Grammar American & British

Thursday, May 6, 2021

دراسات تاريخية- مقتل عثمان رضى الله عنه والفتنة الكبرى ( 10 )

 ( 10 )الفتنة الكبرى ومقتل سيدنا عثمان رضى الله عنه

 شخصية سيدنا عثمان رضى الله عنه
 اذا تحثنا عن الفتنة الكبرى لابد أن نتحدث عن شخصية سيدنا عثمان رضى الله عنه وهو من الصحابة السابقين للا سلام ومن المبشرين بالجنة ، ولقب بذى النورين حيث تزوج ابنتى الرسول ﷺ رقية وأم كلثوم ، وقال له الرسول ﷺ " لو أن لى ثالثة لزوجناك اياها " وهو الخليفة الورع الذى كان يقف على الكبر فيبكى حتى تبتل لحيته ، وهو الذى جهز جيش العسرة واشترى بئر رومية للمسلمين وجعلها وقفا ، وأعتق الرقيق . هو الخليفة الزاهد الذى كان من الأثرياء قبل الاسلام وضحى بماله ، وولى الخلافة وهو أكثر العرب بعيرا ثم هو أثناء الخلافة ليس له شاة ولا بعير الا بعيرين يحتاجهما فى حجه . ولى سيدنا عثمان رضى الله عنه الخلافة وهو شيخ كبير فى السبعين من عمره ، كان يقضى وقته فى قراءة القرآن والاعتكاف . نبوءة الرسول ﷺ ووصيته الى سيدنا عثمان رضى الله عنه روى الترمذى وأبن ماجه وأحمد والحاكم فى الحديث الصحيح عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله ﷺ قال " يا عثمان ان ولاك الله هذا الأمر يوما فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذى قمصك الله فلا تخلعه ،يا عثمان ان ولاك الله هذا الأمر يوما فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذى قمصك الله فلا تخلعه ، يا عثمان ان ولاك الله هذا الأمر يوما وأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذى قمصك الله فلا تخلعه " كررها ثلاث مرات ، وفى هذا دلالة واضحة على أن على عثمان رضى الله عنه أن يتمسك بهذا الأمر ، وتركه لهؤلاء المنافقين حينئذ انما هو مخالفة واضحة لنص حديث الرسول ﷺ ، فعثمان رضى الله عنه على يقين أن ما قاله الرسول ﷺ هو الحق وهو ما ينبغى أن يتبع ، هو أمر صريح من رسول الله ﷺ واتباع عثمان رضى الله عنه لهذا الأمر انما هو دليل على صدق ايمانه . يعتبر ذلك من معجزات الرسول ﷺ الكثيرة فكيف عرف أن هذه الفتنة سوف تحدث فى عهد سيدنا عثمان رضى الله عنه الا أنيكون وحيا من الله تعالى أخبره به " ان هو الا وحى يوحى " النجم 4 . 
سيدنا عثمان رضى الله عنه والفتنة وكيفية حدوثها
بويع سيدنا عثمان رضى الله عنه بالخلافة من بين ستة من كبار الصحابة عينهم سيدنا عمر رضى الله عنه للخلافة ، واستمر فى خلافته ستة أعوام نعم فيها المسلمون بالأمن والاستقرار وتوالى الفتوح واتساع رقعة الدولة الاسلامية ، ففى عهده فتحت الخزر ( الترك ) وتوغل المسلمون فى خراسان وقهستان وطخارستان ، وافتتحوا تفليس وقبرص ، وفى عهده أنشىء أول أسطول بحرى للمسلمين ، وتوالت انتصارات المسلمين فى البحر حتى أصبحت الدولة الاسلامية دولة بحرية ، ثم ابتدأت الفتنة واضطرب أمر المسلمين ست سنوات أخرى من خلافته لم تنته الا بمصرعه شهيدا فى بيته على يد نفر من الأشقياء من زعماء الفتنة ، ابتدأت الفتنة بدسائس اليهودى عبد الله بن سبأ الذى تظاهر بالتشيع لسيدنا على بن أبى طالب والانتقاص من سيدنا عثمان رضى الله عنه وأخذ ينشر الأكاذيب عن سياسته وأعماله ، وقد وجد فى دهماء الأمصار الكبرى – الكوفة والبصرة ومصر مرتعا لترويج أكاذيبه ، وقد استجاب للفتنة رؤوس الشر من طالبى الزعامة وحديثى العهد بالاسلام ممن لم يعرفوا قدر عثمان رضى الله عنه ، وهكذا تعاون الدس اليهودى مع الطمع الدنيوى مع طيش الشباب ونسيان آداب الاسلام مع أولى الأمر وكبار الصحابة على ايجاد الفتنة الكبرى التى ابتدأت بقتل الصحابى الجليل وهو فوق الثمانين من عمره ، ثم انتهت الى تفريق كلمة المسلمين وتمزيق وحدتهم وتفريقهم الى شيع وأحزاب ، أثاروا أولا دهماء الناس فى الأمصار على ولاتهم ليضطرب الأمن وتنتشر الفوضى ، ثم أخذوا يكتبون الى أهل كل مصر من الأمصار من الأكاذيب عن سوء أوضاع الآخر ما يجعل الذين يسمعون هذه الأخبار يعتقدون أن الظلم والفوضى والاضطهاد ضارب أطنابه فى ذلك المصر ، ثم يحملون تيعة ذلك كله على أمير المؤمنين ، وبعد أن هيجوا الدهماء تواعدوا بأسم الحج على الحضور الى المدينة مقر الخليفة لمحاصرته ، جاءوا من مصر والكوفة والبصرة كل من طريق غير طريق الآخر حتى أحاظوا بالمدينة فخرج اليهم سيدنا على رضى الله عنه وناقشهم وأبطل حججهم وبين لهم ما يفترون على الخليفة فتظاهروا بالاقتناع ، عاد الى المدينة ، واطمأن أصحابه الى انتهاء الفتنة ولكن سرعان ما فاجأوا المدينة بالليل واحتلوها وانتشروا فى أرجائها يعلنون الثورة على خليفة المسلمين ، وناقشهم عثمان رضى الله عنه فيما يزعمون من أسباب ثورتهم التى لم يكن بينها سبب يدعو الى شق عصا الطاعة .
 مزاعم أهل الفتنة ورد سيدنا عثمان رضى الله عنه عليها
 1- ) أخذوا عليه أنه أتم الصلاة فى منى وقد كان رسول الله ﷺ وصاحباه يقصران فيها ، فأجابهم " أن فى الحج حديثوا العهد بالاسلام فخشيت أن يظنوا أن الصلاة فى منى تكون ركعتين دائما فأتممت لهذين الأمرين ثم سألهم " أليس كذلك ؟ " قالوا : بلى . 2- ) أخذوا عليه أنه استعمل الشباب الأحداث فى الوظائف والولايات ، فأجابهم بأنه لم يستعمل منهم الا مجتمعا محتملا مرضيا ، وهؤلاء هم أهل عملهم وبلادهم فسلوهم عنهم ، ولقد استعمل رسول الله ﷺ أسامة بن زيد وهو شاب على كبار المهاجرين والانصار . 3- ) أخذوا عليه استعماله لبعض أقاربه فأجابهم بأن رسول الله ﷺ قد استعمل بعض أقاربه فرد " وما يضر الحاكم أن يتولى أقرباؤه الحكم اذا كانوا على خير واستقامة وصلاح . 4- ) أخذوا عليه جمع القرآن فى مصحف وقد كان فى مصاحف متعددة فقال لهم " ان القرآن واحد جاء من عند واحد وانما أنا فى ذلك تابع لمن تقدمنى وهو أبو بكر وسألهم " أليس كذلك ؟ " . 5- ) أخذوا عليه أنه أخذ بعض المراعى المملوكة لأصحابها فحماها وأباحها لأبل بيت المال وغنم المسلمين ، فأجابهم بأنه فعل ذلك لمصلحة المسلمين لا لمصلحته هو فليس له ثاغية ولا راغية ولقد ولى الخلافة وهو أكثر العرب بعيرا ثم هو اليوم ليس له شاة ولا بعير الا بعيرين يحتاجهما فى حجه ، ثم سالهم أليس كذلك قالوا بلى . 
 صلى استشهاد عثمان رضي الله عنه وصلى عثمان رضي الله عنه 
 صلى صلاة نافلةٍ ختم فيها سورة طه، ثم جلس بعد ذلك يقرأ في المصحف، في هذا الوقت كان أهل الفتنة يفكرون بشكل حاسم، وسريع فى قتل عثمان رضي الله عنه، خاصة مع علمهم باقتراب الجيوش الإسلامية المناصرة للخليفة رضي الله عنه من المدينة المنورة فدخل رجل يُسمى كنانة بن بشر التجيبي، وكان من رءوس الفتنة بشعلة من نار، وحرق بابَ بيتِ عثمان رضي الله عنه، ودخل ومعه بعض رجال الفتنة، ثم دخل رجل آخر يسمونه الموت الأسود، قيل إنه عبد الله بن سبأ وقيل غيره، فخنق عثمان بن عفان رضي الله عنه خنقًا شديدًا حتى ظن أنه مات، فتركه، وانصرف، ودخل بعد ذلك محمد بن أبي بكر الصديق، وكما ذكرنا أنه كان الوحيد من الصحابة الذي شارك في هذه الفتنة في هذا الوقت، فدخل عليه، وكان يظنه قد مات، فوجده حيًّا فقال له: على أي دين أنت يا نعثل؟ ونعثل هذه سُبّة تُقال للشيخ الأحمق، وللظبي كثير الشعر، فقال عثمان رضي الله عنه وأرضاه: على دين الإسلام، ولست بنعثل، ولكني أمير المؤمنين فقال: غيّرت كتابَ الله فقال عثمان رضي الله عنه: كتاب الله بيني وبينكم فتقدم إليه وأخذ بلحيته وهزّه منها وقال: إنا لا نقبل أن نكون يوم القيامة مما يقول {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ} [لأحزاب:67] فإلى هذه اللحظة، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وبعض أفراد الفتنة يظنون أنهم يفعلون الخير بقتلهم، أو خلعهم لعثمان رضي الله عنه، فهو يحاول القتل أو الخلع للخليفة طاعة لله، ونجاة من النار، وهذا بلا شك من تلبيس إبليس عليهم فقال عثمان رضي الله عنه: يا ابن أخي إنك أمسكت لحية كان أبوك يكرمها فلما قال له عثمان رضي الله عنه ذلك وضحت الحقيقة فجأةً أمام محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكأن عثمان رضي الله عنه أزال بهذه الكلمات غشاوة كانت تحجب الحق والصواب عن قلب محمد بن أبي بكر، وتذكر تاريخ عثمان رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبيه الصديق رضي الله عنه، ومع المسلمين، فاستحيا محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما، وخارت يده من على لحية عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبكى، ثم وقف، وتركه، وانصرف، فوجد القوم يدخلون على عثمان رضي الله عنه، فأمسك سيفه، وبدأ يدافع عن عثمان رضي الله عنه، ولكنهم غلبوه فلم يستطع أن يمنعهم، ويشهد بذلك السيدة نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان رضي الله عنه ثم دخل على عثمان رضي الله عنه كنانة بن بشر الملعون، وحمل السيف، وضربه به، فاتّقاه عثمان رضي الله عنه بيده فقطع يده، فقال عثمان رضي الله عنه عندما ضُرب هذه الضربه: بسم الله توكلت على الله. فتقطرت الدماء من يده، فقال: إنها أول يد كتبت المفصل ثم قال: سبحان الله العظيم وتقاطر الدم على المصحف، وتثبت جميع الروايات أن هذه الدماء سقطت على كلمة{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [البقرة:137]. بعد ذلك حمل عليه كنانة بن بشر وضربه بعمود على رأسه، فخرّ رضي الله عنه على جنبه، وهمّ كنانة الملعون بالسيف ليضربه في صدره، فانطلقت السيدة نائلة بنت الفرافصة تدافع عن زوجها، ووضعت يدها لتحمى زوجها من السيف فقُطعت بعض أصابعها بجزء من كفها، ووقعت السيدة نائلة رضي الله عنها. وطعن كنانةُ عثمانَ رضي الله عنه في صدره، ثم قام سودان بن حمران بحمل السيف، وطعن عثمان رضي الله عنه في بطنه فمال رضي الله عنه إلى الأرض فقفز على بطنه، واتّكأ على السيف بجسده ليتأكد من اختراق السيف لجسد عثمان رضي الله عنه، ومات رضي الله عنه وأرضاه بعد هذه الضربة ثم قفز عليه عمرو بن الحمق، وطعنه في صدره تسع طعنات، وقال: هذه الثلاثة الأولى لله، وهذه الست لشيء في نفسي استشهد ذو النورين عثمان رضي الله عنه وأرضاه زوج ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، والمبشَّر بالجنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، وثالث الخلفاء الراشدين، وقد لَقِيَ بعد استشهاده رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وعده بذلك بعد أن قتل هؤلاء الخوارج المجرمون عثمان رضي الله عنه أخذوا ينهبون ما في بيته ويقولون: إذا كان قد أُحلّ لنا دمه أفلا يحل لنا ماله؟ وأخذوا كل شيء حتى الأكواب، ولم يتركوا شيئًا، ثم همّوا بعد ذلك أن يقطعوا رأس عثمان رضي الله عنه، فصرخت السيدة نائلة، والسيدة أم البنين زوجتاه، وصرخت بناتُه، فقال عبد الرحمن بن عديس، وهو أحد رءوس الفتنة: اتركوه، فتركوه، وبينما هم خارجون، قفز غلامٌ لعثمان رضي الله عنه على سودان بن حمران أحد قتلة عثمان رضي الله عنه، فقتله، فقام رجل من أهل الفتنة يُسمّى قترة، فقتل الغلام، فقام غلامٌ آخر، وقتل قترة، فقام القوم، وقتلوا الغلام الثاني ففي هذا الحدث قُتل عثمان رضي الله عنه، واثنين من غلمانه، وقُتل أيضًا بعض الصحابة، وبعض أبنائهم، وجُرح عبد الله بن الزبير، كما جُرح الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعًا ثم توجه هؤلاء الفجرة الخوارج إلى بيت مال المسلمين، وحاولوا أن يأخذوا المال، وهذا يؤكد لنا أنه ما أخرجهم إلا حب الدنيا، فصرخ حراس بيت المال: النجا النجا ولكن غلبهم أهل الفتنة، واستطاعوا الاستيلاء على أموال كثيرة من بيت المال، وصاح حفظة بيت المال: والله إنهم قوم يريدون الدنيا، وما أرادوا الإصلاح كما قالوا أما الجيوش التي كانت على مشارف المدينة مرسلة من ولاة عثمان، فقد رجعت إلى أمرائها بعد معرفتها بمقتل عثمان وتولية عليّ رضي الله عنه . الصحابة بعد مقتل سيدنا عثمان ما هو ردّ فعل الصحابة رضوان الله عليهم تجاه مقتل عثمان رضي الله عنه؟ هذا الأمر من الأهمية بمكان حيث إنه يُذكر بصورة مشوهة في كتب الشيعة، ويشيرون إلى أن الصحابة رضي الله عنهم قد سعدوا بمقتل عثمان رضي الله عنه؛ لأنه كان مخالفًا لما هم عليه، وكانوا يعارضون استمراره في الحكم، ومثل هذه الأكاذيب والأغاليط علم الصحابة رضي الله عنهم بهذا الأمر، وعلموا أمرًا آخر عجيبًا، فالقتلة بعدما فعلوا هذه الجريمة النكراء، فعلوا كما فعل أصحاب موسى عليه السلام لما عبدوا العجل، فقد ندموا على هذا أشد الندم، ويخبر الله عز وجل عن أصحاب موسى في كتابه الكريم قال تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف:149] فهؤلاء القتلة بعد أن شاهد كثيرٌ منهم الدماء، وشاهدوا عثمان بن عفان رضي الله عنه طريحًا على الأرض شعروا بجرمهم وبسوء ما فعلوا، فندموا على ذلك، ونُقل إلى الصحابة رضي الله عنهم هذا الأمر، فقال الزبير بن العوام رضي الله عنه: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم ترحّم على عثمان، وبلغه أن الذين قتلوه ندموا فقال: تبًّا لهم ثم تلا قوله تعالى {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُون} [يس: 49، 50] ولما بلغ عليًا رضي الله عنه هذا الخبر، وقيل: كان بحضرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما بلغه هذا الخبر، الحسن، والحسين، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، فلطمَ الحسينَ، وضرب الحسنَ، في صدره، وسبَّ عبد الله بن الزبير، ومحمد بن طلحة، وقال لهم: كيف يُقتل، وهو بين أيديكم؟ ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ثم قالوا له: إنهم قد ندموا على ما فعلوا فقال لهم: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ} [الحشر:16] ولما بلغ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أمْر قتل عثمان رضي الله عنه استغفر له وترحم عليه، وتلا في حق الذين قتلوه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ِالأَخْسَرِينَ ْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً} [الكهف:103، 104] ثم قال سعد: اللهم اندمهم ثم خذهم، ودعوته رضي الله عنه مستجابه لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يكون مستجاب الدعوة، واستجاب الله عز وجل لدعوته، فقد أقسم بعض السلف بالله: إنه ما مات أحد من قتلةِ عثمان إلا مقتولا، وتأخر بعض هؤلاء القتلة إلى زمن الحجاج، وقُتل على يده، ولم يفلت أحد منهم من القتل، وباءوا بشَرَّيْ الدنيا والآخرة .
. خبر مقتل عثمان يصل إلى الشام 
بعد هذه الأحداث أخذت السيدة نائلة بنت الفرافصة رضي الله عنها زوجة عثمان رضي الله عنه، أخذت القميص الذي قُتل فيه عثمان رضي الله عنه وعليه دماؤه، وأصابعها، وكفها التي قُطعت، وهي تدافع عن زوجها؛ وأعطت كل ذلك للنعمان بن بشير رضي الله عنه، وقالت له: خذهم إلى معاوية بن أبي سفيان فهو وليه وحمل النعمان بن بشير رضي الله عنه هذه الأمانات إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بالشام، فلما وصلت هذه الأشياء إلى معاوية رضي الله عنه علّقها على المنبر في المسجد، وبكى وأقسم أن ينتقم، وأن يثأر له، ووافقه أهل الشام جميعًا على ذلك، وكان فيهم الكثير من الصحابة، كأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا، وكان أبو الدرداء قاضي الشام، ومن أعلم أهلها، وأفتى رضي الله عنه بوجوب أخذ الثأر من قتلة عثمان رضي الله عنه، فجلس سبعون ألف رجل يبكون تحت قميص عثمان بن عفان ويقسمون على الأخذ بثأره وكان من بين من وافق على هذا الأمر وأفتى به- بوجوب أخذ الثأر- أبو مسلم الخولاني وهو من كبار التابعين، ويُقال أنه أعلم أهل الشام بعد أبي الدرداء رضي الله عنه. ووصل هذا الخبر إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، وأرضاها، وكانت في مكة هي وجميع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم للحج، وكُنّ في طريقهن إلى المدينة عائدات من الحج حين بلغهم مقتل عثمان رضي الله عنه، فرجعن إلى مكة مرة أخرى، ولما علمت السيدة عائشة رضي الله عنها بمقتل عثمان رضي الله عنه قالت: تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه، ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش؟ فقال لها مسروق وهو من كبار التابعين: هذا عملكِ، أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه فقالت: لا والذي آمن به المؤمنون، وكفر به الكافرون، ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا وصدقت رضي الله عنها وأرضاها فيما قالت قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كُتب على لسانها وكما ذكرنا أن رءوس الفتنة كانوا يُزَوّرون الخطابات التي تسيء إلى عثمان رضي الله عنه، وينسبونها إلى الصحابة كذبًا، وافتراءً، حتى يؤججوا نار الفتنة، ويصلوا إلى ما يريدون وبعد أن رجع أمهات المؤمنين إلى مكة انتظرن إلى أن يرين ما تصير إليه الأمور . 
. الصحابة يدفنون عثمان رضي الله عنه
 لما قتل عثمان رضي الله عنه في هذا اليوم (الجمعة 18 من ذي الحجة 35 هـ) قبل صلاة المغرب؛ تقدم مجموعة من الصحابة إلى بيته وصلوا عليه في بيته بين المغرب والعشاء، وهذا على أصح الأقوال، وبعض الروايات تقول أنهم صلوا عليه في اليوم الثاني، وتقول روايات أخرى أنهم صلّوا عليه في اليوم الثالث، وأصحها القول الأول وحمله الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا إلى مكان خارج المدينة يُسمى (حش كوكب) وهو غير المكان الذي يَدفن فيه أهل المدينة موتاهم، وقد ذهب به الصحابة رضوان الله عليهم إلى هذا المكان؛ لأنهم كانوا يخشون عليه من أهل الفتنة أن يخرجوه جسده، ويمثّلوا به، أو أن يقطعوا رأسه رضي الله عنه كما حاولوا ذلك بعد قتله ويروى الإمام مالك رضي الله عنه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه عندما كان يمرّ على هذا المكان وهو حي ( حش كوكب ) كان يقول: يُدفن هاهنا رجل صالح فغسلوه رضي الله عنه، وكفنوه، وصلوا عليه، وفي بعض الروايات أنهم لم يغسلوه، وصلى عليه أحد الصحابة، إما أبو هريرة، وإما المسوّر بن مخرمة وقيل غيرهما وبعد أن دُفن رضي الله عنه، حمل الصحابةُ رضي الله عنهم الرقيقين اللذين قُتلا في بيته رضي الله عنه، ودفنوهما بجواره رضي الله عنهم جميعًا وحتى نعلم ما كان في قلوب هؤلاء الفجرة من حقد دفين على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه يروى عن محمد بن سيرين قال: كنت أطوف بالكعبة، وإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي فقلت: يا عبد الله، ما سمعت أحدا يقول ما تقول قال: كنت أعطيت لله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون يصلون عليه، فدخلت كأني أصلي عليه، فوجدت خلوة، فرفعت الثوب عن وجهه، ولحيته، ولطمته، وقد يبست يميني قال ابن سيرين: فرأيتها يابسة كأنها عود . . وصية سيدنا عثمان رضى الله عنه وقد ترك عثمان رضي الله عنه في بيته وصية كان فيها: هذه وصية عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم، عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور، ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها يحيى وعليها يموت، وعليها يبعث إن شاء الله تعالى ..
 مبايعة علي بن أبي طالب في تلك الفترة 
كان على المدينة أميرُ أهل الفتنة الغافقي بن حرب، وقد سارع المتمردون من أهل مصر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقولون له: نبايعك على الإمارة فسبّهم، ولعنهم، ورفض ذلك، وطردهم، وذهب إلى حائط- بستان- من حيطان المدينة، وذهب المتمردون من أهل الكوفة إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه، وطلبوا منه أن يكون أميرًا، ففعل معهم مثل ما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذهب كذلك أهل البصرة إلى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه وطلبوا أن يكون أميرًا، فرفض ذلك وردهم، وتحيّـر أهل الفتنة فيمن يتولّى خلافة المسلمين، وحتى هذه اللحظة لم يفكّر المتمردون في تولية أحدهم أميرًا على المسلمين، وإنما جعلوا الغافقي أميرهم أميرًا على المدينة إلى أن يتم اختيار الأمير، وكان يصلّى خلفه المتمردون، وأهل المدينة، واستمر الحال على هذا الأمر خمسة أيام وسارع الصحابةُ رضوان الله عليهم إلى علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وقالوا له: أنت أحق الناس بهذا الأمر فامدد يدك نبايعك. ورفض علي رضي الله عنه هذا الأمر، وازدادت حيرة أهل الفتنة، فذهبوا إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فرفض هذا الأمر تمامًا، فقالوا له: أنت ممن رضي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم عمر، ولكنه رضي الله عنه رفض فذهبوا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فرفض أيضًا، فرجعوا مرة أخرى إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الصحابة رضوان الله عليهم لعلي رضي الله عنه: إن لم تكن أميرًا، فسوف يجعلون الأمير منهم، يعني أهل الفتنة، فاجتمع على علي رضي الله عنه بعض الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، وبعض أهل الفتنة، وطلبوا منه أن يكون الأمير، وكان أول من بايعه الأشتر النخعي، وكان ممن خرج مع أهل الفتنة من الكوفة، وسبب خروجه مع أهل الفتنة شيئان متعارضان الأول: غلّوه في الدين، وظنه أن ما كان يُدّعى على عثمان رضي الله عنه يستوجب خلعه من الخلافة، وإلا قتله والشيء الثاني: أنه كان يحب الرئاسة والزعامة، وكان له كلمة على أهل الفتنة، وعلى أهل الكوفة، وله قوم، وعشيرة ومع هذا الضغط المتزايد على عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه قَبِل بالأمر، لكنه اشترط أولًا أن يبايعه بدايةً طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام رضي الله عنهما؛ لأنه خشِي إن وُلّي الأمر أن ينقلب أهل الكوفة، أو البصرة، ويطلبون طلحة، أو الزبير رضي الله عنهما ليكون أميرًا، ويحدثون فتنة أخرى، فذهبوا إلى طلحة، والزبير رضي الله عنهما فقالا: دمُ عثمان أولًا وبعد جدال ونقاش وأنه لا بدّ من تولية أحد حتى لا تتسع الفتنة أكثر من ذلك فوافقا على البيعة، فذهب طلحة بن عبيد الله، وبايع عليًا رضي الله عنه، وهو ما زال على المنبر وكان في انتظار مبايعتهما، فبايع طلحة رضي الله عنه بيده اليمنى، وكانت شلّاء ويوجد رواية ضعيفة تشير إلى أن رجلًا ممن بالمسجد قام، فقال: والله إن هذا الأمر لا يتم أول يد تبايع يد شلّاء وإن صح هذا القول، فالمعنى فاسد؛ لأن هذه اليد هي من خير الأيدي الموجودة في المدينة المنورة، وقد شُلّت عندما كان يدافع صاحبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، عندما أطلق مالك بن الربيع سهمًا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لا يطلق سهمًا إلا أصابه، فأسرع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ووضع يد ليردّ بها السهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم فشُلّت يده، ودافع رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعًا شديدًا في هذه الغزوة حتى طُعن أكثر من أربع وعشرين طعنة، وكان الصديق أبو بكر رضي الله عنه كلما تذكر غزوة أحد يقول: والله هذا يوم طلحة هذه اليد التي بايعت عليًا رضي الله عنه وأرضاه، إنما هي يدٌ مباركة ثم جاء الزبير بن العوّام رضي الله عنه وأرضاه، وبايع عليًا رضي الله عنه، وما قيل أن الزبير رضي الله عنه قال: بايعت والسيف على رقبتي كلام باطل وهي رواية موضوعة، وليس لها أساس من الصحة ثم قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ووقف على المنبر وأعلن قبوله لأن يكون أميرًا للمؤمنين، وذلك في اليوم الخامس لاستشهاد عثمان رضي الله عنه، وخطب رضي الله عنه خطبة عصماء، ذكّر الناس فيها بالآخرة، وبغّضهم في الدنيا، ولعن من سعى في الأرض فسادًا إلى هذا الوقت، وإن كان عليًا رضي الله عنه قد أصبح خليفة للمسلمين، إلا أن الأمر لا زال بيد المتمردين الذين يحملون السلاح، وهم أكثر عددًا، وعدّة من أهل المدينة في هذا الوقت يذهب طلحة والزبير رضي الله عنهما إلى علي رضي الله عنه بوصفه خليفة المسلمين ويقولان له: دم عثمان، فهما رضي الله عنهما يريدان منه رضي الله عنه أن يقتل من قتل عثمان رضي الله عنه فقال لهما: إن هؤلاء لهم مددٌ وعونٌ وأخشى إن فعلنا ذلك بهم الآن أن تنقلب علينا الدنيا كان تفكير علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينتظر حتى تهدأ الأمور ويتملك زمامها جيدًا، وبعدها يقتل قتلة عثمان بعد محاكمتهم بشكل عادل ويعزّر من يرى تعزيره، أما الآن، فهؤلاء القتلة لهم من القوة، والمنعة في المدينة، وفي أقوامهم في الكوفة، والبصرة، ومصر ما لو قتلهم لأحدث ذلك فتنة عظيمة، وانقلب كثير من الناس بقبَلِيَّتهم، وعصبيتهم على الدولة الإسلامية فلما سمع طلحة والزبير رضي الله عنهما ذلك من علي رضي الله عنه، قالا له: ائذن لنا بالعمرة، فأذن لهما، فتركا المدينة، وتوجها إلى مكة ومكثا فيها وقتًا بدأ الإمام علي رضي الله عنه في دراسة أحوال الدولة الإسلامية وكيفية درأ آثار الفتنة التي حدثت، وكان الأمر بيد المتمردين بشكل واضح، وكان لهم كلمة مسموعة حتى أن عليًا رضي الله عنه اضطُر- مع كراهته لهم جميعًا- أن يولّى بعضهم على بعض المهام في الدولة، كالأشتر النخعي، وذلك نظرًا لكلمتهم المسموعة، وسيطرتهم على الأمور كان على الكوفة وقت تولّي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وعلى البصرة عبد الله بن عامر رضي الله عنه، وكان على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه، ولكن في هذا الوقت كان قد تغلب عليها محمد بن أبي حذيفة، وكان أحد معاوني عبد الله بن سبأ، وكان يعمل من الباطن دون أن يظهر، وكان على الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعلى اليمن يعلى بن أمية التميمي. رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بدايةً تغيير هؤلاء الأمراء درءًا للفتنة التى زعم أهلها المطاعن على هؤلاء الأمراء، ورأى رضي الله عنه أن يولّى من يصلح للسيطرة على الأمور في هذا التوقيت .. موقف معاوية من مقتل عثمان بن عفان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه -كما ذكرنا- وصله خبر قتل عثمان رضي الله عنه، ووصله القميص، وأصابع وكف السيدة نائلة، وقالت له السيدة نائلة رضي الله عنها في الرسالة التي بعثت بها إليه: إنك ولي عثمان وهو بالفعل وليه؛ لأنه من بني أمية، فلم يبايع معاوية رضي الله عنه عليًا رضي الله عنه، واشترط أن يأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه، وأن يقتص من قاتليه، وأن من لم يفعل ذلك، فقد عطّل كتاب الله، ولا تجوز ولايته، فكان هذا اجتهاده رضي الله عنه، ووافقه على هذا الاجتهاد مجموعة من كبار الصحابة، منهم قاضي قضاة الشام أبو الدرداء رضي الله عنه، وعبادة بن الصامت وغيرهما وهذا الأمر، وإن كانوا اجتهادًا، إلا أنهم قد أخطأوا في هذا الاجتهاد، وكان الحق مع علي رضي الله عنه، وكان الصواب أن يبايعوه رضي الله عنه، ثم بعد ذلك يطالبوا بالثأر لعثمان رضي الله عنه بعد أن تهدأ الأمور، ويستطيع المسلمون السيطرة على الموقف، لكن معاوية رضي الله عنه كان على إصرار شديد على أن يأخذ الثأر أولًا قبل البيعة، وإن أخذ علي رضي الله عنه الثأر فلا بأس المهم أن يُقتلوا، وقال رضي الله عنه: إن قتلهم علي بايعناه .. وجاء عبد الله بن عباس رضي الله عنه ناصحًا لعلي رضي الله عنه ألا يغيّر أمراء الأمصار، حتى تهدأ الأمور نظرًا للفتنة القائمة، لكن عليًا رضي الله عنه أصرّ على رأيه بتغيير الولاة، فولّى عليٌّ عبد الله بن عباس على اليمن، وعثمان بن حنيف رضي الله عنه على البصرة، وعمارة بن شهاب رضي الله عنه على الكوفة، وسهل بن حنيف رضي الله عنه على الشام، وقيس بن سعد رضي الله عنه على مصرأما عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد ذهب إلى اليمن، وتولّى الإمارة بها، وذهب عثمان بن حنيف إلى البصرة، وفاجأ أهلها بصعود المنبر وأعلن رضي الله عنه أنه الأمير، فانقسم الناس منهم من وافقه، ومنهم من قال: لا نقبل إمارتك إلا بعد أخذ الثأر لعثمان رضي الله عنه لكن الأغلب كان معه وتمكنت له الأمور، واستطاع السيطرة على البصرة، أما عمارة بن شهاب فقد قابله طلحة بن خويلد على باب الكوفة، ومنعه من دخولها بالقوة، وردّه إلى علي رضي الله عنه، وتفاقم الأمر بالكوفة، ولما أرسل عليٌ رضي الله عنه يستوثق من الأمر جاءته رسالة من أبي موسى الشعري أن جل أهل الكوفة على الطاعة له، أي لعلي رضي الله عنه. أما سهل بن حنيف رضي الله عنه المتوجه إلى الشام، فقد قابلته خيل معاوية رضي الله عنه على أطراف الشام، فقالوا له: من أنت؟فقال: سهل بن حنيف فقالوا له: ولِمَ جئت؟ قال: جئت أميرًا قالوا له: إن كنت قد جئت من طرف عثمان فأهلًا، وإن كنت قد جئت من طرف علي فارجع، وإلا دخلت الشام على دمائنا . . ورجع رضي الله عنه إلى المدينة أما قيس بن سعد المتوجه إلى مصر فقد وصل إليها، وتمكن من الأمور، وقد انقسم أهل مصر إلى ثلاث طوائف، كان الأغلب منهم مبايعًا لقيس بن سعد، والبعض امتنع عن إبداء الرأي، والبعض قالوا: إنهم مع من يطالب بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه .. أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يحثّه على مبايعته لئلا يكون خارجًا عليه، لكن معاوية رضي الله عنه يرى باجتهاده أن عدم الأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه مخالفة لكتاب الله، وأن من خالف كتاب الله لا تجوز مبايعته، ولم يكن في تفكير معاوية رضي الله عنه خلافة، ولا إمارة كما يُشاع في كتب الشيعة، بل وفي كتب بعض أهل السنة الذين ينقلون دون تمحيص أو توثيق ، أرسل علي رضي الله عنه ثلاث رسائل إلى معاوية رضي الله عنه دون أن يرد معاوية، إلا أنه أرسل لعلي رضي الله عنه رسالة فارغة، حتى إذا فتحها أهل الفتنة في الطريق لا يقتلون حاملها، ودخل حامل الرسالة على علي رضي الله عنه مشيرًا بيده أنه رافض للبيعة، فقال لعلي رضي الله عنه: أعندك أمان؟ ، فأمّنه عليّ رضي الله عنه فقال له: إن معاوية يقول لك: إنه لن يبايع إلا بعد أخذ الثأر من قتلة عثمان، تأخذه أنت، وإن لم تستطع أخذناه نحن فرفض ذلك علي رضي الله عنه، وقال: إن معاوية خارجٌ عن الولاية، ومن خرج يُقاتَل بمن أطاع. أي أنه رضي الله عنه رأى أن يستعين بمن أطاعه على من عصاه. فقرر رضي الله عنه أن يجمع الجيوش، ويتوجه بها إلى الشام، وإن لم يبايع معاوية رضي الله عنه يُقاتَل، هذا الاجتهاد هو الصحيح في مثل هذه الموقف بدأ علي رضي الله عنه يستنصر بالمسلمين، فأرسل رسالة إلى أبي موسى الأشعري في الكوفة، وإلى عثمان بن حنيف في البصرة، وإلى قيس بن سعد في مصر، وإلى عبد الله بن عباس في اليمن يستمد منهم المدد لهذا الأمر، وخالفه في ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنه، لكن عليًا رضي الله عنه أصرّ وجاء إليه ابنه الحسن وقال له: يا أبتِ، دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين، ووقوع الاختلاف بينهم فلم يقبل منه علي رضي الله عنه هذا الأمر، وأصرّ على القتال واستعد رضي الله عنه للخروج إلى الشام استخلف علي رضي الله عنه على المدينة ابن أخيه قثم بن عباس رضي الله عنه، وجهز الجيش للخروج، فكان على الميمنة عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ولم يمنعه الخلاف معه في الرأي أن يخرج معه، وعلى الميسرة عمرو بن أبي سلمة، وعلى المقدمة أبو ليلى بن عمرو الجرّاح، وهو ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم وأرضاهم جميعًا وبينما علي رضي الله عنه خارج بجيشه من المدينة متوجهًا إلى الشام حدث في مكة أمر لم يكن متوقعًا فغيّر علي رضي الله عنه من خطته بالكلية كان بمكة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين عدا السيدة أم حبيبة، فقد كانت بالمدينة، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم جميعًا، وأيضًا يعلى بن أمية التميمي الذي كان واليًا لعثمان رضي الله عنه على اليمن، ولما حدثت الفتنة جاء إلى مكة، ومعه ستمائة من الإبل، وستمائة ألف درهم من بيت مال اليمن، واجتمع كل هؤلاء الصحابة، وبدءوا في مدارسة الأمر وكان رأيهم جميعًا- وكانوا قد بايعوا عليًا رضي الله عنه- أن هناك أولوية لأخذ الثأر لعثمان رضي الله عنه، وأنه لا يصح أن يؤجل هذا الأمر بأي حال من الأحوال، وقد تزعّم هذا الأمر الصحابيان طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام رضي الله عنهما .. وكان هذا الأمر مقدمةً لموقعة الجمل .

No comments:

209-] English Literature

209-] English Literature Charles Dickens  Posted By lifeisart in Dickens, Charles || 23 Replies What do you think about Dickens realism? ...