اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 24 )
قالوا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
برنارد شو ( 1856 – 1910 م )
الكاتب المسرحى الأنجليزى . فى أثناء سياحته بالهند كتب رسالة أوضح فيها
رأيه فى صلاحية الدين الاسلامى لجميع الأمم ، فى كل زمان ومكان ، وشاد بفضل هذا
الرسول صلى الله عليه وسلم وعظمته وعبقريته قائلا :" لقد وضعت دائما دين محمد موضع
الاعتبار السامى بسبب حيوييه العظيمة ، فهو الدين الوحيد الذى يلوح لى أنه حائز
أهلية العيش لأطوار الحياة المختلفة ، بحيث يستطيع أن يكون جذابا لكل زمان ومكان
" واستطرد يقول :" لقد تنبأت
بأن دين محمد سيكون مقبولا لدى أوروبا فى الغد القريب ، وقد بدأ يكون مقبولا لديها
اليوم ، ولقد صور اكليروس القرون الوسطى الاسلام بأحلك الألوان ، اما بسبب الجهل ،
أو بسبب التعصب الذميم .. ولقد كانوا فى الواقع يمرنون على كراهية محمد وكراهية
دينه ، وكانوا يعتبرونه خصما للمسيح .. ولقد درسته باعتباره رجلا عظيما ، فرأيته
بعيدا عن مخاصمة المسيح ، بل يجب أن يدعى منقذ الانسانية ، وانى لأعتقد بأنه لو
تولى رجل مثله حكم العالم الحديث لنجح فى حل مشكلاته بطريقة تجلب الى العالم
السلام والسعادة اللذين هو فى أشد الحاجة اليهما ... ولقد ادرك قى القرن التاسع
عشر مفكرون مخلصون أمثال كارليل وجوت ( 1749 – 1832 م ) وجيبون ( 1737 – 1794 )
القيمة الذاتية لدين محمد ، وهكذا وجد نحول حسن فى موقف أوروبا من الاسلام ، ولكن
أوروبا فى القرن الراهن تقدمت فى ها السبيل كثيرا ، فبدأت تعشق عقيدة محمد ، وفى
القرون القادمة قد تذهب أوروبا الى أبعد من ذلك ، فتعترف بفائدة هذه العقيدة فى حل
مشاكلها ، بهه الروح يجب أن تفهموا نبوءتى ، وفى الوقت الحاضر دخل كثير من أبناء
قومى من أهل أوروبا فى دين محمد ، حتى ليمكن أن يقال ان تحول أوروبا الى الاسلام
قد بدأ ، لقد بدأت أوروبا الآن تتعشق
الاسلام ، ولن يمضى القرن الحادى والعشرين حتى تكون أوروبا قد بدأت تستعين به فى
حل مشاكلها , وقال عن النبى صلى الله عليه وسلم
:" ان محمدا هو منقذ الانسانية ... اننى أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام
الحكم فى العالم بأجمعه لتم النجاح فى حكمه ولقاده الى الخير ، وحل مشكلاته على
وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة "
لامرتين شاعر فرنسا الكبير ( 1790 –
1869 م ) درس لامرتين حياة نبينا الكريم صلى الله عليه
وسلم دراسة وافية ، وأدرك ما فيها من عظمة وخلود ، ويقول :" أترون محمدا كان
أخ خداع وكذب ؟ ، كلا لم يكن خادعا ولا كذبا بعد ما عرفنا تاريخه ودرسنا حياته ،
فالكذب والخداع والتليس صفات تتولد من نفاق العقيدة وليس للنفاق قوة العقيدة وليس
للكذب قوة الصدق " ، وتناول حياته بالتحليل قئلا :" ان حياة محمد وقوة
تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته وجاهلية سعبه وخزعبلات قبيلته
وشهامته وجرأته ويأسه ، وثباته ثلاثة عشر عاما يدعو دعوته فى وسط أعدائه ، وتقبله
سخرية الساخرين وهزأء بهزء الهازئين وحميته فى نشر رسالته ، وتوافره على السعى فى
اظهار دعوته ، ووثوقه بالنجاح وايمانه بالفوز وتأسيس العقيدة الاسلامية ، ونجاح
دينه بعد موته ، كل ذلك أدلة على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل ، وهذا
اليقين الذى ملأ روحه هو الذى وهبه القوة على أن يرد الى الحياة فكرة عظيمة وحجة
قائمة ومبدأ مزدوجا ، وهو وحدانية الله وتجرد ذاته عن المادة ، الأولى تدل على من
هو اله ، والثانية تنفى ما ألصقه الوثنيون به ، الأولى حطمت آلهة كاذبة ، والأخرى
فتحت طريقا الى الفكر والتأمل " ، ويقول فى موضع آخر :" لقد كان
محمدا فيلسوفا وخطيبا ومشرعا وقائدا وفاتح فكر وناشر عقائد تتفق مع الذهن ، ومنشىء
عشرين دولة فى الأرض ، وفاتح دولة فى السماء من الناحية الروحية ، أى رجل قيس
بجميع هذه المقاييس التى وضعت لوزن العظمة الانسانية كان أعظم منه ؟ ، ولو كان
مقياس العظمة هو اصلاح شعب متدهور ، فمن ذا يتطاول الى مكان محمد ؟ ، لقد سما بأمة
متدهورة ورفعها الى قمة المجد ، وجعلها مشعلا للمدنية وموردا للعلم والعرفان ، لو
كان مقياس العظمة فى توحيد البشرية المفككة الأوصال فمن أجدر بهذه العظمة من محمد
الذى جمع شمل العرب وجعلهم أمة عظيمة وامبراطورية شاسعة ، ولو كان مقياس العظمة هو
اقامة حكم السماء على الأرض فمن ذا الذى ينافس محمدا وقد محا مظاهر الوثنية ليقيم
عبادة الخالق وحده ، ولو قسنا العظمة بالنصر الحربى والنفوذ والسلطان فمن يدانيه
فى هذا المضمار ؟ ! ، لقد كا يتيما لا حول له ولا قوة ، فأصبح ماكا عظيما ومؤسسا
لامبراطورية دامت ثلاثة عشر قرنا من الزمان ، ولو كان مقياس العظمة هو الأثر الذى
يخلده فى النفوس على مر الأجيال فهاهو محمد يمجده أربعمائة مليون ( عد المسلمين
اليوم مليار وسبعمائة مليون ) من الناس فى مختلف البقاع ، مع تباين أوطانهم
وألوانهم وطبقاتهم .
ليو تولستوى ( 1828 – 1910 م )
الكاتب الروسى . لقد كان هذا الفيلسوف الروسى كاتبا منصفا ، فعندما رأى
تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الاسلامى هزته الغيرة على الحق الى وضع عجالة
عن نبى الاسلام ، وبعض تاريخ حياته فقال فيه :" ولد نبى الاسلام فى بلاد
العرب من أبوين فقيرين وكان فى حداثة سنه اعيا ، يميل الى العزلة والانفراد فى
البرارى والصحارى ، متأملا فى الله خالق الكون ، لقد عبد العرب المعاصرون له
أربابا كثيرة ، وبالغوا فى التقرب اليها واسترضائها ، وأقاموا لها العبادات وقدموا
لها الضحايا المختلفة ، وكان كلما تقدم به العمر ازداد اعتقادا بفساد تلك الأرباب
، وأن هناك الها واحدا حقيقيا لجميع الناس والشعوب ، وقد ازداد ايمان محمد بهذه
الفكرة فقام يدعو أمته وأهله الى فكرته ، معلنا أن الله أصطفاه لهدايتهم وعهد اليه
انارة بصائرهم وهدم دياناتهم وعباداتهم الباطلة ، وراح يعلن عن عقيدته وديانته ،
وخلاصة هذه الديانة التى نادى بها هذا الرسول هو أن الله واحد ... لاآله الا هو ،
ولذلك لا يجوز عبادة غيره ، وبأن الله عادل ورحيم بعباده ، وأن مصير الانسان
النهائى متوقف عليه وحده ، فان الله يؤجره فى الحياة الآخرة أجراحسنا ، واذا خالف
شريعة الله تعالى وسار على هواه فانه يعاقب فى الآخرة عقابا أليما ، وأن الله
تعالى يأمر الناس بمحبته ومحبة بعضهم بعض ، ومحبة الله تكون بالصلاة ، ومحبة الناس
تكون بمشاركتهم فى السراء والضراء ، وأن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر يقتضى
عليهم أن يبذلوا وسعهم لابعاد كل من شأنه اثارة الشهوات النفسية والابتعاد عن
الملذات الدنيوية ، وانه يحتم عليهم ألا يخدموا الجسد ويعبدونه ، بل عليهم أن
يخدموا الروح ويهذبونها ، ومحمد لم يقل عن نفسه أنه نبى الله الوحيد بل أعتقد أيضا
بنبوة موسى وعيسى وقال ان اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم ، وفى سنى
دعوته الأولى احتمل كثيرا من اضطهادات أصحاب الديانة القديمة شأن كل نبى قبله نادى
أمته الى الحق ولكن هذه الضطهادات لم تثن من عزمه بل ثابر على دعوة أمته ، وقد
امتاز المؤمنون كثيرا عن العرب بتواضعهم وزهدهم فى الدنيا وحب العمل والقناعة
وبذلوا جهدهم فى مساعدة اخوانهم فى الدين عندحلول المصائب بهم ، ولم يمض على جماعة
المؤمنين زمن طويل حتى أصبح الناس المحيطون بهم يحترمونهم احتراما عظيما ويعظمون
قدرهم ، وراح عدد المؤمنين يتزايد يوما بعد يوم ، ومن فضائل الين الاسلامى أنه
أوصى خيرا بالمسيحيين واليهود ورجال دينهم ، فقد أمر بحسن معاملتهم ، وقد بلغ من
حسن معاملته لهم أنه سمح لأتباعه بالتزوج من أهل الديانات الأخرى ، ولا يخفى على
أصحاب البصائر العالية ما فى هذا من التسامح العظيم ، وختم كلامه قائلا :" لا ريب أن هذا النبى
من كبار الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة ويكفيه فخرا
أنه هدى أمته برمتها الى نور الحق وجعلها تجنح للسلام وتكف عن سفك الدماء وتقديم
الضحايا ، ويكفيه فخرا أنه فتح لها طريق الرقى والتقدم وهذا عمل عظيم لا يفوز به
الا شخص أوتى قوة وحكمة وعلما ، ورجل مثله جدير بالاجلال والاحترام .
الزعيم الهندى المهاتما غاندى .
عندما احتفل الهنود المسلمون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم فى بونا
بالهند حضر غاندى هذا الحفل وألقى كلمة خالدة تحمل اعجاب غاندى بنبى الاسلام
ورسالته وعظمته فقد قال :" لما كانت علاقتى بالمسلمين على هذا النحو من
المتانة والألفة فقد شعرت برغبة لدراسة حياة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه
وسلم وشرعت بذلك فى أفريقيا الجنوبية ، الا أنى لم أكن فى ذلك الحين ملما باللغة
الأوردية الماما كافيا ، وسجنى المتتاع أتاح لى فرصة قراءة كتب سيرة النبى الكريم
صلى اله عليه وسلم ، وما كتبه عنه حكيم صاحب أحمد خان ، تلك الكتب التى طلبتها
وجاءتنى الى السجن ، وقرأت أيضا أحاديث صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت
مترجمة الى اللغة الانجليزية ، لقد كان محمد نبيا عظيما وكذلك كان المسيح ، وقد
أصبحت أعتقد أنهما كانا لا ينشدان الا الحق ، ولا أجد جديدا فيما أقوله الآن ،
وكانا يخافان الله ، وانما أصف فقط ما يخامر نفسى ، لقد لاقى محمد كثير من
الاضطهادات ولكنه كان شجاعا لم يخف غير الله ولم يرهب أى انسان ، كان النبى فقيرا
، زاهدا فى متاع الدنيا فى الوقت الذى كان يستطيع فيه أن يكون مثريا كبيرا لو أراد
، لقد ذرفت الدموع وأنا أقرأ تاريخ ذلك الرجل العظيم ، اذ كيف يستطيع باحث عن
الحقيقة أن لا يطأطىء الراس أمام هذه الشخصية التى لم تعمل الا من أجل مصلحة
البشرية كلها " .
الأديب الأمريكى واشنجطون ارفنج
(1783 – 1859 ) . لقد تناول واشنجطون أرفنج حياة النبى صلى اله عليه وسلم
فى مختلف مظاهرها ودرس عبقريته فى شتى صورها ، وتحدث عن مدى تعلق النبى صلى الله
عليه وسلم برسالته واخلاصه لدعوته وكتب يقول :"تعتمد حياة هذا النبى على
الاخلاص ، ولم يكن هناك ما يدفعه الى خوض هذه المصاعب والعقبات التى صادفته عند
اعلان دعوته ، لو لم يكن الايمان الخالص لرب العالمين يملأ فراغ عقله وقلبه ، لقد
كان قبل دعوته أمينا محبوبا منتميا الى أشرف قبائل العرب ، وكانت زوجته خديجة على
ثراء عريض ، فاجتمع لديه قبل دعوته كرم المحتد والنسب ووفرة المال وطيب السمعة ،
ومع ذلك أعلن دعوته بالرغم عما كان يحيطها من متاعب واضطهادات ، وهو لا يرجو من
ورائها الا اعلاء كلمة ربه ، ومن مظاهر عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم التى أشار
اليها أرفنج تسامحه مع خصومه ومعارضيه بعد فتح مكة ، وفى هذا الصدد يقول :"
لقد وقف أبو سفيان ، الذى لم يترك فرصة واحدة تمر لايذاء النبى وأتباعه الا
انتهزها أمام النبى بعد فتح مكة فعفا عنه ، أما عكرمة بن أبى جهل الذى ورث العداوة
عن أبيه ففر عند دخول النبى صلى الله عليه وسلم مكة تاركا زوجته تتقدم الى النبى
صلى الله عليه وسلم طالبة العفو عن زوجها ، فتقدم نحوها النبى صلى الله عليه وسلم
وأخذ بيدها معلنا عفوه عن زوجها ، فأسرعت الى الشاطىء لتخبر زوجها بهذا العفو قبل
أن يرحل من البلاد ، ولما علم عكرمة بتسامح النبى صلى الله عليه وسلم وعفوه عاد هو
وزوجته معلنا اسلامه ، وعندما وقفت نساء قريش أمام النبى صلى الله عليه وسلم بعد
فتح مكة رأى بينهن هند زوجة أبى سفيان ، تلك الزوجة الى لاك كبد حمزة بعد قتله
وقرضته بأسنانها ، وظل النبى صلى الله عليه وسلم شاخصا اليها فترة طويلة ، فشعرت
بالندم والخجل ، وأسرعت نحوه طالبة الصفح والغفران فعفا عنها ، وصفح النبى صلى
الله عليه وسلم أيضا عمن صفع ابنته وهى فى طريقها من مكة الى المدينة صفعة كانت
سببا فى القضاء عليه ، فهل وجدنا فى تايخ العالم تسامحا كالذى رأيناه من هذا
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟ ، لقد كان التسامح سلاحا فعالا من أسلحة
المسلمين ، فقد أثرت سماحة النبى صلى الله عليه وسلم وتسامحه فى نفوس العرب فلانت
قلوبهم ورقت نفوسهم فأقبلوا نحوه فى نفوس آمنة وقلوب واعية .
وتناول أرفنج بعد ذلك البعوث
السياسية والرسل الى القياصرة والملوك من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم فكتب
يقول :" أراد لنبى صلى الله عليه وسلم أن ينشر دينه فى نطاق واسع ففكر فى
الوسائل السياسية والدبلوماسية ، فأرسل رسله الى القياصرة والملوك والأمراء ،
داعيا اياهم الى احتضان دينه ونشه ، ولذلك لم يلجأ الى لسيف الا بعد أن استنفد
الوسائل السلمية الأخرى ، لقد أرسل رسله الى كسرى ملك الفرس ، والى قيصر ملك الروم
والى المقوقس حاكم مصر ، كما أرسلها الى النجاشى ملك الحبشة ، وعندما ذهب رسوله
الى كسرى قدم اليه رسالة نبيه ، فأعطاها كسرى لأحد رجاله الذى بدأ بقرأ ويقول
:" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله ورسول الله الى كسرى ملك
الفرس ، فصاح كسرى غاضبا :" ماذا يقول ؟! ، هل هناك من يجرؤ على أن يكتب اسمه
قبل اسم كسرى ؟! ، وأمسك بالخطاب فى غضب وحقد ومزقه قبل أن يعرف محتويلته ولم يكتف
كسر بذلك بل أصدر أوامره الى حاكم اليمن بأن يلقى القبض على نبى الاسلام ، فأرسل
هذا الحاكم رجلين الى المدينة لهذا لالغرض ، فلما وصلا الى المدينة أبلغا النبى
صلى الله عليه وسلم رسالة ملكهم ، فقال النبى صلى الله عليه وسل :" هل لكما
ملك ؟ " ، فبدت الحيرة على وجهيهما ، ولما عادا الى دارهما عرفا أن كسرى قضى
نحبه مقتولا بيد ولده فى نفس اللحظة التى كانا يحادثان فيها النبى صى الله عليه
وسلم ، أما رسول لنبى صى الله عليه وسلم الى قيصر الروم فكان أوفر حظا ، اذ قابله
قيصر مقابلة حسنة ، وحمله عند عودته بالهدايا ، وان كان لم يرد على الرسالة ردا
حاسما ، وفى مصر استقبل المقوقس مبعوث النبى صلى الله عليه وسلم أحسن استقبال
وأكرم وفادته وحمله بالهدايا عند عودته وكان من بين هذه الهدايا بغلة لركوب النبى
صلى الله عليه وسلم وجاريتان ، فوقع النبى فى حيرة من أمر قبول الجاريتين كمحظيات
، فتزوج احداهما وهى مارية القبطية وتزوج أحد أتباعه الجارية الأخرى ، وكان لذلك
أثر حسن عند أقباط مصر ، أما النجاشى ملك الحبشة فقد قبل الاسلام بمجرد أن تلقى
دعوة النبى صلى الله عليه وسلم ، هذه الرسل والبعوث تدل دلالة واضحة على أن النبى
صلى الله عليه وسم لم يلجأ الى القتال الا بعد أن استنفد جميع الأساليب السياسية
والدبلوماسية ، وفى هذا حكمة وروية ومحبة للسلام ، وبحث أرفنج انتصاراته الحربية
وتوسعه السياسى وأثرها فى تغير نفسيته وخلقه فكتب يقول :" لم توقظ انتصاراته
الحربية والسياسية فيه الزهو والفخار ، ولم تثر فى نفسه الأنانية والرغبات الشخصية
الجامحة ، بل بقى النبى صلى الله عليه وسلم بالرغم من هذا كله زاهدا متواضعا كما
كان فى بداية حياته ، لقد كانت الثروة والجاه بين يديه ورهن اشارته ولكن لم ينفقها
الا من أجل الدين واعلاء كلمة الله ، لم يكن فى بيت النبى صلى الله عليه وسلم عند
موته دينار ولا درهم ، ولا عبد ولا جارية ، لقد وضع الله كنوز الأرض كلها بين يديه
ولكنه كان زاهدا فيها كلها " ، ولكى يصور أرفنج موقف الرسول صلى اله عليه
وسلم عند موت ابنه كتب يقول :" وقد بدا خضوعه لارادة الله فى وضوح تام عندما
كان واقفا بجانب ابنه ابراهيم وهو على فراش الموت ، وكان عزؤه الوحيد أنه سيلقى
ابنه فى الفردوس ، وعندما تبعه الى قبره كان يدعو الى دينه ووحدانية ربه ورسالة
نبوته وحتى فى ساعات موته كان يردد صلاته ويتحدث عن دعوته ، وكانت الكلمات الأخيرة
التى اضطربت على شفتيه رغبة فى أن يدخل ملكوت الله مع الأنبياء السابقين .
المستشرق الفرنسى اميل درمنغم (
1892 – 1971 ) . كتب المستشرق
الفرنسى اميل درمنغم كتابا عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم فى شتى مراحلها ، ومن
ضمن ما جاء فى الكتاب :" تاريخ البشرية ما هو الا سلسلة من الايحاء والالهام
، اذ يسمع البشر بين وقت وآخر صيحة مدوية ، واذا برجل يسي فى طريق الحق غير متوان
، عاملا على أن يوقظ الآخرين من نومهم العميق ، هكذا يقوم خلاص البش على سلسلة من
الأفعال الحرة الطليقة ، وهكذا نهض محمد صلى الله عليه وسلم يدعو قومه الى دين
الواحد الأحد ، وهكذا نهض لينبه آسيا وأفريقيا ، وليجدد بلاد فارس الناعسة وليحث
نصرانية الشرق التى أفسدتها التأملات الفاترة ، جاء نبى الاسلام يدعو العلماء
ليفقهوا ما يقولون ، ويقوم ما يتيه فيه الحكماء من الطرق المعوجة ، فالناس حين
يستمعون لكلامه الموحى اليه به يعود اليهم سابق اتصالهم بالسر المحيط بهم ، مهتدين
الى مبدأ حى لا يجدون مثله فى نصائح الفلاسفة وأقطاب السياسة والاجتماع ، ويكفى أن
نشير الى أن نبى الاسلام ظهر فى وقت من أشد أوق الاريخ ظلاما ، فى وقت كانت فيه
الحضارات مضطربة متداعية ، والقرآن هو معجزة محمد الوحيدة ، فأسلوبه المعجز وقوة
أبحاثه التى لا تزال لغزا الى يومنا هذا ، يثيران ساكن من يتلونه ، ولو لم يكونوا
من الأتقياء العابدين ، وكان محمد يتحدى الانس والجن بأن يأتوا بمثله ، وكان هذا
التحدى أقوى دليل على صدق رسالته ، وهذا لا يعنى الاشارة الى قيمة أدبية خاصة فى
القرآن ، مادام محمد كارها للشعراء محترزا من أن يكون أحدهم ، وما دام هناك فرق
بين وحى الله ونفث الجن ، ولا ريب فى أن كل آية منه ، ولو أشارت الى أدق حادثة فى
حياته الخاصة تأتيه بما يهز الروح بأسرها من المعجزة العقلية ، ولا يستطيع أحد أن يشك فى اخلاص محمد صلى الله عليه
وسلم ، فحياة محمد مهما كانت وجهة النظر فيها ، شاهدة على اعتقاده صدق الرسالة
التى حمل أمانتها الثقيلة ببطولة ، وان قوة ابداعه وعبقريته الواسعة وذكاءه العظيم
وبصره النافذ ، وقدرته عل ضبط نفسه وعزمه المكين ، وحذره وحسن تدبيره وطراز عيشه
مما يمنع ذلك النبى ، ذلك الموحى اليه الموهوب من أن يكون مبتلى بالصرع ، ولم يدر
فى خلد محمد ثانية أن يجعل كلامه ملائما لذهنية معاصريه حى يسهل اقناعهم واجتذابهم
اليه ، فاذا كان محمد قد استمال الناس اليه فلم يكن ذلك بما هو هين سهل ، بل يعرض
عليهم رسالته الساطعة القاطعة الحادة كالسيف ، المنفصلة عن نظراته الشخصية .
No comments:
Post a Comment