15- ) حكم كلمة " قل " فى القرآن الكريم
فى سورة الأحقاف
1 . "قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ
ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي
ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ
أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٤
" قُلۡ
أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ
" يتحدث الله عن اتخاذ الكفار آلهة من دون الله يعبدونهم من أصنام وأوثان لا
تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فيقول لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقول
لهم أرشدونى الى المكان الذى استقلوا
بخلقه من الأرض ، " أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ" يقول عز وجل للكفار ان من اتخذتم من
دون الله لا شرك لهم فى السموات ولا فى الأرض وما يملكون من قطمير ان الملك
والتصرف كله الا لله عز وجل فكيف تعبدون معه غيره وتشركون به ؟ من أرشدكم الى هذا
؟ من دعاكم اليه ؟ أهو أمركم به أم هو شىء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال
" ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ " يقول الله تعالى لهؤلاء الكفار
هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء عليهم السلام يأمركم بعبادة هذه
الأصنام ، " أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " ويخبرهم الله
تعالى أن يأتوا بدليل بين على هذا المسلك الذى يسلكونه من الكفر ليدللوا على صدقهم
وقرأ آخرون أو أثرة من علم أى أو علم صحيح تؤثرونه عن أحد ممن قبلكم كما قال مجاهد
وقال ابن عباس أو بينة من الأمر وقال أبو بكر بن عياش أو بقية من علم وقال قتادة
" أو أثارة من علم " خاصة من علم .
2 . "أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ
ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيًۡٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا
تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ
ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٨ قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي
وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا
نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٩
" أَمۡ يَقُولُونَ
ٱفۡتَرَىٰهُ" يتحدث هؤلاء الكفار عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ما جاء به
هو كذب مفترى أى مدعيه من عنده وليس من عند الله ، " قُلۡ إِنِ
ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيًۡٔاۖ" يرد الله
عليهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنى لو كذبت على الله وزعمت أنه أرسلنى
وليس كذلك لعاقبنى أشد العقوبة ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم أن
يجيرنى منه كقوله " قل انى لن يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا *
الا بلاغا من الله ورسالاته " وكما قال تعالى " ولوتقول علينا بعض
الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه
حاجزين " ، " هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ
شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ" يرد الله على الكافرين فيما يدعونه مدافعا
عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن الله أعلم بما يقولون ويستفيضون فى قوله وهو شاهد
على وعليكم وحكم بيننا وهذا تهديد لهم ووعيد أكيد وترهيب شديد ،"وَهُوَ
ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ " والله هو الذى يغفر لعباده اذا رجعوا عما فيه من
الضلال وهم رحيم بهم وهذا ترغيب لهم الى التوبة والانابة أى مع هذا كله ان رجعتم
وتبتم تاب عليكم وعفا عنكم وغفر ورحم وهذه الآية كقوله عزوجل فى سورة الفرقان
" وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذى
يعلم السر فى السموات والأرض انه كان غفورا رحيما " ، " قُلۡ مَا كُنتُ
بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ
" قال ابن عباس وغيره ما أنا بأول رسول والمعنى يقول الله عز وجل مخبرا عن
رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المشركين لست بأول رسول طرق العالم بل جاءت
الرسل من قبلى فما أنا بالأمر الذى لا نظير له حتى تستنكروننى وتستبعدون بعثتى
اليكم فانه قد أرسل الله جل وعلا قبلى جميع الأنبياء الى الأمم ،"وَمَا ٓ
أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُم" يقول الله عز وجل مخبرا عن رسوله صلى
الله عليه وسلم لا أدرى ما يفعل بى ولا بكم فى الدنيا أأخرج كما أخرجت الأنبياء
عليهم السلام من قبلى ؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلى ؟ ولا أدرى أيخسف بكم
أو ترمون بالحجارة ؟ وهذا قول ابن جرير فانه بالنسبة الى الآخرة جازم أنه يصير الى
الجنة هو ومن اتبعه ، وأما فى الدنيا فلم يدر ما كان يئول اليه أمره وأمر مشركى
قريش الى ماذا ؟ أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم ، وقال عكرمة والحسن
وقتادة انها منسوخة بقوله تعالى " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
" قالوا ولما نزلت هذه الآية قال رجل من المسلمين هذا قد بين الله تعالى ما
هو فاعل بك يا رسول الله فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى "ليدخل المؤمنين
والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار " والذى هو ثابت فى الصحيح أن المؤمنين
قالوا هنيئا لك يا رسول الله فما لنا ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية "
ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار " ، " إِنۡ
أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ " يقول الله مخبرا عن رسوله صلى الله
عليه وسلم انما أتبع ما ينزله الله على من الوحى ، " وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا
نَذِيرٞ مُّبِين"
ويقول الله عز وجل مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم أنما أن نذير بين النذارة
أمرى ظاهر لكل ذى لب وعقل فهو غير مسؤول عن أفعال الكافرين انما هو مرسل من ربه
ليبلغ رسالته وانما الحساب عند الله وهو الذى يتولى أمر العباد .
3 . " قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ
وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ
مِثۡلِهِۦ فََٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ
ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠
"
قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِ" يقول الله
تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن أرأيتم ان كان هذا القرآن من
عند الله وكفرتم به ما ظنكم أن الله صانع بكم ان كان هذا الكتاب الذى جئتكم به قد
أنزله على لأبلغكموه وقد كفرتم به وكذبتموه شهد بصدقه وصحته الكتب المتقدمة
المنزلة على الأنبياء عليهم السلام قبلى بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر به هذا
القرآن ، " وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ
مِثۡلِهِ فََٔامَنَ " أى هذا الذى شهد بصدقه من بنى اسرائيل لمعرفته بحقيقته
آمن به ،"وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ" وأنتم والخطاب موجه الى المشركين من قريش
أعرضتم واستكبرتم عن اتباعه وقال مسروق فآمن هذا الشاهد بنبيه وكفرتم أنتم بنبيكم
وكتابكم ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ " والله
لا يهدى الكفار نتيجة أفعالهم فهو أعلم بمن يستحق الهداية وهذا الشاهد اسم جنس يعم
عبد الله بن سلام رضى الله عنه وغيره فان هذه الآية مكية نزلت قبل اسلام عبد الله
بن سلام رضى الله عنه وقال مسروق والشعبى ليس بعبد الله بن سلام هذه الآية مكية
واسلام عبد الله بن سلام رضى الله عنه كان بالمدينة .
فى سورة الفتح
1 . " سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ
ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ
يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ
لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيًۡٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ
نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا ١١
يقول
الله تعالى مخبرا رسوله صلى الله عليه وسلم بما سيعتذر به المخلفون من الأعراب
الذين اختاروا المقام فى أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاعتذروا بشغلهم بذلك وسألوا أن يستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك
قول منهم لا على سبيل الاعتقاد بل على وجه التقية والمصانعة " سَيَقُولُ لَكَ
ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا
فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ " يفضح الله عز وجل من تخلفوا من الأعراب عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنهم يقولون ما يخالف الواقع فهم يقولون أن أشغالهم الدنيوية
من أعمال وأموال يكتسبونها ورعايتهم لأهلهم منعتهم من المسير مع الرسول صلى الله
عليه وسلم وأنهم لم يكونوا يقصدون ذلك وهذا قول كاذب وليس الحقيقة ولكن ما تكنه
قلوبهم هو التخلف وعدم الجهاد فى سبيل الله وتأييد رسوله صلى الله عليه وسلم
فالايمان لم يتعمق فى قلوبهم بل منهم من هو منافق يتمنى الضرر للرسول صلى الله
عليه وسلم وللمؤمنين ولو جاءته الفرصة لفعل ذلك ومع هذا يطلبون من الرسول صلى الله
عليه وسلم أن يتجاوز عنهم وعن أعمالهم ،" يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا
لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡ" هؤلاء منافقون ما تقوله ألسنتهم ليس ما تخفيه قلوبهم
فالله أعلم بهم ويفضحهم وقد نزلت سورة التوبة تفضح المنافقين لذلك سميت بالفاضحة ،
"قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيًۡٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ
ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢا" يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه
وسلم متوعدا ومهددا لهؤلاء الأعراب أن يقول لهم ان الله تعالى اذا أراد بكم الضرر
أو أراد لكم النفع لا يقدر أحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس وهو العليم
بسرائركم وضمائركم وان صانعتمونا ونافقتمونا ولهذا قال تعالى " بَلۡ كَانَ
ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا " يخبر الله تعالى أنه محيط وخبير بعلمه
بكل أعمالكم ولن تستطيعوا أن تخفوا منها شيئا .
2 . "سَيَقُولُ
ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا
نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن
تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ
تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا ١٥
يقول الله تعالى مخبرا
عن الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمرة الحديبية اذ ذهب
النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم الى خيبر يفتحونها أنهم يسألون أن
يخرجوا معهم الى المغنم وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجاهدتهم ومصابرتهم
فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يأذن لهم فى ذلك معاقبة لهم من
جنس ذنبهم فان الله تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم لا يشاركهم فيها
غيرهم من الأعراب المتخلفين فلا يقع غير ذلك شرعا ولا قدرا "سَيَقُولُ
ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا
نَتَّبِعۡكُمۡ" يتحدث الله تعالى عن الأعراب أنهم يريدون أن يأذن لهم الرسول
صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالخروج معهم الى الغنائم المتوقعة عند فتح خيبر فهم
يريدون فقط المغنم ولا يريدون ما فيه مشقة من جهاد وقتال ولكن الله تعالى يضع
المغنم مع المغرم والعطاء جزاء للبذل والمشقة ، " يُرِيدُونَ أَن
يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِ" هؤلاء المتخلفون يريدون تثبيط المسلمين عن
الجهاد وبهذا يبدلون ما دعى اليه كلامه من حث على الجهاد وهم قد فعلوا ذلك بالتخلف
عن الجهاد وقدموا أعذارهم كما قال ابن جريج وقال مجاهد وغيره كلام الله هو الوعد
الذى وعد الله به أهل الحديبية من التوجه الى الجهاد ثم التوجه الى خيبر فيكون
المغنم بعد المغرم ولكن هم لم يريدوا المغرم ولكن المغنم وحده وهذا تبديل ومخالفة
لوعد الله ، " قُل لَّن تَتَّبِعُونَا " يتوجه الله تعالى بالكلام الى
رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المتخلفين من الأعراب أنكم لن تأتوا معنا
الى مغانم خيبر،"كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡل" وهذا الذى أقوله
لكم هو وعد الله أهل الحديبة وقوله وأمره قبل سؤالكم الخروج معهم الى مغانم خيبر،
" فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ" يتحدث الله عز وجل عن رد
المتخلفين من الأعراب على منع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون لهم من التوجه
الى مغانم خيبر أنهم يقولوا هذا نابع من أنكم تحسدوننا أى أن نشرككم فى المغانم
وهذا كذب منهم فكيف يحسدونهم والحسد هوتمنى ما فى يد الغير وليس العكس فهم الذين
يتمنوا أن يشاركوا المؤمنين فى المغانم فيرد الله عليهم موبخا " بَلۡ
كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا " أن الأمر ليس كما زعموا ولكن لا فهم لهم .
3 . "قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ
سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ
أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن
تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٦
"
قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي
بَأۡسٖ شَدِيد" يرد الله على المخلفين من الأعراب ويخبر رسوله صلى
الله عليه وسلم أن يقول لهم أنهم مدعوون الى مقاتلة قوم أولى بأس شديد وقد اختلف
المفسرون فى هؤلاء القوم الذين يدعون اليهم على أقوال يقول قتادة وغيره أنهم هوازن
وقال الضحاك أنهم ثقيف وقال جويبر هم بنو حنيفة وعن ابن عباس أنهم أهل فارس وقال
كعب الأحبار الروم وعن أبى ليلى وعطاء والحسن وغيرهم هم فارس والروم وعن مجاهد هم
أهل الأوثان ولم يعين فرقة وهو اختيار ابن جريج وابن جرير ، "
تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَ" يعنى شرع الله لكم جهادهم وقتالهم فلا
يزال ذلك مستمرا عليهم ولكم النصرة عليهم أو يسلمون فيدخلون فى دينكم بلا قتال بل
باختيار ، " فَإِن تُطِيعُواْ " يقول عز وجل للمخلفينمن الأعراب
ان تستجيبوا وتنفروا فى الجهاد وتؤدوا الذى عليكم فيه ، "يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ
أَجۡرًا حَسَنٗا" ان فعلتم هذا يكون جزاءكم من الله الجزاء الحسن ، "
وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا
أَلِيمٗا " بعد أن وعد الله عز وجل المخلفين بالجزاء الحسن اذا أطاعوا ما
أمرهم به من الجهاد توعدهم ان لم يفعلوا ما أمرهم به من الخروج الى الجهاد ومقاتلة
الكفار وتولوا كما فعلوا من قبل فى زمن الحديبية حيث دعوا فتخلفوا يكون
لهم من الله عز وجل العذاب الأليم فى الدنيا بالمذلة وفى الآخرة بالنار .
فى سورة الحجرات
1 . " قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ
ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا
يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا
يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيًۡٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ١٤ إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ
بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ
ٱلصَّٰدِقُونَ ١٥ قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا
فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ١٦ يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل
لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ
هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٧ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ
ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨
" قَالَتِ
ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا
وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ " يقول الله منكرا على
الأعراب الذين أول ما دخلوا فى الاسلام ادعوا لأنفسهم مقام الايمان ولم يتمن
الايمان فى قلوبهم بعد وقد استفيد من هذه الآية الكريمة أن الايمان أخص من الاسلام
كما هومذهب أهل السنة والجماعة ويدل عليه حديث جبريل عليه السلام حين سأل عن
الاسلام ثم عن الاحسان فترقى من الأعم الى الأخص ثم للأخص منه ودل ذلك على أن
هؤلاء الأعراب المذكورين فى هذه الآية ليسوا بمنافقين وانما هممسلمون لم يستحكم
الايمان فى قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا اليه فأدبوا فى ذلك وهذا
ما قال به ابن عباس وغيره ولوكانوا منافقين لعنفوا وفضحوا كما ذكر المنافقين فى
سورة التوبة ثم قال تعالى " وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا
يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيًۡٔاۚ" يقول الله تعالى معقبا عن هؤلاء
الأعراب أنهم لو يطيعوا الله ورسوله فان الله لا ينفصهم من أجورهم شيئا كقوله
عزوجل " وما ألتناهم من عملهم من شىء " ،"إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ
إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ
يَرۡتَابُواْ " يتحدث الله تعالى عن المؤمنين الكمل وهم الذين بالله ورسوله
صلى الله عليه وسلم حق الايمان ولم يشكوا ولا تزلزلوا بل ثبتوا على حال واحدة وهى
التصديق المحض ، " وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ
فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ" من صفات المؤمنين الكمل أنهم بذلوا مهجهم ونفائس
أموالهم فى طاعة الله ورضوانه ، " أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ " من
يفعلون ذلك هم الصادقون فى قولهم اذا قالوا انهم مؤمنون لا كبعض الأعراب الذين ليس
لهم من الايمان الا الكلمة الظاهرة وعن أبى سعيد رضى الله عنه قال ان النبى صلى
الله عليه وسلم قال " المؤمنون فى الدنيا على ثلاثة أجزاء : الذين آمنوا
بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله ، والذى يأمنه
الناس على أموالهم وأنفسهم ، والذي اذا أشرف على طمع تركه لله عز وجل " ،
" قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ " يتحدث الله عز
وجل بقوله لهم أتخبرون الله بما فى ضمائركم ، " وَٱللَّهُ
يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ " لا يخفى عليه مثقال
ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ،
" وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم" قهو الذى يعلم كل شىء
ويحيط به ، " يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل
لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ
هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يعنى
الأعراب يقول الله متحدثا الى الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأعراب
يمنون باسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم عليه فيرد الله عليهم أنكم لا تمنون على فان نفع
ذلك انما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه ان كنتم صادقين فى دعواكم ذلك كما قال
النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين " يا معشر الأنصار ألم أجدكم
ضلالا فهداكم الله ربى ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله ربى ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله
ربى ؟ كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن " ١٧ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ
غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ "
كرر الله تعالى الاخبار بعلمه بجميع الكائنات وبصره بأعمال المخلوقات فى السموات
وفى الأرض .
فى سورة الطور
1 . " أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ
ٱلۡمَنُونِ ٣٠ قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ ٣١
قال
تعالى منكرا على الجهلة من كفار قريش فى قولهم فى الرسول صلى الله عليه وسلم
" أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ "
ينكر الله عز وجل ما قالوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه شاعر ونحن نعلم حال
الشعراء كما وصفهم القرآن بأنهم كاذبون ويقولون ما لا يفعلون فهو الصنف الذى يقصده
هؤلاء وليس الصنف الجيد من الشعراء وريب المنون هو قوارع الدهر والمنون هو الموت
أى يقولون ننتظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه قال تعالى ردا
عليهم " قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ
" أى انتظروا فانى منتظر معكم وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة فى الدنيا
والآخرة وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن قريشا لما اجتمعوا فى دار الندوة فى أمر
النبى صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم احتبسوه فى وثاق وتربصوا به ريب المنون
حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة انما هو كأحدهم فأنزل الله
تعالى ذلك من قولهم " أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ
ٱلۡمَنُونِ"،
فى سورة الواقعة
1 . " وَكَانُواْ يَقُولُونَ أَئِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا
وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ ٤٧ أَوَ ءَابَآؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ ٤٨ قُلۡ
إِنَّ ٱلۡأَوَّلِينَ وَٱلۡأٓخِرِينَ ٤٩ لَمَجۡمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَٰتِ
يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ ٥٠
"
وَكَانُواْ يَقُولُونَ أَئِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا
لَمَبۡعُوثُونَ * أَوَ ءَابَآؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ " وينكرون البعث ويوم
القيامة ويكذبون به وهم يستبعدون وقوعه فكيف اذا بليت أجسادهم وتحولت الى تراب
وعظام أنهم سيبعثون وكذلك يبعث من سبقهم من أجدادهم السابقين الذين ماتوا
وهلكوا ، " قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَوَّلِينَ وَٱلۡأٓخِرِينَ * لَمَجۡمُوعُونَ إِلَىٰ
مِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُوم" يرد الله عليهم ويقول لرسوله صلى الله
عليه وسلم أخبرهم أن الأولين والآخرين من بنى آدم سيجمعون الى عرصات القيامة لا يغادر
منهم أحد وهو موقت بوقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص كما قال
تعالى " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره الا لأجل معدود *
يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقى وسعيد " .