Grammar American & British

Tuesday, August 10, 2021

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم - الجزء 19

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن  الكريم الجزء 19

تفسير الجزء التاسع عشر

تفسير سورة الفرقان

وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا ٢١ يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا ٢٢ وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا ٢٣ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ يَوۡمَئِذٍ خَيۡرٞ مُّسۡتَقَرّٗا وَأَحۡسَنُ مَقِيلٗا ٢٤

يقول تعالى مخبرا عن تعنت الكفار فى كفرهم وعنادهم " وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ " قال الكفار الذين ينكرون البعث ولا يريدون ان يحل يوم القيامة يوم الحساب أمام الله أو يتمنون أن يخلدوا فى الحياة الدنيا ويكرهون لقاء الله أنهم لن يؤمنوا حتى يروا الملائكة تنزل من السماء بالرسالة فيروهم  عيانا فيخبروهم أن محمدا رسول الله وهذا كقولهم " حتى تأتى بالله والملائكة قبيلا " ، " أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ " ولن يؤمنوا حتى يروا الله كما سبق الى ذلك بنو اسرائيل عندما طلبوا أن يروا الله رغم وجود موسى عليه السلام معهم ، " لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا " هؤلاء الكفار بفعلهم هذا يتكبرون عن الحق ويبتعدون عنه بعدا كبيرا ويتمسكون بكبرهم وعنادهم وعتوهم وتجبرهم ، " و يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ " يعنى أما وقت الاحتضار والموت حين يقبضون أرواحهم فهم لايرون الملائكة فى يوم خير لهم بل يوم يرونهم لا بشرى يومئذ لهم حين تبشرهم الملائكة بالنار والغضب من الجبار فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه : اخرجى أيتها النفس الخبيثة فى الجسد الخبيث أخرجى الى سموم وحميم وظل من يحموم فتأبى الخروج وتتفرق فى البدن فيضربونه كما قال تعالى " ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم " وكقوله " ولو ترى اذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم " أى بالضرب ولهذا قال " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين " وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم فانهم يبشرون بالخيرات وهذا كقوله تعالى " ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون * نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم ما تدعون نزلا من غفور رحيم" أو يعنى يوم القيامة كما قال مجاهد والضحاك وغيرهما ، ولا منافاة بين ذلك فان الملائكة فى يوم الممات ويوم المعاد تتجلى للمؤمنين وللكافرين فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران فلا بشرى يومئذ للمجرمين ، " وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا " وتقول الملائكة للكافرين حرام محرم عليكم الفلاح اليوم وأصل الحجر المنع ويقال حجر القاضى على فلان اذا منعه من التصرف فى أمواله اما لفلس أو سفه أو صغر أو نحو ذلك ومنه سمى الحجر عند البيت الحرام لأنه يمنع أن يطوفوا فيه وانما يطاف من ورائه ومنه يقال للعقل حجر لأنه يمنع صاحبه من تعاطى ما لا يليق وقال أبو سعيد الخدرى حراما محرما أن يبشر الكافرون بما يبشر به المتقون ، " وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا " هذا يحدث يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر فانه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التى ظنوا أنها منجاة لهم شىء فهم عملوا أعمالا اعتقدوا أنها على شىء فلما عرضت على الملك العدل الذى لا يجور ولا يظلم أحدا اذ أنها لا شىء بالكلية وشبهت بالشىء الحقير المتفرق الذى لا يقدر صاحبه منه على شىء بالكلية كما قال تعالى " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح " وكقوله"  والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا "،"أَصۡحَٰبُ  ٱلۡجَنَّةِ يَوۡمَئِذٍ خَيۡرٞ مُّسۡتَقَرّٗا وَأَحۡسَنُ مَقِيلٗا " أصحاب الجنة يصيرون الى الدرجات العاليات والغرفات الآمنات فهم فى مقام أمين حسن المنظر طيب المقام والمنزل .

وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا ٢٥ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَٰنِۚ وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا ٢٦ وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا ٢٧ يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا ٢٨ لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا ٢٩

يخبر الله تعالى عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظيمة " وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا " من هذه الأمور انشقاق السماء وتفطرها وانفراجها بالغمام وهو ظلل النور العظيم الذى يبهر الابصار ونزول الملائكة فيحيطون بالخلائق فى مقام المحشر ثم يجىء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء وهذا كقوله" هل ينظرون الا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملائكة " وقال أبن عباس يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة فى صعيد واحد الجن والانس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فتنشق السماء الثانية والثالثة حتى السابعة فتنزل الملائكة الكربيون ثم يأتى ربنا فى حملة العرش الثمانية وهذا كقوله " فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهى يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " ، "  ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَٰنِ " فى هذا اليوم الملك لله الرحمن وحده كما قال تعالى " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " وفى الصحيح أن الله تعالى يطوى السموات بيمينه ويأخذ الأرضين بيده الأخرى ثم يقول : أنا الملك أنا الديان أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟

" وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا " هذا اليوم يوم القيامة يكون على الكافرين شديدا صعبا لأنه يوم عدل وقضاء فصل كما قال تعالى " فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير " وعن أبى سعيد الخدرى قال : قيل يا رسول الله يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذىنفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها فى الدنيا " ، " وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡه يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا " يخبر الله تعالى عن ندم الظالم الذى فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذى لا مرية فيه وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم فاذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم وعض على يديه حسرة وأسفا وسواء كان سبب نزولها فى عقبة بن أبى معيط أوغيره فانها عامة على كل ظالم فكل ظالم يندم يوم القيامة أشد الندم ، "ِ يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا " يندم الكافر على أنه أنصرف عن الهدى وعدل به الى طريق الضلال من دعاة الضلال وسواء فى ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبى بن خلف أو غيرهما ويندم على اتباع من صرفه عن الهدى واتخذه صاحبا له وسار فى طريق الشيطان لقد أبعدنى عن الذكر وهو القرآن بعد بلوغه الي والشيطان يخذل الانسان عن الحق ويصرفه عنه ويستعمله فى الباطل ويدعوه اليه .   

وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ٣٠ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيٗا وَنَصِيرٗا ٣١

" وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا " يقول الله مخبراعن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه اشتكى الى ربه أنهم لا يصغون الى القرآن ولا يستمعون اليه كما قال تعالى عنهم " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والفوا فيه " فكانوا اذا تلى عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام فى غيره حتى لا يسمعونه فهذا من هجرانه وترك الايمان به وترك تصديقه من هجرانه وترك تدبره وتفهمه من هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب نواهيه من هجرانه والعدول عنه الى غيره من شعر أوقول أو غناء أو لغو كلام من هجرانه ،" وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ "يقول الله تعالى كما حصل لك يامحمد فى قومك من الذين هجروا القرآن كذلك كان فى الأمم الماضية لأن الله جعل لكل نبى عدوا من المجرمين يدعون الناس الى ضلالهم وكفرهم كما قال تعالى " وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس والجن " ، " وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيٗا وَنَصِيرٗا " من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن بكتاب الله وصدقه واتبعه فان الله هاديه وناصره فى الدنيا والآخرة لأن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن لئلا يهتدى أحد به و لتغلب طريقتهم طريقة القرآن .

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا ٣٢ وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا ٣٣ ٱلَّذِينَ يُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا ٣٤

يقول الله تعالى مخبرا عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم حيث قالوا " وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَة " يقولون عن القرآن لماذا لم ينزل هذا الكتاب الذى أوحى الى محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة كالتوراة والانجيل والزابور وغيرها من الكتب الالهية ، "  كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَ " فاجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه انما نزل منجما فى ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج اليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به كقوله "وقرآنا فرقناه " ، " وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا " قال قتادة بيناه تبيينا وقال أبن زيد وفسرناه تفسيرا ،" وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا " لا يأتيك هؤلاء الكفار بحجة وشبهة أى لا يقولون قولا يعارضون به الحق الا لأجبناهم بماهو الحق فى نفس الأمر وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم وقال أبن عباس " ولا يأتونك بمثل " أى بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم " الا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " أى الا نزل جبريل من الله تعالى بجوابهم وما هذا الا اعتناء وكبير شرف للرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يأتيه الوحى من الله عز وجل بالقرآن صباحا ومساءا وليلا ونهارا وسفرا وحضرا وكان كل مرة يأتيه الملك بالقرآن لا كانزال الكتاب مما قبله من الكتب المتقدمة فهذا المقام أعلى وأجل وأعظم مكانة من سائر اخوانه من الأنبياء صلوات الله عليهم فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم نبى أرسله الله تعالى وقد جمع الله للقرآن الصفتين معا ، ففى الملأ الأعلى نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ الى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك الى الأرض منجما بحسب الوقائع والحوادث وروى النسائى باسناده عن أبن عباس قال : أنزل القرآن جملة واحدة الى السماء الدنيا فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك فى عشرين سنة وقال تعالى " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " ، " ٱلَّذِينَ يُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا " قال الله مخبرا عن سوء حال الكفار فى معادهم يوم القيامة وحشرهم الى جهنم فى أسوأ الحالات وأقبح الصفات وفى الصحيح عن أنس أن رجلا قال يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة فقال " ان الذى أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة " .

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥٓ أَخَاهُ هَٰرُونَ وَزِيرٗا ٣٥ فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدۡمِيرٗا ٣٦ وَقَوۡمَ نُوحٖ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَٰهُمۡ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَايَةٗۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا ٣٧ وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا ٣٨ وَكُلّٗا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَۖ وَكُلّٗا تَبَّرۡنَا تَتۡبِيرٗا ٣٩ وَلَقَدۡ أَتَوۡاْ عَلَى ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِيٓ أُمۡطِرَتۡ مَطَرَ ٱلسَّوۡءِۚ أَفَلَمۡ يَكُونُواْ يَرَوۡنَهَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ نُشُورٗا ٤٠

يقول الله متوعدا من كذب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من مشركى قومه ومن خالفه ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله " وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥٓ أَخَاهُ هَٰرُونَ وَزِيرٗا " فبدأ بذكر موسى عليه السلام وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا أى نبيا مؤازرا ومؤيدا وناصرا ، " فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدۡمِيرٗا " أرسلهما الله الى قوم فرعون فكذبهما فرعون وجنوده فأغرقهم الله جميعا ، " وَقَوۡمَ نُوحٖ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَٰهُمۡ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا " وكذلك فعل الله بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحا عليه السلام لما بعث اليهم نوحا عليه السلام لبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الله عز وجل يحذرهم نقم الله " وما آمن معه الا قليل " ولهذا أغرقهم الله جميعا ولم يبق منهم أحد ولم يترك من بنى آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط " وَجَعَلۡنَٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَايَة "جعلهم الله عبرة يعتبر بها الناس كما قال تعالى " انا لما طغى الماء حملناكم فى الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية " أى وأبقينا لكم من السفن ما تركبون فى لجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم من انجائكم من الغرق وجعلكم من ذرية من آمن به وصدق أمره ، " وَعَادٗا وَثَمُودَاْ " وكذلك أهلك الله قوم عاد وقوم ثمود وقد تقدم عنهم الكلام فى سور غير هذه كما فى سورة الأعراف ، " وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ " وأما أصحاب الرس فقال ابن جريج عن أبن عباس هم أهل قرية من قرى ثمود وعن عكرمة أن الرس بئر رسوا فيها نبيهم أى دفنوه فيها واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود الذين ذكروا فى سورة البروج وورد كلام منكر وغريب عن محمد بن اسحاق عن محمد بن كعب مرسلا ، " وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا " يقول الله تعالى أنه أهلك أمما أضعاف من ذكر ، " وَكُلّٗا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَۖ وَكُلّٗا تَبَّرۡنَا تَتۡبِيرٗا "يقول الله تعالى وكلهم بينا له الحجج ووضحنا لهم الأدلة وأزحنا الأعذار عنهم وكلهم أهلكناه اهلاكا وهذا كقوله " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " والقرن هو الأمة من الناس وهذا كقوله " ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين " والأظهر أن القرن هو الأمة المتعاصرون فى الزمن الواحد واذا ذهبوا وخلفهم جيل فهو قرن آخر كما ثبت فى الصحيحين " خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " ، " وَلَقَدۡ أَتَوۡاْ عَلَى ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِيٓ أُمۡطِرَتۡ مَطَرَ ٱلسَّوۡءِ " وهم يمرون على قرية قوم لوط وهى سدوم التى أهلكها الله بالقلب وبالمطر من الحجارة من سجيل كما قال تعالى " وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين " وكما قال " وانكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون " ، " أَفَلَمۡ يَكُونُواْ يَرَوۡنَهَا " ينكر الله عليهم ما يفعلون فهم يرونها ولم يعتبروا بما حل بها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول وبمخالفتهم أوامر الله ، "  بَلۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ نُشُورٗا " يعنى الكفار المارين بها لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشورا أى معادا يوم القيامة .

وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا ٤١ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا لَوۡلَآ أَن صَبَرۡنَا عَلَيۡهَاۚ وَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ حِينَ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ مَنۡ أَضَلُّ سَبِيلًا ٤٢ أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا ٤٣ أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا ٤٤

يخبر الله تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول صلى الله عليه وسلم  " وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا " اذا رأى المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم يسخرون منه بالعيب والنقص ويقولون على سبيل التنقص والازدراء أهذا من بعثه الله رسولا الينا كما فى قوله " ولقد استهزىء برسل من قبلك ، " إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا لَوۡلَآ أَن صَبَرۡنَا عَلَيۡهَا " يعنون أنه كاد أن يفتنهم عن عبادة الأصنام لولا أن صبروا وتجلدوا واستمروا عليها ، " وَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ حِينَ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ مَنۡ أَضَلُّ سَبِيلًا " يقول الله متوعدا لهم ومتهددا أن هؤلاء الكفار حينما سيقع عليهم العذاب فى الدنيا والآخرة من هو الضال البعيد عن طريق الحق ، " أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا " ثم قال الله تعالى لنبيه منبها أن من كتب الله عليه الشقاوة والضلال  فانه لا يهديه الا الله عز وجل مهما استحسن من شىء ورآه حسنا فى هوى نفسه كان دينه ومذهبه فأنت لست له بوكيل ولست عليه مسيطر قال أبن عباس كان الرجل فى الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا فاذا رأى غيره أحسن منه عبد الثانى وترك الأول ، " أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا " أى هم الأسوأ حالا من الأنعام السارحة فأكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون ما يسمعون  فان تلك تفعل ما خلقت له وهؤلاء خلقوا لعبادة  الله وحده لا شريك له فلم يفعلوا وهم يعبدون غيره ويشركون به مع قيام الحجة عليهم وارسال الرسل اليهم .

أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنٗا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلٗا ٤٥ ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا ٤٦ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتٗا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورٗا ٤٧

شرع الله تعالى فى بيان الأدلة الدالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة وهذه الآيات من آيات الاعجاز العلمى التى سبقت عصرها " أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ " من آيات الله تغير الظل والظل هو ما يقع على الأرض عند تعرض الجسم الملقى عليه الظل الى الضوء ضوء الشمس بخاصة فالظل يتغير بحركة الأرض حول الشمس وقد استخدم لمعرفة أوقات اليوم فالظل يمتد ويقصر حسب فترات النهار وهذا بحساب دقيق معجز من حركة الأرض وتسييرها بقدرة الله ، " وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنٗا" لو شاء الله بقدرته لجعله دائما لايزول ولا يتغير وهذا لا يتأتى الا بالتحكم فى حركة الأرض التى يسيرها الله وحده بقدرته ، " ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلٗا " الله جعل الشمس هى التى تسقط على الأجسام فتنشىء الظل وهى الدالة على حركته ووقته ولولا طلوع الشمس ما نشأ الظل ، " ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا " الله يتحكم فى الظل وكذلك فى حركة الشمس باليسر والسهولة وقال أيوب بن موسى قليلا قليلا ، " وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتٗا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورٗا " الله وحده هو الذى يتحكم بقدرته فى هذا الكون وحركته من نشوء لليل الذى يستريح فيه الناس وتسكن فيه الحركات وتحل فيه الظلمة والله وحده هو الذى يبعث النهار ويبعث الناس من موتتهم الصغرى وهى النوم لينتشروا فى الأرض لكسب معايشهم ومزاولة حياتهم الكونية حتى تقوم الساعة كما قال تعالى " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " .

وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا ٤٨ لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا ٤٩ وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا ٥٠

" وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِ " من قدرة الله فى الكون ارسال الرياح التى تأتى بالمطر فتكون بشرى خير وهى من رحمة الله بعباده وهى التى تأتى بالسحاب وهذه من آيات الاعجاز العلمى لأن لفظ الرياح جمع وليس مفرد وعندما تأتى آيات العذاب يذكر فيها لفظ ريح مثل ريح عقيم وريح صرصر وهكذا ولفظ رياح يأتى عند ذكر نعمة الله الرياح لواقح  " وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا " ينزل الله من السماء ماء المطر وهو ماء طهور أى طاهرا يصلح لكل استخدام ، " لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا " تنزل ماء المطر لينبت الزروع والثمار وتدب الحياة فى الأرض الميتة ويشرب منه البشر والأنعام وسائر المخلوقات وقال تعالى " وجعلنا من الماء كل شىء " ، "  وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا"تصريف الله للرياح آية من آياته والله تعالى يقول  أمطرنا هذه الأرض دون هذه وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها الى الأرض الأخرى فيمطرها وهذا من آيات الله ولكن أكثر الناس يجحدون نعمة اللهوينسبون الفضل لغيره كما صح فى الحديث المخرج فى صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوما على اثر سماء أصابتهم من الليل " أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال " قال أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بى كافر بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بى مؤمن بالكوكب " . 

وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا ٥١ فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا ٥٢ ۞وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا ٥٣ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا ٥٤

" وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا " يقول الله تعالى أنه يمكن بمشيئته أن يبعث لكل بلد رسول منه ينذرهم ولكن خصصناك يامحمد بالبعثة الى جميع أهل الأرض وأمرناك أن تبلغهم القرآن كقوله تعالى " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " وفى الصحيحين "بعثت الى الأحمر والأسود " وفيهما " وكان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة " ولهذا قال الله تعالى " فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا " يعنى لا تطع الكافرين فيما هم فيه وما يريدون منك وجاهدهم بهذا القرآن جهاد كبير لا هوادة فيه ولا تأخذك لومة لائم ، " وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاج" والله هو الذى خلق الماءين العذب الحلو الزلال كالأنهار والعيون والآبار والبحيرات والمالح فى البحار والمحيطات ، " وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا " وجعل بين الماء العذب والمالح حاجزا وهو اليابس من الأرض الذى يمنع من أن يصل أحدهما الى الآخر وكذلك كثافة الماء الماء العذب أقل كثافة من الماء المالح يمكن أن تصب الأنهار فى البحار ولا تطغى مياه البحار على الأنهار ويمكن أن يشاهد ذلك عند ملتقى الأنهار مع البحار من تغير لون الماء وهذا كقوله فى سورة الرحمن " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأى آلاء ربكما تكذبان " وكقوله تعالى " أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسى وجعل بين البحرين حاجزا أاله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون " ، "وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرا" الله خلق الانسان من نطفة من ماء الرجل و بويضة من ماء المرأة وجعله كامل الخلقة ذكرا أو أنثى كما يشاء ، " فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗا " فهو فى ابتداء أمره نسيب ثم يتزوج فيصير صهرا ثم يصير له أصهار وأختان وقربات وكل ذلك من ماء مهين ، " وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا " كل هذا الخلق من الله بقدرته فهو القدير القادر على كل شىء .

وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا ٥٥ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٥٦ قُلۡ مَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا ٥٧ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا ٥٨ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسَۡٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا ٥٩ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا۩ ٦٠

" وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡ " يخبر الله عن جهل المشركين فى عبادتهم غير الله من الأصنام التى لا تملك له ضرا ولا نفعا بلا دليل قادهم الى ذلك ولا حجة أدتهم اليه بل بمجرد الآراء والتشهى والأهواءفهم يوالونهمويقاتلون فى سبيلهم ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم ولهذا قال تعالى " وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا " الكافر يظاهر الشيطان ويواليه على معصية الله ويعينه أو أن الكافر يكون عونا ومؤيدا وداعما فى سبيل الشيطان على حزب الله ، " وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا " يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه أرسله بشيرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين ، مبشرا بالجنة لمن أطاع الله ونذيرا بين يدى عذاب شديد لمن خاف أمر الله ، "  قُلۡ مَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ " يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول أنه لا يريد عن هذا البلاغ وهذا الانذار من أجرة يطلبها من أموالهم    ، " إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا " أنى أفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى لم يريد أن يتبع سبيل الله ويتخذه طريقا ومسلكا ومنهجا يقتدى فيه بما جئت به من عند الله ، " وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ" يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فهو الحى الذى لايموت أبدا الدائم الباقى السرمدى الأبدى الحى القيوم رب كل شىء ومليكه ويجعله ذخره وملجأه ، " وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦ " وأقرن بين حمد الله وتسبيحه ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك " أى أخلص له العبادة والتوكل كما قال تعالى " رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا "  ، "  وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا " والله وحده الذى بعلمه التام الذى لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة يعلم كل ذنب يرتكبه عباده فيغفر لمن يشاء ويعزب من يشاء ، " ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسَۡٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا " الله هو الخالق الذى خلق السموات والأرض وما بينهما من مخلوقات فى ستة أيام واستوى على عرشه فاستعلم عنه من هو خبير به عالم به فاتبعه واقتد به ، " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ " يقول الله تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد اذا أمروا أن يسجدوا لله الرحمن ، " قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ " قالوا لا نعرف الرحمن ولا نقر به  وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبى صلى الله عليه وسلم للكاتب " أكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقالوا لا نعرف الرحمن ولا الرحيم ولكن أكتب كما كنت تكتب : باسمك اللهم ولهذا أنزل الله تعالى " قل ادعوا الله أو ادعو الرحمن أيما تدعوا فاه الاسماء الحسنى" أى هو الله وهو الرحمن  ، " أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا " قال الكفار أنسجد لمجرد قولك

وزادهم ذلك بعدا عن الله وعنادا ولجوجا فى الكفر وتعنتا .

تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا ٦١ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ خِلۡفَةٗ لِّمَنۡ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورٗا ٦٢

"تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا " يقول الله ممجدا نفسه معظما على جميل ما خلق فى السموات من بروج وهى الكواكب العظام ، " وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا " هذه آية من آيات الاعجاز العلمى فالسراجهنا هو الشمس التى شبهت بالمصباح الذى يلقى ضوءه على القمر فنيره فضوء القمر مستمد من وجوده أمام الشمس وليس منه وهو يعكسه على الأرض ، "  وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ خِلۡفَة" الله هو الذى جعل الليل والنهار يخلف بعضهما الآخريتعاقبان لا يفتران اذا ذهب هذا جاء هذا كما قال تعالى"وسخرلكم الشمس والقمر دائين " ، "  لِّمَنۡ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورٗا " أى جعلهما يتعاقبان توقيتا لعبادة عباده له عزوجل فمن فاته عمل فى الليل استدركه فى النهار ،وقد جاء فى الحديث الصحيح " ان الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل "  كل ذلك لمن أراد أن يتذكر قدرة الله أو أن يذكره بالليل والنهار وأراد أن يشكره على نعمه عليه وما جعل له فى هذا الكون من نعم .

وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا ٦٣ وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا ٦٤ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ٦٥ إِنَّهَا سَآءَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا ٦٦ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا ٦٧

وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا " يذكر الله تعالى صفات عباد الله المؤمنين فهم غير متكبرين يمشون على الأرض بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار كقوله تعالى " ولا تمش فى الأرض مرحا " يمشون من غير أشر ولا بطر والمراد بالهون هنا السكينة والوقار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم منها فصلوا وما فاتكم فأتموا " ، " وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا " اذا سفه عليهم الجاهل بالقول السىء لم يقابلوه عليه بمثله بل يعفون ويصفحون ولا يقولون الا خيرا وقال مجاهد يعنى سدادا وقال سعيد بن جبير ردوا معروفا من القول  ، " وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا " ومن صفات عباد الرحمن المؤمنين أن ليلهم خير ليل فهم يقضونه فى طاعة الله بالصلاة والدعاء كما قال تعالى " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون " وكما فى قوله" تتجافى جنوبهم عن المضاجع " ، "وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا " ويدعون ربهم أن يصرف عنهم ويبعدهم عن عذاب جهنم الدائم الملازم وقال الحسن انما الغرام اللازم مادامت السموات والأرض وقال محمد بن كعب   " ان عذابها كلن غراما " يعنى ما نعموا فى الدنيا ان الله تعالى سأل الكفار عن النعمة فلم يردوها اليه فأغرمهم فأدخلهم النار ، " إِنَّهَا سَآءَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا " النار بئس دار المقام والاستقرار الدائم بئس المنزل منظرا وبئس المقيل مقاما ، " وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا " من صفات المؤمنين عباد الرحمن الاعتدال فى الانفاق فهم ليسوا بمبذرين فى انفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون فى حقهم فلا يكفونهم بل عدلا خيارا وخير الأمور أوسطها كقوله تعالى " ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط " .

وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا ٦٨ يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا ٦٩ إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٧٠ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتَابٗا ٧١

وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ " من صفات المؤمنين عباد الرحمن أنهم يوحدون الله ولا يشركون فى عبادته أحدا ولا يجعلون له ندا عن عبد الله بن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الذنب أكبر ؟ قال " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قال ثم أى ؟ قال " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قال ثم أى ؟ قال " ان تزانى حليلة جارك " قال عبد الله تصديق ذلك " وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ "  ،    " وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقّ " وقتل النفس التى حرم الله قتلها الا بالحق أى أن يكون ذلك للوفاء بالحد الشرعى ، "ِ وَلَا يَزۡنُونَ " ومن صفات المؤمنين عباد الرحمن أنهم لا يرتكبون الزنا ، " وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا " من يرتكب هذه الكبائر فسوف يلقى جزاءه وقال قتادة نكالا وعن سلمة بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع " ألا انما هى أربع " فما أنا باشح عليهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق ، ولا تزنوا ولا تسرفوا " ، " يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا " يكرر عليه العذاب فى جهنم ويغلظ ويخلد فيه حقيرا ذليلا ، " إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا " يستثنى من العذاب وعقاب الله من تاب فى الدنيا وحسن ايمانه بالله وأتبع ذلك بالعمل الصالح ، " فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِهِمۡ حَسَنَٰت " وفى هذا قولان أحدهما أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات وقال الحسن البصرى أبدلهم الله بالعمل السىء العمل الصالح ، وأبدلهم بالشرك اخلاصا وأبدلهم بالفجور احصانا ، وبالكفر اسلاما ،والقول الثانى أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات ، " وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا"والله هوالغفور الذى يقبل توبة عباده فيغفر لهم برحمته وكثيرا ما تقرن المغفرة بالرحمة ،"وَمَن  تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتَابٗا " من تاب الى الله وأتبع التوبة بالعمل الصالح فانم الله يقبل توبته  كما قال تعالى " قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " .

وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا ٧٢ وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ يَخِرُّواْ عَلَيۡهَا صُمّٗا وَعُمۡيَانٗا ٧٣ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا ٧٤

" وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّور " من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور أى شهادو الزور وهى الكذبمتعمدا على غيره فى شىء لم يفعله كما فى الصحيحين عن أبى بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ - ثلاثا - قلنا بلى يا رسول الله قال : الشرك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس فقال " ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا لينه سكت " والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور أى لا يحضرونه ،  وقيل هو الشرك وعبادة الأصنام وقيل الكذب والفسق و الكفر واللغو والباطل ، "َ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا " اللغو هم الكلام الباطل اذا سمعوه وجاء أمامهم لم يحضروه وقيل كذلك أنهم لا يحضرون الزور واذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشىء وعن ابراهيم بن ميسرة أن أبن مسعود مر بلهو فلم يقف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أصبح أبن مسعود وأمسى كريما " ، " وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ يَخِرُّواْ عَلَيۡهَا صُمّٗا وَعُمۡيَانٗا " قال قتادة لم يصموا عن الحق ولم يعموا فيه فهم والله قوم عقلوا عن الحق وانتفعوا بما سمعوا من كتابه بخلاف الكافر فانه اذا سمع كلام الله لا يؤثر فيه ولا يتغير عما كان عليه بل يبقى مستمرا على كفره وطغيانه وجهله وضلاله والكافر اذا سمع آيات الله فلا تؤثر فيه فيستمر على حاله كأن لم يسمعها أصم أعمى ، " وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُن" من صفات عباد الرحمن أنهم يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له وقال أبنعباس من يعمل بطاعة الله فتقر به أعينهم فى الدنيا والآخرة ، " وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا " يسال عباد الرحمن الله تعالى أن يجعلهم هداة مهتدين دعاة الى الخير فاحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم وأن يكون هداهم متعديا الى غيرهم بالنفع وذلك أكثر ثوابا وأحسن مآبا وثبت فى صحيحمسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسوبل الله صلى الله عليه وسلم " اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به من بعده أو صدقة جارية " .

أُوْلَٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا ٧٥ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ حَسُنَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا ٧٦ قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا ٧٧

" أُوْلَٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا " لما ذكر الله تعالى من أوصاف عباده المؤمنين من صفات جميلة وأقوال وأفعال جليلة أن أولئك المتصفون بهذه الصفات يجزون يوم القيامة الجنة جزاء صبرهم على القيام على هذه الأفعال ويبتدرون فى الجنة بالتحية والاكرام ويلقون التوقير والاحترام فلهم السلام وعليهم السلام فان الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويقولون لهم سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، "  خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ " مقيمين فى الجنة لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون ولا يزولون عنها ولا يبغون عنها حولا ، " حَسُنَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا " نعم هى حسنت منظرا وطابت مقيلا ومنزلا ، " قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡ " أبلغهم يامحمد أن الله لا يكترث بهم اذا لم يعبدوه فانه انما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا  ، " فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا " وأخبر تعالى الكفار أنه لا حاجة له بهم اذ لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب اليهم الايمان كما حببه الى المؤمنين فقد كذبوا بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده فسوف يكون تكذيبهم لزاما لهم مفضيا لعذابهم وهلاكهم ودمارهم فى الدنيا والآخرة وقال الحسن البصرى يلقون العذاب وسوء المنقلب يوم القيامة .

 

الجزء التاسع عشر

تفسير سورة الشعراء

سورة مكية ، ووقع فى تفسير مالم المروى عنه تسميتها سورة الجامعة ، وفيها سمات السور المكية من ذكر الأنبياء وآيات الله فى الكون وقضية الكفر والايمان وآياتها 227 آية ، منها الاية 197 ومن الآية 224 الى آخر السورة مدنية .

طسٓمٓ ١ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٣ إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤ وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ مُحۡدَثٍ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهُ مُعۡرِضِينَ ٥ فَقَدۡ كَذَّبُواْ فَسَيَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٦ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ ٧ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ٨ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٩

 " طسٓمٓ "  الكلام عن الحروف المقطعة فى أوائل السور ورد الحديث عنه فى سورة البقرة ، " تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ " هذه آيات القرآن البين الواضح الجلى الذى يفصل بين الحق والباطل والغى والرشاد ، "لَعَلَّك َ بَٰخِع نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ " يقول الله تعالى مهدأ مسليا رسوله صلى الله عليه وسلم انك تهلك نفسك مما تحرص وتحزن عليهم  فى عدم ايمان من لم يؤمن من الكفار كما قال تعالى " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " وكقوله " فلعلك باخع نفسك على آثارهم " وقال مجاهد وآخرون " لعلك باخع نفسك " أى قاتل نفسك ، " إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ " يقول تعالى لونشاء لأنزلنا آية تضطرهم الى الايمان قهرا وخضوعا ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد الا الايمان الاختيارى كما قال تعالى " ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " وقال تعالى " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة " فنفذ قدره ومضت حكمته وقامت حجته البالغة على خلقه بارسال الرسل اليهم وانزال الكتب عليهم ، " وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ مُحۡدَثٍ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهُ مُعۡرِضِينَ " كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس وابتعدوا عنه ولم يتبعوه كما قال تعالى " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " وقال تعالى " ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولهم كذبوه " َقَدۡ كَذَّبُواْ فَسَيَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " فقد كذبوا بما جاءهم من الحق فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين كما قال " وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون " ، "أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡج كَرِيمٍ " نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه الذى اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه وهو القاهر العظيم القادر الذى خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان ، "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ " فى هذا دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذى بسط الأرض ورفع السماء ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه وخالفوا أمره وارتكبوا نهيه " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ " والله ربك عز كل شىء وقهره وغلبه وهو رحيم بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر وقال أبو العالية وغيره العزيز فى نقمته وانتصاره بمن خالف أمره وعبد غيره وقال سعيد بن جبير الرحيم بمن تاب اليه وأناب .

وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ ١١ قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ١٢ وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ ١٣ وَلَهُمۡ عَلَيَّ ذَنۢبٞ فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ ١٤ قَالَ كَلَّاۖ فَٱذۡهَبَا بَِٔايَٰتِنَآۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ ١٥ فَأۡتِيَا فِرۡعَوۡنَ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦ أَنۡ أَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ١٧ قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ ١٨ وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٩ قَالَ فَعَلۡتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ ٢٠ فَفَرَرۡتُ مِنكُمۡ لَمَّا خِفۡتُكُمۡ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكۡمٗا وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٢١ وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٢٢

" وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ * قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ " يخبر الله تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام حين ناداه من جانب الطور الأيمن وكلمه وناجاه وأرسله واصطفاه وأمره بالذهاب الى فرعون وملئه ، " قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ " كان رد موسى عليه السلام أن يعذره الله فهو يعلم تجبر فرعون وبطشه فعبر عن خشيته من تكذيب فرعون وملئه له ،"وَيَضِيقُ صَدۡرِي  " وأورد موسى عليه السلام من الأعذار خشيته أن يضيق صدره من تصرف فرعون وكلامه ، " وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي " وكان موسى عليه السلام عنده علة فى لسانه حين يتكلم خشى منها وخشى ألا يحسن لسانه القول ، " فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ " سال موسى عليه السلام أن يعفيه الله من هذا وأن يكلف أخيه هارون بهذه المهمة ، " وَلَهُمۡ عَلَيَّ ذَنۢبٞ فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ " وأورد موسى عليه السلام عذرا آخر وهو أنه كان قد قتل أحد قوم فرعون عند دخل فى شجار مع أحد من شيعة موسى وهرب بعد أن كانوا يبحثون عنه ليقتلوه ففر الى سيناء وهاهو يرجع اليهم فخشى أن يقتلوه ردا على ذلك ، " قَالَ كَلَّاۖ فَٱذۡهَبَا بَِٔايَٰتِنَآۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ " لكن الله تعالى كلف موسى عليه السلام وأخيه هارون بالذهاب الى فرعون وتبليغه آيات الله والله سوف يكون معهما لما سيحدث فهو السميع البصير لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء ، " فَأۡتِيَا فِرۡعَوۡنَ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " كلف الله موسى وهارون عليهما السلام أن يتوجها الى فرعون ويخبراه أنهما مرسلان من الله رب العالمين ، " أَنۡ أَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ " وكلفهما الله أن يطلبا من فرعون أن يسمح لبنى اسرائيل وهو كان يسخرهم لخدمته ويخضعهم لجبروته أن يرسل بنى اسرائيل معهما ، " قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ " رد فرعون على موسى عليه السلام بتذكيره بنعمته عليه فقد تربى فى قصره وعاش فيه تحت رعاية فرعون وزوجته حتى شب وكبر حتى حدث منه قتل القبطى من آل فرعون وخرج وهو آثم وجحد نعمة فرعون عليه فقابل الاحسان بفعلته حينما قتل منهم رجلا ، " قَالَ فَعَلۡتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ" رد موسى عليه السلام على فرعون أنه فعل ما فعل قبل أن يوحى اليه وينعم الله عليه بالرسالة والنبوة وقال أبن عباس وغيره " وأنا من الضالين " أى الجاهلين ، " فَفَرَرۡتُ مِنكُمۡ لَمَّا خِفۡتُكُمۡ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكۡمٗا وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " ولكن انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر فقد وهبنى الله الحكمة والنبوة وأرسلنى الله اليك فان أطعته سلمت وان خالفته خسرت ، "  وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ " وما أحسنت الى وربيتنى مقابله ما أسأت الى بنى اسرائيل فجعلتهم عبيدا وخدما تصرفهم فى أعمالك ومشاق رعيتك أفيفى احسانك الى رجل منهم واحد بما أسأت الى مجموعهم أآ ليس ما ذكرت شيئا بالنسبة الى ما فعلت بهم .

قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٣ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ٢٤ قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥٓ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ ٢٥ قَالَ رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٢٦ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيٓ أُرۡسِلَ إِلَيۡكُمۡ لَمَجۡنُونٞ ٢٧ قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ ٢٨

" قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يقول الله تعالى عن كفر فرعون وتمرده وطغيانه وجحوده عندما قال له موسى عليه السلام أنى رسول رب العالمين قال له فرعون ومن هذا الذى تزعم أنه رب العالمين غيرى ؟ لأن فرعون كان يقول لقومه " ما علمت لكم من اله غيرى " وكانوا يجحدون الصانع جل وعلا ويعتقدون أنه لارب لهم سوى فرعون كقوله تعالى " فاستخف قومه فأطاعوه " ، " قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا "رد موسى عليه السلام لما سأل عن رب العالمين أنه خالق كل شىء الذى خلق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما والجميع عبيد له خاضعون ، " إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ " ان كانت لكم قلوب موقنة وأبصار نافذة ، " قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥٓ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ " عند ذلك رد فرعون والتفت الى من حوله منملئه ورؤساء دولته قائلا لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قال ألا تعجبون من هذا فى زعمه أن لكم الها غيرى ؟ ، " قَالَ رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ " رد عليه موسى عليه السلام بقوله الله ربكم خالقكم وخالق آبائكم الأولين الذين كانوا قبل فرعون وزمانه ، " قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيٓ أُرۡسِلَ إِلَيۡكُمۡ لَمَجۡنُون" قال فرعون لقومه ان هذا الرسول الذى أرسل اليكم كما يقول ليس له عقل فى دعواه أن ثم ربا غيرى ، "  قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ " رد موسى عليه السلام بقوله الله هو الذى جعل المشرق مشرقا والمغرب مغربا وهو رب كل شىء بينهما كما قال ابراهيم عليه السلام عن الذى حاجه فى ربه " قال ابراهيم فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب " .

قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَٰهًا غَيۡرِي لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ ٢٩ قَالَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكَ بِشَيۡءٖ مُّبِينٖ ٣٠ قَالَ فَأۡتِ بِهِۦٓ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٣١ فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعۡبَانٞ مُّبِينٞ ٣٢ وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ ٣٣ قَالَ لِلۡمَلَإِ حَوۡلَهُۥٓ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ ٣٤ يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِۦ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ ٣٥ قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَٱبۡعَثۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ٣٦ يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٖ ٣٧

لما قامت الحجة على فرعون بالبيان والعقل عدل الى قهرموسى عليه السلام باستعمال جاهه وسلطانه واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ فى موسى عليه السلام فقال ما أخبر الله عنه "قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَٰهًا غَيۡرِي لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ " قال له ان اتخذ اله غيره سيدخله السجن ويتعرض للعذاب كما يفعل الطغاة فى كل عصر من قهر وبطش لمن يعارضهم ففرعون ليس واحد ولكنهم كثير على مر العصور والله لم يخص فرعون وحده ولم يذكر اسمه فالأسماء لا تهم انما هو واحد ومثل للكفر والطغيان والبطش يتكرر على مدار العصور ، " قَالَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكَ بِشَيۡءٖ مُّبِين" طلب موسى عليه  السلام أن يأتيه ببرهان قاطع واضح ليدل على صدقه ، " قَالَ فَأۡتِ بِهِۦٓ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " فرد عليه فرعون أن يأتى بهذا البرهان القاطع الواضح ليدل على صدق ما يقول ، " فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعۡبَانٞ مُّبِين" عند ذلك ألقى موسى عليه السلام عصاه فتحولت الى ثعبان واضح فى غاية الجلاء والوضوح والعظمة له فم كبير وشكل هائل مزعج ، " وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ "وأخرج موسى عليه السلام يده من جيبه فكانت تتلألأ كقطعة من القمر لمن ينظر اليها ، " قَالَ لِلۡمَلَإِ حَوۡلَهُۥٓ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيم" فبادر فرعون بشقاوته الى التكذيب والعناد فقال للملأ حوله أن موسى ساحر بارع فى العلم ، فروج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر لا من قبيل المعجزة ، "  يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِۦ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ " هيج فرعون من حوله وحرضهم على مخافة موسى عليه السلام والكفر به لأنه أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب براعته فى السحر فيكثر أعوانه وأتباعه وأنصاره ويغلبهم على دولتهم فيأخذ البلاد منهم وطلب منهم أن يشيروا عليه ماذ يصنع به؟ ، " قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَٱبۡعَثۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيم " اقترحوا على فرعون أن يؤخر موسى عليه السلام وأخيه حتى يجمع له من مدائن مملكته وأقاليم دولته كل سحار عليم يقابلونه ويأتون بنظير ما جاء به فيغلبه وتكون له النصرة والتأييد ، فأجابهم الى ذلك وكان هذا من تسخير الله تعالى لهم فى ذلك ليجتمع الناس فى صعيد واحد وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس فى النهار جهرة .   

فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ ٣٨ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَ ٣٩ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلۡغَٰلِبِينَ ٤٠ فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرۡعَوۡنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ ٤١ قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٤٢ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلۡقُواْ مَآ أَنتُم مُّلۡقُونَ ٤٣ فَأَلۡقَوۡاْ حِبَالَهُمۡ وَعِصِيَّهُمۡ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٤٤ فَأَلۡقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ ٤٥ فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ ٤٦ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٧ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٤٨

ذكر الله تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى عليه السلام والقبط فى سورتى الأعراف وطه وفى هذه السورة : وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم فأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وهذا شأن الكفر والايمان ما تواجها وتقابلا ألا وكانت الغلبة للايمان  " فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُوم" لما جاء السحرة وقد جمعوهم من أقاليم مصر وكانوا اذا ذاك أسحر الناس وكان السحرة جمعا كثيرا ، "وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَ " واجتهد الناس فى الاجتماع ذلك اليوم وتوجهت الدعوة اليهم للاجتماع بعدد كبير ، " لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلۡغَٰلِبِينَ " وقال قائلهم لم يقل لهم نتبع الحق سواء أكان من السحرة أو من موسى عليه السلام بل الرعية على دين ملوكهم ،" فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ " لما جاء السحرة الى مجلس فرعون وقد ضربوا له وطاقا وجمع خدمه وحشمه ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته ، " قَالُواْ لِفِرۡعَوۡنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ " فقام السحرة بين يدى فرعون يطلبون منه الاحسان اليهم والتقرب اليه ان غلبوا ، "  قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ " أجابهم فرعون الى طلبهم وخص مما يطلبون أن يجعلهم من المقربين عنده وجلسائه ، " قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلۡقُواْ مَآ أَنتُم مُّلۡقُونَ " طلب موسى عليه السلام أن يبدأوا بالقاء ما لديهم واظهار ما لديهم من السحر ، "  فَأَلۡقَوۡاْ حِبَالَهُمۡ وَعِصِيَّهُمۡ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبُونَ " ألقى السحرة ما لديهم من الحبال  والعصى بذكر عزة فرعون وهذا كما تقول العوام اذا فعلوا شيئا هذا بثواب فلان وأنهم سيغلبون بمهارتهم وقال فى سورة طه " فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم أنها تسعى - الى قوله - ولا يفلح الساحر حيث أتى " ،"  فَأَلۡقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ " ألقى موسى عليه السلام عصاه فاذا هى تخطف كل ما ألقوا وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئا ، "  فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ " عرف السحرة أنما جاء به موسى عليه السلام هو الصدق من ربه وليس خداع للبصر ، "  قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ " عند ذلك آمن السحرة بربهم رب العالمين فكان هذا أمرا عظيما جدا وبرهانا قاطعا للعذر وحجة دامغة وذلك أن الذين استنصر بهم فرعون وطلب منهم أن يغلبوا غلبوا وخضعوا وآمنوا بموسى فى الساعة الراهنة وسجدوا لله رب العالمين الذى أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة  .

قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ ٤٩ قَالُواْ لَا ضَيۡرَۖ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ٥٠ إِنَّا نَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَٰيَٰنَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٥١ ۞

 كان فرعون وقحا جريئا فعدل الى المكابرة والعناد ودعوى الباطل " قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُم " قال للسحرة كان ينبغى أن تستأذنونى فيما فعلتم ولا تفتاتوا على فى ذلك فان أذنت لكم فعلتم وان منعتكم فانى أنا الحاكم المطاع ،" إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡر " أتهم فرعون السحرة بالتآمر عليه والتحالف مع موسى عليه السلام وأن موسى عليه السلام هو كبيرهم الذى علمهم السحر وهذه مكابرة يعلم كل أحد بطلانها فانهم لم يجتمعوا بموسى عليه السلام قبل ذلك اليوم فكيف يكون كبيرهم الذى أفادهم صَناعة السحر وهذا لا يقوله عاقل ، "  فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ " توعد فرعون السحرة بقطع الأيدى والأرجل من خلاف أى يد يمنى مع قدم يسرى والعكس والصلب ، " قَالُواْ لَا ضَيۡرَ " قال السحرة لا حرج ولا يضرنا ذلك ولا نبالى به " إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ  " فان المرجع الى الله عزوجل وهو لا يضيع أجر من أحسن عملا ولا يخفى عليه ما فعلت بنا وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء ، "  إِنَّا نَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَٰيَٰنَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " قالوا اننا نرغب أشد رغبة أن يغفر الله لنا ما قارفنا من الذنوب وما أكرهنا عليه من السحر فنحن أول المؤمنين بسبب أنا بادرنا قومنا من القبط الى الايمان .

وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِيٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ٥٢ فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ٥٣ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ ٥٤ وَإِنَّهُمۡ لَنَا لَغَآئِظُونَ ٥٥ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ ٥٦ فَأَخۡرَجۡنَٰهُم مِّن جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ ٥٧ وَكُنُوزٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ ٥٨ كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٥٩

لما طال مقام موسى عليه السلام بمصر وأقامحججه وبراهينه على فرعوم وملئه وهممع ذلك يكابرون ويعاندون لم يبق لهم الا العذاب والنكال " وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِيٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ " أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يخرج ببنى اسرائيل ليلا من مصر وأن يمضى بهم حيث يؤمرففعل موسى عليه السلام ما أمره الله به ، " فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ " لما أصبح بنو اسرائيل وليس فى ناديهم داع ولا مجيب غاظ ذلك فرعون واشتد غضبه على بنى اسرائيل فأرسل سريعا فى بلاده حاشرين أى من يحشر الجند ويجمعه كالنقباء والحجاب ، " إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ " نادى فرعون فيمن جمعهم أن بنى اسرائيل طائفة قليلة "  وَإِنَّهُمۡ لَنَا لَغَآئِظُونَ " يصل فى كل وقت منهم الينا ما يغيظنا ، " وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ " ونحن كل وقت نحذر من غائلتهم وقرأ سلف "  وانا لجميع حذرون " أى مستعدون بالسلاح وانى أريد أن أستأصل شأفتهم وأبيد خضراءهم ، "  فَأَخۡرَجۡنَٰهُم مِّن جَنَّٰتٖ وَعُيُون" فجوزى فى نفسه وجنده بما أراد لبنى اسرائيل فخرجوا منهذا النعيم الذىكانوا يعيشون فيه من جنات فيه من الخيرات والثمرات وأنهار وعيون ماء عذب ، "   وَكُنُوزٖ وَمَقَامٖ كَرِيم" وتركوا ما لديهم من كنوز وأموال ومنازل عالية وملك وجاه وافر فى الدنيا فقد حكم الله على فرعون بالغرق والهلاك هو ومن معه  ، "  كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ " وأورث الله بنى اسرائيل النعم والملك وبخاصة على يد داود وسليمان عليهما السلام .

فَأَتۡبَعُوهُم مُّشۡرِقِينَ ٦٠ فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ ٦١ قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ ٦٢ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ ٦٣ وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡأٓخَرِينَ ٦٤ وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ ٦٥ ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ ٦٦ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ٦٧ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٦٨

" فَأَتۡبَعُوهُم مُّشۡرِقِينَ " ذكر غير واحد من المفسرين أن فرعون خرج فى محفل عظيم وجمع كبير من أولى الحل والعقد من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود ووصلوا الى بنى اسرائيل ولحقوا بهم عند شروق الشمس أى طلوعها ، " فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ " لما رأى كل فريق صاحبه ، " قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ " عند ذلك أصاب الخوف أتباع موسى عليه السلام بعد أن انتهى بهم المسير الى البحر وهو البحر الأحمر حاليا فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بجنوده ، "  قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ " رد عليهمموسى عليهالسلام أنه لا يصل اليكم شىء مما تحذرون فان الله سبحانه وتعالى هو الذى أمرنى أن أسير ههنا بكم وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد ، " فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡر" فاقترب فرعون وجنوده ولم يبق الا القليل فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر ، " فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ " عندما ضرب موسى عليه السلام البحر بعصاه انفلق واضطرب وكان موجه كالجبل الكبير وبعث الله الريح الى قعر البحر فلفحتهفصار يبسا كوجه الأرض حيث قال تعالى " فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى " ، " وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡأٓخَرِينَ " وقال أبن عباس وغيره قربنا من البحر فرعون وجنوده وأدنيناهم اليه ،" وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ " يقول تعالى أنجينا موسى عليه السلام وبنى اسرائيل ومن اتبعهم على دينهم فلم يهلك منهم أحد ، "  ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ " وأغرق الله فرعون وجنوده جميعا فلم يبقى منهم أحد الا هلك ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة"فى هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد من الله لعباده المؤمنين عبرة وعظة ودلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة " وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ " ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يتحقق لهم الايمان رغم ذلك ،"وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيز " أى عز كل شىء وقهره وغلبه ، " ُ ٱلرَّحِيمُ " أى بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، وقال أبو العالية وغيره : العزيز فى نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره ، وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب اليه وأناب .  

وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ ٦٩ إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ ٧٠ قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَامٗا فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ ٧١ قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ ٧٢ أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ ٧٣ قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ ٧٤ قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ ٧٥ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ ٧٦ فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٧٧

هذا اخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله ابراهيم الخليل عليه السلام " وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ " أمر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يتلو على أمته أخبار ابراهيم عليه السلام ليقتدوا به فى الاخلاص والتوكل وعبادة الله وحده لا شريك له والتبرى من الشرك وأهله فان الله تعالى آتى ابراهيم عليه السلام رشده من قبل أى من صغره الى كبره فانه من وقت نشأ وشب أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله عز وجل ، "إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ " فقال لأبيه وقومه منكرا عليهم ماذا تعبدون أى ما هذه التماثيل التى أنتم لها مستمرون فى العبادة دائمون ، " قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَامٗا فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ " رد عليه  قومه أنهم يعبدون أصناما مقيمين على عبادتها ودعائها ، " قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ " قال لهم ابراهيم عليه السلام منكرا هل هذه الأصنام تسمعكم اذ تدعونها من دون الله ، " أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ " هل هذه الأصنام تنفعكم أو تضركم وليس لها من الأمر شيئا فهى لا تضر ولا تنفع ، " قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ " ردوا عليه أن أصنامهم لا تفعل شيئا من ذلك  وانما يتبعون ما رأوا آباؤهم يفعلونه فهم على آثارهم يهرعون ، " قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ " فرد عليهم ابراهيم عليه السلام أن ما تعبدون من الأصنام ، " أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ " أنتم وكذلك أباؤكم من قبلكم الذين سبقوكم ، "  فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " فانى عدو لهذه الأصنام لا أبالى بها ولا أفكر فيها وتفكيرى هو عبادة الله رب العالمين وحده لا شريك له وهكذا تبرأ ابراهيم عليه السلام من آلهتهم كما قال تعالى عنه " واذ قال ابراهيم لأبيه وقومه اننى براء مما تعبدون * الا الذى فطرى فانه سيهدين وجعلها كلمة " يعنى لا اله الا الله .

ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ ٧٨ وَٱلَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ ٧٩ وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ ٨٠ وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ ٨١ وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيَٓٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ ٨٢

يذكر ابراهيم عليه السلام فضل الله عليه "ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ " فالله هو الذى خلقه وهداه الى عبادته وحده بعيد عن عبادة الأصنام والشرك به ، " وَٱلَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ " الله هو الرازق وحده المتنعم على بالاطعام والاسقاء بحولهوقدرته بما سخر ويسر من الأسباب السمواية والأرضية فهو الذى أنزل المطر وأخرج من كل الثمرات رزقا للعباد ، " وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ " الله وحده هو الشافى من كل داء اذا أصابنى المرض ، " وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ " والله وحده هو الذى بيده البعث والنشور بعد الموت ولا يقدر على ذلك أحد سواه فانه هو الذى يبدىء ويعيد ، "  وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيَٓٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ " والله هو الذى بيده المغفرة يوم القيامة لايقدر على الغفران فى الدنيا والآخرة الا هو والذى أريد وبشدة أن يغفر لى ذنوبى .

رَبِّ هَبۡ لِي حُكۡمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّٰلِحِينَ ٨٣ وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ ٨٤ وَٱجۡعَلۡنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ ٨٥ وَٱغۡفِرۡ لِأَبِيٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ ٨٦ وَلَا تُخۡزِنِي يَوۡمَ يُبۡعَثُونَ ٨٧ يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ٨٩

" رَبِّ هَبۡ لِي حُكۡمٗا " هذا سؤال من ابراهيم عليه السلام من ربه أن يؤتيه حكما وقال السدى هو النبوة وقال عكرمة هو اللب ، " وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّٰلِحِينَ " وسأل ربه أن يجعله مع الصالحين من عباده فى الدنيا والآخرة وفى الحديث فى الدعاء " اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدلين " وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار " اللهم فى الرفيق الأعلى " قالها ثلاثا ، " وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ " يسأل ابراهيم عليه السلام ربه أن يجعل له ذكرا جميلا بعده يذكر به ويقتدى به فى الخير كما قال تعالى " وتركنا عليه فى الآخرين سلام على ابراهيم كذلك نجزى المحسنين " وقال مجاهد وقتادة يعنى أن يجعل الله له الثناء الحسن  ، " وَٱجۡعَلۡنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ " أنعم على فى الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدى وفى الآخرة بأن تجعلنى من ورثة جنة النعيم ، " وَٱغۡفِرۡ لِأَبِيٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ " سأل ابراهيم عليه السلام ربه أن يغفر لأبيه الضال كقوله " ربنا اغفر لى ولوالدى"وهذا مما رجع عنه ابراهيم عليه السلام كما قال تعالى " وما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها اياه - الى قوله - ان ابراهيم لأواه حليم " وقد قطع تعالى الالحاق فى استغفاره لأبيه فقال تعالى " قد كانت لكم أسوة حسنة فى ابراهيم والذين معه - الى قوله - وما أملك لك من الله من شىء "، "وَلَا تُخۡزِنِي يَوۡمَ يُبۡعَثُونَ " أجرنى من الخزى يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يلقى ابراهيم أباه فيقول يارب انك وعدتنى أن لا تخزنى يوم يبعثون فيقول الله تعالى انى حرمت الجنة على الكافرين " ، " يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ " يتحدث ابراهيم عليه السلام عن يوم القيامة ويصفه بأنه لا يقى المرء من عذاب الله فيه ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهبا ولو افتدى بمن على الأرض جميعا ولا ينفع يومئذ الا الايمان بالله واخلاص الدين له والتبرى من الشرك وأهله ، " إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيم " لا ينفع الا من أتى أمام الله بقلب سليم وهو أن يشهد أن لا اله الا الله وقال مجاهد وغيره " بقلب سليم " يعنى من الشرك ،وقال سعيد بن المسيب القلب السليم هو القلب الصحيح وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض كما قال تعالى " فى قلوبهم مرض" .

وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ ٩٠ وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِلۡغَاوِينَ ٩١ وَقِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ ٩٢ مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلۡ يَنصُرُونَكُمۡ أَوۡ يَنتَصِرُونَ ٩٣ فَكُبۡكِبُواْ فِيهَا هُمۡ وَٱلۡغَاوُۥنَ ٩٤ وَجُنُودُ إِبۡلِيسَ أَجۡمَعُونَ ٩٥ قَالُواْ وَهُمۡ فِيهَا يَخۡتَصِمُونَ ٩٦ تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٩٧ إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٨ وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلَّا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٩٩ فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ ١٠٠ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٖ ١٠١ فَلَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٠٢ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ١٠٣ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ١٠٤

يتحدث الله تعالى عن يوم القيامة وما فيه فيقول " وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ " قربت وأدنيت الجنة من أهلها مزخرفة مزينة لناظريها وهم المتقون الذين رغبوا فيها على ما فى الدنيا وعملوا لها فى الدنيا ، " وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِلۡغَاوِينَ " وأظهرت وكشفت الجحيم وهى جهنم وكشف عنها وبدتمنها عنق فزفرت زفرة بلغت منها القلوب الحناجر ، " وَقِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلۡ يَنصُرُونَكُمۡ أَوۡ يَنتَصِرُونَ  "  يقال لأهل جهنم تقريعا وتوبيخا ليست الآلهة التى عبدتموها من دون الله من اصنام وأنداد تغنى عنكم اليوم شيئا ولا تدفع عن أنفسها العذاب فانكم واياها اليوم حصب جهنم أنتم لها واردون ، " فَكُبۡكِبُواْ فِيهَا هُمۡ وَٱلۡغَاوُۥنَ" يكبون فى الجحيم جميعا والكاف مكررة كما يقال صرصر والمراد أنه ألقى بعضهم على بعض من الكفار وقادتهم الذين دعوهم الى الشرك ، " وَجُنُودُ إِبۡلِيسَ أَجۡمَعُونَ " ألقوا فيها عن آخرهم من كفار وضالين وأتباع ابليس الذين سخرهم لخدمته فى الجحيم ، "  قَالُواْ وَهُمۡ فِيهَا يَخۡتَصِمُونَ " قال الضعفاء للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل أنت مغنون عنا نصيبا من النار ، " تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ " لقد كنا فى ضلال واضح جلى ، " إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " أن نجعل أمركم مطاعا كما يطاع أمر رب العالمين ، " وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلَّا ٱلۡمُجۡرِمُونَ " ما دعانا الى هذا الضلال الا المجرمون ، " فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ " ففى هذا اليوم ليس لنا من أحد يشفع لنا عند الله وقيل الشافعين الملائكة يشفعون لهم ، " وَلَا صَدِيقٍ حَمِيم" وليس لنا من صديق قريب منا قال قتادة يعلمون أن الصديق اذا كان صالحا ينفع ، " فَلَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " يتمنى الكفار أن يردوا الى الدنيا فيعملوا الأعمال الصالحة ويكونوا من المؤمنين فيما يزعمون والله تعالى يعلم أنهم لو ردوا الى دار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون وقد أخبر الله تعالى عن تخاصم أهل النار " ان ذلك لحق تخاصم أهل النار " ، "  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة" ان فى محاجة ابراهيم لقومه واقامة الحجج عليهم فى التوحيد لآية أى لدلالة واضحة جلية على أن لا اله الا الله  " وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ " رغم هذه البراهين والحجج فان أكثر الناس لايؤمن بالله " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ "تكررت هذه الآية فى السورة  ،"وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيز " أى عز كل شىء وقهره وغلبه ، " ُ ٱلرَّحِيمُ " أى بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، وقال أبو العالية وغيره : العزيز فى نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره ، وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب اليه وأناب .   

كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٠٥ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٠٦ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ ١٠٧ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٠٨ وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٠٩ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١١٠ ۞

هذا اخبار من الله تعالى عز وجل عن عبده ورسوله نوح عليه السلام وهو أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض بعد ما عبدت الأصنام والأنداد فبعثه الله ناهيا عن ذلك ومحذرا من وبيل عقابه " كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " كذب قوم نوح به ونزل الله تعالى تكذيبهم له منزلة تكذيبهم جميع الرسل ، " إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ " حذر نوح عليه السلام قومه وقال لهم ألا تخافون الله فى عبادتكم غيره ، "  إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِين" قال لهم انى رسول من الله اليكم أمين فيما بعثنى الله به أبلغكم رسالات ربى ولا أزيد فيها ولا أنتص منها ، "  فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ " أمر نوح عليه السلام قومه بتقوى الله واتباع ما انزل اليه من ربه ، "  وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يقول نوح عليه السلام لقومه لا أطلب منكم جزاء على نصحى لكم بل أدخر ثواب ذلك عند الله فقد وضح لكم وبان صدقى ونصحى وأمانتى فيما بعثنى الله به وائتمننى عليه .            

قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلۡأَرۡذَلُونَ ١١١ قَالَ وَمَا عِلۡمِي بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١١٢ إِنۡ حِسَابُهُمۡ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّيۖ لَوۡ تَشۡعُرُونَ ١١٣ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١٤ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ١١٥

"قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلۡأَرۡذَلُونَ " يقول قوم نوح له تكبرا لا نؤمن لك ولا نتبعك ونتأسى فى ذلك بهؤلاء الأرذلين الذين اتبعوك وصدقوكوهم أراذلنا أى أقل الناس فينا منزلة ،" قَالَ وَمَا عِلۡمِي بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " ردعليهم نوح عليه السلام بقوله وأى شىء يلزمنى من اتباع هؤلاء لى ولوكانوا على شىء كانوا عليه لا يلزمنى التنقيب عنهم والبحث والفحص انما على أن أقبل منهم تصديقهم اياى ، " إِنۡ حِسَابُهُمۡ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّيۖ لَوۡ تَشۡعُرُونَ " انى أكل سرائرهم الى الله عزوجل لو أن لكم بشعور من ذلك ،’" وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " رفض نوح عليه السلام أن يبعد عنه من آمن به واتبعه بعد أن سألوا منه كبار قومه أن يبعدهم عنه ويتابعوه  ، " إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِين " وقال نوح عليه السلام انما أنا بعثت نذيرا فمن أطاعنى واتبعنى وصدقنى كان منى وأنا منه سواء أكان شريف أووضيعا ، جليلا أوحقيرا .

قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمَرۡجُومِينَ ١١٦ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ ١١٧ فَٱفۡتَحۡ بَيۡنِي وَبَيۡنَهُمۡ فَتۡحٗا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١٨ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ ١١٩ ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا بَعۡدُ ٱلۡبَاقِينَ ١٢٠ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ١٢١ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ١٢٢

لما طال مقام نبى الله نوح بين أظهرقومه يدعوهم الى الله تعالى ليلا ونهارا وسرا وجهرا وكلما كرر عليهم الدعوة صمموا على الكفر الغليظ والامتناع الشديد وهددوه " قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمَرۡجُومِينَ " هدده الكفار من قومه بالرجم ان لم ينتهى من دعوته اياهم الى دينه ، "  قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ " دعا نوح عليه السلام على قومه دعوة استجاب الله لها منه بعد أن اشتد تكذيبهم له فقال " فَٱفۡتَحۡ بَيۡنِي وَبَيۡنَهُمۡ فَتۡحٗا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " سأل نوح عليه السلام ربه أن يجعل له مخرجا وينجيه ومن معه من المؤمنين ويهلك الكافرين ويجعل له النصر والغلبة كما قال فى آية أخرى " فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر " ، " فَأَنجَيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ " أنجى الله نوح عليه السلام ومن اتبعه بعد أن أمره بصنع سفينته وأن يحمل فيها من كل شىء زوجين اثنين ، " ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا بَعۡدُ ٱلۡبَاقِينَ " أغرق الله الباقين من الكفار الذين لم يتبعوا نوحا عليه السلام وأهلكهم استجابة لدعوة نوح عليه السلام ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة" فى هذا الاهلاك لقوم نوح لعبرة لمن يعتبر ، " وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ " ورغم ذلك فان أكثر الناس مشركين كفار لا يؤمنون يما جاء به الرسل ، " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ "وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيز " أى عز كل شىء وقهره وغلبه ، " ُ ٱلرَّحِيمُ " أى بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، وقال أبو العالية وغيره : العزيز فى نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره ، وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب اليه وأناب . 

كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٢٣ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٢٤ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ ١٢٥ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٢٦ وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٢٧ أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةٗ تَعۡبَثُونَ ١٢٨ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ ١٢٩ وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِينَ ١٣٠ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٣١ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيٓ أَمَدَّكُم بِمَا تَعۡلَمُونَ ١٣٢ أَمَدَّكُم بِأَنۡعَٰمٖ وَبَنِينَ ١٣٣ وَجَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ ١٣٤ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ ١٣٥

ينتقل الله تعالى للحديث عن قوم عاد واخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام أنه دعا قومه عادا وكان قومه يسكنون الأحقاف وهى جبال الرمل قريبا من حضرموت من جهة بلاد اليمن وكان زمانهم بعد قوم نوح كما قال فى سورة الأعراف " واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة " وذلك أنهم كانوا فى غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد والطول المديد والأرزاق والأموال والجنات والأنهار والأبناء والزروع والثمار وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه فبعث الله هودا اليهم رجلا منهم رسولا وبشيرا ونذيرا فدعاهم الى الله وحده وحذرهم نقمته وعذابه فى مخالفته وبطشه وكما كان الحال مع نوح كان الحال مع هود عليه السلام  " كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " نزل الله تكذيب عاد لما أرسل به عبده ورسوله هود عليه السلام منزلة تكذيبهم جميع الرسل لأن رسالة الرسل واحدة فمن كذب واحد منهم فكأنما كذبهم جميعا ، " إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ " أمر هود عليه السلام قومه بتقوى الله وترك ما هم عليه من شرك وعبادة الأصنام ،" إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِين" قال هود عليه السلام لقومه أنه رسول الله اليهم أمين فيما بعثه الله به يبلغهم رسالات ربه ولا يزيد فيها ولا ينقص منها ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ "أمر هود عليه السلام قومه بطاعة الله ، " وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " وهو لا يطلب منهم جزاء نصحه لهم بل يدخر ثوابه عند الله ، " أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَة " اختلف المفسرون فى الريع وحاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة يبنون هناك بنيانا محكما هائلا باهرا آية أى علما بناءا مشهورا ، " تَعۡبَثُونَ " انما تفعلون ذلك عبثا لا للاحتياج اليه بل لمجرد اللعب واللهو واظهار القوة ، أنكر عليهم نبيهم فعلهم لأنه تضييع للزمان واتعاب للأبدان فى غير فائدة واشتغال بما لا يجدى فى الدنيا ولا فى الآخرة ، " وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ " قال مجاهد المصانع البروج المشيدة والبنيان المخلد يتخذونها كما يعتقدون لكى يقيموا فيها أبدا وذلك ليس بحاصل بل زائل عنهم كما زال عن من قبلهم ، " وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِينَ " يصفهم بالقوة والبطش والجبروت والغلظة ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ " يأمرهم هود عليه السلام أن يعبدوا ربهم ويطيعوا رسولهم ، " وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيٓ أَمَدَّكُم بِمَا تَعۡلَمُونَ " شرع هودعليه السلام يذكر قومه بنعم الله عليهم التى يعلمونها واضحة أمامهم ، "  أَمَدَّكُم بِأَنۡعَٰمٖ وَبَنِينَ " الله رزقهم بالأموال والأولاد والأنعام ، "   وَجَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ " وأنعم الله عليهم بالجنات التى فيها من كل الثمرات وعيون الماء الدافق العذب ، " إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيم " عبر هود عليه السلام عن خوفه على قومه من عذاب الله الشديد .

 قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَٰعِظِينَ ١٣٦ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا خُلُقُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣٧ وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ ١٣٨ فَكَذَّبُوهُ فَأَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣٩ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ١٤٠

يخبر الله تعالى عن  رد فعل قوم هود بعدما حذرهم وأنذرهم ورغبهم ورهبهم وبين لهم الحق ووضحه"قَالُوا ْ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَٰعِظِينَ " قالوا له سواء أوعظت أم لم تعظ أى نصحتنا وأرشدتنا أو لم ترشدنا لن نرجع عما نحن عليه كما قال " وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين " وكقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ، " إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا خُلُقُ ٱلۡأَوَّلِينَ " ردوا على هود عليه السلام أن هذا الذى جئتنا به هو دين الأولين من الآباء والأجداد ، "  وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ " ونحن تابعون لهم سالكون وراءهم نعيش كما عاشوا ونموت كما ماتوا ولا بعث ولا معاد، كما قال " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرةوأصيلا " وكقوله " واذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ، " فَكَذَّبُوهُ فَأَهۡلَكۡنَٰهُمۡ " فاستمروا على تكذيبهم نبى الله هود عليه السلام ومخالفته وعناده فأهلكهم الله وقد بين الله سبب اهلاكهم فى غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية أى شديدة الهبوب ذات برد شديد جدا فكان سبب اهلاكهم من جنسهم فانهم كانوا أعتى شىء وأجبره فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة كقوله " فأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية - الى قوله - حسوما _ أى كاملة - فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية " أى بقوا أبدانا بلا رؤوس وذلك أن الريح كانت تأتى الرجل منهم فتقلعه وترفعه فى الهواء ثم تنكسه ثم تنكسه فتكسر رأسه وتلقيه كأنهم أعجاز نخل منقعر ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة" ان فى اهلاك قوم عاد لعبرة ،" وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ " ورغم ذلك فان أكثر الناس مشركين كفار لا يؤمنون يما جاء به الرسل ، " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ" وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ "وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيز " أى عز كل شىء وقهره وغلبه ، " ُ ٱلرَّحِيمُ " أى بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، وقال أبو العالية وغيره : العزيز فى نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره ، وقال سعيد بن جبير: الرحيم بمن تاب اليه وأناب.

كَذَّبَتۡ ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٤١ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٤٢ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ ١٤٣ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٤٤ وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٤٥

هذا اخبار من الله عز وجل عن عبده ورسوله صالح عليه السلام أن الله بعثه الى قومه ثمود وكانوا عربا يسكنونمدينة الحجر التى بين وادى القرى وبلاد الشام ومساكنهم معروفة مشهورة وفى سورة الأعراف حديث عنهم وكانوا بعد عاد وقبل الخليل عليه السلام فدعاهم صالح عليه السلام كما دعا نوح عليه السلام قومه وكما دعا هود عليه السلام قومه الى عبادة الله " كَذَّبَتۡ ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " نزل الله تكذيب ثمود لما أرسل به عبده ورسوله صالح عليه السلام منزلة تكذيبهم جميع الرسل لأن رسالة الرسل واحدة فمن كذب واحد منهم فكأنما كذبهم جميعا "  إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ " أمر صالح  عليه السلام قومه بتقوى الله وترك ما هم عليه من شرك وعبادة الأصنام ، " إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِين" قال صالح عليه السلام لقومه أنه رسول الله اليهم أمين فيما بعثه الله به يبلغهم رسالات ربه ولا يزيد فيها ولا ينقص منها ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ "أمر هود عليه السلام قومه بطاعة الله ، "وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ وهو لا يطلب منهم جزاء نصحه لهم بل يدخر ثوابه عند الله .

أَتُتۡرَكُونَ فِي مَا هَٰهُنَآ ءَامِنِينَ ١٤٦ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ ١٤٧ وَزُرُوعٖ وَنَخۡلٖ طَلۡعُهَا هَضِيمٞ ١٤٨ وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا فَٰرِهِينَ ١٤٩ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٥٠ وَلَا تُطِيعُوٓاْ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ ١٥١ ٱلَّذِينَ يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ ١٥٢

" أَتُتۡرَكُونَ فِي مَا هَٰهُنَآ ءَامِنِينَ " يقول صالح عليه السلام واعظا لقومه ومحذرهم مننقم الله أن تحل بهم ومذكرا بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من معيشة آمنة وأمن من المحذورات ، " فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُون" الله فجر لهم العيون الجاريات وأخرج لهم من الجنات ، "وَزُرُوعٖ وَنَخۡلٖ طَلۡعُهَا هَضِيم"ومن الزروع والثمرات ومن النخيل ما أينع وبلغ فهو هضيم وقال أبن عباس اذا رطب واسترخى وقال قتادة الهضيم الرطب اللين وقال الضحاك اذا كثر حمل الثمرة وركب بعضها بعضا فهو هضيم وقال الحسن البصرى هو الذى لا نوى له ، " وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا فَٰرِهِينَ "قال أبن عباس فارهين شرهين أشرين فانهم كانوا ينحتونتلك البيوت فى الجبال أشرا وبكرا وعبثا من غير حاجة الى سكناها وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم  ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ " أمر صالح عليه السلام قومه بتقوى الله واتباعه وتركما هم عليه من الشرك وعبادة الأصنام ، " وَلَا تُطِيعُوٓاْ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ " نهاهم عن طاعة المفسدين الدعاة لهم الى الشرك والكفر ومخالفة الحق من رؤساءهم وكبراءهم ، " ٱلَّذِينَ يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ " هؤلاء الكفار مفسدون فى الأرض يدعون الى الكفر والمعصية وهم بعيدون عن الاصلاح .

قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ ١٥٣ مَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا فَأۡتِ بَِٔايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١٥٤ قَالَ هَٰذِهِۦ نَاقَةٞ لَّهَا شِرۡبٞ وَلَكُمۡ شِرۡبُ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ ١٥٥ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَظِيمٖ ١٥٦ فَعَقَرُوهَا فَأَصۡبَحُواْ نَٰدِمِينَ ١٥٧ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ١٥٨ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ١٥٩

" قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ " يقول تعالى مخبرا عن ثمود فى جوابهم لنبيهم صالح عليه السلام حين دعاهم الى عبادة الله عز وجل له أنه مسحور لا عقل له ، " مَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا " أنت بشر مثلنا فكيف أوحى اليك دوننا ، " فَأۡتِ بَِٔايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " أقترحوا عليه آية يأتيهم بها ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم وقد اجتمع ملأهم وطلبوا منه أن يخرج لهم صخرة عندهم ناقة عشراء لها صفات كذا وكذا ، فعند ذلك أخذ عليهم نبى الله صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الى ما سألوه ليؤمنن به وليتبعنه فأعطوه ذلك فدعا الله عز وجل فانفطرت الصخرة التى أشاروا اليها عن ناقة عشراء على الصفة التى وصفوها فآمن بعضهم وكفر أكثرهم ، "  قَالَ هَٰذِهِۦ نَاقَةٞ لَّهَا شِرۡبٞ وَلَكُمۡ شِرۡبُ يَوۡمٖ مَّعۡلُوم" وقال لهم الناقة ترد ماءكم يوما ويوما تردونه أنتم ، " وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَظِيم" حذرهم صالح عليه السلام نقمة الله ان أصابوها بسوء ، فمكثت الناقة بين أظهرهم حينا من الدهر ترد الماء وتأكل الورق والمرعى وينتفعون بلبنها يحلبون منها ما يكفيهم شربا وريا ، "  فَعَقَرُوهَا فَأَصۡبَحُواْ نَٰدِمِينَ " فلما طال عليهم الأمد وحضر أشقاهم تمالؤا على قتلها وعقرها فأصابهم الندم على ما فعلوا ،" فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ "وحل بهم العذاب وهو أن أرضهم زلزلت زلزالا شديدا وجاءتهم الصيحة العظيمة التى اقتلعت القلوب من محالها وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون وأصبحوا فى ديارهم جاثمين ، "  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة" فيم حدث لثمود وما وقع بهم من هلاك عيرة ،"  وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ "" ورغم ذلك فان أكثر الناس مشركين كفار لا يؤمنون يما جاء به الرسل ، " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ" "وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيز " أى عز كل شىء وقهره وغلبه ، " ُ ٱلرَّحِيمُ " أى بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، وقال أبو العالية وغيره : العزيز فى نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره ، وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب اليه وأناب . 

 كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٦٠ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٦١ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ ١٦٢ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٦٣ وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٤

يتحدث الله تعالى مخبرا عن عبده ورسوله لوط عليه السلام وهو أبن أخ ابراهيم الخليل عليه السلام وكان الله قد بعثه الى أمة عظيمة فى حياة ابراهيم عليهما السلام وكانوا يسكنون سدوم وأعمالها التى أهلكها الله عز وجل وجعل مكانها بحر هو البحر الميت لا حياة فيه شديد الملوحة دعاهم الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له وأن يطيعوا رسولهم فقال "  كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " نزل الله تكذيب قوم لوط لما أرسل به عبده ورسوله لوط عليه السلام منزلة تكذيبهم جميع الرسل لأن رسالة الرسل واحدة فمن كذب واحد منهم فكأنما كذبهم جميعا "  إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ " أمر لوط عليه السلام قومه بتقوى الله وترك ما هم عليه من شرك وعبادة الأصنام ومن اتيان الفاحشة التى لم يسبقهم أحد اليها ، " إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِين" قال لوط عليه السلام لقومه أنه رسول الله اليهم أمين فيما بعثه الله به يبلغهم رسالات ربه ولا يزيد فيها ولا ينقص منها ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ " أمر لوط عليه السلام قومه بتقوى الله  وبطاعتة فيما أنزل الله اليه وبعثه ، "وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ" وهو لا يطلب منهم جزاء نصحه لهم بل يدخر ثوابه عند الله رب العالمين  .

أَتَأۡتُونَ ٱلذُّكۡرَانَ مِنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٥ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ ١٦٦ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُخۡرَجِينَ ١٦٧ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلۡقَالِينَ ١٦٨ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهۡلِي مِمَّا يَعۡمَلُونَ ١٦٩ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ ١٧٠ إِلَّا عَجُوزٗا فِي ٱلۡغَٰبِرِينَ ١٧١ ثُمَّ دَمَّرۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ ١٧٢ وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِينَ ١٧٣ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ١٧٤ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ١٧٥

" أَتَأۡتُونَ ٱلذُّكۡرَانَ مِنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ " نهى نبى الله لوط عليه السلام قومه عن ارتكاب الفواحش وغشيانهم الذكور ، " وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ" أرشدهم الى اتيان نسائهم اللاتى خلقهن الله لهم ، " بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ " ولكنهم قوم متعدون لحدود الله معتدين عليها مجاوزين لها ، " قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُخۡرَجِينَ " رد عليه قومه بانه ان لم ينته عن ما جاءهم به ليخرجوه من بينهم وينفونه من بين أظهرهم كما قال تعالى " فما كان جواب قومه الا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم انهم أناس يتطهرون " ، " قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلۡقَالِينَ " لما رأى لوط عليه السلام أن قومه لا يرتدعون عما هم فيه وأنهم مستمرون على ضلالهم تبرأ منهم وقال لهم انى مبغض وكاره أشد الكراهية  لما تعملونه من فاحشة   ، " رَبِّ نَجِّنِي وَأَهۡلِي مِمَّا يَعۡمَلُونَ " دعا لوط عليه السلام ربه أن يهلك هؤلاء القوم وينجيه منهم ومن شر أعمالهم هو وأهله ، "  فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ " استجاب الله لدعاء نبيه لوط عليه السلام فنجاه هو وأهله أجمعين ، " إِلَّا عَجُوزٗا فِي ٱلۡغَٰبِرِينَ *  ثُمَّ دَمَّرۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ " ولكن الله أهلك امرأة لوط عليه السلام وكانت عجوز سوء بقيت فهلكت مع من بقى من قومها وذلك كما أخبر الله تعالى عنهم فى سورة الأعراف وهود وفى الحجر حين أمره الله أن يسرى أى يخرج ليلا بأهله الا امرأته وأنهم لا يلتفتون اذا سمعوا الصيحة حين تنزل على قومه ، " وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِينَ " أهلك الله قوم لوط بأن أمطر عليهم حجارة من سجيل منضود ، "  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ " ورغم ذلك فان أكثر الناس مشركين كفار لايؤمنون بما جاء به الرسل  ،  "وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيز "وربك الله هو العزيز أى عز كل شىء وقهره وغلبه ، " ُ ٱلرَّحِيمُ " والله هو الرحيم  أى بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، وقال أبو العالية وغيره : العزيز فى نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره ، وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب اليه وأناب . 

كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لَۡٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٧٦ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ شُعَيۡبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٧٧ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ ١٧٨ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٧٩ وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٨٠ ۞

" كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لَۡٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ " أصحاب الأيكة هم أهل مدين على الصحيح ولم يقل هنا أخوهم شعيبا لأنهم نسبوا الى عبادة الأيكة وهى شجرة  وقيل شجر ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها ومن يكذب رسول فقد كذب الرسل جميعا ، "   إِذۡ قَالَ لَهُمۡ شُعَيۡبٌ أَلَا تَتَّقُونَ " لم يقل أخوهم فقطع نسب الاخوة بينهم للمعنى الذى نسبوا اليه وان كان أخاهم نسبا ومن الناس من لم يفطن الى ذلك فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين فوعم أن شعيبا غليه السلام بعثه الله الى أمتين ومنهم من قال ثلاث أمم وقال قتادة " وأصحاب الرس " هم قوم شعيب وقال اسحاق بن بشر أصحاب الايكة ومدين هما واحد ، " إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِين"  فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ قال شعيب عليه السلام لقومه أنه رسول الله اليهم أمين فيما بعثه الله به يبلغهم رسالات ربه ولا يزيد فيها ولا ينقص منها ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ " أمر لوط عليه السلام قومه بتقوى الله  وبطاعتة فيما أنزل الله اليه وبعثه ، "وَمَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ" وهو لا يطلب منهم جزاء نصحه لهم بل يدخر ثوابه عند الله رب العالمين  .

 أَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُخۡسِرِينَ ١٨١ وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِيمِ ١٨٢ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ ١٨٣ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلۡجِبِلَّةَ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٨٤

أمر شعيب عليه السلام قومه بايفاء المكيال والميزان ونهاهم عن التطفيف فيهما " أَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُخۡسِرِينَ " يقول لذا دفعتم للناس فكملوا الكيل لهم ولا تبخسوا الكيل فتعطوه ناقصا وتأخذوه ، اذا كان لكمتاما وافيا ولكن خذوا كما تعطون واعطوا كما تأخذون ، " وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِيمِ " القسطاس هو الميزان وقيل هو القبان وقال بعضهم هومعرب من الرومية وقال مجاهد القسطاس المستقيم هو العدل بالرومية وقال قتادة القسطاس العدل يأمرهم أن يوفوا بالميزان بالعدل ، " وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ " يأمرهم  شعيب عليه السلام أن لاينقصوا الناس أموالهم ، " وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ " يأمر شعيب عليه السلام قومه بعدم نشر الفساد فى الأرض ويعنى ما كانوا عليه من قطع الطريق كما قال " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون " ، " وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلۡجِبِلَّةَ ٱلۡأَوَّلِين " أمر شعيب عليه السلام قومه بتقوى الله ويخوفهم من بأس الله الذى خلقهم وخلق آباءهم الأوائل كما قال موسى عليه السلام " ربكم ورب آبائكم الأولين " .

 قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ ١٨٥ وَمَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ١٨٦ فَأَسۡقِطۡ عَلَيۡنَا كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١٨٧ قَالَ رَبِّيٓ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨٨ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٍ ١٨٩ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ١٩٠ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ١٩١

قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ " يخبر الله تعالى عن جواب قوم شعيب عليه السلام له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها تشابهت قلوبهم يقول تعالى مخبرا عن عاد فى جوابهم لنبيهم شعيب عليه السلام حين دعاهم الى عبادة الله عز وجل له أنه مسحور لا عقل له ، " مَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا " أنت بشر مثلنا فكيف أوحى اليك دوننا ، ، " وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ " انا نعتقد أنك كاذب تتعمد الكذب لم يوحى اليك فيما قلت بأن الله قد أرسلك الينا ، " فَأَسۡقِطۡ عَلَيۡنَا كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " تحدوه ان كان صادقا أن أن يسقط عليهم جانبا من السماء وقال قتادة قطعا من السماء وقال السدى عذابا من السماء وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر الله عنهم فى قوله " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا -- الى أن قالوا - أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالملائكة قبيلا " وكقوله " واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " ، "  قَالَ رَبِّيٓ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ " يقول شعيب عليه السلام الله أعلم بكم فان كنتم تستحقون ذلك جازاكم به وهو غير ظالم لكم ، " فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ " وقع بهم جنس ما كانوا يسالون جزاءا وفاقا من اسقاط الكسف عليهم فجعل الله عقوبتهم أن أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام لا يكنهممنه شىء ثم أقبلت سحابة أظلتهم فجعلوا ينطلقون اليها يستظلون بظلها من الحر فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله عليهم منها شررا من نار ولهبا ووهجا عظيما ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم لهذا قال تعالى"  إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٍ " أى يوم عذابه كبير شديد أليم وقد ذكر الله تعالى صفة اهلاكهم فى ثلاثة مواطن كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ففى الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين وذلك لأنهم قالوا " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن فى ملتنا " فأرجفوا نبى الله ومن معه فأخذتهم الرجفة وفى سورة هود قال " فأخذتهم الصيحة " وذلك لأنهم استهزؤا بنبى الله فى قولهم " أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاء انك لأنت الحليم الرشيد " قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم فقال " فأخذتهم الصيحة " وهنا قالوا " فأسقط علينا كسفا من السماء " على وجه التعنت والعناد فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه وقال عبد الله بن عمر ان الله سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شىء ثم ان الله أنشأ لهم سحابة فانطلق اليها أحدهم فاستظل بها فأصاب تحتها بردا وراحة فأعلم بذلك قومه فأتوا جميعا فاستظلوا تحتها فأججت عليهم نارا وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : بعث الله اليهم الظلة حتى اذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة وأحمى عليهم الشمس فاحترقوا كما يحترق الجراد فى المفلى  ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة" ان ما حدث لعاد لغبرة ودليل على قدرة الله ، " وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ " ورغم ذلك فان أكثر الناس كفار لايؤمنون بالله وما أرسل به الرسل ، "وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيز " أى عز كل شىء وقهره وغلبه ، " ُ ٱلرَّحِيمُ " أى بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، وقال أبو العالية وغيره : العزيز فى نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره ، وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب اليه وأناب . 

وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ ١٩٥

" وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يقول الله تعالى عن القرآن أنه أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، " نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ " انزله وأوحاه الروح الأمين وهو جبريل عليه السلام وهذا كقوله " قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه " ، " عَلَىٰ قَلۡبِكَ " أنزل القرآن سالما من الدنس والزيادة والنقص وأوحاه الى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يراجعه عليه ، " لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ " أنزل القرآن لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه وتبشر به المؤمنين المتبعين له ، " بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِين " هذا القرآن أنزل باللسان العربى الفصيح الكامل الشامل ليكون بينا واضحا ظاهرا قاطعا للعذر مقيما للحجة دليلا الى المحجة .

وَإِنَّهُۥ لَفِي زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٩٦ أَوَ لَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُۥ عُلَمَٰٓؤُاْ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ١٩٧ وَلَوۡ نَزَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ ١٩٨ فَقَرَأَهُۥ عَلَيۡهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ ١٩٩

" وَإِنَّهُۥ لَفِي زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِينَ "الزبر هنا هى الكتب جمع زبرة وكذلك الزبور هوكتاب داود عليه السلام وقال تعالى " وكل شىء فعلوه فى الزبر " أى مكتوب عليهم فى صحف الملائكة  يقول الله تعالى ان ذكر هذا القرآن والتنويه به لموجود فى كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم الذين بشروا به فى قديم الدهر وحديثه كما أخذ الله عليهم الميثاق بذلك كما فى قوله " واذ قال عيسى أبن مريم يا بنى اسرائيل انى رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد " ، "  أَوَ لَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُۥ عُلَمَٰٓؤُاْ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ " أو ليس يكفيكم من الشاهد الصادق على ذلك أن العلماء من بنى اسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن فى كتبهم التى يدرسونها والمراد العدول منهم الذين يعترفون بما فى أيديهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه وأمته كما أخبر بذلك من آمن منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسى عمن أدركه منهم ومن شاكلهم قال تعالى " الذين يتبعون الرسول النبى الأمى " ، " وَلَوۡ نَزَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ * فَقَرَأَهُۥ عَلَيۡهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ " قال تعالى مخبرا عن شدة كفر قريش وعنادهم لهذا القرآن أنه لو نزل على رجل من الأعاجم ممن لا يدرى من العربية كلمة وأنزل هذا الكتاب ببيانه وفصاحته عليه لايؤمنون به.   

كَذَٰلِكَ سَلَكۡنَٰهُ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٢٠٠ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ٢٠١ فَيَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ٢٠٢ فَيَقُولُواْ هَلۡ نَحۡنُ مُنظَرُونَ ٢٠٣ أَفَبِعَذَابِنَا يَسۡتَعۡجِلُونَ ٢٠٤ أَفَرَءَيۡتَ إِن مَّتَّعۡنَٰهُمۡ سِنِينَ ٢٠٥ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ ٢٠٦ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ ٢٠٧ وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ٢٠٨ ذِكۡرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٢٠٩

كَذَٰلِكَ سَلَكۡنَٰهُ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ " يقول تعالى سلكنا أى أدخلنا التكذيب والكفر والجحود والعناد فى قلوب الكفار الذين أجرموا بكفرهم فى حق الله وفى حق أنفسهم فليس هناك جرم أكثر من الكفر والجحود ، " لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ " هؤلاء الكفار لايؤمنون بالحق الا حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار، " فَيَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ " يستمر هؤلاء الكفار فى كفرهم وعنادهم حتى يقع عليهم عذاب الله مباغتا لهم مفاجئا ، " فَيَقُولُواْ هَلۡ نَحۡنُ مُنظَرُونَ " حين يقع العذاب ويأتى أمر الله ويوم الحساب يتمنى الكفارحين يشاهدونالعذاب أن لو أمهلوا قليلا ليعملوا فى زعمهم بطاعة الله كما قال تعالى " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب - الى قوله - ما لكممنزوال " فكل كافر وفاجر اذا شاهد عقوبته ندم ندما شديدا وهذا فرعون لما دعا عليه موسى عليه السلام بقوله " ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا فى الحياة الدنيا - الى قوله - قال قد أجيبت دعوتكما " لم يؤثر ذلكفى فرعون فما آمن حتى رأى العذاب الأليم " حجتى اذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل - الى قوله _ وكنت من المفسدين " وقال تعالى " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده " ،" أَفَبِعَذَابِنَا يَسۡتَعۡجِلُونَ " انكار على الكفار وتهديد لهم وهم يتحدون الرسول صلى الله عليه وسلم ويستعجلون عذاب الله وهم لا يعلمون قدرته فانهم كانوا يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم تكذيبا واستبعادا أئتنا بعذاب الله كما قال تعالى " ويستعجلونك بالعذاب " ، " أَفَرَءَيۡتَ إِن مَّتَّعۡنَٰهُمۡ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ " يقول الله تعالى لو أخرناهم وأنظرناهم وأمليناهم برهة من الدهر وحينا من الزمن وان طال ثمجاءهم أمر الله أى شىء يجدى عنهم ما كانوا فيه من النعيم كقوله تعالى " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية أو ضحاها " وقال تعالى " يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر " وكقوله " وما يغنى عنه ماله اذا تردى " ، " وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ " يخبر الله تعالى عن عدله فى خلقه أنه ما أهلك أمة من الأمم الا بعد الاعذار اليهم والانذار لهم وبعثه الرسل اليهم وقيام الحجة عليهم ، " ذِكۡرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَٰلِمِينَ " هذا تذكير لهم وماكان الله ليظلم أحدا وما كان معذب أحدا حتى يبعث رسولا كقوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " .

وَمَا تَنَزَّلَتۡ بِهِ ٱلشَّيَٰطِينُ ٢١٠ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُمۡ وَمَا يَسۡتَطِيعُونَ ٢١١ إِنَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّمۡعِ لَمَعۡزُولُونَ ٢١٢

" وَمَا تَنَزَّلَتۡ بِهِ ٱلشَّيَٰطِينُ " يقول الله تعالى مخبرا عن كتابه العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ملا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ذكر أنه نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام المؤيد من الله ثم ذكر أنه يمتنع عن الشياطين من ثلاثة أوجه أحدهما أنه ما ينبغى لهم أى ليس هو من بغيتهم ولا من طلبتهم لأن من سجاياهم الفساد واضلال العباد وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ونور وهدى وبرهان عظيم فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة ولهذا قال تعالى " وَمَا يَنۢبَغِي لَهُمۡ وَمَا يَسۡتَطِيعُونَ " أى ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك قال الله تعالى " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله "

، " إِنَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّمۡعِ لَمَعۡزُولُونَ " بين الله تعالى أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته لما وصلوا الى ذلك لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا فى مدة انزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخلص أحد من الشياطين الى استماع حرف ولميجدمنه لئلا يشتبه الأمر وهذا من رحجمة الله بعباده وحفظه لشرعه وتأييده لكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم فهم عن السمع معزولون كما قال تعالى مخبرا عن الجن " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " .

فَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُعَذَّبِينَ ٢١٣ وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ ٢١٤ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢١٥ فَإِنۡ عَصَوۡكَ فَقُلۡ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ٢١٦ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ٢١٧ ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ ٢١٨ وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ ٢١٩ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٢٢٠

" فَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُعَذَّبِينَ " يقول الله تعالى آمرا بعبادته وحده لا شريك له ومخبرا بأن من أشرك به عذبه ، "  وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ " يقول الله ععالى آمرا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين أى الأدنين اليه وأنه لا يخلص أحدا منهم الا ايمانه بربه عز وجل ، " وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يلين جانبه لمن اتبعه من عباد الله المؤمنين ، " فَإِنۡ عَصَوۡكَ فَقُلۡ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ " ومن عصاه من خلق الله كائنا من كان فليتبرا منه وهذه النذارة الخاصة لا تنافى العامة بل هى فرد من أجزائها كما قال تعالى " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " وقال تعالى " لتنذر أم القرى ومن حولها " وفى صحيح مسلم " والذىنفسى بيده لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودى ولا نصرانى ثم لا يؤمن بى الا دخل النار " وعن أبى هريرة قال : لما نزلت هذه الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص فقال " يامعشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بنى كعب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة بنت محمد أنقذى نفسك من النار ، فانى والله لا أملك لكم من الله شيئا الا أن لكم رحما سأبلها ببلالها " ، " وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ " يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فى جميع أموره فانه مؤيده وحافظه وناصره ومظفره ومعلى كلمته فهو العزيز الذى لا عز الا به وهو الرحيم بعباده  ، " ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ " الذى هو معتن بك كما قال تعالى " فاصبر لحكم ربك فانك بأعيننا " وقال أبن عباس " الذى يراك حين تقوم " يعنى الى الصلاة وقال عكرمة يرى قيامه وركوعه وسجوده وقال قتادة الذى يراك قائما وجالسا وعلى حالتك ، " وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ" قال قتادة يراك فى الصلاة وحدك ويراك فى الجمع ،"إِنَّهُۥ  هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ " الله هو السميع لأقوال عباده العليم بحركاتهم وسكناتهم كما قال تعالى " وما تكون فى شأن ما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه " .

هَلۡ أُنَبِّئُكُمۡ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ ٢٢١ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٖ ٢٢٢ يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ ٢٢٣ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ ٢٢٤ أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ ٢٢٦ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ ٢٢٧

يقول الله تعالى مخاطبا لمن زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحق وأنه شىء افتعله من تلقاء نفسه أو أنه أتاه به رئى من الجان فنزه الله سبحانه وتعالى جناب رسوله صلى الله عليه وسلم عن قولهم وافترائهم ونبه أنما جاء به انما هو من عند الله وأنه تنزيله ووحيه نزل به ملك كريم أمين عظيم وأنه ليس من قبل الشياطين فانهم ليس لهم رغبة فى مثل هذا القرآن العظيم وانما ينزلون على من يشلكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة " هَلۡ أُنَبِّئُكُمۡ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم " قال تعالى هل أخبركم على من تتنزل الشياطين هى تنزل على كل كذوب فى قوله وهو الأفاك والأثيم الفاجر فى أفعاله فهذا هو الذى تنزل عليه الشياطين من الكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة فان الشياطين أيضا كذبة فسقة  ، "  يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ " الشياطين يسترقون السمع من السماء فيسمعون الكلمة من علم الغيب فيزيدون معها مائة كذبة ثم يلقونها الى أوليائهم من الانس فيحدثون بها فيصدقهم الناس فى كل ما قالوه بسبب صدقهم فى تلك الكلمة التى سمعت من السماء كما صح بذلك الحديث وعن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان الملائكة تحدث فى العنان - والعنان الغمام - بالأمر فى الأرض فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها فى أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة " ، عن أبن عباس أنهكان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليهوسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين وأنهما تهاجيا فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فقال الله تعالى  " وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ * أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ "  وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ "  وقال عكرمة كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس ولهذا فئام من الناس فأنزل الله الآية وعن أبى سعيد قال : بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج اذ عرض شاعر ينشد فقال النبى صلى الله عليه وسلم " خذوا الشيطان - أو - أمسكوا الشيطان لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا " وقال أبن عباس يعنى الكفار يتبعهم ضلال الانس والجن ، " أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ " قال أبن عباس فى كل لغو يخوضون وقال الحسن البصرى قد والله رأينا أوديتهم التى يخوضون فيها مرة فى شتيمة فلان ومرة فى مديحة فلان وقال قتادة : الشاعر يمدح قوما بباطل ويذم قوما بباطل ،   " وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ " قال أبن عباس أكثر قولهم يكذبون فيه وما قاله أبن عباس هو الواقع فان الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم فيتكثرون بما ليس لهم ، " إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا "يستثنى من ذلك من آمنوا وعملوا الصالحات وقيل معناه ذكروا الله كثيرا فى كلامهم وقيل فى شعرهم ويدخل فى هذا الاستثناء شعراء الانصار وغيرهم حتى يدخل فيه منكان متلبسا من شعراء الجاهلية بذم الاسلام وأهله ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحا وذكر الله كثيرا فى مقابلة ما تقدم من الكلام السىء فان الحسنات يذهبن السيئات وامتدح الاسلام وأهله فى مقابلة ما كان يذمه وكان سفيان بن الحارث بن عبد المطلب من أشد الناس عداوة للنبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه وأكثرهم لههجوا فلما أسلم لم يكن أحد أحب اليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كما كان يهجوه ويتولاه بعد ما كان قد عاداه ، "وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ" قال أبن عباس يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين وثبت فى الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لحسان " اهجهم - أو قال - هاجهم وجبريل معك " وعن عبد الرحمن بنكعب بنمالك عن أبيه أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم " ان الله عز وجل قد أنزل فى الشعراء ما أنزل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذى نفسى بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " " وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ " يعنى من شعراء وغيرهم وقيل المراد بهم أهل مكة وقيل الذين ظلموا من المشركين والصحيح أن الآية عامة فى كل ظالم فالله يهدد ويتوعد من ظلم وتجاوز الحد بالقول والفعل أن مصيرهم يرجعون الى الله وينقلبون اليه وهنا سيصيبهم سوء المنقلب والعاقبة وسوء الحساب بعد الموت ويوم القيامة وهذا كقوله تعالى " يوم لا ينفع الظالمينمعذرتهم " وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اياكم والظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة " .

الجزء التاسع عشر

تفسير سورة النمل

سورة مكية فيها سمات السور المكية من ذكر لسير الأنبياء لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فى مواجهة المشركين فى مكة وكيف نصرهم الله وفيها ذكر للآيات الدالة على قدرة الله فى الكون وتناقش قضية الايمان والكفر  .

طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ ١ هُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُمۡ يَعۡمَهُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ وَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ ٥ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦

" طسٓ " تقدم الكلام فى سورة البقرة عن الحروف المقطعة فى أوائل السور ، " تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ " يتحدث الله تعالى عن آيات القرآن الكريم وعن القرآن أنه كتاب واضح بين فيه من آيات الهدى والحق ، " هُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ " هذا القرآن تحصل به الهداية والبشارة لمن آمن به واتبعهوصدقه وعمل بما فيه ، " ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ " من صفات المؤمنين أنهم يقيمون الصلاة المكتوبة ويأتون الزكاة المفروضة ويقنون بالدار الآخرة والبعث بعد الموت والجزاء على الأعمال خيرها وشرها والجنة والنار كما قال تعالى " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذينلا يؤمنون فى آذانهم وقر " ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُمۡ يَعۡمَهُونَ " يتحد ث الله عن الذين لايؤمنون بالآخرة ويكذبون بها ويستبعدون وقوعها حسن الله لهم ما فى الدنيا من عمل وأمدهم فى غيهم فهم يتيهون فى ضلالهم جزاء على ما كذبوا من الدار الآخرة كما قال تعالى " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " ، "  أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ وَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ " هؤلاء الكفار لهم سوء العذاب فى الدنيا والآخرة وفى الآخرة لا يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر ، " وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ " يقول الله لرسول محمد صلى الله عليهوسلم انك لتأخذ هذا القرآن وتتلقاه من عند حكيم عليم هو الله حكيم فى أمره ونهيه عليم بالأمور جليلها وحقيرها ، فخبره هو الصدق المحض وحكمه هو العدل التام كما قال تعالى " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " .

إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سََٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ ٧ فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٨ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٩ وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ ١٠ إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسۡنَۢا بَعۡدَ سُوٓءٖ فَإِنِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١١ وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖۖ فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ ١٢ فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَٰتُنَا مُبۡصِرَةٗ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ١٣ وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ١٤

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مذكرا له ما كان من أمر موسى عليه السلام " إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦ " اذكرحين سار موسى بأهله فأضل الطريق وذلك فى ليل وظلام ، "  إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سََٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ "قال أنه رأى من جانب الطور نارا تأجج وتضطرم وأنه سيأتى بخبر عن الطريق عندما يتوجه الى مكان هذه النار أو أنه سيأتى بقبس يستدفئون به من البرد ،" فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " لما أتى موسى عليه السلام النار ورأى منظرا عظيما هائلا حيث انتهى اليها ورفع رأسه فاذا نورها متصل بعنان السماء وقال أبن عباس لم تكن نارا وانما كانت نورا يتوهج نور رب العالمين فوقف متعجبا مما رأى فسمع نداء أن تقدس من هو فى هذه النار ومن حولها من الملائكة وتعالى الله وتنزه الذى يفعل ما يشاء ولا يشبهه شىء من مخلوقاته ولا يحيط به شىء من مصنوعاته وهو العلى العظيم المباين لجميع المخلوقات ولا يكتنفه الأرض والسموات بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات ، " يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " أعلم الله نبيه موسى عليه السلام أن الذى يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذى عز كل شىء وقهره وغلبه الحكيم فى أقواله وأفعاله ، " وَأَلۡقِ عَصَاكَ " أمر الله موسى عليه السلام أن يلقى عصاه من يده ليظهر له دليلا واضحا على أنه الفاعل المختار القادر على كل شىء ، " فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡ " لما ألقى موسى عليه السلام العصا من يده انقلبت فى الحال حية عظيمة هائلة فى غاية الكبر وسرعة الحركة فولى هاربا على عقبيه من الخوف ولم يلتفت  ، " يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ " هدأ الله من روع موسى عليه السلام وقال له لاتخف مما ترى فانى أريد أن أصطفيك رسولا وأجعلك نبيا وجيها ، " إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسۡنَۢا بَعۡدَ سُوٓءٖ فَإِنِّي غَفُورٞ رَّحِيم" هذا استثناء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر وذلك أن من عمل شيئا سيئا ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب فان الله يتوب عليه فهو الغفور الرحيم وهذا كقوله " وانى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "  ، " وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓء " هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله وذلك أن الله أمر موسى عليه السلام أن يدخل يده فى جيب درعه فاذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر بها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف ، "  فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦ" هاتان اثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن وأجعلهن برهانا لك الى فرعون وقومه ، " إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ " قوم فرعون خرجوا عن طاعة الله ، " فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَٰتُنَا مُبۡصِرَةٗ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِين" لما أتت الآيات الى قوم فرعون بينة واضحة ظاهرة قالوا عنها أنها من السحر الواضح وأرادوا معارضة موسى عليه السلام بسحرهم فغلبوا وانقلبوا صاغرين ،"وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗا " جحد قوم فرعون ما أتى به موسى عليه السلام من آيات فى ظاهر أمرهم وعاندوها وكابروها ظلما من أنفسهم واستكبارا عن اتباع الحق ، " فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ " يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم انظر يا محمد كيف كان عاقبة أمرهم فى اهلاك الله اياهم واغراقهم عن آخرهم وفحوى الخطاب يقول احذروا أيها المكذبون لمحمد الجاحدون لما جاء به من ربه أن يصيبكم ما أصاب قوم فرعون بطريق الأولى والأحرى فان محمدا صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من موسى وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده فى نفسه وشمائله وما سبفه من البشارات من الأنبياء به وأخذ المواثيق له .

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٥ وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ ١٦ وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٩

يقول الله تعالى مخبرا عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان عليهما السلام من النعم الجزيلة والمواهب الجليلة والصفات الجميلة وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة والملك والتمكين التام فى الدنيا والنبوة والرسالة فى الدين "وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " أتى الله داود وسليمان من بعده علما لم يؤته أحدا فى عصرهما فقابلا نعمة الله بالشكر على ما فضلهم به على الكثير من عباده المؤمنين ، " وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَ " ورث سليمان عليه السلام ملك أبيه داود عليه السلام من الملك والنبوة ، " وَقَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡر "ِ أخبر سليمان عليه السلام بنعم الله عليه فيما وهبه له من الملك التام والتمكين العظيم حتى أنه سخر له الانس والجن والطير وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضا وهذا شىء لم يعطه أحد من البشر أفهم الله تعالى سليمان ما يخاطب به الطيور فى الهواء وما تنطق به الحيوانات والبهائم على اختلافها ويعرف ما تقول " وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍ " يقول سليمان عليه السلام اعترافا بنعمة الله عليه أن الله أتاه كل شىء مما يحتاج اليه الملك ، " إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ " يشكر سليمان نعمة الله عليه وفضله الواضح عليه ويعترف بفضل الله الواضح عليه الظاهر البين ، " وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ " ركب سليمان عليه السلام فى جنوده من الجن والانس والطير فى أبهة وعظمة كبيرة وكان الانس هم الذين يلونه والجن وهم بعدهم فى المنزلة والطير ومنزلتها فوق رأسه فان كان حرا أظلته منه بأجنحتها ، " فَهُمۡ يُوزَعُونَ" أى يكف أولهم على آخرهم لئلا يتقدم أحد على منزلته التى هى مرتبة له وذلك كما يفعل موكب الملوك ،" حَتَّىٰٓ  إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ " حتى اذا مر سليمان عليه السلام بمن معه من الجيوش والجنود على وادى النمل أى مكان يعيش فيه النمل بكثرة ، "  قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ " خافت نملة على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها فأمرتهم بالدخول الى مساكنهم ، " فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ " ففهم سليمان عليه السلام ما قالت النملة وارتسمت البسمة على وجهه من حكمة هذا المخلوق الضئيل الذى لم يفهمه الا هو فشكر الله على ما أنعم عليه به من الفهم ومن تعليمه منطق الطير والحيوان وعلى سائر نعم الله عليه وعلى والديه من قبل بالاسلام له والايمان به وسأل الله أن يوفقه الى العمل الذى يحبه ويرضاه ويقربه منه ، " وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ " دعا سليمان عليه السلام ربه اذا توفاه أن يلحقه بالصالحين من عباده والرفيق الأعلى من أوليائه .

وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ ٢١

" وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ " لما تفقد سليمان عليه السلام الطير يوما بفلاة ليرى الهدهد لم يره فقال هل أخطأه بصرى من الطير أم غاب فلم يحضر ؟ ، "  لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِين " قال سليمانعليه السلام أنه ينتوى عقاب الهدهد الذى تخلف عن موكبه اما بالعذاب قيل بنتف ريشه وتركه ملقى على الأرض يأكله الذر والنمل أو يقتله اذا لم يأته بعذر واضح يبين فيه سبب تخلفه عن الحضور الى الموكب .

فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۢ بِنَبَإٖ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ ٢٣ وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ ٢٤ أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ ٢٥ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ۩ ٢٦ ۞

" فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيد" يقول الله تعالى أن الهدهد غاب زمنا يسيرا ثم جاء سليمان عليه السلام ، " فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِ " قال الهدهد لسليمان عليه السلام أطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، " وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۢ بِنَبَإٖ يَقِينٍ " وقال له أنهجاءهمن سبأ بخبر صدق حق يقين ، وسبأ هم حمير وهم ملوك اليمن ، " إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ " قال الهدهد أنه وجد من يحكمهم ملكة قال الحسن البصرى هى بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان وكانت بمأرب ،"  وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡء" قال الهدهد أوتيت كل شىء من متاع الدنيا مما يحتاج اليه الملك المتمكن ، " وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيم" وقال الهدهد أن لها سرير تجلس عليه هائل مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللآلىء وقال علماء التاريخ أن هذا العرش كان فى قصر عظيم مشيد رفيع البناء محكم ، "  وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّه " وجد الملكة وقومها يسجدون للشمس صباحا ومساءا ولا يعبدون الله ، "ِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ "وعقب الهدهد على ذلك أن هؤلاء القوم الذين لا يعبدون الله عملهم من عمل وفعل الشيطان الذى أبعدهم عن طريق الحق وعن طريق الهدى ، " أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ " هم لا يعرفون سبيل الحق التى هى اخلاص السجود لله محده دونما خلق من الكواكب وغيرها كما قال تعالى " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن ان كنتم اياه تعبدون " الله الذى يعلمكل خبيئة فى السماء والأرض ويعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من أقوال وأفعال وهذا كقوله " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " ، " ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ " الله الذى ليس فى المخلوقات أعظم منه له ملكوت السماء والأرض .

قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٢٧ ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ ٢٨ قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ إِنِّيٓ أُلۡقِيَ إِلَيَّ كِتَٰبٞ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣٠ أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَيَّ وَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ ٣١

" قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ " يقول الله تعالى مخبرا عن قيل سليمان عليه السلام للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم أنه سينظر فيما قاله ويرى ان كان صادقا أو كاذبا فى مقالته ليتخلص من الوعيد الذى أوعده ، "  ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ " كتب سليمان عليه السلام كتابا الى بلقيس وقومها وأعطاه الهدهد فحمله وجاء الى يلادهم فجاء الى قصر بلقيس الى الخلوة التى كانت تختلى فيها بنفسها فألقاه اليها من كوة بين يديها ثم تولى ناحية أدبا وسياسة فتحيرت مما رأت وهالها ذلك ثم عمدت الى الكتاب ففتحته وقرأته ، " قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ إِنِّيٓ أُلۡقِيَ إِلَيَّ كِتَٰبٞ كَرِيمٌ " قالت لقومها من حولها بعد أن جمعت أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها وقالت لهم أن طائرا ألقى اليها كتابا ثم تولى أدبا ثم قرأته عليهم وقرأت ما هو مكتوب فيه ، "  إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ " عرفوا أنه من سليمان عليه السلام وأنه لا قبل لهم به وهذا الكتاب فى غاية الوجازة والبلاغة والفصاحة وهو مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام ، " أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَيَّ وَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ " يوجه سليمان عليه السلام كلامه الى بلقيس وقومها أن لا يتجبروا عليه وأن يأتوه خاضعين مسلمين طائعين وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا تمتنعوا ولا تتكبروا على وائتونى مسلمين وقال أبن عباس موحدين وقال غيره مخلصين وقال سفيان بن عيينه طائعين.

قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَفۡتُونِي فِيٓ أَمۡرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ ٣٢ قَالُواْ نَحۡنُ أُوْلُواْ قُوَّةٖ وَأُوْلُواْ بَأۡسٖ شَدِيدٖ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَيۡكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأۡمُرِينَ ٣٣ قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ ٣٤ وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ ٣٥

" قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَفۡتُونِي فِيٓ أَمۡرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ " لما قرأت بلقيس كتاب سليمان عليه السلام استشارت من حولها فى أمرها وما قد نزل بها وطلبت منهم الادلاء برأيهم وانها لن تتخذا أمرا انفراديا حتى يحضرون ويشيرون عليها وهذا سبق فى الديمقراطية والشورى وهو نابع من حضارة سبأ ، "  قَالُواْ نَحۡنُ أُوْلُواْ قُوَّةٖ وَأُوْلُواْ بَأۡسٖ شَدِيد" أعلنوا عن تواليها بعددهم وقوتهم وعن استعدادهم للوقف من وراءها ، " وَٱلۡأَمۡرُ إِلَيۡكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأۡمُرِينَ " فوضوا اليها الأمر فى اتخاذ القرار المناسب لتأكدهم من حكمتها وطاعتهم لها وهم ليس لهم عاقة ولا بهم بأس وان شاءت أن تحارب فما لهم من عاقة وبعد هذا فالأمر اليك مرى فينا رأيك نمتثله ونطيعه  ، لما قالوا لها ما قالوا كانت أحزم رأيا ممن حولها وأعلم بأمر سليمان عليه السلام وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والانس والطير وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا  " قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ " قالت لهم انى أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه ويخلص اليها واليهم الهلاك والدمار فالملوك اذا دخلوا بلدا عنوة أفسدوه أى خربوه وقصدوا من فيه من الولاة والجنود فأهانوهم غاية الهوان اما بالقتل أو الأسر ، " وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ " عدلت الى المصالحة والمهادنة والمسالمة والمخادعة والمصانعة بان يبعث الى سليمان عليه السلام بهدية تليق بمثله وتنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك فلعله يقبل ذلك منهم ويكف عنهم أو يضرب عليهمخراجا تحمله اليه فى كل عام وتلتزم له بذلك ويترك قتالهم ومحاربتهم وقال قتادة ما كان أعقلها فى اسلامها وشركها ، علمت أ، الهدية تقع موقعا من الناس وقال ابن عباس وغيره قالت لقومها ان قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه وان لم يقبلها فهو نبى فاتبعوه .

فَلَمَّا جَآءَ سُلَيۡمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۚ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ ٣٦ ٱرۡجِعۡ إِلَيۡهِمۡ فَلَنَأۡتِيَنَّهُم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخۡرِجَنَّهُم مِّنۡهَآ أَذِلَّةٗ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ ٣٧

" فَلَمَّا جَآءَ سُلَيۡمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۚ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ " الظاهر أن سليمان عليه السلام لم ينظر الى ما جاءوا به بالكلية ولا اعتنى به بل أعرض عنه وقال منكرا عليهم امداده بالمال وأن يصانعوه بمال ليتركهم على شركهم وملكهم والواضح منذ البداية حتى من جانب الهدهد حين أبلغه أن القضية هى قضية الايمان بالله فهو لايحتاج الى المال والهدايا فما آتاه الله من ملك ومال وجنود خير منهم بكثير فهم الذين ينقادون للهدايا والتحف وأما هو فلا يقبل منهم الا الاسلام أو السيف ، " ٱرۡجِعۡ إِلَيۡهِمۡ فَلَنَأۡتِيَنَّهُم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخۡرِجَنَّهُم مِّنۡهَآ أَذِلَّةٗ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ " أمر من أتى اليه بالهدية بالرجوع بها كما جاء دون حتى أن ينظر اليها وهددهم بارسال جنوده الذين لا قبل لهم بها ولا بقتالهم وأنه سوف يحاربهم ويخرجهم من بلدتهم أذلة مهانون مدحورون ، فلما رجعت اليها رسلها بهديتها وبما قال سليمان عليه السلام سمعت وأطاعت هى وقومها وأقبلت تسير اليه فى جنودها خاضعة ذليلة معظمة لسليمان عليه السلام ناوية متابعته فى الاسلام ولما تحقق سليمان عليه السلام قدومهم عليه ووفودهم اليه فرح بذلك وسره .

قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٞ ٣٩ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ ٤٠

قال محمد بن اسحاق عن يزيد بن رومان قال : فلما رجعت اليها الرسل بما قال سليمان عليه السلام قالت قد والله عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة وما نصنع بمكابرته شيئا وبعثت اليه انى قادمة عليك بملوك قومى لأنظر ما أمرك وما تدعونا اليه من دينك ، ثم أمرت بسرير ملكها الذى كانت تجلس عليه وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ فجعل فى سبعة أبيات بعضها فى بعض ثم أقفلت عليه الأبواب ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكى فلا يخلص اليه أحد منعباد الله ولا يرينه حتى آتيك ثم توجهت الى سليمان عليه السلام " قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ " لما دنت بلقيس وبلغ سليمان عليه السلام أنها جائية وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه أمر أن يأتوه بعرشها قبل أن يأتوه فيدخلون فى الاسلام فتحرم عليه أموالهم باسلامهم ، "  قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِين" رد مارد من الجن على سليمان عليه السلام أنه يمكنه أن يأتيه بعرش بلقيس قبل أن يقوم من مجلسه وقال السدى وغيره كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام من أول النهار الى أن تزول الشمس وهو قوى على حمله أمين على ما فيه من الجوهر فقال سليمان عليه السلام أريد أعجل من ذلك ومن هنا يظهر أن سليمان عليه السلام أراد باحضار السرير اظهار عظمة ما وهب الله له من الملك وما سخر له من الجنود الذى لم يعطه أحد قبله ولايكون لأحد من بعده وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لأن هذا خارق عظيم أن يأتى بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه وهى قد حجبته بالأغلاق والأقفال وزالحفظة ، " قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَ " لما قال سليمان عليه السلام أريد أسرع من ذلك رد عليه الذى يعلم الاسم الأعظم الذى عنده علم من الكتاب وكان مؤمنا من الانس أنا أنظر فى كتاب ربى وقال أنه سيأتيه به عند رفع بصره وأن ينظر مد بصره مما يقدر عليه فانه لا يكل بصره الا وهو حاضر عنده وقال وهب بن منبه امدد بصرك فلا يبلغ مداه حتى آتيك به ، " فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُ" قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لم يشعر سليمان عليه السلام الا وعرشها يحمل بين يديه ، "  قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي " لما عاين سليمان عليه السلام وملؤه العرش ورآه مستقرا عنده قال هذا من نعم الله على ، " لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُ " من نعمه على ليختبرنى هل أشكر نعمته أو أكفر وأجحد بها ، " وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦ " ومن يشكر نعمة الله فهذا لنفسه فالله غنى عن عباده وهذا كقوله " من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون " ، " وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيم " من جحد نعمة الله فهو الغنى أى هو غنى عن العباد وعبادتهم كريم فى نفسه وان لم يعبده أحد فان عظمته ليست مفتقرة الى أحد وهذا كما قال موسى عليه السلام " ان تكفروا أنتم ومن فى الارض جميعا فان الله لغنى حميد " وفى صحيح مسلم يقول تعالى " يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا ، يا عبادى انما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه " .

 قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ ٤٢ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٤

" قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ " لما جىء سليمان عليه السلام بعرش بلقيس قبل قدومها أمر به بغير بعض صفاته ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس بعرشها ، " فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَ " لما عرض عليها عرشها وقد غير ونكر وزيد فيه ونقص منه فكان فيها ثبات وعقل ولها لب ودهاء وحزم فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها ولا أنه غيره لما رأت من آثاره وصفاته وان غير وبدل ونكر قالت يشبهه ويقاربه ، "  وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ " يعقب سليمان عليه السلام بشكر ربه واقراره أن الله أتاه العلم والاسلام والايمان وهى ما تزال على الجهل والكفر ، " وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ " صدها أى منعها عن عبادة الله انها كانت تنتمى الى قوم كافرين وهى منهم ، " قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَ " أمر سليمان عليه السلام السياطين فبنوا له قصرا عظيما من قوارير أى من زجاج شفاف وأجرى تحته الماء فالذى لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ولكن الزجاج يحول بين الماشى وبينه واختلفوا فى السبب الذى دعا سليمان عليه السلام الى اتخاذه فعن يزيد بن رومان " قال لها ادخلى الصرح ليريها ملكا هو أعز من ملكها وسلطانا هو أعظم من سلطانها وقال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه قال : أمر سليمان عليه السلام بالصرح وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه وعكفت عليه الانس والجن والطير ثم قال لها أدخلى الصرح ليريها ملكا هو أعز من ملكها وسلطانا هو أعظم من سلطانها ،  " فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَ" فلما رأته حسبته لجة أى ماء وكشفت عن ساقيها لا تشك أنه ماء تخوضه فقيل لها صرح أى قصر مصنوع من الزجاج ، " قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " لما وقفت بلقيس على سليمان عليه السلام دعاها الى عبادة الله وحده وعاتبها فى عبادتها الشمس من دون الله فأسلمت متابعة لدين سليمان فى عبادته لله وحده لا شريك له الذى خلق كل شىء فقدره تقديرا وحسن اسلامها .

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَٰقَوۡمِ لِمَ تَسۡتَعۡجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِۖ لَوۡلَا تَسۡتَغۡفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ٤٦ قَالُواْ ٱطَّيَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ قَالَ طَٰٓئِرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِۖ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تُفۡتَنُونَ ٤٧

 " وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ " يتحدث الله تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح عليه السلام حين بعثه الله اليهم فدعاهم الى عبادة الله وحده لا شريك له ، " فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ " فاختلفوا بين مؤمن وكافر كقوله تعالى " قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا انا بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا انا بالذى آمنتم به كافرون " ، "قَالَ يَٰقَوۡمِ لِمَ تَسۡتَعۡجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَة " قال صالح عليه السلام لقومه لم تدعون بحضور العذاب ولا تطلبون من الله رحمته ، " لَوۡلَا تَسۡتَغۡفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ " يدعو صالح عليه السلام قومه الى عبادة الله وتوحيده وتنزيهه والالتزام بالاستغفار من الذنوب والأفعال التى يرتكبونها ، "  قَالُواْ ٱطَّيَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ " قالوا له ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيرا وذلك أنهم لشقائهم كان لا يصيب أحدا منهم سوء الا قال هذا من قبل صالح وأصحابه وقال مجاهد تشاءموا بهم وهذا كقول الله تعالى اخبارا عن قوم فرعون " فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " وكقوله تعالى " وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله " أى بقضائه وقدره ، " قَالَ طَٰٓئِرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ" رد عليهم صالح عليه السلام أن الله هو الذى يجازيكم على الحسنة والسيئة وهو الذى يسير الأمور وكل بقضائه وقدره ، " بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تُفۡتَنُونَ " وأنتم تبتلون بالطاعة والمعصية والظاهر أن المراد بقوله " تفتنون " تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلال.

وَكَانَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ تِسۡعَةُ رَهۡطٖ يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ ٤٨ قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ٤٩ وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ٥٠ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٥١ فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ٥٣

يخبر الله تعالى عن طغتة ثمود ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم الى الضلال والكفر وتكذيب صالح وآل بهم الحال الى أنهم عقروا الناقة فقال " وَكَانَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ "  أى كان فى مدينة ثمود ، " تِسۡعَةُ رَهۡط" تسعة نفر ، " يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ " وكانوا مفسدين فى الأرض وغلب هؤلاء على أمر ثمود لأنهم كانوا كبراءهم ورؤسائهم وقال أبن عباس هم الذين عقروا الناقة أى الذين صدر عن رايهم ومشورتهم ، "  قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ " تحالفوا وتبايعوا على قتل نبى الله صالح عليه السلام ، " لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ " وهموا بقتل صالح عليه السلام  بأن يبيتوه فى أهله ليلا فيقتلوه غيلة ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه أنهم ما علموا بشىء من أمره وانهم لصادقون فيما أخبروهم به من أنهم لم يشاهدوا ذلك ، " وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ " ولكن الله أحبط تدبيرهم فهم يخططون لأمر بتدبيرهم والله بتدبره يحبط ما يدبرون كقوله " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " بعد أنتحالفوا على هلاك صالح عليه السلام لم يصلوا اليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين ، "فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِينَ " يدعو الله الى تدبر عاقبتهم والنظر فيما حدث لهم من هلاك وتدمير قال قتادة تواثقوا على أن يأخذوا صالح عليه السلام ليلا فيقتلوه وذكر أنهم بينما هم معانيق الى صالح عليه السلام ليفتكوا به اذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم وقال أبن عباس : هم الذين عقروا الناقة قالوا حيت عقروها لنبيتين صالحا وأهله فنقتله ثم نقول لأولياء صالح ما شهدنا من هذا شيئا وما لنا به من علم فدمرهم الله أجمعين ، " فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓا " بعد أن أنزل الله العذاب بثمود خربت بيوتهم وأصبحت خراب فارغة ليس فيها أحد جزاء كفرهم ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ " فيما وقع بقوم ثمود من هلاك عبرة لمن له عقل وفهم وعلم ، " وَأَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ " أنجى الله صالحا عليه السلام ومن تبعه من المؤمنين الذين كانوا يؤمنون بالله ويتقونه .

وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ ٥٥ ۞

يخبر الله تعالى عن عبده ورسوله لوط عليه السلام أنه أنذر قومه نقمة الله بهم فى فعلهم الفاحشة التى لم يسبقهم اليها أحد من بنى آدم فهم يأتون الذكور دون الاناث وذلك فاحشة عظيمة استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء فقال "وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ" قال لوط عليه السلام لقومه أنهم يأتون الفاحشة وهى اتيان الذكور للذكور والنساء للنساء ويرى بعضهم بعضا ويأتون فى ناديهم المنكر ، " أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ " بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ " فهم يأتون الذكور دون الاناث وهو لا يعرفون شيئا لا طبعا ولا شرعا كما قال فى الآية الأخرى " أ تأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون .

No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...