غزو الرسول صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف بحنين .
نزلت هوازن وثقيف بحنين ، وهو واد الى جنب ذى المجاز يريدون قتال النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة وهم يظنون أنه انما يريدهم فلما أتاهم أنه قد نزل مكة أقبلت هوازن عامدين الى النبى صلى الله عليه وسلم وأقبلت معهم النساء والصبيان والأموال ورئيس هوازن مالك بن عوف وأقبلت معهم ثقيف حتى نزلوا حنينا ، فعمد النبى صلى الله عليه وسلم فوافاهم بحنين ، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة فكانوا أتنى عشر ألفا واستعمل رسول الله عتاب بن أسيد ابن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس أميرا على مكة ثم مضى يريد هوازن ، وفى عماية الصبح كمن هوازن فى شعاب الوادى وأحنائه ومضايقه وشدوا على المسلمين شدة رجل واحد وانهزموا ، وانحاز الرسول صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال :" أين أيها الناس ! هلم الى ! أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله " ، وبقى مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر الصديق وعمر ، ومن أهل بيته على بن أبى طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وابمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن واسامة بن زيد ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" يا عباس اصدح ! يا معشر الأنصار ! يا أصحاب السمرة ! " ، فناديت :" يا معشر الأنصار ! يا معشر أصحاب السمرة ! " ، قال :" فأجابوا :"ان لبيك لبيك ! " ، حتى اجتمع اليه مائة منهم ، وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم :" الآن حمى الوطيس ! " ، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يرتجز :" أنا النبى لا كذب ! أنا ابن عبد المطلب ! " ، فما رئى من الناس أشد منه ، واستمرت المعركة وهزم الكفار .
وحدث بعد تقسيم الغنائم فى حنين أمر نرى كيف تصرف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبى سعيد الخدرى قال :" لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا فى قريش وقبائل العرب ولم يكن فى الأنصار منها شىء وجد هذا الحى من الأنصار فى أنفسهم حتى كثرت منهم القالة ( القالة هى الكلام السىء ) حتى قال قائلهم :" لقى والله رسول الله قومه ! " ، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال :" يا رسول الله ! ان هذا الحى من الأنصار قد وجدوا عليك فى أنفسهم لما صنعت فى هذا الفىء الذى أصبت ، قسمت فى قومك ، وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب، ولم يكن فى هذا الحى من الأنصار شىء " ، قال :" فأين أنت من ذلك يا سعد ! " ، قال :" يا رسول الله ما أنا الا من قومى !" قال :" فاجمع لى قومك فى الحظيرة " ، قال :" فخرج سعد فجمع الأنصار فى تلك الحظيرة ، فجاءه رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا اليه أتا سعد فقال :" قد اجتمع لك هذا الحى من الأنصار " ، وأتاهم سول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذى هو له أهل ثم قال :" يا معشر الأنصار مقالة بلغتنى عنكم وموجدة ( بفتح الحاء وتسكين الواو وكسر الجيم ) وجدتموها فى أنفسكم ! ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فاغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوكم ! " ، قالوا :" بلى لله ولرسولهالمن والفضل ! ، فقال : ألا تجيبونى يا معشر الأنصار ! " ،قالوا :" وبماذا نجيبك يا رسول الله ، لله ولرسوله المن والفضل ! " ، قال :" أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم ، ولصدقتم ، أتيتنا مكذبا فصددقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، وجددتم فى أنفسكم يا معشر الأنصار فى لعاعة ( بضم الام وفتح العين قال السهيل اللعاعة بقلة ناعمة ) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتم الى اسلامكم ! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم ! فو الذى نفسى بيده لولا الهجرة لكنت أمرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ! اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصر وأبناء أبناء الأنصار ! " ، قال :" فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا :" رضينا برسول الله قسما وحظا " ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا ، ولنا هنا أن نرى رسول الله القائد الذى يتدخل بما له من صيد ومحبة بين أصحابه ليمنع الفتن ومن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لها! ، وفى حيا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحدث فتنة قط ، فقد تدخل فى المواقف بما له من بعد نظر وبصيرة وما له من مكانة ، تتدخل لتحسم المواقف ، وبعد النظر هذا يذكرنا بموقف آخر فقد كان كعب بن مالك من الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وقاطعهم المسلمون حتى أتى أمر الله بالتوبة فكان أعظم من فرح فقال :" يا رسول الله ان من توبتى أن أنخلع من مالى " ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :" أمسك عليك بعض مالك " ، وقد اختلفت الرواية فى ذلك فى الصحيحين " أن النيى صلى الله عليه وسلم قال له أمسك عليك بعض مالك ولم يعين له قدرا بل أطلق ووكله له اجتهاده فى قدر الكفاية وهذا هو الصحيح فان ما نقص عن كفايته وكفاية أهله لا يجوز له التصدق به فنذره لا يكون طاعة فلا يجب الوفاء به وما زاد على قدر كفايته وحاجته فأخراجه والصدقة به أفضل ، وقد نص الامام أحمد على أن من نذر الصدقة بماله كله أجزأه ثلثه واحتج له أصحابه بما روى فى قصة كعب هذه أنه قال :" يا رسول الله ان من توبى الى الله ورسوله أن أخرج من مالى كله الى الله ورسوله صدقة " قال :" لا " قلت :" فنصفه " قال :" لا " قلت :" فثلثه " قال :" نعم " قلت :" فانى أمسك سهمى الذى بخيبر"رواه أبو داود ، وروى الامام أحمد فى مسنده أن أبا لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال :" يا رسول الله ان من توبتى أن أهجر دار قومى فأساكنك وأن أنخلع من مالى صدقة لله عز وجل ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يجزى عنك الثلث " ، والذى جاء بالصرة ليتصدق بها بضربه بها ولم يقبلها منه خوفا عليه من الفقر وعدم الصبر والأرجح أن النبى صلى الله عليه وسلم عامل كل واحد ممن أراد الصدقة بماله بما يعلم من حاله : فمكن أبا بكر الصديق من اخراج ماله كله ، وقال :" ما أبقيت لأهلك " ، فقال :" أبقيت لهم الله ورسوله " ، فلم ينكر عليه ، وأقر عمر على الصدقة بشطر ماله ، ومنع صاحب الصرة من التصدق بها وقال لكعب " أمسك عليك بعض مالك " ، وقال لأبى لبابه :" يجزيك الثلث "
لقد عمل الرسول صلى الله عليه وسلم
بكل مبادىء الحرب المعروفة كقائد ، بالاضافة الى مزاياه الشخصية الأخرى فى القيادة
، لهذا أنتصر على أعدائه ولو أغفل شيئا من الحذر والحيطة والاستعداد لتبدل الحال
عير الحال ولكن الله سلم ورعاه حتى يتم أمره ولنا أن نتأمل هذه المواقف من الغزوات
الكبرى التى تبرز عظمة القائد فى كل المواقف فى السلم كما فى الحرب : 1-) ماذا كان
يحدث لو تردد قبل معركة بدر الكبرى عندما رأى المشركين متفوقين على أصحابه فى
العدد والعدة ؟ . 2-) ماذا كان يحدث لو استسلم فى معركة أحد بعد أن طوقته قوات
المشركين من كل جانب ؟.
3-) ماذا كان يحدث لو ضعفت مقاومته
للأحزاب فى غزوة الخندق وبخاصة بعد خيانة اليهود حين أصبح مهددا من خارج المدينة
المنورة وداخلها ؟
No comments:
Post a Comment