Grammar American & British

Wednesday, April 13, 2022

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم - الجزء الثامن والعشرين ( 28 )

28 - ) تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم 

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة المجادلة

 سورة المجادلة سورة مدنية ، تتحدث عن واقعة حدثت فى المدينة ، وعدد آياتها 22 آية ، والمجادلة هى خولة بنت ثعلبة جاءت الى الرسول صلى الله عليه وسلم لتشتكى اليه زوجها وهو أوس بن الصامت الذى حرمها وحرم معاشرتها كم تحرم عليه أمه وهذا ما يسمى بالظهار وأصل الظهار مشتق من الظهر وذلك أن الجاهلية كانوا اذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها أنت على كظهر أمى ثم فى الشرع كان الظهار فى سائر الاعضاء قياسا على الظهر وكان الظهار عند الجاهلية طلاقا فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقا كما كانوا يعتمدونه فى جاهليتهم وقال ابن عباس كان الرجل اذا قال لامرأته فى الجاهلية أنت على كظهر أمى حرمت عليه ، فكان أول من ظاهر فى الاسلام أوس وكان تحت ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة فظاهر منها فأسقط فى يديه ، وقال ما أراك الا قد حرمت على مقالت مثل ذلك قال فانطلقى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا خويلة ما أمرنا فى أمرك بشىء " فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال " يا خويلة أبشرى " قالت : خيرا فقرأ عليها الآيات فبين الله حكمه ، وعن أبى العالية قال : كانت خولة بنت دليج تحت رجل من الأنصار وكان ضرير البصر فقيرا سيىء الخلق ، وكان طلاق أهل الجاهلية اذا أراد الرجل أن يطلف امرأته قال أنت على كظهر أمى وكان لها منه عيل أو عيلان فنازعته يوما فى شىء فقال : أنت على كظهر أمى فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى بيت عائشة وعائشة تغسل شق رأسه فقدمت عليه ومعها عيلها فقالت يا رسول الله ان زوجى ضري فقير لا شىء له سيىء الخلق وانى نازعته فى شىء فغضب فقال أنت على كظهر أمى ولم يرد به طلاق ولى منه عيل أو عيلان فقال " ما أعلمك الا قد حرمت عليه " فقالت : أشكو الى الله ما نزل بى وأبا صبيتى وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى فلما انقطع الوحى قال يا عائشة أين المرأة فدعتها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذهبى فأتينى بزوجك " فانطلقت تعى فجاءت به فاذا هو كما قالت ضرير البصر سيىء الخلق فقرأ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات التى أنزلت  عن خويلة بنت ثعلبة قالت فى والله وفى أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه فدخل على يوما فراجعته بشىء فغضب فقال : أنت على كظهر أمى ، ثم خرج فجلس فى نادى قومه ساعة ثم دخل على فاذا هو يريدنى عن نفسى قلت كلا والذى نفس خويلة بيده لا تخلص الى وقد قلت ما فلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه ، فواثبنى فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عنى ثم خرجت الى بعض جاراتى فاستعرت منها ثيابا ثم خرجت حتى جئت الى رسول الله صلى الله عيه وسلم فجلست بين يديه فذكرت لهما لقيت منه وجعلت أشكو اليه ما ألقى من سوء خلقه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقى الله فيه " فوالله ما برحت حتى نزل فى قرآن فغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغشاه ثم سرى عنه فقال لى " يا خويلة قد أنزل الله فيك وفى صاحبك قرآنا ثم قرأ على " قد سمع الله قول التى تجدادلك فى زوجها ----- الى قوله وللكافرين عذاب اليم " فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم   "مريه فليعتق رقبة " قالت : يا رسول الله ما عنده ما يعتق قال " فليصم شهرين متتابعين " فقلت : والله انه لشيخ كبير ما له من صيام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر " فقلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأنا سنعينه بفرق من تمر " فقلت : يا رسول الله : وأنا سأعينه بفرق آخر قال " قد أصبت وأحسنت فاذهبى فتصدقى به عنه ثم استوصى بابن عمك خيرا " قالت ففعلت " ، وهذا هو الصحيح فى سبب نزول هذه السورة ، وتحدثت السورة عن أمور أخرى : عن الايلاء وقال سعيد بن جبير كان الايلاء والظهار من طلاق الجاهلية فةقت الله الايلاء أربعة أشهر وجعل فى الظهار الكفارة - عن النجوى وعن المجالس وعن الذين يحادون الله ورسوله وهذا من سمات السور المدنية ، حيث تكون مجتمع المسلمين فى المدينة وترسخت العقيدة فكان المجتمع الاسلامى وكانت تحدث وقائع يتدخل الشارع الأعظم فيها بالتشريع والحكم من السماء .

قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ ١

عن عائشة رضى الله عنها قالت الحمد لله الذى وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة الى النبى صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا فى ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل  وفى رواية عروة عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت تبارك الذى أوعى سمعه كل شىء انى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى على بعضه وهى تشتكى زوجها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تقول " يا رسول الله أكل مالى وأفنى شبابى ونثرت له بطنى حتى اذا كبرت سنى وانقطع ولدى ظاهر منى اللهم انى أشكو اليك قالت فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية وقال ابن لهيعة عن عروة عن أوس بن الصامت " وكان أوس امرءا به لمم فكان اذا أخذه لممه واشتد بع يظاهر منامرأته واذا ذهب لم يقل شيئا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه فى ذلك وتشتكى الى الله فأنزل الله تعالى " قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا  وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ " وقال ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة عن أوس بن الصامت وكان أوس امرءا به لمم فكان اذا أخذه لممه واشتد به يظاهر من امرأته واذا ذهب لميقل شيئا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه فى ذلك وتشتكى الى الله فأنزل الله تعالى الآية قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ  أنزل الله تشريعه من السماء وأنزل فيها أمره فقد سمع الله شكواها وحديثها حول زوجها مع الرسول صلى الله عليه وسلم فهو السميع لعباده لا يخفى عليه شىء قى الأرض ولا فى السماء وهو يبصرهم ويبصر أفعالهم ويعلم ما يخفون وما يعلنون .

ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ ٢ وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ٣ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٤

" ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم  مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُور" يستنكر الله تعالى الظهار فيقول تعالى مخاطبا المؤمنين أن الذين يقع منهم الظهار من نسائهم هذا أمر مستهجن فكيف يتعامل الزوج مع زوجته ويحرمها على نفسه ويحرم معاشرتها كما يحرم عليه معاشرة أمه فزوجته محللة له بشرع الله وليست حرمتها كحرمة أمه التى ولدته وليست أمه كوالدته التى ولدته فهذا القول الذى يقولونه وينطقون به من الظهار هو أمر مستهجن وقول باطل لا صحة له لا تصير المرأة بقول الرجل أنت على كأمى أومثل أمى أوكظهر أمى وما أشبه ذلك لا تصير أمه بذلك انما أمه التى ولدته فانهم يقولون كلاما فاحشا باطلا  ولكن الله تعالى لم يعامله كطلاق فهو قد عفى عما كان عن المؤمنين فى حال الجاهلية وهكذا أيضا عما خرج من سبق اللسان ولم يقصد اليه المتكلم  وغفر لهم هذا الذلل وعن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لامرأته يا أختى فقال " أختك هى ؟ " فهذا انكار ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك لأنه لم يقصده ولو قصده لحرمت عليه  ،"وَٱلَّذِينَ  يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ " يبين الله تعالى حكم من يقومون بالظهار ثم يريد أن يعود الى الجماع أو يعزم الجماع كما قال أحمد بن حنبل وقال الشافعى هو أن يمسكها بعد المظاهرة زمانا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق وحكى عن مالك أنه العزم على الجماع أو الامساك وعنه أيضا أنه الجماع وقال ابو حنيفة هو أن يعود الى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريما لا يرفعه الا الكفارة واليه ذهب أصحابه والليث بن سعد وعن سعد بن جبير " ثم يعودون لما قالوا " يعنى يريدون أن يعودوا فى الجماع الذى حرموه على أنفسهم "  فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ" عن ابن عباس " من قبل أن يتماسا " والمس النكاح وقال الزهرى ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر فالعتق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا فهنا الرقبة غير مقيدة بالايمان وفى القتل مقيدة بالايمان وعن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال انى ظاهرت من امرأتى ثم وقعت عليها قبل أن أكفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألم يقل الله تعالى من قبل أن يتماسا " قال : أعجبتنى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمسك حتى تكفر " ،  ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦ" يقول عز وجل هذا الحد الذى فرض فرض لتزجرون به ، " وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِير" أى خبير بما يصلحكم عليم بأحوالكم ، " فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ" يتحدث الله تعالى كذلك عن حكم كفارة الظهار فمن لم يجد معه ما يستطيع أن يعتق به رقبة عليه أن يصوم شهرين متواصلين قبل أن يتحلل من الظهار ويعود الى الجماع ،"  َفمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗ" ويقول الله عز وجل كذل أن الكفارة كذلك ممكنة لمن لا يستطيع الصيام أن يطعم ستين مسكينا بدلا من صيام الشهرين المتتابعين ،"ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ" يقول الله عزوجل شرعنا هذا الحكم من أجل الايمان بالله ورسوله فمن صحة الايمان صحة السلوك فيما فرض الله ورسوله وعدم الخروج عن السلوك القويم ، " وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ" يقول الله عزوجل هذه محارم الله فلا تنتهكوها ، " وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ " الذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشريعة فهم فى حكم الكافرين لا تعتقدوا أنهم ناجون من البلاء كلا ليس الأمر كما زعموا بل لهم عذاب أليم أى فى الدنيا والآخرة .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ ٥ يَوۡمَ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ أَحۡصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ٦ أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ ٧

" إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ" يخبر الله تعالى عمن شاقوا الله ورسوله وعاندوا شرعه كبتوا أى أهينوا ولعنوا وأخزوا كما فعل بمن أشبههم من السابقين ، " وَقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰت" يتحدث الله عز وجل أنه أنزل آياته واضحات لا يعاندها ولا يخالفها الا كافر فاجر مكابر ،"وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِين" الكافرين هم من استكبروا عن اتباع شرع الله والانقياد له والخضوع لديه يتوعدم الله عز وجل بعذاب مذل ، " يَوۡمَ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓا" هذا العذاب المذل يكون يوم يبعثهم الله جميعا يوم القيامة يجمع الأولين والآخرين فى صعيد واحد فيخبرهم بالذى صنعوا من خير وشر ،"أَحۡصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ" أى ضبطه الله وحفظه عليهم وهم قد نسوا ما كانوا عملوا ،"  وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ " يعقب الله عزوجل أنه لا يغيب عنه شىء ولا يخفى ولا ينسى شيئا ،" أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْ " يقول تعالى مخبرا بلفت الانتباه باستخدام " ألم تر" عن احاطة علمه بخلقه واطلاعه عليهم وسماعه كلامهم ورؤيته مكانهم حيث كانوا وأين كانوا فلا يخفى عليه من سر ثلاثة فيكون رقيبا عليهم رقابة من هو رابع لهم ومرافقا لهم ولو كانوا خمسة أشخاص يكون كذلك سادسهم ولوقل العدد عن ذلك أوزاد فهذا لا يعجزه  كما قال تعالى " ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب" وكما قال " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون " ولهذا حكى غير واحد الاجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك فى ارادة ذلك ، وسمعه أيضا مع علمه بهم وبصره نافذ فيهم فهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه لا يغيب عنه من أمورهم شىء ، "ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ " يخبر الله عن علمه سيكون كذلك فى الآخرة يخبر العباد بما عملوه وارتكبوه من قول وفعل ويحاسبون عليه يوم القيامة فهو سبحانه لا يغيب عن علمه شىء وقال الامام أحمد : افتتح الله الآية بالعلم واختتمها بالعلم .

أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٨ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٩ إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١٠

الذين نهوا عن النجوى قال مجاهد هم اليهود وزاد مقاتل بن حيان كان بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة وكانوا اذا مر بهم الرجل من أصحاب النبى سلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره المؤمن فاذا رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا الى النجوى فأنزل الله " أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ" يتناجون أى يتحدثون فيما بينهم بالاثم وهوما يختص بهم "والعدوان " وهوما يتعلق بغيرهم ومنه معصية الرسول ومخالفته يصرون عليها ويتواصون بها ، عن عائشة رضى الله عنها قالت دخل على رسوول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة : وعليكم السام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عائشة ان الله لا يحب الفحش ولا التفاحش " قلت : ألا تسمعهم يقولون السام عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو ما سمعت أقول وعليكم ؟ فأنزل الله تعالى الآية " وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ " وفى رواية فى الصحيح أنها قالت لهم : عليكم السام والذام واللعنه وأن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال " انه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا " وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما  هو جالس مع أصحابه اذ أتى عليهم يهودى فسلم عليهم فردوا عليه فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم " ردوه " فردوه عليه فقال نبى الله صلى الله عليهوسلم " أقلت سام عليكم " قال :نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك " أى عليك ما قلت  ، "وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ" أى يفعلون هذا ويقولون ما يحرفون من الكلام وايهام السلام وانما هو شتم فى الباطن ومع هذا يقولون فى أنفسهم لو كان هذا نبينا لعذبنا الله بما نقول له فى الباطن لأن الله يعلم ما نسره فلو كان هذا نبينا حقا لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة فى الدنيا فقال الله تعالى "حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ " أى جهنم كفايتهم فى الدار الآخرة تحرقهم وتكون لهم بئس المستقر الدائم الذى لا يغير ولا يتحول  وعن عبد الله بن عمر أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليكم ثم يقولون فى أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ؟ فنزلت هذه الاية "وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ " وقال ابن عباس " وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ " كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حيوه سام عليك قال الله تعالى  " حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ"، "  يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ " قال الله تعالى مؤدبا عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين فنهاهم عن التناجى بالاثم كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن مالأهم على ضلالهم من المنافقين ، " وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ " يأمر الله المؤمنين بالتناجى أى بالحديث فيما بينهم بما فيه الصلاح وتقوى الله وهو عكس التناجى بالاثم وأمرهم بتقوى الله فيما يدور بينهم لأنهم سيجتمعون أمام الله يوم القيامة فيخبرهم بجميع أعمالهم وأقوالهم التى أحصاها عليهم وسيجزيهم بها وعن قتادة عن صفوان بن محرز قال " كنت آخذ بيد ابن عمر اذ عرض له رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى يوم القيامة ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول " ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى اذا أقره بذنوبه ورأى فى نفسه أن قدهلك قال فانى قد سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد هؤلاء الذينكذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظاتلمين " ، "  إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ " يتحدث الله عزوجل عن النجوى وهى المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءا وهذا انما يصدر من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه ليسوأهم وليس ذلك بضارهم شيئا الا باذن الله ومن أحس من ذلك شيئا فليستعذ بالله وليتوكل على الله فانه لا يضره شىء باذن الله ، وقد وردت السنة بالنهى عن التناجى حيث يكون فى ذلك تأذ على مؤمن فعنعبد الله بن مسعود قال ققال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا كنتم ثلاثةفلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فان ذلك يحزنه " وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث الا باذنه فان ذلك يحزنه " .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ١١

قال مقاتل بن حيان أنزلت هذه الآية يوم الجمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فى الصفة وفى المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار وقد أتى ناس الى المجالس فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته فرد النبى صلى الله عليه وسلم عليهم ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فعرف النبى صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم فشق ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر قم يا فلان وأنت يا فلان فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبى صلى الله عليه وسلم الكراهة فى وجوههم فقال المنافقون : ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس ؟ والله ما رأيناه قبل عدل على هؤلاء ان قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله رجلا يفسح لأخيه " فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا فيفسح القوم لاخوانهم ونزلت هذه الآية سوم الجمعة " َٰٓيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡ" يقول الله تعالى مؤذنا عباده المؤمنين وآمرا لهم أن يحسن بعضهم الى بعض فى المجالس قال قتادة نزلت هذه الاية فى مجالس الذكر وذلك أنهم كانوا اذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض وعن أبى مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، وما ذاك الا ليعقلوا عنه ما يقوله صلى الله عليهوسلم ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر اما لتقصير أولئك فى حق البدريين أو ليأخذ البدريون من العلم نصيبهم كما أخذ أولئك قبلهم أو تعليما بتقديم الأفاضل الى الأمام  وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " وفى الحديث المروى فى السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس حيث انتهى به المجلس ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس فكان الصحابة رضى الله عنهم يجلسون منه على مراتبهم فالصديق رضى الله عنه يجلسه عن يمينه وعمر عن يساره ، وبين يديه غالبا عثمان وعلى لأنهما كانا ممن يكتب الوحى وكان يأمرهما بذلك وعن أبى مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا فى الصلاة ويقول "اسستووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " واذا كان هذا أمره فى الصلاة أن يليه العقلاء منهم والعلماء فبطريق الأولى أن يكون ذلك فى غير الصلاة ،" وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ " قال قتادة أى اذا دعيتم الى خير فأجيبوا وقال مقاتل اذا دعيتم الى الصلاة فارتفعوا اليها وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كانوا اذا كانوا عند النبى صلى الله عليه وسلم فى بيته فأرادوا الانصراف أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجا من عنده فربما يشق ذلك عليه عليه السلام وقد تكون له الحاجة فأمروا أنهم اذا أمروا بالانصراف أن ينصرفوا كقوله تعالى " واذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا " ،" يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰت" يعقب الله تعالى بقوله لاتعتقدوا أنه اذا أفسح أحد منكم لأخيه فى المجلس اذا أقبل وأن يسمح له بالخروج فخرج من قبله وسبقه أن يكون ذلك نقصا فى حقه بل رفعة ورتبة عند الله والله تعالى لا يضيع ذلك له بل يجزيه بذلك فى الدنيا والآخرة فان من تواضع لأمر الله رفع قدره ونشر ذكره  ويتحدث الله تعالى عن الأفضلية عنده ليست الأفضلية كما تعتقدون ولكن الأفضلية عند الله والتمييز فى الرفعة هى للذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم فالله تعالى يرفعهم درجات كل بقدره بقدر ايمانه وبقدر علمه تكون درجته ومنزلته عند الله ،" وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِير" والله عز وجل هو الخبير والعليم بأعمالكم وعليم بمن يرفع ومن يفضل كل حسب عمله هو الخبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه.

 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ١٢ ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٣ ۞

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَة" يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين اذا أراد أحدهم أن يناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم أى يساره أى يتحث معه فيما بينه وبينه أن يقدم بين يدى ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لأن يصلح لهذا المقام ولهذا قال تعالى " ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُ" يقول الله عزوجل أن هذا الأمر اذا فعلتموه يكون خير لكم وتطهير لنفوسكم فالصدقة كما نعلم هى من خير الأعمال التى تطهر النفس من كثير من أمراضها كالبخل والشح والانانية وحب الذات ، "فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ " يقول عزوجل من عجز عن الصدقة لفقره فما أمر بها الا من قدر عليها فالله يغفر ذلك ويتجاوز عنه برحمته وعن ابن عباس فى قوله " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ  " ذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم فلما قال ذلك جبن كثير من المسلمين وكفوا عن المسألة فأنزل الله بعد هذا " ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ" وقال عكرمة وغيره  " فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَة" نسختها الآية التى بعدها " وقال قتادة وغيره سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ففطمهم الله بهذه الآية فكان الرجل منهم اذا كانت له الحاجة الى نبى الله صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة فاشتد ذلك عليهم فأنزل الله الرخصة بعد ذلك " فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ " فنسخ وجوب ذلك عنهم وقد قيل أنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى على بن أبى طالب رضى الله عنه وقال مجاهد نهوا عن مناجاة النبى صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا فلم يناجه الا على بن أبى طالب قدم دينارا صدقة تصدق به ثم ناجى النبى صلى الله عليه وسلم فساله عن عشر خصال ثم أنزلت الرخصة وفى قول آخر عن مجاهد يتحدث عن على رضى الله عنه  : آية فى كتاب الله عزوجل لم يعمل بها أحد قبلى ولا يعمل بها أحد بعدى كان عندى دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت اذا ناجيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلى ولا يعمل بها أحد بعدى ، "ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰت " يقول الله عزوجل أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس كان المسلمون يقدمون بين يدى النجوى صدقة فلما نزلت الزكاة نسخ هذا " فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ " يقول الله عز وجل ناسخا حكمه السابق موجها الكلام الى المؤمنين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم اذا عجزتم عن تقديم الصدقة لمناجاة النبى صلى الله عليه وسلم فان الله رفع عنكم الحرج فى هذا الأمر فانكم مطالبون باقامة الصلاة وايتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله فيما يأمران به وينهيان عنه والله  خبير بأعمالكم يجازيكم بها .  

أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٤ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدًاۖ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٥ ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ١٦ لَّن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔاۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ١٧ يَوۡمَ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحۡلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ ١٨ ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٩

يقول الله عزوجل منكرا على المنافقين فى موالاتهم الكفار فى الباطن وهم فى نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين كما قال تعالى " مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " وقال هنا  "أَلَمۡ تَرَ " يلفت الله الانتباه بهذا القول حتى يتهيأ القارىء والسامع الى ما سيأتى ومعناه هل تعلم شيئا عن الأمر الذى سيأتى ،" إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم " الذين غضب الله عليهم يعنى اليهود الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم فى الباطن فالمنافقون اتخذوهم أوليائ لهم ،" مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ " أى هؤلاء المنافقون ليسوا فى الحقيقة منكم أيها المؤمنون ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود ، " وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ " يعنى المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون بانهم كاذبون فيما حلفوا وهى اليمين الغموس ولا سيما فى مثل حالهم اللعين فانهم كانوا اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا جاءوا الرسول صلى الله عليه وسلم حلفوا له بالله أنهم مؤمنون وهم فى ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه وانكان فى نفس الأمر مطابقا ولهذا شهد الله بكذبهم فى أيمانهم وشهادتهم لذلك ثم قال تعالى "  أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدًاۖ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " هؤلاء المنافقون يتوعدهم الله بالعذاب الشديد الأليم على أعمالهم السيئة وهى موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين وغشهم ولهذا قال تعالى " ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ " اتخذ المنافقون من الحلف الكذب حماية ووقايه لهم ليخفوا كذبهم فهم أظهروا الايمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالايمان الكاذبة فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس ، " فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِين" أى فى مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم فى الأيمان الكاذبة الحانثة فلهم من الله العذاب المهين كذلك أى المذل لهم ، " لَّن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ًٔاۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ " لن يدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم بأس الله اذا جاءهم فسيكونون أصحاب النار مخلدين فيها لا يحولون عنها ولا يزولون ، "  يَوۡمَ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحۡلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ " يتحدث الله عن المنافقين حين يحشرون يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدا فيحلفون لله كما يحلفون للمؤمنين  ، " وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍۚ" أى حلفهم ذلك لربهم عز وجل يحسب هؤلاء المنافقون أنهم على شىء أى يحلفون بالله عزوجل أنهم على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس فى الدنيا لأن من عاش على شىء مات عليهوبعث عليه ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ولهذا قال "  أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ " فأكد الخبر عنهم بالكذب ،"  ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِ" سيطر على قلوبهم واستحوذ عليها الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله عز وجل وكذلكيصنع بمن استحوذ عليه وعن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول " ما من ثلاثة فى قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة الا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فانما ياكل الذئب القاصية " يعنى الصلاة فى الجماعة ،"  أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِ" يعنى الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ثم قال تعالى معقبا " أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ " يؤكد الله قوله عن حزب الشيطان أى الذين استحوذ عليهم الشيطان بانهمهم الخاسرون فى الدنيا والآخرة .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡأَذَلِّينَ ٢٠ كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ٢١ لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٢٢

"إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡأَذَلِّينَ " يقول الله تعالى مخبرا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله يعنى الذين هم فى حد والشرع فى حد أى مجانبون للحث مشاقون لهم هم فى ناحية والهدى فى ناحية فهم فى الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب الأذلين فى الدنيا والآخرة ، " كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز "  حكم الله عزوجل  وكتب القوى العزيز  فى كتابه الأول وقدره الذى لا يخالف ولا يمانع ولا يبدل بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين وأنه الغالب لأعدائه وهذا قدر محكم وأمر مبرم وأن العاقبة والنصرة للمؤمنين فى الدنيا والآخرة كقوله تعالى " ان العاقبة للمتقين " وكما قال تعالى "انا لننصر رسلنا والين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " ، قال سعيد بن عبد العزيز وغيره أنزلت هذه الآية فى أبى عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر " لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ" يخبر الله تعالى أنه لا يمكن ان يكون هناك قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر يظهرون الود والمحبة لمن عادى وتحدى الله ورسوله وعاندهما وحاربوهما  " وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ " حتى لوكان هؤلاء القوم آباءهم ونزل ذلك فى أبى عبيدة قتل أباه يوم بدر ، " أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ" ونزل ذلك فى الصديق فقد هم يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن ، "أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ" نزلت فى مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ ،"أَو ۡ عَشِيرَتَهُمۡ" نزلت فى عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا ، وفى حمزة وعلى وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ ، " أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُ" أى من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولوكان أباه أو أخاه أو عشيرته فهذا ممن كتب الله فى قلبه الايمان أى كتب له السعادة وقررها فى قلبه وزين الايمان فى بصيرته وقال السدى " كتب فى قلوبهم الايمان " جعل فى قلوبهم الايمان وقال ابن عباس " وأيدهم بروحمنه " أى قواهم ، " وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ" جزاء هؤلاؤ من الله تعالى يوم القيامة أنه يدخلهم الجنات التى تجرى من تحتها الأنهار فى الجنة ماكثين مخلدين لا يحولون عنها ولا يزولون ، "رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ" سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر فى الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم ، " أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ" هؤلاء حزب الله أى عباد الله وأهل كرامته ، "  أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ " تنويه من الله عزوجل بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم فى الدنيا والآخرة فى مقابلة ما ذكر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان ثم قال " ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون ".  

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة الحشر

سورة الحشر سورة مدنية ، عدد آياتها 24 آية ، قال ابن عباس أنزلت فى بنى النضير ، فكانت غزوة بنى النضير عن عروة بن الزبير قال كانت وقعة بنى النضير وهمطائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا من حصونهم وقرر أن لهم ما أقلت الأبل من الأموال والأمتعة الا الحلقة وهى السلاح فأجلاهم رسول الله صلى الله عليهوسلم قبل الشام وقال الضحاك وأعطى كل ثلاثة بعيرا وسقاء فهذا الجلاء وعن محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الى بنى النضير وأمره أن يؤجلهم فى الجلاء ثلاثة أيام , وملخص هذه الغزوة أن سببها فيما ذكره أصحاب المغازى والسير أنه لما قتل أصحاب بئر معونة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنهم وكانوا سبعين وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمرى فلما أن كان فى أثناء الطريق راجعا الى المدينة قتل رجلين من بنى عامر وكان معهما عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو فلما رجع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد قتلت رجلين لأدينهما " وكان بين بنى النضير وبنى عامر حلف وعهد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بنى النضير ليستعينهم فى دية الرجلين وكانت منازا بنى النضير ظاهر المدينة على أميال من شرقيها فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه ، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : انكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه _ ورسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنب جدار من بيوتهم - فمن رجل يعلوا على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال : أنا لذلك فصعد ليلقى عليه صخرة فأتى رسول الله صلى الله عليهوسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا الى المدينة وترك أصحابه وكان فى نفر منهم فيهم أبو بكر وعمر وعلى رضى الله عنهم ، لما طال انتظار الصحابة قاموا فى طلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسالوه عنه فقال : رأيته داخلا المدينة فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا اليه فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير اليهم ثم سار حتى نزل بهم فتحصنوا منه فى الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل والتحريق فيها فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد فى الأرض وتعيبه على من يصنعه فما بال قطع النخل وتحريقها ؟ وقد كان رهط من بنى عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبى سلول ووديعة بنمالك بن أبى قوقل وسويد وداعس قد بعثوا الى بنى  النضير أن اثبتوا وتمنعوا فانا لن نسلمكم ان قوتلتم قاتلنا معكم وانخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف فى قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الابل من أموالهم الا الحلقة ففعل فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الابل فكان الرجل يهدم بيته فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا الى خيبر ومنهممن سار الى الشام وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لرسول الله صلى الله عليهوسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار الا سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلم من بنى النضير الا رجلين - يامين بن عمرو عم عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب ألما على أموالهما فأحرزاها ، قال ابن اسحاق ونزل فى بنى النضير سورة الحشر بأسرها .

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ٢ وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ ٣ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٤ مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ٥

" سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " تبدأ السورة بتسبيح الله أى تنزيهه عما لا يليق به من كل ما فى السموات والأرض من مخلوقات فهو رب العزة الحكيم فى أقواله وأفعاله ،" هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ" الذين كفروا من أهل الكتاب هم اليهود من بنى النضير وأرض المحشر هنا يعنى الشام قال ابن عباس : من شك فى أن أرض المحشر هنا يعنى الشام فقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " اخرجوا " قالوا الى أين ؟ قال " الى أرض المحشر " وعن الحسن قال لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى النضير قال " هذه أول الحشر وأنا على الأثر" يعنى الله عزوجل أنه هو الذى أمر باخراجهم من ديارهم بعد أن أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بنيتهم الغدر به وقتله الى بلاد الشام ، " مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ " يقول الله تعالىما ظننتم أن يخرجوا منديارهم فى مدة حصاركم لهم وقصرها وكانت ستة أيام مع شدة حصونهم ومنعتها فظنوا أنها تحول بينهموبين أمر الله ، " فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْ" أى جاءهم من الله ما لميكن فى بال كما قال تعالى فى الآية الآخرى " وقد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " ،" وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ" قذف اللهفى قلوبهم الخوف والهلع والجزع وكيف لا يحصل لهم ذلك وقدحاصرهم الذى نصر بالرعب مسيرة شهر صى الله عليه وسلم ، " يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " فهم قد نقضوا ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم وحملوه على الابل وقال مقاتل بن حيان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتلهم فاذا ظهر على درب أودار هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال وكان اليهود اذا علوا مكانا أو غلبوا على درب أودار انقبوا من أدبارها ثم حصونها ودبروها يقول تعالى " فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ " يدعو الله تعالى الى أخذ العبرة والعزة لمن لهم بصيرة وعقل مما حدث لبنى النضير ،"  وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ " أى لولا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء وهو النفى من ديارهم وأموالهم لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل والسبى ونحو ذلك وعن عروة وغيره قالوا لأن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم فى الدار الدنيا مع ما أعد لهم فى الدار الآخرة من العذاب فى نار جهنم ، "  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ" يخبر الله تعالى أنما حدث لهم ما حدث وفعل الله بهم ما فعل بأن سلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين لأنهم خالفوا الله ورسوله وكذبوا بما أنزله الله على رسله المتقدمين فى البشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ثم قال ،" وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ " يعقب الله عز وجل  أن من يخالف الله ولا يتبع ما أنزل على رسله ويخرج عن طاعته فان عقابه شديد أليم فى الدنيا والآخرة ، " مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ " اللين نوع من التمر الجيد وقال كثيرون من المفسرين اللينة ألوان من التمر سوى العجوة وقال ابن جرير هوجميع النخل وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم اهانة لهم وارهابا وارعابا لقلوبهم وعن قتادة وغيره أنهم قالوا : فبعث بنو النضير يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم انك تنهى عن الفساد فما بالك تأمر بقطع الاشجار ؟ فأنزل الله هذه الاية الكريمة أى ما قطعتم من لينة وهى النخيل وما تركتم منه فالجميع باذنه ومشيئته وقدره ورضاه وفيه نكاية بالعدو وخزى لهم وارغام لأنوفهم وقال مجاهد نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا انما هى مغانم المسلمين فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الاثم وانما قطعه وتركه باذنه عز وجل  ،" وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ " يتحدث الله عزوجل أن ما أمر به المؤمنين انما ليهين به ويخزى من خرج عن طريقه وشاق الله ورسوله .

وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٦ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٧

يقول الله تعالى مبينا ما الفىء وما صفته وماحكمه ، فالفىء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال وايجاف خيل ولا ركاب كأموال بنى النضير هذه فانها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، أى لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب الذى ألقى الله فى قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا تصرف فيه كما يشاء فرده على المسلمين فى وجوه البر والمصالح التى ذكرها الله تعالى فى هذه الآيات فقال " وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ أى مما أفاء الله على رسوله من بنى النضير ، " فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَاب" هذا الفىء جاء من غير أن يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب والركاب هى الابل وهى التى كانت تشارك فى القتال بما تحمله من معدات وتموين الجيش وحمل ونقل المقاتلين فعدة القتال الأساسية هى الخيل والابل فهوجاء من غير قتال ، " وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير " ما جاء هو من عند الله له جنده يسلطهم على من يشاء من عباده يرسلهم من لدنه من ملائكة ومخلوقات وكون كل ما فيه مسخر لمشيئته فهو قدير لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شىء ، " مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ " أى جميع البلدان التى تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بنى النضير ولهذا قال تعالى " فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ " هذه مصارف أموال الفىء ووجوهه أى تنفق فى سبيل الله وهو الجهاد وغيره ولرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر رضى الله عنه قال : كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم خالصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته ، وقال مرة قوت سنته وما بقى جعله فى الكراع والسلاح فى سبيل الله عز وجل هذه المصارف المذكورة فى هذه الآية هى المصارف المذكورة فى خمس الغنيمة وقد تقدم الكلام عليها فى سورة الأنفال : فى سبيل الله وللرسول وذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، " كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ " يقول عزوجل جعلنا هذه المصارف لمال الفىء كيلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها بمحض الشهوات والآراء ولا يصرفون منه شيئا الى الفقراء ، " وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ" أى مهما أمركم الله ورسوله به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه فانه يأمر بخير وانما ينهى عن شر عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسام قال " اذا أمرتك بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " ، " وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ " أى اتقوه فى امتثال أوامره وترك زواجره فانه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه وارتكب ما عنه زجره ونهاه .

 لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ٨ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٩ وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ ١٠ ۞

" لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ" يقول الله تعالى مبينا حال الفقراء المستحقين لمال الفىء أنهم الفقراء من المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه والذين نصروا الله ورسوله باتباع دينه والثبات عليه ، "  أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ " أى هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم وهؤلاء هم سادات المهاجرين ، ثم قال الله مادحا للانصار ومبينا فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدهم وايثارهم مع الحاجة فقال تعالى " وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ" الذين سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم ،"يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ " أى من كرمهم وشرف أنفسهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم ، " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ " يعنى الحسد أى ليس لديهم حسد فيما أعطى اخوانهم من المهاجرين ، "  وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَة" الخصاصة هى الحاجة أى أنهم يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ويبدءون بالناس قبلهم فى حال احتياجهم الى ذلك ۚفهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم الى ما أنفقوه ، "  وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ " أى من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اياكم والظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فان الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ": برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى فى النائبة ،"  وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ " هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفىء وهم المهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم باحسان كما قال تعالى فى سورة التوبة " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه " فالتابعون لهم باحسان هم المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة الداعون لهم فى السر والعلانية ولهذا قال الله تعالى فى هذه الآية الكريمة " وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ " أى قائلين " رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا " أى لا تجعل فى قلوبنا بغضا وحسدا " لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ " ، " رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ " يعقب الله عز وجل على دعائهم فيختمونه بقولهم يا ربنا انك رؤوف بنا وبعبادك رحيم بنا وبهم فمن رأفته بعباده أن يغفر لهم ذنوبهم ويقبل منهم توبتهم برحمته فهو يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل توبتهم برأفته ورحمته .

أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١١ لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ١٢ لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ١٣ لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۢۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ ١٤ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَرِيبٗاۖ ذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ١٥ كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦ فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٧

يخبر الله تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبى وأمثاله حين بعثوا الى يهود بنى النضير يعدونهم النصر من أنفسهم فقال تعالى " أَلَمۡ تَرَ " تبدأ الآية بجذب الانتباه باستخدام هذه العبارة التى تعنى هل تأملت وفكرت فيما سيقال لك ويتلى عليك " إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ " يخبر الله عن وعد المنافقين لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب وهم اليهود من بنى النضير وهم اخوانهم على حد سواء فهذا يكيد للاسلام وذلك يكيد ولكن كل على طريقته فاليهود كادوا فى الخفاء والمنافقون أيضا يكيدون فى الخفاء ولكن الله مطلع على الطرفين ويفضح كيدهم يعدونهم أنهم اذا أخرجوا من المدينة سيخرجون معهم ولن ينصاعوا الى أمر أحد ينهاهم عن ذلك ويعدوهم أنهم سيقاتلون معهم وينصرونهم واستخدمت لام التأكيد " لننصرنكم " ويعقب الله على قولهم هذا بقوله " وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ " يقول عزوجل أنه يشهد أنهم "لكاذبون" باستخدام لام التأكيد كذلك ردا عليهم بمعنى أنهم لكاذبون فيما وعدوهم به اما لأنهم قالوا لهم قولا ومن نيتهم أن لا يفوا به واما لأنهم لا يقع منهم الذى قالوه ولهذا قال تعالى معقبا أيضا " لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ " يقول عزوجل أن المنافقين ان أخرج بنى النضير من ديارهم لن يخرجوا معهم ولئن تعرض بنى النضير للقتال فلن يقاتلوا معهم ولن يهبوا لنصرتهم ،" وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ  " أى وان قاتلوا معهم ، " لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ " سوف يولون الأدبار واستخدم "ثم " للترتيب أى لن يكتب لهم النصر وهذه بشارة مستقلة بنفسها ثم قال تعالى " لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم مِّنَ ٱللَّهِ" يقول الله تعالىمعقبا وموجها كلامه الى الرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أن هؤلاء من بنى النضير والمنافقين يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله كقوله تعالى "  ا ذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية " ولهذا قال تعالى " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ " أن هؤلاء القوم لا يفهمون شيئا عندما يتجاوزون الحدود فيخشون البشر وهم عباد الله الضعفاء ولا يخشون الله القوى العزيز ، " لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِ" يعنى أنهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الاسلام بالمبارزة والمقاتلة بل اما فى حصون أو من وراء جدر محاصرين فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة  ، " بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيد" يقول عز وجل أن عداوتهم بينهم شديدة وهذه حقيقة يذكرها القرآن الكريم عن اليهود وعن أهل الكتاب ككل وكذلك عن المنافقين فكل منهم يجرى وراء المصلحة والنفع المادى فحسب ولهذا قال تعالى " تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ" يقول الله عز وجل معقبا عن حالهم تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين وهم مختلفون غاية الاختلاف قال ابراهيم النخعى يعنى أهل الكتاب والمنافقين ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ " يعقب الله تعالى أنهم قوم ليس لهم عقول يعقلون بها الأمور وفى الآية التى سبقتها " لايفقهون " وفعل يفقه ويعقل تدل على الفهم أى مهما أختلفت أفعال الفهم التى تصفهم فهم لا يفهمون ، "  كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَرِيبٗاۖ ذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم" قال ابن عباس كمثل الذين من قبلهم يعنى يهود بنى قينقاع وهذا القول أشبه بالصواب فان يهود بنى قينقاع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجلاهم قبل هذا وقال مجاهد وغيره يعنى كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر ، "  كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ " يعنى مثل هؤلاء اليهود فى اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين وقول المنافقين لهم لئن قوتلتم لننصرنكم ثم لما حقت الحقائق وجد بهم الحصار والقتال تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة مثالهم فى هذا كمثل الشيطان اذ سول للانسان الكفر فاذا دخل فيما سوله له تبرأ منه وتنصل وقال " إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " يقول الشيطان له متخليا عنه ليس بينى وبينك رابط  فانا لم اجبرك على ما أنت فيه وما كنت عليه من الكفر بالله فانى أخشى الله رب العالمين وأخشى عقابه وهيبته وبأسه ، " فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَا" يعقب الله تعالى على هذا الموقف بأن عاقبة الآمر بالكفر وهو الشيطان وما شابهه من العباد والفاعل له واحدة ومصيرهما الى نار جهنم خالدين فيها ،" وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ " يعقب الله عز وجل بأن هذا الجزاء فى النار هو جزاء كل ظالم وليس هناك ظلم أكثر من الكفر .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ١٩ لَا يَسۡتَوِيٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٢٠

ٰٓ" يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ " يأمر الله تعالى المؤمنين بتقواه ويدعو الى التقوى أى حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، " وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَد" وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، " وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ" تأكيد ثان للأمر بتقوى الله لابراز أهمية التقوى وضرورة التمسك بها  ولأن التقوى هى خشية الله فى السر والعلن وأن تتعامل مع الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ومطلع على أقوالك وأفعالك يقول تعالى " إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ " أى اعلموا أن الله عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير ، " وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡ " نسوا الله أى نسوا ذكر الله فينهى الله عن التشبه بهم فيقول لا تنسوا ذكر الله تعالى فينسيكم العمل الصالح الذى ينفعكم فى معادكم فان الجزاء من جنس العمل ولهذا قال تعالى " أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ " أى من ينسون ذكر الله هم الخارجون عن طاعة الله الهالكون يوم القيامة الخاسرون يوم معادهم كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " ، "  لَا يَسۡتَوِيٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ" يقول الله عزوجل لايستوى فى حكم الله تعالى يوم القيامة أصحاب النار وأصحاب الجنة شتان بينهم ناس فى النعيم وناس فى الجحيم كما قال تعالى " أمحسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسىء قليلا ما تتذكرون " وكما قال تعالى " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " وكلها آيات دالات على أن الله تعالى يكرم الأبرار ويهين الفجار ولهذا قال تعالى هنا "أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ " يعقب الله عز وجل أن الناجون من عذاب الله الذين يدخلون الجنة هم الذين فازوا وغيرهم هم الذين خسروا .

لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ٢١ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ ٢٢ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٢٣ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٤

يقول الله تعالى معظما لأمر القرآن ومبينا علو قدره وأنه ينبغى أن تخشع له القلوب وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد الحق والوعيد الأكيد " لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ" أى فاذا كان الجبل فى غلظته وقساوته لوفهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف الله عز وجل فكيف يليق بكم يا أيها البشر أن لا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه وقال ابن عباس يقول الله عزوجل لو أنى أنزلت هذا القرآن على جبل حملته اياه لتصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله ، فأمر الله الناس اذا أنزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع ولهذا قالل تعالى " وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ " يقول عزوجل هذه الأمثال التى نضربها للناس كهذا المثل من نزول القرآن على الجبل وهو جماد فيشعر ويتحرك ويصيبه الخشوع فكيف أنتم أيها البشر لما لا تكونوا مثل هذا الجماد لما لا تتفكروا فهذه الأمثال تضرب لكم لتوضح لكم وتجعلكم تحسنون التفكير فى أمور الله وقد ثبت فى الحديث المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمل له المنبر وقدكان يوم الخطبة يقف الى جانب جذع من جذوع المسجد فلما وضع المنبر أول ما وضع وجاء النبى صلىالله عليه وسلم ليخطب فجاوز الجذع الى نحو المنبر فعند ذلك حن الجذع وجعل يئن كما يئن الصبى الذى يسكت لما كان يسمع من الذكر والوحى عنده قال الحسن البصرى بعد ايراده فأنتم أحق أن تشتاقوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع وهكذا هذه الآية الكريسمة اذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم ؟ وقال تعالى "وان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله" ، " هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ" أخبر تعالى أنه الذى لا اله الا هو فلا رب غيره ولا اله للوجود سواه وكل ما يعبد من دون الله باطل وأنه عالم الغيب والشهادة أى يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا فلا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء من جليل وحقير وصغير وكبير حتى الذر فى الظلماته ،  "هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ " هو رحمن الدنيا رحيم الآخرة والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما وقد قال تعالى " ورحمتى وسعت كل شىء " وقال تعالى " كتب ربكم على نفسه الرحمة " وقال تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هوخير مما يجمعون " ،"هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ " هو الله المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة ، "  ٱلۡقُدُّوسُ " قال ابن جريج تقدسه الملائكة الكرام وقال مجاهد وقتادة أى المبارك ، " ٱلسَّلَٰمُ " أى من جميع العيوب والنقائص لكماله فى ذاته وصفاته وأفعاله ، " ٱلۡمُؤۡمِنُ " قال ابن عباس أى أمن خلقه من أن يظلمهم وقال ابنزيد صدق عباده المؤمنين فى ايمانهم به وقال قتادة أمن بقوله أنه حق ، " ٱلۡمُهَيۡمِنُ " قال ابن عباس وغيره أى الشاهد على خلقه بأعمالهم بمعنى هو رقيب عليهم كقوله " والله على كل شىء شهيد "وقوله " ثم الله شهيد على ما يفعلون " وقوله " أفمن هوقائم على كل نفس بما كسبت " ، " ٱلۡعَزِيزُ " أى الذى قد عزعلى كل شىء فقهره وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه ولهذا قال تعالى " ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ " أى الذى لا تليق الجبرية الا له ولا التكبر الا لعظمته كما تقدم فى الصحيح " العظمة ازارى والكبرياء ردائى فمن نازعنى واحدا منها عذبته " وقال قتادة : الجبار الذى جبر خلقه على ما يشاء وقال ابن جرير الجبار المصلح أمور خلقه المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم ، وقال قتادة المتكبر يعنى عن كل سوء ، " سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " أى تنزه وتقدس وتسامى عن كل شرك به فلا يجوز اتخاذ أنداد ولا أوثان من دونه ، " هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُ"أى الذى اذا أراد شيئا قال له كن فيكون على الصفة التى يريد والصورة التى يختار كقوله " فى أى صورة ما شاء ركبك " ولهذا قال المصور أى الذى ينفذ ما يريد ايجاده على الصفة التى يريدها والخلق التقدير والبرء هو الفرى وهو التنفيذ وابراز ما قدره وقرره الى الوجود وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وايجاده سوى الله عز وجل ، "  لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ " تقدمالحديث عن ذلك فى سورة الأعراف وفى الحديث المروى فى الصحيحين عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان لله تعالى تسعة متسعين اسما مائة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة وهووتر يحب الوتر " يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ" كل ما فى السموات وفى الأرض يسبح الله ويقدسه كقولهتعالى " تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا" ،"وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " العزيزفلا يرام جنابه والحكيم فى شرعه وقدره .

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة الممتحنة

سورة الممتحنة سورة مدنية ، عدد آياتها 13 آية ، كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبى بلتعة وذلك أن حاطبا كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفا لعثمان ، فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها  العهد فأمر النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال " اللهم غم عليهم خبرنا " فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش الى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا زعم محمد بن جعفر أنها منمزينة وزعمغيره أنها سارة مولاة لبنى عبد المطلب وجعل لها جعلا على أن تبلغه لقريش فجعلته فى رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به  فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث فى اثر المرأة قال عبيد الله بن رافع أنه سمع عليا رضى الله عنه يقول : بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير بن العوام  والمقداد وكلنا فارس  فقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة ( امرأة من المشركين ) معها كتاب من حاطب بن أبى بلتعة الى المشركين  فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا فأدركناها تسير على بعير لها  حتى أتينا الروضة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  فاذا نحن بالظعينة قلنا أخرجى الكتاب ، قالت :ما معى كتاب ، فأنحناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم  قلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فلما رأت الجد أهوت الى حجزتها وهى محتجزة بكساء  قال فحلت قرون رأسها  فأخرجت الكتاب من عقاصها  فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يارسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعنى فلأضرب عنقه  فاذا فيه "من حاطب بن أبى بلتعة الى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا حاطب ما هذا ؟ " قال :لا تعجل على انى كنت أمرأ ملصقا فى قريش ولم أكن من أنفسهم وكان معك من المهاجرين لهم قربات يحمون أهليهم بمكة فأحببت اذ فاتنى ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون من بها قرابتى وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الاسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انه صدقكم " فقال عمر: دعنى  أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع الى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم فأنزل الله عز وجل فى حاطب " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ الى قوله " قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ " ، وتنتقل الآية عن ابراهيم عليه السلام بالمقارنة مما حدث من حاطب ، وتتحدث عن أمر آخر وهو ما كان من أمر قد حدث بعد صلح الحديبية لأمرأة ارادت اللحاق بالرسول صلى الله عليه وسلم ، تقدم فى سورة الفتح فى ذكر صلح الحديبية الذى وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينكفار قريش فكان فيه : على أن لا يأتيك منا رجل وانكان على دينك الا رددته الينا وهذه الآية التى وردت فى السورة " يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ " على طريقة بعض السلف الآية ناسخة فان الله عز وجل أمر عباده المؤمنين اذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن فان علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن الى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، عن عبد الله بن أبى أحمد قال :هاجرت أمكلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فى الهجرة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فيها أن يردها اليهما فنقض الله العهد بينه وبين المشركين فى النساء خاصة فمنعهم أن يردوهن الى المشركين وأنزل الله آية الامتحان وعن أبى نصر الأسدى قال سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ؟ قال : كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت رغبة عن أرض الى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا والله ما خرجت الا حبا لله ولرسوله وذكر البزار أن الذى كان يحلفن عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وقال العوفى عن ابن عباس كان امتحانهن أن يشهدن أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وقال مجاهد " فامتحنوهن " فاسألوهن عما جاء بهن فاذا كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن الى أزواجهن ، وقال عكرمة يقال لها ما جاء بك الا حب اللهورسوله ، وما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك فذلك قوله " فامتحنوهن " ، وقال قتادة كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوذ وما أخرجكن الا حب الاسلام وأهله وحرص عليه فاذا قلن ذلك قبل ذلك منهن .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١ إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ ٢ لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٣

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ"  ينهى الله تعالى المؤمنين عن اتخاذ أعداء الله واعدائهم من المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء  يبدون لهم الود والمحبة وهؤلاء المشركون هم قد كفروا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحق من ربه كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم " وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وكما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله ان كنتم مؤمنين " وقال تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل لك فليس من الله فى شىء الا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه " ،" يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ " هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بين أظهرهم ولهذا قال " أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ " أى لم يكن لكم عندهم ذنب الا ايمانكم بالله رب العالمين  يقول عز وجل عن المشركين أنهم هم من أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه من المهاجرين من مكة بسبب ايمانهم بالله عز وجل كراهة لما هم عليه من التوحيد واخلاص العبادة لله وحده كقوله تعالى " وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " وكقوله تعالى " الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله" ،"إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ " أى ان كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء أى ان كنتم خرجتم مجاهدين فى سبيلى باغين لمرضاتى عنكم فلا توالوا أعدائى وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حمقا عليكم وسخطا لدينكم ، " تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ " أى تبدون لهم المودة والمحبة فى السر وهذا ما كان من أمر حاطب فقد كان فى السر أى تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر ، "  وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ " يقول عز وجل أن من يفعل هذا الأمر وهو أن يبدى المودة والمحبة للكفار فى السر فقد بعد عن هداية الله ومنهجه وطريقه ،  "إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ " أى لو قدر الكفار عليكم لما أبقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعل ، " وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ " أى ويحرصون على أن لا تنالوا خيرا فتكونوا كفار مثلهم فهم عداوتهم لكم كامنة وظاهرة فكيف توالوا مثل هؤلاء ؟ وهذا تهييج على عداوتهم أيضا ، "  لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير " أى قرابتكم وما لديكم من أولاد لا تنفعكم عند الله يوم القيامة اذا أراد الله بكم سوءا ونفعهم لا يصل اليكم اذا أرضيتموهم بما يسخط الله ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد ولوكان قريبا الى نبى من الأنبياء وعن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبى ؟ قال " فى النار " فلما قفى دعاه فقال " ان أبى وأباك فى النار " .

قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ ٤ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٥ لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ٦ ۞

" قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ" يقول الله تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبرى منهم أن لهم القدوة الحسنة فى ابراهيم عليه السلام وأتباعه الذين آمنوا معه ،" إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ " يتحدث الله عزوجل عن ما قاله ابراهيم وأتباعه لقومهم انا تبرأنا منكم ومما تعبدونه من أوثان وأصنام من دون الله ،" كَفَرۡنَا بِكُمۡ " أى كفرنا بدينكم وطريقتكم ،" وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُ" يتحدث عز وجل عما يقوله ابراهيم عليه السلام وأتباعه المؤمنون الى قومهم لأنه قد  شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم الى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد والأصنام ، " اِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡء" أى لكم فى ابراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها الا فى استغفار ابراهيم عليه السلام لأبيه فانه كان عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ، وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم ويقولون ان ابراهيم عليه السلام كان يستغفر لأبيه فأنزل الله عز وجل " ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ان ابراهيم لأواه حليم " قال ابن عباس وغيره  ليس لكم فى ذلك أسوة أى فى الاستغفار للمشركين  ، قال الله تعالى مخبرا عن قول ابراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرءوا منهم فلجأوا الى الله وتضرعوا اليه " رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ " يقولوا ربنا توكلنا عليك فى جميع الأمور وسلمنا أمورنا اليك وفوضناها اليك وأنت اليك وحدك المصير أى المعاد فى الدار الآخرة ، "  رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ " قال ابن عباس أنهم يقولون ربنا لا تسلط الذين كفروا علينا فيفتنونا وقال قتادة لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك يرون أنهم انما ظهروا علينا لحق هم عليه وقال مجاهد لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا ، " وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ" أى واستر ذنوبنا عن غيرك واعف عنها فيما بيننا وبينك ، " إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " انك يا الله العزيز الذى لا يضام من لاذ بجنابك وأنت الحكيم فى أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك ، "  لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَة" هذا تأكيد لما تقدم ومستثنى منه ما تقدم أيضا لأن الأسوة المثنية هنا هى الأولى بعينها ، " لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ"  هذه الأسوة الحسنة والقدوة فى ابراهيم عليه السلام وأتباعه انما هى لمن كان رجاؤه ومقصده هو الله وحده ويوم المعاد وهذا تهييج الى ذلك لكل مؤمن بالله والمعاد ،"  وَمَن يَتَوَلَّ " يقول عز وجل معقبا أن من بعد وأعرض عما أمر الله به ،  "فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ " قال ابن عباس الله هو الغنى الذى قد كمل فى غناه وهو الله وهذه صفته لا تنبغى الا له ليس له كفء وليس كمثله شىء سبحانه الواحد القهار والحميد المستحمد الى خلقه أى هو المحمود فى جميع أقواله وأفعاله لا اله غيره ولا رب سواه .

عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٧ لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨ إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٩

" عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّة" يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين أى قد يقدر الله بقدره أن تكون بينكم وبين الذين عاديتممن المشركين نحبة بعد البغضة ومودة بعد النفرة وألفة بعد الفرقة  ، " وَٱللَّهُ قَدِير" يعقب الله عز وجل أنه قادر على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة كما قال تعالى ممتنا على الأنصار "واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " وكذا قال لهم النبى صلى الله عليه وسلم"ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى وكنتممتفرقين فألفكم الله بى ؟ " وقال الله تعالى " هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلةبعم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم انه عزيز حكيم "  ، " وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم" أى يغفر للكافرين كفرهم اذا تابوا منه وأنابوا الى ربهم وأسلموا له وهو الغفور الرحيم بكل من تاب اليه من أى ذنب كان ، " لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ" يقول الله عزوجل للمؤمنين لا ينهاكم عن الاحسان الى الكفرة الذين لا يقاتلونكم فى الدين ولما يظاهروا أى يعاونوا عل اخراجكم كالنساء والضعفاء منهم أن تحنوا اليهم وتعدلوا اليهم ، " إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ " المقسطون هم من يعدلون ويتوخون العدل فهم أحباب الله وقدتقدم تفسير ذلك فى سورة الحجرات وأورد الحديث الصحيح " المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش ، الذين يعدلون فى حكمهم وأهاليهم وما ولوا " ، " إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡ" يقول الله تعالى انما ينهاكم عنموالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على اخراجكم ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال " وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ "أى من يوالى هؤلاء فقد ابتعد عن الطريق الصحيح وجاوز الحق والقسط كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهودوالنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدى القوم الظالمين" . 

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡ‍َٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡ‍َٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ١٠ وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَ‍َٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ ١١

ٰٓ"يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّ" يدعو الله عز وجل الى عدم رد المؤمنات الى الكفار بعد صلح الحديبية اذا جئن مهاجرات يمتحن بقصد معرفة هل جئن ايمانا بالاسلام وشهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، " ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنّ" يقول الله عز وجل أنه يعلم باخلاص كل واحدق فى ايمانها ، "  فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ" هذا فيه دلالة على أن الايمان يمكن الاطلاع عليه يقينا أى فاذا تأكد لكم بعد امتحانهن أنهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار بل اقبلوهن وبرر ذلكبقوله " لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ" فهؤلاء المؤمنات لا يحللن للكفار لكى يتزوجوا منهن ، وهذه الاية هى التى حرمت المسلمات على المشركين وقد كان جائزا فى ابتداء الاسلام أن يتزوج المشرك مؤمنة ولهذا كان أمر أبى العاص بن الربيع زوج ابنة النبى صلى الله عليه وسلم زينب رضى الله عنها وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه فلما وقع فى الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب فى فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين " ان رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا " ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته اليه فوفى له بذلك وصدقه فيما وعده وبعثها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضى الله عنه فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر وكانت سنة اثنتين الى أن أسلم زوجها أبو العاص ابن الربيع سنة ثمان فردها عليه بالنكاح الأول ولم يحدث لها صداقا وقال ابن عباس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبى العاص وكانت هجرتها قبل اسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا ، ومنهممن يقول بعد سنتين وهوصحيح لأن اسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين ، "  وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ " يعنى أزواج المشركين ادفعوا اليهم الذى غرموه عليهن من الأصدقة ، " وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ" يعنى اذا أعطيتموهن أصدقتهن فانكحوهن أى تزوجوهن بشرطه من انقضاء العدة والولى وغير ذلك ، " وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ " تحريممن الله عز وجل علىعباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرا معهن وعن المسور بنمروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاء نساء من المؤمنات فأنزل الله عز وجل هذه الآيات الى قوله " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين تزوج احداهما معاوية بن أبى سفيان والأخرى صفوان بن أمية وعن الزهرى لما أنزلت هذه الآية وأمر الله أن ترد النساء الصداق الى أزواجهن وحكم على المشركين مثل ذلك اذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق الى أزواجهن وقال " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم انما حكم الله بينهم بذلك لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد وعن الزهرى قال طلق عمر يومئذ قريبة بنت أبى أمية بن المغيرة فتزوجها معاوية وأمكلثوم بنت عمرو بنحرول الخزاعية وهى أم عبيد الله فتزوجها أبوجهم بن حذيفة بن غانم رجل من قومه وهما على شركهما ، طلق طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فتزوجها من بعده خالد بن سعيد بن العاص ،" وَسۡ‍َٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡ‍َٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْ" أى وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتى يذهبن الى الكفار ان ذهبن وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتى هاجرن الى المسلمين ، " ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ" أى فى الصلح واستثناء النساء منه والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه ،" وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم" أى الله عز وجل عليم بما يصلح عباده حكيم فى ذلك ، " وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَ‍َٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ" قال مجاهد وقتادة هذا فى الكفار الذين ليس لهم عهد اذا فرت اليهم امرأة ولميدفعوا الى زوجها شيئا فاذا جاءت منهمامرأة لا يدفع الى زوجها شىء حتى يدفع الى زوج الذاهبة اليهم مثل نفقته عليها ،÷ قال ابن جرير عن الزهرى قال أقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التى أنفقوا على نسائهم وأتى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين فقال الله تعالى هذه الآية "وان فاتكم ---"  فلو أنها ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين الى المشركين رد المؤمنون الى زوجها النفقة التى أنفق عليها من العقب الذى بأيديهم الذى أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التى أنفقوا على أزواجهم اللاتى آمن وهاجرن ثم ردوا الى المشركين فضلى منزلهم لن كلن بقى لهم ، والعقب ما كان بقى من صداق نساء كفار حين آمن وهاجرن وقال ابن عباس : يعنى ان لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعطى مثل ما أنفق من الغنيمة وقال مجاهد " فعاقبتم " أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم " فآتوا الذين   هبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " يعنى مهر مثلها ، وفى هذا لا ينافى الأول لأنه ان أمكن الأول فهة الأولى والا فمن الغنائم اللاتى تؤخذ من أيدى الكفارلا ،وهذا أوسع وهو اختيار ابن جرير ،  "وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ " يدعوالله المؤمنين الى تقواه فيما شرع وفرض ليدللوا على صحة ايمانهم .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٢

عن عروة أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليهوسلم كان يمتحن من هاجر اليه من المؤمنات بهذه الاية فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليهوسلم " قد بايعتك " كلاما ، ولا والله ما مست يده يد امرأة فى المبايعة قط ، ما يبايععهن الا بقوله " قد بايعتك على ذلك " ، " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ "  يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم مبجلا له مثنيا عليه فلم يخاطبه باسمه ولكن بقوله " يأيها النبى " ، " إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ "  وتحدث الله عز وجل عن شروط البيعة وهى عدم الشرك بالله وعدم اقتراف السرقة والزنى وعدم قتل الأولاد بالاجهاض وغيره قبل الولادة أو بعد ميلادهم كما كان يحدث من وأد للبنات ، "  وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ " قال ابن عباس يعنى لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم ويؤيد هذا الحديث عن أبى عريرة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شىء ولن يدخلها الله الجنة ن وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الأولين والأخرين " ، " وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوف" يعنى فيما أمرتهن به من معروف ونهيتهن عنه من منكر وعن ابن عباس قال " ولا يعصينك فى معروف " انما هو شرط شرطه الله للنساء وعن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى " ولا يعصينك فى معروف " قال النوح وعن أسيد بن أبى أسيد البزار عن امرأة من المبايعات قالت كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نعصينه فى معروف أن لا نخمش وجها ولا ننشر شعرا ولا نشق جسبا ولا ندعو ويلا ، " فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ" يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن المؤمنات اذا بايعنك على ما ذكر فبايعهم واطلب لهن المغفرة من الله لما سبق من ذنوبهن ، " إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم " يعقب الله عز وجل أنه يقبل هذا الاستغفار للمؤمنات فهو الغفور الذى يقبل التوبة ويتجاوز عن الذنوب برحمته بعباده .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡقُبُورِ ١٣

ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين فى آخر هذه السورة كما نهى عنها فى أولها فقال تعالى ٰٓ" يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ " القوم الذين غضب عليهم الله هم اليهود والنصارى وسائر الكفار ممن غضب الله عليه ولعنه واستحق من الله الطرد والابعاد فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء ،  " قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِ "  وهؤلاء الكفار قد يئسوا من الآخرة أى من ثواب الآخرة ونعيمها فى حكم الله عز وجل ، "  كَمَا يَئِسَ ٱلۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡقُبُورِ " ففيه قولان أحدهما كما يئس الكفار الأحياء من قراباتهم الذين فى القبور أن يجتمعوا بهم بعد ذلك لأنهم لا يعتقدون بعثا ولا نشورا فقد انقطع رجاؤهم منهم فيما يعتقدونه وقال ابن عباس يعنى من مات من الذين كفروا فقد يئس الأحياء من الذين كفروا أن يرجعوا اليهم أو يبعثهم الله عز وجل وقال الحسن البصرى الكفار الأحياء قد يئسوا من الأموات وقال قتادة كما يئس الكفار أن يرجع اليهم أصحاب القبور الذين ماتوا ،والقول الثانى معناه كما يئس الكفار الذين هم فى القبور من كل خير وقال ابن مسعود كما يئس الكافر اذا مات وعاين ثوابه واطلع عليه .

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة الصف

سورة الصف سورة مدنية ، وعدد آياتها 14 آية ، فى السورة حث للمؤمنين على الفعل وعدم الاكتفاء بالقول ، وحث على الجهاد فى سبيل الله ، عن عبد الله بن سلام قال تذاكرنا أيكم يأتى رسول الله صلى الله عليه وسام فيسأله أى الأعمال أحب الى الله فلم يقم أحد منا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الينا رجلا رجلا فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة يعنى سورة الصف كلها ، وفى قول آخر عن عبد الله بن سلام قال " قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا لو نعلمأى الأعمال أحب الى الله عز وجل لعملناه فأنزل الله تعالى" سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ  " فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سلمة فقرأها علينا ابن سلام قال يحيى فقرأها علينا أبو سلمة قال ابن كثير فقرأها علينا الأوزاعى قال عبد الله فقرأها علينا ابن كثير .

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٢ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٣ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ ٤

" سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " يخبر تعالى أن جميع ما فى السموات وما فى الأرض من شىء يسبح له ويمجده ويقدسه ويصلى الله ويوحده كقوله تعالى " تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " وقوله تعالى " وهو العزيز " أى منيع الجناب " الحكيم " فى قدره وشرعه ، " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ " هذا انكار على من يعد وعدا أو يقول قولا لا يفى به فالله عز وجل يخاطب المؤمنين وينهاهم عن مخافة ما يقولن ويعدون به ولا ينفذونه ، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف الى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا سواء ترتب عليه عزم للموعود أم لا واحتجوا أيضا من السنة بما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " آية المنافق ثلاث اذا وعد أخلف ، واذا حدث كذب ، واذا اؤتمن خان ، وفى الحديث الآخر فى الصحيح " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها " فذكر منهن اخلاف الوعد ، " كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ" أكد الله تعالى هذا الانكار على المؤمنين بهذه الآية بقوله "كبر مقتا " المقت هو الكره والبغض الشديد وعظمه تعالى بقوله كبر أى عظم وهذا انكار شديد لهذا الفعل من الله لمن يفعله من المؤمنين وهو القول والوعد بعمل شىء ولا يتم انجازه ، وهذا من الأمور الخطيرة التى يمكن أن يترتب عليها نتائج سيئة فلو اعتمدت المعاملات على الوعود الكاذبة لانهارت الآمال وانتشر الكذب فى المجتمع واهتزت الثقة ونحن نعلم أن كثير من الشعوب تنهار بسبب الوعود الكاذبة من حكامها وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبى فذهبت لأخرج لألعب فقالت أمى : يا عبد الله تعالى أعطك " فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما أردت أن تعطيه ؟ " قالت : تمرا " فقال " أما انك لو لم تفعلى كتبت عليك كذبة " وذهب الامام مالك الى أنه اذا تعلق بالوعد عزم على الموعود وجب الوفاء به كما لو قال لغيره تزوج ولك على كل يوم كذا فتزوج وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك لأنه تعلق به حق آدمى وهومبنى على المضايقة  ، وذهب جمهور الى أنه لا يجب مطلقا وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى " ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا الى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت ولوكنتم فى بروج مشيدة " وقال تعالى " ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فاذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين فى قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشى عليه من الموت " ، وعن ابن عباس قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال اليه فنعمل به فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن أحب الأعمال ايمان به لا شك فيه وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الايمان ولم يقروا به فلما نزل الجهاد كره ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال سبحانه وتعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ " ، قال مقاتل بن حيان قال المؤمنون لونعلم أحب الأعمال الى الله لعملنا به فدلهم الله على أحب الأعمال اليه فقال "  إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوص " فبين لهم فابتلوا يوم أحد بذلك فولوا عن النبى صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله فى ذلك " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ " وقال : أحبكم الى من قاتل فى سبيلى ، وقال ابن زيد نزلت فى قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر ولا يفون لهم بذلك وقال مالك عن زيد بن أسلم " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ" قال الجهاد وقال مجاهد " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ " الى قوله " كأنهم بنيان مرصوص " أنه كان نفر من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة قالوا فى مجلس لونعلم أى الأعمال أحب الى الله لعملنا به حتى نموت فأنزل الله تعالى هذا فيهم فقال عبد الله بن رواحة لا أبرح حبيسا فى سبيل الله حتى أموت فقتل شهيدا ، إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوص " هذا اخبار من الله تعالى بمحبته عباده المؤمنين اذا اصطفوا مواجهين لأعداء الله فى حومة الوغى يقاتلون فى سبيل الله من كفر بالله لتكون كلمة الله هى العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يضحك الله اليهم : الرجل يقوم من الليل ، والقوم اذا صفوا للصلاة ، والقوم اذا صفوا للقتال " وقال سعيد بن جبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو الا أن يصافهم ، وهذا تعليم من الله للمؤمنين ، وفى قوله تعالى " كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوص " أى ملتصق بعضه ببعض من الصف فى القتال وقال مقاتل بن حيان ملتصق بعضه ببعض وقال ابن عباس مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض ، وهذا أسلوب من القتال تتخذه الجيوش حينما تريد غزو العدو والسيطرة على مكان ما ولو حدث اختراق للتحرك الذى يسير فى صف واحد يمكن أن يلتف العدو على الجيش أوجزء منه ويقضى عليه بعد أن يربك حركته ، والجيوش تحرص أن لا يكون هناك فواصل  بينها ولكن يكون الجيش فى تحركه كأنه بنيان قوى متراص تساند أسلحته بعضها البعض من قوات برية وجوية وبحرية الكل يتحرك فى صف واحد بنيان متصل متراص ، وهذا من معجزات القرآن الذى يتحدث عن التكتيك الحربى الذى تتبعه الجيوش فى مقابة العدو لرده وردعه أو لاحتلال مكان أو لاسترداد أرض ، يجب أن يكون هناك تلاحم بين قوات الجيش وأسلحة الجيش .

وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ٥ وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٦

" وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ" يخبر الله عز وجل عن عبده ورسوله وكليمه موسى عليه ا لسلام  أنه قال لقومه لم توصلون الأذى الى وأنت تعلمون صدقى فيما جئتكم به من الرسالة ، وفى هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصابه من الكفار من قومه وغيرهم وأمر له بالصبر ولهذا قال " رحمة الله على موسى : لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر " وفيه نهى للمؤمنين أن ينالوا من النبى صلى الله عليه وسلم أو يوصلوا اليه أذى كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها " ، " فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ" يقول عز وجل عن بنى اسرائيل أنهم لما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به أزاغ الله قلوبهم عن الهدى وأسكنها الشك والحيرة والخذلان كما قال تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " ولهذا قال تعالى " وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ " أى أن الذين فسقوا أى خرجوا بالمعصية عن طريق الله لا يوفقهم الله الى الهدى كقوله " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون " ،" وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَد" تتحدث الآية عن بشارة عيسى عليه السلام بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الآية أن التوراة قد بشرت بى وأنا مصداق ما أخبرت عنه وأنا مبشر بمن بعدى وهو الرسول النبى الأمى العربى المكى أحمد ، فعيسى عليه السلام وهو خاتم أنبياء بنى اسرائيل وقد أقام فى ملأ بنى اسرائيل مبشرا بمحمد وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذى لا رسالة بعده ولا نبوة وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان لى أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحى الذى يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى وأنا العاقب " وعن أبى موسى قال سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء منها ما حفظنا فقال " أنا محمد وأنا أحمد والحاشر والمقفى ونبى الرحمة والتوبة والملحمة " وعن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عفليه وسلم أنهم قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك " قال " دعوة أبى ابراهيم وبشرى عيسى ورأت أمى حين حملت بى كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام " ، " فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِين " يتحدث الله عزوجل عن ردت بنى اسرائيل حين جاءهم بالآيت الدالة على نبوته وأنه مرسل من ربه مثل احياء الموتى ورد البصر للأعمى وشفاء الجزام والبرص فاتهموه بالسحر الواضح وقالوا على ما جاءهم به انه سحر مبين أى واضح بين ، وقال ابن جريج وابنجرير " فلما جاءهم " أحمد أى المبشر به فى الأعصار المتقادمة المنوه بذكره فى القرون السالفة ، لما ظهر أمره وجاء بالبينات قال الكفرة والمخالفون " هذا سحر مبين " .

وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُوَ يُدۡعَىٰٓ إِلَى ٱلۡإِسۡلَٰمِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٧ يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٩

" وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُوَ يُدۡعَىٰٓ إِلَى ٱلۡإِسۡلَٰمِۚ " يقول الله تعالى لا أحد أظلم أى أكثر ظلما ممن يفترى الكذب على الله ويجعل له أندادا وشركاء وهو يدعى الى التوحيد والاخلاص أو الى دين الاسلام لأن الله قال " ان الدين عند الله الاسلام " والأقوى هو ما يعنيه اللفظ وهو الاسلام وهو أعم وأشمل ولهذا قال تعالى " وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ " تحدث فى الآية السابقة أن الله لا يهدى القوم الفاسقين وفى هذه الآية القوم الظالمين والظلم كذلك تعنى الكفر ،فان الكفر لظلم عظيم لأن الظلم هو تجاوز الحد والبعد عن العدل فكذلك الكفر هو بعد عن طريق الحق وتجاوزه فان الهدى هو هدى الله يهدى من يشاء ويضل من يشاء وهو وحده الذى بيده الهداية والضلالة لمن عميت قلوبهم وأبصارهم عن الحق ، "يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ" يعقب الله تعالى على ما يفعله الكافرون فهم يحاولون أن يردوا الحق بالباطل ومثلهم فى ذلك كمثل من يريد أن يطفىء الشمس بفيه وكما أن هذا مستحيل كذلك ذلك مستحيل ولهذا قال تعالى  "وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ " يقول عز وجل مبشرا رسوله صلى الله عليه وسلم بنصره على الكافرين أنه سيتم نوره وهو دينه رغم كراهة الكفار من مكة وغيرها لذلك ومحاربتهم له ، "هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ " ويتحدث الله عز وجل عن تأييده لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه هو الذى أرسله من عنده بدينه الذى يهدى به البشرية وأرسله بدين الحق وهو الاسلام وأنه سوف ينصره على الدين كله وهذا ما تحقق فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده على يدى الصحابة شرقا وغربا رغم أنف المشركين من كفار مكة وغيرها ، فهذه بشرى من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بنصر الاسلام .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ١٠ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١١ يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٢ وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٣

تقدم فى حديث عبد الله بن سلام أن الصحابة رضى الله عنهم أرادوا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال الى الله عز وجل ليفعلوه فأنزل الله تعالى هذه السورة ومن جملتها هذه الآية  "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيم" يخاطب الله عزوجل المؤمنين أنه بعد أن لفت انتباههم بالاستفهام " هل أدلكم " هل أرشدكم ؟ الى تجارة وهى التجارة مع الله التى تنجى من العذاب الأليم فى الآخرة وهى من أربح وأعظم التجارات بالله يعطى الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف وهى تجارة باقية عكس تجارة الدنيا الفانية ، " تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ" فسر الله عز وجل هذه التجارة العظيمة التى لا تبور والتى هى محصلة للمقصود ومزيلة للمحذور ، " ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " هذه التجارة مع الله خير لكم من تجارة الدنيا والكد لها والتصدى لها وحدها لوتعلمون ذلك ،" يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡن" يقول عز وجل ان فعلتم هذا وهو التجارة مع الله وهى فعل الخيرات واتباع طريق الله قولا وفعلا فالجزاء من الله هو غفران الذنوب ودخول الجنة والاستمتاع بما فيها من جنات تجرى من تحتها الأنهار والمساكن الطيبة فى جنات عدن ، "ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ " هذا الجزاء من الله هو الفوز العظيم الذى لا عظمة تتعداه ، " وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ " يقول الله تعالى للمؤمنين وأزيدكم على الجزاء فى الآخرة الجزاء فى الدنيا وهى زيادة تحبونها وهى النصر من الله اذا قاتلتم فى سبيله ونصرتم دينه تكفل الله بنصركم كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " وقال تعالى "ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز " ،  "وَفَتۡحٞ قَرِيب " أى وفتح عاجل فهذه الزيادة هى خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة لمن أطاع الله ورسوله ونصر الله ودينه ولهذا قال تعالى " وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ المؤمنين بالبشرى لهم فى الدنيا بالنصر وفى الآخرة بالجنة والجزاء العظيم .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّ‍ۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَ‍َٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّ‍ۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ" يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله فى جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى بن مريم عندما قال لهم من معينى فى الدعوة الى الله عز وجل ، "  قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ" رد الحواريون وهم أتباع عيسى عليه السلام نحن أنصارك على ما أرسلت به وموازروك على ذلك ولهذا بعثهم دعاة الى الناس فى بلاد الشام فى الاسرائيليين واليونانيين وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى أيام الحج " من رجل يؤوينى حتى أبلغ رسالة ربى ، فان قريشا قد منعونى أن أبلغ رسالة ربى " حتى قيض الله عز وجل له الأوس والخزرج من أهل المدينة فبايعوه ووازروه وشارطوه أن يمنعوه من أعدائه ان هو هاجر اليهم فلما هاجر اليهم بمن معه من أصحابه وفوا له بما عاهدوه عليه ولهذا سماهم الله ورسوله الأنصار وصار ذلك علما عليهم رضى الله عنهم وأرضاهم ، " فَ‍َٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَة" يعنى الطائفة التى كفرت من بنى اسرائيل فى زمن عيسى عليه السلام والطائفة التى آمنت فى زمن عيسى عليه السلام  لما بلغ عيسى ابن مريم عليه السلام رسالة ربه الى قومه ووازره من وازره من الحواريين اهتدت طائفة من بنى اسرائيل بما جاءهم به وضلت طائفة فخرجت عما جاءهم به وجحدوا نبوته ورموه وأمه بالعظائم وغلت فيه طائفة ممن اتبعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة وافترقوا فرقا وشيعا فمن قائل منهم انه ابن الله وقائل انه ثالث ثلاثة : الأب والأبن وروح القدس ، ومن قائل انه الله أو اله ، وكل هذه الأقوال مفصلة فى سورة النساء ، " فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ " أى نصرنا من اتبعه على من عاداهم من الفرق الأخرى من فرق النصارى وغيرهم ، " فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ " أى منتصرين عليهم وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وباظهار محمد صلى الله عليه وسلم دينهم على دين الكفار  كما قال ابن عباس تفرقوا فيه ثلاث فرق فقالت فرقة كان الله فينا ما شاء ثم صعد الى السماء وهؤلاء اليعقوبية ، وقالت فرقة كان فينا ابن الله ما شاء الله ثم رفعه الله اليه وهؤلاء النسطورية ، وقالت فرقة كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله اليه وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الاسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يزالون ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر الله وهم كذلك وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام كما وردت بذلك الأحاديث الصحاح .

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة الجمعة

سورة الجمعة هى سورة مدنية ، عدد آياتها 11 آية ، وهى تبدأ كمن سبقها بالتسبيح ولكن فى زمن المضارع " يسبح " وما سبقها فى الماضى " سبح " وهناك سور تبدأ ب " سبحان " كسورة الاسراء ،كل الكلمات الدالة على التسبيح استخدمت فى الآيات بصيغها " يسبح - سبح- سبحان - والأمر كذلك " سبح اسم ربك الأعلى " وهو فعل التنزيه لله تعالى عما سواهوتبجيله وتقديسه فهو المستحق لذلك بكل الصيخ وفى كل الأوقات ماضى وحاضر ومستقبل وصباحا ومساءا وفى كل أوقات اليوم ، فالتسبيحدائم لا بنقطع فى السموات من تسبيح الملائكة , وفى الأرض من تسبيح الكائنات ولذلك قال " ما فى السموات وما فى الأرض " ، وعن ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين " رواه مسلم فى صحيحه ، والسورة دعوة الى الالتزام بصلاة الجمعة ، وانما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع فان أهل الاسلام يجتمعون فيه من كل أسبوع مرة وفيهكمل جميع الخلائق فانه اليوم السادس من الستة التى خلق الله فيها السموات والأرض وفيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا الا أعطاه اياه كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح وقال سلمان قال ابو القاسم صلى الله عليه وسلم " يا سلمان ما يوم الجمعة ؟ قلت : الله ورسوله أعلم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوم الجمعة يوم جمع الله فيه أبواكم أو أبوكم " ، وقد كان يقال له فى اللغة القديمة يوم العروبة ، وثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه ، واختار اليهود يوم السبت واختار النصارى يوم الأحد واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذى أكمل الله فيه الخليقة فعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم ان هذا يومهم الذى فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد " وفى لفظ مسلم " اضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعى والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضى بينهم قبل الخلائق .   

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ١ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢ وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ٤

" يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ " يخبر تعالى أنه يسبح له ما فى السموات وما فى الأرض أى من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها كما قال تعالى " وان من شىء الا يسبح بحمده " ثم قال تعالى "ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ " أى هو مالك السموات والأرض المتصرف فيها بحكمه وهو المقدس أى المنزه عن النقائص الموصوف بصفات الكمال ،" ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ " وقوله تعالى " وهو العزيز " أى منيع الجناب " الحكيم " فى قدره وشرعه ، " هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ " الأميون هم العرب كما قال تعالى " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعباد " وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفى من عداهم ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر كما قال تعالى " وانه لذكر لك ولقومك " وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به وكذا قال تعالى" وأنذر عشيرتك الأقربين " وهذا وأمثاله لا ينافى قوله تعالى " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " وقوله " لأنذركم به ومن بلغ " وقوله تعالى اخبارا عن القرآن " ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده " الى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم بعثته صلى الله عليه وسلم الى جميع الخلق وقد تقدم تفسير ذلك فى سورة الأنعام بالآيات والأحاديث الصحيحة وهذه الآية هى مصداق اجابة الله لخليله ابراهيم عليه السلام حين دعا لأهل مكة أن يبعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فبعثه الله سبحانه وتعالى على حين فترة من الرسل وطموس من السبل وقد اشتدت الحاجة اليه وقد مقت الله أهل الأرض الا بقايا من أهل الكتاب أى نزرا يسيرا مما بعث الله به عيسى ابن مريم عليه السلام ولهذا قال تعالى " هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِين" وذلك أن العرب كانوا قديما متمسكين بدين ابراهيم الخليل عليه السلام فبدلوه وغيروه وقلبوه وخالفوه واستبدلوا التوحيد شركا وباليقين شكا وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها ، " يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِين"  فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق فيه هدايتهم والبيان لجميع ما يحتاجون اليه من أمر معاشهم ومعادهم والدعوة لهم الى ما يقربهم الى الجنة ورضا الله عنهم والنهى عما يقربهم من النار وسخط الله تعالى ، حاكم فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب فى الأصول والفروع وجمع له تعالى جميع المحاسن ممن كان قبله وأعطاه ما لم يعط أحدا من الأولين ولم يعطه أحدا من الآخرين آيات الله التى تتلى هى ما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من كتابه وهو القرآن الكريم  والتزكية هى التفضيل من الله على سائر الأمم والكتاب هو القرآن والحكمة هى السنة النبوية وكان العرب قبل ذلك فى ضلال الجاهلية الواضح من شرك وعبادة الأصنام والأوثان وغير ذلك من ممارسات وعادات الجاهلية  ، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبى صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة " وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ  لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِم" قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا وفينا سلمان الفارسى فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسى ثم قال " لو كان الايمان عند الثريا لناله رجاله أو رجل من هؤلاء " ففى هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية وعلى عموم بعثته صلى الله عليه وسلم الى جميع الناس لأنه فسر قوله تعالى " وآخرين منهم " بفارس ولهذا كتب كتبه الى فارس والروم وغيرهم من الأمم يدعوهم الى الله عز وجل والى اتباع ما جاء به ولهذا قال مجاهد وغيره هم الأعاجم وكل من صدق النبى صلى الله عليه وسلم من غير العرب وعن سهل بن سعد الساعدى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان فى أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتى يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ " وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡ" يعنى بقية من بقى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، "  وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " أى ذو العزة والحكمة فى شرعه وقدره ،" ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ " الفضل هو ما أعطاه الله محمدا صلى الله عليه وسلم من النبوة العظيمة وما خص به أمته من بعثته صلى الله عليه وسلم هو وحده الذى يهبه ويمنحه لمن يريد بمشيئته وارادته  فهو وحده الذى له الفضل العظيم على العباد وله المنة والحمد .

مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥ قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٦ وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ٧ قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٨

" مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢا" يقول تعالى ذاما لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها مثلهم فى ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا أى كمثل الحمار اذا حمل كتبا لا يدرى ما فيها فهو يحملها حملا حسيا ولا يدرى ما عليه ، وكذلك هؤلاء فى حملهم الكتاب الذى أتوه حفظوه لفظا ولم يتفهموه ولا عملوا بمقتضاه بل أولوه وحرفوه وبدلوه فهم أسوأ حالا من الحمير لأن الحمار لا فهم له وهؤلاء لهم فهوم ولم يستعملوها ولهذا قال تعالى فى الآية الأخرى " أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " وقال تعالى هنا "بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ " يذم الله من حملوا التوراة ولم يعملوا بما جاء بها كذبوا بآيات الله هم قوم مذمومون ملعونون وهم بعيدون عن الهداية لبعدهم عن الحق  مستحقون لذلك فالله يهدى من يشاء ويضل من يشاء وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل اسفارا والذى يقول له أنصت ليس له جمعة "  ، " قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يقول الله تعالى مخاطبا اليهود بقوله ان كنتم تزعمون أنكم على هدى وأن محمدا وأصحابه على ضلالة فادعوا بالموت على الضال من الفئتين ان كنتم صادقين أى فيما تزعمونه وقال تعالى "  وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ" يستبعد الله تعالى عن اليهود أن يفعلوا ذلك بما يعملون من الكفر والظلم والفجور ، " وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ " والله يعلم بأحوال هؤلاء الظالمين من أقوال وأفعال وقد تقدم الكلام فى سورة البقرة على هذه المباهلة لليهود حيث قال تعالى " قل ان كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين * ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون " وتقدمت مباهلة النصارى فى آل عمران " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ومباهلة المشركين فى سورة مريم "قل من كان فى الضلالة فليمدد له الرحمن مدا "  وعن ابن عباس قال : قال أبو جهل ان رأيت محمدا عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا " ، يرد الله على اليهود فيما طلب منهم اثباتا على صدقهم من تمنى الموت واستبعاده أن يفعلوا ذلك فهم أشد الناس على الحياة وما فيها من ملذات وأمور مادية حتى يومنا هذا ويخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول " قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " الموت الذى يبعدون عنه ولا يطيقون حتى الحديث عنه فهم أهل دنيا وعملهم لها ولا يفكرون أبدا فى آخرتهم وكأن الموت أمر بعيد عنهم هو حتما آخرتهم وآخرة كل الأحياء وكل الأشياء " كل من عليها فان " والعودة لله وحده يوم القيامة الذى يعلم ما هو باطن مخفى وما هو ظاهر علنى واضح ويكون الحساب يوم القيامة ويخبر الانسان بكل أقواله وأفعاله لا تخفى منه خافية وهذا كقوله فى سورة النساء " أينما تكونوا يدركم الموت ولوكنتم فى بروج مشيدة " . 

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ١٠

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ " المراد بالسعى هنا المشى السريع وانما هو الاهتمام بها كقوله تعالى " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن " وكان عمر بن الخطاب وابنمسعود يقرآنها " فامضوا الى ذكر الله " فأما المشى السريع الى الصلاة فقد نهى عنه لما أخرجاه فى الصحيحين عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذا سمعتم الاقامة فامشوا الى الصلاة ةعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " وعن أبى قتادة قال : بينما نحن نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم اذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال " ما شأنكم ؟ " قالوا : استعجلنا الى الصلاة قال " فلا تفعلوا : اذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " وقال الحسن أما والله ما هو بالسعى على الأقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة الا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وقال قتادة يعنى أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشى اليها ، ويستحب لمن جاء الى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه اليها لما ثبت فى الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا جاء أحدكم الى الجمعة فليغتسل " وعن أبى هريرة رضى  الله عنه قال " حق لله  على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام ، يغسل راسه وجسده " وقوله تعالى " اذا نودى للصلاة من يوم الجمعة " المراد بها النداء الثانى الذى كان يفعل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج فجلس على المنبر فانه كانحينئذ يؤذن بين يديه فهذا هو المراد فأما النداء الأول زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه فانما كان لكثرة الناس وعن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله اذا جلس الامام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس زاد النداء الثانى على الزوراء يعنى يؤذن على الدار التى تسمى الزوراء وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد وعنةمكحول أن النداء كان فى الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الامام ثم تقام الصلاة وذلك النداء الذى يحرم عنده الشراء والبيع اذا نودى به ،  " وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ " أى اسعوا الى ذكر الله واتركوا البيع اذا نودى للصلاة وخص البيع عن الشراء لأن البيع هو الذى فيه المكسب والمغنم فى أغلب الحال فالتاجر يربح حين يبيع ويحصل المكسب من البضاعة المشتراة ،"  ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " أى ترككم البيع واقبالكم على ذكر الله والى الصلاة خير لكم أى فى الدنيا والآخرة ان كنتم تعلمون ذلك ، "  فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ " أى اذا فرغ من الصلاة وانتهت ، "  فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ " لما حجر عليهم فى التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع أذن لهم بعد الفراغ فى الانتشار فى الأرض والابتغاء من فضل الله ، " وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ " أى حال بيعكم وشرائكم وأخذكم واعطائكم اذكروا الله كثيرا ولا تشغلكم الدنيا عن الذى ينفعكم فى الدار الآخرة ولهذا جاء فى الحديث " من دخل سوقا من الأسواق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة " وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا .

وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ١١

يعاتب الله تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة الى التجارة التى قدمت الى المدينة يومئذ  وعن جابر بن عبد الله قال : بينما النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم لجمعة فقدمت عير الى المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا اثنا عشر رجلا وقال كان فى الاثنى عشر الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادى نارا " ونزلت هذه الآية فقال تعالى " وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ" أى على المنبر تخطب وفى قوله " وتركوك قائما " دليل على أن الامام يخطب يوم الجمعة قائما ، وقال مقاتل بنحيان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى اذا كان يوم والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل فقال : ان دحية بن خليفة قد قدم بتجارة ، يعنى فانفضوا ولم يبقى معه الا نفر يسير ، "  قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ " أى الذى عند الله من الثواب فى الدار الآخرة ، "  خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِ" أى افضل مما فى الدنيا من لهو يشغل عن ذكر اللهو تجارة فى دنيا زائلة فما عند الله خير وأبقى ، " وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ " الله خير الرازقين لمن توكل عليه وطلب الرزق فى وقته كقوله " ومن يتوكل على الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " .

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة المنافقين

سورة المنافقين سورة مدنية ، وعدد آياتها 11 آية وهى تتحدث عن المنافقين وعن أفعالهم وسماتهم وحقدهم على المؤمنين ، وكثر النفاق فى المدينة لأن شوكة الاسلام قد قويت فكانت المواجهة فى الخفاء ، بعد أن كان المسلمون فى مكة ضعفاء فكان المشركون ينكلون بهم وكانوا فى دفاع عن النفس حتى هاجروا الى الحبشة ثم المدينة وكانت نواة المجتمع الاسلامى ، ونزلت الآيات من قوله " وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ "  الى قوله " وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ " فى عبد الله بن أبى بن سلول ، وعن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلى فيه فلما كانت غزوة تبوك بلغه أن عبد الله بن أبى بن سلول قال ليخرجن الأعز منها الأذل ، فارتحل قبل أن ينزل آخر النهار وقيل لعبد الله بن أبى ائت النبى صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك فأنزل الله تعالى " إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ " الى قوله " وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ " وقوله ان ذلك كان فى غزوة تبوك فيه نظر بل ليس بجيد فان عبد الله بن أبى بن سلول لم يكن ممن خرج فى غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش وانما المشهور عند أصحاب المغازى والسير أن ذلك كان فى غزوة المريسيع وهى غزوة بنى المصطلق ، وقال ابن اسحق عن مجموعة من الصحابة فى قصة بنى المصطلق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفارى وكان أجيرا لعمر بن الخطاب وسنان بن يزيد ازدحما على الماء فاقتتلا فقال سنان يا معشر الأنصار وقال الجهجاه يا معشر المهاجرين وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبى فلما سمعها قال : قد ثاورونا فى بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه الا كما قال القائل سمنكلبك يأكلك والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من عنده وقال هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم الى غيرها فسمعها زيد بن أرقم رضى الله عنه فذهب بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غليم وهو عنده عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأخبره الخبر فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكيف اذا تحدث الناس يا عمر أن محمدا يقتل أصحابه ؟ لا " ، ولكن ناد يا عمر فى الرحيل " فلما بلغ عبد الله بن أبى أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر اليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم وكان عند قومه بمكان فقالوا : يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا فى ساعة كان لا يروح فيها فلقيه أسيد بن الحضير رضى الله عنه فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال والله لقد رحت فى ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبى ؟ زعم أنه اذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل " قال : فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل ثم قال : أرفق به يا رسول الله فو الله لقد جاء الله بك وانا لننظم له الخرز لنتوجه فانه ليرى أن قد سلبته ملكا " فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حتى أمسوا وليلته حتى أصبحوا وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ونزلت سورة المنافقين ، وفى رواية عن زيد بن أرقم قال : خرجت مع عمى فى غزاة فسمعت عبد الله بن أبى سلول يقول لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله ولئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعلى فذكره عمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته فأرسل الى عبد الله بن أبى بن سلول وأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا فكذبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابنى هم لم يصبنى مثله قط وجلست فى البيت فقال عمى ما أردت الا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك ؟ حتى أنزل الله " ِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ " فبعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثم قال " ان الله قد صدقك " ، وقال أبو اسحاق أنه سمع زيد بن أرقم يقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فأصاب الناس شدة فقال عبد الله بن أبى لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فغأخبرته بذلك فأرسل الى عبد الله بن أبى فساله فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا كذب زيد يا رسول الله فوقع فى نفسى مما قالوا فأنزل الله تصديقى  ِ"اذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ " ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم .

إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ ١ ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ ٣ ۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٤

يقول تعالى مخبرا عن المنافقين أنهم انما يتفوهون بالاسلام اذا جاءوا النبى صلى الله عليه وسلم فأما فى الباطن فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك ولهذا قال تعالى "إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ" أى اذا حضر المنافقون عندك وواجهوك شهدوا أمامك بأنك رسول الله وهذا الظاهر منهم دون الباطن وليس كما يقولون ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول الله  فقال " وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ" ويعقب الله على ما يظهرونه أن الله ليس بحاجة من هؤلاء المنافقين على حقيقة ثابتة عنده ، " وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ " ويعقب الله عز وجل أنه يشهد أن المنافقين كاذبون فيما أخبروه به وان كان مطابقا للخارج لأنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه ولهذا كذبهم بالنسبة الى اعتقادهم ، " ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّة" يتحدث الله عز وجل عن المنافقين أنهم اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحلفان الآثمة ليصدقوا فيما يقولون فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم فاعتقد أنهم مسلمون فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون وهم من شأنهم أنهم كانوا فى الباطن لا يألون الاسلام وأهله خبالا ، فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس ولهذا قال تعالى " فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " أى بفعلهم صدوا عن سبيل الله أى جعلوا الناس تمتنع عن أمور شرعها الله أوتتبع أمور مخالفة لشرع الله  تصديقا لهم وقدوة لهم بما اتخذوه من أيمان كاذبة كفعل ابليس مع آدم عليه السلام حين قاسمه وحلف له كذبا فصدقه فساء فعلهم هذا  وقال الضحاك بن مزاحم فى قراءته " اتخذوا ﺇ يمانهم جنة " بكسر الألف فى " ﺇيمانهم " أى تصديقهم الظاهر وأنهم مؤمنون جنة أى تقية يتقون بها القتل والجمهور يقرأها " أيمانهم " جمع يمين أى انما قدر عليهم النفاق لرجوعهم عن الايمان الى الكفران واستبدالهم الضلالة بالهدى "فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ " يعقب الله على فعل المنافقين أنهم كفروا فطبع الله على قلوبهم فلا يصل الى قلوبهم هدى ولا يخلص اليها خير فلا تعى ولا تهتدى ، "  وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡ" يتحدث الله تعالى عن المنافقين أنهم منظر فقط  تنخدع بهم أى وكانوا أشكالا حسنة وذوى فصاحة وألسنة واذا سمعهم السامع يصغى الى قولهم لبلاغتهم ،  "كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ " وهم مع ذلك فى غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن كلما وقع أمر أو كائنة خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم كما قال تعالى " أشحة عليك فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك تدور أعينه كالذى يغشى عليه من الموت فاذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا " فهم جهامات وصور بلا معانى ولهذا قال تعالى  " هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡ" يحذر الله من المنافقين بأنهم هم الأعداء ويجب الحذر منهم " قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ " يصب الله عليهم لعنته أنه مهلكهم بافعالهم ويقول أنى يؤفكون أى كيف يصرفون عن الهدى الى الضلالة عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان للمنافقين علامات يعرفون بها : تحيتهم لعنة وطعامهم نهبة وغنيمتهم غلول ، ولا يقربون المساجد الا هجرا ، ولا يأتون الصلاة الا دبرا ، مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون ، خشب بالليل صخب بالنهار " وقال يزيد بن مرة  : صخب بالنهار .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ ٥ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ٦ هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ ٧ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ٨

كما ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل فى عبد الله بن أبى بن سلول  وقال محمد بن اسحاق فى السيرة :  لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يعنى مرجعه من أحد وكان عبد الله بن أبى بن سلول له مقام يقومه كل جمعة لا ينكر شرفا له من نفسه ومن قومه وكان فيهم شريفا اذا جلس النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس فقال أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس حتى اذا صنع يوم أحد ما صنع يعنى مرجعه بثلث الجيش ورجع الناس فقام يفعل ذلك كما كا يفعله فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا اجلس أى عدو الله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول : والله لكأنما قلت بجرا آن قمت أشد أمره فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا : ويلك مالك ؟ قال : قمت أشدد أمره فوثب على رجال من أصحابه يجذبوننى ويعنفوننى لكأنما قلت بجرا الآن قمت أشدد أمره قالوا ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال : والله ما أبتغى أن يستغفر لى " ، وقال قتادة والسدى أنزلت هذه الآية فى عبد الله بن أبى بن سلول وذلك أن غلاما من قرابته انطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه بحديث عنه وأمر شديد فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو يحلف بالله ويتبرا من ذلك ولأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وأنزل الله فيه ما تسمعون وقيل لعدو الله لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يلوى رأسه أى لست فاعلا ،    تتحدث هذه الآيات وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ " يقول الله تعالى مخبرا عن المنافقين أنهم عندما قيل لهم تعالوا ليغفر لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عبد الله بن أبى وجماعته من المنافقين ما قلتوه من الذلل عنه لم يهتموا بهذا الأمر وأعرضوا عن ذلك وأخذوه باستخفاف واستكبار ، "  سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ " يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سواء طلب لهم المغفرة أو لم يطلبها لهم فالله لن يغفر لهم ذنبهم هذا وما قالوه فالله لا يهدى من خرج عن طرقه وضل عن سبيله فهو لا يستحق ذلك ،"هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ" يبين الله تعالى سبب عدم المغفرة للمنافقين أنهم قالوا لا تنفقوا على أصحاب رسول الله من المهاجرين بخاصة وغيرهم حتى يتركوه ،"وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ " ويرد الله على المنافقين قولهم أنه عز وجل ليس بحاجة الى ما ينفق هؤلاء ولا أموالهم فهو الذى يملك خزائن السموات والأرض وهو الذى يرزق عباده وهذه الحقيقة لا يفهمها المنافقون فالايمان بعيد عن قلوبهم ، "  يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ "  يورد الله عز وجل ما قاله عبد الله بن أبى وأصحابه من أنهم اذا رجعوا الى المدينة ليخرجن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين من المدينة وقالوا عن أنفسهم أنهم الاعزاء أصحاب الدار وأن المهاجرين هم الأذل أى الأقل منهم شأننا فهم قد أتوا اليهم وهم أصحاب الدار ، " وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ " يعقب الله عز وجل على ما قاله المنافقون بأن العزة له وحده ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه من المؤمنين ، " وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ " هذه الحقيقة التى ذكرها الله تعالى لا يعلمها المنافقون وهذا القول فى هذه الآية يؤيد ما قبله " ولكن المنافقين لا يفقهون " فهم لا يعلمون شيئا ولا يفهمون شيئا .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٩ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٠ وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١١

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ " يقول تعالى آمرا لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك ومخبرا لهم بأنه من يفعل هذا الأمر فانه سيكون من الخاسرين فى الدنيا والآخرة فى الدنيا بنزع البركة والحرمان من الأجر من الله وفى الآخرة من الانقاص من الأجر يوم القيامة يوم الحساب فقد يحرم ذلك صاحبه من دخول الجنة ، " وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " يدعو الله عز وجل الى الاسراع فى الانفاق قبل أن يدرك المرء الموت ويصيبه الندم فكل مفرط يندم عند الاحتضار ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا ليستعتب ما فاته وهيهات ، كان ما كان وأتى ما هو آت ، وكل بحسب تفريطه ، أما الكفار فكما قال تعالى " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا الى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " وقال تعالى " حتى اذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون " ، " وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ" يعقب الله تعالى أنه لا ينظر أحد بعد حلول أجله ولا يمهل ،" وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ " وهو أعلم وأخبر بمن يكون صادقا فى قوله وسؤاله ممن لو رد لعاد الى شر مما كان عليه وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة فى العمر فقال " ان الله لا يؤخر نفسا اذا جاء أجلها وانما الزيادة فى العمر أن يرزق الله العبد ذرية صالحة يدعون له فيلحقه دعاؤهم فى قبره " .

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة التغابن

سورة التغابن سورة مدنية وقيل مكية ، عدد آياتها 18 آية ، وقال ابن عباس " التغابن " هو اسم من أسماء يوم القيامة وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار وقال مقاتل بن حيان لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء الجنة ويذهب بأولئك الى النار ، والسورة تتحدث عن يوم القيامة يوم الحساب الذى يفوز فيه أقوام يدخلون الجنة ويخسر فيه أقوام يدخلون النار .

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ١ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ٢ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ٣ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٤

" يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ" هذه السورة هى آخر المسبحات وقد تقدم الحديث عن تسبيح المخلوقات فى السموات والأرض لبارئها وما لكها والتسبيح هو تنزيه الله عما لا يليق به من الصفات بالقول والفعل ، " لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ" أى هو المتصرف فى جميع الكائنات المحمود على جميع ما يخلق ويقدر ، "وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ " أى مهما أراد كان بلا ممانع ولا مدافع وما لم يشأ لم يكن ، "هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِن وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ " الله عز وجل هو الخالق لكم على هذه الصفة وأراد منكم ذلك فلابد من وجود مؤمن وكافر وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال وهو شهيد على أعمال عباده بصير بها وسيجزيهم بها أتم الجزاء ، " خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ " يتحدث الله عزوجل عن قدرته فى خلق السموات والأرض بالعدل والحكمة ، " وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ" والله تبارك وتعالى خلقكم وأحسن أشكالكم كقوله تعالى " يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدللك فى أى صورة ما شاء ركبك " وكقوله " لقد خلقنا الانسان فى أحسن تقويم " وكقوله تعالى " والله الذى جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات " ،"وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ " يتحدث الله عز وجل أن اليه المرجع والمآب ، " يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ " يخبر الله تعالى عن علمه بجميع الكائنات السمائية والأرضية والنفسية فهو سبحانه يحيط بكل ما فى السموات والأرض يعلم ما فى السر وما فى العلن وما تخفيه الصدور ولم تبح به وتخفيه فهو لا يخفى عليه خافية .

أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٥ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ ٦

يقول الله تعالى مخبرا عن الأمم الماضين وما حل بهم من العذاب والنكال فى مخالفة الرسل والتكذيب بالحق فقال تعالى  " أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ " يتحدث عز وجل لتنبيه العقول والأنظار والأسماع أنكم قد جاءكم خبر الذين كفروا من قبلكم وما كان من أمرهم  ، "  فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم" فهم قدوقع بهم العذاب من جراء الوخيم من تكذيبهم والردىء من أفعالهم وهو ما حجل بهم فى الدنيا من العقوبة والخزى من نكال وهلاك وتدمير وما ينتظرهم من عذاب اليم فى الدار الآخرة مضاف الى هذا العذاب الدنيوى ثم علل ذلك فقال " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ " هذا الجزاء نتيجة أنهمكانت تأتيهم رسلهم بالحجج والدلائل والبراهين من ربهم ليؤمنوا بها ويتبعوها ، " فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا " أى واستبعدوا أن تكون الرسالة فى البشر وأن يكون هداهم على يدى بشر مثلهم " فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ" أى كذبوا بالحق ونكلوا عن العمل ، " وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُ" كانت نتيجة فعلهم أن الله تخلى عنهم واستغنى عنهم وتركهم فى غيهم ليوم الحساب  ، " وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيد " أى أن الله ليس بحاجة الى عباده فهو فى غنى عنهم فهو الذى يعطيهم ويمنحهم ويغنيهم وهو المستحق للحمد على نعمه .

 زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٧ فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ٨ يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٩ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ١٠

" زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُوا" يقول تعالى مخبرا عن الكفار والمشركين والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يبعثون ،" قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡ" يعقب الله على فعل هؤلاء بأن يوم القيامة حق وانهم سوف يبعثون بلا مرية ولا شك فى ذلك وسوف يخبرون بجميع أعمالهم جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها ، " وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير" يقول عز وجل أن أمر البعث والحساب والمجازاة على الأعمال أمر يسير وهذه هى الآية الثالثة التى أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده فالأولى فى سورة يونس " ويستنبئونك أحق هو قل اى وربى انه لحق وما أنتم بمعجزين " والثانية فى سورة سبأ " وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم " والثالثة هذه الآية ، "فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَا" يدعو الله عز وجل الى الايمان به وبرسوله وبكتابه وهو القرآن الكريم ، "  وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِير" والله عزوجل خبير بأقوالكم وأفعالكم فلا تخفى عليه أعمالكم من خافية ، " يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِ" يوم الجمع هو يوم القيامة الذى يجمع الله فيه العباد وهو سمى بذلك لأنه يجمع فيه الأولن والآخرون فى صعيد واحد سمعهم الداعى وينفذهم البصر كما قال تعالى " ذلك يوم مجموع له الناس وذلكيوم مشهود " وقال تعالى " قل ان الأولين والآخرين لمجموعون الى ميقات يوم معلوم " ، " ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِ" يشير الله عزوجل الى يوم القيامة ويسميه يوم التغابن قال ابن عباس هو اسم من أسماء يوم القيامة وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار ، " وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ " يتحدث الله تعالى عن حال السعداء يوم القيامة الذين يؤمن بالله ويعملون الأعمال الصالحة جزاءهم أن الله يقبل توبتهم ويزيل عنهم ما عملوه من سيئات ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها مخلدين وهذا الفوز بالجنة ونعيمها هو الفوز العظيم ،" وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ " ويتحدث الله تعالى عن حال الفريق الآخر من التعساء وهم الذين كفروا وهم أصحاب النار ماكثين فيها خالدين مخلدين وعكس الفوز العظيم هو المصير السىء والخلود فى النار .

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ١١ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ١٢ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١٣

" مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ" يقول الله تعالى أن كل ما يقع وما يصيب الانسا من تعب ونصب وغيره لا يكون الا بقدر الله ومشيئته ، " وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم" أى ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا هدى فى قلبه ويقينا صادقا وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه وقال ابن عباس " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " يعنى يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وعن أبى ظبيان قال كنا عن علقمة فسئل عن ذلك فقال هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم وقال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " يعنى يسترجع يقول " انا لله وانا اليه راجعون " وفى الحديث المتفق عليه " عجبا للمؤمن لا يقضى الله له قضاء الا كان خيرا له ان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد الا للمؤمن "   " وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ" يأمر الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما شرع زفعل ما به أمر وترك ما عنه نهى وزجر ، " فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ " أى ان نكلتم عن العمل فانما عليه ما حمل من البلاغ وعليكم ما حملتم من السمع والطاعة وقال الزهرى من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم ، " ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ " يقول الله تعالى مخبرا أنه الأحد الصمد الذى لا اله غيره فالأول خبر عن التوحيد ومعناه معنى الطلب أى وحدوا الالهية له وأخلصوا لديه وتوكلوا عليه كما قال تعالى " رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا".

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ١٤ إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ١٥ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٦ إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعِفۡهُ لَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ١٧ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١٨

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ "" يقول تعالى مخبرا عن الأزواج والأولاد أن منهم من هو عدو الزوج والولد بمعنى أنه يلتهى به عن العمل الصالح كقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " ولهذا قال تعالى هنا  "فَٱحۡذَرُوهُمۡ" قال ابن زيد يعنى على دينكم وقال مجاهد " ان من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم " يحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه فلا يستطيع الرجل مع حبه الا أن يطيعه وقال عكرمة أن ابن عباس سأله رجل عن هذه الآية قال فهؤلاء رجال أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا فى الدين فهموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى هذه الآية "وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ " أى ان تعفوا وتتجاوزا عما حل بكم من سوء فهذا من صفات الله تعالى أنه يقبل المغفرة ويتوب على من تاب برحمته ، " إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَة"  يقول تعالى انما الأموال والأولاد فتنة أى اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه ليعلم من يطيعه ويشكره ممن يعصيه ويجحد نعمته وينسبها لغيره أو لاسباب معينة وليس لله ، " وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌعَظِيم " يعد الله عز وجل بالأجر العظيم يوم القيامة من نجح فى اجتياز هذه الفتنة أى الاختبار بطاعته وشكره كقوله تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلكمتاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب " وعن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبا بريدة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين رضى الله عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال " صدق الله ورسوله انما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما " وعن أبى مالك الأشعرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس عدوك الذى ان قتلته كان فوزا لك وان قتلك دخلت الجنة ولكن الذى لعله عدو لك ولدك الذى خرج من صلبك ، ثم أعدى عدو لك مالك الذى ملكت يمينك " ، فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ " يدعو الله عز وجل الى تقواه بقدر الجهد والاستطاعة لأن الانسان طاقته محدودة ومهما فعل من تقوى فى أموره كلها فلن يوفى الله حقه وهذا هو الضعف الانسانى والنقص البشرى فالله يعلمه ويطلب من الانسان ان يجتهد قدر استطاعته وهو الذى عنده حسن الجزاء وهو الكريم الذى لا يضام كما ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " وقد قال بعض المفسرين كما رواه مالك عن زيد بن أسلم ان هذه الآية ناسخة للتى فى آل عمران وهى قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون " وعن سعيد بن جبير فى قوله "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتممسلمون " قال لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله عز وجل هذه الآية تخفيفا على المسلمين " فاتقوا الله ما استطعتم " فنسخت الآية الأولى ، "  وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ " أى كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله ولا تحيدو عنه يمنة و لا يسرة ولا تقدموا بين يدى الله ورسوله ولا تتخلفوا عما به أمرتم ، ولا ترتكبوا ما عنه زجرتم ، "  وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡ" أى وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وذوى الحاجات وأحسنوا الى خلق الله كما أحسن الله اليكم يكن خيرا لكم فى الدنيا والآخرة ، وان لا تفعلوا يكن شرا لكم فى الدنيا والآخرة ، " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ" يعقب الله عز وجل أى من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اياكم والظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فان الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ": برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى فى النائبة وهذا ورد فى سورة الحشر ، " إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعِفۡهُ لَكُمۡ"أى مهما أنفقتم من شىء فهو يخلفه ومهما تصدقتم من شىء فعليه جزاؤه ، ونزل ذلك منزلة القرض له كما ثبت فى الصحيحين أن الله تعالى يقول " من يقرض غير ظلوم ولا عديم ولهذا قال تعالى يضاعفه لكم كما تقد فى سورة البقرة " فيضاعفه له أضعافا كثيرة ، " وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ" أى ويكفر عنكم السيئات ولهذا قال تعالى " وَٱللَّهُ شَكُورٌ " أى يجزى على القليل بالكثير ،" حَلِيمٌ " أى يصفح ويغفر ويستر ويتجاوز عن الذنوب والزلات  والخطايا والسيئات ، " عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ " الله عز وجل يعلم الظاهر والمخفى والسر والعلن ،" ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ " رب العزة الحكيم فى قضاءه وأقواله وأفعاله ،وقد تقدمتفسير ذلك غير مرة .

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة الطلاق

سورة الطلاق سورة مدنية ، عدد آياتها 12 آية ، وهى من قصار السور ، وتتحدث فى معظم آياتها عن الطلاق وحكمه ولهذا سميت بهذا الاسم ، وتسمى بسورة النساء القصرى .  

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا ١

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ " خوطب النبى صلى الله عليه وسلم أولا تشريفا وتكريما ثم خاطب الأمة تبعا فقال " إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ " يدعو الله عز وجل الى طلاق النساء بعد العدة ولكن ليس قبل ذلك وعن أنس قال : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فأتت أهلها فأنزل الله تعالى "يٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ " فقيل له راجعها فانها صوامة قوامة وهى من أزواجك ونسائك فى الجنة ، وقد ورد من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ، وطلق عبد الله بن عمر امرأة له وهى حائض فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ثم قال " ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فان بدا له أن يطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التى أمر الله أن يطلق لها النساء " قال ابن عباس فى قوله تعالى "فطلقوهن لعدتهن " لا يطلقها وهى حلئض ولا فى طعر قد جامعها فيه ولكن يتركها حتى اذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة وقال عكرمة العدة الطهر والقرء الحيضة أن يطلقها حبلى مستبينا حملها ولا يطلقها وقد طاف عليها ولا يدرى حبلى هى أم لا ، ومن هنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق وقسموه طلاق سنة وطلاق بدعة فطلاق السنة أن يطلقها طاهرة من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها ، والبدعى أن يطلقها فى حال الحيض أو فى طهر قد جامعها فيه ولا يدرى أحملت أم لا ، وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة وهو طلاق الصغير والآيسة وغير المدخول بها ، وهذا فى كتب الفقه مشروحا ، " وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَ" أى احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج ، " وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ" يقول عز وجل آمرا بتقواه وتطبيق ما أمر به ومراعاته فى تطبيق حكمه هذا ، " لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ " يأمر الله عز وجل بعدم اخراج المرأة من سكن الزوجية فى مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه فليس للرجل أن يخرجها ولا يجوز لها أيضا الخروج لأنها معتقلة لحق الزوج أيضا ، " إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَة" أى لا يخرجن من بيوتهن الا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة فتخرج من المنزل ، والفاحشة المبينة تشمل الزنا كما قال ابنمسعود وابن عباس وغيرهما وتشمل ما اذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرجل وآذتهم فى الكلام والفعال ، " وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ" يقول عز وجل هذه شرائعه ومحارمه ، " وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَه" أى من يخرج عنها ويتجاوزها الى غيرها ولا يأتمر بها فقد ظلم نفسه بفعل ذلك ، " لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا " أى انما أبقينا المطلقة فى منزل الزوج فى مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى فى قلبه رجعتها فيكون ذلك أيس وأسهل وعن فاطمة بنت قيس قالت هى الرجعة ، ومن هنا ذهب من ذهب من السلف ومن تابعهم كلامام أحمد بنحنبل الى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة أى المقطوعة وكذا المتوفى عنها زوجها ، واعتمدوا أيضا على حديث فاطمة بنت قيس الفهرية حين طلقها زوجها أبو عمرو ابن حفص آخر ثلاث تطليقات وكان غائبا عنها باليمن فأرسل اليها وكيله بشعير يعنى نفقة فتسخطته فقال : والله ليس لك علينا نفقة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ليس لك عليه نفقة " ولمسلم" ولا سكنى " وأمرها أن تعتد فى بيت أم شريك ثم قال " تلك امرأة يغشاها  أصحابى ، اعتدى عند ابن أم مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك " وقد رواه الامام أحمد منطريق آخر فقال : حدثنا بن سعيد حدثنا مجالد ثنا عامر قال : قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس فحدثتنى أن زوجها طلقها على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية قالت فقال لى أخوه أخرجى من الدار فقلت : ان لى نفقة وسكنى حتى يحل الأجل قال : لا ، قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ان فلانا طلقنى وأن أخاه أخرجنى ومنعنى السكنى والنفقة فقال له " مالك ولابنة آل قيس ؟" قال : يا رسول الله ان أخى طلقها ثلاثا جميعا " قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وانظرى يا بنت آل قيس انما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فاذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى ، أخرجى فانزلى على فلانة ثم قال انه يتحدث اليها انزلى على ابن أممكتوم فانه أعمى لايراك" .  

فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا ٣

" فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوف" يقول تعالى فاا بلغت المعتدات أجلهن أى شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك ولكن لمتفرغ العدة كلية فحينئذ اما أن يعزم الزوج على امساكها وهو رجعتها الى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عند " بمعروف " أى محسنا اليها فى صحبتها ، واما أن يعزم على مفارقتها بمعروف أى من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن ، " وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ"  أى أشهدوا شهيدين لهما الصلاحية للشهادة على الرجعة اذا عزمت عليها وأن تقيم الشهادة كما أمر بها الله  كما رواه أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال : طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة وأشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد ، وقال ابن جريج كان عطاء يقول لا يجوز فى نكاح ولا طلاق ولا رجاع الا شاهدا عدل كما قال الله عز وجل الا أن يكون من عذر ،"  ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ " أى هذا الذى أمرناكم بهمن الاشهاد واقامة الشهادة انما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر وأنه شرع هذا ومن يخاف عقاب الله فى الدار الآخرة ، ومن هنا ذهب الشافعى فى أحد قوليه الى وجوب الاشهاد فى الرجعة كما يجب عنده فى ابتداء النكاح وقد قال بهذا طائفة من العلماء ومن قال بهذا يقول ان الرجعة لا تصح الا بالقول ليقع الاشهاد عليها ، "   وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ" أى ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب أى من جهة لا تخطر بباله وقال ابن عباس ينجيه الله من كل كرب فى الدنيا والآخرة ويرزقه من حيث لا يحتسب وقال الربيع بن خميثم " يجعل له مخرجا " أى من كل شىء ضاق على الناس وقال عكرمة من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجا وقال السدى" ومن يتق الله " يطلق للسنة ويراجع للسنة   وقال ابن مسعود " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " يعلم أن الله ان شاء أعطى وان شاء منع " من حيث لا يحتسب " أى من حيث لا يدرى وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكثر نت الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب " وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من انقطع الى الله كفاه الله كل مؤونة ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع الى الدنيا وكله اليها "  ، " وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥ" يقول عزوجل أن من يتوكل عليه فهو مؤيده وناصره والمعزز له فعن عبد الله بن عباس أنه رطب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا غلام انى معلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، واذا سألت فاسال الله ، واذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك الا بشىء كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك لميضروك الا بشىء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " ، "إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦ" أى منفذ قضاياه وأحكامه فى خلقه بما يريده ويشاؤه ،"قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا " وهذا كقوله " وكل شىء عنده بمقدار " أى كل الأمور عند الله تسير بقدرها بتقديره وحسابه وعلمه ومشيئته .

وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا ٤ ذَٰلِكَ أَمۡرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُۥٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا ٥

" وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُر وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَ"يقول تعالى مبينا لعدة الآيسة وهى الت انقطع عنها المحيض لكبرها أنها ثلاثة أشهر عوضا عن الثلاثة قروء فى حق من تحيض كما دلت على ذلك آية البقرة ، وكذا الصغار اللائى لم يبلغن سن الحيض ان عدتهن كعدة الآيسة ثلاثة أشهر  وقوله تعالى " ان ارتبتم " فيه قولان أحدهما وهوقول طائفة من السلف كمجاهد وغيره أى ان رأين دما وشككتم فى كونه حيضا أو استحاضة وارتبتم فيه والقول الثانى ان ارتبتم فى حكمعدتهن ولم تعرفوه فهو ثلاثة أشهر وهذا عن سعيد بن جبير وهو أظهر فى المعنى واحتج عليه بما قال أبى بن كعب يا رسول الله ان عددا من عدد النساء لم تذكر فى الكتاب : الصغار والكبار وأولات الأحمال وفى قول آخر عن أبى بن كعب قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم " ان ناسا من أهل المدينة لما أنزلت هذه الآية التى فى البقرة فى عدة النساء قالوا لقد بقى من عدة النساء لم يذكرن فى القرآن : الصغار والكبار اللائى قد انقطع منهن الحيض وذوات الحمل قال فانزل الله عز وجل " وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ ، "،" وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ" يقول تعالى ومن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل ولو كان بعد الطلاق أو الموت وقد روى عن على وابن عباس رضى الله عنهم أنهما ذهبا فى المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع أو الأشهر عملا بهذه الآية والتى فى سورة البقرة ، وقال البخارى أن أبى سلمة قال : جاء رجل الى ابن عباس وأبو هريرة جالس فقال افتنى فى امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة فقال ابن عباس آخر الأجلين قلت أنا " وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ " قال أبو هريرة أنا مع ابن أخى - يعنى أبا سلمة _ فأرسل ابن عباس غلامه كريبا الى أم سلمة يسألها فقالت : قتل زوج سبيعة الأسلمية وهى حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو السنابل فيمن خطبها وكتب عمر بن عبد الله أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وكان ممن شهد بدرا فتوفى عنها فى حجة الوداع وهى حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها يجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها مالى أراك متجملة ؟ لعلك ترجين النكاح انك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر ، قالت سبيعة فلما قال لى ذلك جمعت على ثيابى حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتانى بأنى قد حللت حين وضعت حملى وأمرنى بالتزويج ان بدا لى " هذا لفظ مسلم ، " وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا " يقول الله عز وجل أن من يتقه يذهب عنه المحذور أى يسهل له أمره وييسره عليه ويجزل له الثواب على العمل اليسير ويجعل له فرجا قريبا ومخرجا عاجلا ، " ذَٰلِكَ أَمۡرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُۥٓ إِلَيۡكُمۡۚ " يقول عزوجل أن هذا حكمه وشرعه أنزله اليكم بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا " من يتق الله يذهب عنه المحذور من تكفير للسيئات ويجزل له الثواب على العمل اليسير، والملاحظ فى الآيات أنها بدأت بالتقوى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ"   تكرار قوله تعالى فى المطالبة بالتقوى" وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجا* وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُ " وفى قوله  "وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا " وفى قوله تعالى  " وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا "  وعاقبتها الجزاء الحسن الوفير من الله عز وجل وتيسير الأمور وغفران الذنوب فى قوله وذكرت التقوى عند المطالبة بتنفيذ أحكام الله فى الطلاق وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله فى النساء " ، وهذا التشديد من الله على أحكام الطلاق حفاظا على الأسرة وكيان المجتمع الاسلامى وحفظ كرامة المرأة وصيانتها ، والآيات التالية لهذه الآيات تعزز هذا الموقف اذا طلق أحدهم المرأة يسكنها فى منزل حتى تنقضى عدتها وقد يراجعها وتنتهى المشاكل بينهما ويتم الحفاظ على كيان الأسرة .

ملحوظة :  فى هذه الآية "وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا " نحن نعلم اللائى يئسن من المحيض وهى من انقطع عنها الحيض لدخولها فى سن اليأس لكبر سنها ، وكذلك نعلم أولات  ألأحمال وهن النسوة الحوامل ، ولكن الأمر الذى لم يعلم جيدا هو " اللائى لم يحضن " فسر فى الماضى على أنه الصغيرة التى لم تبلغ سن المحيض وهذا اجتهاد فى التفسير على امكانات العصر ، ولكن القرآن سبق عصره ، وهذه الآية سبقت عصرها ، ومن اعجاز القرآن آيات الاعجاز العلمى التى أثارها ، والتى لم تفسر فى عصرها الا اجتهادات لم يفسرها الا العلم الحديث ، وهناك آيات لم تفسر حتى الآن وعلمها عند الله ، وهذا الأمر ينطبق على ما ذكره القرآن الكريم " اللائى لم يحضن " وهن من انقطعت عنهن الدورة الشهرية أى دورة الحيض التى تكون عند النساء ، وذلك يكون لأسباب منها العلة المرضية ، قد تنقطع الدورة الشهرية لفترة ، نتخيل أن خلال هذه الفترة حدث ما حدث من علة الطلاق - كيف يكون الأمر بالنسبة اليهن ، لقد حل القرآن هذه المسألة بمعاملتهن معاملة التى يئشت من المحيض ، بالمدة الزمنية التقديرية ، ولأننا لا ننسى أن الزواج فى الاسلام يتم عندما تبلغ البنت سن البلوغ ويتم الزواج فتكون فى سن النكاح وليس قبل أن تكون فى سن البلوغ والنكاح ، ويعرف سن البلوغ بان تبدا البنت فى الحيض ، فكيف يكون زواج وطلاق لصغيرة لم تبلغ الاستحاضة ؟ ، لقد فسر هذا الموضوع العلم الحديث من أن هناك حالة هى حالة انقاع الحيض تعانى منها بعض الفتيات ، على الرغم أنها قليلة ولكنها موجودة ، ونحن نعلم ما حله الامام على رضى الله عنه ، عندما وضعت سيدة بعد ستة أشهر فاتهمت بالزنى فحل الموضوع من القرآن كما سبق ووضحنا ذلك بقوله " وحمله وفصاله ثلاثين شهرا " فالعامين 24 شهرا والفصال أى الفطام يكون للطفل سنتين " والولدات يرضعن اولا دهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " ، فاذن يتبقى ستة أشهر من الثلاثين شهرا وهى أقل فترة للحمل ، والأمر يتكرر فى هذه الآية " واللائى لم يحضن " اذن لستن الصغار ولكن من انقطع عنهن الحيض ليس لكبر السن ولكن لعلة أو أى سبب كان .

أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَ‍َٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ ٦ لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا ٧

يقول تعالى آمرا عباده اذا طلق أحدهم المرأة أن يسكنا فى منزل حتى تنقضى عدتها " أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم " أى أسكنوهن عندكم ، "  مِّن وُجۡدِكُمۡ " قال ابن عباس وغيره يعنى سعتكم حتى قال قتادة ان لم تجد الا جنب بيتك فأسكنها فيه ، " وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّ" قال مقاتل بن حيان يعنى لا تضاجرها لتفتدى منك بمالها أو تخرج من المسكن الذى أسكنها فيه ، " وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ" قال كثير من العلماء ومنهم ابن عباس هذه فى البائن ان كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع حملها بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء كانت حاملا أوحائلا وقال آخرون بل السياق كله فى الرجعيات وانما نص على الانفاق على الحامل وان كانت رجعية لأن الحمل تطول مدته غالبا فاحتيج الى النص على وجوب الانفاق على الوضع لئلا يتوهم أنه انما تجب النفقة بمقدار مدة العدة ، ثم اختلف العلماء هل النفقة لها بواسطة الحمل أم للحمل وحده ؟ على قولين منصوصين عن الشافعى وغيره ويتفرع عليها مسائل كثيرة مذكورة فى علم الفروع ، " فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَ‍َٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ " أى اذا وضعن حملهن وهن طوالق فقد بن بانقضاء عدتهن ولها حينئذ أن ترضع الولد ولها أن تمتنع منه ولكن بعد أن تغذيه باللبأ وهو باكورة اللبن الذى لا قوام للمولود غالبا الا به ، فان أرضعن بعد ذلك استحقت أجر مثلها ولها أن تعاقد أباه أو وليه على ما ينفقان عليه من أجرة ، " وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوف" يقول عز وجل ولتكن اموركم فيما بينكم بالمعروف من غير اضرار ولا مضارة كما قال تعالى فى سورة البقرة " لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده " ، " وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ " أى وان اختلف الرجل والمرأة فطلبت المرأة فى أجرة الرضاع كثيرا ولم يجبها الرجل الى ذلك أو بذل الرجل قليلا ولم توافقه عليه فليسترضع له غيرها فلو رضيت الأم بما أستؤجرت به الأجنبية فهى أحق بولدها ، " لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِ" أى لينفق على المولود والده ووليه بحسب قدرته ، "  وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ " أى من لم يجد سعة فى الرزق وكان دخله محدودا ينفق على قدر ما أتاه الله دون تقتيرفالله لا يكلف نفسا الا وسعها  كقوله تعالى " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " ، " سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا" هذا وعد من الله تعالى ووعده لا يخلف انه سيجعل بعد العسر يسرا لمن أنفق من سعته ولم يبخل .

وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا ٨ فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا ٩ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا ١٠ رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا ١١

يقول تعالى متوعدا لمن خالف أمره وكذب رسله وسلك غير ما شرعه ومخبرا عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك فقال "وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ " الكثير من القرى التى بادت ، "عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا " هذه القرى تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله فكان حسابها من الله حسابا شديدا عسيرا وكان عذابها ونكاله بها منكرا فظيعا ، " فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا " هذه القرى تجرعت غب وعاقبة مخالفتها لأمر الله وهى الخسران المبين وندموا حيث لا ينفعهم الندم ، " أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗا" هذه القرى بالاضافة لما لاقته من تعجيل لهم بالدمار والهلاك فى الدنيا فان الله عز وجل أعد لهم العذاب الشديد فى الآخرة وهذا تهديد وتوعد من الله تعالى لهم ولكل من يحزو حزوهم من كفار ومشركى قريش ، " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ " بعد أن تحدث عز وجل عما حل بالقرى السالفة وقص من خبر هؤلاء انتقل الى أولى الأفهام المستقيمة وأصحاب العقول السليمة الصحيحة وأمرهم بالتقوى حتى لا يكونوا مثلهم فيصيبهم ما أصابهم ، " ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا " يعرف الله أولى الألباب أنهم الذين صدقوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم واتبعوه وأنه عز وجل قد أنزل اليهم الذكر وهو القرآن الكريم كقوله " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" ، "  رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰت" قال بعضهم رسولا منصوب على أنه بدل اشتمال وملابسة لأن الرسول هو الذى بلغ الذكر وقال ابن جرير : الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر يعنى تفسير له ولهذا قال تعالى "  رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰت" أى فى حال كونها بينة واضحة جلية  ،" لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ" أى يخرجهم من ظلمات الكفر والجهل الى نور الايمان والعلم ، وقد سمى الله تعالى الوحى الذى أنزله نورا لما يحصل من الهدى كما سماه روحا لما يحصل به من حياة القلوب فقال تعالى " وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وانك لتهدى الى صراط مستقيم " وكقوله تعالى  "كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور " وكقوله تعالى " الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور " ، "  وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا " يعقب الله عز وجل أن من يحسن ايمانه بالله ويحسن عمله جزاؤه أن يدخله الجنة ويتمتع بنعيمها وما فيها من جنات تجرى من تحتها الأنهار لا يحول عنها ولا يزول خالدا فيها مخلدا وهذا هو الرزق الحسن من الله تعالى الذى يمنحه لعباده وهو أفضل وأحسن من رزق الدنيا وما فيها أحسنه الله اليه فلا يوجد أحسن من ذلك .   

 ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا ١٢

يقول تعالى مخبرا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم " ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّ" هو الذى خلق السموات السبع وخلق الأرض سبعا أيضا وقد اختلف التفسير لهذه الآية هل المقصود سماء الأرض التى تعلوها بطبقاتها كقوله تعالى " ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا " وفى صحيح البخارى " خسف به الى سبع أرضين " وورد فى الحديث " ما فى السموات السبع وما فيهن وما بينهن والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن فى الكرسى الا كحلقة ملقاة بأرض فلاة " وعن ابن عباس فى قوله تعالى " سبع سموات ومن الأرض مثلهن " قال لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها ، لا يمكن أن نكثر الخوض فى ذلك لاتساع الكون كما أثبت علم الفلك الحديث وعجزنا أن نصل حتى الى ما حولنا من الكون فكيف لنا أن ندرك ذلك ؟ ولكن ما يجب أن نعرفه أن عظمة الكون من عظمة الخالق وعظمته فى خلق الكون من حولنا وأن نصدق ما يخبرنا به الله عز وجل كقوله " ولا يحيطون بشىء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض " ، "  يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ " كلمة الأمر اذا قصد بها طبقات السماء المحيطة بالأرض هو المطر الذى ينزل من السماء ودورة الحياة على الأرض وهذا من خلق الله ، واذا قصدت السموات التى خلقها الله بما فيها من سماء أولى وما يعلوها من سموات فان الأمر هنا هو ما يرسله الله من وحى وغيره ترسل به الملائكة كقوله"تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل أمر "  فكلمة الأمر لها معانى كثيرة منها قدر الله كذلك كقوله " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " ، "  لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا " هذه ألاية من الله عز وجل دليل وبرهان منه لكى تعرفوا وتعلموا أنه على كل شىء قدير اذا قال لشىء كن فيكون فامره بين الكاف والنون ولتعلموا كذلك أن علم الله محيط بكل شىء ولا تخفى عليه خافية وعلى هذا فاتقوه فى السر والعلن وآمنوا به حق الايمان وأحسنوا القول والعمل وعظموا ما شرع من الدين القويم .   

تفسير الجزء الثامن والعشرين

تفسير سورة التحريم

سورة التحريم سورة مدنية ، عدد آياتها 12 آية من قصار السور ، وقد نزلت فى أمر قد حدث مع رسو الله صلى الله عليه وسلم أخذ أسم السورة منه ، وقد اختلف فى سبب نزول صدر هذه السورة فقيل نزلت فى شأن مارية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها فنزل قوله تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم" ، وعن ابن عباس كان يقول فى الحرام يمين تكفرها وقال " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة " يعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم جاريته أو سريته  فقال الله تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم" الى قوله تعالى " قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ " فكفر يمينه فصير الحرام يمينا ، وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها فأنزل الله عز وجل الآية ، وعن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أم ابراهيم وهى مارية القبطية فى بيت بعض نسائه وعن ابن عباس أنه أصابها فى بيت حفصة فى نوبتها فقالت يا نبى الله لقد جئت الى شيئا ما جئت الى أحد من أزواجك فى يومى وفى دورى وعلى فراشى قال " ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها ؟ " قالت : بلى فحرمها وقال لها " لا تذكرى ذلك لأحد " فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه فأنزل الله تعالى الآية ، فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه وأصاب جاريته وعن عمر قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم لحفصة " لا تخبرى أحدا وان أم ابراهيم على حرام " فقالت : أتحرم ما أحل الله لك ؟ " قال " فو الله لا أقربها ؟ " قال : فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله تعالى " قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ  " وهذا اسناد صحيح .  

والصحيح كما قال البخارى أن ذلك كان فى تحريمه صلى الله عليه وسلم العسل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل وكان اذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من احداهن ،  وعن عائشة قالت كان الرسول صلى الله عليه وسلم  يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير انى أجد منك ريح مغافير " (والمغافير شبيه بالصمغ يكون فى الرمث فيه حلاوة ، أغفر الرمث اذا ظهر فيه ، واحدها مغفور ويقال مغافير والرمث بالكسر مرعى من مراعى الابل وهو من الحمض وقال العرفط شجر من العضاه ينضح المغفور ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح يعنى الريح الخبيثة ولهذا قلن له أكلت مغافير لأن ريحها فيه شىء  ، قال " لا ولكنى كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبرى بذلك أحدا " " تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَ" هكذا أورد هذا الحديث بهذا اللفظ ، وفى سياق أن حفصة هى الساقية للعسل وهو من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن خالته عن عائشة ، وفى طريق ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أن زينب بنت جحش هى التى سقته العسل وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه فالله أعلم .

وفى هذه السورة يقدم الله عزوجل نموذجا للحياة البشرية اليومية للنفس البشرية للزوجة وللزوج وكيفية التعامل لأن الاسلام دين شامل ليس دين عبادات فقط ولكن دين واقعى أنزله الله للبشر كافة ، فهو دين بعيد عن الرهبانية واعتزال الحياة والاكتفاء بالعبادات ونحن نعلم موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة الذين قرروا بين أنفسهم قرارات فى ذلك منهم من قال انى سأعتزل الناس فلا أتزوج والآخر قرر الصيام فلا يفطر والآخير قرر الاعتكاف للعبادة ولا يختلط بالناس ورد عليهم ، " عن أنس قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي ﷺ وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله ﷺ إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، متفق عليه.

وهو مخرج في الصحيحين، بمعنى أنه من رغب عن طريقته ﷺ وهديه الذي شرعه فإنه مجافٍ لحاله ﷺ، وهديه الذي هو أقوم الهدي، فهو على طريقة أخرى، وبحسب ما تكون مفارقته بحسب ما يكون حاله، ويُخشى على الإنسان إن كان ميله عن هدي النبي ﷺ وطريقته رغبة عنها، فإن ذلك قد يطبع على قبله ويختم عليه فيهلك صاحبه، فالواجب على الإنسان أن يرضى بما كان عليه رسول الله ﷺ، وهو المنهج الصحيح في الاعتدال والاستقامة في الأحوال كلها.

وفي العلاقات مع الناس هديه ﷺ أكمل الهدي، العلاقات مع الكفار بجميع أنواعهم، وهديه ﷺ أكمل الهدي في التعبد لله -تبارك وتعالى، في صلاته وصيامه وذكره وقراءته وما أشبه ذلك.

وكذلك هديه ﷺ في الجهاد، وفي كل عمل يقوم به ﷺ في السلم والحرب، فمن رغب عن طريقته ﷺ واتهمها بأنها معوجة، أو بأنها لا تصلح لهذا الزمان فهو زائغ ضال، يجب عليه أن يتوب إلى الله -تبارك وتعالى- وإلا مات على خطر عظيم، قد يموت على غير الإسلام فمن رغب عن طريقته ﷺ واتهمها بأنها معوجة، أو بأنها لا تصلح لهذا الزمان فهو زائغ ضال.

وهذا الموقف من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وتعامله معه يكشف النفس البشرية ، يكشف طبيعة المرأة من الغيرة على الزوج والاستئثار به لنفسها فى هذا المجتمع البشرى الذى لم يجرى فيه تحديد للزوجات بل كان الزواج مطلق حتى أنزل الله آية التحديد أباح التعدد بشروط ومع خيفة العدل الاكتفاء بواحدة ، وأباح الطلاق مع الكراهية الشديدة ووضع له ضوابط كما فى السورة السابقة ، والرسول صلى الله عليه وسلم تصرف ليرضى زوجاته وحرم على نفسه ما أباح الله له ، ولكن الله عز وجل تدخل بعدله وحكمته وتشريعه فى هذا الأمر .

، وفى هذه السورة يقدم الله عزوجل نموذجا للحياة البشرية اليومية للنفس البشرية للزوجة وللزوج وكيفية التعامل لأن الاسلام دين شامل ليس دين عبادات فقط ولكن دين واقعى أنزله الله للبشر كافة ، فهو دين بعيد عن الرهبانية واعتزال الحياة والاكتفاء بالعبادات ونحن نعلم موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة الذين قرروا بين أنفسهم قرارات فى ذلك منهم من قال انى سأعتزل الناس فلا أتزوج والآخر قرر الصيام فلا يفطر والآخير قرر الاعتكاف للعبادة ولا يختلط بالناس ورد عليهم ، وهذا الموقف من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وتعامله معه يكشف النفس البشرية ، يكشف طبيعة المرأة من الغيرة على الزوج والاستئثار به لنفسها فى هذا المجتمع البشرى الذى لم يجرى فيه تحديد للزوجات بل كان الزواج مطلق حتى أنزل الله آية التحديد أباح التعدد بشروط ومع خيفة العدل الاكتفاء بواحدة ، وأباح الطلاق مع الكراهية الشديدة ووضع له ضوابط كما فى السورة السابقة ، والرسول صلى الله عليه وسلم تصرف ليرضى زوجاته وحرم على نفسه ما أباح الله له ، ولكن الله عز وجل تدخل بعدله وحكمته وتشريعه فى هذا الأمر .

هذه السورة تبدأ بما حدث من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وتنتهى بضر المثل لامرأتين كافرتين كانتا زوجتين لنبيين هما امرأة نوح وامرأة لوط ، وضربت مثلا بأمرأتين مؤمنتين هما امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ، وكأن السورة تضع بين أيديهن الأمثلة وعليهن الاتباع - اما الاذعان لله ورسوله واخذ القدوة المؤمنة ، واما مخالفة الله ورسوله وفى ذلك الكفر للخروج عن الطاعة والاذعان وان كان أمر زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أمر أقل وأيسر بكثير مما وقع من امرأتى نوح ولوط ، ولهما القدوة فى امرأة فرعون ومريم ابنة عمران .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١ قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٢ وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ ٣ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ٤ عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا ٥

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم" يتحدث الله عز وجل معاتبا النبى صلى الله عليه وسلم من تحريمه على نفسه ما أحل الله له سواء من تحريم سريته أو من تحريم العسل على نفسه لكى يرضى أزواجه وهن عائشة وحفصة ويعقب الله تعالى أنه يغفر له ما بدر منه من تحريم فانه هو الذى يقبل المغفرة والتوبة من عباده برحمته ، " قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُم" يقول الله عز وجل أنه قد كتب وقبل من المسلم ومن المؤمن أن يتحلل من أيمانه اذا حلف ونحن نعلم تحلة الايمان بوجوب الكفارة على من حرم جاريته أو زوجته أوطعاما أو شرابا أوملبسا أو شيئا من المباحات وهو مذهب الامام أحمد وطائفة ، وذهب الشافعى الى أنه لا يجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية اذا حرم عينيهما أو أطلق التحريم فيهما فى قول فأما اذا نوى بالتحريم طلاق الزوجة أوعتق لأمة نفذ فيهما ، "وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ " يعقب الله على ما فرضه من تيسير للأمور بتحلة الايمان أنه هو الذى يتولاكم فى أموركم فهو عليم بأحوالكم حكيم فيما شرع وفرض وأحل وحرم فهذا من شأنه وليس من شأنكم ، " وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا " تتحدث الآية عن ما وقع مع النبى صلى الله عليه وسلم من أمر بينه وبين أزواجه قيل المقصود عائشة وحفصة فى شأن مارية أو فى شأن العسل فأخبر أنه لن يطأ مارية وهى حلال له وفى الثانية أنه لن يشرب العسل وهو حل له أيضا وقال هذا الكلام ما بينه وبين زوجاته ، " فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ "  أفشت الزوجة التى أخبرها بهذا الحديث بينه وبينها على ألا تخبر أحد الى زوجته ألأخرى فأخبرتها به وقيل أن من أخبرت هى عائشة أو حفصة أيهما أبلغت الأخرى وكشف الله هذا الأمر وحدث به رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه أن يتحلل من أيمانه ولا يحرم الحلال على نفسه ، " عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ " يقول الله عز وجل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعلم ببعض من هذا الأمر ولم يتحدث فى هذا الأمر كله وتحدث الى زوجته المعنية بهذا الأمر وتدخلت فيه سواء أكان من أمره مع مارية أو مع العسل فأصابها العجب من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اطلع على أمور كانت فى الخفاء فسألته عن من أخبره بما دار فى الخفاء لعله يكون شخص ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف عنه أنه لم يفشى أمر قد أسر له به فرد أن الوحى من الله هو الذى أعلمه بالأمر فالله هو العليم بكل الأمور كبيرها وصغيرها معلنها ومخفيها ولا يخفى عليه خبر من أخبار العباد ولا أمر من أمورهم ، " إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَا" قيل أن المقصود بهذا الحديث هو عائشة وحفصة والله عز وجل يسألهما التوبة مما قالتا ومما فعاتا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويرجعا اليه وهو اصغاء القلب الى أمر الله وشرعه بالاذعان والطاعة الى نبيه صلى الله عليه وسلم ، " وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ " ويقول عز وجل محذرهما أن تحالفتما وتواطأتما وتظاهرتما على الرسول بالقول والفعل فيما بينكما ، " فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ " فان الله عز وجل هو الذى يتولى رسوله ويؤيده وكذلك يؤيده الله بملائكته  و بالوحى جبريل وعمر وأبو بكر والمؤمنين كلهم معه ، " عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ" يقول الله عز وجل مؤيدا لرسوله صلى الله عليه وسلم فى مواجهة هذا التواطؤ من زوجاته أن الرسول صلى الله عليه وسلم اذا طلققن لما بدر منكن فان الله سوف يبدله نساء خير منكن ويتحدث الله عز وجل عن صفات الزوجات اللاتى سيبدلهن بأنهن "  مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰت" مسلمات  ومؤمنات ونحن نعلم أن الايمان أعلى من الاسلام ، " قَٰنِتَٰت " قانتات أى مذعنات الى الله بالطاعة ، " تَٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰت"" وكثيرات الاستغفار والتوبة الى الله ويكثرن من العبادات ، " سَٰٓئِحَٰت" قال أبو هريرة وعائشة وابن عباس وغيرهم أى صائمات وتقدم فيه حديث مرفوع عند قوله " السائحون " فى سورة التوبة " سياحة هذه الأمة الصيام " وقال زيد بن أسلم أى مهاجرات والقول الأولى أولى ، "  ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا " منهن من هن ثيبات أى سبق لهن الزواج ومنهن أبكارا أى لم يسبق لهن الزواج وقد قدم الثيبات على الأبكار لأن من سبق لها الزواج يكون لها خبرة أكبر فى التعامل مع الزوج ، أما البكر فيحتمل أن تكون حسنة التعامل مع الزوج أو لا حيث أن ليس لها خبرة بالزواج رغم أنها قد تكون فى العمر أقل من الثيب فى بعض الحالات وهذا التنوع ليكون ذلك أشهى الى النفس فانه يبسط النفس ويجعل التعامل أيسر .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٦ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٧ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّ‍َٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٨

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا " يقول ابن عباس اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصى الله وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار  وقال قتادة تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه فاذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها ، وقال مجاهد اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله وقال الضحاك ومقاتل حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته ومن حوله ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه وفى معنى هذه الآية الحديث عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مروا الصبى بالصلاة اذا بلغ سبع سنين فاذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " ، وهكذا فى الصوم ليكون ذلك تمرينا له على العبادة لكى يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعاصى وترك المنكر ، " وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ " يتحدث الله عن النار أن سيكون حطبها التى توقد به سيكون جثث بنى آدم التى تلقى فيها ، " وَٱلۡحِجَارَةُ  " قيل المراد بها الأصنام التى تعبد من دون الله لقوله تعالى " انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " وقال ابن مسعود وغيره هى حجارة من كبريت وزاد مجاهد : أنتن من الجيفة ، "عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ"  يتحدث الله عز وجل عن الملائكة سدنة جهنم أن طباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله ، " شِدَاد" أى تركيبهم فى غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج ، "  لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ " أى مهما أمرهم به تعالى يبادرون اليه لا يتأخرون عنهطرفة عين وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه وهؤلاء هم الزبانية ، "  يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ " أى يقال للكفرة يوم القيامة لا تعتذروا فانه لا يقبل منكم ولا تجزون الا ما كنتم تعملون وانما تجزون اليوم بأعمالكم ، "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا  " يدعو الله عز وجل المؤمنين أن يتوبوا توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات ، وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات . وعن عمر قال التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه وعن النعمان سئل عمر عن التوبة النصوح فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيىء ثم لا يعود اليه أبدا ، وعن زر بن حبيش عن أبى بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون فى آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة ، منها نكاح الرجل أمرأته أو أمته فى دبرها وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ، ومنها نكاح الرجل الرجل وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ، ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ، وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا الى الله توبة نصوحا ، قال زر : فقلت لأبى بن كعب فما التوبة النصوح ؟ فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود اليه أبدا " ، فأما اذا جزم بالتوبة وصمم عليها فانها تجب ما قبلها من الخطيئات كما ثبت فى الصحيح : الاسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها ، وفى الصحيح أيضا من أحسن فى الاسلام لم يؤاخذ بما عمل فى الجاهلية ، ومن أساء فى الاسلام أخذ بالأول والآخر ، فاذا كان هذا فى الاسلام الذى هو أقوى من التوبة فالتوبة بطريق الأولى ، "  عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّ‍َٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ  " عسى من الله موجبة أى أن الله عز وجل اذا تبتم التوبة النصوح يتجاوز عن سيئاتكم ويمحها لكم ويدخلكم الجنة وتتمتعون فيها بما فيها من جنات تجرى من تحتها الأنهار ، "  يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ" يتحدث الله عز وجل عن يوم القيامة فى هذا اليوم لا يخزى الله الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ومن اتبعه من المؤمنين والخزى كما نعلمه هوعدم تحقيق القبول والتوفيق ورد الشخص خائبا فى مسعاه بأن يدخل النار فالله لن يخزيهم وعن يحيى بن حسان عن رجل من بنى كنانة قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول " اللهم لا تخزنى يوم القيامة "  كقول الله عز وجل عن المؤمنين فى سورة آل عمران " ربنا انك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار " 192 وكقوله " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد " آل عمران 194 ، " نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير " وهذا كقوله فى سورة الحديد " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشركم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم " الحديد 12 ، قال مجاهد وغيره هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفىء وقال أبو ذر وأبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أول من يؤذن له فى السجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر بين يدى فأعرف أمتى من بين الأمم وأنظر عن يمينى فأعرف أمتى من بين الأمم ، وأنظر عن شمالى فأعرف أمتى من بين الأمم " فقال رجل يا رسول الله وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ قال " غز محجلون من آثار الطهور ، ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٩ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِينَ ١٠

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡ" يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين هؤلاء بالسلاح والقتال هؤلاء باقامة الحدود عليهم وأن يعاملهم بالغلظة والشدة فى الدنيا ، "  وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ " أما فى الآخرة فان مقرهم ومستقرهم هو جهنم وساء مصيرهم فى هذا المكان فليس لهم عنه تحول خادين مخلدين فيه ، " ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ " ضرب الله مثلا للكافرين فى مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم أن ذلك لا يجدى عنهم شيئا ولا ينفعهم عند الله ان لم يكن الايمان حاصلا فى قلوبهم ثم ذكر المثل فقال ، " ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ " ضرب الله المثل بامراتين لنبيين رسولين صالحين من عباد الله هما نوح ولوط عليهما السلام عندهما فى صحبتهما ليلا ونهارا يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط ،  "فَخَانَتَاهُمَا " أى فى الايمان لم يوافقهما على الايمان ولا صدقاهما فى الرسالة وليس المراد فى فاحشة بل فى الدين فان نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع فا الفاحشة لحرمة الأنبياء كما تقدم فى سورة النور وقال ابن عباس كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح فاذا آمن مع نوح أحدا أخبرت الجبابرة من قوم نوح ، وأما مرأة لوط فكانت اذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء وفى قول آخر عن ابن عباس : ما زنتا ، أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه ، " ولهذا قال تعالى " فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡ‍ٔٗا " لم يغنيا عنهما شيئا لكفرهما فلم يجد ذلك كله شيئا ولا دفع عنهما محذورا ، " وَقِيلَ" للمرأتين  ، " ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِينَ " أمر بأن يدخلا النار مع من دخلها من الأشقياء من الكفار والمشركين .

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ١١ وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ ١٢

"وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ " وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين اذا كانوا محتاجين اليهم كما قال تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء الا أن تتقوا منهم تقاة " ، " ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ " قال قتادة كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم فو الله ماضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ليعلموا أن الله تعالى حكم عدل لا يؤاخذ أحدا الا بذنبه قيل هى آسية بنت مزاحم رضى الله عنها عن أبى العالية قال كان ايمان امرأة فرعون من قبل ايمان امرأة خازن فرعون ، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون فوقع المشط من يدها فقالت تعس من كفر بالله فقالت لها بنت فرعون ولك رب غير أبى ؟ قالت : نعم ربى ورب أبيك ورب كل شىء الله فلطمتها بنت فرعون وضربتها وأخبرت أباها فأرسل اليها فرعون فقال تعبدين ربا غيرى ؟ قالت : نعم ربى وربك ورب كل شىء واياه أعبد ، فعذبها فرعون وأوتدها أوتادا فشد يديها ورجليها وأرسل عليها الحيات فكلنت كذلك ، فأتى عليها يوما فقال لها : ما أنت منتهية ؟ فقالت : له ربى وربك ورب كل شىء الله فقال : لها انى ذابح ابنك فى فيك ان لم تفعلى فقالت له : اقض ما أنت قاض فذبح ابنها فى فيها ، وان روح ابنها بشرها فقال لها ابشرى يا أمه فان لك عند الله من الثواب كذا وكذا فصبرت ، ثم أتى عليها فرعون يوم آخر فقال لها مثل ذلك فقالت له مثل ذلك فذبح ابنها الآخر فى فيها فبشرها روحه أيضا وقال لها اصبرى يا أمه فان لك من الثواب كذا وكذا  ، وعن سليمان قال كانت امرأة فرعون تعذب فى الشمس فاذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها وكانت ترى بيتها فى الجنة ، " إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ " قال العلماء اختارت الجار قبل الدار فقد اختارت الله أن يقبلها عنده والى جواره ثم تكون فى بيت فى جنته ،" وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ " أى خلصنى منه فانى أبرأ اليك من عمله و خلصنى من هؤلاء القوم الكفار قوم فرعون ، " وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ  " وضرب الله مثلا كذلك بمريم ابنة عمران  ، "ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا " التى كانت عفيفة حصنت فرجها من الزنى وصانته والاحصان هو العفاف والحرية ، " فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا " أى بواسطة الملك وهو جبريل فان الله بعثه اليها فتمثل لها فى صورة بشر سوى وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه فى جيب درعها فنزلت النفخة فولجت فى فرجها فكان منه الحمل بعيسى عليه السلام ولهذا قال تعالى " فنفخنا فيه من روحنا " ، " وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ"  أى بقدره وشرعه ،" وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ " القثنوت هو تقوى الله والاذعان لأمره وطاعته والخضوع له بالقول والفعل وعن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأرض أربعة خطوط وقال " أتدرون ما هذا ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمرا وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " .


No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...