دراسات تاريخية
بين الخوارج والشيعة
الشيعة ( 12 )
لمحة تاريخية
أصبحت فارس ولاية اسلامية ووقع كثير
من الفرس فى أيدى العرب أسرى واسترق بعضهم ووزع على العرب ودخل كثير من الفرس فى
الاسلام ، وتعلم كثير منهم العربية حتى كان منهم فى الجيل الثانى من يتكلم العربية
كأحد أبنائها ، ولكنهم برغم ذلك كله لم يصبحوا فى جملتهم كالعرب فى عقيدتهم ، ولا
كالعرب فى عقليتهم ، بل اعتنقوا الاسلام فصبغوه بصفة الفارسية ، ولم يتجردوا من كل
عقائد الدين القديم وتقاليده ففهموا الاسلام بالقدر الذى يسمح به دين قديم اعتنقه
قوما أجيالا ونشأ فيه ناشئهم وشب عليه ، كذلك تعلم الكثير منهم العربية ولكن لم
يترك خياله الفارسى ولم ينسى ما كان لقومه من شعر ومثل وحكمة ، كان من أثر ذلك
طبيعيا أن تدخل تعاليم جديدة فى الاسلام ونزعات دينية جديدة ، ظهر أثرها فيما بعد
وأظهرها فى الاسلام التشيع والتصوف .
كان للفرس مذاهب دينية وقد ذابت فى
المملكة الاسلامية بعد الفتح وكثير منهم أسلموا ولم يتجردوا من كل عاقائدهم بعد
الفتح التى توارثوها أجيالا وبمرور الزمن صبغوا آراءهم القديمة بصبغة اسلامية ،
فنظرة الشيعة فى على رضى الله عنه وأبنائه هى نظرة آبائهم الأولين من الملوك
الساسانيين .
كانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة
الذين رأوا بعد وفاة النبى ﷺ أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه وأولى أهل البيت
العباس عم النبى ﷺ وعلى ابن عمه ، وعلى أولى من العباس .وظهرت فكرة الدعوة لعلى
بسيطة مثل الأفكار الأخرى بعد وفاة الرسول ﷺ وبحث من يخلفه حيث لم يكن هناك نص على
الخليفة فترك الأمر لاعمال الرأى ولم يرد من طريق صحيح أن عليا رضى الله عنه ذكر
نصا من آية أو حديث يفيد أن رسول الله ﷺ عينه للخلافة ولو كان لديه نص وذكره
لبليعه الانصار والمهاجرون ، وما بين أيدينا من تاريخ يدل أن عليا رضى الله عنه
بايع أبا بكر رضى الله عنه كما بايع عمر وعثمان رضى الله عنهما ، ويروى البخارى عن
أبن عباس أن عليا رضى الله عنه خرج من عند النبى ﷺ فى وجعه الذى توفى فيه فقال
الناس : يا أبا الحسن ! كيف أصبح رسول الله ﷺ ؟ فقال : أصبح بحمد الله بارئا ،
وأخذ بيده للعباس رضى الله عنه وقال : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، وأنى والله
أرى رسول الله ﷺ سيتوفى من وجعه هذا ، انى لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت
فاذهب بنا اليه نسأله فيمن هذا الأمر ، فان كان فينا علمناه ، وان كان فى غيرنا
كلمناه فأوصى بنا " فقال على رضى الله عنه : أما والله لئن سألناه فمنعناها
لا يعطيناها الناس ، وانى والله لا أسألها " .
وكان جمع من الصحابة يرى أن عليا
أفضل من أبى بكر وعمر وغيرهما رضى الله عنهما ، وذكروا أن ممن كان يرى هذا الرأى
عمارا وأبا ذر وسلمان الفارسى وجابر بن عبد الله والعباس وبنيه وأبى بن كعب وحذيفة
وغيرهم ، فالموضوع هو مسألة رأى وخلاف على أمر .
ولكن بعدهذا العصر تكورت الفكرة
وكانت ستارا ، والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ اليه كل من أراد هدم الاسلام لعداوة
أو حقد ومن كان يريد ادخال تعاليم آبائهم من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندوكية
ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته ، كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل
البيت ستارا يضعون وراءه كل ما شاءت أهواؤهم ، فاليهودية ظهرت فى التشيع بالقول
بالرجعة وقال الشيعة " ان النار محرمة على الشيعى الا قليلا كما قال اليهود
" لن تمسنا النار الا أياما معدودة " البقرة 80 ، والنصرانية ظهرت فى
التشيع فى قول بعضهم : ان نسبة الامام الى الله كنسبة المسيح اليه ، وقالوا : أن
اللاهوت اتحد بالناسوت فى الامام وان النبوة والرسالة لا تنقكع أبدا ، فمن اتحد به
اللاهوت فهو نبى ، وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول ونحو
ذلك من الأقوال التى كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبا للاسلام ،
وتستر بعض الفرس بالتشيع وحاربوا الدولة الأموية وما نفوسهم الا الكره للعرب
ودولتهم والسعى لاستقلالهم يقول المقريزى : واعلم أن السبب فى خروج أكثر الطوائف
عن ديانة الاسلام أن للفرس كانت سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وجلالة الخطر
فى أنفسها بحيث أنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد ، وكانوا يعدون سائر
الناس عبيدا لهم فلما أمتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدى العرب وكان العرب عند
الفرس أقل الأمم خطرا تعاظمهم الأمر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الاسلام
بالمحاربة فى أوقات شتى وفى كل ذلك يظهر الله الحق فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع
، فأظهر قوم منهم الاسلام واستمالوا أهل التشيع باظهار محبة أهل البيت واستبشاع
ظلم على رضى الله عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى " (
خطط المقريزى ) .
وقد ذهب ولهوسن Wellhausin الى
أن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية مستدلا بأن مؤسسها
هو عبد الله بن سبأ ، وهو يهودى من صنعاء أظهر الاسلام فى عهد سيدنا عثمان رضى
الله عنه وكان زعيم الحركة التى قتلت سيدنا عثمان رضى الله عنه ، وقد حاول أن يفسد
على المسلمين دينهم وبث فى البلاد عقائد كثيرة ضارة ، وكان قد طاف فى بلاد كثيرة
فى الحجاز والبصرة والكوفة والشام ومصر وكان لقبه " أبن السوداء "
ويميل الأستاذ دوزى Dozy
الى
أن أساسها فارسى ، فالعرب تدين بالحرية والفرس يدينون بالملك وبالوراثة فى البيت
المالك ولا يعرفون معنى لانتخاب الخليفة وقد مات محمد ﷺ ولم يترك ولدا ، فأولى
الناس بعده ابن عمه على بن أبى طالب فمن أخذ الخلافة منه كأبى بكر وعمر وعثمان
والأمويين فقد اغتصبها من مستحقها وقد اعتاد الفرس أن ينظروا الى الملك نظرة فيها
معنى الهى فنظروا هذا النظر نفسه الى على وذريته وقالوا ، ان طاعة الامام واجب وأن
طاعته اطاعة لله ( ولا ننسى هنا عقيدة الحق الالهى التى كانت منتشرة فى العصور
الوسطى فى أوربا وهى أن احاكم خليفة الله فى الأرض ويجب طاعته ) وباختصار التشيع
لسيدنا على بدأ قبل دخول الفرس الاسلام ولكن بمعنى بسيط لا يحمل فلسفة أو نوايا
خبيثة أو خلفيات تاريخية ، وكان يرى أن عليا رضى الله عنه أولى من غيره بخلافة الرسول
ﷺ من وجهتين وهما كفاءته الشخصية وقرابته للنبى ﷺ والعرب من قديم تفخر بالرياسة
وبيت الرياسة .
ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة
بدخول العناصر الأخرى فى الاسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية وأن كل قوم من هؤلاء
كانوا يصبغون التشيع بصبغة دينهم ، فاليهود تصبغ الشيعة باليهودية والنصارى
بالنصرانية وهكذا ، وان كان أكبر عنصر دخل فى الاسلام هو العنصر الفارسى فكان أكبر
الأثر فى التشيع انما هو الفرس .
أفكار الشيعة :
1- ) الوصية
فى نظر الشيعة أن الامامة ليست من
المصالح التى تفوض الى نظر الأمة ويتعين القائم بتعيينهم بل هى ركن الدين وقاعدة
الاسلام ولا يجوز لنبى اغفالها ولا تفويضها الى الأمة بل يجب عليه تعيين الامام
لهم ويكون معصوما من الكبائر والصغائر وان عليا رضى الله عنه هو الذى عينه صلوات
الله وسلامه عليه بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة
السنة ولا نقلة الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون فى طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم
الفاسدة " ( مقدمة بن خلدون )
ومن همنا نشأت فكرة الوصية ولقب على
بالوصى يريدون أن النبى ﷺ أوصى لعلى بالخلافة من بعده فكان وصى رسول الله ﷺ فعلى
ليس الامام بطريق الانتخاب بل بطريق النص من رسول الله ﷺ وعلى أوصى لمن بعده وهكذا
كل امام وصى من قبله وانتشرت كلمة الوصى بين الشيعة واستعملوها .
2- ) العصمة
يقول الشيعة بعصمة الأئمة – على ومن
بعده فلا يجوز الخطأ عليهم ولا يصدر منهم الا ما كان صوابا ومنها رفع مقام على عن
غيره من الصحابة حتى أبى بكر وعمر ، يقول أبن أبى الحديد فى " شرح أبن أبى
الحديد على نهج البلاغة " ( يقول أصحابنا ان عليا أفضل الخلق فى الآخرة
وأعلامهم منزلة فى الجنة ، وأفضل الخلق فى الدنيا ، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب ،
وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فانه عدو الله سبحانه وتعالى وخالدا فى النار مع
الكفار والمنافقين الا أن يكون ممن ثبتت توبته ومات على توليه وحبه ، فأما الأفاضل
من المهاجرين والانصار الذين ولو الامامة قبله ، فلو أنه أنكر امامتهم وغضب عليهم
، فضلا على أن يشهر عليهم السيف أو يدعو الى نفسه لقلنا انهم من الهالكين كما لو
غضب عليه رسول الله ﷺ وآله لأنه قد ثبت أن رسول الله ﷺ قال له ( لعلى ) : حربك
حربى ، وسلمك سلمى وأنه قال : اللهم والى من والاه ، وعادى من عاداه وقال له : لا
يحبك الا مؤمن ، ولا يبغضك الا منافق ، ولكنا رأيناه رضى امامتهم وبايعهم وصلى
خلفهم فلم يكن لنا أن نتعدى فعله ولا نتجاوز ما اشتهر عنه ، ألا ترى أنه لما برىء
من معاوية برئنا منه ؟ ، ولما لعنه لعناه ؟ ، ولما حكم بضلال أهل الشام ومن كان
فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص وعبد الله ابنه وغيرهما حكمنا أيضا بضلالهم
، والحاصل أنا لم نجعل بينه وبين النبى ﷺ الا رتبة النبوة وأعطيناه كل ما عدا ذلك
من الفضل المشترك بينه وبينه ، ولم نطعن فى أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه
طعن فيهم ، وعاملناهم بما عاملهم هو عليه السلام " .
ودعاهم القول بأفضلية على وعصمته الى
استعراض ما حدث من الصحابة فى بيعة أبى بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم فكان من
الشيعة المغالى والمقتصد ، فمنهم من اقتصر على القول بأن أبا بكر وعمر وعثمان رضى
الله عنهم ومن شايعهم أخطأ ، وانهم رضوا أن يكونوا خلفاء مع علمهم بفضل على رضى
الله عنه وأنه خير منهم ، ومنهم من تغالى
فكفرهم وكفر من شايعهم لأنهم وقد أوصى النبى لعلى جحدوا الوصية ومنعوا الخلافة
مستحقها ، وانحدروا من ذلك الى شرح حوادث التاريخ على وفق مذهبهم وتأويل الوقائع
تأويلا غريبا ولم يكتف غلاة الشيعة بهذا القدر فى على ، ولم يقنعوا بأنه أفضل
الخلق بعد النبى ﷺ وأنه معصوم بل ألهوه فمنهم من قال " حل فى على جزء الهى
واتحد بجسده فيه وبه كان يعلم الغيب اذ أخبر عن الملاحم وصح الخبر وبه كان يحارب
الكفار وله النصرة والظفر وبه قلع باب خيبر وعن هذا قال " والله ما فعلت باب
خيبر بقوة جسدانية ولا بحركة غذائية ولكن قلعته بقوة ملكوتية ، قالوا : يظهر على
فى بعض الأزمان والرعد صوته والبرق تبسمه " ( الشهرستانى " الملل والنحل
" ) .
وأول من دعا الى تأليه على هو عبد
الله بن سبأ اليهودى وهو الذى كان من أكبر من ألب الأمصار على عثمان كما وضع
تعاليم لهدم الاسلام وألف جمعية سرية لبث تعاليمه واتخذ الاسلام ستارا يستر به
نياته ، نزل البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته فطرده واليها ثم أتى الكوفة فأخرج منها ثم جاء مصر فالتف
حوله ناس من أهلها وأشهر تعاليمه الوصاية والرجعة واستغل الوصاية كأساس تأليب أهل
مصر على عثمان بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة من على بغير حق وأيد رأيه بما نسب الى
سيدنا عثمان من مسالب .
3- ) الرجعة
من تعاليم عبد الله بن سبأ وقد بدأ
القول بأن محمدا ﷺ يرجع فكان مما قاله " العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع ويكذب
أن محمدا يرجع ثم تحول دون سبب الى القول بأن عليا يرجع ، وقال أبن حزم فى الملل
والنحل " ان ابن سبا قال لما قتل على " لو أتيتمونا بدماغه ألف مرة ما
صدقنا موته ولا يموت حتى يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا " وفكرة الرجعة هذه
أخذها أبن سبأ من اليهودية فعندهم أن النبى "الياس " صعد الى السماء
وسيعود فيعيد الدين والقانون ، ووجدت الفكرة فى النصرانية أيضا فى عصورها الأولى
وتطورت هذه الفكرة عند الشيعة الى العيدة باختفاء الأئمة وأن الامام المختفى سيعود
فيملأ الأرض عدلا ومنها نبعت فكرة المهدى المنتظر .
والعجب الاعتقاد بألوهية على مع أن
أحدا لم يقل بألوهية محمد ﷺ ، وعلى نفسه يصرح بالاسلام وتبعيته لمحمد ﷺ والعلة فى
نظرنا أن شيعة على رأوا له من المعجزات والعلم بالمغيبات الشىء الكثير وقالوا أنه
يعلم كل شىء سيكون ، وأكثر شيعة على كانوا فى العراق وكانوا من عناصر متنوعة ،
والعراق من قديم منبع الديانات المختلفة والمذاهب الغريبة وقد سادت فيهم من قبل
تعاليم مانى ومزدك زأبن ديصان ومنهم نصارى ويهود سمعوا المذاهب المختلفة فى حلول
الله فى بعض الناس ، كل هذه الأمور جعلت منهم من يؤله عليا ، فأما العرب فكانوا
أبعد الناس عن المقالات والمذاهب الدينية ، حياتهم بسيطة ، وعقليتهم التى على
الفطرة تأبى عليهم أن يلصقوا بمحمد ﷺ ألوهية ، والقول بألوهية على ينحصر فى فرقة
قليلة من الغلاة وليست مقالة الشيعة جميعهم ولا أكثرهم .
4-
) نظرية الامام
أساس نظرية الشيعة هو "الامام
" فعلى هو الامام بعد محمد ﷺ ثم يتسلسل الأئمة بترتيب من عند الله ،
والاعتراف بالامام والطاعة له جزء من الايمان وهو أكبر معلم ، فالامام الأول قدورث
علوم النبى ﷺ وهو ليس شخصا عاديا بل هو فوق الناس لأنه معصوم من الخطأ ، وهناك
نوعان من العلم : علم الظاهر ، وعلم الباطن ، وقد علم النبى ﷺ هذين النوعين لعلى ،
فكان يعلم باطن القرآن وظاهره وأطلعه على أسرار الكون وخفايا المغيبات ، وكل امام
ورث هذه الثروة العلمية لمن بعده ، وكل امام يعلم الناس فى وقته ما يستطيعون فهمه
من الأسرار ، ولذلك كان الامام أكبر معلم ، ولا يؤمنون بالعلم ولا بالحديث الا اذا
روى عن هؤلاء الأئمة .
5- )الامامية
تقول على العموم عودة امام منتظر ،
والشيعةاختلفوا باختلاف طوائفهم فيمن هو الامام المنتظر ، ففرقة ينتظرون جعفر
الصادق وأخرى تنتظر محمد بن عبد الله بن الحسين بن على بن أبى طالب ، وثالثة تنتظر
محمد أبن الحنفية وتزعم أنه حى لم يمت وأنه بجبل رضوى الى أن يأذن الله له بالخروج
وهو محفوظ بين أسد ونمر .
6- ) التقية
اتفق الخوارج والشيعة على العداء لبنى أمية
بوصفهم ظالمون مغتصبون فاشتركوا فى مناهضتهم ولكن الخوارج كانوا واضحين ظاهرين
غلبت عليهم الطبيعة البدوة فى الصراحة ، أما الشيعة فكانوا يحاربون جهرا اذا أمكن
الجهر فاذا لم يستطيعوا فسرا وقال أكثرهم بالتقية ويراد بالتقية المدداراة كأن
يحافظ الشخص على نفسه أو عرضه أو ماله بالتظاهر بعقيدة أو عمل لا يعتقد بصحته فمن
كان على دين أو مذهب ثم لم يستطيع أن يظهر دينه أو مذهبه فيتظاهر بغيره فذلك تقية
وعند قوم منها مداراة الكفار والظلمة والتبسم فى وجوههم ونحو ذلك وأكثر الشيعة
يقول بها ، ومنهم من قال يجب اظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع وحملوا بيعة على لأبى
بكر وعمر وعثمان على التقية ، وكان من الشيعة يكتمون تشيعهم تقية ويعملون سرا وأما
أكثر الخوارج فقالوا : ان التقية لا تجوز ولا قيمة للنفس والعرض والمال بجانب
الدين بل منهم من كان يرى أنه لا يصح قطع الصلاة اذا جاء سارق ليسرعه متاعه وهو
يصلى ، أما حكم السنة فهو ان من خاف على نفسه أو ماله لعقيدته وجب أن يهاجر من
بلده فان لم يستطع أظهر التقية بقدر الضرورة ووجب عليه أن يسعى للخروج بدينه .
وبسبب التقية كان الشيعة أشد على بنى أمية
فبثوا العيون والأرصاد على الشيعة واضطهدوهم اضطهادا شنيعا وسجن كل من عرف بالتشيع
أو نهب ماله أو هدم داره واشتد بهم الأمر فى أيام عبد الله بن زياد قاتل الحسين
وأتى من بعده الحجاج فقتلهم حتى أن الرجل يقال له زنديق أو كافر أحب اليه من أن
يقال شيعى والعباسيون كانوا أبلغ فى التنكيل بهم لأنهم أعرف بخفاياهم كما كانوا
يعملون معهم فى عهد بنى أمية .
هذه الاضطهادات كان من نتائجها احكام الشيعة
للسرية ونظامها فهم أقدر الفرق الاسلامية على العمل فى الخفاء وكتمان عملهم حتى
يتمكنوا من عدوهم وهذه السرية استلزمت الخداع والالتجاء الى الرموز والتأويل ونحو
ذلك وكان من أثرهذا الاضطهاد أيضا اصطباغ حياتهم وأدبهم بالحزن العميق والنوح
والبكاء وذكرى المصائب والآلام ولا يفوتنا ذكر ما يحدث فى عاشوراء من خروج موكب
الغلاة من الشيعة يلبسون الثياب السود وينوحون ويضربون أنفسهم بالسلاسل حتى يسيل
من أجسامهم الدم .
فرق الشيعة
أهم فرق الشيعة الزيدية والامامية ( أنظر
الملل والنحل للشهرستانى ، ومقدمة أبن خلدون ) .
1- ) الزيدية
هم اتباع زيد بن حسن بن على بن الحسين بن على
بن أبى طالب ومذهبهم أعدل مذاهب الشيعة وأقربها الى أهل السنة ولعل هذا راجع الى
أن زيدا امام الزيدية تتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة وأخذ كثير من تعاليمه فزيد
يرى جواز امامة المفضول مع وجود الأفضل فقال : كان على بن أبى طالب أفضل من أبى
بكر وعمر ولكن مع هذا امامة أبى بكر وعمر صحيحة ونظرهم الى الامام كذلك نظر معتدل
، فليست هناك امامة بالنص ولم ينزل وحى يعين الأئمة بل كل فاطمى عالم زاهد شجاع
سخى قادر على القتال فى سبيل الحق يخرج للمطالبة يصح أن يكون اماما فهو يشترط فى
الامام الخروج على الامراء والسلاطين يطالب بالخلافة ولهذا كانت الامامة فى نظرهم
عملية لا سلبية كما هى عند الامامية تنتهى بالامام المختفى وهم لا يؤمنون
بالخرافات التى ألصقت بالامام فجعلت له جزءا الهيا .
وقد خرج زيد على هشام بن عبد الملك الخليفة
الأموى فقتل وصلب سنة 121 هجرية ، وخرج بعده ابنه يحيى قثتل كذلك سنة 125 هجرية
ولايزال الزيدية فى اليمن الى الآن .
الامامية
سموا كذلك لأن أهم عقائدهم أسست حول الامام
وقد قالوا بأن محمدا ﷺ نص على خلافة على وقد اغتصبها أبو بكر وعمر رضى الله عنهما
وتبرأوا منهما وقدحوا فى أمانتهما وجعلوا الاعتراف بالامام جزءا من الايمان ، والامامية فرق متعددة
لا تتفق على أشخاص الأئمة ، ومن أشهر فرقهم ( أنظر الجزء الأول من خطط المقريزى )
الاثنا عشرية ، سموا كذلك لأنهم يسلسلون أئمتهم الى اثنى عشر اماما وعقيدتهم هى
العقيدة الرسمية لدولة ايران الى اليوم .
3- ) الاسماعيلية
سموا كذلك لأنهم يقفون بأئمتهم عند اسماعيل
بن جعفر الصادق ةقد لعبوا دورا طويلا فى تاريخ الاسلام ولأخذوا مذهب الافلاطونية
الحديثة وطبقوه على مذهبهم الشيعى تطبيقا غريبا واستخدموا ما نقله اخوان الصفا فى
رسائلهم من هذا المذهب الافلاطونى الذى ظهر فى العصور الأولى للمسيح فى الاسكندرية
وكان له أثر كبير فى فلاسفة المسلمين وعلماء الكلام وخاصة المعتزلة والصوفية ويطلق
الشهرستانى على أفلوطين " الشيخ اليونانى " ، فقد حاول أفلوطين التوفيق
بين تعاليم افلاطون وأرسطو ، ولما انتصرت النصرانية أغلق جوستنيان مدارس الفلسفة
فى أثينا واضطهد الفلاسفة ففروا الى فارس – سبعة فلاسفة وكانوا من فلاسفة
الافلاطونية الحديثة وعادوا بعد ذلك منهم من تنصر وأخرج كتبا فى الافلاطونية الحديثة
مصبوغة بالصبغة النصرانية ككتاب " ديونيسوس " فى منتصف القرن السادس
للمسيح وادعى مؤلفه أن ديونيسوس من تلاميذ بولس الحوارى وشرح أسرار الربوبية
ودرجات عالم الملكوت والكنيسة السماوية على المذهب الافلاطونى ثم دخل هذا المذهب
فى الاسلام عن طريق فريق من المعتزلة والحكماء والصوفية ومنهم أخذت جماعة الصفا
ومن غيرهم أفكارها .
ذلك التفصيل المختصر يوضح مدى تورط مذاهب
الشيعة فى الفلسفات وكذلك الصوفية وهذا ليس موضوعنا ولكن يحتاج الى تناول آخر .
ويقول بعض المؤرخين أنهم وضعوا لهم تعاليم
درجوها تسع درجات ، يبتدىء باثارة الشكوك فى الاسلام كسؤالهم ما معنى رمى الجمار ؟
وما العدو بين الصفا والمروة ؟ وتنتهى بهدم الاسلام والتحلل من قيوده وأولوا كل ما
فيه فقالوا : أن الوحى ليس الا صفاء النفس وأن الشعائر الدينية ليست الا للعامة ،
أما الخاصة فلا يلزمهم العمل بها وأن الأنبياء سواس العامة ، أما الخاصة فأنبياؤهم
الفلاسفة وليس هناك معنى للتمسك بحرفية القرآن فهو رموز لأشياء يعرفها العارفون
انما يجب أن يفهم القرآن على طريقة التأويل والمجاز وللقرآن ظاهر وباطن ويجب أن
نخترق الحجب المادية حتى نصل الى أطهر ما يمكن من الروحانية ومن ثم أيضا سموا
" الباطنية " .
وأهم تعاليمهم وكيف أخذت من الافلاطونية
الحديثة يحتاج الى بحث آخر وكان من آثار دعايتهم الدولة الفاطمية فى المغرب ومصر
ولايزال لهم بقايا الى اليوم فى الشام والهند وايران ورئيسهم الآن " أغاخان
" الزعيم المشهور وتمركزهم كطائفة اسماعيلية فى الهند
والامامية كلها تقول بعودة امام منتظر كما
سبق توضيحه .
خاتمة
ظل الاسلام نقيا طاهرا بنص الحديث "
أفضل القرون قرنى ثم الذى يليه ، ثم تكون فتن كقطع الليل المظلم " .
ولكن فى أوائل القرن الثانى للهجرة ظهر أثر
من دخل فى الاسلام من اليهود والنصارى والمجوس والدهرية فكثير من هؤلاء أسلموا
ورءوسهم مملوءة بأديانهم القديمة ، لم يزد عليهم الا النطق بالشهادتين ، فسرعان ما
أثروا فى الاسلام المسائل التى كانت تثار فى أديانهم وكانت هذه الأديان اذا جاز أن
تسمى بذلك قد تسلحت من قبل بالفلسفة اليونانية والمنطق اليونانى ونظمت طريق بحثها
وتعمقت فى ذلك كثيرا فهاجموا الاسلام وهو الدين الذى يمتاز ببساطة عقيدته وأثاروا
حوله الشكوك وليس هؤلاء الذين أسلموا هم الذين فعلوا ذلك فقط بل كانت البلاد
الاسلامية مملوءة بذوى الأديان المختلفة الذين ظلوا على دينهم وكان منهم كثيرون فى
بلاد الدولة الأموية يشغلون مناصب خطيرة هؤلاء وهؤلاء أثاروا مسائل كثيرة مثل
مسألة القدر والجبر والاختيار على النمظ الفلسفى وكانت معروفة فى دينهم وفى
الفلسفات الأخرى وأثاروا مسألة صفات الله وخلق القرآن ولها نظير فى النصرانية
وأثار الزردشتيون كثيرا من المسائل كل ذلك دعا لظهور الفلسفة فكان هناك على سبيل
المثال المعتزلة الذين تسلحوا بسلاح عدوهم فجادلوهم جدالا علميا وردوا هجمات
القائلين بالجبر والمنكرين لله وما أثار اليهود والنصارى والمجوس والدهرية من شكوك
ونشطوا لهذا العمل نشاطا بديعا وأبرزهم واصل بن عطاء وكان هناك مدرسة معتزلى
البصرة ومدرسة معتزلى بغداد وقد استفادوا من الفلسفة اليونانية وصبغها صبغة
اسلامية واستعانوا بها على نظرياتهم وجدلهم وهذا محل بحث آخر واستمرت الحركات تلك
فى العصر العباسى بصورة أكثر تنظيما .
وفى العصر الحديث تظهر مسائل مثارة لها أهداف
فى أنفس مثيريها تخفى الخبيث والشر والكيد وبخاصة من جانب من أسموا بالمستشرقين
فيجب على المسلمين أن يكونوا واعين فاهمين لدينهم حريصين عليه فلا يدخلوا فى
مهاترات ولكن يأخذوا العلم ممن هم مشهود لهم بالاخلاص للدين وحبه وسلامة العقيدة
وحب البحث ابتغاء مرضات الله .
No comments:
Post a Comment