيننا وبينك قرابة فأسر الينا متى
الساعة فقال الله عز وجل "يسألونك عن الساعة كأنك حفى عنها " وقال ابن
عباس كأنك عالم بها لست تعلمها وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كأنك بها عالم وقد
أخفى الله علمها على خلقه وقرأ " ان الله عنده علم الساعة " وهذا القول
أرجح ، " قل انما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أمر الله
رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ويقول ان علم الساعة عند الله وحده وعن حذيفة
قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال " علمها عند ربى عز وجل
لا يجليها لوقتها الا هو ولكن سأخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها ان بين يديها
فتنة وهرجا " قالوا يا رسول الله الفتنة قد عرفناها فما الهرج ؟ قال بلسان
الحبشة "القتل" قال " ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف
أحدا " وفيما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم من حديث أنس وسهل بن سعد رضى
الله عنهما "بعثت أنا والساعة كهاتين
" وقرن بين أصبعيه السبابة والتى تليها ، ومع هذا كله قد أمره الله أن يرد
علم وقت الساعة اليه اذا سئل عنها .
6
. " قل لا أملك لنفسى نفعا
ولا ضرا الا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى
السوء ان أنا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون " 188
"
قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله "أمر الله تعالى رسوله صلى
الله عليه وسلم أن يقول ويخبر أن كل الأمور بيد الله سبحانه وتعالى وأنه يفوض
الأمور اليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شىء من
ذلك الا بما أطلع الله عليه كما قال تعالى " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه
أحدا " ، " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " عن مجاهد قال
المعنى لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملا صالحا وفيه نظر لأن عمل رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان ديمة ، وفى رواية كان اذا عمل عملا أثبته فجميع عمله كان على
منوال واحد كأنه ينظر الى الله عز وجل فى جميع أحواله اللهم لا أن يكون المراد أن
يرشد غيره الى الاستعداد لذلك والأحسن ما رواه ابن عباس لاستكثرت من المال وفى
رواية لعلمت اذا اشتريت شيئا ما أربح فيه فلا أبيع شيئا الا ربحت فيه ولا يصيبنى
الفقر وقل ابن جرير وآخرون لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة
ولوقت الغلاء من الرخص فاستعددت له من الرخص ، " وما مسنى السوء " قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعناه لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون وأتقيه ثم
أخبر " ان أنا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون " أنه انما هو نذير وبشير أى
نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات كما قال تعالى " فانما يسرناه بلسانك
لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا" .
7
. " ألهم أرجل يمشون بها أم
لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا
شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون " 195
هذا
انكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام
والأوثان وهى مخلوقة لله مربوبة مصنوعة لا تملك شيئا من الأمر ولا تضر ولا تنفع
ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها بل هى جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر وعابدوها أكمل
منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم ذكر الله تعالى أن هذه الأصنام عبيد مثل عابديها أى
مخلوقات مثلهم بل الاناس أكمل منها لانها تسمع وتبصر وتبطش وتلك لا تفعل شيئا
وقوله " قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون " أى استنصروا بها على
فلا تؤخرونى طرفة عين واجهدوا جهدكم وهذا تحدى من الله للمشركين أن يبرزوا ما
اتخذوهم من شركاء لله من أصنام وأوثان وأنداد أن ينصروهم من دون الله ولا ينتظروا
شيئا اذا كانوا يستطيعون فعل شىء .
8
. " واذا لم تأتهم بآية
قالوا لولا اجتبيتها قل انما أتبع ما يوحى الى من ربى هذا بصائر من ربكم وهدى
ورحمة لقوم يؤمنون " 203
يتحدث
الله تعالى عن الكفار " واذا لم تأتهم بآية " اذا لم تأتى الكفار بمعجزة
وخارق ، " قالوا لولا اجتبيتها " يقول ابن عباس لولا تلقيتها من الله
تعالى وقال الضحاك لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء وقال مرة أخرى لولا أحدثتها فأنشأتها وقال
مجاهد لولا اقتضيتها قالوا تخرجها عن نفسك يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ألا
تجهد نفسك فى طلب الآيات من الله حتى نراها وتؤمن بها قال الله تعالى له " قل انما أتبع ما يوحى الى من ربى "
يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم أنا لا أتقدم اليه تعالى فى
شىء وانما أتبع ما أمرنى به فأمتثل ما يوحيه الى فان بعث آية قبلتها وان منعها لم
أسأله ابتداء اياها الا أن يأذن لى فى ذلك فانه حكيم عليم ، " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم
يؤمنون " يرشد الله تعالى الى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات
وأصدق الحجج والبينات وهو هدى للؤمنين ورحمة لهم .
فى
سورة الأنفال
1
. " يسألونك عن الأنفال قل
الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم
مؤمنين " 1
"
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " الأنفال هى المغانم قال ابن
عباس نزلت فى بدر قال ابن عباس الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة
ليس لأحد منها شىء وفسر ابن عباس النفل بما ينفله الامام لبعض الأشخاص من سلب أو
نحوه بعد قسم أصل المغنم وهو المتبادر الى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل وقال
ابن مسعود ومسروق لا نفل يوم الزحف انما النفل قبل التقاء الصفوف " يسألونك
عن الأنفال " يقول الله تعالى يسألونك فيما شذ من المشركين الى المسلمين فى
غير قتال من دابة أو عبد أو أمة أو متاع فهو نفل للنبى صلى الله عليه وسلم يصنع به
ما يشاء ، وهذا يقتضى أنه فسر الأنفال بالفىء وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال وقال
على بن صالح بن حى السرايا ومعنى هذا ما ينفله الامام لبعض السرايا زيادة على
قسمهم مع بقية الجيش واختار ابن جرير أنها الزيادة على القسم ويشهد لذلك ما ورد فى
سبب نزول الآية وهو ما رواه الامام أحمد حيث قال : عن سعد بن أبى وقاص قال : لما
كان يوم بدر وقتل أخى عمير قتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة
فأتيت به النبى صلى الله عليه وسلم فقال " اذهب فاطرح فى القبض " قال
فرجعت وبى ما لا يعلمه الا الله من قتل أخى وأخذ سلبى قال فلما جاوزت الا يسيرا
حتى نزلت سورة الأنفال فقال لى رسول الله صلى الله ليه وسلم "اذهب فخذ سلبك " وعن سعد قال : نزلت
فى أربع آيات أصبت سيفا يوم بدر فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت نفلنيه ،
فقال " ضعه من حيث أخذته ، مرتين ثم عاودته فقال النبى صلى الله عليه
وسلم "ضعه من حيث أخذته " فنزلت
هذه الآية " يسالونك عن الأنفال " ، وتمام الحديث فى نزول " ووصينا
الانسان بوالديه حسنا " وقوله تعالى " انما الخمر والميسر " وآية
الوصية ، وعن أبى أمامة قال سألت عبادة عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين
اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء ،
يقول عن سواء ، وقال الامام أبو عبيد الله القاسم بن سلام فى كتاب الأموال الشرعية
وبيان جهتها ومصارفها : أما الأنفال فهى المغانم وكل نيل ناله المسلمون من أموال
أهل الحرب ، فكانت الأنفال الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى
" يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " فقسمها يوم بدر على ما
أراه الله من غير أن يخمسها على ما ذكرناه فى حديث سعد ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس
فنسخت الأولى ، والأنفال أصلها جماع الغنائم ومعنى الأنفال فى كلام العرب كل احسان
فعله فاعل تفضلا من غير أن يجب ذلك عليه ، فذلك النفل الذى أحله الله المؤمنين من
أموال عدوهم وانما هو شىء خصهم الله به تطولا منه عليهم بعد أن كانت المغانم محرمة
على الأمم قبلهم فنفلها الله تعالى هذه الأمة فهذا أصل النفل ، وعن جابر رضى لله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى -
فذكر الحديث الى أن قال " وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى " وذكر
تمام الحديث ، " فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم" أى واتقوا الله فى
أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظلموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا فما آتاكم الله من
الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه ، " وأطيعوا الله ورسوله " أى فى
قسمة بينكم على ما أراده الله ، فانه انما يقسمه كما أمره الله من العدل والانصاف
وقال ابن عباس هذا تخريج من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم .
2
. " قل للذين كفروا ان
ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وان يعودوا فقد مضت سنة الأولين " 38
"
قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " يقول الله تعالى لنبيه صلى
الله عليه وسلم بلغ وقل للذين كفروا ان ينتهوا عما هم فيه من الكفر والمشاقة
والعناد ويدخلوا فى الاسلام والطاعة والانابة يغفر لهم ما قد سلف أى من كفرهم
وذنوبهم وخطاياهم كما جاء فى الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحسن فى الاسلام لم يؤاخذ بما عمل
فى الجاهلية ، ومن أساء فى الاسلام أخذ بالأول والآخر " وفى الصحيح أيضا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما كان قبلها ،
" وان يعودوا " أى يستمروا على ما هم فيه ، " فقد مضت سنة الأولين
" أى فقد مضت سنتنا فى الأولين لك أنهم اذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا
نعالجهم بالعذاب والعقوبة وقال مجاهد فى قوله " فقد مضت سنة الأولين "
أى فى قريش يوم بدر وغيرها من الأمم وقال السدى أى يوم بدر .
3
. " يا أيها النبى قل لمن
فى آيديكم من الأسرى ان يعلم الله فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر
لكم والله غفور رحيم " 70
عن
ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر " انى قد عرفت أن
أناسا من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم أحدا
منهم أى من بنى هاشم فلا يقتله : ومن لقى أبا البخترى بن هشام فلا يقتله ، ومن لقى
العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فانه انما أخرج مستكرها " فقال أبو حذيفة بن
عتبة أنقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله لئن لقيته لأجمته
بالسيف فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب " يا أباحفص
قال عمر والله انه لأول يوم كنانى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبا
حفص " - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف ؟ فقال عمر يا
رسول الله ائذن لى فأضرب عنقه فوالله لقد نافق ، فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك
والله ما آمن من تلك التى قلت ولا أزال منها خائفا الا أن يكفرها الله تعالى عنى
بشهادة ، فقتل يوم اليمامة شهيدا رضى الله عنه ، وبه عن ابن عباس قال لما أمسى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثاق بات رسول الله صلى
الله عليه وسلم ساهرا أول الليل فقال له أصحابه يا رسول الله ما لك لا تنام ؟ وقد
أسر العباس رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سمعت أنين
عمى العباس فى وثاقه فأطلقوه " فسكت فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقال محمد بن اسحاق وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب وذلك أنه
كان رجل موسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا " ، وعن الزهرى عن جماعة سماهم
قالوا بعثت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فداء أسراهم ففدى كل قوم
أسيرهم بما رضوا ، وقال العباس يارسول الله قد كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " الله أعلم باسلامك فان يكن كما تقول فان الله يجزيك ، وأما ظاهرك
فقد كان علينا فافتد نفسك وابنى أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبى
طالب بن عبد الله ، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر " قال ما ذاك
عندى يا رسول الله ؟ قال " فأين المال الذى دفنته أنت وأم الفضل ؟ قلت لها ان
أصبت فى يومى هذا فهذا المال الذى دفنته لبنى الفضل وعبد الله وقثم " قال
والله يا رسول الله انى لأعلم أنك رسول الله ان هذا لشىء ما علمه أحد غيرى وغير أم
الفضل فأحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى عشرين أوقية من مال كان معى فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لا : ذاك شىء أعطانا الله تعالى منك " ففدى
نفسه وابنى أخويه وحليفه فأنزل الله عز وجل الآية
" يا أيها النبى قل لمن فى آيديكم من الأسرى ان يعلم الله فى قلوبكم
خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم " قال العباس
فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية فى الاسلام عشرين عبدا كلهم مالى فى يدى مع ما
أرجو من مغفرة الله عز وجل ، عن جابر بن
عبد الله بن رباب قال كان العباس بن عبد المطلب يقول فى نزلت والله حين ذكرت لرسول
الله صلى الله عليه وسلم اسلامى وسألته أن يحاسبنى بالعشرين الأوقية التى أخذت منى
فأبى فأبدلنى الله بها عشرين عبدا كلهم مالى فى يده .