الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم القائد والسياسى ورجل الدولة .
اجتمعت فى رسول الله صلى الله عليه وسلم
كل صفات القائد والسياسى ورجل الدولة ، كما لم تجتمع فى أحد من قبله ، كان العرب
أتباعا فأصبحوا أسيادا ، وكانوا قبائل فأصبحوا اخوانا ينصر بعضهم بعضا ، وكانوا
يحنون رؤوسهم لكسرى وقيصر ، ثم أصبحت جيوش كسرى وقيصر تفر من أمامهم ، حصل ذلك
التحول بفعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ةتأييد الله له فى هذا الموضوع ، لقد
كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هو رجل الدولة الأول سياسيا وعسكريا ، وكان
فى قمة لا يرقى اليها أحد ، وهو الأمى الذى لا يعرف قراءة ولا كتابة مما يدل على أن المسألة هنا
ربانية المبدأ ولا بد لنجاح القيادة السياسية من نقاط تؤدى الى النجاح ، وسوف أحاول أن أستعرض بعضا من هذا الجانب ردا
على أولئك الذين يفصلون الدين عن الدولة ، وان صدق ذلك على أى دين آخر فانه لايصدق
على الاسلام ، ولا على رسول الاسلام ، فلاسلام نظام حياة شامل ، ودين ودولة ، وليس
مجرد طقوس أو شعائر دينية ، ولكن نظام حياة شامل بكل ما تحمله الكلمة من معنى ،
فهو الدين الذى تعرض لكل أوجه الحيا للفرد وللمجتمع ، فهو ليس دين الفرد ، الذى
يتعلم عبادات وطقوس يؤديها ثم تنقطع صلته به ، ويسعى الاسلام الى اقامة الدولة
الاسلامية التى يحكمها خليفة المسلمين يطبق فيها ما شرع الله ، ولنا فى ذلك أسوة
فى رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده ، ولقد أرسى رسول الله
صلى الله وسلم أركان الدولة الاسلامية فى المدينة المنورة ، وقد بدأ رسول الله
نواة الدعوة الاسلامية فى مكة وسط مجتمع مشرك يعبد الأصنام ، يقول ر . ف . بودلى (
كولونيل أمريكى اختلط بالعرب ودرس حياتهم الخاصة ، فأغراه ذلك الى دراسة حيلة
نبيهم فدرسها دراسة واسعة شجعته على أن يكتب كتابا عن حياة هذا الرسول ومظاهر
عظمته ) :" وان الدارس لقصة محمد لتبهره جكمته الساطعة ، وليرى محمدا شيئا
مميزا لا يمت لعصره بسبب ، وانه ليعجب أحيانا من اعتدال أحكامه التى تعالج الأمور
العامة ، كانت أفكاره سابقة لأفكار معاصريه ، لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم على
نقيض من سبقه من الأنبياء ، فانه لم يكتف بالمسائل الآلهية ، بل تكشف له الدنيا
ومشكلاتها ، فلم يغفل الناحية العملية الدنيوية فى دينه ، فوفق بين دنيا الناس
ودينهم ، وبذلك تفادى أخطاء من سبقوه من المصلحين الذين حاولوا خلاص الناس عن طريق
غير عملى ، لقد شبه الحياة بقافلة مسافرة يرعلها آله ، وأن الجنة نهاية المطاف ، وظلت
أخلاقه ثابتة لا تتبدل أيا كان العمل الذى يعمله ، سواء أكان يرعى غنمهم فى سكون
البادية ، أم يبيع عطوره أو أنماطه فى دمشق ، ولم تتبدل أمانته ، ولم يتغير صدقه ،
بل بقيت فضائه ثابتة على الأيام ، حتى لقب " بالأمين " ولم تفتنه النساء
قط ، ولم تفتنه الشهوات أيضا ، وبقيت غرائزه الجنسية مهذبة ، وكان حاضر البديهة ،
عذب الحديث ، ميالا الى معاشرة الناس ، معتنيا دائما بملابسه وهندامه ، فكان يلبس
للخيام لبسا وللطريق لبسا ، ويعتنى بلباسه غاية العناية اذا ما كان فى الدار ، وكا
يهتم بعمامته وكانت ملابسه نظيفة أبدا ، وكا يفضل البياض ، وان كان لبس الألوان
الزاهية فى أيامه الأخيرة .
وما كان محمد ثرثارا ، وان كان صادق
الترحاب بمن يقبل عليه ، وكان على سليقته العربية لايتكلم الا اذا كان هناك ما
يصلح للحديث ، وقد أعلن أن من الأيمان الاعراض عن اللغو ، وكان متوسط الحال ، وقد
قال بعضهم فيه يوما :" انه أخفر من عذراء فى خدرها " ، ولم يثبت فى
تاريخه حتى اليوم أنه أتى أمرا خارقا ، وأن الحادث التالى التالى الذى يذكر على
سبيل التدليل على فطنته ، ليبرهن على أنه كان يتفوق على أقرانه برجاحة عقله ، فقد
أثرت الأمطار فى الكعبة فتصدعت جدرانها ، وأصبح شد بنيانها أمرا ضروريا ، وأقبلت
قريش على هذا العمل بعد احجام ، ولما آن وضع الحجر فى مكانه زاد الخصام واشتد
الأمر واستفحل الخطب ، وتحدث الكاتب عن
تدخل الرسول صلى الله عليه وسلم لحل هذا الأمر كما تحدثنا من قبل .
أما زهد النبى صلى الله عليه وسلم وأتباعه
فقد صوره المؤلف بفقراته التالية :" ولقد أوضح ممد صلى الله عليه وسلم منذ
اللحظة الأولى أن الاسلام يقوم على البساطة ، ولقد اعتنق أصحابه تلك المبادىء حتى
بعد موته ، مما يروى أن خالدا قائد جيوش المسلمين فى الشام أيام خلافة عمر رضى الله
عنه اجتمع بقائد الجيش الرومانى تحت خيمة كبيرة وكان الرومان يرتدون الكسى
المزخرفة البراقة ويحملون سيوفا مرصعة بالجواهر المتلألئة ، أما خالد وأصحابه
رضوان الله عليهم فكانوا يرتدون رداء الأعراب المقاتلين ، درعا بسيطة ، وسيوفهم
الى جانبهم لا بريق فيه ولا زخرفة ، وألقى المسلمون التحية لدى دخولهم وجلسوا أرضا
، فسألهم القائد الرومانى :" لم لا يجلسون على المقاعد ، فأمعن خالد فيه
النظر ثم قال :" لقد خلقت من الأرض ، منها ننبت واليها نعود ، الله خالق
الأرض ، وما يخلقه الله أثمن من طنافسكم الحريرية ، وفى اليوم التالى هزم خالد
وبدوه الزهاد جيش الرومان هزيمة لم يعرف لها مثيل من قبل ، واستولوا على القدس ,
حتى النبى عندما حقق انتصاره الأكبر ، ودخل مكة وحطم أصنام الكعبة ، وأتم فيها أهم
جزء من رسالته بتطهير بيت الله من الأوثان ، نام على قطعة من الحصير ، كما كان
ينام وهو أجير يقود القوافل للقرشيين ولخديجة بنت خويلد رضى الله عنها ، فلله در
أولئك الزهاد الذين لم يقيسوا الدنيا بما فيها من غرور ، وانما عالجوها العلاج
الذى يؤدى الى الخير ، والذين ساووا أنفسهم بأصغر صغير من أتباعهم ، لم تخدعهم
المناصب ، ولم تغرهم أبهة السلطان " ، هذا ىما قاله أحد الأجانب عن الرسول
صلى الله عليه وسلم وصحبه وما رباهم عليه
فى مدرسة النبوة التى خرجت قادة عسكريين ورجال دولة ، بالمقارنة بمن كانوا فى عصهم
وبعده ، وما حملوه من صفات تصلح للتمسك بها فى كل عصر ، فالانسان هو الانسان ، وان
ما يتغير هو الوسائل التى تأتى بها الحضارة ، فلو رجع المسلمون لهذه الأخلاق وهذه
المبادىء لسادوا كما ساد أجدادهم ، فبلاد المسلمين مليئة بالخيرات المادية التى
يحسدهم عليه العالم ، وهناك من العلماء منهم من ينتشر فى كل مكان فى العالم ، وما
يطمئن النفس أن هناك ارهاصات بعودة الروح الاسلامية الى الجسد الاسلامى ، الذى خر
صريعا منذ أيام الاحتلال الأوربى .
من سمات النبى صلى الله عليه وسلم أن يكون
فى كل مناحى الحياة ، فالنبى صلى الله عليه وسلم يتميز عن غيره حتى من الأنبياء والرسل
بأن سيرته المحفوظة وآثاره المعروفة شاملة كل مجالات الحياة ، يجد المعلم فيه أسوة
، ويجد الأب فيه أسوة ، ويجد التاجر فيه أسوة ، ويجد الفقير فيه أسوة ، ويجد
القائد فيه اسوة ، وهكذا كل أصناف الناس وكل مجالات الحياة ، فهو مدرسة آلهية
عظيمة ، فقد قال الله " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو
الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " الأحزاب 21 ، وسنتناول الرسول القائد ،
وكذلك الرسول السياسى ورجل الدولة ، فقد كان صاحب المسؤلية فى دولته الكريمة التى
أسسها على تقوى من الله ورضوان ، أقام دولة راشدة عادلة كريمة وملأ الحياة فيها
خيرا وبركة ، ونعدد هنا بعضا من هذه الصفات 1-) قائد والد . كان الرسو ل صلى الله عليه وسلم يرى نفسه من
أمته بمنزلة الوالد ، فالقائد والد ومسؤول مسؤلية الوالد عن الأسرة ، لصيق بهم
مسؤلا عنهم أبا روحيا ، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال :" كلكم راع ومسؤول عن رعيته : فالأمير الى على الناس راع ،
وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته ، وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على
بيت بعلها وولده ، وهى مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده ، وهو مسؤول عنه ، ألا
فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه الشيخان وغيرهما واللفظ للبخارى ، وفى
حديث عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" انما
أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم " أخرجه أبو داود فى كتاب الطهارة وحسنه
الألبانى ، حتى دين الميت كان يقضيه ان لم يترك له قضاء ، فعن أبى هريرة رضى الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل
:" هل ترك لدينه فضلا ؟ " ، فان حدث أنه ترك لدينه وفاه صلى الله عليه
وسلم ، والا قال للمسلمين :" صلوا على صاحبكم " ، فلما فتح الله عليه
الفتوح قال:" أنا أولى بالمؤمنين من أنفسه ، فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى
قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته " أخرجه البخارى فى كتاب الكفالة / باب الدين /
ومسلم فى كتاب " الفرائض " ، كان يهتم برعيته فيقول فى حديث عن معقل بن
يسار المزنى :" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يسترعيه
الله رعية يموت يوم يموت وهو عاق لرعيته الا حرم الله عليه الجنة " ، وفى
رواية :" ما من أمير يلى أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح الا لم يدخل
الجنة " أخرجه مسلم فى باب / استحقاق الوالى الناس لرعيته النار . 2-)
قائد متواضع رفيق بالرعية. فعن أنس بن
مالك رضى الله عنه قال :" كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا استقبله الرجل
فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل بنزع يده ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى
يكون الرجل هو الذى يصرفه ، ولم ير مقدما ركبته بين يدى جليس له " أخرجه
الترمذى ، وتحلى الرسول صلى الله عليه سولم بالرفق فيقول :" ان الله رفيق يحب
الرفق فى الأمر كله " أخرجه البخارى ، وفى رواية :" ان الله رفيق يحب
الرفق ، ويعطى على الرفق ما لايعطى على العنف وما لا يعطى على سواه " أخرجه
مسلم عن عائشة رضى الله عنها ، ويقول
:" من يحرم الرفق يحرم الخير " أخرجه مسلم عن جرير ، وعن عائشة قالت
:" سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بيتى هذا :" اللهم من
ولى من أمر أمتى شيئا فشق عليهم فأشق عليه ، ومن ولى من أمر أمتى شيئا فرفق هم
فارفق به " أخرجه مسلم فى كتاب " الامارة " ، وقال الله عنه "
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم
" التوبة 128
3-)قائد عادل يراعى الضعيف . فهو يرعى العدل ويحث عليه فيقول :" ان
المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ،
الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا " أخرجه مسلم فىكتاب " الامارة
" . 4-) حافظ لحرمات الناس لا يتنصت على رعيته . فيقول :" من استمع الى حديث قوم يكرهونه
صب فى أذنيه الأنك يوم القيامة ( أى الرصاص المذاب ) " عن أبن عباس أخرجه
أحمد وححه ابن حبان ، ويرفض التجسس على الرعية ، فعن أبى برزة الأسلمى قال :"
قال سول الله صلى الله عليه وسلم :" يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان
قلبه .... لاتغتابوا المسلمين ..... ولا تتبعوا عوراتهم ، فان من اتبع عوراتهم
يتتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه فى بيته"
5-)الصبر على أصحابه وغيرهم . ففى رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال :"
لا يبلغنى أحد عن أحد من أصحابى شيئا ، فانى أحب أن أخرج اليهم وأنا سليم الصدر
" ، قال عبد الله :" فأتى ر سول الله صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه ،
فانتهيت الى رجلين جالسين وهما يقولان :" والله ما أراد محمد بقسمته التى
قسمها وجه الله ولا الدار الآخرة ! ، فتثبت حين سمعتهما فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأخبرته ، فاحمر وجهه وقال :" دعنى عنك فقد أوذى موسى بأكثر من هذا
فصبر " أخرجه الترمذى فى كتاب المناقب 6.-) الحرص على الشورى وحرية الرأى
والتعبير والاستفادة من كل امكانيات أتباعه رضوان الله عليهم . فهو
يقول لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما :" لو اجتمعتما فى مشورة ما خالفتكما
" أخرجه أحمد ، وقد مارس الشورى فى مختلف القضايا الكبرى والصغرى التى تهم
الأمة ، كان أبو هريرة يقول :" ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد وأخرجه الترمذى ، عندما تجىء غزوة
بدر يجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحبه من المهاجرين والأنصار ليشاورهم فى
الأمر ويقول :" أشيروا على أيها الناس " ، وينهض سعد بن معاذ زعيم الأوس
ويقول :" يا رسول الله ، لقد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق
، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ،
ووالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته خضناه معك ما تخلف منا رجل واحد
، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، انا لصبر فى الحرب ، صدق فى اللقاء ، ولعل
الله يريك ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله " ، وتألق وجه الرسول صلى
الله عليه وسلم فقال للمسلمين :" سيروا وأبشروا ، فان الله وعدنى احدى
الطائفتين ، والله لكأنى أنظر الى مصارع القوم " ، وقبيل يوم أحد أستشار
أصحابه وأخذ برأى الأغلبية ، وفى غزوة الخندق تجمع أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت
قيادة أبى سفيان وعيينه بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم
الحاسمة كى ينتهوا من محمد صلى الله عليه وسلم ودينه وأصحابه ، جيش لايمثل قريش
وحدها بل ومعه كل القبائل التى رأت فى الاسلام خطرا عليها ، ، اتفق المشركون مع
زعماء غطفان وهى من أكبر قبائل العرب على الانضمام لجيش قريش ، وكان اليهود يقومون
بدور تخريبى داخل المدينة وحولها فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ
زعيم الأوس وسعد بن عبادة زعيم الخزرج الى " كعب ابن أسد " زعيم يهود
بنى قريظة ليتبينا حقيقة موقفهم من الحرب وكان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين
يهود بنى قريظة عهود ومواثيق ، فلما التقيا بزعيم بنى قريظة فوجئا به يقول لهم
:" ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد ! " ، فكر الرسول صلى الله عليه
وسلم فى عزل غطفان عن قريش فينقص الجيش المهاجم نصف عدده ونصف قوته ، وراح بالفعل
يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم من هذه الحرب ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار
المدينة ، ورضى قادة غطفان ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير من حقه أن
ينفرد بالأمر فدعا اليه أصحابه ليشاورهم واهتم برأى سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة
زعيما المدينة ، فقص عليهما حديث التفاوض مع غطفان وتقدم السعدان الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" يا رسول الله أهذا رأى تختاره ، أم وحى أمرك الله به ؟
، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" بل أمر أختاره لكم ، والله ما أصنع ذلك
الا لأننى رأيت العرب قد رمتكم عن وس واحد ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر
عنكم من شوكتهم الى أمر ما " ، فقال سعد بن معاذ زعيم الأوس :" يا رسول
الله قد كنا نحن وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم
لايطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة ، الا قرى ( أى كرما وضيافة ) أو بيعا ، أفحين
أكرمنا الله بالاسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك وبه نعطهم أموالنا ؟ والله ما لنا
بهذا من حاجة ، ووالله لا نعطيهم الا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم " ،
وعلى الفور عدل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن رأيه ، وأنبأ زعمء غطفان أن
أصحابه فضوا مشروع المفاوضة وأنه أقر رأيهم والتزم به ، وجمع الرسول صلى الله عليه
وسلم أصحابه ليشاورهم فى ألمر فتقدم سلمان الفاسى بمقترحه الذى لم تعهده العرب ،
وكان عبارة عن حفر خندق يغطى جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة ، وظلت قريش تحصر
المدينة شهرا عاجزة عن اقتحامها حتى أرسل الله تعالى ريحا صرصرا عاتية اقتلعت
الخيام وبددت الشمل . كما استشار أهل الاختصاص كما حدث فى حديث تلقيح النخل ، فقد
روى رافع بن خديج رضى الله عنه قال :" قدم نبى الله صلى الله عليه وسلم
المدينة وهم يأبرون ( ى يلقحون ) النخل فقال :" ما تصنعون ؟ قالوا:" كنا
نصنعه " ، قال:" لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا " ، فتركوه ، فتفضت
أو فنقصت ، قال :" فذكر وا ذلك له فقال :" انما أنا بشر ، اذا أمرتكم
بشىء من دينكم فخذوا به ، واذا أمرتكم بشىء من رأيى فانما أنا بشر " رواه
مسلم فى الفضائل ، ، وفى رواية آخر عن طلحة قال :" مررت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فقال :" ما يصنع هؤلاء ؟ " ، فقالوا
:" يلقحونه – يجعلون الذكر فى الأنثى فيلقح " ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :" ما أظن بغنى ذلك شيئا " ، قال :" فأخبروه بذلك فتركوه
، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال :" ان كان ينفعهم ذلك
فليصنعوه فانى انما ظننت ظنا ، فلا تؤاخذونى بالظن ، ولكن اذا حدثتكم عن الله شيئا
فخذوا به ، فانى لن أكذب على الله عز وجل " أخرجه مسلم فى كتاب الفضائل ، وعن
أبى هريرة رضى الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اذا
كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم سمحاءكم ، وأموركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير
لكم من بطنها ، واذا كان أمراؤكم شراركم ، واغنياؤكم بخلاءكم ، وأمركم الى نسائكم
، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها " أخرجه الترمذى فى كتاب الفتن ، ويوم
الحديبية أشارت عليه أم سلمة زوجته رضى الله عنها فأخذ برأيها ، وفى القرآن الكريم
سورة "الشورى " ، وفى سورة
الشورى يصف القرآن الكريم المؤمنين " والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة
وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون " الشورى 38 ، وفى سورة آل عمران
" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف
عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر قاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب
المتوكلين " 159 وكان كل من أبى بكر
وعمر رضى الله عنهما يلقبهما الصحابة رضوان الله عليهم بالوزيرين له ، وكان يسمر معهما
فى قضايا المسلمين ، ولما مرض أمر أبا بكر أن يصلى بالناس ، وهذا الذى جعل
المسلمين يختارونه بعده خليفة ، ثم كان عمر رضى الله عنه الخليفة الثانى ، والناس
يعرفون ماذا فعل أبو بكر وعمر رضى الله عنهما يوم حكما الناس هل يشك أحد أن تركيز
الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما كان فى محله ، واختار زيد بن حارثة ليقود جيش
المسلمين ، واختار السفراء والمبعوثين له وكان يختار كل شخص لما منحه من سجايا ،
وكان أكثر الخلق فراسة فى اختيار الرجل المناسب للمقام المناسب .
7-)الثقة التى كان يتمتع بها
صلى الله عليه وسلم عند أتباعه . للثقة بيت الناس وقائدهم أهمية عظيمة عند أصحاب
الفكر السياسى ، لذلك نرى فى أنظمة الحكم اليمقراطية أن الحكومة تبقى حاكمة ما
دامت متمتعة بثقة شعبها ، أما اذا فقدت الثقة فقد تلاشى كل شىء وفقدت الأمة قوتها
وضعف روحها المعنوية وضرب اقتصادها وبالتالى يهوى به ، وان تاريخ العالم كاه لا
يعرف مثلا واحدا يشبه ما كانت عليه ثقة أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم به ، ان
ثقة الناس بالقائد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت ثقة غير متناهية يكفى لادركها
أن نرى بعضا من مواقف الصحابة رضوان الله عليهم فى أدق واصعب الأحوال يقول الله عن
رسوله صلى الله عليه وسلم " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ
القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم وشاورهم
فى الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين " آل عمران 159 ،
قال أبو الهيثم بن النبهان :" يا رسول الله وان بيننا وبين الناس حبالا ( أى
أحىفا وعهود ) فلعلنا نقطعه ثم ترجع لى قومك وقد قطعنا الحبال وحاربنا الناس ،
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وقال :" الدم الدم ، الهدم الهدم
" ، وفى رواية "بل الدم الد والهدم الهدم " ، أنا منكم وأنتم منى ،
أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم ، ثم أقبل أبو الهيثم على قومه فقال :"
يا قوم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أنه لصادق ، وانه اليوم فى حرم الله
وأمنه وبين ظهرى قومه وعشيرته ، فاعلموا أن تخرجوه ، رمتكم العرب عن قوس احدة ، فان كانت طابت أنفسكم بالقتال فى سبيل الله
وذهاب الأمول والأولاد فادعوه الى أرضكم فانه رسول الله حقا ، وان خفتم خذلانا فمن
الآن ، فقالوا عند ذلك :" قبلنا عن الله وعن رسوله ما أعطيانا ، وقد أعطينا
من أنفسنا الذى سألنا رسول الله ، فخل بيننا يا أبا الهيثم وبين رسول الهه
فلنبايعه ، فقال أبو الهيثم :" أنا
أول من بايع " ، ان شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كنت من الأسر والقوة
والنفاذ بحيث لا يمكن من يخالطها الا أن يذوب فيها ، ولعل فى قصة زيد بن حارثة ما
يؤكد هذا المعنى ، اذ أتى أبو زيد وأعمامه ليشروه ويرجعوا به الى أهله حرا ، ولكن
زيد يختار صحبة محمد صلى الله عليه وسلم مع ( العبودية حسب تصور العرب ) على فراقه
مع الحرية ولقاء الأهل ، وكان ذلك قبل النبوة ، ونذكر موقف زعيم الأنصار سعد بن
معاذ عندما بايعه وقال له :" لو خضت بنا هذا البحر لاتبعناك وما تخلف منا رجل
واحد " . 8-) قدرته على حل المشاكل الطارئة . ان
انهيار الدعوات والتنظيمات السياسية عادة ما يكون بسبب مشكلة طارئة لا تستطيع
لقيدة حلها ، مما يؤدى الى الانقسام ، وكلما كانت القيادة قادرة على حل المشاكل
كان ذلك أضمن لنجاح الدعوة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد الذى
استطاع أن يدير هذه القبائل قوية المراس ، ومن أبرز الأمثلة حله مشكلة وضع الحجر
الأسود فى الكعبة حين هدمها سيل وقررت قريش اعادة بناءها وذلك قبل النبوة وكان ذك
يمكن أن يكون سببا للحرب بينها ، فارتضوه حكما فقال صلى الله عليه وسلم :"
هلم الى ثوبا فأتى به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيد ثم قال :" لتأخذ كل قبيلة
بناحية من الثوب ثم ارفعو جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم
بنى عليه " ، وكان حل مشاكل الصحابة اليومية الفردية والجماعية ، قال عنه
بنارد شو الكاتب المسرحى :" ما أ؛وج العالم لى رجل كمحمد يحل مشاكله وهو يشرب
فنجانا من القهوة " ، وكان يسوس شعبا من اعصى شعوب العالم انقيادا وطاعة
وسياسة .
No comments:
Post a Comment