اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 23 )
قالوا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
ظل الفكر الغربى قرونا طويلة يكيد
للاسلام ويشوهه ويشوه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا ننسى ما حدث فى محاكم
التفتيش فى الأندلس من حرق للمسلمين أحياء ، وحرق للمكتبات والتراث الاسلامى ،
واستمر هذا النهج مع الحروب الصليبة ( 489 – 690 هجرية / 1096 – 1291 م ) واستمر نهج الاحتلال الغربى لبلاد
المسلمين ، ويستمر فى العصر الحديث ، واذا أردنا الاشارة الى نماذج من هذه
الشهادات الغربية على هذه الافتراءات فاننا نستطع على سبيل المثال أن نشير الى
شهادة المستشرق الفرنسى الكبير " مكسيم رودنسون " ( 1915 – 2004 ) وهو
من أصل يهودى والذى تحدث عن الصورة التى يعاد تقديمها أفلاما ورسوما ومقالات هذه
الأيام ! ، لقد تحدث عن هذه الصورة فقال :" لقد حدث أن الكتاب اللاتينيين
الذين أخذوا على عاتقهم بين سنة 1100 – 1140 م اشباع حاجة الانسان العامى الى
كراهية الاسلام ورسوله .. أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد ، دون اعتبار للدقة
، فاطلقوا العنان " لجهل الخيال
المنتصر " .. فى الحروب الصليبية – فكان محمد فى عرفهم ساحرا ، هدم الكنيسة
فى افريقيا والشرق عن طريق السحر والخديعة ، وضمن نجاحه بأن اباح الاتصالات
الجنسية ! ، وكان محمد – كما صورته الملاحم الشعبية الغربية الصنم الرئيسى الذى
يعبده المسلمون !.. وكا معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة البدو ... وكانت
تماثيله حسب أقوالهم تصنع من مواد ثمينة ، وذات أحجام هائلة ! " هكذا حكى
" مكسيم ردونسون " طرفا من الصورة التى زيفها العقل الصليبى لرسول
الاسلام صلى الله عليه وسلم ، والتى صاغها هذا العقل شعرا وملاحم شعبية أشاعها
الشعراء الجوالون بين الجماهير والدهماء ، لتستق فى مخزون الثقافة الغربية ، وتشيع
فى الكتب الدراسية ، وليستدعيها الرسامون ومنتجو الأفلام فى هذه الأيام ! ، ويحكى
المفكر الألمانى " هوبرت مومر " – فى كتابه " صورة الاسلام فى
التراث الغربى " " كيف أن الأوربيين ادعوا أت رسول الاسلام كان
كاردينالا كاثوليكيا ، تجاهلته الكنيسة فى انتخابات البابا فقام بتأسيس طائفة
ملحدة فى الشق انتقاما من الكنيسة ، واعتبرت أوروبا المسيحية – فى القرون الوسطى –
محمد المرتد الأكبر عن المسيحية ، الذى يتحمل وزر انقسام البشرية عن الديانة
المسيحية ! " ، ويكشف هذا المفكر الألمانى عن أن هذه الصورة الصليبية الزائفة
لرسول الاسلام قد شارك فى صنعها كبا الفلاسفة والقديسين والمفكرين الغربيين ! ،
فأكبر فلاسفة الكاثوليكية " توما الأكوينى " ( 1225 – 1274 م ) يقول عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم " انه هو الذى أغوى الشعوب من خلال وعوده
الشهوانية ، وقام بتحريف جميع الأدلة الواردة فى التوراة والأناجي من خلال
الأساطير والخرافات التى كان يتلوها على أصحابه ولم يؤمن برسالة محمد الا
المتوحشون من البشر ، الذين كانوا يعيشون فى البادية ! " هكذا زيف أكبر
فلاسفة الكاثوليكية صورة نبى الاسلام صلى الله عليه وسلم ، الذى جاء بكتاب مصدق
لما بين الكتب السماوية جميعا ! والذى أعلن أنه لايفرق بين أحد من رسل الله ، ويا
ليت توما الأكوينى كان حيا اليوم ليرى حفاظ الاسلام والمسلمين على الأسرة والعفة ،
فى الوقت الذى أفلست فيه كثير من الابراشيات الغربية بسبب التعويضات التى تدفع
للأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية من كبار وصغار رجال الدين ! ، وياليته يرى ما
يحدث من اعتراف بزواج الثليين فى البلاد الأوربية وقيا بعض الكنائس بتوثيق هذا العقد
!
واذا كان واقعنا المعاصر يشهد
تدنيس المصحف الشريف واحراقه من قبل كنائس بروتستانتية غربية ، فان المفكر الأمانى
" هوبرت كومر " يكشف لنا عن حقيقة أن هذه الكنائس البروتستانتية انما
تغترف من ثقافة الكراهية السوداء التى وضع أساسها زعيم البوتستانتية " مارتن
وثر " ( 1483 – 1546 م ) الذى وصف القرآن الكريم بأنه " كتاب بغيض وفظيع
وملعون وملىء بالأكايب والخرافات والفظائع ! " ، ثم نصح أتباعه بتزييف صورة
القرآن ، فبدلا من فهم آياته ومقاصده ، دعا الى استخدام الصورة المزيفة لترجمة
القرآن وتعرف المسيحيين عليه ، وعلى القساوسة أن يخطبوا أمام الشعب عن ظائع محمد ،
حتى يزداد المسيحيون عداوة له ، وأيضا ليقوى ايمانهم بالمسيحية ، وتتضاع جسارتهم
وبسالتهم فى الحرب ضد الأتراك المسلمين ، وليضحوا بأموالهم وأنفسهم فى هذه الحروب
! " كما قال مارتن لوثر " ، أما المستشرقة الألمانية " سيجريد
هونكة " ( 1913 – 1999 م ) فانه تحكى
كيف صورت الكنيسة الأوربية بلاد الاسلام عالما من الخرافات والأساطير ، عبدة
الشيطان والسحرة المتضرعين الى الشيطان .. بلاد الأضاحى البشرية من أجل صنم هبى ،
تسهر على سلامته عصبة من الشياطين أسمه محمد ! " من مقال الدكتور محمد عمارة
فى افتتاحية كتاب الأزهر " نبى الاسلام فى مرآة الفكر الغربى " هدية
مجلة " الأزهر " عدد ربيع الآول 1434 هجرية / فبراير 2013 وعلى النقيض من ذلك كان هناك
المنصفون الذين درسوا الفكر الاسلامى وكان لهم رأيهم الخاص ، وسوف نورد بعضا من
هذا الفكر لبعض منهم .
توماس كارليل ( 1795 – 1881 م )
الكاتب الأنجليزى . تناول فى كتابه
" الأبطال " حياة محمدا صلى الله عليه وسلم بالبحث والتحليل قائلا
:" من العار أن يصغى أى انسان متمدين من أبناء هذا الجيل الى وهم القائلين أن
دين الاسلام كذب وأن محمدا لم يكن على حق ، لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات
السخيفة المخجلة ، فالرسالة التى دعا اليها هذا النبى ظلت سراجا منيرا أربعة عشر
قرنا من الزمان ، لملايين كثيرة من الناس ، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة
التى عاشت عليها هذه الملايين وماتت اكذوبة كاذب أو مخادع ؟ ، ولو أن الكذب
والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفا وعبثا ، وكان
الأجدر بها ألا توجد ، هل رأيتم رجلا كاذبا يستطيع أن يخلق دينا ويتعهده بالنشر
بهذه الصورة ؟ ، ان الرجل الكاذب لايستطيع أن يبنى بيتا من الطوب لجهله بخصائص
مواد البناء ، واذا بناه فما ذال الذى يبنيه الا كومة من أخلاط هذه المواد ، فما
بالك بالذى يبنى بيتا تبقى دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه هذه الملايين الكثيرة
من الناس ؟! ، وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد
محمدا رجلا كاذبا متصنعا متذرعا بالحيل والوسائل لغلية أو مطمع ، وما الرسالة التى
أداها الا الصدق والحق ، وما كلمته الا صوت حق صادق صادر من العالم المجهول ، وما
هو الا شهاب أضاء العالم أجمع ، ذلك أمر الله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهب
جدلا أن لمحمد هفوات ، فانه ليس فى مقدور هذه الهفوات أن تستمر تلك الحقبة الكبرى
وهى أنه رجل صادق ونبى مرسل، ثم استرسل توماس كارليل يقول
:" أحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع ، ولقد كان ابن الصحراء مستقل
الرأى ، لا يعتمد الا على نفسه ، ولا يدعى ما ليس فيه ، ولم يكن متكبرا ، ولا
ذليلا ،فهو قائم فى ثوبه المرقع ، كما أوجده الله ، يخاطب بقوله الحر المبين
أكاسرةالعجم وقياصرة الروم ، يرشدهم الى ما يجب عليهم لهذه الحياة ، وللحيا ىلآخرة
، وما كان محمد بعابث قط ، وشاب قوله شائبة لعب ولهو ، فكانت المسائل عنده مسئألة
فناء وبقاء ، أما التلاعب بالأقوال والعبث بالحقائق فما كان من عادته قط ، وكان
محمد اذا سئل أن يأتى بمعجزة قال حسبكم بالكون معجزة ، انظروا الى هه الأرض ،
أليست من عجائب صنع الله ؟! ، أليست آية من آيات عظمته ، أنظروا الى هذه الأرض
التى خلقها الله لتمشوا فى مناكبها ولتأكلوا من رزقها ، أنظروا الى هذا السحاب
المسير فى الآفاق كيف يتحول الى ماء يروى الأرض ويخرج به النبات والزرع ، ألستم
أنت معجزات ؟ ، لقد كنتم صغارا ، وقبل ذلك لم تكونوا أبدا ، ثم لكم جمال وقوة وعقل
، ثم يلأتيكم المشيب ثم تموتون ، لقد كان الكون نفسه فى نظره معجزة ! ، لقد كان
يرى كل ما كان يراه كبار المفكرين ، وهو أن هذا الكون المادى انما هو فى الحقيقة
لا شىء ، وهو ظل علقة الله فى الفضاء لا غير ، وان دل على شىء فهو يدل على أنه آية
من آيات الله ويزعم المتعصبون أن محمدا لم يكن
يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والجاه والسلطان ، كلا وأيم الله ، لقد انطلقت من
فؤاد ذلك الرجل الكبير النفس – المملوء رحمة وبرا وحنانا وخيرا ونورا وحكمة ،
أفكار غير الطمع الدنيوى وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطان ، لم يكن كغيره يرضى
بالأوضاع الكاذبة ، ويسير تبعا للاعتبارات الباطلة ، ولم يقبل أن يتشح بالأكاذيب
والأباطيل ، لقد كان منفردا بنفسه العظيمة وبحقائق الكون والكائنات ،لقد كان سر
الوجود أمام عينيه بأهواله ومحاسنه ومخاوفه ، لهذا جاء صوت الرجل منبعثا من قلب
الطبيعة ذاتها ، لهذا وجدنا الآذان اليه مصغية والقلوب لما يقول واعية ، لقد كان
يجول فى خاطره منذ رحلاته وأسفاره آلاف من الأفكار ، ماذا أنا ؟ ، ماهى الحياة ؟ ،
ما هو الموت ؟ ماذا أفعل ؟ ، لقد أحس هذا الرجل ابن الصحراء أن هذه هى كبرى
المسائل وأهمها ، وكل شىء عديم الوجود بجانبها ، ثم استطرد توماس كارليل يصو شخصية هذا النبى الكريم صلى
الله عليه وسلم الى أن قال :" لقد كان زاهدا متقشفا فى مسكنه ومأكله ومشربه
وملبسه وسائر أموره وأحواله ، فكان طعامه عادة الخبز والماء ، وكثيرا ما تتابعت
الشهور ولم توقد بداره نار ، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة ؟ فحبذا محمد من رجل متقشف
، خشن الملبس والمأكل ، مجتهد فى الله ، دائب فى نشر دين الله ، غير طامح الى ما
يطمح اليه غيره من رتبة أو دولة أو سلطان ، ولو كان غير ذلك لما استطاع أن يلاقى
من العرب الغلاظ احتراما واجلالا واكبارا ، ولما استطاع أن يقودهم ويعاشرهم معظم
وقته ، ثلاثا وعشرين حجة ، وهم ملتفون حوله ، يقاتلون بين يديه ويجاهدون حوله ؟ ،
لقد كان فى قلوب العرب جفاء وغلظة ، وكان من الصعب قيادتهم وتوجيههم ، لهذا كان من
يقدر على ترويضهم وتذليلهم بطلا وأيم الله ، ولولا ما وجدوا فيه من آيات النبل
والفضل لما خضعوا لارادته ولما انقادوا لمشيئته ، وفى ظنى أنه لو وضع قيصر بتاجه
وصولجانه وسط هؤلاء القوم بدل هذا النبى لما أستطاع قيص أن يجبرهم على طاعته كما
استطاع هذا النبى فى ثوبه المرقع ! ، هكذا تكون العظمة ؟! ، وهكذا تكون البطولة ؟!
، وهكذا تكون العبقرية ؟! .
تناول " توماس كارليل "
الدين الاسلامى ببعض البحث والتحليل فكتب يقول :" لقد أخرج الله العرب بالاسلام من الظلمات الى النو وأحيا به أمة
هامدة ، وما كانت هذه الأمة الا فئة جوالة فى الصحراء خاملة فقفيرة تجوب الفلاوات
، ومنذ بدء العالم لا يسمع لها صوت ولا تحس منها حركة ، فأرسل الله لهم نبيا بكلمة
من عنده ورسالة من فبله ، فاذا بالخمول قد استحال شهرة ، والغموض بنباهة ، والضعف
قوة ، واذا بالضوء الخافت قد أضحى نورا وهاجا يملأ الأنحاء ويعم الأرجاء ، وما هو
الا قرن حتى امتدت دولة العرب الى الهند والى بلاد الأندلس ، وظلت هذه الدولة تشرق
حقبا عديدة ودهوا مديدة بين احق والمروءة والعدل والشهامة والنبل .
وفى موضع آخر كتب يقول :" وفى
الاسلام صفة أراها أشرف الصفات وأعظمها وهى المساواة بين الناس ، وهذا يدل على صدق
النظر وصواب الرأى ، والاسلام لم يقنع بجعل الصدقة سنة محبوبة ، بل جعلها فرضا على
كل مسلم ، وجعلها قاعدة من قواعد الاسلام ، وقدرها بنسبة من الثروة ، تعطى للفقراء
والمساكين والمنكوبين ، جميل والله كل هذا !! ، جميل والله أن ينبعث صوت الرحمة
والاخاء والانسانية من فؤاد هذا النبى الكريم ابن القفار والصحراء ، ولقد رأى
توماس كلرليل فى هاتين الميزتين مظهرين مختلفين من مظاهر اصلاح المجتمعات وتقويمها
، لقد رأى فى الصدقات مظهرا من مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعى بين طبقات الشعب
الواحد .
وفى معرض الدفاع عن الدين الاسلامى
كتب يقول :" وأى دليل يشهد ببراءة الاسلام من الميل الى الملذات من شهر مضان
الذى تلجم فيه الشهوات وتزجر فيه النفوس ، ان أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن
يكون للمرء من نفسه على نفسه سطان ، وألا يجعل من لذاته أغلالا تقيده ، بل يجعل
منها حليا وزخارف متى شاء خلعها ومتى شاء نزعها ، كذلك أمر رمضان ، حيث تلجم فيه
الشهوات وتخضع ، ثم استطرد فى دفاعه عن الاسلام
يقول :" لقد مضت على هذا الدين مئتان وألف عام وهو الدين القويم والصراط
المستقيم لأكثر من سدس سكان العالم ( يكون المسلمين اليوم نحو ربع سكان العالم ) ،
ومازال فوق ذلك دينا يؤمن به أهله من حبات أفئدتهم ، ولا احسب أن أمة اعتصمت
بدينها اعتصام المسلمين باسلامهم اذ يوقنون به كل اليقين ، ويواجهون به الدهر أبدا
، ان كلمة التوحيد والتكبير لترن آناء الليل وأطراف النهار فى صدور تلك الملايين
من البشر ، وان الفقهاء ذوى الغيرة فى الله والتفانى فى حبه يذهبون الى الشعوب
الوثنية بالهند والصين والمالاى فيهدمون أضاليلهم ويشيدون مكانها قواعد الاسلام ،
ونعم ما يفعلون .
أما عن القرآن فكتب توماس كارليل يقول :" لقد
نظر العرب اليه نظرة معجزة لما بين آياته وأذواقهم من ملائمة ، ولعدم وجود ترجمة
تذهب بحسنه وابداعه ، لقد أعطاه العرب من النبجيل أكثر مما أعطاه أهل الأديان
الأخرى لأديانهم وما برح فى كل زمان ومكان قاعدة التشريع والعمل ، والقانون المتبع
فى شئون الحياة ومسائلها ، والوحى المنزل من السماء هدى للناس وسراجا منيرا يضىء
لهم سبل العيش ويهديهم صراطا مستقيما ، ومصدر أحكام القضاة ، والدس الواجب على كل
مسلم حفظه والاستنارة به فى غياهب الحياة وكذلك ما برح هذا الكتاب يرن صوته فى آذان
الألوف من خلق الله وفى قلوبهم فى كل آن ولحظة .
No comments:
Post a Comment