Grammar American & British

Thursday, June 3, 2021

تبسيط تفسير أبن كثير للقرآن الكريم ( 17 )

 تبسيط تفسير أبن كثير للقرآن الكريم ( 17 )

تفسير الجزء السابع عشر

تفسير سورة الأنبياء

سورة الأنبياء سورة مكية ، فيها كل سمات السور المكية من ذكر لسير الأنبياء وآيات الله فى الكون والتبشير بالجنة والتحذير من النار لتثبيت رسوله صلى الله فى الدعوة وما تعرض له من المشركين فى مكة فى دعوته لهم  للايمان بالله ، الملاحظ فى هذه السورة أنها أبرزت ما تعرض له الأنبياء من مواقف صعبة مع قومهم وكيف أنجاهم الله منها وهذا تسرية عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليتحمل ما يتعرض له من مشركى قريش من اعراض عن الدعوة  .

 ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ ١ مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ ٢ لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ ٣ قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٤ بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۢ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بَِٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ ٥ مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ ٦

" ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ " هذا تنبيه من الله تعالى على اقتراب الساعة ودنوها وأن الناس فى غفلة منها أى لايعملون لها ولا يستعدون من أجلها  ، " مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ " الخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار ما يأتيهم من ذكر محدث أى جديد أنزله الله وهو القرآن ، " إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ " أخبر تعالى أنهم لا يصغون الى الوحى الذى أنزل الله على رسوله وكما قال أبن عباس : ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرءونه محضا لم يشب  ، " لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡ " قلوبهم منصرفة عن ذكر الله ، " وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ " الكفار يتناجون بينهم قائلين خفية فيما بينهم ، "هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَر مِّثۡلُكُمۡ"يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبيا لأنه بشر مثلهم فكيف اختص بالوحى دونهم ، " أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ " أفتتبعونه فتكونون كمن يأتى السحر وهو يعلم أنه سحر ، "  قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ " قال تعالى مجيبا لهم عما افتروه واختلقوا من الكذب الذى يعلم ذلك الله لا يخفى عليه خافية وهو الذى أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين الذى لا يستطيع أحد أن يأتى بمثله الا الذى يعلم السر فى السموات والأرض ، " وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ " الله السميع لأقوالكم العليم بأحوالكم وفى هذا تهديد لهم ووعيد ، " بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۢ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِر" هذا اخبار عن تعنت الكفار والحادهم واختلافهم فيما بينهم فيما يصفون به القرآن وحيرتهم فيه وضلالهم عنه فتارة يجعلونه أضغاث أحلام أى شىء وهمى لا معنى له وتارة يجعلونه مفترى أى موضوع من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وتارة يجعلونه شعرا وتارة سحرا ، " فَلۡيَأۡتِنَا بَِٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ " يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية مادية كما حدث مع من قبله كناقة صالح وآيات موسى وعيسى عليهم السلام ، " مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ " يقول تعالى ما آتينا قرية من القرى التى بعث فيها الرسل آية على يدى نبيها فآمنوا بها بل كذبوا فأهلكناهم بذلك أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك ؟ كلا كما قال تعالى " وما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون " وقوله " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " ، هذا كله وقد شاهدوا من الآيات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد شق لهم القمر فلم يصدقوه وقالوا عنه ساحر .

 وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٧ وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ ٨ ثُمَّ صَدَقۡنَٰهُمُ ٱلۡوَعۡدَ فَأَنجَيۡنَٰهُمۡ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهۡلَكۡنَا ٱلۡمُسۡرِفِينَ ٩

" وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡ " يقول تعالى ردا على من أنكر بعثة الرسل من البشر أن جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر ولم يكن فيهم أحد من الملائكة كما قال فى آية أخرى " وما أرسلنا قبلك الا رجالا نوحى اليهم من أهل القرى"وقال تعالى عمن تقدم من الأمم لأنهم أنكروا ذلك " أبشر يهدوننا " ، "  فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ " يسألهم الله أن يسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف هل كان الرسل الذين أتوهم بشرا ام ملائكة ، " وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ "انما كانوا بشرا لهم أجساد يأكلون الطعام وذلك من تمام نعمة الله على خلقه اذ بعث فيهم رسلا منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم وهذا كقوله " وما أرسلنا قبلك من المرسلين الا انهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق " المرسلون كانوا بشرا يأكلون ويشربون مثل الناس ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئا كما توهمه المشركون ، " وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ " الرسل ليسوا خالدين فى الدنيا بل كانوا يعيشون ثم يموتون وهذا كقوله " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " ، " ثُمَّ صَدَقۡنَٰهُمُ ٱلۡوَعۡدَ " صدقهم الله الوعد الذى وعدهم به الله ربهم ليهلكن الظالمين وفعل ذلك ولهذا قال " فَأَنجَيۡنَٰهُمۡ وَمَن نَّشَآءُ " أنجى الله الرسل وأتباعهم من المؤمنين بمشيئته وارادته ، " وَأَهۡلَكۡنَا ٱلۡمُسۡرِفِينَ " وأهلك الله المكذبين بما جاءت به الرسل .  

 لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ كِتَٰبٗا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ١٠ وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ ١١ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ ١٢ لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسَۡٔلُونَ ١٣ قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ١٤ فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ ١٥

" لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ كِتَٰبٗا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡ " يقول الله تعالى منبها الكافرين من قريش وغيرها على شرف القرآن الذى أنزله الله اليهم على روسل الله صلى الله عليه وسلم بلسان عربى مبين ومحرضا لهم على معرفة قدره أنه كما قال أبن عباس ذكركم شرفكم وقال مجاهد حديثكم وقال الحسن دينكم ، " أَفَلَا تَعۡقِلُونَ " أليس لكم عقل يفهم هذه النعمة ويتلقاها بالقبول كما قال تعالى " وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون "،"وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَة" هذه صيغة تكثير لما أهلك الله من القرى التى كفرت بربها كقوله " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " ، " وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ " وجاء الله بعد اهلاكهم من بعدهم بقوم غيرهم ، " فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ " عندما تيقنوا أى القرى الظالمة التى وقع عليها العذاب أن العذاب واقع بهم لا محالة كما وعدهم نبيهم يفرون هاربين من نزول العذاب ، " لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ "هذا تهكم وسخرية منهم واستهزاء من الله بهم يقول الله لهم لا تركضوا أى تفروا هاربين مسرعين من نزول العذاب وارجعوا الى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة ، " لَعَلَّكُمۡ تُسَۡٔلُونَ " حتى يمكن الاستعلام منكم وسؤالكم عما كنتم فيه من أداء شكر النعم وما وقع بكم وهم لن يفعلوا ذلك ولن يستطيعوا أن يفعلوه ، " قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ " اعترفوا بذنوبهم وكفرهم وتجاوزهم لحدود الله حين لا ينفع الاعتراف بذلك وينفع الندم ، " فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ " مازالت تلك مقالتهم وهى الاعتراف بالظلم منهم حتى حصدهم الله حصدا وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودا .

 وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ ١٦ لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوٗا لَّٱتَّخَذۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَٰعِلِينَ ١٧ بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ ١٨ وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ ١٩ يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ ٢٠

" وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ " يخبر الله تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق أى بالعدل والقسط ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا الحسنى وأنه لم يخلق ذلك عبثا ولا لعبا كما قال " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" ،  " لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوٗا لَّٱتَّخَذۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّآ "  يقول تعالى أنه بمشيئته لو أراد أن يدع الأمور دون حساب ولا موت ولا بعث وما خلق جنة ولا نارا وأنه على ذلك لقدير ولكن الأمر ليس كذلك ، " إِن كُنَّا فَٰعِلِينَ " قال قتادة وغيره أى ما كنا فاعلين وقال مجاهد كل شىء فى القرآن "ان " فهو انكار  ، " بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ " يقول تعالى نبين الحق فيدحض الباطل ، " فَإِذَا هُوَ زَاهِق" أى الباطل ذاهب مضمحل منتهى ، " وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ " القائلون على الله الباطل من أى ادعاء لكم الويل من الله على ما تصفونه وتقولونه على الله بالباطل وهذا تهديد ووعيد ، " وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ "  أخبر الله تعالى أن له كل من فى السموات والأرض هم عباد له ،  " وَمَنۡ عِندَهُ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ  * يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ " وأخبر الله تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم فى طاعته ليلا ونهارا مطيعون قصدا وعملا قادرون عليه  لايستحسرون أى لا يتعبون ولا يملون كما قال تعالى عن الملائكة " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " .  

 أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ ٢١ لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ ٢٢ لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ ٢٣

" أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ "ينكر الله تعالى من اتخذ من دونه آلهة لايحيون الموتى وينشرونهم من الأرض وهم لا يقدرون على شىء من ذلك فكيف جعلوها لله ندا وعبدوها معه ، "  لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ " لو كان فى السموات والأرض آلهة كما يدعون لأصابهما الفساد والخراب وهذا كقوله " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون " ، " فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ " تنزه الله تعالى وتقدس عن قولهم ان له ولدا أو شريكا سبحانه وتعالى تنزه عن الذى يفترون ويأفكون علوا كبيرا ، "  لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ " الله هو الحاكم الذى لا معقب لحكمه ولا يعترض عليه أحد لعظمته وجلاله وكبريائه وعلمه وحكمته وعدله ولطفه وهو سائل خلقه عما يعملون كقوله " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ".

 أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡۖ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِيۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ ٢٤ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ ٢٥

" أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَة " ينكر الله على الكافرين الذين اتخذوا آلهة من دون الله كيف يتخذون آلهة لا تضر ولا تنفع  ، " قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُم " قل لهم يا محمد هاتوا دليلكم أن تكون هذه آلهة  يتحداهم الله أن تكون هذه آلهة كما يزعمون فهى لا تضر ولا تنفع وليس لها حولا ولا قوة وليس لهم دليل ولا برهان على الوهيتها ، " هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ " هذا الذكر الذى معى وهو القرآن ، " وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِيۚ " والكتب المتقدمة كلها على خلاف ما تقولونه فكل كتاب أنزل على نبى أرسل ناطق بأنه لا اله الا الله ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق فأنتم معرضون عنه وهذا كقوله " واسال من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من الرحمن آلهة يعبدون " ، " بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ " أكثر الناس لا يهتدون الى طريق الحق وهم معرضون عنه ، " وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ " كل رسول أرسل من قبلك يا محمد أرسله الله بدعوة التوحيد وأنه لا اله الا الله وحده وعبادة الله وحده لا شريك له .  

 وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادٞ مُّكۡرَمُونَ ٢٦ لَا يَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ يَعۡمَلُونَ ٢٧ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ ٢٨ ۞وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ ٢٩

" وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗاۗ" يرد الله على من زعم أنه اتخذ ولدا كما قالت النصارى واليهود من أن المسيح أبن الله واليهود أن عزير أبن الله أو ان الملائكة بنات الله كمن قال ذلك من العرب ، " سُبۡحَٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادٞ مُّكۡرَمُونَ " تنزه الله وتقدس الملائكة عباد الله مكرمون عنده فى منازل عالية ومقامات سامية وهم له فى غاية الطاعة قولا وفعلا ، " لَا يَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ يَعۡمَلُونَ " وهؤلاء الملائكة لا يتقدمون بين يديه بأمر ولايخالفونه فيما أمرهم به بل يبادرون الى فعله ، "  يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ " وهو تعالى علمه محيط بهم فلا يخفى عليه منهم خافية ،" وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ " لا أحد منهم له شفاعة فى أحد الا باذن الله وبرضاه وهذا كقوله " من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه " وكقوله " ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له " ، " وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ "والملائكة من خوف الله ورهبته خاشعون خاضعون مطيعون له ولجلاله ، " وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِ" من ادعى أنه اله من دون الله كفرعون ومن  أدعى أن مع الله آلهة ، " فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ" من قال ذلك فله عذاب جهنم وهذا جزاء كل من كفر .

 أَوَ لَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ ٣٠ وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ ٣١ وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ سَقۡفٗا مَّحۡفُوظٗاۖ وَهُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهَا مُعۡرِضُونَ ٣٢ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ ٣٣

يسوق القرآن آية من آيات الاعجاز العلمى فى خلق الكون وهذا لم يكشفه الا العلم الحديث من الرتق والفتق للكون وهذا تحدى وأن القرآن منزل من عند الله وسابق لعصره " أَوَ لَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَا "  يقول الله تعالى منبها على قدرته التامة وسلطانه العظيم ألم يرى ويعلق ويتفكر الكافرون الجاحدون لالهيته العابدون معه غيره ألم يروا أن السموات والأرض كنتا رتقا أى متصلا بعضه ببعض متلاصق متراكم بعضه فوق بعض فى ابتداء الأمر ففتق هذه من هذه وفى العصر الحديث نظرية الانفجار العظيم Big Bang فجعل السموات سبعا والأرض سبعا ، "وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّ"أى أصل كل الأحياء  وتحدث الله عن آية أخرى تدل على قدرته وهى خلق الماء الذى هو أساس الحياة وهومن آيات الاعجاز التى تثبت قدرة الله وعظمته ، " أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ " بعد هذه الأدلة على قدرة الله وعظمته كيف لا يكون هناك عقل وتدبر وايمان بأنه الواحد لا اله الا هوخالق كل شىء ، " وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ " هذه آية أخرى من آيات الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم وهى الجبال ووظيفتها كأوتاد الخيمة التى تثبتها " والجبال اوتادا " وقال عنها رواسى أى جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس أى تضطرب وتتحرك فلا يحصل لها أى للأرض قرار ، " وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ " جعل الله فى الأرض اذا كان لفظ "فيها " يعود على الأرض طرق ومسالك أى طرق تسلك تيسر الحركة فيها من فج لفج أىمن  مكان لمكان كما قال " يأتين من كل فج عميق " واذا كان اللفظ " فيها " يعود على الجبال أى جعل فى الجبال ثغرات بحيت لا تمنع الحركة على الأرض ويمكن سلوكها للوصول الى بقاع الأرض من قطر الى قطر واقليم الى اقليم، " وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ سَقۡفٗا مَّحۡفُوظا " أتى القرآن بآية أخرى من آيات الاعجاز العلمى التى أثبتها العلم الحديث وهو" السقف المحفوظ " وهو الغلاف الجوى المحيط بالأرض مثل السقف يحفظ الحياة عليها فهو يحفظ الأرض من أشعة الشمس الضارة بطبقة الأوزون ويحفظ الأرض من الشهب والنيازك فلا تخترقها وتحترق قبل أن تنزل على الأرض فتحرق من عليها وما فيها فسماء الأرض هى السقف الذى يحفظها ويحميها من الفناء وهذا الغلاف أيضا يحفظ الماء على سطح الأرض فلا يتبدد فى الكون ويتبخر ويضيع هل كان لأفهام العرب أن تعى وتفهم ذلك ! انه القرآن المنزل من عند الله  ، " وَهُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهَا مُعۡرِضُونَ " يلوم الله على هؤلاء الكفار عدم التفكر فيما خلق فى الكون الذى يثبت قدرته وأنه الله الواحد الخالق ، " وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَار " يذكر الله آية أخرى تدل على قدرته وهى الليل والنهار وخلقهما من حركة  الأرض حول الشمس وتعاقبهما وطولهما وقصرهما وحساب الأيام والأشهر والسنوات ، " َ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ" وقدرة الله كذلك من خلق الشمس والقمر ودورانهما فكل له فلكه الذى يدور فيه ويسبح فى الفضاء وما ينتج عن ذلك من ليل ونهار من حركة القمر حول الأرض ومن حركة الأرض حول الشمس كل فى فلك له يسبح فى الفضاء بأمر الله ولأجل مسمى عنده وهذا كقوله " الشمس والقمر بحسبان " وكقوله " والشمس تجرى لمستقر لها " وهذه الآيات من آيات الاعجاز العلمى سلط عليه الضوء العلم الحديث فى كتب مفصلة .

 وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ ٣٤ كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ ٣٥

" وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ "يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ما جعلنا لأحد سبقك أن يكون خالدا فى الدنيا بل له أجل كقوله" كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " واذا انتهى أجلك المقدر لك ومت هل يؤملون أن يعيشوا بعدك خادين فى الدنيا لا يكون هذا بل كل الى فناء ، " كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ " كل من على الأرض مصيره الموت وهذه الآية تعكس أسلوب القرآن الكريم ودقته فقد قال " كل نفس " ولم يقل " كل روح " فالروح خالدة منذ أن خلقها الله والذى يفنى هو النفس ، " وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَة" يقول تعالى نختبركم فى الحياة الدنيا بالمصائب تارة وبالنعم أخرى فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط وعن أبن عباس قال نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلال ، " وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ " ثم تبعثون وترجعون الى الله يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم .

وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ ٣٦ خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ ٣٧

" وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا " يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اذا رآك كفار قريش كأبى جهل وأشباهه يستهزئون بك وينقصونك ،"  أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ " يقولون عنك أهذا الذى يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم ، " وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ " وهم كافرون بالله ومع هذا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، " خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَل" فى طبع الانسان الاستعجال فى كل الأمور حتى فى طلب العذاب ووقوعه والحكمة فى ذكر عجلة الانسان هنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم وقع فى الناس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك فقال الله تعالى خلق الانسان من عجل لأنه تعالى يملى الظالم حتى اذا أخذه لم يفلته يؤجل ثم يعجل وينظر ثم لا يؤخر ، " سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُون" لا تستعجلون نقمى وحكمتى واقتدارى على من عصانى فسوف ترون الآيات فى ذلك على قدرتى وبطشى .  ِ

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣٨ لَوۡ يَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمۡ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ٣٩ بَلۡ تَأۡتِيهِم بَغۡتَةٗ فَتَبۡهَتُهُمۡ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ ٤٠

"وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ " يخبر الله تعالى أيضا عن المشركين أنهم يستعجلون أيضا وقوع العذاب بهم تكذيبا وجحودا وكفرا وعنادا واستبعادا ويشككون فى صدق من توعدهم بالعذاب ، " لَوۡ يَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمۡ " لو تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة لما استعجلوا به ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، " وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ" حينئذ لا يغيثهم أحد ولا ينصرهم أحد حين يقع وهذا للتهويل من هذا اليوم ومن العذاب نفسه الذى لايعلموا شدته بسبب جهلهم  ، " بَلۡ تَأۡتِيهِم بَغۡتَة" الساعة تأتى فجأة ، " فَتَبۡهَتُهُمۡ " فتذعرهم ،" فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ " فيستسلمون لها حائرين لا يدرون ما يصنعون فلا يستطيعون ردها ليس لهم حيلة فى ذلك ولا يؤجل عنهم ذلك ولا يؤخرعنهم ساعة واحدة .

وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٤١ قُلۡ مَن يَكۡلَؤُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ بَلۡ هُمۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِم مُّعۡرِضُونَ ٤٢ أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ ٤٣

"وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ " يقول الله تعالى مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم عما آذ اه  به المشركون من الاستهزاء والتكذيب أن الرسل الذين سبقوه تعرضوا للاستهزاء والسخرية ومن التكذيب ، " فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ " فوقع بهم العذاب الذى كانوا يستبعدون وقوعه كما قال تعالى " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله * ولقد جاءك من نبأ المرسلين " ، " قُلۡ مَن يَكۡلَؤُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ " ذكر الله تعالى نعمته على عبيده فى حفظه لهم بالليل والنهار وكلاءته وحراسته لهم بعينه التى لا تنام قل للكافرين المكذبين من يستطيع ذلك غيرالرحمن ، " بَلۡ هُمۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِم مُّعۡرِضُونَ " هم لايعترفون بنعمة الله عليهم واحسانه اليهم بل يعرضون عن آياته وآلائه ، " أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَا " استفها انكار وتقريع وتوبيخ أى ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا ؟ ليس الأمر كما توهموا ولا كما زعموا ، " لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ" هذه الآلهة التى استندوا اليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم ، " وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ " قال أبن عباس لاهم منا يجارون وقال غيره يمنعون وقال قتادة لا يصحبون من الله بخير .

 بَلۡ مَتَّعۡنَا هَٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٤٤ قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلۡوَحۡيِۚ وَلَا يَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ٤٥ وَلَئِن مَّسَّتۡهُمۡ نَفۡحَةٞ مِّنۡ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٤٦ وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ ٤٧

" بَلۡ مَتَّعۡنَا هَٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُ" يقول الله تعالى مخبرا عن المشركين انما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال أنهم متعوا فى الدنيا ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه فاعتقدوا أنهم على شىء ، " أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَا " هذه آية من آيات الاعجاز العلمى فى القرآن وهونقصان كتلة الأرض وهو ما كشفه العلم الحديث لأن باطن الأرض كتلة تحتوى على المعادن المنصهرة التى تخرج مع البراكين على سطح الأرض فتقل ويظهر ذلك فى الأطراف لكروية الأرض ويظهر الله قدرته فكيف لا يقدر على هؤلاء ، " أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ " كيف يكون لهؤلاء غلبة مع قدرة الله عليهم وعلى كل شىء فالله يمكن أن يسلبهم وينقص منهم كما ينقص من أطراف الأرض بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون والأرذلون  ، "  قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلۡوَحۡيِ " يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء  انما أنا مبلغ عن الله ما انذرتكم من العذاب والنكال ليس ذلك الا عما أوحاه الله الى ، " وَلَا يَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ " ولكن لا يجدى هذا عمن أعمى الله بصيرته وختم على سمعه وقلبه ، " وَلَئِن مَّسَّتۡهُمۡ نَفۡحَةٞ مِّنۡ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ " ولين مس هؤلاء المكذبين أدنى شىء من عذاب الله ليعترفون بذنوبهم وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم فى الدنيا لكفرهم وتكذيبهم ، " وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡٔٗا " ويضع الله الموازين العدل يوم القيامة الأكثر على أنه انما هو ميزان واحد وانما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه ، " وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ " والله لا يظلم أحدا مثقال حبة من خردل بعدله الذى يغطى جميع خلقه ، وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ ٤٨ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَهُم مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشۡفِقُونَ ٤٩ وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ ٥٠ ۞

كثيرا ما يقرن الله تعالى بين ذكر موسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما وبين كتابيهما ونحن نعلم وجود اليهود فى المدينة وأنهم قوم بهت فقد كانوا يستفحون على القوم حولهم ببعثت رسول ولما كان ليس منهم أنكروا كل ذلك فيذكر القرآن دائما بما كان عندهم وأنه مصدق للفرآن فلما لايتبعوه وقد أمروا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن بادلوه العداوة وأسلم منهم القليل"وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ"يقول الله تعالى أنه أنزل على موسى وهارون عليهما السلام الكتاب قال قتادة التوراة وقال الفرقان وجامع القول فى ذلك أن الكتب السماوية مشتملةعلى التفرقة بين الحق والباطل والهدى والضلال والغى والرشاد والحلال والحرام وعلى ما يحصل نورا فى القلوب وهداية وخوفا وانابة وخشية ، "  وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ " هدى وتذكير للمتقين وعظة ، "ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَهُم مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشۡفِقُونَ " وصف الله المتقين أنهم هم الذين يخافون الله ويخشعون له وهم يعلمون أنه عليهم رقيب فى السر والعلن وأنه يراهم مطلع عليهم وهم كذلك خائفون من يوم القيامة وجلون لما سيحدث لهم فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب فهم يخشون سوء المنقلب فى الآخرة ، "  وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُ " بعد ذلك ينتقل الله تعالى الى الحديث عن القرآن بأنه ذكر مبارك لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أمتدادا للحديث وهو تنزيل من حكيم حميد , " أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ " والله ينكر عليهم ما يقولون ويقول لهم افتنكرونه وهو فى غاية الجلاء والظهور ؟

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ إِبۡرَٰهِيمَ رُشۡدَهُۥ مِن قَبۡلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ ٥١ إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيٓ أَنتُمۡ لَهَا عَٰكِفُونَ ٥٢ قَالُواْ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَٰبِدِينَ ٥٣ قَالَ لَقَدۡ كُنتُمۡ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٥٤ قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا بِٱلۡحَقِّ أَمۡ أَنتَ مِنَ ٱللَّٰعِبِينَ ٥٥ قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٥٦

" وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ إِبۡرَٰهِيمَ رُشۡدَهُۥ مِن قَبۡلُ " يخبر الله تعالى عن خليله ابراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل أى من صغره ألهمه الحق والحجة كما قال تعالى " وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه " أو قبل ذلك الزمن الذى أنت فيه ، " وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ " والله أعلم به وبأهليته لذلك  ، " إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيٓ أَنتُمۡ لَهَا عَٰكِفُونَ " هذا هو الرشد الذى أوتيه من صغره الانكار على أبيه  وقومه فى عبادة الأصنام والاعتكاف على عبادتها من دون الله عز وجل  ، " قَالُواْ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَٰبِدِينَ " ردوا عليه ولم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم من الضلال فهم يعبدونها كما كان يعبدها آباؤهم من قبل ، " قَالَ لَقَدۡ كُنتُمۡ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِين" الكلام معكم كالكلام مع آبائكم الذين احتجتتم بصنيعهم فأنتم وهم فى ضلال على غير الطريق المستقيم ، " قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا بِٱلۡحَقِّ أَمۡ أَنتَ مِنَ ٱللَّٰعِبِينَ " لما سفه أحلامهم وضلل آباءهم قالوا له لأنهم لم يسمعوا هذا الكلام من قبل هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعبا أو محقا فيه ، " قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِي فَطَرَهُنَّ " رد عليهم أن ربهم هو الله لا اله غيره هو الذى خلق السموات والأرض وما حوت من المخلوقات الذى ابتدأ خلقهن وهو الخالق لجميع الأشياء ، " وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ " وذكر لهم أنه يشهد على صدق ما قاله أنه لا اله غير الله ولا رب سواه .

وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ ٥٧ فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ ٥٨ قَالُواْ مَن فَعَلَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥٩ قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتٗى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبۡرَٰهِيمُ ٦٠ قَالُواْ فَأۡتُواْ بِهِۦ عَلَىٰٓ أَعۡيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡهَدُونَ ٦١ قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَا يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ٦٢ قَالَ بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسَۡٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ ٦٣

" وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ " أقسم الخليل عليه السلام قسما أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم أى ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين أى يذهبوا الى عيدهم وكان لهم عيد يخرجون اليه ، " فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ " جعل ابراهيم عليه السلام الأصنام حطاما كسرها كلها الا الصنم الكبير عندهم كقوله " فراغ عليهم ضربا باليمين" ، " لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ " ذكروا أن ابراهيم عليه السلام وضع القدوم فى يد كبيرهم لعلهم يعتقدون أنه هو الذى غار لنفسه وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها ، " قَالُواْ مَن فَعَلَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ " حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل عليه السلام بأصنامهم من الاهانة والاذلال الدال على عدم الهيتها وعلى سخافة عقول عابديها قالوا من قام بهذا الفعل من تكسير الأصنام متجاوز الحد بفعله هذا متعد علينا ، " قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتٗى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبۡرَٰهِيمُ " قال من سمعه يحلف بالكيد للأصنام أن شابا كان يذكر هذه الآلهة بسوء وأسمه ابراهيم ، " قَالُواْ فَأۡتُواْ بِهِۦ عَلَىٰٓ أَعۡيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡهَدُونَ " اقترحوا أن يأتوا به على رءوس الأشهاد فى الملأ الأكبر يحضره الناس كلهم وكان هذا هو المقصود الأكبر لابراهيم عليه السلام أن يبين فى هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم فى عبادة هذه الأصنام التى لا تدفع عن نفسها ضرا ولا تملك لها نفعا ولا نصرا فكيف يطلب منها شىء من ذلك ؟ ، " قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَٰذَا بَِٔالِهَتِنَا يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ " سألوا ابراهيم عليه السلام ان كان هو الذى حطم أصنامهم ، " قَالَ بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا " أشار الى الصنم الكبير الذى وضع على يده القدوم أنه هو الذى حطم الأصنام حوله ، " فَسَۡٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ " طلب منهم أن يسألوا هذه الأصنام المحطمة ان كانت تتحدث أن تخبر عمن حطمها وانما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم لأنه جماد .

فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٦٤ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ ٦٥ قَالَ أَفَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمۡ شَيۡٔٗا وَلَا يَضُرُّكُمۡ ٦٦ أُفّٖ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٦٧

" فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ " يقول تعالى مخبرا عن قوم ابراهيم حين قال لهم ما قال لاموا أنفسهم فى عدم احترازهم وحراستهم لآلهتهم وأنهم هم الملامون فى تركها مهملة لا حافظ عندها ،" ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ " بعد أن قالوا ما قالوا أطرقوا الى الأرض حيرة وعجزا ، " لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ " ثم قالوا لابراهيم عليه السلام كيف تقول لنا سلوهم ان كانوا ينطقون وأنت تعلم أنها لا تنطق ولا تتكلم ، " قَالَ أَفَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمۡ شَيۡٔٗا وَلَا يَضُرُّكُمۡ " عند ذلك رد عليهم ابراهيم عليه السلام لما اعترفوا بذلك اذا كانت لا تنطق وهى لاتنفع ولا تضر فلم تعبدونها من دون الله ، " أُفّٖ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ " لامهم ابراهيم عليه السلام متضجرا موجها لهم اللوم ولأصنامهم التى يعبدونها من دون الله ومما هم فيه من الضلال والكفر ،  " أَفَلَا تَعۡقِلُونَ " وبعد أن أقام عليهم الحجة على ما هم فيه من الضلال طالبهم بالتدبر والتفكير والفهم والالتجاء الى العقل للحكم على الأمور .

قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ ٦٨ قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ٦٩ وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ ٧٠

" قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ " لما دحضت حجتهم وبان عجزهم وظهر الحق واندفع الباطل عدلوا الى استعمال جاه ملكهم اصدروا قرارا ليفعل أمروا بحرق ابراهيم عليه السلام لينصروا أصنامهم التى حطمها ويثأروا لها ، " قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ " جمعوا حطبا كثيرا ثم جعلوه فى حفرة فى الأرض وأضرموا نارا لها شرر عظيم ولهب مرتفع ووضعوا ابراهيم على كفة منجنيق وقزفوه فى النار وكان أمر الله للنار أن لا تضر بابراهيم عليه السلام فكانت بردا عليه وسلاما وقيل لوقال الله للنار كونى بردا لتجمد ابراهيم ولكن الله أمرها أن تكون بردا وسلاما عليه وقال أبن عباس وأبو العالية لولا أن الله عز وجل قال وسلاما لآذى ابراهيم بردها ، " وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ " يقول الله تعالى أن هؤلاء الكفار كانوا يريدون بابراهيم عليه السلام الشر وكادوا له وألقوه فى النار ولكن خاب كيدهم فهو قد فاز برضوان ربه وانقاذه له وهم قد خاب سعيهم وكانوا هم المغلوبين الأسفلين لأنهم أرادوا بنبى الله كيدا فكادهم الله ونجاه من النار فغلبوا هنالك .

وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ ٧١ وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ نَافِلَةٗۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا صَٰلِحِينَ ٧٢ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ ٧٣ وَلُوطًا ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗا وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعۡمَلُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٖ فَٰسِقِينَ ٧٤ وَأَدۡخَلۡنَٰهُ فِي رَحۡمَتِنَآۖ إِنَّهُۥ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٧٥

" وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ " يقول الله تعالى مخبرا عن ابراهيم أن الله سلمه من نار قومه وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرا الى بلاد الشام الى الأرض المقدسة منها فى أرض فلسطين كما أنجى الله لوطا وأخرجه الى هذه الأرض معه ، " وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ نَافِلَة " يذكر الله فضله على ابراهيم عليه السلام بأن رزقه باسحاق ويعقوب وقال أبن عباس وغيره النافلة ولد الولد يعنى أن يعقوب ولد اسحاق كما قال " فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب " ، " وَكُلّٗا جَعَلۡنَا صَٰلِحِينَ " يقول الله تعالى أنه جعلهم كلهم جميعا أهل خير وصلاح ، " وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّة" وجعلهم الله يقتدى بهم ، " يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا " يدعون الى الله باذنه ، " وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِ " أوحى الله اليهم وأمرهم بفعل أعمال الخير كلها واقامة الصلاة وايتاء الزكاة وهذا من باب عطف الخاص على العام ، " وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ " يقول تعالى أنهم كانوا فاعلين لما يأمرون به الناس عابدين لله ، " وَلُوطًا ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗا " عطف الله بذكر لوط الذى ذكر فى انجاء الله له وهو قد آمن بابراهيم عليه السلام واتبعه وهاجر معه كما قال تعالى " فآمن له لوط وقال انى مهاجر الى ربى " آتى الله لوطا حكما وعلما وأوحى اليه وجعله نبيا وبعثه الى سدوم وأعمالها فخالفوه وكذبوه ، "وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعۡمَلُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٖ فَٰسِقِينَ " أنجاه الله بعد أن أهلك هؤلاء القوم الذين كانوا يرتكبون الفاحشة فاحشة اتيان الذكور فقد كانوا قوم سوء وكانوا فاسقين خارجين عن طاعة الله ، " وَأَدۡخَلۡنَٰهُ فِي رَحۡمَتِنَآۖ إِنَّهُۥ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ" تكفل الله برحمته لوطا عليه السلام لصلاحه وطاعته له .

وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ ٧٦ وَنَصَرۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٖ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٧٧

" وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ " يخبر الله تعالى عن استجابته لعبده ورسول نوح عليه السلام حين دعا على قومه لما كذبوه فقد دعا ربه"فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر" وقال " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا " استجاب الله له فأنجاه ومن اتبعه بعد أن صنع السفينة وأهلك كل من كفروا به أجمعين بالطوفان ، " وَنَصَرۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآۚ " يقول تعالى ونجيناه وخلصناه منتصرا من القوم الذين كذبوا بآياتنا ولم يتبعوه ، " إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٖ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ " كانون قوم سيئين أفعالهم سيئة أهلكهم الله بعامة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحدا كما دعا عليهم نبيهم واستجاب الله له .

وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ ٧٨ فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ ٧٩ وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ ٨٠ وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةٗ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيۡءٍ عَٰلِمِينَ ٨١ وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ ٨٢ ۞

" وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ " يتحدث الله تعالى عن داود وسليمان وما حكما فيه فى الحرث كما قال أبن مسعود كان كرما قد تدلت عناقيده ، " إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ " قال أبن عباس النفش الرعى وقال قتادة وغيره النفش لا يكون الا بالليل وزاد قتادة والهمل بالنهار أفسدت الغنم العناقيد فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم ، فقال سليمان غير هذا يا نبى الله قال وما ذاك قال تدفع الكرم الى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم الى صاحب الكرم فيصيب منها فيكون له أولادها وألبانها وسلاؤها ومنافعها  حتى اذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم الى صاحبه ودفعت الغنم الى صاحبها فذلك قوله" فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَ " وعن عمرو بن العاص أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران واذا اجتهد فأخطأ فله أجر " وفى السنن : القضاة ثلاثة قاض فى الجنة وقاضيان فى النار ، رجل علم الحق وقضى به فهو فى الجنة ، ورجل حكم بين الناس على جهل فهو فى النار ، ورجل علم الحق وقضى خلافه فهو فى النار " ، " وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗا " يذكر الله منته على داود وسليمان بما آتاهما من ملك وحكم ورجاحة عقل وعلم وقد كان لهما ملكا عظيما وسخر الله لسليمان الجن والريح والطير ، " وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ " وسخر الله لداود تسبيح الجبال وذلك لطيب صوته بتلاوة كتابه الزبور وكان اذا ترنم به تقف الطير فى الهواء فتجاوبه وترد عليه الجبال تاويبا ولهذا لما مر النبى صلى الله عليه وسلم على أبى موسى الأشعرى وهو يتلو القرآن من الليل وكان له صوت طيب جدا فوقف واستمع لقراءته وقال : لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود " قال يا رسول الله لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا " وقال أبو عثمان النهدى ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار مثل صوت أبى موسى رضى الله عنه ، " وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوس لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡ" علم الله داود عليه السلام صنعة الدروع التى تقى الضربات فى الحروب والقتال والنزال  قال قتادة كانت الدروع قبله صفائح وهو أول من سردها حلقا ، " فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ " أى نعم الله عليكم لما ألهم به عبده داود فعلمه ذلك من أجلكم  يتوجه الله بالسؤال عن شكره لما أنعم به على داود من صناعة الدروع التى استفاد بها من بعده وتستوجب الشكر وهذا يستوجب الشكر على كل نعم الله التى أنعم بها على البشرية من خلال المخترعين من العلماء ويسرت حياة الناس  ، " وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَة" سخر الله لسليمان عليه السلام الريح العاصفة  ، " تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا " تسير كما يريد منه أن تسير الى أرض فلسطين التى بها بيت المقدس التى وصفها الله بالأرض التى بارك فيها  ، "وَكُنَّا بِكُلِّ شَيۡءٍ عَٰلِمِينَ" والله أتم له ذلك بعلمه هو الذى أحاط بكل شىء وبمشيئته فهو يقول للشىء كن فيكون والريح من خلقه وقيل أنه كان له بساط من خشب يوضع عليه كل ما يحتاج اليه من أمور مملكته والخيل والخيام والجند وكل ما أراد ثم يأمر الريح أن تحمله فتدخل تحته ثم تحمله فترفعه وتسير به وتظله الطير تقيه الحر الى حيث يشاء من الأرض فينزل كما قال تعالى " فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب " وقال تعالى " غدوها شهر ورواحها شهر " ، " وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ " وسخر الله لسليمان عليه السلام الشياطين من الجن منهم من يغوص فى الماء يستخرجون اللآلىء والجواهر وغير ذلك ، "ۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَ " يعملون له الأعمال الأخرى التى يطلبها غير ذلك وهذا كقوله " والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين فى الأصفاد " ، " وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ " يحرس الله سليمان أن يناله أحد من الشياطين بسوء بل كل فى قبضته وتحت قهره ولا يتجاسر على الدنو اليه والقرب منه بل هو يحكم فيهم ان شاء وان شاء حبس منهم من شاء ولهذا قال " وآخرين مقرنين فى الأصفاد " .

وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ٨٣ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ ٨٤

يذكر الله تعالى عن أيوب عليه السلام وما كان أصابه من البلاء فى ماله وولده وجسده وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شىء كثير وأولاد كثيرة ومنازل مرضية فابتلى فى ذلك كله وذهب عن آخره ثم أبتلى فى جسده ولم يبقى منه سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله عز وجل وقال النبى صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل قالأمثل " وفى الحديث الآخر " يبتلى الرجل على قدر دينه فان كان فى دينه صلابة زيد فى بلائه " وقدكان أيوب عليه السلام غاية فى الصبر وبه يضرب المثل فى ذلك وروى أنه مكث فى البلاء مدة طويلة  " وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ " دعا أيوب عليه السلام ربه  أن يشفيه مما أصابه من مرض بأدب كبير فقال مسنى الضر ولم يقل أصابنى المرض رغم شدة المرض عليه وطول معاناته وسأل الله أن يتغمده برحمته فهو أرحم الراحمين ، " فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّ" استجاب الله دعاء عبده الشاكر أيوب فشفاه وكشف عنه بحوله وقوته ما أصابه من مرض ، " وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ " آتاه الله المال والولد أضعاف مضاعفة ، " رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا " يقول الله تعالى فعل به ذلك رحمة من عنده ، " وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ " وهذا تذكرة جعلها الله قدوة لمن يعبده لئلا يظن أهل البلاء انما فعل بهم ذلك لهوانهم عليه وليتأسوا به فى الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء وله الحكمة البالغة فى ذلك .

وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٨٥ وَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ فِي رَحۡمَتِنَآۖ إِنَّهُم مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٨٦

" وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰبِرِينَ "يتحدث الله تعالى عن اسماعيل أبن ابراهيم عليهما السلام وعن ادريس عليه السلام وأما ذو الكفل فانه قرن مع الأنبياء فهو نبى وقال آخرون انما كان رجلا صالحا وكان ملكا عادلا وحكما مقسطا وقال مجاهد رجل صالح غير نبى تكفل لبنى قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضى بينهم بالعدل ففعل ذلك فسمى ذا الكفل ضرب الله بهم المثل فى الصبر على طاعته ونحن نعلم ما حدث مع اسماعيل عليه السلام من أمر الله لابراهيم عليه السلام بذبحه فى رؤياه فصبر على ذلك ولم ينفر عندما أخبره أبوه وقال له افعل ما تؤمر ستجدنى ان شاء الله من الصابرين أى الصابرين على ابتلاء الله فهذا مثل للصبر نعرفه ، أما ادريس عليه السلام وذا الكفل عليه السلام فلا نعرف عنهما الكثير الا ما ورد فى القرآن ، " وَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ فِي رَحۡمَتِنَآۖ إِنَّهُم مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ " أدخلهم الله فى رحمته فهم قد كانوامن عباده الصالحين .

وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٨٧ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٨٨

ذكر الله ذا النون وهو يونس بن متى عليه السلام وقصته كذلك فى سور الصافات ون ، وذلك أن الله بعثه الى أهل نينوى وهى من أرض الموصل فدعاهم الى الله فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث فلما تحققوا منه ذلك وعلموا أن النبى لا يكذب خرجوا الى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ثم تضرعوا الى الله عز وجل وجأروا اليه بالدعاء فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين " ، ذهب يونس عليه السلام فركب مع قوم فى سفينة فلججت بهم وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه فوقعت القرعة على يونس فأبوا أن يلقوه ثم أعادوها فوقعت عليه أيضا فأبوا ثم أعادوها فوقعت عليه أيضا كما قال تعالى " فساهم فكان من المدحضين " أى كلما استهموا أى أجروا القرعة كان من المدحضين أى الذى وقعت عليه القرعة فقام فألقى نفسه فى البحر فالتقمه الحوت فأوحى الله الى ذلك الحوت أن لا يأكل منه لحما ولا يهشم له عظما فقال تعالى " وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا "  النون هو الحوت وسمى ذا النون أى صاحب الحوت وخرج من قريته غاضبا لعدم طاعة قومه له ، " فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ " عندما وقع فى بطن الحوت أعتقد أنه لن يضيق عليه الله وسيأتيه الفرج من الله قيل ضيق عليه فى بطن الحوت كقوله " ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " أى ضيق عليه وقال عطية العوفى فظن أن لن نقدر عليه أن نقضى عليه من قوله " فالتقى الماء على أمر قدر " أى قدر من التقدير ، " فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ " دعا يونس ربه أن ينجيه فنادى وهو فى ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل فكلها ظلمات كما قال أبن مسعود بهذا الدعاء لتفريج الكرب ، " فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ " استجاب الله له وأنجاه مما كان فيه من الغم وجعل الحوت ينبذه على الشاطىء أى يلقيه ، " وَكَذَٰلِكَ نُۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " وبهذا الدعاء ينجى الله من آمن به ودعاه وعن سعد بن أبى وقاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اسمالله الذى اذا دعى به أجاب واذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى " قال : قلت يا رسول الله هى ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين قال " هى ليونس بن متى خاصة ولجماعة المؤمنين عامة اذا دعوا بها ، ألم تسمع قول الله عز وجل " فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ * فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " .  

وَزَكَرِيَّآ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ رَبِّ لَا تَذَرۡنِي فَرۡدٗا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٨٩ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ ٩٠

يخبر الله تعالى عن عبده زكريا حين طلب أن يهبه الله ولدا يكون من بعده نبيا كما جاء فى سورة مريم وآل عمران " وَزَكَرِيَّآ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُ " يذكر الله أن زكريا عليه السلام دعا ربه خفية عن قومه ، " رَبِّ لَا تَذَرۡنِي فَرۡدٗا " يدعو ربه أن لايتركه لا ولد له ولا وارث يقوم بعده فى الناس ، "وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡوَٰرِثِينَ " دعاء وثناء مناسب للمسئلة من الله تعالى فهو الذى يرث الأرض وما ومن عليها ويرث كل شىء فهو الباقى وحده ، " فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ " استجاب الله لدعاء زكريا عليه السلام فرزقه بيحيى عليه السلام  ، "وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُ " أصلح الله له زوجته أى جعلها من الصالحين المطيعين لزوجها وربها فى رواية كان فى خلقها شىء فأصلحها الله  وقال أبن عباس وغيره كانت عاقرا لاتلد فولدت والأظهر من السياق ما قال أبن عباس ، "إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ " مدحهم الله أنهم كانوا يسارعون فى عمل القربات والطاعات ، " وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗا" يدعون الله رغبة فيما عنده من حسن الجزاء والثواب والعاقبة ورهبا مما عنده من عذاب وعقاب وسوء منقلب فى الآخرة ن " وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ "قال أبو سنان الخشوع هو الخوف اللازم للقلب لا يفارقه أبدا أى كانوا يخافون الله دائما وقال الحسن وغيره متذللين لله عز وجل وقال ابن عباس مصدقين بما أنزل الله وقال ابو العالية خائفين وكلها أقوال متقاربة .

وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٩١

يذكر تعالى قصةمريم وابنها عيسى عليهما السلام مقرونة بقصة زكريا وابنه يحيى عليهما السلام لأن تلكمربوطة بهذه فانا ايجاد ولدمن شيخكبير قد طعن فى السن ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد فى حال شبابها ثم يذكر قصةمريم وهى أعجب فانها ايجاد ولد من أنثى بلا ذكر وكان ذلك فى سورة آل عمران وفى سورة مريم وكذلك فى هذه السورة " وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا " كانت عفيفة طاهرة لا تقرب الزنى والفاحشة ، " فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا " الروح هنا هو جبريل عليه السلام هو الذى أرسله الله بنفخة منه الذى اذا اراد لشىء أن يقول له كن فيكون فحملت ، " وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ " وجعل الله ذلك دلالة على أن الله على كل شىء قدير وأنه يخلق ما يشاء كما خلق آدم من قبل من العدم بلا أب ولا أم وخلق حواء من ضلع آدم بلا أم وعيسى عليه السلام من أم بلا اب وخلق يحيى من أب كبر فى السن وطعن وأم عاقر عجوز وهكذا الله يفعل ما يشاء بقدرته التلى لا يعجزها شىء قال أبن عباس فى قوله للعالمين الجن والأنس  .

إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ ٩٢ وَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡۖ كُلٌّ إِلَيۡنَا رَٰجِعُونَ ٩٣ فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا كُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِۦ وَإِنَّا لَهُۥ كَٰتِبُونَ ٩٤

" إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ " يقصد الله تعالى المسلمين أتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  قال أبن عباس وغيره دينكم دين واحد وقال الحسن البصرى سنتكم سنة واحدة ويقول تعالى أنه هو الرب الله وحده لا شريك له ويأمر بعبادته على دين التوحيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " يعنى أن المقصود هو عبادة اللهوحده لا شريك له بشرائع متنوعة لرسله كما قال تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، " وَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ" اختلفت الأمم على رسلها فمن بين مصدق لهم ومكذب ، "  كُلٌّ إِلَيۡنَا رَٰجِعُونَ " يوم القيامة الكل يرجع الى الله فيجازى كل بحسب عمله انخيرا فخير وان شرا فشر ، "  فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا كُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِ" من يعمل الأعمال الصالحة وهو مؤمن بالله لا يخيب سعيه وهو عمله ، " وَإِنَّا لَهُۥ كَٰتِبُونَ" يكتب جميع عمله فلا يضيع عليه منه شىء .

وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ ٩٥ حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ ٩٦ وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٩٧

" وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ " قال أبن عباس وحرام أى وجب وقدر أن أهل كل قرية أهلكوا لا يرجعون  الى الحياة الدنيا قبل يوم القيامة فقد وقع عليهم الاهلاك قدرا من الله جزاءا على ما فعلوا ، " حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ  " يأجوج ومأجوج هم شرزمة من الترك تركوا من وراء السد الذى بناه ذو القرنين وهذا من علامات الساعة أن يخرجوا كما ورد فى سورة الكهف بعد أن ينهدم السد الذى كان يحجزهم وبناه ذو القرنين " هذا رحمة من ربى فاءذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا " ، " وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ " يسرعون فى المشى الى الفساد فى الأرض من كل حدب والحدب هو المرتفع من الأرض وهذه صفتهم فى حال خروجهم وهذا اخبار عالم ما كان وما يكون والذى يعلم غيب السموات والأرض الله وحده لا اله الا هو وقد ورد ذكر خروجهم فى أحاديث متعددة من السنة النبوية أحاديث مطولة من بين هذه الأحاديث عن أبى سعيد الخدرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال عزوجل " وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ " فيغشون الناس وينحاز المسلمون عنهم الى مدائنهم وحصونهم ويضمون اليهم مواشيهم ويشربون مياه الأرض حتى أن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابسا حتى أن بعضهم ليمر بذلك النهر فيقول قد كان ههنا ماء مرة حتى اذا لم يبق من الناس أحد الا أحد فى حصن أو مدينة قال قائلهم هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم بقى أهل السماء ، ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمى بها الى السماء فترجع اليه مخضبة دما للبلاء والفتنة فبينما هم على ذلك بعث الله عز وجل دودا فى أعناقهم كنغف الجراد الذى يخرج فى أعناقه فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس فيقول المسلمون ألا رجل يشرى لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو ، فينحدر رجل منهم محتسبا نفسه قد أوطنها على أنه مقتول فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض فينادى يا معشر المسلمين ألا أبشروا ان الله عز وجل قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم فما يكون لهم رعى الا لحومهم فتشكرعنهم كأحسن ما شكرت عن شىء من النبات أصابته قط " وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو عن أبن حرملة عن خالته قالت : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب فقال " انكم تقولون لا عدو لكم وانكم لاتزالون تقاتلون عدوا حتى يأتى يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون صهب الشعاف من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة " ، " وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ " يعنى الله تعالى أنه اذا حصلت هذه الأهوال والزلازل اقتربت الساعة وهى وعد الله الحق  ، " فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ " حينئذ تبرز أبصار الذين كفروا من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام ، "  يَٰوَيۡلَنَا " يصابون بالحسرة ويقولون ياويلنا مما سيقع عليهم من عذاب الله جزاءا لهم على كفرهم ، " قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ " يعترفون بغفلتهم فى الدنيا وظلمهم لأنفسهم بالانصراف عن سبيل الله واتباع الكفر حيث لا ينفعهم ذلك .

إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨ لَوۡ كَانَ هَٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا وَرَدُوهَاۖ وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٩٩ لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ ١٠٠ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ١٠١ لَا يَسۡمَعُونَ حَسِيسَهَاۖ وَهُمۡ فِي مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَٰلِدُونَ ١٠٢ لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ١٠٣

" إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ " يقول الله تعالى لأهل مكة من مشركى قريش ومن دان دينهم من عبدة الأوثان أنكم وما تعبدون من أوثان حطب جهنم وقال الضحاك حصب جهنم أى ما يرمى به فيها داخلون فيها خالدون مخلدون وهذا كقوله " وقودها الناس والحجارة " ، " لَوۡ كَانَ هَٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا وَرَدُوهَا " لو كانت هذه الأصنام والأنداد التى اتخذتموها من دون الله آلهة صحيحة لما دخلوا النار ، "وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ " هؤلاء المشركون ومعبوداتهم كلهم خالدون فى النار ، "  لَهُمۡ فِيهَا زَفِير" الزفير خروج النفس تخرج أنفساسهم من شدة العذاب وما يقع عليها كما قال " لهم فيها زفير وشهيق " ، "  وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ " يفقدون سمعهم فى جهنم جزاءا لهم كما كانوا يقفلون أسماعهم فلا تسمع الحق ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ " لما ذكر الله تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسوله وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة وأسلفوا الأعمال الصالحة فى الدنيا الذين تولاهم الله باحسانه ورحمته وآمنوا به فى الحياة الدنيا ، "  أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ" هؤلاء مبعدون عن النار لا يصيبهم عذابها فكما أحسنوا العمل فى الدنيا أحسن الله مآبهم وثوابهم ونجاهم من العذاب كقوله " هل جزاء الاحسان الا الاحسان "قال أبن عباس فى قوله " إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ" فأولئك أولياء الله يمرون على الصراط مرا هو أسرع من البرق ويبقى الكفار فيها جثيا  ، "  لَا يَسۡمَعُونَ حَسِيسَهَا " لايسمعون ما يحدث فى النار من حريقها فى الأجساد وما يصدر عنه ، "وَهُمۡ فِي مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَٰلِدُونَ " أولئك ينعمون فى الجنة خالدين فيها لهم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم ففيها ما لا عين رات ولا أذن سمعت ولاا خطر على قلب بشر ، "  لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ " الفزع الأكبر قيل الموت وقيل المراد النفخة فى الصور التى يفزع لها من فى السموات والأرض لا يصيبهم بالحسرة والحزن لما سيحدث فهم فى أمن من الله ، " وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ " تقول لهم الملائكة تبشرهم يوم معادهم اذا خرجوا من قبورهم أأملوا ما يسركم فهذا هو معاد ما وعدكم به الله من نعيم .

 يَوۡمَ نَطۡوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِۚ كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ ١٠٤

يتحدث الله عن يوم القيامة وما يحدث فيه " يَوۡمَ نَطۡوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِ " هذا اليوم تطوى فيه السماء بما فيها من الخليقة قال أبن عباس أن السجل هى الصحيفة فعلى هذا يكون معنى الكلام يوم نطوى السماء كطى السجل للكتاب أى على الكتاب بمعنى المكتوب كقوله " فلما أسلما وتله للجبين " أى على الجبين كذلك تطوى السماء ، " كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ " قال أبن عباس يهلك كل شىء كما كان أول مرة وهذا كائن لا محالة يوم يعيد الله الخلائق خلقا جديدا كما بدأهم هو القادر على اعادتهم وذلك واجب الوقوع لأنه من جملة وعد الله الذى لا يخلف ولا يبدل وهو القادر على ذلك ولهذا قال " إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ" وعن أبن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال " انكم محشورون الى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين " كما قال تعالى " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " وعن أبن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السموات بيمينه " انفرد به البخارى .

وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥ إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَٰغٗا لِّقَوۡمٍ عَٰبِدِينَ ١٠٦ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧

يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة فى الدنيا والآخرة ووراثة الأرض فى الدنيا والآخرة فقال " وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ " قضى الله بقدره فى كتبه المنزلة قال سعيد بن جبير الزبور والتوراة والانجيل والقرآن والذكر الذى فى السماء وقال مجاهد وغيره الزبور الكتب بعد الذكر والذكر أم الكتاب عند الله وقال الثورى الذكر هو اللوح المحفوظ وقال على بن أبى طلحة عن أبن عباس : أخبر الله سبحانه وتعالى فى التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ويدخلهم الجنة وهم الصالحون وقال مجاهد عن أبن عباس أرض الجنة وكما قال " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم " وكما قال " انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ، " إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَٰغٗا لِّقَوۡمٍ عَٰبِدِينَ " ان فى هذا القرآن الذى أنزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغا يبلغهم بما ارسل الله لقوم عابدين وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم ، " وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ " يخبر الله تعالى أنه جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أى أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد فى الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة وعن سعيد بن جبير عن أبن عباس قال من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة فى الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفى مما أصاب الأمم من الخسف والقذف  وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قيل يارسول الله ادع على المشركين قال " انى لم أبعث لعانا وانما بعثت رحمة " وفى الحديث الآخر عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "انما أنا رحمة مهداة"   وعن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله بعثنى رحمة مهداة بعثت برفع قوم وخفض آخرين ".

 قُلۡ إِنَّمَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٨ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٖۖ وَإِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٞ مَّا تُوعَدُونَ ١٠٩ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡتُمُونَ ١١٠ وَإِنۡ أَدۡرِي لَعَلَّهُۥ فِتۡنَةٞ لَّكُمۡ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ ١١١ قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ١١٢

" قُلۡ "يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ، " إِنَّمَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ " أن الله أوحى الى أنه لا اله الا هو اله واحد لا شريك له فهل أنتم متبعونى على ذلك مستسلمون منقادون ، " فَإِن تَوَلَّوۡاْ " فان تركوا ما دعوتهم اليه ، " فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآء " أعلمتكم ببراءتى منكم وبراءتكم منى لعلمى بذلك كما قال " واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء " أى ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء ، " وَإِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٞ مَّا تُوعَدُونَ " ان ما توعدون واقع لا محالة ولكن لا أعلم بقربه ولا ببعده ، "  إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡتُمُونَ " الله يعلم الغيب جميعه ويعلم ما يظهره للعباد وما يسرون ، يعلم الظواهر والضمائر ويعلم السر وأخفى ويعلم ما العباد عاملون فى اجهارهم واسرارهم وسيجزيهم على ذلك القليل والجليل ، " وَإِنۡ أَدۡرِي لَعَلَّهُۥ فِتۡنَةٞ لَّكُمۡ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِين" وما أدرى لعل هذا الذى أنتم فيه من متاع الدنيا وما أنتم عليه من كفر فتنة لكم أى أختبار لكم ومتاع الى حين ، "  قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّ " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك أن يكون حكمه هو وحده بالحق والعدل فهو أحكم الحاكمين بقضائه ، " وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ " والله ربنا وحده هو الذى اليه المعونة وبه النصر على ما تقولون وتصفون وتفترون من الكذب والافك وهو المستعان عليكم .

الجزء السابع عشر

تفسير سورة الحج

سورة الحج سورة مدنية الا الآيات 25 - 55 فبين مكة والمدينة من ابراز ما جاء فيها ابراز قدرة الله وآياته فى الكون وفى الخلق ومن انذار بوقوع يوم القيامة ، وتتحدث عن قيام ابراهيم عليه السلام ببناء البيت الحرام ودعوة الناس بالحج اليه بأمر ربه ولذلك سميت بسورة الحج ، عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين قال " نعم فمن لم يسجد بهما فلا يقرأهما " ةعن خالد بنمعدان رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين "  .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١ يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ ٢

"يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيم " يقول الله تعالى آمرا عباده بتقواه ومخبرا لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلالزلها وأحوالها وهى أمرعظيم عن عامر الشعبى قال هذا فى الدنيا قبل يوم القيامة وقد اختلف المفسرون فى زلزلة الساعة هل هى بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم الى عرصات القيامة أو ذلك عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من أجداثهم أى قبورهم كما قال تعالى " اذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها ---يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم " وكقوله " وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة " وقال قائلون هذه الزلزلة كائنة فى آخر عمر الدنيا وأول أحوال الساعة وهذه الزلزلة أضيفت الى الساعة لقربها منها كما يقال أشراط الساعة ونحو ذلك  وهو الأرجح لما يأتى بعده ، وزلزلة الساعة خطب جلل وحادث هائل والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع كما قال تعالى " هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا "" يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا " يوم تحدث الساعة فستكون مشاهدها أمامكم ، " تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ " تشتغل المرضعة لهول ما ترى عن أحب الناس اليها والتى هى أشفق الناس عليه عن رضيعها قبل فطامه  تدهش عنه فى حال ارضاعها ولهذا قال " كل مرضعة " ولم يقل مرضع أى فى حالة الرضاعة وليست من وظيفتها الرضاعة ، " وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا " من كانت حاملا تسقط جنينها قبل أن يتم الحمل لشدة الهول ، " وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ " ترى الناس من شدة الهول والذهول صاروا الى ما صاروا فيه دهشت عقولهم وغابت اذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى ، " وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ " وواقع الأمر أنهم ليسوا سكارى ، " وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد " لكنهم كذلك من شدة ما يقع عليهم من العذاب من هول الزلزلة .

 وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ ٣ كُتِبَ عَلَيۡهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ يُضِلُّهُۥ وَيَهۡدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ٤

يقول تعالى ذاما لمن كذب بالبعث وأنكر قدرة الله على احياء الموتى معرضا عما أنزل الله على انبيائه متبعا فى قوله وانكاره وكفره كل شيطان مريد من الانس والجن وهذا حال أهل البدع والضلال المعرضين عن الحق المتبعين للباطل يتركون ما أنزل الله على رسوله من الحق المبين ويتبعون أقوال رؤوس الضلالة الدعاة الى البدع بالأهواء والآراء ولهذا قال فى شأنهم وأشباههم " وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡم"هناك من الناس من يتبع الجدل ليبرر ضلاله وهو جاهل يتحدث بغير علم ، " وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ " يتبع كل شيطان متمرد على الله وطاعته من الانس والجن فى كفره ،  " كُتِبَ عَلَيۡه " قال مجاهد يعنى الشيطان قد كتب عليه كتابة قدرية ، " ِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ " أى اتبعه وقلده ، " فَأَنَّهُۥ يُضِلُّهُۥ وَيَهۡدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ " يضله فى الدنيا ويقوده فى الآخرة الى عذاب السعير وهو الحار المؤلم وقال السدى نزلت هذه الاية فى النضر بن الحارث فقد قال أبوكعب المكى : خبيث من خبثاء قريش قال : أخبرنا عن ربكم من ذهب هو أو من فضة هو أو من نحاس هو ؟ فتقعقعت السماء وهى الرعد فى كلام العرب فاذا قحف رأسه ساقط بين يديه ، وقال مجاهد : جاء يهودى فقال يا محمد أخبرنى عن ربك من أى شىء هو من در أم من ياقوت ؟ فجاءت صاعقة فأخذته .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡلَا يَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمٖ شَيۡٔٗاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ ٥ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّهُۥ يُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٦ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٞ لَّا رَيۡبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡعَثُ مَن فِي ٱلۡقُبُورِ ٧

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ " ذكر الله تعالى المخالف للبعث المنكر له وأقام عليه الحجة ، ذكر الله مراحل خلق الانسان وهذا من آيات الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم التى أثبتها العلم الحديث بما أوتى من أجهزة " فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَاب" خلق الانسان من تراب الخلق الأول وهوخلق آدم والعناصر المكونة لجسم الانسان هى عناصر موجودة فى الأرض ، "  ثُمَّ مِن نُّطۡفَة" مرحلة النطفة الماء الدافق نطفة الرجل وبويضة المرأة يجتمعان فى الرحم ، " ثُمَّ مِنۡ عَلَقَة" تتبع هذه المرحلة مرحلة العلق كقوله " خلق الانسان من علق " وهى نقطة حمراء ، " ثُمَّ مِن مُّضۡغَة" ثم تصير مضغة قطعة من اللحم لاشكل فيها ولا تخطيط كقطعة لحم ممضوغ وهذا قبل نفخ الروح ، " مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَة " وهى كالسقط مخلوق وغير مخلوق فاذا مضى عليها أربعون يوما وهى مضغة أرسل الله تعالى اليها ملكا فنفخ فيها الروح وسواها كما يشاء ، " لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ " بعد ذلك يمكن التبيين كما يشاء الله عز وجل من ذكر وأنثى وحسن وقبيح ، "وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى " تستقر فى الرحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها بقدر الله ثم تستقر لتستوفى فترة الحمل ، " ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا  " يخرج الطفل بعد ذلك من بطن أمه بالولادة عن أبن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " ان خلق أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين ليلة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه الملك فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح " ، "ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ " يعيش الانسان حتى يبلغ أشده فى فترة الشباب وتتكامل قوته ويصل الى عنفوان الشباب وحسن المظهر ، "وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ " ومن الناس من يموت فى حال شبابه قبل أن يبلغ سن الشيخوخة ،" وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ " ومن يبلغ الشيخوخة ويعود الى مرحلة الضعف الأخرى ليس ضعف الطفولة ولكن ضعف أرذل العمر وآخره من هرم وضعف القوة والعقل والحواس وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر ، "  لِكَيۡلَا يَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمٖ شَيۡٔٗاۚ " أى يصاب بالخرف وضعف العقل والذاكرة وهذا كقوله " الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير "وكقوله " ومن نعمره ننكسه فى الخلق "  وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد يعمر فى الاسلام أربعين سنة الا صرف الله عنه أنواعا من البلاء : الجنون والجذام والبرص فاذا بلغ خمسين سنة لين الله له الحساب فاذا بلغ ستين سنة رزقه الله الانابة اليه بما يحب فاذا بلغ سبعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمى أسير الله وأحبه أهل السماء فاذا بلغ الثمانين تقبل الله منه حسناته وتجاوز عن سيئاته فاذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمى أسير الله فى أرضه وشفع فى أهل بيته " ، " وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَة" هذا دليل آخر على قدرة الله فى الخلق وعلى احياء الموتى كما يحيى الأرض الميتة الهامدة وهى المقحلة التى لا ينبت فيها شىء وقال السدى ميتة وقال قتادة غبراء متهشمة ، " فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيج" اذا نزل المطر من عند الله اهتزت أى تحركت الأرض بالنبات وحييت بعد موتها وربت أى ارتفعت لما سكن فيها الثرى ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفنون من ثمار وزروع وأشتات النباتات ، " ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ " هذا كله من الله الخالق المدبر الفعال لما يشاء وهو حق واقع وكذلك الله هو الحق لا ريب فيه ، "  وَأَنَّهُۥ يُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ " هو الله الذى يحيى الموتى كما خلقهم وكما أحيا الأرض بعد موتها "  وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير" وهو على كل شىء قدير انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، " وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٞ لَّا رَيۡبَ فِيهَا " ويوم البعث يوم القيامة لا ريب فيه ، " وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡعَثُ مَن فِي ٱلۡقُبُورِ " وهذا كذلك دليل وبرهان على قدرة الله فى بعث من فى القبور بعد موتهم يوم القيامة .

 وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ ٨ ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ٩ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ ١٠

" وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِير" ذكر الله تعالى حال الضلال الجهال المقلدين الدعاة الى الضلال من رءوس الكفر والبدع وما أكثرهم فى عصرنا الحالى من الملحدين والضالين  هذا الصنف من الناس من المشركين الذى لايؤمن بالله بل يتجادل فى ذلك دون أن يكون له علم فهو جاهل وبلا عقل يرشده ويهديه الى الصواب ولا علم يعلمه ولا حجة يجدها فى كتاب يرشده الى النور وهذا كقوله " ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد " ، " ثَانِيَ عِطۡفِهِ" كما قال أبن عباس مستكبرمعرض عن الحق اذا دعى اليه ، وقال مجاهد وقتادة وغيرهما لاوى عطفه وهى رقبته يعنى يعرض عما يدعى اليه من الحق ويثنى رقبته استكبارا كقوله تعالى "وفى موسى اذ أرسلناه الى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه " وكما قال لقمان لأبنه " ولا تصعر خدك للناس " أى تميله عنهم استكبارا عليهم ، " لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ " هذا الكافر المجادل المعرض عن الله استكبارا يفعل ذلك واللام قال بعضهم لام العاقبة فيكون المراد أن هذا المعاند انما جبلناه على هذا الخلق الدنىء لنجعله ممن يضل عن سبيل الله ويحتمل أن تكون لام التعليل أى أنه يفعل ذلك من جدل ليبعد الناس عن سبيل الله ويضلهم عنه بعد أن ابتعد هو عنه وضل ، " لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡي " الخزى هو الاهانة والذل الذى يصيبه الله به فى الدنيا فكما أنه استكبر عن آيات الله لقاه الله المذلة فى الدنيا وعاقبه فيها قبل الاخرة لأنها أكبرهمه ومبلغ علمه،"ونُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ " ومصيره يوم القيامة أن يلقى فى النار ويذوق فيها العذاب الشديد بنارها وحريقها ، " ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ يَدَاكَ " يقال له تقريعا وتوبيخا هذا ما فعلته وقدمته فى الدنيا من صنع يداك وجنته يداك فى الآخرة ، "وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيد " وهذا جزاءا وفاقا تستحقه فالله عادل لا يظلم أحدا من عباده فهو يوفيهم أعماله " من يعمل مثقال ذرة خيرِا يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره " .

 

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ ١١ يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُۥ وَمَا لَا يَنفَعُهُۥۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ ١٢ يَدۡعُواْ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِيرُ ١٣

"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡف"  قال مجاهد وغيره " على حرف " على شك وقال غيرهم على طرف ومنه حرف الحبل أى طرفه أى دخل فى الدين على طرف فان وجد ما يحبه استقر والا انقلب وعن أبن عباس قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبى صلى الله عليه وسلم فيسلمون فاذا رجعوا الى بلادهم ، " فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦ " فان وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا ان ديننا هذا لصالح فتمسكوا به ، "وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ "الفتنة البلاء  وان وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا ما فى ديننا هذا خير فأنزل الله الآية " ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِ " ارتد كافرا  ، " خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ " هذا الذى يعبد الله على شك يخسر الدنيا والآخرة وهذا هو الخسران الواضح البين العظيم ، " يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُۥ وَمَا لَا يَنفَعُهُۥ " هذا الكافر يدعو من دون الله الأصنام والأنداد يستغيث بها ويسنصرها ويسترزقها وهى لا تنفعه ولا تضره ، " ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ " من يفعل ذلك فهذا هو الضلال الكبير الذى لا حد له ولا بعد ، " يَدۡعُواْ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦ " يتبع من ضرره فى الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها أما فى الآخرة فضرره محقق متيقن ،" لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ " بئس هذا الوثن الذى دعاه من دون الله وليا وناصرا ، " وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِير" وبئس المخالط والمعاشر .   

 إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ ١٤

لما ذكر الله أهل الضلالة الأشقياء عطف بذكر الأبرار السعداء " إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ " الله سبحانه وتعالى يدخل الذين آمنوا بقلوبهم وصدقوا ايمانهم فأفعالهم فعملوا الصالحات منةجميع أنواع القربات وتركوا المنكرات فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات فى روضات الجنات ، " إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ " لما ذكر الله تعالى أنه أضل أولئك وهدى هؤلاء هو بارادته يفعل ما يشاء لايسئل عما يفعل وهم يسألون "  فهو أحكم الحاكمين بعلمه وقدرته فهو أعلم ونحن لا نعلم .

مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ ١٥ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ ١٦

" مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ " قال أبن عباس من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم فى الدنيا والآخرة فليمدد بحبل الى سماء بيته ثم ليقطعه ويختنق به والتهكم فى المعنى أظهر وأبلغ فان المعنى من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا صلى الله عليه وسلم وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه ان كان ذلك غائظه وقال عطاء الخراسانى فلينظر هل يشفى ذلك ما يجد فى صدره من الغيظ فان الله ناصره لا محالة قال الله تعالى " انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ، " وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰت" يقول الله تعالى عن القرآن أنه أنزله بآياته الواضحة فى لفظها ومعناها حجة من الله على الناس ، " وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ "الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء وله الحكمة التامة والحجة القاطعة فى ذلك لا معقب لحكمه فعال لما يريد .

 إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبَِين َوٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ ٔ بَيۡنَهُمۡ يَوۡم ِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ١٧

" إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبَِين َوٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ ٔ بَيۡنَهُمۡ يَوۡم ِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ "  يخبر الله تعالى عن أهل الأديان المختلفة من المؤمنين ومن سواهم من اليهود والصابئين كما جاء فى سورة البقرة وسبق شرحه والنصارى والمجوس والذين أشركوا فعبدوا مع الله غيره الله يحكم بينهم بالعدل يوم القيامة فيدخل من آمن به الجنة ومن كفر به النار ، " إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ " فالله شهيد على أفعالهم حفيظ لأقوالهم عليم بسرائرهم وما تكن ضمائرهم .

أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ۩ ١٨ ۞

الله المستحق للعبادة وحده لا شريك له يسجد لعظمته كل شىء "أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ " يسجد له الملائكة فى السموات والانس والجن والحيوانات والدواب والطير وكل ما فى الأرض من مخلوقات كقوله " وان من شىء الا يسبح بحمده " ، " وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ " ويسبح لله الشمس والقمر والنجوم وذكر هذا التخصيص لأنها قد عبدت من دون الله فبين أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة كما قال " لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن " وفى المسند وسنن أبى داود والنسائى وابن ماجه فى حديث الكسوف " ان الشمس والقمر خلقان من خلق الله وانهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله عز وجل اذا تجلى لشىء من خلقه خشع له " ، " وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ" سجودهما بفىء ظلالهما عن اليمين والشمائل ، "وَٱلدَّوَآبُّ  " أى الحيوانات كلها ، "وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِ " يسجد لله طوعا مختارا متعبدا كثير من الناس عن أبى هريرة رضى الله عنه قال " اذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكى يقول ياويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلى النار " رواه مسلم ، " وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُ "وكثير من الناس امتنع وأبى واستكبر عن عبادة الله فحق عليه عذابه وعقابه ، " وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍ " من انزل الله به الذل والهوان فى الدنيا والآخرة فلن يكرمه أحد فكل عبد مخلوق لا يملك لنفسه حولا ولا قوة ، " إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ " انتهت الآيات السابقة بتقرير ارادة الله وفعله ومشيئته  ، " ان الله يفعل ما يريد " " وان الله يهدى من يريد " " ان الله يفعل ما يشاء " كل شىء من فعل وهدى هو بارادة الله ومشيئته وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن على رضى الله عنه قيل لعلى ان ههنا رجلا يتكلم فى المشيئة فقال له على : ياعبد الله خلقك الله كما يشاء أو كما شئت قال : بل كما يشاء ، قال : فيمرضك اذا شاء واذا شئت قال : بل اذا شاء ، قال : فيشفيك اذا شاء أو اذا شئت قال : اذا شاء ، قال : فيدخلك حيث شئت أوحيث يشاء قال : بل حيث يشاء ، قال : والله لو قلت غير ذلك لضربت الذى فى عيناك بالسيف " .   

هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ ١٩ يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ ٢٠ وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيدٖ ٢١ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا مِنۡ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ٢٢

" هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡ " ثبت فى الصحيح عن أبى ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية نزلت فى حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه الذين يوم برزوا فى بدر وقال قيس بن عباد هم الذين بارزوا يوم بدرعلى وحمزة وعبيدة ، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبه ، وقال قتادة اختصم المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم ن وقال المسلمون كتابنا يقضى على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء فنحن أولى بالله منكم فأفلج الله الاسلام على من ناوأه فأنزل الله الاية وقال مجاهد مثل الكافر والمؤمن اختصما فى البعث وقال عكرمة الجنة والنار ، قالت النار اجعلنى للعقوبة وقالت الجنة اجعلنى للرحمة وقول مجاهد وعطاء ان المارد بها الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها فان المؤمنين يريدون نصرة دين الله عز وجل والكافرون يريدون اطفاء نور الايمان وخذلان الحق وظهور الباطل ، " فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّار" الذين كفروا يلقون فى جهنم لهم ثياب فصلت لهم مقطعات من النار وقال سعيد بن جبير من نحاس وهو أشد الأشياء حرارة اذا حمى ، " يُصَبُّ  مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ " يصب على رءوسهم الحميم وهو الماء الحار فى غاية الحرارة وقال سعيد بن جبير هو النحاس المذاب ، " يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ " يذيب ما فى بطونهم من الشحم والأمعاء وكذلك تذوب جلودهموقال أبن عباس وسعيد تساقط وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص الى جوفه فيسلب ما فى جوفه حتى يبلغ قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان " " وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيد" جمع مقمع وهو ما يضرب به يضربون بها فيقعكل عضو على حياله فيدعون بالثبور وعن أبى سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو أنمقمعا من حديد وضع فى الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض " وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ، ولوأن دلوا من غساق يهراق فى الدنيا لأنتن أهل الدنيا " ، "  كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا مِنۡ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا " قال زيد بن أسلم بلغنى أن أهل النار فى النار لا يتنفسون وقال الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا فى الخروج ان الأرجل لمقيدة وان الأيدى لموثقة ولكن يرفعهم لهبا وتردهم مقامعها ، " وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ " وهم يهانون بالعذاب فعلا وقولا كقوله " وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون" .

إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ ٢٣ وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡحَمِيدِ ٢٤

لما أخبر تعالى عن حال أهل النار وما هم فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال وما أعد لهم من ثياب من النار ذكر حال أهل الجنة فقال " إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ " يدخل الله الذين آمنوا به وبرسله وأتبعوا الايمان بالعمل جنات تتحرق فى أكنافها وأرجائها وجوانبها وتحت أشجارها وقصورها الأنهار من لبن وخمر لم يتغير طعمه لذة للشاربين وعسل مصفى وغيرها يصرفونها حيث شاءوا وأين أرادوا  ، " يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗا "يحلون أى يتزينون فى أيديهم بالحلى من أساور ذهب ولؤلؤ كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء "  ، " وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِير" فى مقابلة ثياب أهل النار التى فصلت لهم لباس أهل الجنة من الحرير استبرقه وسندسه كما قال " عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلوا أساور من فضة ---" وفى الصحيح " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج فان من لبسه فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة "  ، " وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ " هدوا الى المكان الذى يسمعون فيه الكلام الطيب كقوله " ويلقون فيها تحية وسلاما " لا كما يهان أهل النار بالكلام الذى يوبخون به ويقرعون ، " وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡحَمِيد " ِوهدوا الى المكان الذى يحمدون فيه ربهم على ما أحسن اليهم وأنعم به وأسداه اليهم كما جاء فى الحديث الصحيح " انهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس " .

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۢ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ٢٥

يقول الله تعالى منكرا على الكفار فى صدهم المؤمنين عن اتيان المسجد الحرام وقضاء مناسكهم فيه ودعواهم أنهم أولياؤه "إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ " يقول تعالى من وصفتهم أنهم مع كفرهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام أى يصدون عن السجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به فى نفس الأمر ، " ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ " يمنعون الناس عن الوصول الى المسجد الحرام وقد جعله الله شرعا سواء لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائى عنه البعيد الدار منه ومن ذلك استواء الناس فى رباع مكة وسكناها وقال مجاهد أهل مكة وغيرهم فيه سواء فى المنازل ،  "وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۢ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيم  " يتوعد الله من يهم بأمر فظيع من المعاصى الكبار عامدا قاصدا وكما قال أبن عباس التعمد هو الظلم وقال ايضا بظلم بشرك  وقال مجاهد أن يعبد فيه غير الله وقال العوفى عن أبن عباس بظلم هو أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك من اساءة أو قتل فتظلم من لا يظلمك وتقتل من لا يريد قتلك فاذا فعل ذلك فقد وجب عليه العذاب الأليم وقال مجاهد بظلم يعمل فيه عملا سيئا وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادى فيه والشر اذا كلن عازما عليه وان لم يوقعه .  

وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ۡٔ ٱلسُّجُودِ ٢٦ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ٢٧

هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله وأشرك به من قريش فى البقعة التى أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له " وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ " يقول تعالى أنه بوأ ابراهيم مكان البيت أى أرشده اليه وسلمه له وأذن له فى بنائه ، " أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيٗا " أبنه على اسمى وحدى لا تشرك فيه أحد غيرى ، " وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ " طهر بيتى من الشرك أى اجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له فالطائف به معروف وهو أخص العبادات عند البيت فانه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها ، " وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ۡٔ ٱلسُّجُودِ " القائمين فى الصلاة الذين يركعون ويسجدون فقرن الطواف بالصلاة لأنهما لا يشرعان الا مختصين بالبيت فالطواف عنده والصلاة اليه فى غالب الأحوال الا ما استثنى من الصلاة عند اشتباه القبلة وفى الحرب وفى النافلة وفى السفر ، " وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ " ناد فى الناس داعيا لهم الى الحج الى هذا البيت الذى أمرناك ببنائه ، ذكر أن ابراهيم عليه السلام قال : كيف أبلغ الناس وصوتى لا ينفذهم  فقال : ناد وعلينا البلاغ " ، " يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِر "  يأتوا اليه ماشيا وراكبا ويستدل من هذه الآية الى أن الحج ماشيا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبا لأنه قدمهم فى الذكر والذى عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل أقتداءا برسول الله صلى الله عليه وسلم فانه حج راكبا مع كمال قوته ، " يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق " يأتوا من كل مكان بعيد والقريب أولى  وهذه الآية كقوله تعالى اخبارا عن ابراهيم عليه السلام حيث قال فى دعائه " فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم " فليس أحد من أهل الاسلام الا وهو يحن الى رؤية الكعبة والطواف والناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار .

لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ ٢٨ ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ ٢٩

" لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ " عندما يأتون الى الحج فانهم كما قال أبن عباس يجدوا منافع الدنيا والآخرة : أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع التجارات والبدن والذبائح وهذا فى قوله تعالى " وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ " قال ابن عباس الأيام المعلومات أيام العشر من ذى الحجة وعن أبن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب اليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " وفى سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا العشر ، وهذا العشر مشتمل على يوم عرفه الذى ثبت فى صحيح مسلم عن أبى قتادة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال : أحتسب على الله أن يكفر به السنة الماضية والآتية " ويشمل على يوم النحر الذى هو يوم الحج الأكبر ، وقد ورد فى الحديث أنه افضل الأيام عند الله وبالجملة فهذا العشر قد قيل أنها أفضل أيام السنة وفضلها كثير على عشر رمضان الأخير لأن هذا يشرع فيه ما يشرع فى ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره ، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فريضة الحج فيه وقيل ذلك أفضل لاشتماله على ليلة القدر والتى هى خير من ألف شهر وتوسط آخرون فقالوا أيام هذا أفضل وليالى ذلك أفضل وبهذا يجتمع شمل الأدلة وعن أبن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال المعلومات يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ، " عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ " يعنى ذكر الله عند ذبح بهيمة الأنعام وهى الابل والبقر والغنم كما فصلها تعالى فى سورة الأنعام ،" فَكُلُواْ مِنۡهَا " من باب الرخصة أو الاستحباب أن يأكل المضحى من الأضحية وليس وجوب الأكل كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ فأكل من لحمها وحسا من مرقها وقال سفيان الثورى عن منصور عن أبيه أن المشركين كانوا لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن لم يشأ لم يأكل ، "وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ " الأضحية تقسم ثلاثة أجزاء ثلث لصاحبها وأهله وثلث يهديه وثلث يتصدق به كقوله تعالى " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " والبائس قال عكرمة هو المضطر الذى عليه البؤس الفقير المتعفف وقال مجاهد هو الذى لا يبسط يده ، " ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ " قال أبن عباس التفث المناسك أى ليتموا المناسك وقال أبن عباس أيضا هو وضع الاحرام عن حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظافر ونحوذلك، " وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ " قال أبن عباس يوفوا نحر ما نذر من أمر البدن وقال مجاهد نذرالحج والهدى وما نذر الانسان من شىء يكون فى الحج وقال أيضا الذبائح وقال عكرمة حجهم أى يوفوه ويتموه وقال سفيان نذور الحج فكل من دخل الحج فعليه من العمل فيه الطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة والتوجه الى المزدلفة ورمى الجمار ، " وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ "وعن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انما سمى البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار "قال مجاهد يعنى الطواف الواجب يوم النحر وقال أبن عباس أتقرا سورة الحج يقول تعالى " وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ " فان آخر المناسك الطواف بالبيت العتيق وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لما رجع الى منى يوم النحر بدأ برمى الجمرة فرماها بسبح حصيات ثم نحر هديه وحلق رأسه ثم أفاض فطاف بالبيت وفى الصحيحين عن أبن عباس قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف الا انه خفف عن المرأة الحائض  .

 ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ ٣٠ حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ ٣١

" ذَٰلِكَ " يقول تعالى هذا الذى أمرنا به من الطاعات فى أداء المناسك وما لفاعليها من الثواب الجزيل  ، "وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ " قال مجاهد الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها أى ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيما فى نفسه ، " فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِ "  فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل فكما على فعل الطاعات ثواب كبير وأجرجزيل كذلك على ترك المحرمات واجتناب المحظورات  ،  " وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ " أحللنا لكم جميع الأنعام الا ما يذكر لكم من تحريم مثل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموكوظة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع الا ما زكى ، " فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ " يدعو الله تعالى الى الابتعاد عن الرجس الذى هو الأوثان ، " وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ " ويدعو الله تعالى كذلك الى الابتعاد عن قول الزور وشهادة الزور وقرن الشرك بالله بقول الزور كقوله تعالى " قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " ومنه شهادة الزور وفى الصحيحين عن أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " قلنا بلى يا رسول الله قال : الاشراك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس فقال - ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت " ،  " حُنَفَآءَ لِلَّهِ  " مخلصين الدين لله منحرفين عن الباطل قصدا الى الحق ، " غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦ " بعيدين عن الشرك بالله ، " وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ " ضرب الله للمشرك مثلا فى ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى فهو كمن سقط من السماء فتقطعه الطيور فى الهواء ، " أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيق" أو كمن يسقط بفعل الريح وتأخذه الى مكان بعيد مهلك لمن هوى فيه ولهذا جاء فى حديث البراء أن الكافر اذا توفته ملائكة الموت وصعدوا بروحه الى السماء فلا تفتح له أبواب السماء بل تطرح روحه من هناك ثم قرأ هذه الآية .  

ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ ٣٢ لَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى ٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ ٣٣

" ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ " من يعظم ويجل أوامر الله قال أبن عباس البدن من شعائر الله وقال تعظيمها استسمانها واستحسانها أوكما قال :الاستسمان والاستحسان والاستعظام وعن سهل قال : كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون وعن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربع لا تجوز فى الأضاحى العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسيرة التى لا تنفى " وهذه العيوب تنقص اللحم لضعفها وعجزها عن استكمال الرعى ، " فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ " من يفعل ذلك فهذا من كان قلبه عامرا بتقوى الله ، " لَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى " لكم فى البدن منافع من لبنها وصوفها وأوبارها وأشعارها وركوبها الى أجل مسمى ما لم تسم بدنا أى قبل أن تخصص وتفرض لتكون بدنة أى أضحية  وقال مجاهد الركوب واللبن والولد فاذا سميت بدنة أو هديا ذهب ذلك كله وقال آخرون بل له أن ينتفع بها وان كانت هديا اذا احتاج الى ذلك ، " ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى ٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ " محل الهدى وانتهاؤه الى البيت العتيق وهو الكعبة كما قال تعالى " هديا بالغ الكعبة " وقال أبن عباس كل من طاف بالبيت فقد حل .

وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ ٣٤ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِيمِي ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣٥

" وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا " يخبر الله تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك واراقة الدماء على اسم الله مشروعا فى جميع الملل قال عكرمة جعلنا لهم ذبحا وقال أبن عباس جعلنا لهم عيدا وقال زيد بن أسلم مكة لم يجعل الله لأمة قط  منسكا غيرها ، " لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ " يذكروا اسم الله عند ذبحها أى على ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام كما ثبت فى الصحيحين عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين فسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما " وعن زيد بن أرقم قال قلت أو قالوا يا رسول الله ما هذه الأضاحى ؟ قال " سنة أبيكم ابراهيم " قالوا ما لنا منها ؟ قال " بكل شعرة حسنة قال فالصوف ؟ قال " بكل شعرة من الصوف حسنة " ، " فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْ" معبودكم الله واحد لا شريك له وان تنوعت شرائع الأنبياء ونسخ بعضها بعضا فالجميع يدعون الى عبادة الله وحده لا شريك له فأخلصوا واستسلموا لحكمته وطاعته كما قال " وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون"  ، " وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ " يبعث الله بالبشرى من الجنة وحسن الجزاء من عنده قال مجاهد المخبتين المطمئنين وقال السدى الوجلين وقال عمرو بن ادريس : المخبتين الذين لا يظلمون واذا ظلموا لم ينتصروا وقال الثورى المطمئنين الراضين بقضاء الله المستسلمين له ، " ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ" يبين الله من هم المخبتين هم من اذا ذكر الله خافت منه قلوبهم وخشعت لذكره ، " وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمۡ" الذين يصبرون على ما يقع بهم من مصائب وقال الحسن البصرى والله لنصبرن أو لنهلكن ، " وَٱلۡمُقِيمِي ٱلصَّلَوٰةِ " الذين يقيمون الصلاة يؤدونها خير أداء بحركاتها وسكناتها  من ركوع وسجود ويداومون على أدائها لا ينقطعون عنها فى أوقاتها ، " وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ " وينفقون مما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأقاربهم وفقرائهم ومحاويجهم ويحسنون الى الخلق مع محافظتهم على حدود الله .

وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٣٦

" وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ "  يقول الله ممتنا على عبيده فيما خلق لهم من البدن وجعلها من شعائره وهى أنهجعلها تهدى الى بيته الحرام بل هى أفضل ما يهدى اليه كما قال تعالى " لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " قالعطاء البدنالبقرة والبعير وقال مجاهد وانما البدن من الابل أما اطلاق البدنة على البعير فمتفق عليه واختلفوا فى اطلاق البدنة على البقرة على قولين أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما ثبت فى الحديث عنمسلم من رواية جابر بن عبد الله قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك فى الأضاحى البدنة عن يبعة والبقرة عن سبعة " وقال اسحاق بن راهويه وغيره بل تجزىء البقرة والبعير عن عشرة ، "  لَكُمۡ فِيهَا خَيۡر" لكم فيها  ثواب فى الدار الآخرة وقال مجاهد أجر ومنافع وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب الى الله من اهراق دم وانها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وان الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا " وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنفقت الورق فى شىء أفضل من نحيرة فى يوم عيد" وعنجابر بن عبد الله قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الضحى فلما انصرف اتى بكبش فذبحه فقال "بسم الله واللهأكبر هذا عنى وعمن لم يضح من امتى " وعن أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا ضحى اشترى كبشيب سمينين أقرنين أملحين فاذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم فى الصلاة فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول " اللهم هذا عن أمتى جميعها من شهد لك بالتوحيد وشهد لى بالبلاغ" ثم يؤتى بالآخر فيذبحه ثم يقول " هذا عن محمد وآل نحمد " فيعطيهما جميعا للمساكين ويأهل هو وأهله منهما " ، " وفَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّ " قال طاوس والحسن وغيرهما اذكروا اسم الله عليها صواف أى خالصة لله عز وجل وقال عبد الرحمن بن زيد ليس فيها شرك كشرك الجاهلية وقال أبن عباس قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى يقول باسم الله والله أكبر لا اله الا الله اللهم منك ولك وفى الصحيحين عن أبن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنة وهو ينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم  ، " فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا " قال مجاهد يعنى سقطت الى الأرض وقال أبن عباس اذا نحرت فانه لا يجوز الأكل من البدنة حتى تموت وتبر حركتها ويؤيد ذلكحديث شداد بن أوس فى صحيح مسلم " ان الله كتب الاحسان على كل شىء فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة واذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " وعن أبى وافد الليثى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة " ، " فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرّ " هذا أمر باباحة الأكل منها وقال مالك يستحب ذلك واختلفوا فى القانع والمعتر فقال أبن عباس القانع المستغنى بما اعطيته وهو فى بيته والمعتر الذى يتعرض لك ويلم بك أن تعطيه من اللحم ولا يسأل وقال أبن عباس القانع المتعفف والمعتر السائل وقال مجاهد القانع جارك الغنى الذى يبصر ما يدخل بيتك والمعتر الذى يعتزل من الناس وقد احتج بهذه الآية من ذهب من العلماء الى أن الأضحية تجزأ ثلاثة أجزاء فثلث لصاحبها ياكله وثلث يهديه لأصحابه وثلث يتصدق به على الفقراء عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أول ما نبدأ به فى يومنا هذا أن نصلى ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد اصاب سنتنا ومن ذبح قبل الصلاة فانما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك فى شىء " وقال جبير بنمطعن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيام التشريق كلها ذبح " ، " كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ " يقول تعالى من أجل هذا ذللناها لكم وجعلناها منقادة لكم خاضعة ان شئتم ركبتم وان شئتم حلبتم وان شئتم ذبحتم فهى مسخرة وتستوجب الشكر من الله .

لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٣٧ ۞

عن أبن جريج قال كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الابل ودمائها فقال أصحاب رسو الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق أن ننضح فأنزل الله " لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡ"  يقول تعالى انما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها فانه الخالق الرازق لا يناله شىء من لحومها ولا دمائها فانه تعالى هوالغنى عما سواه وقد كانوا فى جاهليتهم اذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم نضحوا عليها من دمائها والمعنى يتقبل الله ذلك ويجزى عليه كما جاء فى الصحيح " ان الله لا ينظر الى صوركم ولا الى ألوانكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم " وجاء فى الحديث " ان الصدقة تقع فى يد الرحمن قبل أن تقع فى يد السائل وان الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع الى الأرض " ، " كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ " من أجل ذلك سخر لكم البدن ، " لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ " لتعظموا الله كما هداكم لدينه وشرعه وما يحبه ويرضاه ونهاكم عن فعل ما يكرهه ويأباه ، "وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ " وبشر يامحمد المحسنين فى عملهم القائمين بحدود الله المتبعين ما شرع لهم المصدقين الرسول فيما أبلغهم وجاءهم به من عند ربه عز وجل ،  قال الشافعى وأحمد لا تجب الأضحية بل هى مستحبة لما جاء فى الحديث " ليس فى المال حق سوى الزكاة " وقد تقدم أنه عليه السلام ضحى عن أمته فأسقط ذلك وجوبا عنهم والذى عليه الجمهور انما يجزىء الثنى من الابل والبقر والمعز أو الجذع من الضأن ، فأما الثنى من الابل فهو الذى له خمس سنين ودخل فى السادسة ، ومن البقر ماله سنتان ودخل فى الثالثة وقيل ماله ثلاث ودخل فى الرابعة ومن المعز ماله سنتان ، وأما الجذع من الضأن فقيل ماله سنة وقيل عشرة أشهر وقيل ثمانية وقيل ستة أشهر وهو أقل ما قيل فى سنه .

إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ ٣٨

" إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ " يخبر الله تعالى أنه يدفع عن عباده الذين آمنوا به وتوكلوا عليه وأنابوا اليه شر الأشرار وكيد الفجار ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم كما قال تعالى " أليس الله بكاف عبده " وكما قال " ومن يتوكل على الله فهوحسبه ان الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرا " ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ " الله لا يحب من عباده من اتصف بالخيانة فى العهود والمواثيق لا يفى بما قال ، والكفر الجحد للنعم فلا يعترف بها .  

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠

قال أبن عباس نزلت فى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين أخرجوا من مكة وقال غير واحد من السلف هذه أول آية نزلت فى الجهاد واستدل بعضهم بهذه الآية على أن السورة مدنية وعن أبن عباس قال : لما خرج النبى صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبوبكر رضى الله عنه أخرجوا نبيهم انا لله وانا اليه راجعون ليهلكن ، قال أبن عباس فأنزل الله عزوجل " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ " قال أبو بكررضى الله عنه فعرفت أنه سيكون قتال والمعنى أذن الله تعالى للذين يقاتلهم المشركون أن المشركين ألحقوا بهم الظلم والله قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ولكن يريد أن يبذلوا جهدهم فى طاعته كما قال " فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصرمنهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض " وكم قال" قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم "  ، " ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ " قال أبن عباس يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه أخرجوا من مكة الى المدينة بغير حق ، " إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ " أى ما كان لهم الى قومهم اساءة ولا كان لهمذنب الا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له  الذين تسبب المشركون فى اخراجهم من مكة فقد بغى المشركون وأخرجوا النبى صلى الله عليه وسلم من بين أضهرهم فقد هموا بقتله وشردوا أصحابه فذهب طائفة منهم الى الحبشة وآخرون الى المدينة ، فلما استقر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وصارهناك دار اسلام ومعقل للمسلمين يلجؤن اليه شرع الله جهاد الأعداء فكانت هذه الآية أول ما نزل فى ذلك ، " وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡض" لولا أن الله يدفع بقوم عن قوم ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب لفسدت الأرض ولأهلك القوى الضعيف ، "  لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ " الصوامع المعابد الصغار للرهبان كما قال أبن عباس وقال قتادة هى معابد الصابئين وقال مقاتل بن حيان هى البيوت التى على الطرق , " وَبِيَع" وهى أوسع منها وأكثر عابدين فيها وهى للنصارى أيضا ، " وَصَلَوَٰت" قال أبن عباس الكنائس كنائس النصارى وقال قتادة كنائس اليهود وهم يسمونها صلوات وقال أبو العالية الصلوات معابد الصابئين وعن مجاهد الصلوات مساجد لأهل الكتاب ولأهل الاسلام بالطرق " وَمَسَٰجِدُ " واما المساجد فهى للمسلمين ، " يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗا " قيل الضمير " فيها " عائد الى المساجد لأنها أقرب المذكورات  وقال الضحاك الجميع يذكر فيها اسم الله كثيرا ، وقال أبن جرير الصواب لهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود ومساجد المسلمين التى يذكر فيها اسم الله كثيرا لأن هذا هو المستعمل المعروف فى كلام العرب وقال بعض العلماء هذا ترق من الأقل الى الأكثر الى أن انتهى الى المساجد وهى أكثر عمارا وأكثر عبادا وهم ذوو القصد الصحيح ، " وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ " يؤكد الله تعالى بلام التأكيد نصره لمن هب لنصرته ونصرة دينه ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " وصف الله نفسه بالقوة والعزة فبقوته خلق كل شىء فقدره تقديرا وبعزته لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب بل كل شىء ذليل لديه فقير اليه ومن كان القوى العزيز ناصره فهو المنصور وعدوه المقهور كما قال تعال " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون " وكما قال" كتب الله لأغلبن أنا ورسلى ان الله لقوى عزيز " .

ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١

قال عثمان بن عفان رضى الله عنه فينا نزلت " ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ "  أخرجنا من ديارنا بغير حق الا أن قلنا ربنا الله ثم مكنا فى الآرض فأقمنا الصلاة وآتينا الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر ولله عاقبة الأمور فهى لى ولأصحابى وقال أبو العالية هم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، " وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ " وعند الله ثواب ما صنعوا وحسن العاقبة لهم فى جنة النعيم . وهذا كقوله" ولله عاقبة الأمور"  .

وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَعَادٞ وَثَمُودُ ٤٢ وَقَوۡمُ إِبۡرَٰهِيمَ وَقَوۡمُ لُوطٖ ٤٣ وَأَصۡحَٰبُ مَدۡيَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰۖ فَأَمۡلَيۡتُ لِلۡكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ ٤٤ فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَةٖ وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ ٤٥ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ ٤٦

" وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَعَادٞ وَثَمُودُ " يقول الله تعالى مسليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من خالفه من قومه ان يكذبك هؤلاء المشركون من قريش وغيرهم فقد سبقهم بالتكذيب للرسل من قبلك قوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود ، " وَقَوۡمُ إِبۡرَٰهِيمَ وَقَوۡمُ لُوطٖ " وكذلك كذب قوم ابراهيم وقوم لوط فلم يتبعوهم وخرجا من بين قومهما ، " وَأَصۡحَٰبُ مَدۡيَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ " وكان من المكذبين أصحاب مدين وكذب موسى من جانب فرعون وقومه ، " فَأَمۡلَيۡتُ لِلۡكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ " يقول تعالى فأمهلت هؤلاء الكافرين وأخرتهم وأخذتهم أخذ عزيز مقتدر فكيف كان انكارى عليهم ومعاقبتى لهم وفى الصحيحين عن أبى موسى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان الله ليملى للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ " وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى وهى ظالمة ان أخذه أليم شديد " ، " فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَة" يقول تعالى كم من قرية أهلكتها وهى مكذبة لرسلها ، " فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا " العروش سقوف المنازل أى قد خربت منازلها عاليها سافلها وتعطلت حواضرها ، " وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَة" وآبارهم وهى عصب حياتهم أصبحت لا يستقى منها ولايردها أحد بعد كثرة وارديها والازدحام عليها ، " وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ "  وانهدمت القصور التى كانت معمرة مبنية على أحس البناء  مرتفعة حصينة منيعة فانه لم يحم أهلها شدة البناء ولا ارتفاعها ولا احكامها ولا حصانتها عن حلول بأس الله بهم كقولهتعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولوكنتم فى بروج مشيدة " ،" أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ" يدعو الله الكفار من أهل مكة أن يفكروا فيما حدث لمن قبلهم بالسير فى الأرض وتتبع ومعاينة ديارهم وآثارهم  وما حدث لهم فينظروا ماحل بهم من النقم والنكال  ، " فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَا " فيعتبرون بما حدث وتكون قلوبهم وعقولهم تفهم ماحدث لهم وتعى آذانهم ما تسمعه مما حاق بهم من العذاب ، " فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ " ولكن ليس العمى عمى بصر ولكن عمى بصيرة ان كانت القوة الباصرة سليمة فانا لا تنفذ الى العبر ولا تدرى ما الخبر .

وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ ٤٧ وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَمۡلَيۡتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ ثُمَّ أَخَذۡتُهَا وَإِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ ٤٨

" وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ " يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر يستعجلون وقوع ما وعد الله به من العذاب كقوله " واذ قالوا ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " ، " وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَه " والله لن يخلف ما وعد به من اقامة الساعة والانتقام من أعدائه والاكرام لأوليائه ، " وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ  " الله تعالى لا يعجل فان مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة الى حلمه لعلمه بأنه على الانتقام قادر وأنه لا يفوته شىء وان أجل وأنظر وأملى وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام " ، " وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَمۡلَيۡتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ ثُمَّ أَخَذۡتُهَا وَإِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ " يقول تعالى وكم من القرى التى أمهلتها مع ما هى فيه من الكفر والتعدى على حدود الله وأنزلت بها العذاب وأهلكتها فانا الذى الى المرجع فى الآخرة والى مصير العباد .

قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَا۠ لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٤٩ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٥٠ وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ٥١

" قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَا۠ لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِين" يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حين طلب منه الكفار وقوع العذاب واستعجلوه قل لهم انما أرسلنى الله اليكم أيها الناس نذيرا بين يدى عذاب شديد وليس الى من حسابكم من شىء أمركم الى الله ان شاء عجل لكم العذاب وان شاء أخره عنكم وان شاء تاب على من يتوب اليه وان شاء أضل من كتب عليه الشقاوة وهو الفعال لما يشاء ويريد ويختار ، " فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيم" فالذين آمنت قلوبهم وصدقوا ايمانهم بعملهم لهم من الله مغفرة لما سلف من سيئاتهم ومجازاة حسنة على القليل من حسناتهم والرزق الكريم هو الجنة ونعيمها ، " وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ "والذين يثبطون الناس عن متابعة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، " أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ " هؤلاء هم من يدخلون جهنم وهم الذين يعذبون بالنار الحارة الموجعة الشديد عذابها ونكالها كقوله تعالى " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ". 

وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٥٢ لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۢ بَعِيدٖ ٥٣ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٤

ذكر كثير من المفسرين  هنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من المهاجرين الى أرض الحبشة ظنا منهم أن مشركى قريش قد أسلموا وقد ساقها البغوى فى تفسيره مجموعة من كلام أبن عباس ومحمد بن كعب القرظى وغيرهما بنحو من ذلك ثم سأل ههنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ثم حكى أجوبة من الناس من ألطفها أن الشيطان أوقع فى مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك فى نفس الأمر بل انما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما قيل ،عن أبن شهاب قال : أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ،ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذى يذكر آلهتنا من الشتم والشر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ماناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنه ضلالهم فكان يتمنى هداهم فلما أنزل الله سورة النجم قال " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" فألقى الشيطان كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال  " وانهن لهن الغرانيق العلى ،  وان شفاعتهن لهى التى ترجى " وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان فى قلب كل مشرك بمكة  ، وعن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم فلما بلغ هذا الموضع " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" فألقى الشيطان على لسانه من الكلام الذى بلغ مسامع المشركين " تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن ترجى " قالوا ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فأنزل الله عز وجل هذه الآية التى تبطل ما قاله الشيطان  ،  وقال قتادة كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى عند المقام اذ نعس فألقى الشيطان على لسانه " وان شفاعتها لترجى ، وانها مع الغرانيق العلى " فحفظها المشركون واجترأ الشيطان أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قرأها فذلت بها ألسنتهم  وتباشروا بها وقالوا ان محمدا قد رجع الى دينه الأول ودين قومه ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلاوته آخر سورة النجم وبها سجدة سجد وسجد كل من حضره من مسلم أومشرك فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم فى السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير ايمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الذى ألقى الشيطان فى مسامع المشركين فاطمأنت أنفسهم , واما المشركون فسجدوا لما حدثهم به الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها فى السورة فسجد لتعظيم آلهتهم ، ففشى ذلك وأظهره الشيطان حتى بلغ أرض الحبشة ومن بها من المسلمين - عثمان بن مظعون وأصحابه وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا فدحر الله الشيطان وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته وحفظ رسوله صلى الله عليه وسلم من الفرية " فقال " وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم" هذا فيه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يقول تعالى هذا قد أصاب مثله من قبلك من المرسلين والأنبياء اذا حدث ألقى الشيطان فى حديثه فيبطل الله ما يلقى الشيطان وقال مجاهد " اذا تمنى " اذا قال ويقال أمنيته قراءته وقال البغوى وأكثر المفسرون معنى تمنى أى تلا وقرأ كتاب الله " ألقى الشيطان فى أمنيته " أى فى تلاوته " فينسخ الله ما يلقى الشيطان " حقيقة النسخ لغة الازالة والرفع وقال أبن عباس أى فيبطل الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان وقال الضحاك نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته ،  أى يخبر الله ما وقع من أمنية أى من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فعله الشيطان من القاء كلمات منه للمشركين وما فعلوه ولكن الله نسخ وفضح ما فعل الشيطان وما قال وأن آياته التى ينزلها محكمة لا لبث فيها فهو الذى يعلم كل شىء بما يكون من الأمور والحوادث لا تخفى عليه خافية وحكيم فى تقديره وخلقه وأمره له الحكمة التامة والحجة البالغة ، "  لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض وَٱلۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم "الذين فى قلوبهم مرض هم المنافقون والقاسية قلوبهم هم المشركون وقال مقاتل  أبن حيان هم اليهود  الله جعل ما قاله الشيطان وحدث به فيه شك وشرك وكفر ونفاق لمن كان فى قلبه نفاق وضعف ايمان من المنافقين ومن قسى قلبه من المشركين كالمشركين حين فرحوا بذلك واعتقدوا أنه صحيح من عند الله وانما كان من الشيطان ، " وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۢ بَعِيد" هؤلاء من المنافقين والكفار فى ضلال ومخالفة وعناد بعيدين عن الحق والصواب  ، " وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وليعلم الذين أوتوا العلم النافع الذين يفرقون بين الحق والباطل والمؤمنون بالله ورسوله أن ما أوحيناه اليك هو الحق من ربك الذى أنزله بعلمه وحفظه وحرسه أن يختلط به غيره بل هو كتاب عزيز " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد  ، " فَيُؤۡمِنُواْ بِهِ" يصدقوه وينقادوا اليه ، " فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡ " تخضع له قلوبهم وتذل له  ، "وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم " والله يهدى الذين آمنوا الى الطريق القويم فى الدنيا والآخرة ، أما فى الدنيا فيرشدهم الى الحق واتباعه ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه وفى الآخرة يهديهم الصراط المستقيم الموصل الى الدرجات العلى من الجنات ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات من النار .

تعليق

أختلف فى قصة الغرانيق بين المفسرين فمنهم من أنكرها وله حجته ومنهم من أقر بها وله حجته ، ولكن فى كلتا الحالتين فانها لا تؤثر على صلب العقيدة ، بل كانت حدثا مر من الأحداث التى تعرضت لها الدعوة الاسلامية ، ويمكننا تناول هذا فى أسطر قليلة لجهل الكثيرين بذلك .

الغرانيق هى طيور جميلة الشكل بيضاء محببة شبه المشركون الأصنام بالغرانيق وأطلقوا عليها الغرانيق لما كان لها من مكانة عندهم وحب لديهم فهى آلهتهم التى حاربوا الدعوة الاسلامية من أجلها وحورب الأنبياء بسبب عبادتها كما حدث مع ابراهيم عليه السلام .

من أنكرها قال أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم من الشيطان ولا يمكن أن يتدخل فى الوحى مطلقا .

ومن أورد قصة الغرانيق وناقشها بالحجة له حجته فالبغوى كما أسلفنا أورد فى تفسيره مجموعة من كلام أبن عباس ومحمد بن كعب القرظى وغيرهما فى هذه القصة  ثم سأل ههنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ثم حكى أجوبة عن الناس ألطفها أن الشيطان أوقع فى مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك فى نفس الأمر بل انما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم ، هذا رأى صحيح فالشيطان تدخل فى كثير من المواقف وتمثل للمشركين فى صورة شخص وهو له التشكل وأشار عليهم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اجتمعوا لينظروا فى شأنه قبل الهجرة وبعد وفاة عمه أبى طالب ، فهو لم يتوارد على المسلمين وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل سمع وأضاف كلاما من عنده ، والجن منهم الصالح ومنهم الكافر مثل البشر ، وهناك سورة فى القرآن تروى كيف يستمعون القرآن وهم من حولنا فلو فعلوا ما فعلوه فليس مستغرب وهذا من حربهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضهم عليه ، كما حرضوا على قتله واقترحوا ذلك على المشركين .

وما ورد فى هذه الآيات رد من الله على من قال بهذه القصة " فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم " فالله يحفظ التنزيل من عنده وينقله جبريل عليه السلام ويتلوه على الرسول صلى الله عليه وسلم وكان دائمل ما يراجعه عليه ، وهذا الحديث فتنة " فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفى شقاق بعيد " فهو لا يؤثر على عقيدة المسلم المؤمن بربه " وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم " ، بل من يتمسك به ويثير الشبهات هم المنافقون والكافرون حلفاء الشيطان .

وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ ٥٥ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ٥٦ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ٥٧

" وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ " يقول الله تعالى مخبرا عن الكفار أنهم لايزالون فى شك من هذا القرآن ، "حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً " لايزالون كذلك حتى يأتيهم يوم القيامة فجأة وقال قتادة بغت القوم أمر الله أى فاجأهم وما أخذ الله قوما قط الا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله ، " أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ " قال مجاهد وعكرمة هو يوم القيامة لا ليل له الذى يقع فيه العذاب الشديد المهلك الذى لا يبقى ولا يزر كقوله ريح عقيم أى مهلكة فيها عذاب شديد ، " ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ " يوم القيامة الملك لله وحده هو الباقى الحى القيوم يحكم بين العباد وهذا كقوله" مالك يوم الدين " وكقوله " الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا " ، " فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ" ففى يوم الحساب فان الذين آمنت قلوبهم وصدقوا بالله ورسوله وعملوا بمقتضى ما علموا وتوافق أفعالهم أقوالهم فهم فى جنات النعيم المقيم الذى لا يحول ولا يزول ولا يبيد ، " وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِين " والذين كفرت قلوبهم بالحق وجحدته وكذبوا به وخالفوا الرسل واستكبروا عن اتباعهم لهم عذاب مذل مقابل استكبارهم وابائهم عن الحق كقوله تعالى " ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين " أى صاغرين .

وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٥٨ لَيُدۡخِلَنَّهُم مُّدۡخَلٗا يَرۡضَوۡنَهُۥۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٞ ٥٩ ۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ ٦٠

" وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ " يخبر الله تعالى عمن خرج مهاجرا فى سبيل الله ابتغاء مرضاته وطلبا لما عنده وترك الأوطان والأهلين والخلان وفارق بلاده فى الله ورسوله ونصرة لدين الله ثم قتلوا أى فى الجهاد أوماتوا حتف أنفهم من غير قتال على فرشهم فقد حصلوا على الأجر الجزيل والثناء الجميل كما قال تعالى " ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ، " لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ " ليجرين الله عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم ، " وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ " والله تعالى أفضل وأكرم وأجود من يرزق لا رازق سواه ،" لَيُدۡخِلَنَّهُم مُّدۡخَلٗا يَرۡضَوۡنَهُ " يدخلهم الله الجنة وهى رضا النفوس ألا ان سلعة الله غالية ألا ان سلعة الله هى الجنة ، " وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيم" والله عليم بمن يهاجر ويجاهد فى سبيله وبمن يستحق ذلك ويحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب ويكفرها عنهم بهجرتهم اليه وتوكلهم عليه ، فأما من قتل فى سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر فانه حى عند ربه يرزق ، " كما قال تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " قال سلمان الفارسى رضى الله عنه انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من مات مرابطا أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين واقرءوا ما شئتم "وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٥٨ لَيُدۡخِلَنَّهُم مُّدۡخَلٗا يَرۡضَوۡنَهُۥۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيم " ، " ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ " ذكر مقاتل بن حيان وأبن جرير أنها نزلت فى سرية من الصحابة لقوا جمعا من المشركين فى شهر محرم فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم فى الشهر الحرام فأبى المشركون الا قتالهم وبغوا عليهم فقاتلهم المسلمون فنصرهم الله عليهم ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُور " الله عفى عنهم لما فعلوه من قتال المشركين فى الشهر الحرام وغفر لهم ذنوبهم وما بدر منهم من خطأ غير متعمد .

 ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ ٦١ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ ٦٢

" ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ " يقول الله تعالى منبها على أنه القادر ومعنى ايلاجه الليل فى النهار والنهار فى الليل ادخاله من هذا فى هذا فتارة يطول الليل ويقصر النهار كما فى الشتاء وتارة يطول النهار ةيقصر الليل كما فى الصيف ، " وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِير " الله سميع بأقوال عباده بصير بهم لا يخفى عليه منهم خافية فى أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم وهو المتصرف فى الوجود الحاكم الذى لا معقب لحكمه ، "  ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ " الله هو الاله الحق الذى لا تنبغى العبادة الا له لأنه ذو السلطان العظيم الذى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وكل شىء فقير اليه ، "  وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ " ما يدعون من الأصنام والأنداد والأوثان وكل ما عبد من دون الله تعالى فهو باطل لأنه لا يملك نفعا ولا ضرا ، " وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ  " الله هو العلى الذى لا أعلى منه  الكبير الذى لاأكبر منه تعالى وتقدس وتنزه وكل شىء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا اله الا هو ولا رب سواه .

أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ ٦٣ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ٦٤ أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٦٥ وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ ٦٦

" أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةً " من الدلالات على قدرة الله وعظيم سلطانه أنه يرسل الرياح فتثير سحابا فتمطر على الأرض على الأرض الجرز التى لا نبات فيها وهى هامدة يابسة سوداء ممحلة فتصبح خضراء بعد يباسها ومحولها والفاء فاء التعقيب ،" إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير" والله يعلم ما فى أرجاء الأرض وأقطارها وهو لطيف بخلقه أجمعين لا يخفى عليه خافية فيوصل الى كل منه قسطه من الماء فينبته به كما قال فى سورة لقمان " يا بنى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة أو فى السموات أو فى الأرض يأت بها الله ان الله لطيف خبير " ، " لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ " مافى السموات وما فى الأرض ملك لله من ملائكة وبشر وحيوان وجماد وزروع وثمار ، " وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ " الله هو الذى يرزق وهو غنى عن عباده وهو الذى يستحق الحمد على رزقه ،"أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ " كل شىء فى الأرض مسخر بأمر الله من حيوان وجماد وزروع وثمار وغير ذلك فى البر والبحر ، " وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِ" تجرى السفن وتسير بتسخير الله وتسييره فى البحر العجاج وتلاطم الأمواج فتحل ما شاء الناس من تجارة وبضائع وركاب وكل ما يشاءون ، "  وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦ " الله وحده هو الذى يحفظ الأرض وجعل لها سقفا محفوظا يحميها من ما يقع عليها من السماء من شهب ونيازك كفيلة بحرقها ويمنع الأجرام الآخرى فى السماء من الاحتكاك بالأرض فكل فى فلك يسبحون بأمر الله وتسييره ، " إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمكل هذا الذى يحدث هو من لطف الله ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض وكل شىء يسير فى الكون ويسخر باذن الله ، " وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ "والله وحده هو الذى منح الانسان الحياة فولد وبعث الى الحياة ثم يميته ثم يبعثه ويحييه يوم القيامة ، " إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُور " ومع كل ذلك فان من الناس من هو شديد الكفر يجحد نعمة الله وخلقه .

لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيمٖ ٦٧ وَإِن جَٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ ٦٨ ٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٦٩

" لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُ " يخبر الله تعالى أنه جعل لكل قوم منسكا وأصل المنسك فى كلام العرب هو الموضع الذى يعتاده الانسان ويتردد اليه اما لخير أو شر ولهذا سميت مناسك الحج بذلك لترداد الناس اليها وعكوفهم عليها الله جعل لكل أمة نبى مناسك وطرق يتبعونها عن قدر الله وارادته ، " فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ " فلا تتأثر يا محمد بمنازعتهم لك ولا يصرفك ذلك عما أنت عليه من الحق ، "وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيم " فادع الى طريق ربك وهو واضح مستقيم موصل الى المقصود ، " وَإِن جَٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ " فان هؤلاء المشركين وغيرهم شكك فيما أنزل اليك من الله فرد عليهم وقل لهم الله وحده هو الذى يعلم ما تفعلونه من شرك وكفر وهذا تهديد ووعيد أكيد كقوله تعالى" هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بينى وبينكم " ، " ٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ " الله وحده هو الذى سيحكم يوم القيامة فيما بينك وبينهم وما بين غيرهم من خلاف ويجازى كل بعمله وايمانه .  

 أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٧٠

" أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ " يخبر الله تعالى عن كمال علمه بخلقه وأنه محيط بما فى السموات وما فى الأرض فلا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها وكتب ذلك فى كتابه اللوح المحفوظ كما ثبت فى صحيح مسلمعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " ، " إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير " كل ذلك على الله سهل يسير فعنده علم الشياء قبل كونها وقدرها وكتبها فيعلم الله أن هذا يطيع باختياره وهذا يعصى باختياره وهو علام الغيوب .

وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَمَا لَيۡسَ لَهُم بِهِۦ عِلۡمٞۗ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٖ ٧١ وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنكَرَۖ يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكُمُۚ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٧٢

"وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَمَا لَيۡسَ لَهُم بِهِۦ عِلۡم" يقول الله تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا يعنى حجة وبرهانا ولا علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه وانما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا حجة وأصله مما سول لهم الشيطان وزينه لهم ولهذا توعدهم الله " وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِير" ليس لهؤلاء الكافرين ناصر ينصرهم من الله فيما يحل بهم من العذاب والنكال ، " وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰت" واذا ذكرت لهم آيات القرآن والحجج والدلائل الواضحات على توحيد الله وأنه لا اله الا هو وأن رسله الكرام حق وصدق ، " تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنكَرَ " الذين كفروا من فرط كفرهم لايمكنهم انكار الكفر بل هو ظاهر واضح على وجوههم وعلى ألسنتهم وفى أفعالهم ، " يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۗ  " يكادون يبادرون الذين يحتجون عليهم بالدلائل الصحيحة من القرآن ويبسطوا اليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء ، " قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ " يقول الله تعالى قل يا محمد لهؤلاء أفأخبركم بما هو أشد وأشق وأطم وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين فى الدنيا عذاب النار فى الآخرة هو على صنيعكم أعظم مما تنالون منهم ان نلتم بزعمكم وارادتكم ، " وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ " وبئس النار مقيلا ومنزلا ومرجعا ومؤلا ومقاما كقوله " انها ساءت مستقرا ومقاما " .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ ٧٣ مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٧٤

يقول الله تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها "يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُ " يخاطب الله الناس وينبه أسماعهم الى ما يضربه لهم من مثل حتى يعقلوه ويتفهموه  لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به من أصنام ، "  إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُ " هذه الأصنام التى يعبدونها من دون الله لا تضر ولا تنفع ولا تستطيع أن تخلق شيئل حقيرا وضعيفا من خلق الله  وهو الذباب الواحد ولو تحالفت واجتمعت لذلك وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :  قال الله عز وجل " ومن أظلم ممن ذهب بخلق كخلقى فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة " ، " وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُ " هم عاجزون عن خلق ذباب واحد بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه لو سلبهم شيئا مما يوضع عليهم من الطيب ثم أرادوا أن يستنقذوه منه لما قدروا على ذلك ولم يستطيعوا وهذه الاية من آيات الاعجاز فى القرآن فقد أثبت العلم الحديث أن الذباب له خرطوم فى وجهه يستف به الطعام ويدخله الى معدته ليهضم فيستحيل أن يسترجع لأن الذباب لا يحمل طعامه ثم يتناوله ، " ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ " كل منهم ضعيف الطالب وهو الصنم الذى يطلب ما سلب منه والمطلوب وهو الذباب الذى يطلبه الصنم ليأخذ منه ماسلبه منه ، " مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ" هؤلاء الكفار ما عرفوا قدر الله وعظمته حين عبدوا معه غيره من الأصنام التى لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها  ، " إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز " والله هو القوى الذى بقدرته وقوته خلق كل شىء وهو عزيز قد عز كل شىء فقهره وغلبه فلا يمانع ولا يغالب لعظمته وسلطانه وهو الواحد القهار .

ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ ٱلنَّاسِۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ ٧٥ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ٧٦

" ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ ٱلنَّاسِ " يخبر الله تعالى أنه يختار من الملائكة رسلا فيما يشاء من شرعه وقدره ومن الناس لابلاغ رسالاته ، "  إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِير" الله سميع لأقوال عباده بصير بهم عليم بمن يستحق ذلك منهم ، "  يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ " يعلم الله ما يفعل برسله فيما أرسلهم به فلا يخفى عليه شىء من أمورهم كما قال " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " ، " وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ " كل الأمور ترجع الى الله فهو المتحكم فيها المسير للكون وبما فيه .

 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩ ٧٧ وَجَٰهِدُواْ فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ ٧٨

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ" يأمر الله عباده المؤمنين بالصلاة وخص ما فيها من ركوع وسجود لما فيهما من تقدير وتبجيل وخضوع وخشوع لله تعالى فأقرب ما يكون العبد الى ربه وهو ساجد وخص الصلاة وخص ما فيها لأنها عماد الدين وأول ما يسأل عنه العبد وبعد ذلك تأتى بقية العبادة لله من عبادات أخرى وأمر الله أن تقرن العبادة بفعل الخير فهذا كله هو طريق الفلاح والنجاح فى الدنيا والآخرة ، "  وَجَٰهِدُواْ فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦ " يأمر الله بالجهاد فى سبيله حق الجهاد ويكون ذلك بالأموال والألسن والأنفس ، "  هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ " يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع ، " وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَج مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَ " الحرج هو الضيق وقال أبن جرير من ضيق بل وسعه عليكم كملة أبيكم ابراهيم ، ماكلفكم الله ما لا تطيقون وما ألزمكم بشىء يشق عليكم الا جعل الله لكم فرجا ومخرجا ، فالصلاة التى هى أكبر أركان الاسلام بعد الشهادتين تجب فى الحضر أربعا وتقصر فى السفر الى ركعتين وفى الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة والقيام فيها يسقط لمرض فممكن أن يصليها المريض جالسا أو على جنبه وغير ذك من التخفيفات والرخص فى سائر الفرائض والأمور والواجبات ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم " بعثت بالحنيفية السمحة " وقال لمعاذ وأبى موسى حين بعثهما الى اليمن " بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا " ، " هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ " قال مجاهد الله سماكم المسلمين من قبل فى الكتب المتقدمة وقال قتادة وغيره يعنى ابراهيم سماكم المسلمين قبل ذلك كقوله " ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة " ، "  وَفِي هَٰذَا " كذلك أنتم المسلمون فى هذا القرآن ، "  لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ " يكون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيد بما أنزله الله عليه ليبلغ به وقد بلغ ما أنزل اليه من ربه من كتاب وسنة فمن تبعه هدى ، " وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ " أنما جعلناكم هكذا أمة وسطا عدولا خيارا مشهودا بعدالتكم عند جميع الأمم  لتكونوا يوم القيامة شهداء على سائر الأمم أمام الله على أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم وهذا كقوله فى سورة البقرة " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، " فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ " قابلواهذه النعمة العظيمة بالقيام بشكرها فأدوا حق الله عليكم فى أداء ما افترض وطاعة ما أوجب وترك ما حرم ومن أهم ذلك اقام الصلاة وايتاء الزكاة وهو الاحسان الى خلق الله بما أوجب للفقير على الغنى من اخراج جزء نزر من ماله للضعفاء والمحاويج ،" وَٱعۡتَصِمُواْ بِٱللَّهِ " اعتضدوا بالله واستعينوا به وتوكلوا عليه وتأيدوا به ، "  هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡ " الله هو حافظكم وناصركم ومظفركم على أعدائكم ، "  فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ " نعم الولى ونعم الناصر من الأعداء .

No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...