3 - ) حكم كلمة "قل" فى القرآن
فى
سورة النساء
1
. " ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا
ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا الى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة
خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة
وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل
من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا " 77 - 78
عن
ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبى صلى الله عليه وسلم بمكة
فقالوا يانبى الله كنا فى عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة قال " انى
أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم " فلما حوله الله الى المدينة أمره بالقتال
فكفوا فأنزل الله الآية وقال السدى لم يكن عليهم الا الصلاة والزكاة ، فسألوا الله
أن يفرض عليهم القتال فلما فرض عليهم القتال " اذا فريق منهم يخشون الناس
كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتب علينا القتال لولا أخرتنا الى أجل قريب
" والأجل القريب هو الموت أى بعد أن فرض الله القتال كان هناك فريق جبن من
القتال خوفا من الناس فكان خوفهم من الناس كخوف الله أو أشد من خوف الله ويرد الله
عليهم فيبلغ أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم ان يقول لهم ويبلغهم " قل متاع
الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فليلا " أمر رسوله صلى الله
عليه وسلم أن الدنيا زائلة ومتاعها قليل ومن يخاف الله ويتقه ويؤمن به فان الآخرة
خير من الدنيا فيوفيهم الله جزاءهم وهو العادل ولن يظلمهم حتى الفتيل وهو ما بداخل
التمرة وهذه تسلية لهم عن الدنيا وترغيب فى الآخرة وتحريض على الجهاد ، ويرد الله
عليهم أنتم صائرون الى الموت لا محالة ولا ينجو منه أحد منكم كما قال تعالى "
كل من عليها فان" وقال تعالى " كل نفس ذائقة الموت " وقال تعالى
" وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " والمقصود أن كل أحد صائر الى الموت لا
محالة ولا ينجيه من ذلك شىء سواء جاهد أو لم يجاهد فان له أجلا محتوما ، ومقاما
مقسوما ولو كنتم فى حصون حصينة منيعة عالية رفيعة وقيل هى بروج فى السماء والصحيح
أنها المنيعة أى لا يغنى حذر وتحصن من الموت ويحدث سبحانه وتعالى عن الناس ان
يصبهم خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك ينسبوه الى الله وان يصبهم قحط وجدب
ونقص فى الثمار والزروع أو موت أولاد أو نتاج أو غير ذلك وكما يقول أبو العالية
والسدى يقولون أن هذه من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك وهذا ما قاله
المنافقون الذين دخلوا فى الاسلام ظاهرا وهم كارهون له فى نفس الأمر وهذا اذا
أصابهم شر انما يسندونه الى اتباعهم للنبى صلى الله عليه وسلم وقال السدى وان
تصبهم حسنة قال الحسنة الخصب تنتج مواشيهم
وخيولهم ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان " قالوا هذه من عند الله
" "وان تصبهم السيئة "
والسيئة الجدب والضرر فى أموالهم تشاءموا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا هذه من عندك
يقولون بتركنا ديننا واتباعنا محمدا أصابنا هذا البلاء فأنزل الله عز وجل "
قل كل من عند الله " أى الجميع بقضاء الله وقدره وهو نافذ فى البر والفاجر
والمؤمن والكافر وقال ابن عباس قل كل من عند الله أى الحسنة والسيئة ثم قال تعالى
منكرا على هؤلاء القائلين هذه المقال الصادرة عن شك وريب وقلة فهم وعلم وكثرة جهل
وظلم .
2
. " يسستفتونك قل الله
يفتيكم فى الكلالة ان امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان
لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا اخوة رجالا
ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شىء عليم "
176
الآية
فى ختام سورة النساء وتتحدث عن أمر من أمور الميراث فى حالة فقهية جديدة وهى
الافتاء من الله فى أمر وهو الكلالة وفسرها العلماء بمن يموت وليس له ولد ولا والد
ومن الناس من يقول الكلالة من لا ولد له كما دلة عليه هذه الآية ، وقد أشكل حكم
الكلالة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما ثبت عنه فى الصحيحين
أنه قال : ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد الينا فيهن عهدا
ننتهى اليه - الجد والكلالة وباب من أبواب الربا ، يتحدث الله عن هذا الأمر وهو طلب الفتيا من الرسول صلى الله عليه وسلم
ويعلمه الله ويخبره أن يقول للمسلمين الفتيا
وهو ان هلك شخص ليس له ولد ولا والد ويدل على ذلك قوله " وله أخت فلها
نصف ما ترك " ولو كان معها أب لم ترث شيئا لأنه يحجبها بالاجماع فدل على أنه
لا والد له بنص القرآن ولا ولد لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها
ميراث بالكلية ، وعن ابن عباس وابن الزبير كانا يقولان فى الميت ترك بنتا وأختا
أنه لا شىء للأخت لقوله " ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك
" قال فاذا ترك بنتا فقد ترك ولدا فلا شىء للأخت وخالفهما الجمهور فى ذلك
فقالوا فى هذه المسألة للبنت النصف بالفرض وللأخت النصف الآخر بالتعصيب بدليل غير
هذه الآية ، " وهو يرثها ان لم يكن لها ولد "أى والأخ يرث جميع مالها
اذا ماتت كلالة وليس لها ولد ولا والد لأنه لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئا ،
" فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك " أى فان كان لمن يموت كلالة
أختان فرض لهما الثلثان وكذا ما زاد على الأختين فى حكمهما ومن هنا أخذ الجماعة
حكم البنتين كما استفيد حكم الأخوات من البنات فى قوله "فان كن نساء فوق
اثنتين فلهن ثلثا ما ترك " ، " وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل
حظ الأنثيين" هذا حكم العصبات من البنين وبنى البنين والاخوة اذا اجتمع
ذكورهم واناثهم أعطى الذكر مثل حظ الأنثيين وقوله " يبين الله لكم" أى
يفرض لكم فرائضه ويحد لكم حدوده ويوضح لكم شرائعه وقوله "أن تضلوا" أى
لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان ، " والله بكل شىء عليم" أى هو عالم
بعواقب الأمور ومصالحها وما فيها من الخير لعباده وما يستحقه كل واحد من القربات
بحسب قربه من المتوفى .
وردت
"قل" فى سورة النساء فى موضعين للرد على من كانوا يطالبون ان يفرض
القتال ففرضه الله ولكن بعد فرضه أعرضوا فنزل الوحى من الله أن يقول لهم أن الله
قد كتب الآجال والأعمار ، وفى الموضع الآخر هو تعليم الله سبحانه رسوله صلى الله
عليه وسلم الفتيا فى أمر الكلالة .
فى
سورة المائدة
1
. "يسألونك ماذا أحل لهم قل
أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلموهن مما علمكم الله فكلوا مما
أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب " 4
تكررت
"يسألونك" فى آيات القرآن والسؤال هو مفتاح العلم وكان السؤال فى أمور
متعددة لمعرفة رد الرسول صلى الله عليه وسلم فيعلمه الله ويوحى اليه أن يقول ويبلغ
وهذه الآية تتبع نفس النهج ، بعد أن ذكر الله المحرمات تناولت الآيات ما أحل الله
ليخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من حوله فأحل الله الطيبات وهو لفظ جامع وقال
مقاتل : الطيبات ما أحل لهم من كل شىء أن يصيدوه وهو الحلال من الرزق ،
"وما
علمتم من الجوارح مكلبين" عن ابن عباس هى الكلاب المعلمة والبازى وكل طير
يعلم للصيد والجوارح يعنى الكلاب الضوارى والفهود والصقور وأشباهها وقال الحسن :
الباز والصقر من الجوارح والمحكى عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب
لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب فلا فرق ، وسميت هذه الحيوانات التى
يصطاد بهن جوارح من الجرح وهو الكسب كما تقول العرب فلان جرح أهله خيرا أى كسبهم
خيرا ، ويقولون فلان لا جارح له أى لا كاسب له كما قال تعالى " ويعلم ما
جرحتم بالنهار" أى ما كسبتم من خير وشر وقال النبى صلى الله ليه وسلم "
اذا أرسل الرجل كلبه فأمسك عليه فليأكل ما لم يأكل " ، " مكلبين"
أى ما علمتم من الجوارح فى حال كونهن مكلبات للصيد وذلك أن تقتنصه بمخالبها أو
أظفارها فيستدل بذلك أن الجارح اذا قتل الصيد بصدمته ولا بمخالبه وظفره أنه لا
يحل،"تعلموهن مما علمكم الله " يعلمه اذا أرسله استرسل واذا أشلاه
استشلى واذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجىء اليه ولا يمسكه لنفسه ولهذا قال
تعالى " فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه" فمتى كان الجارح
معلما وأمسك على صاحبه وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت ارساله حل الصيد وان قتله
بالاجماع ، وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة كما ثبت فى
الصحيحين عن عدى بن حام قال قلت يارسول الله انى أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم
الله فقال " اذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك "
قلت وان قتلن ؟ قال " وان قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها فانك انما سميت على
كلبك ولم تسم على غيره فأصيب" قلت له فانى أرمى بالمعراض الصيد ؟ فقال
"اذا رميت بالمعراض فخزق فكله ، وان أصابه برض فانه وقيذ فلا تأكله "
والصحيح من مذهب الشافعى أنه اذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقا ولم يستفصلوا وحكى
عن طائفة من السلف أنهم قالوا لا يحرم مطلقا ، وتدعو الآية الى تقوى الله فى تنفيذ أحكامه
فهو الذى يحاسب على الأقوال والأفعال وهو يمهل ولا يهمل فحسابه سريع .
2
. " لقد كفر الذين قالوا ان
الله هم المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا ان اراد أن يهلك المسيح ابن
مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء
والله على كل شىء قدير " 17
يقول
تعالى مخبرا وحاكيا بكفر النصارى فى ادعائهم فى المسيح ابن مريم وهو عبد من عباد
الله وخلق من خلقه أنه هو الله ، فيوحى الى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم
ويخبرهم عن قدرة الله تعالى على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه " قل فمن
يملك من الله شيئا ان أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا"
لو أراد الله أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه وجميع من فى الأرض فمن ذا الذى كان
يمنعه منه أو من ذا الذى يقدر لى صرفه على ذلك ثم قال " ولله ملك السموات
والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شىء قدير " أى جميع الموجودات
ملكه وخلقه وهو القادر على ما يشاء لا يسئل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته .
3
. " وقالت اليهود والنصارى
نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء
ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما واليه المصير " 18
يوحى
الله سبحانه الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول ويرد على زعم اليهود
والنصارى وافترائهم ورد الله تعالى عليهم أنهم أبناء الله وأحباؤه وهم المقربون
اليه وهم يقولون نحن منتسبون الى أنبياء
الله وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده
اسرائيل أنت ابنى بكرى فحملوا هذا على غير تاويله وحرفوه وأوحى الى رسوله صلى الله
عليه وسلم أن يقول لهم ويرد عليهم " قل فلم يعذبكم بذنوبكم " أى لو كنتم
كما تدعون أبناؤه وأحباؤه فلم أعددت لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم ؟ ،
" بل أنتم بشر ممن خلق " ويستطرد الرد من الله تعالى أن لكم أسوة
أمثالكم من بنى آدم وهو سبحانه الحاكم فى جميع عباده ، " يغفر لمن يشاء ويعذب
من يشاء " هو وحده الذى بيده المغفرة ويقبل التوبة ممن يشاء من عباده برحمته
وحكمته ويعذب من يستحق العذاب من عباده فهو فعال لما يريد لا معقب لحكمه وهو سريع
الحساب ، " ولله ملك السموات والأرض وما بينهما " أى جميع ما فى السموات
والأرض ملكه وتحت قهره وسلطانه ، " واليه المصير" فهو اليه المرجع
والمآب فيحكم فى عباده ما يشاء وهو العادل الذى لا يجور ، وعن ابن عباس قال وأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان ابن آضا وبحرى بن عمرو وشاس بن عدى فكلموه
وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم الى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما
تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله فيهم الآية
.
4
. "قل يا أهل الكتاب هل
تنقمون منا الا أن آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون *
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة
والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل " 59 - 60
يقول
تعالى قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب " هل
تنقمون منا الا أن آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل من قبل " أى هل لكم
علينا مطعن أو عيب الا أننا آمنا بالله وما أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه
وسلم من رسالة وما أنزله الله على النبيين من قبل لا نفرق بين أحد منهم ؟ وهذا ليس
بعيب ولا مذمة فيكون الاستثناء منقطعا كما فى قوله تعالى " وما نقموا منهم
الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " ، " وان أكثركم فاسقون "
معطوف على ما قبله أى وآمنا بأن أكثركم فاسقون أى خارجون عن الطريق المستقيم ، وتستطرد
الآيات " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " يخبر الله رسوله صلى
الله عليه وسلم أن يخبرهم ويقول لهم هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما
تظنونه بنا ؟ وأنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله " من لعنه
الله " أى أبعده من رحمته "وغضب
عليه " أى غضب عليه غضبا لا يرضى بعده أبدا ، "وجعل منهم القردة والخنازير" ومن
غضب الله وسخطه عليهم أن جعل منهم القردة والخنازير بمخالفتهم أمر الله كما ورد فى
سورة البقرة وعن ابن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة
والخنازير أهى مسخ الله فقال " ان الله لم يهلك قوما أو قال لم يمسخ قوما
فيجعل لهم نسلا ولا عقبا وان القردة والخنازير كانت قبل ذلك " وفى قول آخر عن
ابن مسعود قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهى من نسل
اليهود فقال "لا" ان الله لم يلعن قوما قط فيمسخهم فكان لهم نسل ولكن
هذا خلق كان فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم " ، " وعبد
الطاغوت " اذا كانت بالنصب تكون وجعل الله منهم من عبد الطاغوت واذا كانت بالاضافة
يكون المعنى وجعل منهم خدم الطاغوت أى خدامه وعبيده وعبد الطاغوت جمع الجمع عبد
وعبيد وعبد مثل ثمار وثمر ويكون المعنى اى يا أهل الكتاب الطاعنين فى ديننا الذى
هو توحيد الله وافراده بالعبادات دون ما سواه كيف يصدر منكم ذلك وأنتم قد وجد منكم
ما ذكر ولهذا قال " أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل " من يتصفون
بذلك هم أكثر الناس مكانة فى الشر وهم أبعدهم عن الطريق السوى المستقيم .
5
. " قل يا أهل الكتاب لستم
على شىء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغينا وكفرا فلا تأس على القوم
الكافرين " 68
يقول
تعالى مخبرا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأهل الكتاب " يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا
التوراة والانجيل وما أنزل اليكم من ربكم " أى لستم على شىء من الدين حتى
تقيموا التوراة والانجيل أى حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله
على الأنبياء وتعملوا بما فيها ومما فيها الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والأمر
باتباعه والايمان بمبعثه والاقتداء بشريعته ولهذا قال كما قال مجاهد " وما
أنزل اليكم من ربكم " يعنى القرآن العظيم وقوله " وليزيدن كثيرا منهم ما
أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا " ويعقب الله تعالى بقوله أنهم يزايدون فى
تكذيبهم وعنادهم ومعارضتهم للرسول صلى الله عليه وسلم لأبعد الحدود ، "فلا تأس على القوم
الكافرين " أى فلا تحزن عليهم ولا يهيبنك ذلك منهم .
6
. " قل أتعبدون من دون الله
ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم * قل يا أهل الكتاب لا تغلوا
فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن
سواء السبيل "
76
- 77
يقول
الله تعالى منكرا على من عبد غيره من الأصنام والأنداد والأوثان التى لا تملك نفعا
ولا ضرا وأنها لا تستحق شيئا من الالهية فقال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل
لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بنى آدم ودخل فى ذلك النصارى وغيرهم أتعبدون
من غير الله من لا يقدر على دفع ضر عنكم ولا ايصال نفع اليكم " والله هو
السميع العليم " أآ السميع لأقوال عباده العليم بكل شىء فلم عدلتم عنه الى
عبادة جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا ولا يملك ضرا ولا نفعا لغيره ولا لنفسه
ثم قال لرسوله أن يقول لأهل الكتاب ويرد عليهم فى تغاليهم فى الضلال " قل يا
أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق " أى لا تجاوزوا الحد فى اتباع الحق
ولا تطردوا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة الى مقام
الالهية كما صنعتم فى المسيح وهو نبى من الأنبياء فجعلتموه الها من دون الله وما
ذلك الا لاقتدائكم بكبرائكم وشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديما
" وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " أى وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال
الى طريق الغواية والضلال .
7
. "قل لا يستوى الخبيث
والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون "100
يقول
تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ من حوله ويعظهم أنه لا يمكن أن يستوى
الخبيث والطيب ويعنى "كثرة الخبيث" أن القليل الحلال النافع خير من
الكثير الحرام كما جاء فى الحديث " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " وعن
أبى أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصارى قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقنى مالا
فقال النبى صلى الله عليه وسلم " قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه "
، " فاتقوا الله يا أولى الألباب " أولوا الألباب هم ذوى العقول الصحيحة
المستقيمة تجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به لعلكم تفلحون أى فى
الدنيا والآخرة .
وردت
"قل" فى سورة المائدة لتعليم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد على أهل
الكتاب ، ويرد على التساؤل بشأن الصيد باستخدام الجوارح ، وكذلك بالنصح بالاكتفاء
بالرزق الحلال الطيب ولو كان قليلا والبعد عن الرزق الكثير لو كان خبيثا .
No comments:
Post a Comment