Grammar American & British

Friday, October 28, 2022

4 - ) حكم كلمة "قل" فى القرآن الكريم

4 -) حكم كلمة "قل" فى القرآن الكريم 

فى سورة الأنعام

1 . " ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون * قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " 10 - 11

يتحدث الله تعالى عن ما وقع على الأنبياء قبل الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى ومن سخرية من قومهم وتقليل من قدرهم وشأنهم ووعيد من الله وتهديد لقريش أن يقع عليهم مثل ما وقع لغيرهم وهذه تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من قومه ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة فى الدنيا والآخرة ثم قال تعالى " قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ويبلغ الله رسوله صلى الله ليه وسلم أن يقول لهم ويخبرهم أن فكروا فى أنفسكم وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم من العذاب والنكال والعقوبة فى الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم فى الآخرة وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين .

2 . " قل لمن ما فى السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " 12

يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالحقيقة الأزلية وتتكرر كلمة "قل" للتأكيد والتقرير لهذه الحقيقة أنه مالك السموات والأرض ومن فيهما وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة كما ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال النبى صلى الله عليه وسلم " ان الله لما خلق الخلق كتب كتابا عند فوق العرش ان رحمتى تغلب غضبى ، " ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه " هذه اللام" ليجمعنكم" هى الموطئة للقسم فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده الى "ميقات يوم معلوم" وهو يوم القيامة الذى لا ريب فيه أى لاشك فيه عند عباده المؤمنين فأما الجاحدون المكذبون فهم فى ريبهم يترددون ، " الذين خسروا أنفسهم " أى يوم القيامة يخسرون أنفسهم بدخول جهنم والعذاب الأليم ، " فهم لا يؤمنون " أى لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم .

3 . " قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل انى أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين * قل انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم * من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين " 14 - 16

تتحدث الآيات عن ايمان الرسول صلى الله عليه وسلم بربه وأنه وليه ومولاه المتوليه فى الدنيا والآخرة خالق السموات والأرض ويثير تساؤل يفيد تحقق الأمر والاقرار به والمعنى لا أتخذ وليا الا الله وحده لا شريك له فانه فاطر السموات والأرض أى خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق ، "وهو يطعم ولا يطعم" فهو الذى يرزق البشر ويطعمهم ولا يملكون له من رزق فهو الرزاق ذو القوة المتين ، "قل انى أمرت أن أكون أول من أسلم " " يقول الله تعالى لرسوله أن يقر ما أمره به من اسلام وارسال بالرسالة فهو أول من أسلم من هذه الأمة واختاره الله لتبليغ رسالته الى الانس والجن وأن يبتعد عن الشرك  ،  "ولا تكونن من المشركين " فى هذا بعد عن الشرك والبعد عنه من الجميع  فاستخدم لفظ " ولا تكونن " وليس " أكونن " ، " قل انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم " يأمر الله سبحانه رسوله أن يقول ويقر بخشيته من معصية الله وما يسفر عن ذلك من عذاب يوم عظيم وهو يوم القيامة ، " من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه " أى من يبعد عنه هذا العذاب يوم القيامة فقد رحمه الله ، " وذلك الفوز المبين " وهذا بعينه هو الفوز الواضح البين الذى لا شك فيه والفوز حصول الربح ونفى الخسارة .

4 . " قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أاشهد قل انما هو آله واحد واننى برىء مما تشركون " 19

يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأمر الله قرر وقل أى أعظم الأشياء شهادة أى التى تشهد على ايمان العبد وتكون هى الدليل والشاهد على ايمان العبد وتتكرر قل فى الجواب أى أن الاجابة بوحى الله لك أن تقول وتبلغ أن الشهيد على صدق الايمان وهو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلون لى  والحكم عليه بينى وبين من حولى هو الله وهو الذى أنزل الى هذا القرآن وهو نذير لكل من بلغه وعن محمد بن كعب فى قوله " ومن بلغ "من بلغه القرآن فكأنما رأى النبى صلى الله عليه وسلم (وكلمه كما زاد أبو خالد) وعن ابن جرير عن محمد بن كعب قال من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم وعن قتادة فى قوله تعالى "لأنذركم به ومن بلغ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله " وقال الربيع بن أنس حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذى دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينذر بالذى أنذر ، " أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى " تتحدث الآية عن المشركين أنهم يشركون مع الله ما يعبدون من الأصنام والأوثان ويجعلونهم أندادا لله ، " قل لا أشهد" وتكررت كلمة قل وهى اقرار بالقول الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يرد على المشركين أنه لا يمكن أن يشهد ويقر بالشرك وما كان عليه المشركون فى مكة وغيرهم كقوله تعالى " فان شهدوا فلا تشهد معهم " ، " قل انما هو اله واحد وأننى برىء مما تشركون"  يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهم وأقر قرارا واضحا أنه لا اله الا الله وحده لا شريك له ويقر ببرائته من الشرك الذى هم عليه ، هذه آية البراءة من الشرك والشهادة والاقرار لله بالوحدانية وتكررت كلمة "قل" التى تفيد ذلك الأمر وتؤكده .

5 . " قل أرئيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين " بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون " 40 - 41

يبلغ الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المكذبين المعاندين هل فكرتم وتدبرتم ورأت عقولكم

 ويبلغ وينذر ويحذر من وقوع عذاب الله ومن حدوث يوم القيامة وأهواله فهو الفعال لما يريد المتصرف فى خلقه بما يشاء وأنه لا معقب لحكمه ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه اذا وقع ذلك لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه ولهذا قال "ان كنتم صادقين" أى فى اتخاذكم آلهة معه ، "بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون " أى فى وقت الضرورة لا تدعون أحدا سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم  كقوله تعالى " واذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون الا اياه" ، تستخدم الآية المنطق  مع المشركين فى قضية قدرة الله والايمان به اله لايقدر أحد سواه بيده تسيير أمور الدنيا والآخرة .

6 . " قل أرءيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون * قل أرءيتكم ان أتاكم عذاب الله يغتة أوجهرة هل يهلك الا القوم الظالمون " 46 - 47

يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين هل فكرتم وتدبرتم ورأت عقولكم أن الله اذا سلبكم السمع والبصر فلا تسمعون ولا ترون وختم الله على قلوبكم فلا تعد مفتوحة لقبول الايمان كما أعطاكموها كما قال تعالى " هو الذى أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار " وكما قال تعالى "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " من غيره من الآلهة التى تدعون والأوثان يعيد لكم ذلك اذا سلبه منكم لا يقدر لى ذلك أحد سواه ولهذا قال "انظر كيف نصرف الآيات " يقول سبحانه أنظر وتأمل وتفكر كيف نوضح الآيات ونبينها ونفسرها دالة على أنه لا اله الا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل ، " ثم هم يصدفون " أى ثم هم مع هذا البيان يصدفون أى يعرضون عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه وقال ابن عباس يصدفون أى يعدلون وقال مجاهد وقتادة يعرضون وقال السدى يصدون ، " قل أرءيتكم ان أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك الا القوم الظالمون" ويعيد الله تعالى قوله ويبلغ رسوله بأمره أن يقول لهم هل تفكرتم وتدبرتم ورأت عقولكم أن عذاب الله اذا وقع عليكم وأنتم لا تشعرون به حتى يبغتكم ويفجأكم أو يقع ظاهرا عيانا فانه انما يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله وينجو الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وتبرز الآيتان قدرة الله وعدله فى الايقاع بالكافرين وتنجية المؤمنين به .

7 . " قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم انى ملك ان أتبع الا ما يوحى الى قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون " 50

تكررت كلمة قل فى الآية منفية وجاءت مثبتة لتأكيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرا رسولا مبعوث من ربه يوحى اليه رسالته فهو يقر ولا يمكنه القول انه يملك خزائن الله ويتصرف فيها ولا يمكنه القول أنه يعلم الغيب انما ذاك من علم الله عز وجل ولا يطلع منه الا على ما يطلعه الله عليه ولا يمكن القول والادعاء أنه ملك انما هو بشر يوحى اليه من الله عز وجل شرفه بذلك وأنعم عليه يه ولهذا قال " ان أتبع الا ما يوحى الى " أى لست أخرج عما يوحى الى قيد شبر ولا أدنى منه ، " قل هل يستوى الأعمى والبصير " تكررت قل للرد والفصل وجاء معها الاستفهام بهل أى هل يستوى من اتبع الحق وهدى اليه ومن ضل عنه فلم ينقد له من اتبع الحق شبه بالبصير الذى يبصر الحقيقة ومن اتبع الباطل وبعد عن الحق شبه بالأعمى الذى عمى عن الحق فلم يبصره ولم يتبعه فهما لا يستويان أبدا ، " أفلا تتفكرون " يوبخهم الله لعدم تفكرهم وتدبرهم للأمور وان كانت واضحة جلية .

8 . " واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم " 54

يامر الله تعالى رسوله الكريم باكرام من جاء اليه من المؤمنين بما أنزل الله وأن يبادرهم بقول السلام عليهم والآية مرتبطة بما سبقها من الآيات التى تحدثت عن طلب الكفار وأئمة الكفر وهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدى والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد عمروابن نوفل فى أشراف من بنى عبد مناف جاءوا الى أبى طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فانما هم عبيدنا وعتقاؤنا كان أعظم فى صدورنا وأطو له عندنا وأدنى لاتباعنا اياه وتصديقنا له فاتى أبو طالب فحدثه بذلك فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذى يريدون والى ما يصيرون من قولهم فأنزل الله " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم " الى قوله " أليس الله بأعلم بالشاكرين " ونزلت فى أئمة الكفر من قريش والموالى والحلفاء " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننأ " فلما نزلت أقبل عمر رضى الله عنه فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فاعتذر عن مقالته فأنزل الله عز وجل الآية " واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم " ومعنى الآية أن الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ان اذا جاءه المؤمنون فأكرمهم برد السلام عليهم وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم ولهذا قال " كتب ربكم على نفسه الرحمة " أى أوجبها على نفسه الكريمة تفضلا منه واحسانا وامتنانا ، " أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح " قال بعض السلف من عصى الله فهو جاهل وعن عكرمة قال الدنيا كلها جهالة أى من ارتكب ذنبا وعصى ربه ثم رجع عما كان عليه من المعاصى وأقلع وعزم على أن لا يعود وأصلح العمل فى المستقبل " فانه غفور رحيم " فالله يقبل هذه التوبة ويغفر الذنوب برحمته ، وهذا بلاغ من الله لرسوله أن يقول ويبلغ رحمة الله التى كتبها على نفسه وفرضها ومن رحمته قبول التوبة من الذنب وغفران الذنوب .

9 . "قل انى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت اذا وما أنا من المهتدين * قل انى على بينة من ربى وكذبتم به ما عندى ما تستعجلون به ان الحكم الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين * قل لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الأمر بينى وبينكم والله أعلم بالظالمين "  56 - 58

يبلغ الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعدة أقوال وبلاغات ليبلغها عنه وسبقت بأمره "قل" أولها أن يقول ويبلغ أنه نهى من الله عن الشرك والبعد عن ما يتخذه المشركون من أصنام وأوثان من دون الله وأن لا يتبع أهواء المشركين فلو فعل ذلك فقد ضل وبعد عن الحق وعن هدى الله " قل انى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت اذا وما أنا من المهتدين  ، " قل انى على بينة من ربى وكذبتم به ما عندى ما تستعجلون به ان الحكم الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين" تكررت قل فى موضوع آخر يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم للمشركين أنه على بصيرة من شريعة الله التى أوحاها اليه وهم قد كذبوا بالحق الذى جاءه من عند ربه وهم قد استعجلوا أن يوقع بهم العذاب من الله ليدلل على صدقه بما هددهم به فرد عليهم أنه ليس بيده ما يستعجلون به من العذاب فالحكم فى ذلك بيد الله يرجع اليه أمر ذلك ان شاء عجل لهم ما سألوه من ذلك وان شاء أنظرهم وأجلهم لما له فى ذلك من الحكمة العظيمة ولهذا قال " يقص الحق وهو خير الفاصلين " أىوهو خير من فصل القضايا وخير الفاتحين فى الحكم بين عباده ، " قل لو أن عندى ما تستجلون به لقضى الأمر بينى وبينكم " أى لو أن مرجع ذلك الى لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك والله وحده هو الذى بيده الأمر وهو العليم بما يفعل بالظالمين .

10 . " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون * قل هو القادر لى أن يبعث عليكم عذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون" 63 - 65 

يخبر الله تعالى رسوله أن يقول ويبلغ بفضله على عباده فهو المستحق الألوهية " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" يقول تعالى ممتنا على عباده فى انجائه المضطرين منهم من ظلمات البر والبحر أى الحائرين الواقعين فى المهامة البرية وفى اللجج البحرية اذا هاجت الرياح العاصفة فحينئذ يفردون الدعاء له وحده لا شريك له ويتوجهون اليه بالشكر وأن لا يكونوا مشركين بعدها  ، "قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون " وتتكرر كلمة قل أى بلغهم وأكد عليهم أن الله ينجيكم من هذا الكرب ومن كروب الدنيا جميعا وتدعون معه فى حال الرفاهية آلهة أخرى وترجعون الى الشرك ، " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم " يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر ويحدث على حقيقة أنه هو القادر بعد انجاءهم أن يبعث عليهم العذاب من كل مكان من السماء والأرض ، " أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض "قال ابن عباس وغير واحد يعنى يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل  والله قادر على أن يحولكم الى فرق متفرقة مختلفة تتقاتل وبأسها بينها شديد وعن سعد بن أبى وقاص قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال " أما انها كائنة ولم يأت تأويلها بعد " وقد وردت أحاديث فى هذه الآية منها عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " سألت ربى ثلاث خصال فأعطانى اثنتين ومنعنى واحدة فقلت يارب لا تهلك أمتى جوعا فقال هذه لك قلت يارب لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم يعنى أهل الشرك فيجتاحهم قال ذلك لك قلت يا رب لا تجعل بأسهم بينهم فمنعنى هذه " وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " دعوت ربى عز وجل أن يرفع عن أمتى أربعا فرفع الله عنهم اثنتين وأبى على أن يرفع عنهم اثنتين " ، دعوت ربى أن يرفع الرجم من السماء والغرق فى الأرض وأن لا يلبسهم شيعا وأن لايذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض ، وأبى الله أن يرفع اثنتين القتل والهرج وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " سألت ربى لأمتى أربع خصال فأعطانى ثلاثا ومنعنى واحدة سألته أن لا تكفر أمتى فأعطانيها وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا فاعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " ، "انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون " ويستطرد الله معقبا وداعيا الى النظر فى قدرته فى تبيين الآيات وتوضيحها وتفسيرها لعل العباد يفهمونها ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه .

11 . " وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل " 66

يتحدث الله تعالى الى رسوله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه للقرآن الذى جاءهم به والهدى والبيان ويعنى بقومه قريش وهو الحق الذى ليس وراءه حق وقال الله تعالى له صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ويبلغهم أنه ليس له عليهم سلطان فى قضية الكفر والايمان فانما عليه البلاغ وعليهم السمع والطاعة فمن تبعه سعد فى الدنيا والآخرة ومن خالفه فقد شقى فى الدنيا والآخرة .

12 . " قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل ان هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب لعالمين " 71

قال السدى قال المشركون للمسلمين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد فأنزل الله عز وجل " قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله " يقول سبحانه لرسوله قل لهؤلاء الكفار كيف ندعو أصناما وأوثانا لا تضر ولا تنفع أى لا تجلب لنا نفعا ولا ترد عنا أذى من دون الله مثلكم ثم نرد ونرجع الى الكفر والشرك بعد اذ هدانا الله ، " كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا" فيكون مثلنا مثل الذى استهوته الشياطين قال قتادة أضلته فى الأرض  يقول مثلكم ان كفرتم كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته فى الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه اليهم يقولون ائتنا فانا على الطريق فأبى أن يأتيهم فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذى يدعو الى الطريق والطريق هو الاسلام ، هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعون اليها والدعاة الذين يدعون الى هدى الله عز وجل كمثل رجل ضل عن الطريق تائها اذ ناداه مناد يافلان ابن فلان هلم الى الطريق وله أصحاب يدعونه يافلان هلم الى الطريق فان اتبع الداعى الأول انطلق به حتى يلقيه الى الهلكة وان أجاب من يدعوه الى الهدى اهتدى الى الطريق وقال ابن عباس الذى استهوته الشياطين فى الأرض هو الذى لا يستجيب لهدى الله وهو رجل أطاع الشيطان وعمل فى الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه وله أصحاب يدعونه الى الهدى ويزعمون أن الذى يأمرونه به هدى وهذا يقتضى أن أصحابه يدعونه الى الضلال ويزعمون أنه هدى وكما قال ابن جرير فان السياق يقتضى أن هذا الذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران وهو منصوب على الحال أى فى حل حيرته وضلاله وجهله توجه المحجة وله أصحاب على المحجة سائرون فجعلوا يدعونه اليهم والى الذهاب معهم على الطريق المثلى وتقدير الكلام فيأبى عليهم ولا يلتفت اليهم ولو شاء الله لهداه ولرد به الى الطريق ولهذا قال " قل ان هدى الله هو الهدى " ، " وأمرنا لنسلم لرب العالمين " وتختم الآية أننا أمرنا أن نخلص العبادة لله رب العالمين وحده لا شريك له .

13 . " وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزل الله على بشر قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون "91

قال ابن عباس ومجاهد نزلت فى قريش لأن قريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون ارسال محمد صلى الله عليه وسلم لأنه من البشر كما قال تعالى " أكان للناس عجبا أن أوحينا الى رجل منهم أن أنذر الناس " وكقوله تعالى " وما منع الناس أن يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"وهنا قال الله تعالى " وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء " ، فرد عليهم الله تالى وأوحى الى رسوله صلى الله ليه وسلم أن يقول لهؤلاء المنكرين لانزال شىء من الكتب من عند الله فى جواب سلبهم العام باثبات قضية جزئية موجبة " قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس " الكتاب الذى جاء به موسى عليه السلام هو التوراة التى قد علمتم وكل أحد أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران نورا وهدى للناس أى ليستضاء بها فى كشف المشكلات ويهتدى بها من ظلم الشبهات ، " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " أى تجعلون جملتها قراطيس أى قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلى الذى بأيديكم وتحرفون منها ما تحرفون وتبدلون وتتأولون وتقولون هذا من عند الله أى فى كتابه المنزل وما هو من عند الله ولهذا قال " تجعلونها قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " ، " وعلمتم ما لم تعلمون أنتم ولا آباؤكم " أى ومن أنزل القرآن الذى علمكم الله فيه من خبر ما سبق ونبأ ما يأتى ما لم تكونوا تعلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم ، "قل الله " يرد لله سبحانه وتعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم كما قال ابن عباس قل الله أنزله ، " ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون " أى ثم دعهم فى جهلهم وضلالهم يلعبون أى يتلهون ويبعدون ن الحق حتى يأتيهم من الله اليقين فسوف يعلمون ألهم العاقبة أم لعباد الله المتقين ؟ .

14 . " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل انما الآيات عند الله وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون " 109

يقول تعالى اخبارا عن المشركين أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم أى حلفوا أيمانا مؤكدة  ان جاءتهم معجزة وخارق ليصدقنها فيرد الله سبحانه عليهم ويوحى الى رسوله صلى الله عليه وسلم و يقول له قل يا محمد لهؤلاء الذين يسألونك الآيات تعنتا وكفرا وعنادا لا على سبيل الهدى والاسترشاد انما مرجع هذه الآيات الى الله ان شاء جاءكم بها وان شاء ترككم  وعن محمد بن كعب القرظى قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وتخبرنا أن عيسى كان يحيى الموتى وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أى شىء تحبون أن آتيكم به ؟ " قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا فقال لهم " فان فعلت تصدقونى ؟ " قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال له ما شئت ان شئت أصبح الصفا ذهبا ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم ، وان شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل يتوب تائبهم " فأنزل الله الآية والآيات الأخرى حتى قوله " ولكن أكثرهم يجهلون " كما قال تعالى " وما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون " .

15 . " قل يا قوم اعملوا على مكانتكم انى عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون " 135

" قل يا قوم اعملوا على مكانتكم انى عامل "هذا تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للمشركين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه من قريش استمروا على طريقتكم وناحيتكم ان كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتى ومنهجى كقوله " وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم انا عاملون وانتظروا انا منتظرون " ، " فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون "يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقون للمشركين سوف تعلمون من تكون له العاقبة أتكون لى أو لكم وقد أنجز الله موعوده لرسوله صلى الله عليه وسلم فانه تعالى مكنه فى البلاد وحكمه فى نواصى مخالفيه من العباد وفتح له مكة وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه واستقر أمره على سائر جزيرة العرب وكذلك اليمن والبحرين وكل ذلك فى حياته ثم فتحت الأمصار والأقاليم بعد وفاته فى أيام خلفائه رضى الله عنهم أجمعين كما قال الله تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلى ان الله قوى عزيز" ، "انه لا يفلح الظالمون " ينهى الله الآية بأنه لا فلاح للظالمين ولا توفيق لهم .    

16 . " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل أالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبؤنى بعلم ان كنتم صادقين * ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل ألذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدى القوم الظالمين " 132 - 144

هذا بيان لجهل العرب قبل الاسلام فيما كانوا حرموا من الأنعام وجعلوها أجزاء وأنواعا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما وغير ذلك من الأنواع التى ابتدعوها فى الأنعام والزروع والثمار فبين تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا ، ثم بين أصناف الأنعام الى غنم وهو الضأن والمعز ذكره وأنثاه والى ابل ذكورها واناثها وبقر ذكورها وأناثها وأنه تعالى لم يحرم شيئا من ذلك ولا شيئا من أولادها بل كلها مخلوقة لبنى آدم أكلا وركوبا وحمولة وحلبا وغير ذلك من وجوه المنافع كما قال " وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج " ، " أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " رد عليهم فى قولهم "ما فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " بقوله تعالى "نبئونى بعلم ان كنتم صادقين" أى أخبرونى عن يقين كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك قال ابن عباس قوله " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " فهذه أربعة أزواج "قل آلذكرين حرم أم الأنثيين " يقول لم أحرم شيئا من ذلك " أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " يعنى هل يشتمل الرحم الا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا ؟ فقال لهم سبحانه وتعالى  "نبئونى بعلم ان كنتم صادقين " يقول كله حلال وليس لكم علم يخبر بصدقكم فى تحريم هذا وتحليل ذلك وقوله تعالى " أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا " تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله من تحريم ما حرموه من ذلك ، " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم " أى لا أحد أكثر ظلما من الذى يكذب على الله ويفترى الكذب ليضل الناس وهو جاهل أو متعمد الكذب مثل الذين يدعون النبوة أو يغيرون فى الدين وأول من دخل فى هذه الآية عمرو بن لحى بن قمعة لأنه أول من غير دين الأنبياء وأول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامى كما ثبت ذلك فى الصحيح .

17. " قل لا أجد فى ما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن ضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم " 145

يقول الله تعالى آمرا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله " لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه " قيل معناه لا أجد شيئا مما حرمتم حراما على من يأكله سوى هذه وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا فى سورة المائدة ، " الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير " فلتحريم للميتة والدم المهراق وقال قتادة حرم من الدماء ما كان مسفوحا فأما اللحم خالطه الدم فلا بأس به وحرم لحم الخنزير وعن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية ياكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وقرأ هذه الآية " قل لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه " ، " فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به "ومن هذا الذى حرم  هوالرجس والفسق الذى أهل لغير الله به أى ذبح للاصنام والأوثان والذى لم يذكر اسم الله عليه  ، " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم " فمن اضطر الى أكل شىء مما حرم الله فى هذه الآية الكريمة وهو غير متلبس ببغى ولا عدوان فان الله غفور رحيم أى غفور له رحيم به والغرض من سياق هذه الآية الكريمة الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك فأمر رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه الله اليه أن ذلك محرم وانما حرم ما ذكر فى هذه اية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما عدا ذلك فلم يحرم وانما هو عفو مسكوت عنه فكيف تزعمون أنتم أنه حرام ومن أين حرمتموه ولم يحرمه لله ؟ كما جاء النهى عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذى مخلب من الطير على المشهور من مذاهب العلماء .  

18 . " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان أنتم الا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين * قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبو بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون " 148 - 150

هذه مناظرة ذكرها الله تعالى وشبهة تشبث بها المشركون فى شركهم وتحريم ما حرموا فان الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الايمان ويحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره فدل على أنه بمشيئته وارادته ورضاه منا بذلك فانهم قالوا عبادتنا الالهة تقربنا الى الله زلفى فأخبرهم الله أنها لا تقربهم وأن هذا شرك ولهذا قالوا " لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء " كما فى قوله تعالى " وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم " ، " كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا " أى بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء حتى وقع عليهم عذاب وبأس ربهم وهى حجة داحضة باطلة لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم رسله الكرام وأذاق المشركين من أليم الانتقام ، " قل هل من علم فتخرجوه لنا " يبلغ الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يواجه هؤلاء بحجتهم الباطلة ويقول لهم هل من عندكم علم بأن الله راض عنكم فيما أنتم فيه فتبرزوه وتظهروه وتبينوه لنا ، " ان تتبعون الا الظن " يرد الله عليهم أنكم لا تتبعون الا التوهم والخيال والمراد بالظن هنا الاعتقاد الفاسد ، " وان أنتم الا تخرصون " وأنتم تكذبون على الله فيما ادعيتموه ، " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين " يبلغ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم أن الله له الحكمة التامة والحجة البالغة فى هداية من هدى واضلال من ضل فكب ذلك بقدرته ومشيئته واختياره وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويبغض الكافرين كما قال تعالى " ولو شاء الله لجمعكم على الهدى " ، " قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا " ويقول الله سبحانه وتعالى لرسول صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المشركين احضروا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا الذى حرمتموه وكذبتم وافتريتم على الله فيه ، " فان شهدوا فلا تشهد معهم " ينهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ان كان  لهؤلاء شهود فلا ينساق معهم ولا يتبعهم لأنهم انما يشهدون والحالة هذه كذبا وزورا ، " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون " وينهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينساق الى ميول ورغبات الذين كذبوا بآياته والذين لايؤمنون بالآخرة ويشركون به ويجعلون له عديلا .

19 . " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون " 151

يبلغ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويبلغ هؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم "قل" لهم " تعالوا" أى هلموا وأقبلوا " أتل ما حرم ربكم عليكم " أى أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا لا تخرصا ولا ظنا بل وحيا منه وأمرا من عنده ، " ألا تشركوا به شيئا " عدم الشرك بالله مطلقا وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " ، " وبالولدين احسانا " أى وأوصاكم وأمركم بالاحسان الى الوالدين كما قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا " أى أحسنوا اليهم والله تعالى كثيرا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال " أن اشكر لى ولوالديك الى المصير وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروف واتبع سبيل من أناب الى ثم الى مرجعكم غأنبئكم بما كنتم تعملون " فأمر بالاحسان اليهما وان كانا مشركين بحسبهما وفى الصحيحين عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل ؟ قال " الصلاة على وقتها " قلت ثم أى ؟ قال " بر الوالدين " قلت ثم أى ؟ قال " الجهاد فى سبيل الله " قال ابن مسعود حدثنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادنى " ، " ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم " لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الاحسان الى الأبناء والأحفاد ونهى عن القتل والوأد خشية الفقر أو من الفقر نفسه فهو الذى يرزق الكل الآباء والأبناء وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك فكانوا يئدون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار وفى الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى اله عليه وسلم أى الذنب أعظم ؟ قال " أن تجعل لله أندادا وهو خلقك " قلت ثم أى قال " ان تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قلت ثم أى قال " أن تزنى حليلة جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس الى حرم الله الا بالحق ولا يزنون " ، وقوله تعالى " من املاق " قال ابن عباس وقتادة وغيرهما هو الفقر أى ولا تقتلوهم من فقرقكم الحاصل ، وقال فى سورة الاسراء " ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق " أى لا تقتلوهم خوفا من الفقر فى الآجل ولهذا قال هنا " نحن نرزقهم واياكم " فبدأ برزقهم للاهتمام بهم أى لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله وأما هنا فلما كان الفقر حاصلا قال " نحن نرزقكم واياهم " لأنه الأهم هنا ، " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " الفواحش جمع فاحشة وهى الرزائل التى حرمها الله الظاهرة أى الواضحة التى ترتكب علنا وثابتة بالدليل الواضح والتى ترتكب فى الخفاء أو دون دليل عليها ونهى الله عنها نهيا تاما ، " ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق " حرم الله تعالى قتل النفس الا بالحق فقد جاء فى الصحيحين عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " وفى لفظ لمسلم " والذى لا اله غيره لا يحل دم رجل مسلم " وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث خصال : زان محصن يرجم ، ورجل قتل متعمدا فيقتل ، ورجل يخرج من الاسلام وحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض "  وعن عثمان بن عفان رضى الله عنه أنه قال وهو محصور سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث : رجل كفر بعد اسلامه ، أو زنى بعد احصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس" فو الله ما زنيت فى جاهلية ولا اسلام ، ولا تمنيت أن لى بدينى بدلا منه بعد اذ هدانى الله ، ولا قتلت نفسا ، فبم تقتلونى " ،  " ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون " ينهى الله تعالى الآية بالتأكيد على أهمية هذه الأمور وأنها توصية منه واجبة التنفيذ لا محيد عنها ولا محيص منها وهى وصايا لابد أن تعقل وتفهم وتنفذ والتفسير أى هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه .  

20 . " هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو يأتى ربك أو يأتى بعض آيات ربك يوم يأتى بعض أيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون " 158

يقول تعالى متوعدا الكافرين به والمخالفين لرسله والمكذبين آياته والصادين عن سبيله " هل ينظرون الا أن تأنيهم الملائكة أو يأتى ربك " هل هؤلاء ينتظرون ولا يرجعون عما هم فيه ويتوبون حتى يقع يوم القيامة ويحل بهم مايحل فى اليوم الذى يتجلى فيه الله تعالى والملائكة ، " أو يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " وذلك يوم اذا وقعت آيات لا تنفع بعدها التوبة وهى قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا رآها الناس آمن من عليها " فذلك حين " لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " وفى قول آخر عن همام بن منبه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها " وفى لفظ " فاذ طلعت ورآها الناس أمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " ثم قرأ هذه الآية ،  "أو كسبت فى ايمانها خيرا " أى ولا يقبل منها كسب عمل صالح اذا لم يكن عاملا به قبل ذلك ، " قل انتظروا انا منتظرون " تهديد شديد للكافرين ووعيد أكيد لمن سوف بايمانه وتوبته الى وقت لا ينفعه ذلك سبق هذا الوعيد بكلمة قل أى قل لهم ليفيد التأكيد والتحقق وهذا أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يبلغه ويقوله لمن يوجه اليه هذا الكلام منه .

21 . " قل اننى هدانى ربى الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين * قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العلمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " 162-163

يقول تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به علي من الهداية الى صراطه المستقيم الذى لا اعوجاج فيه ولا انحراف دينا قائما ثابتا على ملة ابراهيم عليه لسلام لا عوج فيه بعيدا عن الشرك وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة ابراهيم الحنيفية أن يكون ابراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما وأكملت له اكمالا تاما لم يسبقه أحد الى هذا الكمال ولهذا كان اتم النبيين وسيد ولد آدم على الاطلاق وصاحب المقام المحمود الذى يرغب اليه الخلق حتى الخليل عليه السلام وعن ابن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله اذا أصبح قل " أصبحنا على ملة الاسلام وكلمة الاخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ، " قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين " يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم فى ذلك فان صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له وهذا كقوله تعالى " فصلى لربك وانحر " أى أخلص له صلاتك وذبحك فان المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والاقبال بالقصد والنية والعزم على الاخلاص لله تعالى وقال مجاهد " ان صلاتى ونسكى " النسك الذبح فى الحج والعمرة وعن السدى " ونسكى " قال ذبحى وعن جابر بن عبد الله قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم النحر بكبشين وقال حين ذبحهما " وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ، وقوله " وأنا أول المسلمين " قال قتادة أى من هذه الأمة وهم كما قال فان جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم الى الاسلام وأصله عبادة الله وحده لا شريك له . 

22 . " قل أغير الله أبغى ربا وهو رب كل شىء ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " 164

يقول تعالى "قل" يا محمد لهؤلاء المشركين بالله فى اخلاص العبادة له والتوكل عليه " أغير الله أبغى ربا" أى أطلب ربا سواه يربينى ويحفظنى ويكلؤنى ويدبر أمرى ، أى لا أتوكل الا عليه ولا أنيب الا اليه ،   "وهو رب كل شىء " فهو رب كل شىء ومليكه وله الخلق والأمر ، ففى هذه الآية الأمر باخلاص التوكل كما تضمنت التى قبلها اخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرا فى القرآن كقوله تعالى مرشدا لعباده يقولوا له " اياك نعبد واياك نستعين " وكقوله " قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا " ، " ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى " اخبار عن الواقع يوم القيامة فى جزاء الله تعالى وحكمه وعدله أن النفوس انما تجازى بأعمالها ان خيرا فخير وان شرا فشر ، وأن لا يحمل من خطيئة أحد على أحد وهذا من عدله تعالى ، " ثم الى ربكم مرجعكم  فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " أى اعملوا على مكانتكم انا عاملون على ما نحن عليه فستعرضون ونعرض عليه وينبئنا واياكم بأعمالنا وأعمالكم وما كنا نختلف فيه فى الدار الدنيا كقوله تعالى " قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون * قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم " .


No comments:

209-] English Literature

209-] English Literature Charles Dickens  Posted By lifeisart in Dickens, Charles || 23 Replies What do you think about Dickens realism? ...