Grammar American & British

Tuesday, December 8, 2020

تبسيط تفسير أبن كثير للقران الكريم (6 )

6- )  تبسيط تفسير أبن كثير للقران الكريم

تفسير سورة النساء

الجزء السادس

انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده وأوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما * رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما 163 - 165

" انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده وأوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا " وعن أبن عباس قال : قال سكن وعدى بن زيد : " يامحمد ما تعلم أن الله أنزل على بشر من شىء بعد موسى فأنزل الله فى قولهما هذه الآيات ،ذكر الله تعالى أنه أوحى الى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى الى غيره من الأنبياء نوح ومن أتى من بعده من النبيين كما أوحى الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان " وآتينا داود زبورا " الزبور أسم الكتاب الذى أوحاه الله الى داود عليه السلام ، " ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لمنقصصهم عليك " رسلا قصصناهم عليك قبل هذه الآية فى السور المكية وغسرها وهذه تسميى الأنبياء الذين نص الله على أسمائهم فى القرآن وهم أدم وادريس ونوح وهود وابراهيم ولوط واسماعيل واسحق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان والياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى وذو الكفل وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ، " ورسلا لم نقصصهم عليك " أى رسلا آخرين لم يذكروا فى القرآن، وقد اختلف فى عدد الأنبياء والمرسلين ، وفى حديث أبى ذر قال : " قلت يارسول الله كم الأنبياء ؟ " قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألف " قلت : " يارسول الله كم الرسل منهم قال : " ثلاثمائة وتلاتة عشر جم غفير " قلت : " يارسول الله من كان أولهم " قال : " آدم " قلت : " يلرسول الله "نبى مرسل " قال : " نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قيلا " ثم قال " يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو اريس وهو أول من خط بالقلم وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر ، وأول نبى من بنى اسرائيل موسى وآخرهم عيسى ، وأول النبيين آدم وآخرهم نبيك " ، " وكلم الله موسى تكليما " هذا تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة ولهذا يقال له الكليم ، " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " رسلا يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب ، أنزل الله تعالى كتبه ورسله بالبشارة والنذارة ، وبين مايحبه ويرضاه ، مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذر كما قال تعالى " ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنيبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " والله له الهزة والحكمة بما يفعل مع عباده ، وفى الصحيحين عن أبن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب اليه المدح من الله عز وجل ، من أجل ذلك مدحنفسه ، ولا أحد أحب اليه العذر من الله ، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين "  وف لفظ آخر " من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه " .

لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا * ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا * ان الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * الا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا * يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وان تكفروا فان لله ما فى السموات والأرض وكان الله عليما حكيما 166 - 170   

" لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " ذلك اثبات لنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب ، والله يشهد لك وان كفر به من كفر ممن كذبك وخافك بأنك رسوله الذى أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم أنزل الله فيه علمه الذى أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه ، وما يكرهه ويأباه ،وما فيه من العلم بالغيوب من الماضىوالمستقبل ، وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التى لايعلمها نبى مرسل ولا ملك مقرب الا أن يعلمه الله به ، " أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " أنزله الله بعلمه والملائكة تصدق ما جءك وأوحى اليك وأنزل عليك مع شهادةالله تعالى لك بذلك ، وعن أبن عباس قال : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فقال لهم : " انى لأعلم والله انكم لتعلمون أنى رسول الله " فقالوا : " ما نعلم ذلك ، فأنزل الله عز وجل " لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه "" ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا " الذين كفروا فى أنفسهم فلم يتبعوا الحق وسعوا فى صد الناس عن اتباعه والاقتداء به قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه وبعدوا منه بعدا عظيما شاسعا ، " ان الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا " أخبر تعالى عن حكمه فى الكافرين بآياته وكتابه ورسوله ، الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمه وانتهاك محارمه بأنه لايغفر لهم ولا يهديهم الى أى سبيل الى الخير ، " الا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا "هذا استثناء منقطع الطريق الوحيد الذى سيصل اليه الكافرون بكفرهم هو جهنم وبئس المصير خالدين فيا مخلدين وهذا يسير جدا على الله وقدرته ، " يا أيها الناس قد جاءكم  الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرل لكم " قد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم  بالهدى ودين الحق والبيان الشافى من الله عز وجل فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه يكن خيرا لكم  ، " وان تكفروا فان لله ما فى السموات وما فى الأرض وكان الله عليما حكيما " وان تكفرا بماجاءكم به فالله غنى عنكم وعن ايمانكم ولا يتضرر بكفركم وكان الله عليما بمن يستحق منكم الهداية وبمن يستحق  الغواية وهو حكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .

يا أهل الكتاب لاتغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم انما الله أله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما فى السماوات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا 171

"ياأهل الكتاب لاتغلوا فى دينكم ولاتقولوا على الله الا الحق " ينهى الله تهالى أهل الكتاب عن الغلو والاطراء وهذا كثير فى النصارى فانهم تجاوزوا الحد فى عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التى أعطاها الله اياه فنقلوه من حيز النبوة الى أن اتخذوه الها من دون الله ، بل قد غلوا فى أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم فى كل ما قالوه سواء كان حقا أو باطلا أو ضلالا أو رشادا ، أو صحيحا أو كذبا ، ولهذا قال تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " ، وعن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لاتطرونى كما أطرت النصارى عيسى أبن مريم فانما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " ، وعن أنس بنمالك أن رجلا قال : " يا محمد يا سيدنا وأبن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله , والله ما أحب أنترفعونى فوق منزلتى التى أنزلنى الله عز وجل " ،" ولاتقولوا على الله الا الحق " لاتفتروا على الله وتجعلوا له صاحبة وولدا تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا وتنزه وتقدس وتوحد فى سؤدده وكبريائه وعظمةه فلا اله الا هو ولا رب سواه ، " انما المسيح أبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه " انما المسيح هو عبد من عباد الله ، وخلق من خلقه قال له كن فكان ، ورسول من رسله وكلمته ألقاها الى مريم أى خلقه بالكلمة التى أرسل بها جبريل عليه السلام الى مريم فنفخ فيها من روحه باذن ربه عز وجل وكانت تلك النفخة التى نفخها فى جيب درعها فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم والجميع مخلوق لله عز وجل ولهذا قيل لعيسى أنه كلمة الله وروح منه لأنه لم يكن له أب تولد منه وانما هو ناشىء عن الكلمة التى قال له بها كن فكان ، والروح التى أرسا بها جبريل ، وقال عبد الرازق عن معمر عن قتادة " وكلمة ألقاها الى مريم وروحمنه " هو كقوله "كن فيكون " ، وعن أحمد بن سنان الواسطى قال سمعت شاذان بن يحيى يقول ليس الكلمة صارت عيسى ولكن بالكلمة صار عيسى ، وقال أبن جرير فى قوله "ألقاها الى مريم " أى أعلمها بها كما فى قوله " اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه " أى يعلمك بكلمة منه انها الكلمة التى جاء بها جبريل الى مريم فنفخ فيها باذن الله فكان عيسى عليه السلام ، وعن عبادة بن الصامت عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من شهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمة ألقاها الى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " ،وقال مجاهد فى قوله " وروحمنه " أنه مخلوق من روح مخلوقة ، وأضيفت الروح الى الله على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت الى الله فى قوله " هذه ناقة الله " وفى قوله " وطهر بيتى للطائفين "" فآمنوا بالله ورسله " فصدقوا بأن الله واحد أحد لا ولد له ولاصاحبة ، واعلموا وتيقنوا بأن عيسى عبد الله ورسوله ولهذا قال تعالى " ولا تقولوا ثلاثة " أى لاتجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، كما قال فى سورة المائدة " لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد"  ، وكما قال فى السورة " واذ قال الله يا عيسى أبن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى الهين من دون الله" وقال فى أولها " لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح أبن مريم " النصارى من حجهلهم ليس لهم ضابط ، ولا لكفرهمحد بل أقوالهم وضلالهم منتشر فمنهم من يعتقده الها / ومنهم من يعتقده شريكا ، ومنهم منيعتقده ولدا وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة ، وأقوال غير مؤتلفة ، فمنهم الملكية الذين وضعوا لهم كتبا وقوانين وأحدثوا فيها الأمانة التى يلقونها الولدان من الصغار ليعتقدوها ويعمدونهم عليها ، واليعقوبية والنسطورية ، وكل هذه الفرق تثبت ألنيم الثلاثة فى المسيح ويختلفون فى كيفية ذلك وفى اللاهوت والناسوت على زعمهم هل اتحدا أو امتزجا أو حل فيه على ثلاث مقالات وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى ونحن نكفر الثلاثة ولهذا قال تعالى "انتهوا خيرا لكم " يكن خيرا لكم ان لاتقولوا ذلك ، " انما الله اله واحد سبحانه أن يكون له ولد " تقدس الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، " له ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا " الجميع ملكه وخلقه وجميع ما فى اسموات والأرض عبيده وهم تحت تدبيره وتصريفه وهو كيل على كل شىء فكيف يكون له منهم صاحبة وولد ، كم قال " بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد" 

لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولايجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا 172 - 173

" لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون " لن يستكبر والاستنكاف هو الامتناع المسيح أن يكون عبدا لله وكذلك الملائكة وهو عطف والملائكة أقدر على ذلك من المسيح ولايلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل وأخبر تعالى أنهم كلهم عبيد من عباده وخلق من خلقه كما قال " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " ، " ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا " ومن يمتنع عن عبادة اللع ويستكبر سيجمعهم اليه يوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل الذى لايجور فيه ولا يحيف ، " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " الذين آمنوا وعملوا العمل الصالح سيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ويزيدهم على ذلك من فضله واحسانه وسعة رحمته وامتنانه ، " وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولانصيرا " الذين امتنعوا عن طاعة الله وعبادته وستكبروا عن ذلك يعذبهم فى جهنم يوم القيامة العذاب الأليم ولايستطيع أحد أن ينقذهم ولا يؤيدهم ولاينصرهم من دون الله .  

يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا نورا مبينا * فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم فى رحمة منه وفضل ويهديهم اليه صراطا مستقيما 174 - 175

" يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا " يقول الله تعالى مخاطبا ومخبرا [انه قد جاءهم منه برهان عظيم ، وهو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلة للشبه وهو القرآن ورسالة نبيه محمد صلى الله عليهوسلم وما جاء به اليهم من شرعه ، " فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم فى رحمة منه وفضل ويهديهم اليه طريقا مستقيما " الذين جمعوا بين مقامى العبادة والتوكل على الله فى جميع أمورهم وقال أبن جريج آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن يرحمهم الله فيدخلهم الجنة ويزيدهم ثوابا مضاعفا ورفعا فى درجاتهم من فضله عليهم واحسانه اليهم ، ويهديهم الى الطريق الواضح الذى لاأعوجاج فيه ولا انحراف وهذه صفة المؤمنين فى الدنيا والآخرة ، فهم فى الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة فى جميع الاعتقادات والعمليات ، وفى الآخرة على صراط الله المستقيم المفضى الى روضات الجنات ، وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القرآن صراط الله المستقيم ، وحبل الله امتين " .

يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا اخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شىء عليم 176

 " يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة " الكلالة مأخوذة من الاكليل الذى يحيط بالرأس من جوانبه ولهذافسرها العلماء بمن يموت وليس له ولد ولا والد من الناس ومن يقول الكلالة من لا ولد له ، وعن محمد بن النكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل فتوضأ ثم صب على أو قال صبوا عليه فقلت : " انه لايرثنى الا كلالة فكيف الميراث ؟ " فأنزل الله آية الفائض وفى بعض الألفظ فنزلت آية الميراث هذه ، " ان امرؤ هلك ليس له ولد " ، من ذهب الى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد بل يكفى فى وجود الكلالة انتفاء الولد ولكن الذى يرجع اليه هو قول الجمهور وقضاء الصديق أنه الذى لاولد له ولا والد ويدل على ذلك قوله " وله أخت فلها نصف ما ترك " ولو كان معها أب لم ترث شيئا لأنه يحجبها بالاجماع فدل على من لاولد له بنص القرآن ولا والد بالنص عند المتأمل أيضا لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها ميراث بالكلية ، ، وان ترك بنتا وأختا انه لاشىء للاخت ، فاذا ترك بنتا فقد ترك ولدا فلا شىء للأخت . وخالفهما الجمهور فقالوا فى هذه المسألة للبنت النصف بالفرض والأخت النصف الآخر بالتعصيب ، "فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك " فان كان لمن يموت كلالة أختان فرض لهما الثلثان وكذا ما زاد على الأختين فى حكمهما ، " وان كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين " هذا حكم العصبات من البنين وبنى البنين والاخوة اذا اجتمع ذكورهم واناثهم أعطى الذكر مثل حظ الأنثيين ، " يبين الله لكم أن تضلوا " يفرض الله لكم فرائضه ، ويحد لكم حدوده ، ويوضح لمك شرائعه لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان ، " والله بكل شىء عليم " الله علم بعواقب الأمور ومصالحها وما فيها من الخير لعباده وما يستحقه كل واحد من القربات بحسب قربه من المتوفى .

تفسير سورة المائدة

الجزء السادس

يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم ان الله يحكم ما يريد * يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا واذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب 1 - 2

" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " عن معن وعوف أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال اعهد الى فقال اذا سمعت الله يقول " يا أيها الذين آمنوا " فارعها فانه خير يأمر به أو شر ينهى عنه ، قال أبن عباس يعنى أوفوا بالعقود أى العهود ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد فى القرآن كله ولا تغدروا ولا تنكثوا ،وقال الضحاك " أوفوا بالعقود " ما أحل الله وحرم وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالايمان بالنبى والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام ، وقال زيد بن أسلم هى ستة عهد الله وعقد الحلف وعقد الشركة وعقد البيع وعقد النكاح وعقد اليمين ،وقداستدل بعض من ذهب الى أنه لاخيار فى مجلس البيع بهذه الآية فهذه تدل على لزوم العقد وثبوته فيقتضى نفى خيار المجلس والتزام العقد من تمام الوفاء بالعقود ، " أحلت لكم بهيمة الأنعام " هى الابل والبقر والغنم ، " الا ما يتلى عليكم " قال أبن عباس يعنى بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به أو المراد قوله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردبة والنطيحة وما أكل السبع " ،"غير محلى الصيد وأنتم حرم " قال بعضهم المراد بالأنعام ما يعم الانسى من الأبل والبقر والغنم وما يعم الوحشى كالظباء والبقر والحمر فاستثنى من الأنسى ما تقدم واستثنى من الوحشى الصيد فى حال الاحرام وقيل المراد أحللنا لكم الأنعام الا ما أستثنى منها لمن التزم تحريم الصيد وهو حرام مفرد حرم ، " ان الله يحكم ما يريد كما أحللنا الأنعام فى جميه الاحوال فحرموا الصيد فىحال الاحرام فان الله قد حكم بهذا وهو الحكيم فى جميع ما يأمر به وينهى عنه ،  " يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله " قال أبن عباس يعنى بذلك مناسك الحج وقيل شعائر الله محارمه أى لاتحلوا محارم الله التى حرمها تعالى ولهذا قال " ولا الشهر الحرام " يعنى بذلك تحريمه والاعتراف بتعظيمه وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه من الابتداء بالقتال وتأكيد اجتناب المحارم ، وقال تعالى " والاجماع على على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك فى الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم لم يكن له ذلك أمانا من القتل اذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان ، " ولا الهدى ولا القلائد " لاتتركوا الاهداء الى البيت الحرام فان فيه تعظيم شعائر الله ولا تتركوا تفليدها فى أعناقها للتميز به عما عداها من الأنعام وليعلم أنها هدى الى الكعبة فيتجنبها من يريدها بسوء وتبعث من يراها على الاتيان بمثلها قان من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شىء ، " ولا القلائد " قال مقاتل بن حيان كان أهل الجاهلية اذا خرجوا من أوطانهم فى غير الأشهر الحرم قلدوا أنفسهم بالشعر والوبر وتقلد مشركو الحرم من لحاء شجره فيأمنون به ،وقال أبن جرير ان تقلدوا قلادة من الحرم فأمنوهم ، وعن قتادة قال كان الرجل فى الجاهلية اذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من الشجر فلم يعرض له أحد فاذا رجع تقلد قلادة من فلم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لايصد عن البيت فأمروا أن لايقاتلوا فى الشهر الحرام ولا عند البيت فنسخها " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ،" ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " ولا تستحلوا قتال القاصدين الى بيت الله الحرام الذى من دخله كان آمنا وكذا من قصده طالبا فضل الله وراغبا فى رضوانه فلا تصدوه وتمنعوه ولا تهيجوه وقال قتادةوغيره الفضل هو التجارة ،وقال أبنجرير أن هذه الآية نزلت فى الحطم بن هند البكرى كانقد أغار على سرح المدينة فلما كان من العام المقبل اعتمر الى البيت فأراد بعض الصحابة أن يعترضوا عليه فى طريقه الى البيت فأنزل الله الآية ، " واذا حللتم فاصطادوا " اذا فرغتم من احرامكم وأحللتم منه فقد أبحنا لكم ماكان محرما عليكم فى حال الاحرا من الصيد ، " ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا " لايحملنكم بغض من قد كانوا صدوكم عن الوصول الى المسجد الحرام وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا بل احكموا بما أمركم الله به من العدل فى حق كل أحد ، لايحملنكم بغض بعض القوم على ترك العدل فان العدل واجب على كل أحد فى كل أحد فى كل حال  ،" وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان " يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر ، وترك المنكرات وهو التقوى ، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم ، وقال أبن جرير الاثم ترك ما أمر الله بفعله والعدوان مجاوزة ما فرض الله عليكم فى أنفسكم وفى غيركم ، وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنصر أخاك ظالما أومظلوما " قيل : " يارسول الله هذا نصرته مظلوما فكبف أنصره اذا كان ظالما ؟ " قال :" تحجزه وتمنعه من الظلم فذلك نصره " ، وعن يحيى أبن وثاب عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال : " المؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذى لايخالط الناس ولايصبر على أذاهم " ، وعن ثمران بن صخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الاسلام " ،  وفى الحديث الصحيح " من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه الى يوم القيامة لاينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام من أتبعه الى يوم القيامة لاينقص ذلك من آثامهم شيئأ "، " واتقوا الله ان الله شديد العقاب " أمر الله بتقواه فيما ذكر ولمن لم يفعل العذاب والعقاب الشديد فى جهنم .   

حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا يالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم 3

" حرمت عليكم الميتة والدم " يخبر الله تعالى عباده النهى عن تعاطى المحرمات من الميتة وهى ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد وما ذلك الا لما فيها من المضرة لما فيها من الدم المحتقن الفاسد فهى ضارة للدين وللبدن فلهذا حرمها الله عز وجل ، ويستثنى من الميتة السمك فانه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها ، فعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، "والدم " اى المسفوح كقوله " أودما مسفوحا " ، وعن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال "، " ولحم الخنزير " أنسيه ووحشيه وجميع لحمه وشحمه ، وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " ، " وما أهل لغير الله به " ماذبح وذكر عليه أسم غير أسم الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على أسمه العظيم فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها أسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فانها حرام بالاجماع ، وانما أختلف العلماء فى متروك التسمية عمدا أو نسيانا ، " والمنخنقة " التى تموت بالخنق اما قصدا واما بأن تتخبل فى وثاقتها فتموت فهى حرام ، " والموقوذة " التى تضرب بشىء ثقيل غير محدد حتى تموت ، قال قتادة كان أهل الجاهلية يضربون بالعصى الذبيحة قبل ذبحها حتى اذا ماتت أكلوها ، وفى الصحيح أن عدى بن حاتم قال قلت يارسول للع انى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب قال :" اذا رميت بالمعراض فخزق فكله وان أصاب بعرضه فانما هو وقيذ فلا تأكله " ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله وما أصاب بعرضه فجعله وقيا لم يحله وهذا مجمع عليه عند الققهاء ، " والنطيحة " التى ماتت بسبب نطح غيرها لها فهى حرام وان جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها والنطيحة بمعنى منطوحة ، " وما أكل السبع ما عدا عليها أسد أو فهد أو نمر أو ذئب أو كلب فأكل بعضها فماتت فهى حرام وان كان قد سال منها الدم ولو من مذبحها فلا تحل بالاجماع وقد كان أهل الداهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذلك فحرم الله ذلكعلى المؤمنين ، " الا ما ذكيتم " ما أمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة ويعود ذلك على " والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع" يقول أبن عباس ماذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلوه فهو ذكى وعن على قال ان مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل ، وعنه أيضا اذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وهى تحرك يدا أو رجلا فكلها ، وعن الضحك وغير واحد أن المذكاة من تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح فهى حلال وهذا مذهب جمهور الفقهاء ، " وما ذبح على النصب " قال مجاهد وأبن جريج كانت النصب حجارة حول الكعبة وقال أبن جريج وهى ثلثمائة وستوننصبا كانت العرب فى جاهليتها يذبحون عندها وينضحون ما أقبل منا الى البيت بدماء تلك الذبائح ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التى فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها أسم الله فى الذبح عند النصب من الشرك الذى حرمه الله ورسوله وينبغى أن يحمل هذا على هذا لأنه تقدم تحريم ما أهل لغير الله به ، " وان تستقسموا بالأزلام "عن أبن عباس قال الأزلام قداح كانوا يستقسمون بها فى الأمور ، وذكر محمد بن أسحاق وغيره ان أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له هلا منصوب على بئر داخل الكعبة فيها توضع الهدايا وأموال الكعبة فيه وكانعنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه مما أشكل عليهم فما خرج لهم منها رجعوا اليه ولم يعدلوا عنه , " ذلكم فسق " تعاطيه فسق وغى وضلالة وجهالة وشرك وقد أمر الله المؤمنين اذا ترددوا فى أمورهم أن يستخيروه ثم يسألوه الخيرة فى الأ مر الذى يريدونه ،" اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " قال أبن عباس يئسوا أن يراجعوادينهم ، ويحتمل أن يكون المراد أنهم يئسوا منمشابهة المسلمين لما تميزبه المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله ولهذا قال تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا فى مخالفة الكفار ولا يخافون أحدا الا الله فقال " فلا تخشوهم وأخشون " لاتخافوهم فى مخالفتكم أياهم واخشونى أنصركم عليهم وأبيدهم وأظفركم بهم وأشف صدوركم منهم وأجعلكم فوقهم فى الدنيا والآخرة وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون فى جزيرة العرب ، ولكن بالتحريش بهم " ، " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا " هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون الى دين غيره ولا الى نبى غير نبيهم صلى الله عليه وسلم ولهذا جعله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه الى الانس والجن فلا حلال الا ما أحله ولاحرام الا ما حرمه ، ولادين الا ما شرعه وكل شىء أخبر به فهو حق وصدق لاكذب فيه ولا خلف وقال أبن عباس اليوم أكملت لكم دينكم وهو الاسلام أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الايمان فلا يحتاجون الى زيادة أبدا ، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا ، وقال أسباط عن السدى نزلت هذه الآية يوم عرفة ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات ، وقد قيل أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسيره الى حجة الوداع ، " فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم " فمن احتاج الى تناول شىء من هذه المحرمات التى ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته الى ذلك فله تناوله والله غفور رحيم له لأنه يعلم تعالى حاجة عبده المضطر وافتقاره الى ذلك فيتجاوز عنه ويغفر له ، وعن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان الله يحب أن تؤتى رخصه ، كما يكره أن تؤتى معصيته " ، "غير متجانف لاثم " أى متعاط لمعصية الله فان الله قد أباح ذلك له ، وفى سورة البقرة " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم " .

يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلموهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب 4

" يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " وعن عدى بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا " يارسول الله قد حرم الله المبتة فماذا يحل لنا منها فنزلت الآية ،وقال سعيد يعنى الذبائح الحلال الطيبة لهم ، "وما علمتم من الجوارح مكلبين " أحل لكم الذبائح التى كر أسمالله عليها والطيبات من الرزق ،وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح وهى من الكلاب والفهود والصقور وأشباهها ، وقال أبن عباس "مكلبين " الكلاب المعلمة والبازى وكل طير يعلم للصيد والجوارح يعنى الكلاب الضوارى والفهود والصقور واشباهها ، والمحكى عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيدبالكلاب لأنها تكلب الصيد بمخالبه كما تكلبه الكلاب فلا فرق ، وسميت هذه الحيوانات التى يصطاد بهن جوارح من الجرح وهو الكسب كما تقول العرب فلانجرح أهله خيرا أى كسبهم خيرا ، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذا أرسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه فيأكل ما لم يأكل " ، " مكلبين " أى ما علمتم من الجوارح فى حال كونهن مكلبات للصيد وذلك ان تقتنصه بمخالبها أو أظفارها فيستدل بذلك أن هذه الجارح اذا قتل الصيد بصدمته ولا بمخلابه وظفره أنه لايحل ، " تعلموهن مما علمكم الله " علمه اذا أرسله أسترسل واذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجىء اليه ولا يمسكه لنفسه ولهذا قال تعالى " فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا أسم الله عليه " فمتى كان الجارح معلما وأمسك على صاحبه وقد ذكر اسم الله عليه وقت ارساله حل الصيد وان قتله بالاجماع ، وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه الآية الكريمة كما ثبت فى الصحيحين عن عدى بن حاتم قال قلت يارسول الله انى أرسل الكلاب المعلمة واذكر اسم الله فقال : " اذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك " قلت : " وان قتلن ؟ " قال : " وان قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها فانك انما سميت على كلبك ولم تسم على غيره فأصبب " قلت له : " فانى أرمى بالمعراض الصيد ؟" فقال : " اذا رميت بالمعراض فخزق فكله ، وان أصابه بعرض فانه وقيذ فلا تأكله " ، والصحيح من مذهب الشافعى أنه اذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقا ، وحكى عن طائفة من السلف أنهم قالوا لايحرم مطلقاوعن سليمان الفارسى عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال : " اذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكل ما بقى " .   

اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من امؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم اذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخدى أخدان ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين 5

" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام اللذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " لما ذكر الله ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث وما أحله لهم من الطيبات ذكرحكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم الا اسم الله ، وان اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس ، عن مكحول قال أنزل الله " ولاـاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " ثم نسخه عز وجل فقال " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب " فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب ، وفى ذلك نظر أنه لايلزم من اباحة طعام أهل الكتاب اباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لأنهم يثذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم وهم متعبدون بذلك ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ، ومن شابههم لأنهم لايذكرون اسم الله على ذبائحهم بل ولا يتوقفون فيما سأكلونه من اللحم على ذكاة بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصابئة ومن يتمسك بدين ابراهيم وشيس وغيرهما من الأنبياء عل أحد قولى العلماء ونصارى العرب كبنى تغلب وتنوخ وبهرا وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم لاتؤكل ذبائحهم عند الجمهور ، وقال على " لاتأكلوا ذبائح بنى تغلب لأنهم انما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر ، وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف ، وعن سعيد بن المسيب والحسن انهما كانا لايريان باسا بذبيحة نصارى بنى تغلب ، وأما المجوس فانهم لاتؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ، "وطعامكم حل لهم " يحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم ، وأمال حديث " لاتصحب الا مؤمنا ولا يأكل طعامك الا تقى " فمحمول على الندب والاستحباب ، " والمحصنات من المؤمنات " وأحل لكم نكا الحرائر العفائف من النساء المؤمنات ، " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " الحرائر دون الاماء من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وعن مالك الغفارى قال نزلت الآية " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التى بعدها " والمحصنات من الذين اوتوا الكناب من قبلكم " فنكح الناس نساء أهل الكتاب وفد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا أخذا بهذه الآية الكريمة ، وأهل الكتاب انفصلوا فى ذكرهم عن المشركين فى غير موضع كقوله تعالى " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد أهتدوا ، " اذا آتيتموهن أجورهن"  أى مهورهن كما هن محصنات عفائف فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس ، " محصنينغير مسافحين ولا متخذى أخدان " كما شرط الاحصان فى النساء وهى العفة عن الزنا كذلك شرطها فى الرجال وهو أن يكون الرجل محصنا عفيفا ولهذا قال غير مسافحين وهم الزناة الذين لايرتدعون عن معصية ولايردون أنفسهم عمن جاءهم ولا متخذى أخدان أى ذوى العشيقات ، وذهب الامام أحمد بن حنبل الى أنه لايصح نكاح المرأة البغى حتى تتوب وما دامت كذلك لايصح تزويجها من رجل عفيف وكذلك لايصح عنده عقد الرجل الفاجرعل عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا ، " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين " ومن يفعل غير ما أمر به الله وهو من شروط الايمان فقد لقى عمله هذا الخسران الواضح البين وفى الآخرة يدخله جهنم فيكون قد خسر آخرته .

يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم الى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون 6

"يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم الى الكعبين " الآية آمرة بالوضوء عند القيام الى الصلاة ، وقد قيل أن الأمر بالوضوء لكل صلاة كانواجبا فى ابتدلء الاسلام ثم نسخ ، وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر يارسول الله انك فعلت شيئا لم تكن تفعله قال :" انى عمدا فعلته يا عمر " ويستحب قبل غسل الوجه أن يذكر اسم الله تعالى على وضوئه ويستحب أن يغسل كفيه قبل ادخالهما فى الاناء ، وثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده فى الاناء قبل أن يغسلها ثلاثا فان أحدكم لايدرى أين باتت يده " ، وحد الوجه عند العلماء ما بين منابت الشعر ولا اعتبار للصلع ولا بالغمم الى منتهى اللحيين والذقن طولا ، ومن الأذن الى ألذن عرضا ، ، وفى المسترسل من قولان أحدهما يجب افاضة الماء عليه لأنه تقع به المواجهة ، وروى فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مغطيا لحيته فقال أكشفها فان اللحية من الوجه ، ويستحب للمتوضىء أن يخلل لحيته اذا كانت كثيفة ،وأيديكم الى المرافق " "  أى مع المرافق ، كما قال " ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم انه كان حوبا كبيرا "ويستحب للمتوضىء أن يشرع فى العضد فيغسله مع ذراعيه ، فعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان أمتى يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن أستطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " ، " وامسحوا برؤسكم " أختلفوا فى الباء هل هى للالصاق وهو الأظهر أو للتبعيض ، وقد ثبت فى الصحيحين من طريق مالك عن عمرو بن يحيى وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم " هل تستطيع أن ترينى كيف كان رسول الله صلى الله عليهوسلم يتوضأ ؟" فقال عبد الله بنزيد نعم فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين ثم مضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين الى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما الى قفاه ثم ردهما حتى رجع الى المكان الذى بدأ منه ثم غسل رجليه " ففى الحديث دلالة لمن ذهب الى وجوب تكميل مسح جميع الرأس كما هخو مذهب مالك وأحمد بن حنبل ، وقد ذهب الحنفية الى وجوب مسح ربع الرأس واحتج الفريقان بحديث المغيرة بن شعبة قال تخلف النبى صلى الله عليه وسلم فتخلفت عنه فلما قضى حاجته قال هل معك ماء فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة على منكبيه فغسل ذراعيه ومسح بناصيته ، وعلى العمامة وعلى خفيه " ، " وأرجلكم الى الكعبين " عطفا على ما قبله ، وم هنا ذهب من ذهب الى وجوب الترتيب فى الوضوء كما هومذهب الجمهور خلافا لأبى حنيفة حيث لم يشترط الترتيب بل لو غسل قدميه ثم مسح رأسه وغسل يديه ثم وجهه أجزأه لأن الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء والواو لاتدل على الترتيب ، وعن أنس قال نزل القرأت بالمسح والسنة بالغسل" وان كنتم جنبا فاطهروا " هذا التطهر بالغسل من الجنابة وهى الحدث ألكبر نزول المنى سواء بجماع أوبغيره وللمراة من الحيض والنفاس كذلك ، " وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " هذا تقدم فى سورة النساء فى الحديث عن التيمم ، " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر بل أباح التيمم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم ورحمة بكم وجعله فى حق من شرع يقوم مقام الماء   " ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة ، وقد وردت السنه بالحث على الدعاء عقب الوضوء ، وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر اليها بعينيه مع الماء أومع آخر قطر الماء فاذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطستها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فاذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب " ، وعن أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام الى الصلاة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ورجليه " ، وعن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايقبل الله صدقة من غلول ولاصلاة بغيرطهور " .

واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به اذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور * يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون * وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم * ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون 7 - 11

" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به اذ قلتم سمعنا وأطعنا " يذكر الله عباده المؤمنين بنعمته عليهم فى شرعه لهم هذا الدين العظيم ، وارساله اليهم هذا الرسول العظيم الكريم وما أخذ عليهم من العهد والميثاق فى مبايعته ومناصرته ومؤازرته ، والقيام بدينه وابلاغه عنه وقبوله منه ، وهذه هى البيعة التى كانوا يبليعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند اسلامهم ، كما قالوا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لاننازع الأمر أهله ، كما قال تعالى

" وما لكم لاتؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم ان كنتم مؤمنين " قيل هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود فى متابعتهم محمدا صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه ، وقيل تذكار بما أخذ الله من عهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا " ، " واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور " يأمر الله بتقواه والمواظبة على التقوى فى كلحال وأعلمهم أنه يعلم ما يتخالج فى الضمائر من الأسرار والخواطر ، " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط " يخاطب الله الذين آمنوا أن يكونوا قوامين بالحق لله عز وجل لا لأجل الناس والسمعة وأن يكونوا شهداء بالعدل لا بالجور ، وقد ثبت فى الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال : " نحلنى أبى نحلا فقالت أمى عمرة بنت رواحة : " لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " فجاءه ليشهده على صدقتى فقال : " أكل ولدك نحلت مثله ؟ " قال : "لا" قال : " اتقوا الله واعدلوا فى اولادكم - وقال : " انى لا أشهد على جور " فرجع أبى فرد تلك الصدقة " ، "ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا " لايحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم بل استعملوا العدل فى كل أحد صديقا كان أو عدوا ولهذا قال " اعدلوا هو أقرب للتقوى " عدلكم أقرب الى التقوى من تركه ، " واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون "الله سيجزيكم على ما علم من أفعالكم التى عملتموها ان خيرا فخير وان شرا فشر ،"وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم " وعد الله الذين آمنوا به وعملوا الاعمال الصالحة بالمغفرة لذنوبه والأجر العظيم وهو الجنة التى هى من رحمته على عباده لاينالونها بأعمالهم بل برحمة منه وفضل وان كان سبب وصول الرحمة اليهم أعمالهم وهو تعالى جعلها أسبابا الى نيل رحمته وفضله ورضوانه فالكل منه وله فله الحمد والمنة ، " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم " تهديد ووعيد من الله للذين كفروا به وكذبوا رسله وما ارسلهم به بان سيكون لهم جحيم جمنم خالدين فيها مخلدين ، " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم"قال أبن عباس أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاما ليقتلوهم فأوحى الله اليه بشأنهم فلم فلم يأت الطعام وأمر اصلبه فلم يأتوه ، وقال أبو مالك نزلت فى كعب بن ألشرف وأصحابه حين أرادواأن يغدروا بمحد صلى اله عليه وسلم وأصحابه فى دار كعب بن الأشرف ، وعن مجاهد وغيره أنها نزلت فى شأن بنى النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى لما جاءهم يستعينهم فى دية العامريين ووكلوا عمرو بن جحش بن كعب بذلك وأمروه ان جلس النبى صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقى تلك الرحى من فوقه فأطلع الله النبى صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤا عليه فرجع الى المدينة وتبعه أصحابه فأنزل الله هذه الآية ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدوا اليهم فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم ، يذكر الله نعمته على رسوله وأصحابه من حمايته لهم من غدر أعدائهم ، "واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " يعنى من توكل على الله كفاه ما أهمه وحفظه من شر الناس وعصمه  وفى قوله " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " .     

ولقد أخذ الله ميثاق بنى اسرائيل وبعثنا منهم أثنى عشر نقيبا وقال الله انى معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلى وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل * فبما نقضهم ميثلقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولاتزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين * ومن الذين قالوا انا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله  بما كانوا يصنعون 12 - 14

" ولفد أخذ الله ميثاق بنى اسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا " شرع الله يبين لعباده المؤمنين كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان من قبلهم من اليهود عندما أمرهم بالوفاء بعهده وميثاقه الذى أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالقيام بالحق والشهادة بالعدل ، نقيبا يعنى عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه ، وقد ذكر أبن عباس أن هذا كان لما توجه موسى عليه السلام لقتال الجبابرة فأمر بأن يقيم نقباء عن كل سبط ، وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة كان فيهم اثنا عشر نقيبا ثلاثة من الأوس وتسعة من الخزرج كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم  لهم بذلك وهم الذين ولوا المعاقدةوالبايعة عن قومهم للنبى صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة  ، " وقال الله انى معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلى وزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار "يقول الله تعالى انى معكم بحفظى وكلاءتى ونصرى لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلى ونصرتموهم ووازرتموهم على الحق وانفقتم فى سبيل الله وابتغاء مرضاته أمحوا ذنوبكم وأسترها ولا أؤخذكم بها وأدخلكم جنات النعيم تجرى من تحتها الأنهار ، " فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل " فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده وجحده وعامله معاملة من لا يعرفه فقد أخطأ الطريق الواضح وعدل عن الهدى الى الضلال ، " فبمانقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية " فبسبب نقضهم الميثاق الذى أخذ عليهم لعناهم أى أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى فلا يتعظون  بموععظة لغلظ قلوبهم وقساوتها ، " يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به " فسدت قلوبهم وساء تصرفهم فى آيات الله وتأولوا كتابه على غير ما أنزله وحملوه على غير مراده وقالوا عليه ما لم يقل عياذا بالله من ذلك وتركوا العمل بعرى دينهم ووظائف الله تعالى التى لايقبل العمل الا بها وقيل أيضا تركوا العمل فصاروا الى حالة رديئة فلا قلوب سليمة ولا فطر مستقيمة ولا أعمال قويمة ، " ولا تزال تطلع على خائنة منهم فاعف عنهم واصفح " ولاتزال تتعرض لمكرهم وغدرهم لك ولأصحابك وقال مجاهد وغيره يعنى تمالؤهم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فاعف واصفح وهذا هو عين النصر والظفر كما قال بعض السلف ما عملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه وبذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ولعل الله أنيهديهم ولهذا قال " ان الله يحب المحسنين " الله يحب الصفح عمن أساء اليك ، وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله " قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر " ، " ومن الذين قالوا انا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة " ومن الذين ادعوا لأنفسهم أنهم نصارى متابعون المسيح أبن مريم عليه السلام وليسوا كذلك أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعهة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومناصرته ومؤازرته واقتفاء آثاره وعلى الايمان بكل نبى يرسله الله الى أهل الأرض ففعلوا كما فعل اليهود خالفوا المواثيق ونقضوا العهود فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبغعضهم بعضا ولا يزالونكذلك الى قيام الساعة ، ولذلك طوئف النصارى على اختلاف أجناسهم لايزالون متباغضين متعادين بكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهنبعضا فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها فالملكية تكفر اليعقوبية وكذلك الآخرون وكذلك النسطورية والآريوسية كل طائفة تكفر الأخرى فى هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، " وسوف ينبئم الله بما كانوا يصنعون " وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى على ما أرتكبوه من الكذب على الله ورسوله وما نسبوه الى الرب عز وجل وتقدس عن قولهم علوا كبيرا من جعلهم له صاحبة وولدا تعالى الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد .

يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم 15 - 16

"يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير " يقول تعالى أنه قد أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق الى جميع أهل الأرض عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل يبين ما بدلوه وحرفوه وأولوه وافتروا على الله فيه ويسكت عن كثير مماغيروه ولافائدة فى بيانه ، " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم " ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الهداية والقرآن الواضح يهدى الى طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة وينجى من أتبعه من المهالك ، ويوضح لهم أبين المسالك فيصرف عنهم المحذور ، ويحصل لهم أحب الأمور ، وينفى عنهم الضلالة ويرشدهم الى أقوم حالة .

لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح أبن مريم قل فمن يملك من الله شيئا ان أراد أن يهلك المسيح أبن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شىء قدير * وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما واليه المصير * 17 - 18

" لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح أبن مريم " يقول الله مخبرا بكفر النصارى فى ادعائهم فى المسيح أبن مريم وهو عبد من عباد الله وخلق من خلقه أنه هو الله ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، " قل فمن يملك من الله شيئا ان أراد أن يهلك المسيح مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا " يخبر الله عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه لو أراد أن يهلك المسيح أبن مريم ويهلك أمه وقد حدث ومن فى الأرض جميعا وسيحدث عند قيام الساعة وانتهاء الحياة " كل من عليها فان " ومن ذا الذى يمنعه من ذلك أو من الذى يقدر على صرفه عن ذلك ، " ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شىء قدير " جميع الموجودات فى السماوات و الأرض ملكه وخلقه وهو القادر على ما يشاء لايسئل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته وهذا رد على النصارى ، " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه "يرد الله تعالى على اليهود والنصارى فى كذبهم وافترائهم أنهم منتسبون ألى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبهم ، " قل فلم يعذبكم بذ نوبكم " رد الله تعالى عليهم أنهم لو كانوا كما يدعون أبناءه وأحباءه فلم أعد لهم نار جهنم على كفرهم وكذبهم وافتراءهم ؟ ، وعن أنس قال مر النبى صلى الله عليه وسلم فى نفر من أصحابه وصبى فى الطريق فلما رات أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول أبنى أبنى وسعت فقال القوم يارسول الله ما كانت هذه لتلقى ولدها فى النار فحفظهم النبى صلى الله عليه وسلم فقال :" لا والله ما يلقى حبيبه فى النار " ، " بل أنتم بشر ممن خلق " لكم أسوة أمثالكم من بنى آدم وهو سبحانه الحاكم فى جميع عباده ، " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما واليه المصير" هو فعال لمايريد لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب والجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه وهو وحده اليه المرجع والمآب اليه فيحكم فى عباده ما يشاء وهو العادل الذى لايجور وهو وحده صاحب المغفرة لمن يشاء وهو وحده يعذب بحكمته وعدله من خرج عن طريقه وهوعلى ذلك قادر .

يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير والله على كل شىء قدير *19

" يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " يقول تعالى مخاطبا أهل الكتاب من اليهود والنصارىبأنه قد أرسل اليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين الذى لانبى بعده ولا رسول بل هو المعقب لجميعهم ولهذا قال على فترة من الرسل أى بعد مدة متطاولة ما بين ارساله وعيسى أبن مريم وقد اختلفوا فى مقدار هذه الفترة كم هى ، وفىصحيح البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان أولى الناس بأبن مريم لأنا ليس بينى وبينه نبى " ، " أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولانذير" لئلا تحتجوا وتقولوا با أيها الذين بدلوا دينهم وغيروه ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر فقد جاءكم بشير ونذير هو محمد صلى الله عليه وسلم ، " والله على كل شىء قدير " هو قادر على عقاب من عصاه وثواب من أطاعه .

واذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين * يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولاترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين * قالوا ياموسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين * قالوا ياموسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون * قال رب انى لاأملك الا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين * قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة  يتيهون فى الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين 20 -26   

" واذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين " يذكر موسى عليه السلام قومه بنعم الله عليهم وآلائه لديهم فى جمعه لهم خير الدنيا والآخرة لو استقاموا على طربقتهم المستقيمة ، فمن نعم الله أنه جعل فيهم الأنبياء كلما هلك نبى قام فيهم نبى من لدن أبيهم ابراهيم عليه السلام الى من بعده وكذلك كانوا لايزال فيهم الأنبياء يدعون الى الله ويحذرون نقمته حتى ختموا بعيسى أبن مريم عليه السلام ثم أوحى الله الى خاتم الأنبياء والرسل على الاطلاق محمد بن عبد الله المنسوب الى اسماعيل بن ابراهيم عليه السلام وهو أشرفمن كل ما تقدمه منهم ، " وجعلكم ملوكا " عن أبن عباس قال وجعل عند كل واحد منكم الخادم والمرأة والبيت وقال كان الرجل من بنى اسرائيل اذا كان له الزوجة والخادم والدار سمى ملكا ، وقال السدى فى قوله " وجعاكمملوكا " يملك الرجل منكم نفسه وماله وأهله ، " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين "يعنى عالمىزمانكم فانهم كانوا أشرف الناس فى زمانهم من اليونان والقبط وسائر أصناف بنى آدم ، وقال تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام لما قالوا اجعل لنا الها كما لهم آلهة " قال أغير الله أبغيكم ا لها وهو فضلكم على العالمبن " المقصود أنهم كانوا أفضل زمانهم والا فهذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أشرف منهم وأفضل عند الله وأكمل شريعة وأقوم منهاجا وأكرم نبيا لقوله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ، " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين " خطاب من موسى لقومه وهو محمول على عالمى زمانهم ، وقيل ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى وظللهم من الغمام وغير ذلك مما كان تعاى يخصهم به من خوارق العادات ،" يا قوم أدخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدواعلى أدباركم فتنقلبوا خاسرين " ادخلوا الأرض المقدسة أى الأرض المطهرة التى وعدكموها الله على لسان أبيكم اسرائيل وهو يعقوب عليه السلام ولاتنكلوا عن الجهاد ، يحرض موسى عليه السلام بنى اسرائيل على الجهاد والدخول الى بيت المقدس الذى كان بأيديهم فى زمان أبيهم يعقوب لما ارتحل هو وبنوه الى مصر أيام يوسف عليه السلام ثم لم يزالوابها حتى خرجوا مع موسى  ، أمرهم موسى عليه السلام بالدخول اليها وبقتال أعدائهم وبشرهم بالنصرة والظفر، "قالوا ياموسى ان فيها قوما جبارين وأنا لن ندخلها حتى يخرجوامنها فان يخرجوا منها فانا داخلون " اعتذروا أنهم وجدوا فيها قوما من العمالقة الجبارين اى ذوى الخلق الهائل والقوى الشديدة قد استحوذوا عليها وتملكوها وأنهم لايقدرون على مقاومتهم ولا مصاولتهم ولايمكنهم الدخول اليها ما داموا فيها فان يخرجوا منها دخلوها والا فلا طاقة لهم بهم فنكلوا وعصوا وخالفوا أمره ، " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما " رجلان لله عليهما نعمة عظيمة وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه ، " ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون * وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين " قالا لهم أن يدخلوا وبشروهم بالنصر والغلبة ان توكلوا على الله وأتبعوا أمره ووافقوا رسوله نصرهم الله على أعدائهم وأيدهم وأظفرهم بأعدائهم اذا دخلوا البلد الذى كتبها الله لهم ، " قالوا ياموسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " فكان منهم النكول عن الجهاد ومخالفة لرسولهم ، وتخلف عن مقاتلة الأعداء ، وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر ، ثم استشارهم فقالت الأنصار : " يامعشر الأنصار اياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم " قالوا : " اذا لانقول له كما قالت بنو اسرائيل لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " والذى بعثك بالحق لو ضربت أكبادها الى برك الغماد لاتبعناك " ، قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : " لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب الى مما عدل به أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال : " والله يارسول الله لانقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى " أذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك " ، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك " ، " قال رب انى لاأملك الا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " لما نكل بنو اسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام قال داعيا عليهم ليس أحد يطيعنى منهم فيمتثل أمر الله ويجيب الى ما دعوت اليه الا أنا وأخى وأخى هارون ، والله يقضى بيننا وبينهم وافتح بيننا وبينهم  وقال غيره افرق أى افصل بيننا وبينهم هؤلاء الفاسقون ، " فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض " لما دعا عليهم موسى عليه السلام حين نكلوا عن الجهاد حكم الله بتحريم دخولها عليهم قدر مدة أربعين سنة فوقعوا فى  التيه يسيرون دائما لا يهتدون للخروج منه ، فلما انقضت المدة خرج بهم يوشع بن نون عليه السلام أو بمن بقى منهم بعد وفاة هارون وموسى عليهما السلام من الجبل الثانى فقصد بهم بيت المقدس فحاصرها وأمر الله يوشع بن نون أن يأمر بنى اسرائيل حين يدخلون بيت المقدس أن يدخلوا بابها سجدا وهم يقولون حطة أى حط عنا ذنوبنا فبدلوت ما أمروا به ودخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حبة فى شعرة ، وقد تقدم ذلك فى سورة البقرة ، " فلا تأس على القوم الفاسقين " تسليةلموسى عليه السلام عنه لاتأسف ولا تحزن عليهم فيما حكمت عليهم فانهم مستحقون ذلك.وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهما عن طاعتهما فيما أمرهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء وجاهدتهم ومقاتلتهم مع أن بين أظهرهم رسول الله وكليمه وصفيه من خلقه فى ذلك الزمان وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده فى اليم وهم ينظرون لتقر به أعينهم وما بالعهد من قدم ، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هى بالنسبة الى ديار مصر لاتوازى عشر المعاشر فى عدة أهلها وعددهم ، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام ، وافتضحوا فضيحة لايغطيها الليل ، ولا يسترها الذيل ، هذا وهم فى جهلهم يعمهون ، وفى غيهم يترددون ، وهم البغضاء الى الله وأعداؤه ، ويقولون مع ذلك نحن أبناء الله وأحباؤه، فقبح الله وجوههم التى مسخ منها الخنازير والقرود ، وألزمهم لعنة تصحبهم الى النار ذات الوقود ، ويقضى لهم فيها بتأييد الخلود .

واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت الى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى اليك لأقتلك انى أخاف الله رب العالمين * انى أريد أن تبوأ بأثمى واثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين 27 - 31

" واتلوا عليهم نبأ أبنى آدم بالحق " أقصص على هؤلاء البغاة الحسدة من اليهود وأمثالهم ,اشياعهم خبر أبنى آدم وهما هابيل وقابيل على الجلية والأمر الذى لالبس فيه ولاكذب ولاوهم ولاتبديل ولازيادة ولا نقصان  ويبين الله تعالى وخيم عاقبة البغى والحسد والظلم وكيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغيا وحسدا فيما وهبه اله من النعمة وتقبل القربان الذى أخلص فيه للهه عز وجل ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول الى الجنة وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة فى الدارين ، " اذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر " ، شرع الله تعالى لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال ، وكان يولد له فى كل بطن ذكر وأنثى فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر ، وكانت أخت هابيل دميمة وأخت قابيل وضيئة فأراد أن يستأثر بها على أخيه فأبى آدم ذلك الا أن يقربا قربانا فمن تقبل منه فهى له فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل ، قال لأقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين " غضب على أخيه وحسده وهدده بالقتل فرد عليه أن الله يتقبل ممن أتقاه فى فعله ، " لئن بسطت الى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى اليك لأقتلك انى أخاف الله رب العالمين " رد هابيل على تهديد قابيل له بالقتل حسدا أنه لن يتطاول عليه حتى لو اعتدى عليه وهم بقتله فلن يتحرك ليقتله حتى دفاعا عن نفسه لأنه يخاف ويخشى الله رب العالمين ، " انى أريد أن تبوأ بأثمى وأثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين " انى أريد أن تبوء بخطيئتى ودمى فتتحمل وزرهما واثمك فى قتلك اياى فيكون مصيرك الى النار فى الآخرة جزاءا لك على ظلمك اياى   " فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " فحسنت له نفسه وسولت وشجعته على قتل أخيه بعد الموعظة فأصبح من الخاسرين فى الدنيا والآخرة وأى خسارة أعظم من هذه ، وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتقتل نفس ظلما الا كان على أبن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل " ، " فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه "لما مات الغلام تركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن وذلك أنه كان فيما يزعمون أول قتيل فى بنى آدم وأول ميت  فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثى عليه التراب ودفنه وأصيب بالحسرة والندم على ما فعله بأخيه ، وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان الله ضرب لكم ابنى آدم مثلا فخذوا من خيرهم ودعوا شرهم " .

من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون * انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم * الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم 32 - 34

" من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا "من أجل قتل أبن آدم أخاه ظلما وعدوانا شرعنا لبنى اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير سبب من قصاص أو فساد فى الآرض واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية فكأنما قتل الناس جميعا لأنه لافرق عنده بين نفس ونفس ومن أحياها أى حرم قتلها أوحرم ألا يقتل نفسا حرمها الله  واعتقد ذلك فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار ، وقال أبن عباس من قتل نفسا واحدة حرمها الله فهو مثل من قتل الناس جميعا ، وقال مجاهد من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا وذلك لأن من قتل النفس فله النار فهو كما لوقتل الناس كلهم  ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا من لم يقتل أحدا فقد حى الناس منه ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من قتل نفسا فكأنما قتل الناس يعنى فقد وجب عليه القصاص فلا فرق بين الواحد والجماعة ومن أحياها أى عفا عن قاتل وليه فكأنما أحيا الناس جميعا ، وقال مجاهد ومن أحياها أى أنجاها من غرق أو حرق أوهلكة ، وقال الحسن وقتادة فىقوله أنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا تعظيم لتعاطى القتل ، عن سليمان بن على الربعى قال قلت للحسن هذه الآية لنا ياأبا سعيد كما كانت لبنى اسرائيل فقال أى والذى لا اله غيره كما كانت لبنى اسرائيل وما جعل دماء بنى اسرائيل أكرم على الله من دمائنا ،وقال الحسن البصرى فكأنما قتل الناس جميعا قال وزرا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا قال أجرا ، " ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات " جاءتهم رسلنا بالحجج والبراهين والدلائل الواضحة  ، " ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون " هذا تقريع وتوبيخ لليهود على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها كما كانت بنوقريظة والنضير وغيرهم من بنى قينقاع ممن حول المدينة من اليهود الذين كانوا يقاتلون مع الأوس والخزرج اذا وقعت بينهم الحروب فى الجاهلية ثم اذا وضعت الحرب أوزارها فدوا من أسروه وودوا من قتلوه وقد أنكر الله عليهم ذلك " واذ أخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم "" انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهموأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض " آية المحاربة وهى المضادة والمخالفة وهى صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق واخافة السبيل وكذا الافساد فى الأرض " هذه الآية عامة فى المشركين وغيرهم ممن يحارب الله ورسوله ويسعى فى الأرض فسادا قبل أن يقدر عليه يقام عليه الحد من قتل وصلب وقطع للأيدى والأرجل من خلاف أو النفى فى الأرض ، وعن أنس بن مالك أن ناسا أربعة نفرمن عرينه وثلاثة نفر من عكل من البحرين قدموا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الاسلام فاستوخموا المدينة ، وسقمت أجسامهم فشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ابل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا عن الاسلام وقتلواالراعى وساقوا الأبل فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آثارهم فجىء بهم فقتل بعضهم وسمل أعين بعضهم  وقطع أيدي بعضهم وأرجلهم من خلاف وألقاهم فى الحرة ،وقال أنس فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا ونزلت الآية "، فكان الجزاء من جنس العمل ، ولما نزلت الآية ترك النبى صلى الله عليه وسلم سمل ألعين ، وفى صحيح مسلم أنهم سملوا أعين الرعاء فكان ما فعل بهم فعل قصاصا ، وعن سلمة بن الأكوع قال كان للنبى صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار فنظر اليه يحسن الصلاة فأعتقه ، وبعثه فى لقاح له بالحرة فكان بها فأظهر قوم الاسلام من عرينة  جاءوا مرضى موعوكون قد عظمت بطونهم فبعث بهم النبى صلى الله عليه وسلم الى يسار فكانوا يشربون من ألبان الأبل حتى انطوت بطونهم ثم عدوا على يسار فذبحوه وجعلوا الشوك فى عينيه ثم أطردوا الأبل فبعث النبى صلى الله عليه وسلم فى آثارهم خيلا من المسلمين كبيرهم كرز بن جابر الفهرى فلحقهم فجاء بهم اليه فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم " ، وقال أبن عباس من شهر السلاح فى فئة الاسلام ،وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فامام المسلمين فيه بالخيار ان شاء قتله وان شاء صلبه ، وان شاء قطع يده ورجله" أو ينفوا من الأرض " قيل هو أن ينفى من بلده الى بلد آخر ، وقال عطاء الخراسانى ينفى من جند الى جند سنين ولا يخرج من دار الاسلام ، وقال آخرون المراد بالنفى هنا السجن وهو قول أبى حنيفة وأصحابه وانتار أبن جرير أن المراد هنا بالنفى أن يخرج من بلده الى بلد آخر فيسجن فيه ، " ذلك لهمخزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم " الذى ذكرمن قتلهم وصلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم خزى لهم بين الناس فى هذه الحياة الدنيا مع ما أدخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة ، وقال أبن جرير " ذلك لهم خزى فى الدنيا "يعنى شر وعار ونكال وذلة وعقوبة فى عاجل الدنيا قبل الآخرة " ولهم فى الآخرة عذاب عظيم " اذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا فى ألاخرة مع الجزاء الذى جازيتهم فى الدنيا والعقوبة الت عافبيهم بها فى الدنيا عذاب عظيم أى عذاب جهنم ، " الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " فاذا تابوا قبل القدرة عليهم فانه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل وقطع اليد وظاهر الآية يقتضى سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة ، وعن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أذنب ذنبا فعوقب به فالله أعدل من أن يثنى عقوبته على عبده ومن أذنب فى الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه فى شىء قد عفا عنه " .

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون * ان الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم * يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم 35 - 37

" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون "يأمر الله عباده المؤمنين بتقواه والتقرب اليه بطاعته والعمل بما يرضيه ، والوسيلة هى لتى يتوصل بها الى تحصيل المقصود ، والوسيلة أيضا أعلى منزلة فى الجنة وهى منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره فى الجنة وهى أقرب أمكنة الجنة الى العرش ، وثبت فى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه العوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته الا حلت له الشفاعة يوم القيامة " ، وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال : " اذا صليتم على فسلوا لى الوسيلة " قيل : " وما الوسيلة ؟ " قال : " أعلى درجة فى الجنة لاينالها الا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو " ، وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله لى الوسيلة فانه لم يسألها لى عبد فى الدنيا الا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة " ، " وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون " لما أمر الله بترك المحارم وفعل الطاعات أمر بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم ، والتاركين للدين القويم ، ورغبهم فى ذلك بالذى أعده للمجاهدين فى سبيله يوم القيامة من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التى لاتبيد ولا تحول ولا تزول فى الغرف العالية الرفيعة ، " ان الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم " لو أن أحدا من الكافرين جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهبا وبمثله ليفتدى به من عذاب الله الذى قد أحاط به ، وتيقن وصوله اليه ما تقبل ذلك منه بل لامندوحة عنه ولا محيص له ولا مناص ولهذا قال " عذاب أليم " موجع ،" يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم " فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدته وأليم مسه ولا سبيل لهم الى ذلك وكلما رفعهم اللهب فى أعلى جهنم ضربتهم الزبانية بالمقامع الحديد فيردوهم الى أسفلها ، " ولهم عذاب مقيم " لهم عذاب دائم لاخروج لهم منها ، ولا محيد لهم عنها ، وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له ياابن آدم كيف وجدت مضجعك ؟ " فيقول : " شر مضجع " فيقال : هل تفتدى بقراب الأرض ذهبا ؟ " فيقول : " نعم يا رب " فيقول الله تعالى : " كذبت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل ، فيؤمر به الى النار" .

والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم * فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعدب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شىء قدير 38 - 40

" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " يأمر الله سبحانه وتعالى بقطع يد السارق والسارقة ، وقد كان القطع معمولا به فى الجاهلية فقرر فى الاسلام ، وذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر الى أنه متى سرق السارق شيئا قطعت يده به سواء كان كثيرا أو قليلا لعموم الآية ، فلم يعتبروا نصابا ولاحرزا بل أخذوا بمجرد السرقة ، وأما الحمهور فاعتبروا النصاب فى السرقة وان كان قد وقع بينهم الخلاف فى قدره ، فعند الامام مللك النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصية أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه وجب القطع واحتج فى ذلك بما رواه عن نافع عن أبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع فى مجن ثمنه ثلاثة دراهم " ،وعند الحنفية لابد من عشرة دراهم ، والشافعية ربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدا والحجة فى ذلك عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ك تقطع يد اسارق فى ربع دينار فصاعدا " ، وكان الدينار اذ ذاك باثنى عشر درهما فالثلاثة دراهم هى ثمن ربع الدينار وبه يقول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضى الله عتهم وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزاعى والشافعى وأصحابه ، واسحاق بن راهويه وأبو ثور وداوك بن على الظاهرى رحمهم اللهوأما الامام أبو حنيفة وأصحابه وغيره رحمهم الله ذهبوا الى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة واحتجوا بأن ثمن المجن الذى قطع فيه يد السارق على عهد رسول اللله صلى الله عليه وسلم كان عشرة دراهم فعن أبن عباس قال كان ثمن المجن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم عشرة دراهموعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ك ط لاتقطع يد السارق فى دون ثمن المجن " ن والاحتياط الأخذ بالأكثر لأن الحدود تدرأ بالشبهات ، وناسب أن يكون القدر الذى تقطع فيه ربع دينار لئلا يسارع الناس فى سرقة الأموال فهذا هو عين الحكمة عند ذوى الألباب ولدلك قال " جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " مجازاة على صنيعهما السيىء فى أخذهما أموال الناس بأيديهم فتناسب أن يقطع ما استعانا به فى ذلك نكالا من الله بهما على ارتكاب ذلك والله عزيز فى انتقامهوحكيم فى أمره ونهيه وشرعه وقدره ، " فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم " من تاب بعد سرقته وأناب الى الله فان الله يتوب عليه فيما بينه وبينه فأما أموال الناس فلابد من ردها اليهم أو بدلها ، وقال أبو حنيفة متى قطع وقد تلفت فى يده فانه لايرد بدلها ، وعن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الذين سرقتهم فقالوا يارسول الله ان هذه المرأة سرقتنا قال قومها فنحن نفديها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اقطعوا يدها " فقالوا : " نحن نفديها بخمسمائة دينار " فقال : " اقطعوا يدها " فقطعت يدها اليمنى فقالت المرأة : " هل لى من توبة يارسول الله " قال : " نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك امك " فانزل الله الآية ، وهذه المرأة المخزومية التى سرقت وحديثها ثابت فى غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلمفقالوا ك " ومن يجترىء عليه الاأسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بها رسول الله فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أتشفع فى حد من حدود الله عز وجل " فقال له أسامة : " استغفرلى يا رسول الل " ، فلما كان العشى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله  ثم قال : " أما بعد فانما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وانى والذى نفسى بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ثم أمر بتلك المرأة التى سرقت فقطعت يدها " قالت عائشة فحسنتتوبتها بعد وتزوجت وكانت تأتى بعد ذلك فأرفع حاجتها الر رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، " ألم تعلم أن الله له ملك الماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شىء قدير "استفهام للتحقيق أى أنك تعلم أن الله هو المالك لكل ما فى السماوات وما فى الأرض الحاكم فيه الذى لامعقب لحكمه وهو الفعال لما يريد وبيده المغفرة لمن يستحق بمشيئته وارادته ويعذب من يشاء بحكمه وعدله وهو على كل شىء قدير .

يا أيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم * سماعون للكذب أكالون للسحت فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين * وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون 41 - 44

" يا أيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم "نزلت الآيات فى المسارعين فى الكفر الخارجين عن طاعة الله ورسوله المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله ، يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يحزن بسبب ا لذين يسارعون فى الكفر من الذين أظهروا الايمان بألسنتهم وقلوبهم خراب خاوية منه وهم المنافقون ، " ومن  الذين هادوا " من اليهود أعداء الاسلام وأهله ، " سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " مستحبون للكذب مستجيبون له ويستجيبون لأقوام آخرين لايأتون مجلسك وقيل أنهم يتسمعون الكلام وينهونه الى قوم آخرين ممن لايحضرعندك من أعدائك ، " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " يتأولون الكلام على غير تأويله ويبدلوه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، " يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤنوه فاحذروا " يقولون ائتوا محمدا فان أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وان أفتاكم بالرجم فاحذروا من قبوله واتباعه ، قيل نزلت فى أقوام من اليهود قتلوا قتيلا وقالوا تعالوا حتى نتحاكم الى محمد فان حكم بالدية فاقبلوه وان حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه ، والصحيح أنها نزلت فى اليهوديين اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذى بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة والتحميم والاركاب على حمارين مقلوبين ، فلما وقع ذلك بعد الهجرة قالوا فيما بينهم تعالوا حتى نتحاكم اليه فان حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله ويكون نبى من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك وانحكم بالرجم فلا تتبعوه فى ذلك وقد وردت الأحاديث بذلك ، فعن عبد الله بن عمر أن اليهود جاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجدون فى التوراة فى شأن الرجم ؟ " فقالوا :" نفضحهم ويجلدون " قال عبد الله بن سلام : " كذبتم ان فيها الرجم " فأتوا بالتوراة  فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام : " ارفع يدك فرفع يده فاذا آية الرجم فقالوا : " صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما  ، فرأيت الرجل يحنى على المرأة يقيها الحجارة ، " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم " ومن يشاء الله أن يطمس على قلبه فيبعد عن شرعه الذى أنزله ولا يتبعه بسوء عمله وتصرفه وتحريفه وهم اليهود ويفتنه فى دينه فيبدل ويحرف فليس بيدك والخطاب الى الرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين من بعده فلن تستطيع أن تهديه وهؤلاء القوم لن يطهر الله قلوبهم مما فيها من انحراف وكفر وكل الأمراض من غل وحقد وكذب وحسد وسيكون مصيرهم الخزى فى الدنيا والعار الذى يجره عليهم أعمالهم وفى الآخرة يكون عذابهم فى جهنم وبئس المصير ، " سماعون للكذب أكالون للسحت "يستمعون و يطيعون الباطل و يتبعوه ويأكلون الحرام ويستحلونه ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له ، " فان جاؤك " يقول الله لنبيه اذا جاءوا يتحاكمون اليك ، " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا " فلا عليك ألا تحكم بينهم لأنهم لايقصدون بتحاكمهم اليك اتباع الحق بل ما يوافق أهواءهم ، وقال أبن عباس وغيره هذه منسوخة بقوله " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " ، " وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط " اذا أردت أن تحكم بينهم فاحكم بالحق والعدل وان كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل وليس بأهوائهم أو مايريدون بل بما أتاك الله من شرعه ، " ان الله يحب المقسطين " يقول تعالى منكرا عليهم فى آرائهم الفاسدة ، ومقاصدهم الزائفة فى تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذى بايديهم الذى يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا الى غيره مما يعتقدون فى نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم فقال " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين " ، ثم مدح التوراة التى أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران عليه السلام فقال " انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء  " التوراة التى أنزلها الله مصدقة للقرآن وفيها الارشاد والهداية الى طريق الله وشرعه فيها حكم الله وشرعه وفيها ما أوتى النبيون الذين يتبعون دين الله وشرعه وهو الاسلام دين النبيين ويقول الله " ومن يبتغى غير الاسلام دينا فلن يقبل منه " ويحكمون به للذين هادوا ولايخرجون عن حكم التوراة ولايبدلونها ولايحرفونها وكذلك الربانيون وهم العلماء العباد والأحبار أى العلماء العارفين بالدين بما أستودعوا من كتاب الله الذى أمروا أن يظهروه ويعملوا به ، " فلا تخشوا الناس واخشونى ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا " لاتخافوا منهم وخافوا منى ولا تحرفوا بما أنزلت من هدى تريدون عرض الدنيا القليل ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" قال السدى من لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين ، وقال أبن عباس وأخرون أنها نزلت فى أهل الكتاب وزاد الحسن البصرى وهى علينا واجبة وقال عبد الرزاق عن سفيان الثورى عن منصور عن ابراهيم نزلت فى بنى اسرائيل ورضا الله لهذه الأمة بها ، وقال أبن جرير عن الشعبى هذا فى المسلمين وقال " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " قال هذا فى اليهود وقال " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " هذا فى النصارى .          

وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الظالمون 45

" وكتبنا فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص " هذا أيضا مما ويخت به اليهود وقرعواعليه ، فان عندهم فى نص التوراة أن النفس بالنفس وهم يخالفون ذلك عمدا ، قال أبن عباس كانت قريظة والنضير وكانت النضير أشرف من قريظة فكان اذا قتل القرظى رجلا من النضير قتل به ، واذا قتل النضرى رجلا من قريظة ودى بمائة وسق من تمر ، ولكنهم خالفوا عمدا وعنادا ويقيدون النضرى من القرظى ولايقيدون القرظى من النضرى بل يعدلون الى الدية كمل خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم فى رجم الزانى المحصن وعدلوا الى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والاشهار ولهذا قال " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعناداوعمدا فقال هنا " فأولئك هم الظالمون " لأنهم لم ينصفوا المظلومين الظالم فى ألأمر الذى أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه فخالفوا وظلموا وتعدوا على بعضهم بعضا ، سبب النزول هو قضية القصاص ، أستدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء الى أن شرع من قبلنا شرع لنا اذا حكى مقررا ولم ينسخ ، وكان الحكم عندنا على وفقها فى الجنايات عند جميع الأئمة ، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية وكذا ورد فى الحديث الذى رواه النسائى وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فىكتاب عمرو بنحزم : " ان الرجل يقتل بالمرأة " وفى الحديث الآخر " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ، وعن أمير المؤمنين على بن أبى طالب أن الرجل اذا قتل المرأة لايقتل بها الا ان يدفع وليها الى أوليائه نصف الدية لأن دينها على النصف من جية الرجل ، ورواية عن أحمد أن الرجل اذا قتا المرأة لايقتل بها بل تجب ديتها ، وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لايقتل مسلم بكافر" ، " والجروح قصاص " قال أبن عباس تقتل النفس بالنفس وفقأ العين بالعين وتقطع الأنف بالأنف وتنزع السن بالسن وتقتص الجراح بالجراح ، فهذا يستوى فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم اذا كان عمدا فى النفس وما دون النفس ويستوى فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم اذا كان عمدا فى النفس وما دون النفس ، "فمن تصدق به فهو كفارة له " يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به ، قال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مامن مسلم يصاب بشىء منجسده فيهبه الا رفعه الله به درجة وحطعنه به خطيئة " ، وعن أبى هريرة عنرجل من أصحاب النبى صلى اله عليه وسلم قال : " من أصيب بشىء من جسده فتركه لله كان كفارة له " .    

وقفينا على آثارهم بعيسى أبن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين * وليحك أهل الانجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون 46 - 47

" وقفينا على آثارهم بعيسى أبن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة " أتبعنا على آثار بنى اسرائيل عيسى أبن مريم عليه السلام مؤمنا بالتوراة التى أنزلت من قبله حاكما بما فيها ،" ومصدقا لما بين يديه من التوراة " متبعا لها غير مخالف لما فيها الا فى القليل مما بين لبنى اسرائيل بعض مل كانوا يختلفون فيه كما قال تعالى عن المسيح أنه قال لبنى اسرائيل " ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم " ولهذا كان المشهور من قول العلماء أن الأنجيل نسخ بعض أحكام التوراة  " وآتيناه الأنجيل فيه هدى ونور " وأنزلنا عليه الانجيل فيه هدى الى الحق ونور يستضاء به فى ازالة الشبهات وحل المشكلات ، " ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين " الأنجيل أتى مصدقا متبعا للتوراة غير مخالف لها الا فى بعض الاحكام القليلة وبخاصة بعض المحرمات التى فرضت على بنى اسرائيل لتشددهم تشددوا فشدد الله عليهموجعل الله الانجيل هدى يهتدى به وموعظة اى زاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم للمتقين أى من اتقى الله وخاف وعيده وعقابه ، " وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه "  ليحكم أهل الانجيل أهل ملته به فى زمانهم وليؤمنوا بجميع ما فيه وليقيموا ما أمروا به فيه ومما فيه البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعه وتصديقه اذا وجد كما قال تعالى " قل يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل اليكم من ربكم "،وقال " الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون " ومن لم يحكم بما أنزله الله فأولئك الخارجون عن طاعة ربهم الماثلون الى الباطل التاركون للحق وهذه الآية نزلت فى النصارى من ظاهر السياق .   

وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومناهجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فى ماآتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميها فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون * وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وان كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 48 - 50

" وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه " لما ذكر الله التوراة الت أنزلها على موسى عليه السلام ودحها وأثنى عليها وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الاتباع ،ةوذكر الانجيل ومدحه وأمرأهله باقامته وباتباعه ن شرع فى ذكر القرآن العظيم الذى أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أنزلنا عليك يا محمد القرآن بالصدق الذى لاريب فيه من عندالله مصدقا لما جاء من الكتب المتضمنة ذكره ومدحه وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فكان نزوله كما أخبرت به بما زادها صدقا عند حامليها من ذو البصائر الذين انقادوا لأمر الله واتبعوا شرائع الله وصدقوا رسل الله ، كما قال تعالى " ان الذين أوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا " ، " ومهيمنا عليه " قال أبن عباس القرآن مهيمن أمين على كل كتاب قبله ق\فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل فقد جعل الله هذا الكتاب العظيم الذى أنزله آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله وزاده من الكمالات ما ليس فى غيره فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها وتكفل تعالى بحفظه فقال تعالى "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " ويشهد ما توصل اليه العلم فى عصرنا من وسائل حفظ المعلومات ووسائل الاتصال على ذلك ، " فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق " فاحكم يا محمد بين الناس عربه وعجمهم أميهم وكتابيهم بما أنزل الله اليك من هذا الكتاب العظيم وبما فرره لك من حكم منكانقبلك من الأنبياء ولم ينسخه فى شرعك ، قال أبن عباس كان النبى صلى الله عليه وسلم مخيرا ان شاء حكم بينهم وان شاء أعرض عنهم فردهم الى أحكامهم فنزلت " وان أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما فى كتابنا ولا يتبع آراءهم التى اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن لاينصرف عن الحق الذى أمره به الى هؤلاء من الجهلة والأشقياء ، " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال أبن عباس جعلنا لكل سبيلا وسنة والشرعة هى ما يبتدأ فيه الى الشىء ومنه يقال شرع فى كذا أى أبتدأ فيه وكذا الشريعة وهى ما يشرع فيها الى الماء أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل والسنن الطرائق ، وهذا اخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة فى الأحكام المتفقة فى التوحيد كما ثبت فى صحيح البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نحن معاشر الأنبياء اخوة لعلات ديننا واحد " ، يعنى بذلك التوحيد الذى بعث الله به كل رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله كما قال الله " وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون " ،وكما قال "ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " ، وأما الشرائع فمختلفة فى الأوامر والنواهى فقد يكون الشىء فى هذه الشريعة حراما ثم يحل فى الشريعة الأخرى وبالعكس وخفيفا فيزاد فى الشدة فى هذه دون تلك لما له تعالى فى ذلك من الحكمة البالغة والحجة الدامغة لكل سبيل وسنة كما قال أبن عباس والسنن مختلفة هى فى التوراة شريعة وفى الانجيل شريعة وفى الفرقان شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، والدين الذى لايقبل الله غيره التوحيد والاخلاص لله الذى جاءت به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وقيل المخاطب هذه الأمة ومعناه لكل جعلنا القرآن منكم أيتها الأمة شرعة ومنهاجا أى هو لكم كلكم تقتدون به أى سبيلا الى المقاصد الصحيحة وسنة أى طريقا ومسلكا واضحا بينا  ، والقول الأول هو الأصح لقوله تعالى بعده" ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " وهم أمة واحدة ولكن هذا خطاب لجميع الأمم واخبار عن قدرته تعالى العظيمة التى لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة لاينسخ شىء منها ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذى بعده حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذى ابتعثه ا لى أهل الأرض قاطبة وجعله خاتم الأنبياء كلهم ولهذا قال " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتا كم " الله تعالى شرع الشرائع مختلفة ليختبر عباده فيما شرع لهم ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله ، " فاستبقوا الخيرات " بادروا الى طاعة الله واتباع شرعه الذى جعله ناسخا لما قبله والتصديق بكتابه القرآن الذى هو آخر كتاب أنزله ، " ا لى الله مرجعكم " معادكم أيهاالناس ومصيركم اليه يوم القيامة ، " فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق فيجزى الصادقين بصدقهم ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق العادلين عنه الى غيره بلا دليل ولا برهان بل هم معاندون للبراهين القاطعة ، والحجج البالغة والأدلة الدامغة ، " ، " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم"  تأكيد لما سبق من الأمر بحكم الله وحده دون اتباع لأى أهواء والنهى عن خلافه ، " واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك " أحذر أعداءك من اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه اليك من الأمور فلا تغتر بهم فانهم كذبة كفرة خونة ، " فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم " فان ابتعدوا وعدلوا عما تحكم به بينهم من لحق وخالفوا شرع الله فاعلم أن ذلك كائن عن قدرة الله وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما لهم من الذنوب السالفة الت اقتنضت اضلالهم ونكالهم ، " وان كثيرا من الناس لفاسقون " ان أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهمك مكخالفون للحق ناكبون عنه كما قال تعالى " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ، كما قال " وان تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله " ، وعن أبن عباس قال : " قال كعب بن أسد وأبن صلوبا وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعض : " اذهبوا بنا الى محمد لعلنا نفتنه عن دينه " فأتوه فقالوا : " يا محمد انك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم وانا ان اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا وان بيننا وبين قومنا خصونة فنحاكمهم اليك فتقضى لنا عليهم ونؤمن ونصدقك " فأبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم" وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك " الى قوله "يوقنون" ، " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل الى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التى وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع الى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه فى قليل أوكثير ، " أفحكم الجاهلية يبغون " يبتغون ويريدون حكم الجاهلية ويعدلون عن حكم الله ، " ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ومن أعدل من الله فى حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها فان الله بكل شىء القادر على كل شىء العادل فى كل شىء ، وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلمقال : " أبغض الناس الى الله عز وجل من يبتغى فى الاسلام سنة الجاهلية وطالب دم امرىء بغير جق ليريق دمه " .  

يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم والله لايهدى القوم الظالمين * فترىالذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم ويقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين 51 - 53

" يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض "ينهى الله تعالى عباده المؤمنين من موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الاسلام وأهله ُوأخبر أن بعضهم أولياء بعض" ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لايهدى القوم الظالمين " من يتخذهم أولياء منهم يصير مصيره مصيرهم عند الله ومنزلته منزلتهم وينال نصيبه من غضب الله عليه لانه حاد عن طريقه فظلم نفسهفيزيده الله ضلالا  ، قال أبن جرير عن عطية بن سعد قال : " جاء عبادة بن الصامت من بنى الحارث بن الخزرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله ان لى موالى من يهود كثير عددهم وانى أبرأ الى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبى انى رجل اخاف الدوائر لاأبرا من ولاية موالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا الحباب ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه " قال قد قبلت فأنزل الله الآيات ،وقال محمد بن اسحاق كانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع فحاصرهم حتى نزلوا على حكمه فقام اليه عبد الله بن أبى بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال : " يا محمد أحسن فى موالى " وكانوا حلفاء الخزرج فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :’" يا محمد أحسن فى موالى " فأعرض عنه فأدخل يده فى جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " أرسلنى " وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال : " ويحك ارسلنى " قال : " لا والله لاأرسلك حتى تحسن فى موالى أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعونى من الأحمر والأسود تحصدنى فى غداة واحدة انى أمرؤ أخشى الدوائر " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هم لك " ، وعن عبادة بن الصامت قال حاربت بنوقينقاع من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا ما بينهم وبينه من عهد تشبث بأمرهم عبد الله بن أبى وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بنى عوف بن الخزرج له من حلفهم  مثل الذى لعبد الله بن أبى فجعلهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ الى الله ورسوله من حلفهم وقال : " يا رسول الله أبرأ الى الله والى رسوله من حلفهم وأتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم " ، ففيه وفى عبد الله بن أبى بن سلول  نزلت ألآيات السابقة ، " فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم  ويقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " فترى الذين فى قلوبهم شك وريب ونفاق يسارعون فيهم أى يبادرون الى موالاتهم فى الباطن والظاهر يتأولون فى مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك ، "فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين " والله يرد عليهم فعسى أن يأتى الله بفتح مكة والقضاء والفصل من عنده فتضرب الجزية على اليهود والنصارى فيصبح الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين على ما أسروه فى أنفسهم من الموالاة نادمين على ما كان منهم  مما لم يجد عنهم شيئا ولا دفع عنهم محذورا بل كان عين المفسدة فانهم فضحوا وأظهر الله أمرهم فى الدنيا لعباده المؤمنين ، "ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين" ، فتعجب عباد الله المؤمنين كيف كانوا يظهرون أنهم من المؤمنين ويحلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبهم وافتراؤهم أصيب صنيعهم بالخيبة والخسران . 

  يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولايخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون 54 - 56

" يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه " يتحدث الله عن قدرته العظيمة وأن من تولى عن نصرة دينه واقامة شريعته فانه يستبدل به من هو خير منه واشد منعة وأقوم سبيلا  ، كما قال " وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم " ،وقال تعالى " ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز " ، "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه ، كما قال تعالى " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " ، " يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم" لايردهم عما هم فيه من طاعة الله واقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لايردهم عن ذلك راد , ولا يصدهم عنه صاد ، ولايحيك فيهم لوم لائم ، ولا عذل عاذل ، وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا لايمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق اذا رآه أو شهده فانه لايقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم " ، وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال فلا يقول فيه ، فيقال له يوم القيامة : " ما منعك أن تكون قلت فى كذا وكذا فيقول مخافة الناس ، فيقول اياى أحق أن تخاف " ، " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " من اتصف بهذه الصفات فانما هو من فضل الله عليه وتوفيقه له ، " والله واسع عليم " والله واسع الفضل عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه اياه ، " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ليس اليهود بأوليائكم بل ولايتكم راجعة الى الله ورسوله والمؤمنين ، " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من اقام الصلاة التى هى أكبر أركان الاسلام وهى عبادة الله وحده لاشريك له وايتاء الزكاة التى هى حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين ،قال أبن عباس الآية نزلت فى على بن أبى طالب ، كان على بن أبى طالب قائما يصلى فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه ، وقال السدى نزلت هذه الآية فى جميع المؤمنين ولكن على بن أبى طالب مر به سائل وهو راكع فى المسجد فأعطاه خاتمه ، وعن أبن عباس أن من أسلم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا ، وقد تقدم فى الأحاديث أن هذه الآيات كلها نزلت فى عبادة بن الصامت رضى الله عنه حين تبرأ من حلف اليهود ورضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين ولهذا قال تعالى " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون " كل من رضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح فى الدنيا والآخرة ومنصور فى الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلى ان الله قوى عزيز " .

يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله ان كنتم مؤمنين * واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لايعقلون 57 - 58

" يا أيها  الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " هذا تنفير من موالاة أعداء الاسلام وأهله من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهى شرائع الاسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دنيوى وأخروى يتخذونها هزوا يستهزئون بها ، ولعبا يعتقدون أنها نوع من اللعب فى نظرهم الفاسد ، وفكرهم البارد ، " واتقوا الله ان كنتم مؤمنين " اتقوا الله أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء من دون الؤمنين ومن يفعل ذلك فقد خرج من الايمان ، " واذا ناديتم ا لى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لايعقلون " اذا أنتم داعين الى الصلاة التى هى أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوى الألباب أتخذوها هزوا ولعبا ، " ذك بأنهم قوم لايعقلون " لايعقلون معانى عبادة الله وشرائعه وهذه صفات أتباع الشيطان الذى اذا سمع الأذان أدبر وله حصاص أى ضراط حتى لايسمع التأذين ، فاذا قضى التأذين أقبل فاذا ثوب للصلاة أدبر فاذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه فيقول أذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لايدرى كم صلى فاذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل السلام " متفق عليه ، وقال السدى كان رجل من النصارى بالمدينة اذا سمع المنادى ينادى أشهد أن محمدا رسول الله قال حرق الكذاب ، فدخلت خادمة ليلة من الليالى بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت فاحترق هو وأهله .  

قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا الا أن آمنا بالله وما أنزل الينا وأنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون * قل هل أنبئكم بشرمن ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل * واذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون * وترى كثيرا منهم يسارعون فى الأثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون * لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون 59 - 63

" قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا الا أن آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل من قبل " يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب هل لكم علينا مطعن أو عيب الا أننا آمنا بالله وما أنزل الينا من القرآن ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل على الرسل من قبله وهذا ليس بعيب ولا مذمة ، " وأن أكثركم فاسقون " معطوف على ما قبله أى آمنا أن أكثركم فاسقون أى خارجون عن الطريق المستقيم ، " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا ؟ ، " من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردةوالخنازير وعبد الطاغوت " هم أنتم االذين أبعدهم الله من رحمته وغضب عليهم غضبا لايرضى بعده أبدا ومسخهم قردة وخنازير كما تقدم فى سورة البقرة ، وعن أبن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهى مما مسخ الله فقال :" ان الله لم يهلك قوما أو قال لم يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولاعقبا وان القردة والخنازير كانت قبل ذلك " ،وفى رواية أخرى عن أبن مسعود قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهى من نسل اليهود فقال "لا" ان الله لم يلعن قوما قط فيمسخهم فكان لهم نسل ولكن هذا خلق كان فلما غضب الله علي اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم " ، " وعبد الطاغوت "وجعل منهم من عبد الطاغوت والمعنى أنكم يا أهل الكتاب الطاعنين فى ديننا الذى هو دين توحيد الله وافراده بالعبادة دون سواه كيف يصدر منكم هذا وأنتم فيكم كل ما ذكر ، " أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل " هؤلاء الذين فيهم هذه الصفات مكانتهم سيئة عند ربهم فى الدنيا والآخرة وبعيدين عن الطريق السوى استخدمت كلمة "شر" فى ألاية مرتين وتدل على السوء وتدنى المنزلة وتدهور الحال ،"واذا جاؤكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " هذه صفة المنافقين منهم أنهم يصانعون المؤمنين فى الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر ولهذا قال وقد دخلوا أى عندك يا محمد بالكفر أى مستصحبين الكفر فى قلوبهم ثم خرجوا وهو كامن فيهم لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم ولا نجع" والله أعلم بما كانوا يكتمون " الله عالم بسرائرهم وما تنطوى عليه ضمائرهم وان أظهروا لخلقه خلاف ذلك وتزينوا بما ليس فيهم فان عالم الغيب والشهادة أعلم بهم منهم وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء ،"  وترى كثيرا منهم يسارعون فى الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " كثير منهم جهارا يبادرون الى تعاطى المآثم والمحارم والاعتداء على الناس وأكل أموالهم بالباطل ، " لبئس ما كانوا يصنعون " لبئس العمل عملهم وبئس الاعتداء اعتداؤهم  ، " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " تحمل الآية التوبيخ ولماذا لايقوم الربانيون وهم العلماء العمال أرباب الولايلت عليهم والأحبار وهم العلماء فقط بنهيهم عن أرتكابهم الآثام والمحارم وأكل الأموال بالباطل وذمهم على صنيعهم من تركهم فعل ذلك ، وعن المنذر بن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل با لمعاصى  هم أعز منه وأمنع ولم يغيروا الا أصابهم الله منه بعذاب " ، وفى رواية أخرى عن المنذر بن جرير عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يكون فى قوم يعمل فيهم بالمعاصى يقدرون أن يغيرون الا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا " ، خطب على بن طالب رضى الله عنه فقال :" أيها الناس انما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصى ولم ينههم الربانيون والأحبار فلما تمادوا فى المعاصى أخذتهم العقوبات ، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذى نزل بهم ، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لايقطع رزقا ولا يقرب أجلا " .    

وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة كلما اوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الأرض فسادا والله لايحب المفسدين *ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم * ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير مكنهم ساء ما يعملون 64 - 66

" وقالت اليهود يد الله مغلولة "يخبر الله تعالى عن اليهود بأنهم وصفوه بأنه بخيل كما وصفوه بأنه فقيروهم أغنياء ، وعن أبن عباس قال لايعنون أن يد الله موثقة ولكن يقولون بخيل بمعنى أمسك ما عنده بخلا تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، وقال تعالى " ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا "والله ينهى عن البخل وعن التبذير وهو زيادة الانفاق فى غيرمحله ، وقال عكرمة أنهانزلت فى فنحاص اليهودى وهو الذى قال " ان الله فقير ونحن أغنياء "  فضربه أبو بكر الصديق رضى الله عنه ، وعن أبن عباس قال قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس ان ربك بخيل لاينفق فنزلت الآية ، " غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " رد الله عليهم باللعنة أن تغل أيديهم فى جهنم وتصيبهم اللعنة وهى الطرد من رحمة الله وكرمه بسبب ما قالوه على الله سبحانه وتعالى وقلوبهم مليئة بحب المال والبخل والحسد والجبن كما نعلم فى الحياة الدنيا ويضرب بهم المثل فى العالم  ، "بل يداه مبسوطتان يتفق كيف يشاء " هو الواسع الفضل الجزيل العطاء الذى ما من شىء الا عنده خزائنه وهو الذى ما بخلقهمن نعمة فمنه وحده لاشريكله الذى خلق لنا كل شىء مما نحتاج اليه وهو الرزاق الكريم ، كما قال " وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها ان الانسان لظلوم كفار  " ، وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان يمين الله ملأى لايغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فانه لم يغض ما فى يمينه وعرشه على الماء ، وفى يده الأخرى الفيض يرفع ةيخفض ، يقول الله تعالى أنفق أنفق عليك " ، " وليذيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا "ما أتاك الله يا محمد من النعمة نقمة فى حق أعدائك من اليهود وأشباههم فكما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا صالحا وعلما نافعا يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغيانا وهو المبالغة والمجاوزة للحد فى الأشياء وكفرا أى تكذيبا ، كما قال تعالى " وننزل  من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين الا خسارا " ، " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة " لاتجتمع قلوبهم بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم فى بعض دائما لأنهم لايجتمعون على حق وقد خالفوك وكذبوك ، وقال ابراهيم النخعى القينا بينهم الخصومات والجدال فى الدين ، " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " كلما عقدوا أسبابا يكيدونك بها وكلما أبرموا أمورا يحاربونك بها أبطلها الله ورد كيدهم وحاق مكرهم السىء بهم ،"ويسعون فى الأرض فسادا والله لايحب المفسدين " من سجيتهم انهم دائما يسعون فى الافساد فى الأرض والله لايحب هذه الصفة ومن فيه هه الصفة ، " ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم "لو أن أهل الكتاب آمنوا بالله ورسوله واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم لأزلنا عنهم المحذور وأنلناهم المقصود من تكفير عن سيئاتهم ودخول جنة النعيم فى الآخرة ،" ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " لو اتبعوا ما أنزل الله من الكتب التى بين أيديهم عن الأنبياء وهى التوراة والانجيل وعملوا بها دون تبديل أو تحريف بالتالى لقادتهم الى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث به الله محمد صلى الله عليه وسلم و ما انزله الله ربهم من القرأن عليه فان كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتما لامحالة لأرسل الله عليهم السماء مدرارا وتخرج الأرض بركاتها ويكثر الرزق النازل من السماء والنابت لهم من ألأرض من غير كدر ولا تعب ولا شقاء ولاعناء ، كما قال تعالى " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " ، وعن زياد بن لبيد أنه قال : " ذكر النبى صلى الله عليه وسلم شيئا فقال " وذاك عند ذهاب العلم " قلنا :" يارسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا وأبناءنا يقرؤنه أبناءهم الى يوم القيامة " فقال :" ثكلتك أمكيا أبن أم لبيد انكنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤن التوراة والانجيل ولا ينتفعون بما فيهما بشىء " ، " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " يعنى بالأمة المقتصدة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، جعل اللع أعلى مقاماتهم الاقتصاد وهو أوسط مقامات هذه الأمة وفوزق ذلك رتبة السابقين ، كما قال تعالى " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها " ، " وعن أنس بن مالك قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" تفرقت أمة موسى على احدى وسبعين ملة سبعون منها فى النار وواحدة فى الجنة ، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة واحدة فى الجنة واحدى وسبعون منا فى النار ، وتعلو أمتى على الفرقتين جميعا واحدة فى الجنة وثنتان وسبعون فى النار " قالوا :" من هم يارسول الله " قال : " الجماعات الجماعات"  يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لايهدى القوم الكافرين 67

" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك " يقول الله تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآمرا له بابلاغ جميع ما أرسله الله به وقد امتثل عليه الصلاة والسلام ذلك وقام به خير قيام ، قال البخارى قال الزهرى: " من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم "، وقد شهدت له أمته بابلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك فى أعظم المحافل فى خطبته يوم حجة الوداع وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفا كما ثبت فى صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى خطبة الوداع : " أيها الناس انكم مسؤلون عنى فما أنتم قائلون ؟ " قالوا : " نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت " فجعل يرفع أصبعه الى السماء وينكسها اليهم ويقول : " اللهم هل بلغت " ، وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع : " يا أيها الناس أى يوم هذا " قالوا " يوم حرام " ، قال:" أى بلد هذا " قالوا : " بلد حرام ، قال : " فأى شهر هذا " قالوا : " شهر حرام" قال : " فان أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا " ثم أعادها مرارا ثم رفع أصبعه الى السماء فقال : " اللهم هل بلغت " مرارا ، يقول أبن عباس : " والله لوصية الى ربه عز وجل " ثم قال : "أ لا فليبلغ الشاهد الغائب لاترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " ، " وان لم تفعل فما بلغت رسالته " ان لم تؤد الى الناس ما أرسلتك به فما بلغت رسالته وقال أبن عباس ان كتمت آية مما انزل اليك من ربك لم تبلغ رسالته ، " والله يعصمك من الناس " بلغ رسالتى وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم فلا تخف ولا تحزن فلن يصل أحد منهم اليك بسوء يؤذيك ، وعن أبى هريرة قال كنا اذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فقال يامحمد من يمنعك منى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله يمنعنى منك ضع السيف " فوضعه فأنزل الله عز وجل " والله يعصمك من الناس " ، ومن عصمة الله لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة فصانه فى ابتداء الرسالة بعمه أبى طالب اذ كان رئيسا مطاعا كبيرا فى قريش وخلق الله فى قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لاشرعية ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك فى الكفر هابوه واحترموه فلما مات عمه أبوطالب نال منه المشركون أذى يسيرا ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الاسلام وعلى أن يتحول الى دارهم وهى المدينة فلما صار اليها منعوه من الأحمر والأسود ، وكلما هم أحد المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم وانزل عليه سورتى المعوذتين دواء لذلك ، ولما سمه اليهود فى ذراع الشاة بخيبر أعلمه الله وحماه منه ولهذا أشباه كثيرة جدا يطول ذكرها  ، " ان الله لايهدى القوم الكافرين " بلغ أنت والله هوالذى يهدى من يشاء ويضل من يشاء ، كما قال " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء " .

قل يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل اليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين * ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤن والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا يحزنون 68 - 69

"قل يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل اليكم من ربكم " يقول تعالى قل يا محمد لأهل الكتاب من اليهود والنصارى لستم على شىء من الدين حتى تقيموا التوراة والانجيل أى حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها ومما فيها الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعه والايمان بمبعثه والاقتداء بشريعته ,قال مجاهد فى قوله" وما أنزل اليكم من ربكم " يعنى القرآن العظيم ، " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا " ما أتاك الله يا محمد من النعمة نقمة فى حق أعدائك من اليهود وأشباههم ، فكما يزداد المؤمنون به تصديقا وعملا صالحا وعلما نافعا يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغيانا وهو المبالغة والمجاوزة للحد فى الأشياء وكفرا أى تكذيبا ، " فلا تأس على القوم الكافرين " فلا تحزن على الكافرين ولايهيبنك ذلك منهم ،" ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤن والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولايحزنون " الذين آمنوا وهم المسلمون والذين هادوا اليهود حملة التوراة والصابئون وقال قتادة هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون الى غير القبلة ويقرؤن الزبور ، وقال وهب بن منبه هم قوم يعرفون الله وحده وليست لهم شريعة يعملون بها ولم يحدثوا كفرا ، وقال ابن وهب أخبرنى أبن أبى الزناد قال الصابئون هم قوم مما يلى العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون كل سنة ثلاثون يوما ويصلون الى اليمن كل يوم خمس صلوات وقيل غير ذلك ، والنصارىوهم حملة الانجيل ، والمقصود أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين وعملت عملا صالحا ولا يكونون كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد ارسال صاحبها المبعوث الى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ولا هم يحزنون  ، وقد تقدم لك فى سورة البقرة .

لقد أخذنا ميثاق بنى اسرائيل وأرسلنا اليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لاتهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون * وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيرمنهم والله بصير بما يعملون 70 - 71

" لقد أخذنا ميثاق بنى اسرائيل وأرسلنا ا ليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لاتهوى أنفسهم فريق كذبوا وفريقا يقتلون " يذكر الله تعالى أنه أخذ العهود والموائيق على بنى اسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسله فنقضوا تلك العهود والمواثيق وأتبعوا آراءهم وأهواءهم وقدموها على الشرائع فما وافقهم منها قبلوه وما خالفهم ردوه وقتلوا نبيه اذا تعارض مع ما يعتقدون ويفعلون ، " وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم " وحسبوا أن لايترتب لهم شر على ما صنعوا فترتب ، وهو أنهم عموا عن الحق وصموا فلا يسمعون حقا ولا يهتدون اليه ، ثم تاب الله عليهم مماكانوا فيه ثم عمى وصم بعد ذلك كثير منهم ، " والله بصير بما يعملون " والله مطلع عليهم وعليم بمن يستحق الهداية ممن يسنحق الغواية منهم .

لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح أبن مريم وقال المسيح يابنى اسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا الله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون الى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح أبن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون 72 - 75

" لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسي أبن مريم " يقول الله تعالى حاكما بتكفير فرق النصارى من الملكيةواليعقوبية والنسطورية ممن قال منهم بأن المسيح هو الله ، تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علوا كبيرا وقد نقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله وكان أول كلمة نطق بها فى المهد أن قال انى عبد الله ولم يقل انى أنا الله ولا أبن الله بل قال " انى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا " وقال " وان الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراك مستقيم " ، " وقال المسيح يا بنى اسرائيل اعبدو الله ربى وربكم انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار " أمر المسيح عليه ا لسلام بنى اسرائيل الذين أرسل اليهم بعبادة الله ربه وربهم وحذرهم من الشرك بالله لأن من يشرك بالله فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة كما قال تعالى " ان الله لايغفر أن يشرك به ويفغر ما دون ذلك لمن يشاء " وهؤلاء المشركون الذين ظلموا أنفسهم وحادوا عن الحق ليس لهم ناصر ولا شفيع ولا منقذ مما هو فيه وهو فى نار جهنم ، " لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا الله " المراد بذلك النصارى والمراد بذلك كفارهم فى قولهم بالأقانيم الثلاثة وهو أقنوم الأب وأقنوم الأبن وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب الى الأبن ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، وقال أبن جرير وغيره والطوائف الثلاثة من الملكية واليعقوبية والنسطورية تقول بهذه الأقانيم وهم مختلفون فيها اختلافا متباينا وكل فرقة منهم تكفر الأخرى والحق أن الثلاثة كافرة ، وقال السدى وغيره نزلت فى جعلهم المسيح وأمه الهين مع الله فجعلوا الله ثالث ثلاثة كما فى قوله " واذ قال الله يا عيسى أبن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى الهين من دون الله قال سبحانك" ، وهو سبحانه اله واحد ليس متعددا لاشريك له اله جميع الكائنات وسائر الموجودات ،  " وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب األيم " يقول الله تعالى متوعدا لهم ومتهددا أن من لم ينتهى عن هذا القول والاعتقاد فيه سوف يصيبه العذاب الأليم فى الآخرة من الأغلال والنكال ، " أفلا يتوبون الى الله ويتغفرونه والله غفور رحيم " من كرم الله تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه مع هذا الذنب العظيم وهذا الافتراء والكذب والافك يدعوهم الى التوبة والمغفرة فكل من تاب اليه تاب عليه ، " ما المسيح أبن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل " المسيح أبن مريم له أسوة من سائر المرسلين المتقدمين عليه وأنه عبد منعباد الله ورسول من رسله الكرام ، " وأمه صديقة " مؤمنة به مصدقة له وهذا أعلى مقاماتها فدل على أنها ليست بنبية ، " كانا يأكلان الطعام " هما عبدان كسائر العباد يحتاجان الى التغذية بالطعام والى خروجه منهما وليسا الهين كما زعم النصارى ، " أنظركيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون "  أنظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون وبأى قول يتمسكون والى أى مذهب ضلال يذهبون .   

قل أتعبدون من دون الله مالايملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميه العليم * قل ياأهل الكتاب لاتغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل 76 - 77

" قل أتعبدون من دون الله ما لايملك لكم ضرا ولا نفعا " يقول الله منكرا على من عبد غيره من الأصنام والأوثان ومبينا أنها لاتستحق شيئا من الالهية يا محمد قل لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بنى آدمودخل فىذلك النصارى وغيرهم اتعبدون من غير الله ما لايقدر على دفع ضر عنكم ولا ايصال نفع اليكم" والله هو السميع العليم "الله السميع لأقوال عباده العليم بكل شىء فلم عدلتم عنه الى عبادة جماد لايسمع ولايبصر ولا يعلم شيئا ولا يملك ضرا ولا نفعا لغيره ولا لنفسه ، " قل يا أهل الكتاب لاتغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل  " لاتجاوزوا الحد فى اتباع الحق ولاتطردوا من أمر بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة الى مقام الالهية كما صنعتم فى المسيح وهو نبى من الأنبياء فجعلتموه الها من دون الله وما ذلك الا لاقتدائكم بأحباركم الضالين الذين هم سلفكم ممن ضل قديما ،" وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال الى طريق الغواية والضلال وغوا بضلالهم  كثير ممن اتبعوهم من دون الله .

لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود وعيسى أبن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل اليه ما أتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون 78 - 81

" لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود وعيسى أبن مريم " يخبر الله أنه لعن الكافرين من بنى اسرائيل من دهر طويل فيما أنزله الله على داود نبيه عليه السلام وعلى لسان عيس أبن مريم بسبب عصيانهم لله واعتدائهم على خلقه ، وقال أبن عباس لعنوا فى التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، " كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون "يبن الله حالهم فيما كانوا يعتمدونه فى زمانهم كان لاينهى أحد منهم أحد عن ارتكاب الملآثم والمحارم ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذى ارتكبوه فقال لبئس ما كانوا يفعلون ، وعن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما وقعت بنو اسرائيل فى المعاصى نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم فى مجالسهم وأحسبه قال فى أسواقهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى أبن مريم " ،" ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال : " لاوالذى نفسى بيده حتى تأطروهم على الحق اطرا " ، وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان أول ما دخل النقص على بنى اسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فانه لايحل لك ، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون اكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال "لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " الى قوله "فاسقون" ، ثم قال  " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو تقصرنه على الحق قصرا " ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول :" مروا بالمعروف وانهواعن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم "وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان " ، وعن عدى بن عميرة قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " ان الله لايعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فاذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة " ، وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فكان فيما قال : " ألا لايمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول الحق اذا علمه " ،وعن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " ، وعن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايحقر أحدكم نفسه " ،قالوا : " يارسول الله كيف يحقر احدنا نفسه" قال : " يرى أمر الله فيه مقال ثم لايقول فيه فيقول الله يوم القيامة " ما منعك ان تقول فى كذا وكذا وكذا " فيقول : " خشيةالناس " فيقول " فاياى كنت أحق أن تخشى " ، " ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا " كثير منهم أى من المنافقين يوالون الذين كفروا " لبئس ما قدمت لهم أنفسهم " لبئس ما فعلت أنفسهم من موالاة الكافرين وترك موالاة المؤمنين التى أعقبتهم نفاقا فى قلوبهم وأسخطت الله عليهم سخطا مستمرا الى يوم معادهم ولهذا قال " أن سخط الله عليهم " وفسر ذلك ما ذمهم به وجلب عليهم سخطه ، " وفى العذاب هم خالدون " خالدون فى العذاب يوم القيامة ، " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل اليه ما اتخذوهم أولياء " لو آمنوا حق الايمان بالله والرسول والقرآن لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين فى الباطن ومعاداة المؤمنين بالله والنبى وما أنزل اليه ، " ولكن كثيرامنهم فاسقون " كثير منهم خارجون عن طاعة الله ورسوله مخالفون لآيات وحيه وتنزيله .

 

No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...