اصطفاء فى الأتباع .
ان
أمة الاسلام وأتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله على سائر الأمم ،
فى سورة آل عمران " كنتم خير أمة أخرجت للناس نأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم
الفاسقون " آل عمران 110 ، وفى حديث " حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده : " أنه سمع
النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى قوله " كنتم خير أمة أخرجت للناس "
قال : أنتم تتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله " ، وفى حديث
" حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال :" حدثنا سعيد عن قتادة قال :ط ذكر
لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو مسند ظهره الى الكعبة : نحن نكمل
يوم القيامة سبعين أمة ، نحن آخرها وخيرها " ، وقد خصهم الله بنعم كثيرة
وفضلهم على غيرهم ليس بالعنصرية ، ولكن بالعمل ، فهم خاتم الأمم ورسولهم خاتم
الرسل والنبيين ، ويكون أفضل الشىء وأتمه آخره ، فالعمل يصل الى الكمال فى آخر
مراحله ، والبشرية مرت بمراحل فى حياتها
ادت الى ما وسلت اليه من علم وتطور حضارى لم تصل اليه فى أى من مراحلها وبخاصة فى
العلم والاتصال ، ورسالة الاسلام نالت هذا الكمال لأسباب كثيرة منها 1-) أن
عقيدتها وكتابها ظلا نقيين لم يشوبهما تحريف وتغيير ، فالأمم السابقة فقدت كتبها
السماوية وسير رسلها فلا يوجد على وجه الأرض سوى القرآن نقيا كما أنزله الله ، وما
تبقى من رسالات سماوية من يهودية ونصرانية فقدت كتبها السماوية ، فالتوراة التى
أنزلت على سيدنا موسى غير موجودة ، وكذلك الأنجيل وبأعتراف أتباعها ، وهذا مفصل فى
بحث آخر ، بينما ظل القرآن برعاية الله محفوظا كما نزل بحروفه وآياته التى تتحدى
العقول وتقول أنه منزل من عند الله " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
" الحجر 10 ، فالله تعهد بحفظ ها الكتاب بكل وسائل الحفظ من حفظ فى الصدور وكتابة
وتسجيل ، ووسائل العلم الحديث جعلت القرآن متاح بأصوات عدد لايحصى من القراء
ويحفظه الملايين من المسلمين ، وسوف يظل محفوظا حتى يوم القيامة دون تحريف ، ، وهو
الذى يحفظ للأمة عقيدتها ، كما حافظت الأمة على سيرة رسولها الكريم صلى الله عليه
وسلم وما ورد عنه من أحاديث وسنة يمثلت فى أفعاله وأقواله وتقريره ، وهى تحفل
بالكثير الذى يربى الأمة فلا تزيغ ، فالله حفظ أتباع محمد صلى الله عليه وسلم من
بعده من الضلال بالحفاظ على القرآن ، وقد حافظت الأمة من بعد رسولها الكريم على
كتاب الله وعلى سنته ، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :" تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ما تمسكتم بهما ، كتاب
الله وسنتى ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض " أخرجه مالك مرسلا والحاكم
مسندا وصححه ، وحديث أنس بن مالك قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وسنة نبيه " ، وكذلك
" حديث أبى سعيد الخدرى ( أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقة ( ج 1 ) قال : خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فى مرضه الذى توفى فيه ونحن فى صلاة الغداة ،
فذهب أبو كر ليتأخر فأشار اليه مكانك فصل مع الناس فلما انصرف حمد الله وأثنى عليه
ثم قال : يا أيها الناس انى قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وسنتى فاستنطقوا
القرآن بسنتى ولا تعسقوه فانه لن تعمى أبصاركم ولن تقصر أيديكم ما أخذتم بهما
" ،
2-)
ضاعف الله لأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الأجر مع قليل العمل ، فالحسنة بعشر
أمثالها ، وذلك لبعوضها عن قصر عمرها وجعل السيئة بمثلها فقط ، وجعل للمسلم فى كل
عمل يعمله حسنة اذا ذكر فيه الله حتى أكله وشربه ولبسه وكل عمل يعمله يثاب عليه
حتى الشوكة يشاكها ، فعن صهيب رضى الله عنه قال :ط قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال :" عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد الا للمؤمن ،
ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " صحيح
مسلم ، وعن أنس رضى اله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"
عجبت للمؤمن ان الله لايقضى للمؤمن قضاء الا كان خيرا له " مسند الامام احمد
، وقال سول الله صلى الله عليه وسلم :" من يرد الله به خيرا يصيب منه "
صحيح البخارى ، وعن عبد الله قال :" دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يوعك فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال :" أجل انى أوعك كما
يوعك رجلان منكم ، قلت ذلك أن لك أجرين قال :ط أجل ذلك كذلك ، ما من مسلم يصيبه
أذى شوكة فما فوقها الا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها " صحيح البخارى
، وعن أبى هرير رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" ما يصيب
المسلم من نصب ولا ةصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الا كفر
الله بها من خطاياه " صحيح البخارى ، وعن أنس قال :" قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :" اذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة فى الدنيا ،
واذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة " صحيح
الترمذى ، وقالت السيدة عائشة رضى الله عنها :" قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :" ما من مصيبة تصيب المسلم الا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها
" صحيح البخارى ، ويقول الله تعالى " قل يا عبادى الذين آمنوا اتقوا
ربكم للذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة انما يوفى الصابرون أجرهم
بغير حساب " الزمر 10 ، وكل هذا الجزاء يقرب من الجنة ويباعد عن النار ، وقد
سهل الله لهذه الأمة التوبة أيضا فىحديث أخرجه الترمذى وابن ماجه وأحمد وابن حبان
والحاكم وأبو يعلى وغيرهم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" لا يزال الله تبارك وتعالى يقبل التوبة عن عبده حتى
يغرغر بنفسه " ، وفى سورة الزمر " قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم
لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا
الى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * وأتبعوا أحسن ما أنزل
اليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا
حسرتى على ما فرطت فى جنب الله وان كنت لمن الساخرين " الزمر 53 – 56 ، وكانت
التوبة عند اليهود لاتقبل الا بقتل النفس ، ففى سورة البقرة يخاطب سيدنا موسى قومه
فيقول " واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فيوبوا
الى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب
الرحيم " البقرو 54 ، وفى الحديث أن سهل بن أبى أمامة دخل هو وأبوه على أنس
بن مالك زمن عمربن عبد العزيز وهو أمير فصلى صلاة خفيفة كأنها صلاة المسافر أو
قريب منها فلما سلم قال :" يرحمك الله ، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شىء
تتفلته ؟ قال :" انها المكتوبة ، وانها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ما أخطأت الا شيئا سهوت عنه ! ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :"
لاتشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم ، فان قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم
فتلك بقاياهم فى الصوامع والديارات " .
3-)
أحل الله لهم طيبات حرمت على غيرهم مثل الغنائم التى حرمت على من قبلهم ، وكذلك
الذبائح أحلت بكاملها ، بينما أحل لبنى اسرائيل من اللحم فقط ما أختلط بعظم وما
حملت ظهور البقر والغنم والحوايا ، فى
سورة الأنعام " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا
عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما أختلط بعظم ذلك جزيناهم
ببغيهم وانا لصادقون " الأنعام 146 وتقول الآية " ذلك جزيناهم ببغيهم ،
فالبغى هو التعدى على ما شرع الله ، وهم الذين أنزل الله عليهم المن والسلوى
فسألوا سيدنا موسى أن يريهم الله جهرة حتى يؤمنوا " واذ قلتم يا موسى لن نؤمن
لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم
لعلكم تشكرون " البقرة 55-56 ، وقد
عددت سورة البقرة بغيهم ، وحرم الله على المسلمين الخبائث وأحل لهم الطيبات فحرم
عليهم لحم الخنزير والخمر وما شابه وكل ما يضر بالصحة .
4-)
سهل الله لهم أمور عقيدتهم فجعل الله لهم الأرض مسجدا وطهورا فى الصلاة التى
يتقربون بها الى الله ، فالمسلم أينما أدركته الصلاة يصلى ، ويسر الله لهم العبادة
ومنحهم من الرخص فى كافة العبادات الكثير ، وهذا يضاعف من حسناتهم ويجعلهم دائما
قريبين منه مما يزيد من محبته لهم لقربهم منه وطاعتهم له ، والتيسير فى الاسلام
وشرائعه يحتاج الى تفصيل كثير ، وهناك فقه يسمى فقه التيسير ، فعن أبى هريرة عن
النبى صلى الله عليه وسلم قال :" ان الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحدا الا غلبه
، فسددوا ( أى اطلبوا السداد والاستقامة ) وقاربوا ( أقتصدوا فى الأمور ) وأبشروا
( أى تحدثوا بالخبر السار ) واستعينوا بالغدوة ( بالفتح أى السير أول النهار )
والروحة ( السير بعد الزوال ) وشىء من الدلجة ( بالفتح السير آخر الليل وقيل الليل
كله ) " أخرجه البخارى والنسائى واللفظ للبخارى ، وعن السيدة عائشة رضى الله
عنها قالت :" ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا أخذ أيسرهما
، ما لم يكن اثما ، وان كان اثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى
الله عليه وسلم لنفسه الا أن تنتهك حروة الله عز وجل " صحيح مسلم .
5-)
جعل الله أتباع الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته خاتم الأمم ، وخاتم
الشىء كماله ، يقول الله " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم
واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا " المائدة 3، وخاتم العمل أجوده ، فلا رسل بعد رسول الله محمد صلى الله عليه
وسلم ويصف القرآن هذا بقوله " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر
السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الانجيل كزرع أخرج شطئه فآزر فاستغلظ
فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا
الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " الفتح 29 ، ويقول " ما كان محمد أبا
أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شىء عليما "
الأحزاب 40 ، فجعل الله فى رسولهم الكمال فى كل شىء وجعل فى رسالته الكمال ، ومن
اتبع الكمال نال رضوان الله وحسن الخاتمة فى الجنة ونعيمها ، وفى حديث عن أبى
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" كل أمتى يدخلون الجنة الا من
أبى ، قيل ومن يأبى يارسول الله ؟! قال : من أطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد أبى
" حديث صحيح رواه البخارى فى الصحيح ، فالله قد باهى بهم الأمم من قبلهم فى
طاعته وبما هم عليه من صفات ، يقول الله " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم
المؤمنون وأكثرهم الفاسقون " آل عمران 110 ، وفى حديث عن أبى سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن
المسيب قالا : كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
:" ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ، فانما هلك
الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم " صحيح مسلم .
No comments:
Post a Comment