Grammar American & British

Sunday, July 4, 2021

تبسيط تفسير ابن كثير للقرآن الكريم - الجزء الثامن عشر ( 18 )

تبسيط تفسير ابن كثير لقرآن الكريم ( 18 ) 

تفسير الجزء الثامن عشر

تفسير سورة المؤمنون

سورة مكية آياتها 118 آية فيها سمات السور المكية من دعوة للايمان ابلله وذكر لصفات المؤمنين ، وابراز آيات الله فى الكون وقدرته على الخلق وأنه لا اله غيره ، وتثير قضية الايمان والكفر ،وتتحدث عن أنباء الرسل السابقين وما حدث لهم مع قومهم ونصر الله لهم لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين .

قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ٢ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ ٤ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٥ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ٦ فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ ٧ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ ٨ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ ٩ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡوَٰرِثُونَ ١٠ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ١١

يقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان اذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى يسمع عند وجهه كدوى النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال " اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا واعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا ثم قال " لقد أنزل على عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ " قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ " حتى ختم العشر " " قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ " يخبر الله تعالى عن المؤمنين الذين فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح قد أفلح سعيهم فى الحياة الدنيا فدخلوا الجنة ، " ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ " من صفات هؤلاء المؤمنين الخشوع فى الصلاة قال أبن عباس خاشعون خائفون ساكنون وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه الخشوع خشوع القلب والخشوع فى الصلاة انما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عما عداها على غيرها وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " حبب الى الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة " ، " وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ " ومن صفات المؤمنين الذين يعرضون عما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعال " واذا مروا باللغو مروا كراما " ، " وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ " الأكثرون هنا على أن المرد بالزكاة هنا زكاة الأموال مع أن هذه الاية مكية وانما فرضت الزكاة بالمدينة فى سنة اثنين من الهجرة ، والظاهر أن التى فرضت فى المدينة ذات النصب والمقادير الخاصة ، والظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة كما قال تعالى فى سورة الأنعام وهى مكية " وآتوا حقه يوم حصاده " ، وقد يحتمل أن يكون المراد هنا زكاة النفس من الشرك كقوله " قد أفلحمن زكاها وقد خاب من دساها " وكقوله " وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة " وعلى أحد القولين فى تفسيرهما أنه يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال ، " وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ " الذين بعدوا عن الزنا فحفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط ، "  إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ " لا يقربون سوى أزواجهم التى أحلها الله لهم أو ما ملكت ايمانهم من السرارى ومن تعاطى ما أحله الله اهم فلا لوم عليهم ولا حرج ، " فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ " فمن سعى الى غير ذلك وتعدى الحدود من غير الأزواج والاماء فهم المعتدون المجاوزن لحدود الله ، " وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ "  الذين اذا اؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدون الأمانات الى أهلها واذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " آية المنافق ثلاث : اذا حدث كذب ، واذا وعد أخلف ، واذا اؤتمن خان "  ، " وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ " الذين يواظبون على الصلاة فى مواقيتها كما قال أبن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أى العمل أحب الى الله ؟ قال " الصلاة على وقتها " قلت ثم أى ؟ قال " بر الوالدين " قلت ثم أى ؟ قال " الجهخاد فى سبيل الله " وقال قتادة على مواقيتها وركوعها وسجودها ، وقد افتتح الله تعالى ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة فدل على أفضليتها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن " ، " أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡوَٰرِثُونَ " لما وصفهم الله بالصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال عنهم أنهم هم الوارثون اى الذين يأول اليهم ويخلدون ويملكون ، " ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ " الذين يملكون ويخلدون فى جنة الفردوس كقوله تعالى " تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا " وكقوله " وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون " وثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " واذا سألتم الله الجنة فاسألواه الفردوس فانه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوق عرش الرحمن " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد الا وله منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار ، فان مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله " .

وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ ١٢ ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ ١٣ ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ ١٤ ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ١٥ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تُبۡعَثُونَ ١٦

" وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِين" يتحدث الله تعالى عن الخلق الأول للأنسان من سلالة من طين وهو آدم عليه السلام خلقه الله من طين لازب وهو الصلصال من الحمأ المسنون وقال أبن جرير انما سمى آدم طينا لأنه مخلوق منه وقال قتادة استل آدم من الطين كما قال تعالى " ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم اذا أنتم بشر تنتشرون " ، "  ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِين" تتحدث الآيات عن مراحل خلق الانسان من بعد آدم مرحلة النطفة وهى البويضة الملقحة التى تلقح بنطفة الرجل وتستقر فى رحم المرأة كما قال تعال " ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه فى قرار مكين " ، "  ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَة" تتحول بعد ذلك الى علقة وهى نقطة الدم تشبه العلق وهى الدودة دودة العلق ، "  فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَة" تتحول العلقة الى مضغة وهى قطعة كالبضعة من اللحم المعضوض بالأسنان لا شكل لها ولا تخطيط ، " فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا " ثم يخلق الهيكل العظمى من رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها ، " فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَر" هذه العظام يتكون فيها اللحم ليصير بشرا كاملا يتحرك وفيه الروح له سمع وبصر وادراك وحركة واضطراب ، هذه آيات من آيات الاعجاز العلمى فى القرآن التى لم يكشفها الا العلم الحديث بأجهزته والتى جعلت علماء يسلمون وبخاصة وصف هذه المراحل وترتيبها عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله وكل بالرحم ملكا فيقول أى رب نطفة أى رب علقة أى رب مضغة فاذا أراد الله خلقها قال أى رب ذكر أو أنثى ؟ شقى أو سعيد ؟ فما الرزق والأجل ؟ فذلك يكتب فى بطن أمه"   ، " َفَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ " تعظم الله الخالق سبحانه الذى ذكر قدرته ولطفه فى خلق هذه النطفة حتى تطورت الى ما هى عليه من خلق كامل وانسان سوى فلا أفضل من خلقه فهو الذى خلق فى أحسن تقويم ، "  ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ " يقضى الانسان أجله فى الحياة الدنيا حتى ينتهى به الى الموت ونهاية الأجل ، " ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تُبۡعَثُونَ " ثم يكون البعث بعد الموت والنشأة الآخرة يوم المعاد وقيام الأرواح الى الأجساد فيحاسب الخلائق يوافى كل عامل عمله ان خيرا فخير وان شرا فشر .

وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلۡخَلۡقِ غَٰفِلِينَ ١٧

" وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَآئِقَ "" لما ذكر الله خلق الانسان عطف بذكر خلق السموات السبع وكثيرا ما يذكر الله تعالى خلق السموات مع خلق الانسان كما قال تعالى " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس "  وسبع طرائق قال مجاهد يعنى السموات السبع كقوله " ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا " ، " وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلۡخَلۡقِ غَٰفِلِينَ " الله يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو سبحانه لايحجب عنه سماء ولا أرض أرضا وهذا كقوله " وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين " .

وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۢ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ ١٨ فَأَنشَأۡنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ١٩ وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ ٢٠ وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٢١ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ ٢٢

" وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَر" يذكر تعالى نعمه على عبيده التى لا تعد ولا تحصى فى انزاله المطر من السماء بقدر أى بحسب الحاجة لا كثيرا فيفسد الأرض والعمران ولا قليل فلا يكفى الزروع والثمار بل بقدر الحاجة اليه من السقى والشرب والانتفاع به حتى أن الأراضى التى تحتاج ماء كثيرا لزروعها ولا ينزل فيها مطر كثير يسوق اليها الماء من بلاد أخرى ، "  فَأَسۡكَنَّٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِ " يجعل الله الماء اذا نزل من السماء يخلد فى الأرض فينزل فيها ليستقر فى باطن الأرض ماء جوفى يسحب من الآبار ، " وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۢ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ " لو شاء الله أن لا تمطر السماء لا تمطر ولا ينزل من السماء ، الله بقدرته جعل الأرض تحفظ ماءها بما لها من غلاف يعمل كسقف محفوظ وهناك كواكب ليس فيها ما فى الأرض كما جعل الأرض تحفظ الماء فى جوفها ولا يضيع ولو شاء الله لجعله اذا نزل فى الأرض يغور الى مدى لا يصل اليه أحد ولا ينتفع به ولكن الله بلطفه ورحمته ينزل من السحاب الماء العذب الفرات زلالا فيسكنه فى الأرض ويسلكه ينابيع فى الأرض فيفتح العيون والأنهار ، "  فَأَنشَأۡنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ " ويسقى به الزروع والثمار من نخيل وأعناب وفواكه كثيرة وحبوب وتشرب منه الدواب والأنعام ويشرب الناس ويغتسلون ويتطهرون وينظفون منه فلله الحمد والمنة ، " وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ " يعنى شجرة الزيتون والطور هو الجبل الموجود فى سيناء الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام وما حوله من الجبال التى فيها شجر الزيتون يخرج منها الزيت ويستخدم الزيتون وما يخرج منه من زيت كأدم وعن أبى أسيد وأسمه مالك بن ربيعة السعدى الأنصارى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلوا الزيت وأدهنوا به فانه من شجرة مباركة " وعن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أئتدموا بالزيت وادهنوا به فانه يخرج من شجرة مباركة " ، " وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَة" يقول الله تعالى لكم آية ودلالة على قدرة الله فى الخلق ما خلق الله لكم من الأنعام ، " نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا " تشربون من ألبانها وتستفيدون منها الخارجة من بين فرث ودم ، " وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَة" وهناك الكثير من المنافع للأنعام لا يخفى على أحد من أصواف وأوبار وأشعار وجلود وغيرها الكثير الذى يدخل فى باب المنفعة لأنها تعتبر ثروة تقوم عليها الحياة ، " وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ " يستفاد من الأنعام فى الأكل المباشر من لحومها والغير مباشر لما تقوم عليه ألبانها ولحومها من صناعات كثيرة فى أطعمة كثيرة ، " وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ " بالاضافة لاستخدامها فى حمل الأحمال الثقال والتنقل كما قال تعالى" وتحمل أثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس ان ربكم لرءوف رحيم " وكقوله " أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون "  وقدرة الله كذلك فيما يستخدم من السفن التى تجرى فى البحر تحمل البشر والبضائع وغيرها .

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٢٣ فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ ٢٤ إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلُۢ بِهِۦ جِنَّةٞ فَتَرَبَّصُواْ بِهِۦ حَتَّىٰ حِينٖ ٢٥

" يخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام حين بعثه الى قومه لينذرهم بعذاب الله وبأسه الشديد وانتقامه ممن أشرك به وخالف أمره وكذب رسله  " وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ " أرسل الله نوحا عليه السلام يدعو قومه  لعبادة الله وحده لا شريك له وتقوى الله ونهاهم عن الشرك بالله وقال لهم ألا تخافون من الله فى اشراككم به ؟ ، " فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ" فقال الملأ وهم السادة والأكابر منهم الذين كفروا بالله وكذبوا نوحا عليه السلام ، " مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ " قالوا لمن حولهم ليس هذا رسول من الله ولكنه مجرد واحد من البشر أمثالهم يترفع عليكم ويتعاظم بدعوى النبوة فكيف أوحى اليه من دونكم ، " وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَة " لو أراد الله أن يبعث نبيا لبعث ملكا من عنده ولم يكن بشرا ، "مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ " ما سمعنا ببعثة البشر فى آبائنا الأولين من أسلاف وأجداد فى الدهور الماضية ، " إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلُۢ بِهِۦ جِنَّة " ان هو الا رجل مجنون فيما يزعمه من أن الله أرسله اليكم واختصه من بينكم بالوحى ، " فَتَرَبَّصُواْ بِهِۦ حَتَّىٰ حِين " انتظروا به ريب المنون واصبروا عليه مدة حتى تستريحوا منه .

قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي بِمَا كَذَّبُونِ ٢٦ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ٢٧ فَإِذَا ٱسۡتَوَيۡتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٢٨ وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِي مُنزَلٗا مُّبَارَكٗا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ ٢٩ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ وَإِن كُنَّا لَمُبۡتَلِينَ ٣٠

" قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي بِمَا كَذَّبُونِ " يخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام أنه دعا ربه لينصره على قومه بعد أن كذبوه كما قال " فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر " ، " فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا " أمر الله عبده ونبيه نوح عليه السلام بصتاعة السفينة واحكامها واتقانها  بعلمه ورعايته ، " فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ " يقول الله اذا جاء أمر الله وقدره بأهلاك من كذبه وكفر به بالطوفان والاغراق أن يحمل فى سفينته ذكرا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك ، " وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُم " وأن يحمل أهله الا من سبق عليه القول من الله بالهلاك وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله كابنه وزوجته ، " وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ " عند معاينة انزال المطر العظيم لا تأخذك رأفة بقومك وشفقة عليهم وطمع فى تأخيرهم لعلهم يؤمنون فانى قد قضيت أنهم مغرقون على ما هم عليه من الكفر والطغيان وتقدت القصة فى سورة هود ، "  فَإِذَا ٱسۡتَوَيۡتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ " أمر الله تعالى نوح عليه السلام ومن معه اذا ركبوا السفينة واستقروا على ظهرها أن يحمدوا ربهم الذى أنجاهم من الهلاك وأنجاهم من الكفار ، "  وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِي مُنزَلٗا مُّبَارَكٗا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ " وعند انتهاء رحلته أمره الله أن يهبط من السفينة بسلام الى مكان فيه بركة من الله فالله وحده أفضل من يوفق الى المنزل وهو السلام ومنه السلام مكان يتيسر له هو ومن معه العيش والحياة ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ وَإِن كُنَّا لَمُبۡتَلِينَ " فى هذا الصنيع وهو انجاء المؤمنين واهلاك الكافرين لحجج ودلالات واضحات على صدق الأنبياء فيما جاءوا به عن الله تعالى وأنه تعالى فاعل لما يشاء قادر على كل شىء عليم بكل شىء وهو المختبر للعباد بارسال المرسلين .

ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ ٣١ فَأَرۡسَلۡنَا فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٣٢ وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ ٣٣ وَلَئِنۡ أَطَعۡتُم بَشَرٗا مِّثۡلَكُمۡ إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ ٣٤ أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ ٣٥ ۞هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ٣٦ إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ ٣٧ إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا وَمَا نَحۡنُ لَهُۥ بِمُؤۡمِنِينَ ٣٨ قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي بِمَا كَذَّبُونِ ٣٩ قَالَ عَمَّا قَلِيلٖ لَّيُصۡبِحُنَّ نَٰدِمِينَ ٤٠ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤١

" ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ " يخبر الله تعالى أنه أنشا أى خلق الله بعد قوم نوح قرنا أى قوما آخرين قيل المراد بهم عاد فانهم كانوا مستخلفين بعدهم وقيل المراد ثمود لقوله " فأخذتهم الصيحة بالحق " ، " فَأَرۡسَلۡنَا فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ " بعث الله لهم رسولا من بينهم يهديهم اليه ، " أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ " يهديهم الى عبادة الله وحده لا شريك له وترك ما كانوا يعبدون من الأوثان وأمره يتقوى الله والخوف منه ، " وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ "  أجابه السادة والكبراء من قومه ، " ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ " وهم أئمة الكفر الذين كذبوا ما بعث الله به رسوله وكذبوا بالبعث ولقاء الله فى اليوم الآخر ، " وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا " وهم من فضلوا الدنيا ومتاعها القليل على الآخرة ، " مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ " استنكفوا عن اتباع رسول بشرى مثلهم يأكل ويشرب كما يأكلون ويشربون ، " وَلَئِنۡ أَطَعۡتُم بَشَرٗا مِّثۡلَكُمۡ إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ " فكيف يبعث الله بشرا رسولا لابد أن يكون ملكا ونهوا عن اتباعه وهو بشر مثلهم فلو اتبعوه وهو بشر فان ذلك خسارة لهم ، "  أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ " أنكروا يوم البعث بعد الموت والبلى ، "هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ " استبعدوا يوم البعث الذى وعدهم به الله استبعادا كبيرا ، "  إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ " أنكروا البعث وأنه لا حياة الا فى الدنيا التى يحيون فيها حياتهم ثم يموتون ولا يبعثون ، " إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا " ما هو الا رجل كاذب فيما جاءهم به من الرسالة والنذارة والاخبار بالمعاد ،" وَمَا نَحۡنُ لَهُۥ بِمُؤۡمِنِينَ "استمروا فى كفرهم وعنادهم وتكذيب الرسول ، " قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي بِمَا كَذَّبُونِ " طلب الرسول من الله النصر عليهم وعلى كفرهم وتكذيبهم به  ، " قَالَ عَمَّا قَلِيلٖ لَّيُصۡبِحُنَّ نَٰدِمِينَ " أجاب الله دعاءه وتوعدهم بالهلاك وسيلحق بهم الندم قريبا لمخالفته وعناده فيما جاء به من الحق ، "  فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ " اجتمع عليهم صيحة مع الريح الصرصر العاصف القوى البارد وتحقق فيهم وعد الله لأنهم يستحقون ذلك من الله بكفرهم وطغيانهم  ، " فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآء " فجعلهم الله صرعى هلكى كغثاء السيل وهو الشىء الحقير التافه الهالك الذى لا ينتفع بشىء منه ، "  فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ " أصبحوا نسيا منسيا لكفرهم وعنادهم ومخالفة رسول الله فليحذر السامعمن أن يكذبوا رسولهم . 

ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قُرُونًا ءَاخَرِينَ ٤٢ مَا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ ٤٣ ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةٗ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضٗا وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَۚ فَبُعۡدٗا لِّقَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ ٤٤

" ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قُرُونًا ءَاخَرِينَ " يقول الله تعالى أنه بعد هؤلاء أمما وخلائق آخرين ، " مَا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ " كل أمة تؤخذ على حسب ما قدر الله لهم تعالى فى كتابه المحفوظ وعلمه قبل كونهم وخلقهم أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل وخلفا بعد سلف ، " ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَا " وأرسل الله رسله متواترين يتبع بعضهم بعضا كما فى قوله " ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة " ، " كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةٗ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ " كل أمة منهم كلما بعث فيهم رسول كذبه جمهورهم وأكثرهم ، " فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضٗا " فأهلكهم الله واحدةتلو الأخرى وهذا كقوله " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " ، " وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ" فكانوا أخبارا وأحاديث يتحدث بها الناس وأثرا بعد عين كقوله " فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق " " فَبُعۡدٗا لِّقَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ " فبعد هؤلاء القوم الذين لم يؤمنوا بالله وبرسله وأهلكوا وأصبحوا أثرا بعد عين .   

ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَٰرُونَ بَِٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ ٤٥ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِينَ ٤٦ فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ ٤٧ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡلَكِينَ ٤٨ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ ٤٩

" ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَٰرُونَ بَِٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ " يخبر الله تعالى أنه بعث موسى وأخاه هارون عليهما السلام بالآيات والحجج الدامغات والبراهين القاطعات ، "  إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِ" الى فرعون وملئه أى السادة والكبراء من قومه المحيطين به ، " فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِينَ " استكبروا عن اتباعهما والانقياد لأمرهما وتعالوا عن اتباع ما أنزل الله وبعثهما به ،" فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ " استبعدوا الايمان بما بعثا به لكونهما بشرين كما أنكرت الأمم الماضية بعثة الرسل من البشر وكيف يتبعونهما وهم من قوم عبيد لهم تحت سخرتهم ، " فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡلَكِينَ " تشابهت قلوبهم فى التكذيب فأهلك الله فرعون وقومه وأغرقهم فى يوم واحد أجمعين ،" وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ " وأنزل الله على موسى عليه السلام التوراة فيها أحكامه وأوامره ونواهيه لبنى اسرائيل ليهتدوا بها الى الله والى الحق وذلك بعد أن قصم فرعون وقومه وأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما قال تعالى " ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون " .

وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ ٥٠

" وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَة" يقول الله مخبرا عن عبده ورسوله عيسى أبن مريم عليهما السلام أنه جعلهما آية للناس أى حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء فانه خلق آدم من غير اب وأم وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى ، "  وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِين " قال أبن عباس الربوة المكان المرتفع من الأرض وهو أحسن ما يكون فيه النبات آوى الله برعايته مريم وابنها بعد أن ولدته الى هذا المكان الذى فيه خصب وماء طاهر وقال قتادة "ومعين" الماء الجارى وقد اختلف المفسرون فى مكان الربوة من أى أرض هى ؟ فعن أبى هريرة قال هى الرملة من فلسطين وقال الضحاك وقتادة هو بيت المقدس وقال أبن عباس معين الماء الجارى وهو النهر الذى قال الله تعالى " قد جعل ربك تحتك سريا " والقرآن يفسر بعضه بعضا .

يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ ٥١ وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ ٥٢ فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٥٣ فَذَرۡهُمۡ فِي غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِينٍ ٥٤ أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ ٥٦

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيم" يأمر الله تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام بالأكل من الحلال والقيام بالأعمال الصالحة فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح فقام الأنبياء عليهم السلام بهذا أتم القيام وجمعوا بين كل خير قولا وعملا ودلالة ونصحا فهو العليم بأعمالهم وحركاتهم وسكناتهم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس ان الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال "ٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيم" وقال " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم "   ، " وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَة" دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة وهو الدعوة الى عبادة الله وحده لا شريك له ، " وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ " والله وحده هو ربهم جميعا الذى يجب تقوته والايمان به ايمانا لا يتزعزع ، "  فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗا " الأمم الذين بعثت اليهم الأنبياء اختلفوا ، " كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ " كل مجموعة يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون ولهذا قال لهم مهددا ومتوعدا " فَذَرۡهُمۡ فِي غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِينٍ " فهم متركون فى غيهم وضلالهم الى حين حينهم وهلاكهم كما قال تعالى " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " وكما قال تعالى " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون "  ، " أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ " أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا كلا ليس الأمر كما يزعمون فى قولهم" نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " لقد أخطئوا فى ذلك وخاب رجاؤهم بل نفعل بهم ذلك استدراجا وانظارا واملاءا ولهذا قال " بل لا يشعرون " وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وان الله يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطى الدين الا لمن أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذى نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه ، قالوا وما بوئقه يا رسول الله ؟ قال : غشمه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره الا كان زاده الى النار ان الله لا يمحو السىء بالسىء ولكن يمحو السىء بالحسن ان الخبيث لا يمحو الخبيث " .

إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٥٧ وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ٥٨ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ ٥٩ وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ ٦٠ أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ ٦١

" إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ " الذين هم مع احسانهم وايمانهم وعملهم الصالح مشفقون من الله خائفون منه وجلون من مكره بهم ، " وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ " والذين يؤمنون بأيات الله الكونية والشرعية كما قال تعالى عن مريم " وصدقت بكلمات ربها وكتبه " ، "  وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ " الذين لا يشركون بالله ويؤمنون به وحده لا شريك له لا يعبدون معه غيره بل يوحدونه ويعلمون أنه لا اله الا هو أحد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه لا نظير له ولا كفء له ، " وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ " الذين يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا فى القيام بشرط الاعطاء وهذا من باب الاشفاق والاحتياط وادراكهم أنهم سيرجعوت الى الله ويحاسبون على أفعالهم وعن عائشة أنها قالت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هو الذى يسرق ويزنى ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال : لا يابنت الصديق ولكنه الذى يصلى ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل " ، " أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ " الله جعلهم من السابقين الى المسارعة فى فعل الخير .

وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٦٢ بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ ٦٣ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجَۡٔرُونَ ٦٤ لَا تَجَۡٔرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ٦٥ قَدۡ كَانَتۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ تَنكِصُونَ ٦٦ مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ ٦٧

" وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا " يقول الله تعالى مخبرا عن عدله فى شرعه على عباده فى الدنيا أنه لا يكلف نفسا الا ما تطيق حمله والقيام به ، "  وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ " يعنى كتاب الأعمال يوم القيامة يحاسب الله عباده بأعمالهم التى كتبها عليهم فى كتاب مسطور لا يضيع منه شىء ولا يبخسون من الخير شيئا وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير لعباده المؤمنين  ، " بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا  " قال الله منكرا على الكفار والمشركين من قريش قلوبهم فى غفلة وضلالة من هذا القرآن الذى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ " وقال أبن عباس ولهم أعمال  سيئة دون الشرك  لابد أن يعملوها وقال آخرون قد كتب عايهم أعمال سيئة لابد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة لتحق عليهم كلمة العذاب وفى حديث أبن مسعود " فو الذى لا اله غيره ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها " ، " حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجَۡٔرُونَ " حتى اذا جاء المنعمين فى الدنيا منهم عذاب الله وبأسه ونقمته بهم اذا هم يصرخون ويستغيثون كما قال تعالى " وذرنى والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا ان لدينا أنكالا وجحيما " ، "  لَا تَجَۡٔرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ " لا تستغيثوا اليوم فانه لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أى استغثتم أو سكتم لا محيد ولا مناص لزم الأمر ووجب العذاب ،  قَدۡ كَانَتۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ تَنكِصُونَ " يذكر الله أكبر ذنوبهم اذا دعوا الى آيات الله وتليت عليهم آياته أبوا وان طلبوا امتنعوا وتولوا ، " مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ " فى تفسيره قولان أحدهما أنهم مستكبرون حين نكوصهم عن الحق وابائهم اياه استكبارا عليه واحتقارا له ولأهله والضمير فى "به " ثلاثة أقوال أحدهما "الحرم " أى مكة ذموا لأنهم كانوا يسمرون فيه بالهجر من الكلام والثانى أنه ضمير " للقرآن " كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام انه سحر انه شعر انه كهانة الى غير ذلك من الأقوال الباطلة ، والثالث أنه " محمد " صلى الله عليه وسلم كانوا يذكرونه فى سمرهم بالأقوال الفاسدة ويضربون له الأمثال الباطلة من أنه شاعر أو كاهن أو ساحر أوكذاب أو مجنون فكل ذلك باطل فهو عبد الله ورسوله الذى أظهره الله عليهم وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء ، وقيل المراد بقوله " مستكبرينبه" أى بالبيت يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه وليسوا به وعن أبن عباس قال أنه كره السمر حين نزلت هذه الآية قال : كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه . 

أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٦٨ أَمۡ لَمۡ يَعۡرِفُواْ رَسُولَهُمۡ فَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ ٦٩ أَمۡ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ ٧٠ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ ٧١ أَمۡ تَسَۡٔلُهُمۡ خَرۡجٗا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيۡرٞۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٧٢ وَإِنَّكَ لَتَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٧٣ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَٰطِ لَنَٰكِبُونَ ٧٤ ۞وَلَوۡ رَحِمۡنَٰهُمۡ وَكَشَفۡنَا مَا بِهِم مِّن ضُرّٖ لَّلَجُّواْ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ٧٥

يقول الله تعالى منكرا على المشركين فى عدم تفهمهم للقرآن العظيم وتدبرهم له واعراضهم عنه مع أنهم قد خصوا بهذا الكتاب الذى لم ينزل الله على رسول أكمل منه ولا أشرف لا سيما آباؤهم الذين ماتوا فى الجاهلية حيث لم يبلغهم كتاب ولا أتاهم نذير فكان اللائق بهؤلاء أن يقابلوا النعمة التى أسداها الله عليهم بقبولها والقيام بشكرها وتفهمها والعمل بمقتضاها آناء الليل وأطراف النهار كما فعل النجباء منهم ممن أسلم واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم" أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ " يقول الله منكرا على المشركين كيف لا يتفكر هؤلاء فى ما جاء فى القرآن وهو على ما هو عليه من تمام القول وهم قد جاءهم وخصوا وشرفوا بما لم يتشرف به آباؤهم الذين ماتوا حيث لم يبلغهم كتاب ولا أتاهم رسول ، " أَمۡ لَمۡ يَعۡرِفُواْ رَسُولَهُمۡ فَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ " ينكر الله أيضا على المشركين تكذيبهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أفهم لا يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم وصدقه وأمانته وصيانته التى نشأ بها فيهم أى أفيقدرون على انكار ذلك والمباهتة فيه ، ولهذا قال جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه للنجاشى ملك الحبشة : أيها الملك ان الله بعث فينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وكذلك قال أبو سفيان بن صخر بن حرب لملك الروم هرقل حين سأله وأصحابه عن صفات النبى صلى الله عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته ولم يكن قد أسلم وكذلك قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى وكان لم يسلم ولكن لم يمكنهم الا الصدق ، " أَمۡ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢ " يقول الله منكرا على المشركين قولهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسه الجنون ويحكى قولهم أنه تقول القرآن من عنده أو أن به جنونا لا يدرى ما يقول ، "بَلۡ جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ " ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق من ربه ولكن أكثر هؤلاء يكرهون ويبتعدون وينكرون الحق الذى جاء من عند الله وقلوبهم لا تؤمن به وهم يعلمون بطلان ما يقولونه فى القرآن وقد تحداهم وجميع أهل الأرض أن يأتوا بمثله ان استكاعوا ولا يستطيعون أبد الآبدين ، " وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّ " قال أبن عباس : كل ما فيه "لو " فهو مما لا يكون أبدا قال مجاهد والسدى وأبو صالح الحق هو الله عز وجل والمراد لو أجابهم الله الى ما فى أنفسهم من الهوى وشرع الأمور على وفق ذلك لفسدت السموات والأرض ومن فيهن أى لفساد أهوائهم واختلافها كما قال عنهم  " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " وكقوله " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى اذا لأمسكتم خشية الانفاق " وقوله " أم لهم نصيب من الملك فاذا لا يؤتون الناس نقيرا " ففى هذا كله تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم وأنه تعالى هو الكامل فى جميع صفاته وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره وتدبيره لخلقه  ، " بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ " يقول تعالى لقد أتيناهم بهذا الذكر الذى يخصهم وهو القرآن بلسان عربى مبين ولكنهم هم معرضون عنه بعيدين ينكرونه ، " أَمۡ تَسَۡٔلُهُمۡ خَرۡجٗا " يقول الله منكرا على الكافرين متحدثا الى رسوله صلى الله عليه وسلم انك لا تطلب منهم ولا تسألهم أجرا على هدايتك لهم ، " فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيۡر وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ " أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلا ولا شيئا على دعوتك اياهم الى الهدى بل أنت تحتسب عند الله جزيل ثوابه والله هو الرزاق الكريم لايرزق أحد سواه كما قال " قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ان أجرى الا على الله " وكقوله " قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة فى القربى "  ، "  وَإِنَّكَ لَتَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيم " الله يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه يدعو المشركين الى الطريق الحق المنزل اليه من ربه ، " وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَٰطِ لَنَٰكِبُونَ " والذين لايؤمنون بيوم القيامة والبعث لحائرون منحرفون بعيدون زائغون عن الطريق القويم تقول العرب نكب فلان عن الطريق اذا زاغ عنها  ، " وَلَوۡ رَحِمۡنَٰهُمۡ وَكَشَفۡنَا مَا بِهِم مِّن ضُرّٖ لَّلَجُّواْ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ " يخبر الله تعالى عن غلظ المشركين فى كفرهم بأنه لو أزاح عنهم الضر وأفهمهم القرآن لما انقادوا له ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم كما قال تعالى " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون " .

وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ٧٦ حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا ذَا عَذَابٖ شَدِيدٍ إِذَا هُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ ٧٧ وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفِۡٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ ٧٨ وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٧٩ وَهُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخۡتِلَٰفُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٨٠ بَلۡ قَالُواْ مِثۡلَ مَا قَالَ ٱلۡأَوَّلُونَ ٨١ قَالُوٓاْ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ ٨٢ لَقَدۡ وُعِدۡنَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا هَٰذَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٨٣

فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا فقال " اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف " وعن أبن عباس قال جاء أبو سفيان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز - يعنى الوبر والدم فى الابل فأنزل الله الاية " وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " يقول الله تعالى لقد ابتليناهم بالمصائب والشدائد فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة بل استمروا على غيهم وضلالهم " ما استكانوا"  ما خشعوا وخضعوا " وما يتضرعون " وما دعوا الله قط كما قال تعالى " فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم " ، " حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا ذَا عَذَابٖ شَدِيدٍ إِذَا هُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ " حتى اذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة فأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون فعند ذلك أبلسوا من كل خير وأيسوا من كل راحة وانقطعت آمالهم ورجاؤهم ، " وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفِۡٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ " يذكر الله نعمه على عباده أن جعل لهم السمع والبصار والأفئدة وهى الفهوم التى يذكرون بها الأشياء ويعتبرون بما فى الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله وأنه الفاعل المختار لما يشاء ولكن هذه النعم لا تقابل بالشكر ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم  ، " وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ " يخبر الله تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر فى برئه خلقه وذرئه لهم فى سائر اقطار الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم وهو يوم القيامة يجمع الأولين منهم والآخرين لميقات يوم معلوم فلا يترك منهم صغيرا ولا كبيرا ولا ذكرا ولا أنثى ولا جليلا ولا حقيرا الا أعاده كما بدأه  ، " وَهُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ " والله وحده هو الذى يحيى الرمم ويميت الرمم " وَلَهُ ٱخۡتِلَٰفُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ" وعن أمره تسخير الليل والنهار يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما كقوله " لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " ، " أَفَلَا تَعۡقِلُونَ " أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذى قد قهر كل شىء وخضع له كل شىء ، "  بَلۡ قَالُواْ مِثۡلَ مَا قَالَ ٱلۡأَوَّلُونَ " يتحدث الله مخبرا عن منكرى البعث الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين ، " قَالُوٓاْ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ "  يستبعدون بعثهم بعد صيرورتهم الى البلى اذا كيف بعد أن أصبحت أجسادهم ترابا وعظاما أن تبعث  ، " لَقَدۡ وُعِدۡنَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا هَٰذَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ " يعنون أن الاعادة محال انما يخبر بها من تلقاها عن كتب الأولين وهذا التكذيب والانكار منهم كقوله " أ اذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك اذا كرة خاسرة * فانما هى زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة " وكقوله " قال من يحيى العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " .

قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٨٤ سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٨٥ قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ ٨٦ سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٨٧ قُلۡ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٨٨ سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ فَأَنَّىٰ تُسۡحَرُونَ ٨٩ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ٩٠

يقرر الله تعالى وحدانيته واستقلاله بالخلق والتصرف والملك ليرشد الى أنه الله الذى لا اله الا هو ولا ينبغى العبادة الا له وحده لا شريك له  " قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " قال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره من له الأرض وما فيها وما عليها من الحيوانات والنباتات والثمرات وسائر صنوف المخلوقات ان كان لهم عقول وأفهام تعى وتفهم وتعلم ،"  سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " لايملكون الا أن يقولوا كل ذلك لله فهم يعترفون أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئا ولا يملكون شيئا ولا يستبدون بشىء بل اعتقدوا أنهم يقربوهم الى الله زلفى كقوله " ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى " ، "  قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ " قل لهم من خالق العالم العلوى بما فيه من الكواكب والملائكة وكل شىء وهو رب العرش العظيم الذى هو سقف المخلوقات فى الحديث " ما السموات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن فى الكرسى الا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وان الكرسى بما فيه بالنسبة الى العرش كتلك الحلقة فى تلك الفلاة " وقال أبن عباس العرش لا يقدره أحد الا الله عز وجل وفى هذه الآية " رب العرش العظيم " أى الكبير وفى آخر السورة " رب العرش الكريم" أى الحسن البهى فقد جمع العرش بين العظمة فى الاتساع والعلو والحسن الباهر  ، " سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ " لا يملكون الا أن يقولوا ان كل ذلك لله فقل لهم اذا كنتم تعترفون بأنه رب السموات ورب العرش العظيم أفلا تخافون عقابه وتحذرون عذابه فى عبادتكم معه غيره واشراككم به ، " قُلۡ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡء" قل لهم يا محمد أيضا من بيده الملك متصرف فيه ملكوت كل شىء  ، "وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ" وهوالله السيد العظيم الذى لا أعظم منه يجير من استجار به وينصره الذى له الخلق والأمر لا معقب لحكمه وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وكانت العرب اذا كان السيد فيهم فأجار أحدا ليس لمن دونه أن يجير عليه   " سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ " سيعترفون أن السيد العظيم الذى يجير ولا يجار عليه هو الله تعالى وحده لا شريك له  " قُلۡ فَأَنَّىٰ تُسۡحَرُونَ " قل لهم فكيف تذهب عقولكم فى عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك  ، " بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِٱلۡحَقِّ " الحق هو ما أتى الله به من اعلام بأنه لا اله الى الله وأقام الأدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك ، " وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ "  وهم كاذبون فى عبادتهم مع الله غيره ولا دليل لهم على ذلك كما قال تعالى " ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون " فالمشركون لا يفعلون ذلك عن دليل قادهم الى ماهم فيه من الافك والضلال ، وانما يفعلون ذلك اتباعا لآبائهم وأسلافهم كما قال تعالى عنهم " انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون " .

مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٖ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنۡ إِلَٰهٍۚ إِذٗا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۢ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ٩١ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٩٢

" مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَد " ينزه الله نفسه عن أن يكون له ولد  ، " وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنۡ إِلَٰهٍ إِذٗا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۢ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض " ينزه الله أن يكون  له شريك فى الملك والتصرف والعبادة لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوى والسفلى مرتبط بعضه ببعض فى غاية الكمال ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض والمتكلمون ذكروا هذاالمعنى وعبروا عنه بدليل التمانع وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا فأراد واحد تحريك جسم والآخر أراد سكونه فانه لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين والواجب لا يكون عاجزا ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد ، وما جاء هذا المحال الا من فرض التعدد فيكون محالا ، فأما ان حصل مراد أحدهما دون الآخر كان الغالب هو الواجب والآخر المغلوب ممكنا لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا ، "  سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ " تعالى الله وتنزه عما يقول الكافرون المتعدون الحدود فى دعواهم أن لله ولد أو شريك علوا كبيرا ، " عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ " الله يعلم ما يغيب عن المخلوقات وما يشاهدونه ، " فَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ " تقدس الله وتنزه وتعالى عز وجل عما يقول الظالمون والجاحدون .

قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ٩٣ رَبِّ فَلَا تَجۡعَلۡنِي فِي ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٩٤ وَإِنَّا عَلَىٰٓ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمۡ لَقَٰدِرُونَ ٩٥ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ٩٦ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ ٩٧ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحۡضُرُونِ ٩٨

يقول الله تعالى آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء عند حلول النقم " قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ *  رَبِّ فَلَا تَجۡعَلۡنِي فِي ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ " رب ان عاقبت القوم الظالمين وأنا أشاهد ذلك فلا تجعلنى فيهم كما جاء فى الحديث الذى رواه الامام أحمد والترمذى وصححه " واذا أردت بقوم فتنة فتوفنى اليك غير مفتون " ،  وَإِنَّا عَلَىٰٓ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمۡ لَقَٰدِرُونَ " يقول الله تعالى لو شئنا بقدرتنا لأريناك ما نحل بهم من النقم والبلاء والمحن ، " ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ " قال الله لرسول صلى الله عليه وسلم مرشدا له الى الترياق النافع فى مخالطة الناس وهو الاحسان الى من يسىء اليه ليستجلب خاطره فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة كما قال " ادفع بالتى هى أحسن فاذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه وليم حميم * وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم " وما يلقى الجزاء الحسن فى الدنيا والآخرة الا الذين صبروا على أذى الناس فعاملوهم بالجميل مع اسدائهم اليهم القبيح ، " وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من الشياطين لأنهم لا تنفع معهم الحيل ولا ينقادون بالمعروف وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " ، " وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحۡضُرُونِ " وأعوذ بك ربى أن تحضر الشياطين فى شىء من أمرى ولهذا أمربذكر الله فى ابتداء الأمور وذلك لطرد الشيطان عند الأكل والجماع والذبح وغير ذلك من الأمور وروى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " اللهم انى أعوذ بك من الهرم ، وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق ، وأعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات يقولهن عند النوم من الفزع " بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون " .

حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٠٠

يخبر الله تعالى عن حال المحتضر عند الموت من الكافرين أو المفرطين فى أمر الله تعالى وقيلهم عند ذلك وسؤالهم الرجعة الى الدنيا ليصلح ما كان أفسده فى مدة حياته " حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ  لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُ " اذا حضر الموت الكافر وهو يحتضر وحضره ملك الموت يتمنى من الله أن يرجعه الى الدنيا ليعمل الأعمال الصالحة ويصلح ما أفسده فى حياته ، " كَلَّآۚ " يقول الله له كلا كذبت وكلا حرف ردع وزجر أى لا تجيبه الى ما طلب ولا تقبل منه  ، " إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ " قال عبد الرحمن بن أسلم أى كلمة لابد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم ، ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله كلا أى لأنها كلمة أى سؤاله الرجوع ليعمل صالحا هومجرد كلام منه وقوله هذا لا عمل معه لأنه لو رد لما عمل صالحا ولكان يكذب فى مقالته هذه كما قال تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون " ، يشير هذا الى عذاب القبر أوحياة البرزخ " وَمِن وَرَآئِهِم " يعنى أمامهم ، " بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ " قال مجاهد البرزخ الحاجز ما بين الدنيا والآخرة وقال محمد بن كعب : ما بين الدنيا والآخرة ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ولا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم وقال أبو صخر : البرزخ المقابر لاهم فى الدنيا ولا هم فى الآخرة فهم مقيمون الى يوم يبعثون وفى قوله " وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ " تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ ، " إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ " أى يستمر العذاب الى يوم القيامة يوم البعث لهم كما جاء فى الحديث " فلا يزال معذبا فيها " أى فى الأرض وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال " اذا وضع - يعنى الكافر - فى قبره فيرى مقعده من النار فيقول رب ارجعون أتوب وأعمل صالحا فيقال قد عمرت ما كنت معمرا ، فيضيق عليه قبره ويلتئم فهو كالمنهوش ينام ويفزع وتهوى اليه هوام الأرض وحياتها وعقاربها.

فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ ١٠١ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٢ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فِي جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ ١٠٣ تَلۡفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمۡ فِيهَا كَٰلِحُونَ ١٠٤

" فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ " يخبر الله تعالى أنه اذا نفخ فى الصور نفخة النشور وقام الناس من القبور لا تنفع الأنساب يومئذ ولا يرثى والد لولده ولا يلوى عليه كما قال تعالى " ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم " أى لا يسأل القريب عن قريبه وهو يبصره ولوكان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره وهو كان أعز الناس عليه فى الدنيا ما التفت اليه ولا حمل عنه جناح بعوضة كما قال تعالى " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " وعن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة الا نسبى وصهرى " وعن أبى سعيد الخدرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر " ما بال رجال يقولون ان رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومه ؟ بلى والله ان رحمى موصولة فى الدنيا والآخرة وانى أيها الناس فرط لكم اذا جئتم ، وقال رجل : يا رسول الله أنا فلان بن فلان فأقول لهم : أما النسب فقد عرفت ولكنكم أحدثتم بعدى وارتددتم القهقرى " ،"  فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ " من رجحت حسناته عن سيئاته ولو بواحدة فقد أفلح وفاز يوم القيامة نجا من النار وأدخل الجنة ، " وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ" من ثقلت سيئاته عن حسناته ، " فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ " فهم الذين خابوا وهلكوا وخسروا أنفسهم ،" فِي جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ " هم فى جهنم ماكثون فيها دائمون مقيمون فلا يظعنون  ، " تَلۡفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلفحهم (النار لفحة ) تسيل لحومهم على أعقابهم كما فى قوله " وتغشى وجوههم النار " وقال تعالى " لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم "  وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ان جهنم لما سيق لها أهلها تلقاهم لهبها ثم تلفحهم لفحة فلم يبق لهم لحم الا سقط على العرقوب " ، " وَهُمۡ فِيهَا كَٰلِحُونَ " قال أبن عباس كالحون أى عابسون .

أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ١٠٥ قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ ١٠٦ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ ١٠٧

هذا تقريع من الله وتوبيخ لأهل النار على ما ارتكبوه من الكفر والمآثم والمحارم والعظائم التى أوبقتهم فى ذلك " أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ " يقول تعالى قد أرسلت اليكم الرسل وأنزلت عليكم الكتب وأزلت شبهكم ولم يبق لكم حجة ولكنكم كنتم معرضون تكذبون الرسل تكذبون ما أرسل اليكم من الآيات  كما قال تعالى" لئلا يبقى للناس حجة بعد الرسل " وقال تعالى "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"  ، " قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ " يقول الكافرون ربنا قد قامت علينا الحجة ولكن كنا أشقى من أن ننقاد لها ونتبعها فضللنا عنها ولم نرزقها ، " رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ " يقول الكافرون ربنا أرددنا الى الدنيا فان عدنا الى ما سلف منا فنحن ظالمون مستحقون للعقوبة .

قَالَ ٱخۡسَُٔواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ١٠٨ إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ١٠٩ فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ ١١٠ إِنِّي جَزَيۡتُهُمُ ٱلۡيَوۡمَ بِمَا صَبَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ١١١

هذا جواب من الله تعالى للكفار اذا سألوا الخروج من النار والرجعة الى الحياة الدنيا " قَالَ ٱخۡسَُٔواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ " يقو ل الله لهم أمكثوا فى النار صاغرين مهانين أذلاء ولا تعودا الى سؤالكم هذا فانه لا جواب لكم عندى ، " إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيق مِّنۡ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ *  فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ  سِخۡرِيًّا " يقول الله تعالى مذكرا للكفار بذنوبهم فى الدنيا وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه الذين يعبدون الله ويطلبون منه المغفرة والرحمة منه وحده وهو خير الراحمين كانوا يسخرون منهم فى دعائهم الله وتضرعهم اليه ، " حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي " يقول الله لهم حملكم بغضكم لهم على أن نسيتم معاملتى ، "  وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ " وكنتم تضحكون سخرية من صنيعهم وعبادتهم كما قال تعالى " ان الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون واذا مروا بهم يتغامزون " أى يلمزونهم استهزاء ، " إِنِّي جَزَيۡتُهُمُ ٱلۡيَوۡمَ بِمَا صَبَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ يخبر الله تعالى عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين فهو قد كافئهم وجازاهم على صبرهم على أذى الكفار لهم واستهزائهم بهم ففازوا بالسعدة والسلامة فى الجنة والنجاة من النار .

قَٰلَ كَمۡ لَبِثۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ عَدَدَ سِنِينَ ١١٢ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ فَسَۡٔلِ ٱلۡعَآدِّينَ ١١٣ قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ لَّوۡ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١١٤ أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ ١١٥ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِيمِ ١١٦

يقول تعالى منبها للكفار على ما أضاعوه فى عمرهم القصير فى الدنيا من طاعة الله تعالى وعبادته وحده لو صبروا فى مدة الدنيا القصيرة لفازوا كما فاز أولياؤه المتقون " قَٰلَ كَمۡ لَبِثۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ عَدَدَ سِنِينَ " يقول الله تعالى لهم كم كانت اقامتكم فى الدنيا من السنوات وهذا تصغير وتحقير ، " قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ فَسَۡٔلِ ٱلۡعَآدِّينَ " يردون بقولهم أن اقامتهم بعد بعثهم أن مدتهم كانت قصيرة لم يشعروا بها يوما أو جزء من اليوم والسؤال والاستفسار من الحاسبين الوكلون بحساب الزمن ، " قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا " الرد عليهم أن اقامتهم كانت مدة يسيرة قليلة على كل تقدير ، " لَّوۡ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ " لما آثرتم الفانى على الباقى ولما تصرفتم لأنفسكم هذا التصرف السىء ولا استحققتم من الله سخطه فى تلك المدة اليسيرة فلو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته كما فعل المؤمنون لفزتم كما فازوا عن أبقع بن عبد الكلاعى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله اذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال يا أهل الجنة كم لبثتم فى الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قال لنعم ما اتجرتم فى يوم أو بعض يوم رحمتى ورضوانى وجنتى أمكثوا فيها خالدين مخلدين ، ثم قال يا أهل النار لك لبثتم فى الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فيقول بئس ما اتجرتم فى يوم أو بعض يوم نارى وسخطى أمكثوا فيها خالدين " ، " أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا " أفظننتم أنكم مخلوقون عبثا بلا قصد ولا ارادة منكم ولا حكمة لنا ، وقيل للعبث أى لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب وانما خلقناكم للعبادة واقامة أوامر الله عز وجل ، " وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ " أظننتم أنكم لن تبعثوا وتعودون فى الدار الآخرة كما قال تعالى " أيحسب الانسان أن يترك سدى " يعنى هملا  عن محمد بن ابراهيم بن الحارث عن أبيه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية وأمرنا أن نقول اذا نحن أمسينا وأصبحنا " أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ " قال فقرأناها فغنمنا وسلمنا " ، " فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّ " تقدس الله أن يخلق شيئا عبثا فانه الملك الحق المنزه ، " لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ " لا اله غيره ولا رب سواه وحده لا شريك له ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ، " رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِيمِ " هو رب العرش ذكر العرش لأنه سقف المخلوقات ووصفه بأنه كريم أى حسن المظهر بهى الشكل كقوله " وأنبتنا فيها منكل زوج كريم " .

وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ١١٧ وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ١١٨

" وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِ " يقول الله تعالى متوعدا من أشرك به غيره وعبد معه سواه ومخبرا أن من أشرك بالله لا برهان له أى لا دليل له على قوله ، " فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِ" الله يحاسبه على كفره ، " إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ " والكافرون لا فلاح لهم ولا نجاة يوم القيامة ، " وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ " هذا ارشاد من الله تعالى الى هذا الدعاء والغفر هو محو الذنب وستره عن الناس والرحمة معناها أن يسدده الله ويوفقه فى الأقوال والأفعال فهو خير الراحمين فلا ترجى المغفرة والرحمة الا منه .

 

تفسير الجزء الثامن عشر

تفسير سورة النور

سورة النور سورة مدنية فيها سمات السور المدنية من تشريع وأحكام وارشاد للمسلمين فى حياتهم .

سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ١ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢

" سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا " يقول الله تعالى هذه سورة أنزلناها وهذا فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفى ما عداها " وَفَرَضۡنَٰهَا " قال مجاهد وقتادة بينا فيها الحلال والحرام والأمر والنهى ، " وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتأنزلنا فى هذه السورة آيات مفسرات واضحات ، " لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ " وفى هذا تذكرة لكم بما أنزل الله اليكم "ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَة" هذه الآية فيها حكم الزانى والزانية فى الحد وللعلماء فيه تفصيل ونزاع فان الزانى لا يخلو اما أن يكون بكرا وهو الذى لم يتزوج ، أومحصنا وهو الذى قد وطىء فى نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل ، فأما اذا كان بكرا لم يتزوج فان حده مائة جلدة كما فى الآية ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء خلافا لأبى حنيفة فان عنده أن التغريب الى رأى الامام ان شاء غرب وان شاء لم يغرب ، وما ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى فى الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ان ابنى هذا كان عسيف أى أجيرا على هذا فزنا بامرأته فافتديت ابنى منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبرونى أن على ابنى جلد مائة وتغريب ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى : الوليدة والغنم رد عليك ، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام ،  واغد يا أنيس ( لرجل من أسلم ) الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت فرجمها " وفى هذا دلالة على تغريب الزانى مع جلد مائة جلدة اذا كان بكرا لم يتزوج ، فأما اذا كان محصنا وهو الذى وطىء فى نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فانه يرجم ، وقد أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة وهى زوجة الرجل الذى استأجر الأجير لما زنت مع الأجير ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلدهم قبل الرجم وانما وردت الأحاديث الصحيحة المتعاضدة المتعددة الطرق والألفاظ بالاقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر للجلد وذهب الى ذلك جمهور العلماء وأبوحنيفة ومالك والشافعى ، وذهب الامام أحمد الى أنه يجب أن يجمع على الزانى المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة كما روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه لما أتى بسراحة وكانت قد زنت وهى محصنة فجلدها يوم الخميس ورجمها الجمعة فقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " ، " وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ " لاتأخذكم بهما رحمة فى حكم الله أى لا ترأفوا بهما فى شرع الله وليس المنهى عنه الرأفة الطبيعية على ترك الحد وانما هى الرأفة التى تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك وقال مجاهد اقامة الحدود اذا رفعت الى السلطان فتقام ولا تعطل وقد جاء فى الحديث " تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغنى من حد فقد وجب " وفى الحديث الآخر " لحد يقام فى الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا " ،وقيل فلا تقيموا الحد كما ينبغى من شدة الضرب الزاجر عن المآثم وليس الضرب المبرح وعن حماد بن أبى سليمان يجلد القاذف وعليه ثيابه والزانى تخلع ثيابه ، " إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ " فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زنى وشددوا عليه الضرب ولكن ليس مبرحا ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك ، "وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ " هذا فيه تنكيل للزانين اذا جلدا يحضره الناس فان ذلك يكون أبلغ فى زجرهما وأنجع فى ردعهما فان فى ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة اذا كان الناس حضورا وقال الحسن البصرى علانية وقال أبن عباس الطائفة الرجل فما فوقه وقال مجاهد الرجل الواحد الى الألف وعن الامام مالك الطائفة أربعة نفر فصاعدا لأنه لا يكفى شهادة فى الزنا الا أربعة فصاعدا وقال نصر بن علقمة ليس ذلك للفضيحة انما ذلك ليدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة . 

ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٣

" ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَة" أى عاصى لله بزناه هذا خبر من الله تعالى بأن الزانى لا يطأ الا زانية أومشركة أى لا يطاوعه على مراده من الزنا الا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك ،  "وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِك" والزانية لا ينكحها الا عاص لله مثلها لا يرى حرمة فى ذلك وقال أبن عباس ليس هذا بالنكاح انما هو الجماع لا يزنى بها الا زان أومشرك ، " وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ "  تعاطى ذلك والتزويج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار حرم على المؤمنين بالله المراعين حدوده وقال أبن عباس حرم الله الزنا على المؤمنين وقال قتادة ومقاتل بنحيان حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا وهذا كقوله تعالى " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان " وكقوله " محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان " وذهب الآمام أبن حنبل الى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغى مادامت كذلك حتى تستتاب فان تابت صح العقد عليها والا فلا ، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى " وحرم ذلكعلى المؤمنين " وعن عبد الله بن عمرو قال كانت امرأة يقال لها أم مهزول وكانت تسافح فأراد رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فأنزل الله الآية وعن عبد الله بن يسار مولى أبن عمر قال أشهد لسمعت سالما ( بن عبد الله بن عمر ) يقول : قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله اليهم يوم القيامة : العاق لوالديه والمرأت المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث ، وثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان لما أعطى " وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر،والعاق لوالديه ،والذى يقر فى أهله الخبث "

وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٤ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥

" وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَة وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ " هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة وهى الحرة البالغة العفيفة فاذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا وليس فيه نزاع بين العلماء فان أقام القاذف بينة على صحة ما قاله درأ عنه الحد ،  أوجب الله على القاذف ثلاثة أحكام ( 1- ) أن يجلد ثمانين جلدة ( 2- ) أن ترد شهادته أبدا  ( 3- ) أن يكون فاسقا ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس ، " إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم" ذهب الامام مالك وأحمد والشافعى الى أنه اذا تاب قبلت شهادته وارتفع عنه حكم الفسق وقال الشعبى والضحاك لا تقبل شهادته وان تاب الا أن يعترف على نفسه أنه قد قال البهتان فحينئذ تقبل شهادته .   

وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٦ وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٧ وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٨ وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٩ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ١٠

هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج اذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه اقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل  " وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " وهو أن يحضرها الى الامام فيدعى عليها بما رماها به فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله فى مقابلة أربع شهادات انه لمن الصادقين أى فيما رماها به من الزنا ،  " وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ " والشهادة الخامسة أن عليه اللعنة أى الطرد من رحمة الله ان كان كاذبا فيما ادعى ، فاذا قال ذلك بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعية وكثير من العلماء وحرمت عليه أبدا ويعطيها مهرها ويتوجه عليها حد الزنا ، " وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ " ولا يمنع عنها الحد الا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين فيما رماها به " وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ " والشهادة الخامسة أن تشهد أن غضب الله عليها ان كان صادقا فخصها بالغضب لأن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا الا وهو صادق معذور وهى تعلم صدقه فيما رماها به ولهذا كانت الخامسة فى حقها أن غضب الله عليها والمغضوب عليه هو الذى يعلم الحق ثم يحيد عنه ، " وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ" ذكر الله تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق فلولا فضل الله عليهم ورحمته بهم لحرجوا ولشق عليهم كثير من أمورهم ، " وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ  " والله يتوب على عباده ويقبل التوبة منهم وان كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة وهو حكيم فيم يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه ، وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال لأول لعان كان فى الاسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بأمرأته فرفعته الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربعة شهود والا فحد فى ظهرك " فقال : يا رسول الله ان الله يعلم أنى لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرىء به ظهرى من الجلد فأنزل الله آية اللعان فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم فقال " أشهد بالله انك لصادق فيما رميتها به من الزنا " فشهد بذلك أربع شهادات ثم قال له فى الخامسة " ولعنة الله عليك ان كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا " ففعل ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " قومى فاشهدى بالله انه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا فشهدت بذلك أربع شهادات ثم قال لها فى الخامسة " وغضب الله عليك ان كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا " فلما كانت الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنا ستعترف ثم قالت : لا أفضح قومى سائر اليوم فمضت على القول ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما وقال "انظروا فان جاءت به جعدا خمش الساقين فهو لشريك بن سحماء وان جاءت به أبيض سبطا قصير العينين فهو لهلال بن أمية ، فجاءت به جعدا خمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لى ولها شأن " وقال أبن عباس مثل ذلك ، ثم جرت السنة فى الميراث أن ابنها يرثها وترث منه ما فرض الله لها .

إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ ١١

هذه الآيات العشر كلها نزلت فى شأن عائشة رضى الله عنها أم المؤمنين حين رماها أهل الأفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التى غار الله عز وجل لها ولنبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض الرسول صلى الله عليه وسلم  فقال تعالى " إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡ " الذين جاءوا بحديث الافك والبهتان جماعة ماهو واحد ولا اثنان فكان المقدم فى هذه اللعنة عبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين فانه كان يجمعه ويستوشيه حتى دخل ذلك فى أذهان بعض المسلمين فتكلموا به وجوزه آخرون منهم وبقى الأمر كذلك قريبا من شهر حتى نزل القرآن وبيان ذلك فى الأحاديث الصحيحة ، ذكروا أن عائشة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت : كتن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فأقرع بيننا فى غزوة غزاها فخرج فيها سهمى وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل فى هودجى وأنزل فيه فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن بالرحيل فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فحبسنى ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوننى فاحتملوا هودجى فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب وهم يحسبون أنى فيه ، وكانت النساء اذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم انما يأكلن العلقةمن الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس به داع ولا مجيب فتيممت منزلى الذى كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوننى فيرجعون الى ، ، فبينا أنا جالسة فى منزلىغلبتنى عيناى فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى قد عرس أى تأخر من وراء الجيش فأدلج أى أقبل فأصبح عند منزلى فرأى سواد انسان نائم فأتانى فعرفنى حين رآنى وكان قد رآنى قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه ( أى كان يقول انا لله وانا اليه راجعون مما رآه أمامه ) حين عرفنى فخمرتوجهى بجلبابى والله ما كلمنى كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته فوطىء على يدها فركبتها ( جعل الجمل يجلس على الأرض لتتمكن من الركوب عليه ) فانطلق يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين فى نحر الظهيرة ، فهلك من هلك فى شأنى ( خاضوا فى الحديث كذبا عنى ) وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبى سلول ( أكثر من تحدث بالأفك وسعى فيه ) ، فقدمنا الى المدينة فاشتكيت حين قدمناها شهرا والناس يفيضون فى قول أهل الافك ولا أشعر بشىء من ذلك وهو يريبنى فى وجعى أنى لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذى أرى منه حين أشتكى ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن لطيفا معها كما كان من قبل ) انما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول " كيف تيكم ؟ " وخرجت السيدة عائشة رضى الله عنها يوما مع أم مسطح فأخبرتها أن ابنها أخبرها بقول أهل الافك فازاددات مرضا الى مرضها فلما رجعت الى البيت دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لها " كيف تيكم ؟ " فطلبت منه أن تتوجه الى بيت أبيها حتى تتيقن مما حدث فسألت أمها " يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به ؟ " فقالت " أى بنية هونى عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها " فقال عائشة رضى الله عنها : سبحان الله أو قد تحدث الناس بها ؟ " فبكت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لها دمع ولم تنم حتى أصبحت وانخرطت فى البكاء المستمر، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وأسامة بن زيد حين تأخر عليه الوحى يسألهما ويستشيرهما فى فراق أهله ، فأشار عليه أسامة بالذى يعلم من براءة أهله وبالذى يعلم فى نفسه لهم من الود ، وأما على بن أبى طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وان تسأل الجارية تصدقك الخبر ( يقصد بريرة ) ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : أى بريرة هل رأيت من شىء يريبك من عائشة " فقالت له بريرة : والذى بعثك بالحق ان رأيت عليها أمرا قط " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبى بن سلول فقال وهو على المنبر ك يا معشر المسلمين من يعذرنى من رجل قد بلغنى أذاه فى أهلى فو الله ما علمت على أهلى الا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وما كان يدخل على أهلى الا معى " فقام سعد بن معاذ الأنصارى رضى الله عنه فقال أنا أعذرك يا رسول الله ان كان من الأوس ضربنا عنقه وان كان من اخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك ، فقام سعد بن عبادة سيد الخزرج وقال له كذبت لاتقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل فقام أسيد بن حضير أبن عم سعد بن معاذ فقال كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين وتثاور الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا وظل رسول الله وراءهم حتى سكتوا ودخل رسول الله على عائشة رضى الله عنها فى بيت أبويها وهى تبكى بكاءا مرا وجلس وقد لبث شهرا لا يوحى اليه فى شأنها فتشهد ثم قال " أما بعد يا عائشة فانه قد بلغنى عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله وتوبى اليه فان العبد اذا اعترف بذنبه وتاب الله عليه " وتوجهت لوالديها وهى تؤكد براءتها وما كانت تظن أن ينزل فى شأنها وحى ولكن كانت تتمنى أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم رؤيا يبرأها الله بها وأنزل الله عليه الوحى يبرىء عائشة رضى الله عنها بهذه الآيات فقال لها " أبشرى يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك " ونزلت الآيات إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡ " الذين أتوا بالكذب والافك جماعة منكم ، " لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُم " يا آل أبى بكر لا تظنوا أن فى هذا شر لكم ، " بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ " بل هو خير لكم فى الدنيا والآخرة لسان صدق فى الدنيا ورفعة منازل فى الآخرة واظهار شرف لهم بعتناء الله تعالى بعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها حيث أنزل الله براءتها فى القرآن العظيم ، "  لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِ " لكل من تكلم فى هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها بشىء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب ، " وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم " الذى ابتدا بذلك وقيل الذى كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه وأجمع الأكثرون أن المراد بذلك هو عبد الله بن أبى بن سلول لما دخل أبن عباس رضى الله عنه على السيدة عائشة رضى الله عنها وهى فى سياق الموت قال لها : أبشرى فانك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحبك ولم يتزوج بكرا غيرك ونزلت براءتك من السماء " .   

لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ ١٢ لَّوۡلَا جَآءُو عَلَيۡهِ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَۚ فَإِذۡ لَمۡ يَأۡتُواْ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ ١٣

هذا تأديب من الله تعالى للمؤمنين فى قصة عائشة رضى الله عنها حين أفاض بعضهم فى ذلك الكلام السوء وما ذكر من شأن الافك " لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ " يعنى أبا أيوب حين قال لأم أيوب ما قال  لما سمعتم هذا الكلام الذى رميت به أم المؤمنين رضى الله عنها ، " ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِين " وقاسوا ذلك الكلام على أنفسهم وظنوا بأنفسهم الخير فان كان لايليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى قيل أنها نزلت فى أبى أيوب خالد بن زيد الأنصارى وامرأته فقد قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس فى عائشة رضى الله عنها ؟ قال : نعم وذلك الكذب ، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟ قالت : لا والله ما كنت لأفعله قال : فعائشة والله خير منك " وفى الآية تصوير لما دار بينهما وقولهما بألسنتهما أن هذا كذب ظاهر على أم المؤمنين رضى الله عنها فان الذى وقع لم يكن ريبة وذلك أن مجىء أم المؤمنين راكبة جهرة على راحلة صفوان بن المعطل فى وقت الظهيرة والجيش بكامله يشاهدون ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ولو كان هذا الأمر فيه ريبة لم يكن هذا جهرة ولا كانا يقدمان على مثل ذلك على رءوس الأشهاد بل كان هذا لو قدر خفية مستورا فتعين أن ما جاء به أهل الافك مما رموا به أم المؤمنين هو الكذب البحت والقول الزور والرعونة الفاحشة الفاجرة والصفقة الخاسرة ، " لَّوۡلَا جَآءُو عَلَيۡهِ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ " يقول الله تعالى هلا فليأتوا بأربعة شهداء يشهدون على صحة ماجاءوا به وهو الشهادةعلى وقوع الاثم ، " فَإِذۡ لَمۡ يَأۡتُواْ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ " فان لم يفعلوا ذلك  ويأتوا بالشهداء فهم فى حكم الله كاذبون فاجرون ، وهذا ينطبق على كل من يرمى أحد بالزنا .

وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٤ إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ ١٥

" وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " أيها الخائضون فى شأن عائشة رضى الله عنها من فضل الله عليكم أنه قبل توبتكم وانابتكم اليه فى الدنيا وعفا عنكم لايمانكم بالنسبة للدار الآخرة لأصابكم فيما قلتم وأفضتم فيه القول من قضية الافك عذاب شديد كبير وهذا فيمن عنده ايمان وانساق كمسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش أخت ذينب بنت جحش ، فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبى بن سلول وأضار به ليسوا مرادين فى هذه الآية لأنه ليس لديهم ايمان ولا عمل صالح ، " إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ " قال مجاهد وسعيد بن جبير يرويه بعضكم عن بعض يقول هذا سمعنه وتلقيته من فلان وقال فلان كذا وذكر بعضهم كذا وعن عائشة رضى الله عنها أنها تقول " تلقونه " من ولق اللسان يعنى الكذب الذى يستمر صاحبه عليه وتقول العرب ولق فلان فى السير اذا استمر فيه ، " وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡم" تقولون بأفواهكم ما لا تعلمون ، " وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيم " تقولون ما تقولون فى شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ولو لم تكن زوجة النبى صلى الله عليه وسلم لما كان هينا فكيف وهى زوجة النبى صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين فعظيم عند الله أن يقال فى زوجة نبيه ورسوله ما قيل ، فان الله سبحانه وتعالى يغار لهذا وفى الصحيحين " ان الرجل ليتكلم بالكلمة ( فى رواية لا يلقى لها بالا )  من سخط الله لا يدرى ما تبلغ يهوى بها فى النار أبعد مما بين السماء والأرض .

وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ ١٦ يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٧ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ١٨

هذا تأديب آخر بعد الأول الآمر بظن الخير اذا ذكر ما لا يليق من القول فى شأن الخيرة فأولى ينبغى الظن بهم خيرا وأن لا يشعر نفسه سوى ذلك ، وان علق بنفسه شىء من وسوسة أوخيالا فلا ينبغى أن يتكلم به " وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا " واذا سمعتم بكلام لا يليق قولوا ما ينبغى لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد  ، " سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيم" سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة رسوله صلى الله عليه وسلم وحليلة خليله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله تعالى تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تقل أوتعمل " ،  يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ " ينهاكم الله متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدا أى فيما يستقبل أى يأتى أو يحدث فى المستقبل ان كنتم تؤمنون بالله وشرعه وتعظمون رسوله صلى الله عليه وسلم فأما من كان متصفا بالكفر فله حكم آخر ، " وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ " يوضح الله لكم الأحكام الشرعية والحكم القدرية ، " وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " والله عليم بما يصلح عباده حكيم فى شرعه وقدره .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩

هذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السىء فقام بذهنه شىء منه وتكلم به فلا يكثر منه ولا يشيعه ويذيعه " إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ " الذين يختارون ظهور الكلام القبيح الفاحش عن الذين آمنوا وينشرونه ويشيعونه لهم عذاب الدنيا باقامة الحد عليهم وهو حد القذف ولهم فى الآخرة العذاب الأليم الشديد من الله ، "  وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ " فردوا الأمور الى الله ترشدوا فهو العليم بخلقه المطلع على أعمالهم وهو الذى يحاسبهم عليها وعن ثوبان عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ، ولا تطلبوا عوراتهم فانه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه فى بيته " .

وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٢٠ ۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٢١

" وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيم" لولا الفضل من الله والرحمة بكم لكان أمر آخر فهو رءوف بعباده رحيم بهم فتاب على من تاب اليه من هذه القضية وطهر من طهر منهم بالحد الذى أقيم عليه ، " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ" يأمر الله تعالى الذين آمنوا أن لا يتبعوا طرائق الشيطان ومسالكه وما يأمر به وقال أبن عباس عمله وقال عكرمة نزغاته وقال قتادة كل معصية فهى من خطوات الشيطان ، " وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ" هذا تنفير وتحذير من اتباع الشيطان بأفصح عبارة وأبلغها وأوجزها وأحسنها من يتبع طرائق ومسالك ونزغات الشيطان فالشيطان يأمر بالفحشاء وهى كل عمل قبيح والمنكر أى كل ما هو محرم مستهجن ، " وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا " ولولا الفضل من الله والرحمة فهو يرزق من يشاء التوبة والرجوع اليه ويزكى النفوس من شركها وفجورها ودنسها وما فيها من أخلاق رديئة كل بحسبه لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرا ، " وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ " والله يهدى ويزكى من يشاء من خلقه ويضل من يشاء ويرديه فى مهالك الضلال والغى ، " وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم " والله سميع لأقوال عباده عليم بمن يستحق منهم الهدى والضلال .

وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ٢٢

"وَلَا يَأۡتَلِ " من الألية وهى الحلف أى لا يحلف ، " أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ " أصحاب الطول والصدقة والاحسان منكم " ، "وَٱلسَّعَةِ " أى من وسع الله عليه فى الرزق ، " أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ " أن يتصدقوا وينفقوا ويصلوا قرابتهم المساكين والمهاجرين فى سبيل الله وهذا فى غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام أى لا تحلفوا أن لا تصلوا قرابتكم المساكين والمهاجرين   ، " وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ " فليعفوا ويصفحوا عما تقدم منهم من الاساءة والأذى ، وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم ، وهذه الآية نزلت فى الصديق رضى الله عنه حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبدا بعد ما قال فى عائشة رضى الله عنها ما قال ، فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين وطابت النفوس المؤمنة واستقرت وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين فى ذلك وأقيم الحد على من أقيم عليه شرع الله تعالى وله الفضل والمنة يعطف ويرقق الصديق على قريبه ونسيبه مسطح بن أثاثة فانه كان ابن خالة الصديق وكان مسكينا لا مال له الا ما ينفق عليه أبو بكر رضى الله عنه وكان من المهاجرين فى سبيل الله وقد زلق زلقة تاب الله عليه منها وضرب الحد عليها ، وكان الصديق رضى الله عنه معروفا بالمعروف له الفضل والأيادى على الأقارب والأجانب " أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ " الجزاء من جنس العمل فكما تغفر وتصفح عن ذنب من أذنب اليك يغفر الله لك وكما تصفح يصفح عنك فهو وحده الغفور الرحيم الذى يغفر لعباده ويرحمهم ،وعند ذلك قال الصديق رضى الله عنه : بلى والله انا نحب أن تغفر لنا يا ربنا ، ثم رجع الى مسطح ما كان يصله من النفقة وقال : والله لا أنزعها منه أبدا فى مقابلة ما كان . 

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٢٣ يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ ٢٥

هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات وأمهات المؤمنين أولى بالدخول فى هذا من كل محصنة ولا سيما النى كانت سبب النزول وهى عائشة رضى الله عنها وقد أجمع العلماء على أن من سبها ورماها به بعد هذا الذى ذكر فى الآية فانه كافر لأنه معاند للقرآن وفى بقية أمهات المؤمنين " إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم " لعن الله الذين يتناولون المؤمنات العفيفات بألسنتهم وهن لا يعلمن عن ذلك شيئا ويقذفونهن لعنهم فى الدنيا باقامة حد القذف عليهم وفى الآخرة لهم العذاب العظيم من الله ، نزلت فى السيدة عائشة رضى الله عنها فعن عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت " رميت بما رميت به وأنا غافلة فبلغنى بعد ذلك ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عندى اذ أوحى اليه وكان اذا أوحى اليه أخذه كهيئة السبات وانه أوحى اليه وهو جالس عندى ثم استوى جالسا يمسح على وجهه وقال " يا عائشة أبشرى " فقلت : بحمد الله لا بحمدك فقرأ " إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٢٣ يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ * ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيم " والآية عامة فى تحريم قذف كل محصنة ولعنة الله فى الدنيا والآخرة وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا فى عائشة ومن صنع مثل هذا أيضا اليوم فى المسلمات فله ما قال الله تعالى ولكن عائشة كانت أما فى ذلك وقد اختار أبن جرير عمومها وهو الصحيح وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التى حرم الله الا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " ، " يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ " عن أبن عباس قال يعنى المشركين اذا رأوا أنه لا يدخل الجنة الا أهل الصلاة قالوا تعالوا حتى نجحد فيجحدون فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا ،   وعن أبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فيجحد ويخاصم فيقال هؤلاء جيرانك يشهدون عليك ، فيقول كذبوا ، فيقول أهلك وعشيرتك فيقول :كذبوا فيقال احلفوا فيحلفون ثم يصمهم الله فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم ثم يدخلهم النار " ، " يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ " قال أبن عباس " دينهم " حسابهم وكل ما فى القرآن دينهم أى يوفيهم حسابهم الحقيقى بما استحقوه لا يظلمون منه شيئا ،" وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ " وسيعلمون يوم القيامة أن وعد الله ووعيده وحسابه هو العدل الذى لا جور فيه .

ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٢٦

قال أبن عباس نزلت فى عائشة رضى الله عنها وأهل الافك "ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِ " قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء وهذا أيضا يرجع الى ما قاله أولئك باللازم أى ما كان الله ليجعل عائشة رضى الله عنها زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا وهى طيبة لأنه أطيب من كل طيب من البشر ولو كانت خبيثة لما صلحت له لا شرعا ولا قدرا وقال أبن جريربأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس فما نسبه أهل النفاق الى عائشة رضى الله عنها من كلام خبيث هم أولى به وهى أولى بالبراءة منهم ولهذا قال " أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ " ، " أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ " هم بعداء وبريئون عما يقوله أهل الافك والعدوان " لَهُم مَّغۡفِرَة" الله جزاهم على صبرهم بسبب ما قيل فيهم من الكذب مغفرة منه ، "وَرِزۡق  كَرِيم " ورزقهم السخى الحسن عند الله فى جنات النعيم ، وفيه وعد بأن تكون زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضى الله عنها فى الجنة .  

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ٢٧ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدٗا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤۡذَنَ لَكُمۡۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُواْ فَٱرۡجِعُواْۖ هُوَ أَزۡكَىٰ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ ٢٨ لَّيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ مَسۡكُونَةٖ فِيهَا مَتَٰعٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ ٢٩

قال مقاتل بن حيان كان الرجل فى الجاهلية اذا لقى صاحبه لا يسلم عليه ويقول حييت صباحا وحييت مساء وكان ذلك تحية القوم بينهم وكان أحدهم ينطلق الى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول قد دخلت ونحو ذلك فيشق ذلك على الرجل ولعله يكون مع أهله فغير الله ذلك كله فى ستر وعفة وجعله نقيا نزها من الدنس والقذر ، قال أشعث بن سوار عن عدى بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله انى أكون فى منزلى على الحال التى لا أحب أن يرانى أحد عليها لا والد ولا ولد وأنه لايزال يدخل على رجلمن أهلى وأنا على تلك الحال فنزلت هذه الآية ، فى هذه الآية آداب شرعية أدب الله بها عباده المؤمنين " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَا " أمر الله عباده المؤمنين بالاستئذان أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا أى يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده وينبغى أن يستأذن المرء ثلاث مرات فان أذن له وان لم يأذن انصرف وقال قتادة فى قوله " حتى تستأنسوا " هو الاستئذان ثلاثا فمن لم يؤذن له منهم فليرجع أما الأولى فليسمع الحى ، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم ، وأما الثالثة فان شاءوا أذنوا وان شاءوا ردوا ولا تقفن على باب قوم ردوك عن بابهم فان للناس حاجات ولهم أشغال والله أولى بالعذر ، كما ثبت فى الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له فانصرف ثم قال عمر ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له فطلبوه فوجدوه قد ذهب فلما جاء بعد ذلك قال ما أرجعك ؟ قال : انى استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لى وانى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول " ان استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن فلينصرف " فقال عمر لتأتنى على هذا بينة والا أوجعتك ضربا ، فذهب الى ملأ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر فقالوا : لا يشهد لك الا أصغرنا فقام معه أبو سعيد الخدرى فأخبر عمر بذلك فقال : ألهانى عنه الصفق بالأسواق ، " ذَٰلِكُمۡ خَيۡر لَّكُمۡ" الاستئذان خير لكم بمعنى هوخير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت " لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ " وفى هذا تذكرة من الله لكم بآدابه التى يجب أن تتبع ، " فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدٗا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤۡذَنَ لَكُمۡ "ان لن تجدوا أحدا لا تدخلوها حتى تأخذوا اذنا بدخولها وذلك لما فيه من التصرف فى ملك الغير بغير اذنه فان شاء أذن وان لم يشأ لم يأذن ، " وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُواْ فَٱرۡجِعُواْ " اذا ردوكم من الباب قبل الاذن أو بعده فارجعوا قال سعيد بن جبير لا تقفوا على أبواب الناس ، " هُوَ أَزۡكَىٰ لَكُم " رجوعكم أزكى لكم وأطهر قال قتادة قال بعض المهاجرين لقد طلبت عمرى كله هذه الآية فما أدركتها ان أستأذن على بعض اخوانى فيقول لى ارجع فأرجع وأنا مغتبط ،"وَٱللَّهُ  بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيم" والله أعلم بأعمالكم ونياتكم وما تقصدون اليه ، ينبغى للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره فعن عبد الله بن بشر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول " السلام عليكم السلام عليكم " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور وفى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لو أن أمرأ اطلع عليك بغير اذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح " ، "  لَّيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ مَسۡكُونَةٖ فِيهَا مَتَٰعٞ لَّكُمۡ " هذه الآية أخص من التى قبلها وذلك أنها تقتضى جواز الدخول الى البيوت التى ليس فيها أحد اذا كان للشخص متاع فيها بغير اذن كالبيت المعد للضيف اذا أذن فيه أول مرة كفى ، "  وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ " والله وحده يعلم ما فى سرائركم ويعلم ما تبدونه وما تخفونه فى أنفسكم  .

قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٣٠

 " قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ " هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا الا الى ما أباح لهم النظر اليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فان اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا كما رواه مسلم فى صحيحه عن جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه قال : سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرنى أن أصرف بصرى وفى رواية لبعضهم فقال " اطرق بصرك " يعنى أنظر الى الأرض ،والصرف أعم فانه قد يكون الى الأرض والى جهة أخرى وعن عبد الله بن بريده عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى " يا على لا تتبع النظرة النظرة فان لك الأولى وليس لك الآخرة " وفى الصحيح عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اياكم والجلوس على الطرقات " قالوا : يا رسول الله لابد لنا من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان أبيتم فاعطوا الطريق حقه " قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ " قال : غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر " ، كما أمر الله بحفظ الأبصار فلا تنظر الى حرام أمر حفظ الفروج  " وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡ " حفظ الفرج يكون تارة بمنعه من الزنا كما قال تعالى " والذين هم لفروجهم حافظون " وتارة يكون بحفظه من النظر اليه كما جاء فى الحديث فى مسند أحمد والسنن " احفظ عورتك الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " ، " ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡ " ذلك الفعل وهو غض البصر وحفظ الفرج أطهر لقلوب المؤمنين وأنقى لدينهم كما قيل من حفظ بصره أورثه الله نورا فى بصيرته ، ويروى فى قلبه وعن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من مسلم ينظر الى محاسن امرأة ثم يغض بصره الا أخلفه الله له عبادة يجد حلاوتها " وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان النظر سهم من سهام ابليس مسموم ، من تركها مخافتى أبدلته ايمانا يجد حلاوته فى قلبه " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العينين النظر ، وزنا اللسان النطق ، وزنا الأذنين الاستماع ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين الخطى ، والنفس تمنى وتشتهى ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " رواه البخارى ومسلم  ، " انَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ " الله يعلم ما يصنع البشر فى السر والعلن كما قال " يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور " .  

وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَآئِهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٣١

هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن عباده المؤمنين وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات ، وكان سبب نزول الآية ما ذكره مقاتل بن حيان: بلغنا أن جابر بن عبد الله الانصارى حدث أن أسماء بنت مرتد كانت فى محل لها فى بنى حارثة فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما فى أرجلهن من الخلاخل وتبدو صدورهن وذوائبهن فقالت أسماء ما أقبح هذا فأنزل الله تعالى"وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتبليغ النساء المؤمنات أن الله حرم عليهن من النظر الى غير أزواجهن ، ولهذا ذهب كثير من العلماء الى أنه لا يجوز للمرأة النظر الى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلا عن نبهان مولى أم سلمة أنها حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة قالت فبينما نحن عنده أقبل أبن أم مكتوم وعن كفيف البصر فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احتجبا منه " فقلت : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوعمياوان أنتما ؟ أو لستما تبصرانه ؟ " ، " وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ " قال سعيد بن جبير يحفظن فروجهن عن الفواحش وقال مقاتل عن الزنا وقال أبو العالية كل آية نزلت فى القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهومن الزنا الا هذه الآية " ويحفظن فروجهن " أن لايراها أحد ، " وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَا " لايظهرن شيئا من الزينة للأجانب الا ما لايمكن اخفاؤه قال أبن عباس وجهها وكفيها والخاتم فعن عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال " يا أسماء ان المرأة اذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها الا هذا " وأشار الى وجهه وكفيه  وعن عبد الله قال الزينة القرط والدملوج والخلخال والقلادة وفى رواية عنه قال : الزينة زينتان : فزينة لا يراها الا الزوج : الخاتم والسوار ، وزينة يراها الأجانب وهى الظاهر من الثياب ، " وَلۡيَضۡرِبۡنَ " قال سعيد بن جبير وليشددن أى يغطين ، " بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ " الخمر جمع خمار وهو ما يخمر به أى يغطى به الرأس وهى التى تسميها الناس المقانع أى يشددن المقانع على النحر والصدر فلا يرى منه شىء يعنى أن المقانع يعمل لها ضيقات ضاربات على صدورهن لتوارى ما تحتها من صدرها وترائبها ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية فانهن لم يكن يفعلن ذلك بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شىء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة أذانها فأمر الله المؤمنات أن يستترن فى هيئاتهن وأحوالهن كما قال تعالى " يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين " وعن عائشة رضى الله عنها قالت : يرحم الله النساء المهاجرات الأول لما أنزل الله"وليضربن بخمرهن على جيبوبهن " شققن أكتف مروطهن فاختمرن بها " ، " وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ " لا يظهرن الزينة الا لأزواجهن ، " أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ " الأب والحما أى أب الزوج أو الابن أو ابناء الزوج أو الأخ أو ابن الأخ أو ابن الأخت هؤلاء هم المحارم للمرأة يجوز لها أن تظهر بزينتها ولكن من غير تبرج ولا تضع خمارها عند العم والخال فأما الزوج فان ذلك كله من أجله فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره ، " أَوۡ نِسَآئِهِنَّ " يعنى تظهر بزينتها أيضا للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة لئلا تصفهن لرجالهن وذلك ان كان محذورا فى جميع النساء الا أنه فى نساء أهل الذمة أشد فانهن لا يمنعهن من ذلك مانع فأما المسلمة فانها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها كأنه ينظر اليها " وعن الحارث بن قيس أن عمر بن الخطاب كتب الى أبى عبيدة : أما بعد فانه بلغنى أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك فانه من قبلك فلا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر الى عورتها الا أهل ملتها " ,قال مجاهد فى قوله" أو نسائهن " نساؤهن المسلمات ليس المشركات من نسائهن وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدى مشركة وقال أبن عباس هن المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية وهو النحر والقرط والوشاح وما لايحل أن يراه الا محرم ، وقال مجاهد لا تضع المسلمة خمارها عند مشركة فليست من نسائهن وعن مكحول وعبادة بن نسى أنهما كرها أن تقبل النصرانية واليهودية والمجوسية المسلمة ، " أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ " قال أبن جرير يعنى من نساء المشركين فيجوز لها أن تظهر زينتها لها وان كانت مشركة لأنها أمتها وعن أم سلمة ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا كان لاحداكن مكاتب وكان له ما يؤدى فلتحتجب منه " ، " أَوِ ٱلتَّٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ " يعنى كالأجراء والأتباع ليسوا بأكفاء وهم مع ذلك فى عقولهم وله وقال أبن عباس هو المغفل الذى لا شهوة له وقال مجاهد هو الأبله ولا هم لهم الى النساء ولا يشتهونهن قال عكرمة هو المخنث الذى لا يقوم ذكره وعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رجل يدخل على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولى الاربة فدخل النبى صلى الله عليه وسلم وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال : انها اذا أقبلت أقبلت بأربع واذا أدبرت أدبرت بثمان " فقال النبى صلى الله عليه وسلم " ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا " فحجبوه ، " أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِ " الأطفال الصغار الذين لم يبلغون الحلم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن وحركاتهن وسكناتهن فاذا كان الطفل صغيرا لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء فأما ان كان مراهقا أو قريبا منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء فلا يمكن من الدخول على النساء وقد ثبت فى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " اياكم والدخول على النساء " قيل يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال " الحمو والموت " ، " وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ" كانت المرأة فى الجاهلية اذا كانت تمشى فى الطريق وفى رجلها خلخال صامت لا يعلم صوته ضربت برجلها الأرض فتسمع الرجال طنينه فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك ، وكذا اذا كان شىء من زينتها مستورا فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفى دخل فى هذا النهى ، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها فعن أبى موسى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل عين زانية والمرأة اذا استعطرت فمرت بالمجلس فهى كذا وكذا " يعنى زانية ، ومن ذلك أيضا أنهن نهين عن المشى فى وسط الطريق لما فيه من التبرج وعن حمزة بن أبى أسيد الأنصارى عن أبيه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد ، وقد اختلط الرجال مع النساء فى الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء " استأخرن فانه ليس لكن أن تحتضن الطريق ، عليكن بحافات الطريق " فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ،" وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ " يأمر الله المؤمنين أن يفعلوا ما أمرهم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة وأن يتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة فان الفلاح كل الفلاح فى فعل ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم وترك ما نهيا عنه .                                             

وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ ٣٢ وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣٣ وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ ٣٤ ۞

اشتملت هذه الآيات الكريمة المبينة على جمل من الأحكام المحكمة والأوامر المبرمة "وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ" هذا أمر بالتزويج لمن بدون زواج والأيامى جمع أيم ويقال ذلك للمرأة التى لا زوج لها وللرجل الذى لا زوجة له وسواء كان قد تزوج ثم فارق أو لم يتزوج واحد منهما يقال رجل أيم وامرأة أيم ،"وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُم " كذلك التزوج يكون جائزا من الصالحين من العبيد والاماء المسلمين اذا لم يتيسر الحرة أو الحر وقد ذهب طائفة من العلماء الى وجوبه على كل من قدر عليه واحتجوا بظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء " وقد جاء فى السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  " تزوجوا الولود تناسلوا فانى مباه بكم الأمم يوم القيامة " وفى رواية " حتى بالسقط " ، " إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ" يأمر الله بالتزوج حتى فى حالة الفقر ولا يكون الفقر حائل دون الزواج قال أبن عباس رغبهم الله فى التزويج وأمر به الأحرار والعبيد ووعدهم عليه الغنى ، " وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيم" الله عنده السعة فهو الرزاق يرزق من يشاء بغير حساب وهو يعلم شؤون العباد وما يصلحهم ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء والغازى فى سبيل الله " ، وقد زوج النبى صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذى لم يجد عليه الا ازاره ولم يقدر على خاتم من حديد ومع هذا فزوجه بتلك المرأة وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما معه من القرآن ، والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه ما فيه كفاية لها وله ، وأما ما يورده كثير من الناس على أنه حديث " تزوجوا فقراء يغتهم الله " فلا أصل له ولم يرى باسناد قوى ولا ضعيف الى الآن وفى القرآن غنى عنه ، " وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ" هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجا بالتعفف عن الحرام وقال عكرمة هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهى فان كانت له امرأة فليذهب اليها وليقض حاجته ، وان لم يكن له امرأة فلينظر فى ملطوت السموات والأرض حتى يغنيه الله ، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء " وهذه الآية مطلقة ، والتى فى سورة النساء أخص منها فى قوله " ومن لم يستطع  منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بلذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فاذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشى العنت منكم وان تصبروا خير لكم والله غفور رحيم " النساء 25 أى صبركم عن تزوج الاماء خير لكم لأن الولد  يجىء رقيقا ، " وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ " هذا أمر من الله تعالى للسادة اذا طلب عبيدهم منهم الكتابة أن يكاتبوهم بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدى الى سيده المال الذى شارطه على أدائه  ، وقد ذهب كثير من العلماء الى أن هذا الأمر أمر اترشاد واستحباب لا أمر تحتم وايجاب بل السيد مخير اذا طلب منه عبده الكتابة ان شاء كاتبه وان شاء لم يكاتبه ، وذهب آخرون الى أنه يجب على السيد اذا طلب منه عبده ذلك أن يجيبه الى ما طلب أخذا بظاهر هذا الأمر وذهب الشافعى الى أنه لا يجب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا يحل مال امرىء مسلم الا بطيب نفس وقال مالك وانما ذلك أمر من الله تعالى واذن منه للناس وليس بواجب ، " "إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗا " قال بعضهم ان عرفتم فيهم أمانة وقال بعضهم صدقا وقال بعضهم مالا وقال بعضهم حيلة وكسبا وروى أبو داود فى المراسيل عن يحيى بن أبى كثير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗا"  ان علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلا على الناس "  ، " وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡ" اختلف المفسرون فيه فقال بعضهم اكرحوا لهم من الكتابة بعضها ثم قال بعضهم مقدار الربع وقيل الثلث وقيل النصف ، وقيل جزء من الكتابة من غير حد وقال آخرون هو النصيب الذى فرض الله لهم من أموال الزكاة وقال أبن عباس أمر الله المؤمنين أن يعينوا فى الرقاب وفى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "ثلاثة حق على الله عونهم فذكر منهم المكاتب يريد الأداء" " وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ " لا تجبروا امائكم على الزنا ، " إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا " ان أردن التعفف والامتناع عن الزنا ، " لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ " لتحصلوا من وراء ذلك على منفعة لكم دنيوية زائلة من خراجهن وأولادهن ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام ومهر البغى وحلوان الكاهن وفى رواية " مهر البغى خبيث وكسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث " ، كان أهل الجاهلية اذا كان لأحدهم أمة أرسها تزنى وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت فلما جاء الاسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك ، وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة فيما ذكر غير واحد من المفسرين فى شأن عبد الله بن أبى بن سلول فانه كان له اماء فكان يكرههن على البغاء طلبا لخراجهن ورغبة فى أولادهن ورياسة منه فيما يزعم ، وعن الزهرى قال : كانت جارية لعبد الله بن أبى بن سلول يقال لها مسيكة كان يكرهها على الزنا فلما جاء الاسلام نزلت الآية ، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهرى أن رجلا من قريش أسر يوم بدر وكان عند عبد الله بن أبى أسيرا وكانت لعبد الله بن أبى جارية يقال لها معاذة وكان القرشى الأسير يريدها على نفسها وكانت مسلمة وكانت تمتنع منه لاسلامها ، وكان عبد الله بن أبى يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل من القرشى فيطلب فداء ولده فنزلت الآية ، وقال السدى أنزلت هذه الآية الكريمة فى عبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين وكانت له جارية تدعى معاذة وكان اذا نزل به ضيف أرسلها اليه ليواقعها ارادة الثواب منه والكرامة له فأقبلت الجارية الى أبى بكر رضى الله عنه فشكت اليه ذلك فذكر أبو بكر للنبى صلى الله عليه وسلم ذلك فأمره بقبضها فصاح عبد الله بن أبى : من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا فأنزل الله فيهم هذا ، " وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيم"ومن يجبرهن على الزنا فان الله يغفر لهن ما أكرهن عليه واثمهن على من أكرههن والله غفور رحيم للمكرهات وفى الحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهواعليه " ،"وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰت" يقول الله تعالى أنزلنا اليكم القرآن فى آيات واضحات مفسرات ، "وَمَثَلٗامِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُم" وفيه خبرا عن الأمم الماضية وما حل بهم فى مخالفتهم أوامر الله تعالى كما قال تعالى " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين" أى زاجرا عن ارتكاب المآثم والمحارم ، " وَمَوۡعِظَة لِّلۡمُتَّقِينَ " عظة لمن اتقى الله وخافه قال على بن أبى طلب رضى الله عنه فى صفة القرآن " فيه حكم ما بينكم وخبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غبره أضله الله " .

ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٖ فِيهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِي زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبٞ دُرِّيّٞ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيۡتُونَةٖ لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ٣٥

" ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ " قال أبن عباس الله هادى أهل السموات والأرض يدبر الأمر فيهما نجومهما وشمسهما وقمرهما وعن أنس أبن مالك قال : ان الله يقول نورى هدى، قال السدى فبنوره أضاءت السموات والأرض وفى الحديث الذى رواه محمد بن اسحاق فى السيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى دعائه يوم آذاه أهل الطائف " أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بى غضبك أو تنزل بى سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول  ولا قوة الا بالله " وفى الصحيحين عن أبن عباس رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام من الليل يقول " اللهم لك الحمد ، أنت نور السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن " ، " مَثَلُ نُورِهِ كَمِشۡكَوٰة فِيهَا مِصۡبَاحٌ " فى الضمير  فى قوله " نوره كمشكاة " قولان أحدهما أنه عائد الى الله عز وجل أى مثل هداه فى قلب المؤمن كمشكاة ، والثانى أن الضمير عائد الى المؤمن تقديره مثل نور المؤمن الذى فى قلبه الايمان كمشكاة ، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هومفطور عليه كالمشكاة كقوله " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه " فشبه قلب المؤمن فى صفائه فى نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهرى وما يستمد به من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافى المشرق المعتدل الذى لا كدر فيه ولا انحراف فقوله " كمشكاة " قال أبن عباس وغيره هو موضع الفتيلة من القنديل ولهذا قال بعده " فيها مصباح "وهو الزبالة التى تضىء ، والقول الأولى هو أن المشكاة هوموضع الفتيل من القنديل ولهذا قال " فيها مصباح " وهو النور الذى فى الزبالة ، قال أبى بن كعب المصباح النور وهو القرآن والايمان الذى فى صدر المؤمن وقال السدى هو السراج ،" ٱلۡمِصۡبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ" هذا الضوء المشرق فى زجاجة صافية وقال أبى بن كعب وغير واحد وهى نظير قلب المؤمن ، " ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبٞ دُرِّيّ" وهذه الزجاجة كأنها كوكب من در وقال أبى بن كعب كوكب مضىء وقال قتادة مضىء مبين ضخم ، " يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيۡتُونَة" يستمد طاقته من زيت زيتون شجرة مباركة ، " لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّة" يتحدث عن موقع الزيتونة  ليست فى شرق بقعتها فلا تصل اليها الشمس من أول النهار ولا فى غربها فيقلص عنها الفىء قبل الغروب بل هى فى مكان وسط تعصرها الشمس من أول النهار الى آخره فيجىء زيتها صافيا معتدلا مشرقا وعن أبن عباس قال هى شجرة بالصحراء لا يظلها شجر ولا جبل ولا كهف ولا يواريها شىء وهو أجود لزيتها وعن عكرمة قال تلك زيتونة بأرض فلاة اذا أشرقت الشمس أشرقت عليها فاذا غربت غربت عليها فذلك أصفى ما يكون الزيت وقال مجاهد ليست بشرقية لا تصيبها الشمس اذا طلعت ولا غربية لا تصيبها الشمس اذا غربت ولكنها شرقية وغربية تصيبها اذا طلعت واذا غربت ، وقال السدى ليست بشرقية يجوزها المشرق ولا غربية يجوزها المغرب دون المشرق ولكنها على رأس جبل أو فى صحراء تصيبها الشمس النهار كله وعن أبى كعب قال هى خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أى حال كانت لا اذا طلعت ولا اذا غربت وقال الحسن البصرى لو كانت هذه الشجرة فى الأرض لكانت شرقية أو غربية ، ولكنه مثل ضربه الله لنوره وقال أبن عباس " توقد من شجرة مباركة " رجل صالح " زيتونة لا شرقية ولا غربية " لا يهودى ولا نصرانى ، وأولى هذه الأقوال القول الأول وهو أنها فى مستوى من الأرض فى مكان فسيح باد ظاهر ضاح للشمس تقرعه من أول النهار الى آخره ليكون ذلك أصفى لزيتها وألطف ، " يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَار" قال شمر بن عطية جاء أبن عباس الى كعب الأحبار فقال حدثنى عن قول الله "يكاد زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَار" قال يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يبين للناس ولو لم نتكلم أنه نبى (أى فهو واضح فى قوله وهديه ولا يحتاج الى برهان تفهمه العقول والقلوب) كما يكاد ذلك الزيت أنه يضىء،" نُّورٌ عَلَىٰ نُور" قال السدى نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ولا يضىء واحد بغير صاحبه كذلك نور القرآن ونور الايمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما الا بصاحبه ، " يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ" يرشد الله الى هدايته من يختاره كما جاء فى الحديث عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان الله تعالى خلق خلقه فى ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ فمن أصاب من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله عز وجل " ، " وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم " لما ذكر الله نعالى هذا مثلا لنور هداه فى قلب المؤمن ختم الآية بقوله أنه هو أعلم  بمن يستحق الهداية ممن يستحق الاضلال وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح ، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق ، عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه ايمان ونفاق ، ومثل الايمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها الدم والقيح ، فأى المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " اسناده جيد .

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ٣٦ رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ ٣٧ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ ٣٨

لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والايمان والعلم بالمصباح فى الزجاجة المتوقدة من زيت طيب وذلك كالقنديل مثلا ذكر محلها وهى المساجد التى هى أحب البقاع الى الله تعالى  من الأرض وهى بيوته التى يعبد فيها ويوحد " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ " فى مساجد وهى بيوت الله أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التى لا تليق فيها وقال أبن عباس نهى الله سبحانه عن اللغو فيها وقال قتادة هذه هى المساجد التى أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وعمارتها ورفعها وتطهيرها ، وقدوردت أحاديث كثيرة فى بناء المساجد واحترامها وتوقيرها وتطيبها وتبخيرها فعن عثمان أبن عفان رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من بنى مسجدا يبتغى به وجه الله بنى الله له مثله فى الجنة " وعن عائشة رضى الله عنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد فى الدور وأن تنظف وتطيب وعن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أمرت بتشييد المساجد " قال أبن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس فى المساجد " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار فى المساجد " وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك ، واذا رأيتم من ينشد ضالة فى المسجد فقولوا لا ردها الله عليك " وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان اذا دخل المسجد يقول " أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم " فاذا قال ذلك قال الشيطان حفظ منى سائر اليوم  وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم افتح لى أبواب رحمتك واذا خرج فليسلم على النبى وليقل : اللهم اعصمنى من الشيطان الرجيم " ، " وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُ" أى يذكر اسم الله فى اقامة الصلاة وتلاوة القرآن ومجالس العلم وغيرها وكل ما فيه ذكر لله وقال أبن عباس يتلى كتابه ، "  يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ " أى فى البكرات والعشيات ، والآصال جمع أصيل وهو آخر النهار وقال أبن عباس : يعنى بالغدو صلاة الغداة ويعنى بالآصال صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما وأن يذكر عباده بهما وقال الحسن والضحاك " يسبح له فيها بالغدو والاصال " يعنى الصلاة ، " رِجَال" خص بقوله رجال فيه اشعار بهممهم السامية وعزائمهم العالية التى صاروابها عمارا للمساجد التى هى بيوت الله فى أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيد وتنزيهه كما قال تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " وأما النساء فصلاتهن فى بيوتهن أفضل لهن فعن عبد الله بن مسعود رضىالله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صلاة المرأة فى بيتها أفضل من صلاتها فى حجرتها ، وصلاتها فى مخدعها أفضل من صلاتها فى بيتها " ، ويجوز للمرأة شهود جماعة الرجال بشرط أن لا تؤذى أحدا من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب كما ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا اماء الله مساجد الله" رواه البخارى ومسلم وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذا شهدت احداكن المسجد فلا تمس طيبا " وفى الصحيحين عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بنى اسرائيل ،" لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ " يقدمون طاعة الله ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم  يقول الله تعالى لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذى هوخالقهم ورازقهم والذين يعلمون أن الذى عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق وقال سعيد بن أبى الحسن والضحاك لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة فى وقتها وقال السدى عن الصلاة فى جماعة وقال مقاتل بن حيان لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها وكذلك هم يؤتون الزكاة وهى حق العباد فبذلك يؤدون حق الله وهو الصلاة ويؤتون الزكاة وهى حق العباد وغالبا ما تقرن الصلاة بالزكاة ،"يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ " يخافون من اليوم الآخر وما يحدث فيه يوم القيامة الذى تتقلب فيه القلوب والأبصار من شدة الفزع وعظمة الأهوال وهذا كقوله " انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا " ، " لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ "يجازى الله أحسن الجزاء هؤلاء الذين يفعلون هذه الأعمال الحسنة من الذين يتقبل الله منهم حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، " وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِ" يتقبل منهم الحسنات ويضاعفها لهم كما قال تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ،  " وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَاب " الله بعلمه ومنه وعدله ومشيئته يرزق من يستحق التقدير بغير حدود فهو يضاعف الحسنات ويتجاوز عن السيئات كما قال "والله يضاعف لمن يشاء " وعن أبن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله " ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " قال يوفيهم أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة لمن صنع لهم المعروف فى الدنيا .  

وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمَۡٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ٣٩ أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ ٤٠

هذان مثلان ضربهما الله تعالى لنوعى الكفار كما ضرب للمنافقين فى أول سورة البقرة مثلين ناريا ومائيا وكما ضرب لما يقر فى القلوب من الهدى والعلم فى سورة الرعد مثلين مائيا وناريا ، فأما الأول من هذين المثلين فهو للكفار الدعاة الى كفرهم الذين يحسبون أنهم على شىء من الأعمال والاعتقادات وليسوا فى نفس الأمر على شىء " وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَة" مثل الكفار فى كفرهم كالسراب الذى يرى فى القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام ، والقيعة جمع قاع كجار وجيرة ، والقاع أيضا واحد القيعان كما يقال جار وجيران وهى الأرض المستوية المتسعة المنبسطة وفيه يكون السراب وانما يكون ذلك بعد نصف النهار وأما الأول فانما يكون أول النهار يرى كانه ماء بين السماء والأرض فاذا رأى السراب من هو محتاج الى الماء ، " يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمَۡٔانُ مَآءً "  يظنه ماء يقصده ليشرب منه ، " حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡٔٗا " فلما انتهى اليه لم يجد شيئا فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا ، " وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُ " فاذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش على أفعاله لم يجد شيئا بالكلية قد قبل اما لعدم الاخلاص أو لعدم سلوك الشرع كما قال تعالى " وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " ،" وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ " يجد الله يحاسبه عندما يبعث من قبره وعندما يسأل عن كم لبث عدد سنين يظن أنه لبث يوما أو بعض يوم أو عشية وضحها وأنه قد أصبح أمام الديان يحاسب على ما فعل وكذلك فان الله يمهل له حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر كما يقول تعالى " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " ، والمثل الآخر الذى ضربه الله للكافر " أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّ" يشبه الله الكافر الذى يتخبط فى الكفر والضلال والجهل مقلدا لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون  كمن يسير لا يعرف طريقه فى بحر قال قتادة " لجى "عميق مظلم ، " يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡج" متلاطم الموج الذى يغطيه كما يغطى الكفر قلب الكافر وسمعه وبصره كما قال تعالى " ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم " وكقوله " أفرأيت من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة "  مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَاب" فوقه أيضا سحاب كثيف يحجب الضوء ،" ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ " فتزيد الظلمة وتصبح الظلمة ظلمات حوله يتخبط فيها ، "إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَا " من شدة الظلام حوله حتى أقرب شىء اليه وهو يده اذا مدها أمامه وأخرجها من جنبه لا يراها من شدة الظلمة فكذلك ظلمة الكفر تعمى القلول والأبصار فلا تجعل الكافر يرى ولو بصيص من نور الهدى  وقال أبى بن كعب عن الكافر فهو يتقلب فى خمسة من الظلم : فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره يوم القيامة الى الظلمات الى النار ، " وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ " من لم يهده الله فهو هالك جاهل حائر بائر كافر كقوله " من يضلل الله فلا هادى له " .

أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَٰٓفَّٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ ٤١ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ٤٢

" أَلَمۡ تَرَ " أنظر وتدبر وفكر وتأمل وبعد ذلك قرر وأنظر الى الحقائق التى تثبت قدرة الله فهذا استفهام تقريرى ، " أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ " أن الله يسبح له أى يقدسه وينزهه كل من فى السموات والأرض من الملائكة والأناسى والجان والحيوان حتى الجماد ، " وَٱلطَّيۡرُ صَٰٓفَّٰت " والطيور فى حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشدها اليه وهو يعلم ما هى فاعلة ، " كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥ " كل قد أرشده الى طريقته ومسلكه فى عبادة الله عز وجل ، " وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ"  يخبر الله تعالى أنه عالم بجميع ذلك لا يخفى عليه من ذلك شىء من أفعالهم ، " وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ " أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض فهو الحاكم المتصرف الاله المعبود الذى لا تنبغى العبادة الا له ولا معقب لحكمه فهو الخالق المالك الاله الحكم فى الدنيا والآخرة  ، " وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ " الى الله نهاية العباد وبعثهم يوم القيامة وهو الذى يقرر مصائرهم أما الى الجنة وأما الى النار كقوله " ليجزى الذين أساءوا بما عملوا " . 

أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٣ يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٤

يذكر الله تعالى آيات قدرته فى الكون وعلى الخلق وتدبير الأمور " أَلَمۡ تَرَ " دعوة الى التفكر والتأمل " أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا " الله بقدرته وتدبيره ينشى السحاب وهو ضعيف وهو الازجاء ، "  ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ " يجمعه الله بعد تفرقه ، ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا "ثم يجعله الله كثيفا متراكما بما يعرف بالسحب الركامية التى يسقط منها المطر ، " فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِ" الودق هو المطر أى ينزل من هذا السحاب المتراكم المطر ، " وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَد" وينزل الله كذلك البرد وهو قطع الثلج من السحب الكثيفة المتراكمة الثقيلة كالجبال بما تحمله فالمطر لا يسقط الا اذا تجمع السحاب وتكثف فى طبقات الجو العليا الباردة وبعضه يتحول الى ثلج  ويسقط ككرات ، " فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُ" اذا قصد البرد فان هذا البرد اذا سقط يكون مؤذيا ضارا على الزروع وغيرها يتلفها  فالله بارادته يصرف اذاه بمشيئته ورحمته عمن يشاء واذا قصد المطر والبرد فيكون القصد ان الله ينزله على من يشاء برحمته فتسقى به الزروع والثمار وتسجلب به المنافع ويؤخره ويبعده الله عمن شاء فلا ينزل ، "  يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ " يكاد ضوء البرق الذى يصحب المطر من شدته أن يخطف الأبصار اذا تبعته وتراءته ونحن نعرف ما يمكن أن تحدثه الصواعق من ضرر يمكن أن يسبب الحرائق فهى تكون محملة بشحنات كهربائية عالية ، " يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ " الله يتصرف فى الليل والنهار بقدرته فيأخذ من طول هذا فى قصر هذا والله هو المتصرف فى ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه ، " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ " كل هذه الآيات والدلالات الكونية على قدرة الله فى الكون لدليل على عظمة الله لأصحاب البصائر والعقول التى تعى وتفهم كما قال تعالى " ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب" .

وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٤٥

" وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآء" يذكر الله قدرته على الخلق على اختلاف أشكالهم وألوانهم وحركاتهم وسكناتهم فهم مخلوقون من ماء مهين وهو السائل المنوى وبويضة الأنثى كقوله " فلينظر الانسان مما خلق خلق من ماء دافق " ، " فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِ" فالله خلق الزواحف التى تزحف على الأرض وتمشى على بطناه مثل الثعابين والتماسيح والسحالى ، " وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡن " ومن الخلق ما يمشى على رجلين أثنين وهى الانسان والطيور ، "  وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَع " ومن خلق ما يمشى على أربع وهى الأنعام والحيوانات " يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُط " يخلفق الله بقدرته ما يشاء لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن "  إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير " الله يقدر على كل شىء فى هذا الكون ودلائل خلقه وعظمته وقدرته حجج وبراهين بينات وأيات واضحات اذا أراد شيئا أن يكون له كن فيكون .

لَّقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖۚ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٤٦

" لَّقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰت" يقرر الله تعالى أنه أنزل فى هذا القرآن آيات بينة محكمة تبين الحق وأنه يرشد الى تفهمها وتعقلها أولى الألباب والبصائر والنهى  ولهذا قال " وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰط مُّسۡتَقِيم " الله وحده بمشيئته هومن يهدى الى الطريق الواضح الصحيح من يستحق .

وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧ وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ ٤٨ وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ ٤٩ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٥٠ إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥١ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٥٢ ۞

يخبر الله تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون " وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا " يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون يعلنون الايمان بالله وبالرسول ويعلنون أنهم يتبعون ويطيعون ما أمر الله به ورسوله  ، " ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ " وفى قرارة النفوس والقلوب هم بعيدون عن الله ورسوله ويضمرون الشر ، " وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ " فهم بعيدون عن الايمان ، " وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ " اذا طلبوا الى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه واستكبروا فى أنفسهم عن اتباعه وهذا كقوله " ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك - الى قوله - رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " ، "  وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ " واذا كان الحكم لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين واذا كان الحكم عليهم أعرضوا ودعوا الى غير الحق فاذعانهم أولا لم يكن عن اعتقاد منهم أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواهم ولهذا لما خالف الحق قصدهم عدلوا عنه الى غيره لهذا قال تعالى "  أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ " يقول تعالى يفعلون فعلهم ذلك أما لأن فى قلوبهم مرض وهو النفاق ، " أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ  " أم فى قلوبهم ريب أى شك مما هم يدعونه من الايمان بالدين فليس لديهم ايمان يقينى ،  " أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُ " أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم فى الحكم ، وأياما كان فهو كفر محض والله عليم بكل منهم وما هومنطو عليه من هذه الصفات  ، "بَلۡ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ " بل هم الظالمون الفاجرون والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور تعالى الله ورسوله عن ذلك وقال الحسن : كان الرجل اذا كان بينه وبين الرجل منازعة فدعى الى النبى صلى الله عليه وسلم وهومحق أذعن وعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سيقضى له بالحق ، واذا أراد أن يظلم فيدعى الى النبى صلى الله عليه وسلم أعرض وقال أنطلق الى فلان فأنزل الله هذه الاية فقال النبى صلى الله عليه وسلم " من كان بينه وبين أخيه شىء فدعى الى حكم من أحكام المسلمين فأبى أن يجيب فهو ظالم لا حق له " وهو حديث غريب ، ثم أخبر الله تعالى عن صفات المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال "  إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا " اذا دعى المؤمنين الى حكم الله ورسوله ليحكم بينهم فى أى أمر يقولون سمعا وطاعة ، " وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ " لذلك وصفهم الله بالفلاح وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب ، "  وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ " ومن يطع الله ورسوله فيما أمراه به وترك ما نهياه عنه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل فهو الفائز بكل خير وأمن من كل شر فى الدنيا والآخرة ، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول " عروة الاسلام شهادة أن لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين .

وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٞ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ٥٣ قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٥٤

" وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ" يقول الله تعالى مخبرا عن أهل النفاق الذين كلنوا يحلفون للرسول صلى الله عليه وسلم لئن أمرتهم بالخروج فى الغزو أقسموا بالله عظيم الأيمان والقسم ، " لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ " ان أمرتهم بالخروج معك للغزو أنهم سيخرجون ، " قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ " قل لهم لا تحلفوا ، " طَاعَة مَّعۡرُوفَةٌ " طاعتكم طاعة معروفة أى قد علم الله طاعتكم انما هى قول لا فعل معه وكلما حلفتم كذبتم ،" كما قال تعالى " يحلفون لكماترضوا عنهم " وقال تعالى " اتخذوا أيمانهم جنة " ، "إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ " والله خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصى ، فالحلف واظهار الطاعة والباطن خلافه وان راج على المخلوق فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى لا يروج عليه شىء من التدليس بل هوخبير بضمائرعباده وان أظهروا خلافها، " قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ " اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " فَإِن تَوَلَّوۡاْ " فان تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ، "فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ " فان عليه ما حمل أى ما كلف من ابلاغ الرسالة واداء الأمانة ، " وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡ " أى عليكم أنتم ما كلفتم به كذلك بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه ، " وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُوا" وان تطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تهتدوا لأنه يدعو الى صراط مستقيم كقوله " فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب " ،" وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ " مهمة الرسول هوالتبليغ لما أنزل اليه من ربه تبليغا واضحا لا ريب فيه كقوله " فذكر انما أنت مذكر ليس عليهم بمسيطر" .

وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥

كان النبى صلى الله عليه وسلم  وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون الى الله وحده والى عبادته وحده لا شريك له سرا ، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بعد الهجرة الى المدينة فقدموها فأمرهم الله بالقتال فكانوا بها خائفين يمسون فى السلاح ويصبحون فى السلاح فصبروا على ذلك ما شاء الله ثم ان رجلا من الصحابة قال يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا ؟ أما يأتى يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح ؟ فال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تصبروا الا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم فى الملأ العظيم محتبيا ليست فيه حديدة " وأنزل الله هذه الآية " وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ " هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أى أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد ، وليبدلنهم بعد خوفهم أمنا وحكما فيهم ، وقد أنجز الله وعده ونصر عبده ، فانه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكاملها ، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر واسكندرية وهو المقوقس ، وملوك عمان والنجاشى ملك الحبشة ، ثم لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم قام بالأمر من بعده خليفته أبو بكر الصديق فحارب الردة وأخذ جزيرة العرب ومهدها وبعث جيوش الاسلام الى بلاد فارس ففتحوا طرفا منها وفتح الجيش فى أيامه من بلاد الشام بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها ، وقام بالأمر من بعده عمر بن الخطاب رضى الله عنه وتم فى عهده فتح كل بلاد الشام ومصر وبلاد فارس وبلاد الروم حتى القسطنطينية ، ثم لما قامت الدولة على عهد عثمان رضى الله عنه  امتدت الممالك الاسلامية الى أقصى مشارق الأرض ومغاربها وجبى الخراج الى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه ولهذا ثبت فى الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " ان الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منه " ، " كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ " كما استخلف من قبل الذين آمنوا كما قال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض " ، " وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ " وليمكن الله دينه الذى أرتضاه لعباده المؤمنين به وهو الاسلام فى الأرض وينصر عباده المؤمنين وقد تحقق ذلك ، "  وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗا " ووعدهم الله أن يخرجهم من خوفهم فقد كانوا قليل مستضعين فى الأرض فقد أظهر الله نبيه على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السلاح وقال البراء بن عازب نزلت هذه الآية ونحن فى خوف شديد ، " يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗيأمر الله المؤمنين بعبادته والا يشركوا معه أحدا وعن أنس أن معاذا بن جبل حدثه قال : بينا أنا رديف النبى صلى الله عليه وسلم على حمار ليس بينى وبينه الا آخرة الرحل قال " يا معاذ " قلت : لبيك يارسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال " يا معاذ بن جبل " قلت :  لبيك يارسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال" يا معاذ بن جبل " قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك قال " هل تدرى ما حق الله على العباد ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم قال " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " ثم سار ساعة ثم قال " يا معاذ بن جبل " قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك قال " فهل تدرى ما حق العباد على الله اذا فعلوا ذلك ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم ؟ قال " حق العباد على الله أن لا يعذبهم " ، " وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ " فمن خرج عن طاعة الله بعد ذلك فقد خرج عن امر ربه وكفى بذلك ذنبا عظيما فالصحابة رضى الله عنهم لما كانوا أقوم الناس بعد النبى صلى الله عليه وسلم بأوامر الله عز وجل وأطوعهم لله كان نصرهم بحسبهم أظهروا كلمة الله فى المشارق والمغارب وأيدهم تأييدا عظيما وحكموا فى سائر البلاد والعباد ، ولما قصر الناس بعدهم فى بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم ، لكن ثبت فى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم الى يوم القيامة " وفى رواية " حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك " وفى رواية " حتى يقاتلوا الدجال " وفى رواية " حتى ينزل عيسى أبن مريم وهم ظاهرون " .

وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ٥٦ لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٥٧

" وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ " يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين  باقامة الصلاة وهى عبادة الله وحده لا شريك له وايتاء الزكاة وهى الاحسان الى المخلوقين وأن يكونوا فى ذلك مطيعين لرسوا الله صلى الله عليه وسلم سالكين وراءه فيما أمرهم به وترك ما زجرهم عنه لعل الله يرحمهم بذلك ولا شك أن من فعل هذا أن الله سيرحمه كما قال تعالى فىآية أخرى " أولئك سيرحمهم الله " ، " لَا تَحۡسَبَنَّ " لا تظن يا محمد ، " ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ " أن الذين خالفوك وكذبوك من الكفار يعجزون الله بل الله قادر عليهم وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب ، " وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ" ومصيرهم ومقامهم الدائم فى الدار الآخرة هو النار وبئس المآل مآل الكافرين وبئس القرار وبئس المهاد .

 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٥٨ وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٥٩ وَٱلۡقَوَٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لَا يَرۡجُونَ نِكَاحٗا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَٰتِۢ بِزِينَةٖۖ وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٞ لَّهُنَّۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٦٠

هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض ، وما تقدم فى بداية السورة هو استئذان الأجانب بعضهم على بعض وقال السدى كان أناس من الصحابة رضى الله عنهم يحبون أن يواقعوا نساءهم فى هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا الى الصلاة فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم فى تلك الساعات الا باذن ، وقال مقاتل بن حيان بلغنا والله أعلم أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرتد صنعا للنبى صلى الله عليه وسلم طعاما فجعل الناس يدخلون بغير اذن فقالت أسماء : يا رسول الله ما أقبح هذا انه ليدخل على المرأة وزوجها وهما فى ثوب واحد غلامهما بغير اذن فأنزل الله فى ذلك " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ " أمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم ،" وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰت " وكذلك يستأذنهم أطفالهم الذين لم يصلوا الى سن البلوغ منهم ثلاث مرات ، " مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ " من قبل صلاة الفجر لأن الناس اذ ذاك يكونون نياما فى فراشهم ، " وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ " وفى وقت القيلولة لأن الانسان قد يضع ثيابه فى تلك الحال مع أهله ، " وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآء " وبعد صلاة العشاء لأنه وقت النوم ، فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت فى هذه الأحوال لما يخشى أن يكون الرجل على أهله أو نحوذلك من الأعمال ، " ثَلَٰثُ عَوۡرَٰت لَّكُمۡ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّ" هذه الأوقات أوقات غير مسموح بها فهى أوقات محظورة واذا دخلوا فى حال غير هذه الأحوال فلا حرج عليكم فى تمكينكم اياهم ولا عليكم ان رأوا شيئا من غير تلك الأحوال ، " طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡض" لأنهم طوافون عليكم أى فى الخدمة وغير ذلك  ، " كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ " والأمر كذلك كما بين الله لكم فى هذه الآيات يبين لكم فى غيرها  ، "وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم" والله عليم بأحوالكم يرشدكم بحكمته الى ما يصلح أحوالكم  ،"وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَٔۡذِنُواْ" اذا بلغ الأطفال منكم سن البلوغ وسن الرشد الذين كانوا يستأذنون فقط فى العورات الثلاث يجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال وان لم يكن فى الأحوال الثلاث وقال يحيى بن كثير اذا كان الغلام رباعيا فانه يستأذن فى العورات الثلاث على أبويه ، فاذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال ، " كَمَا ٱسۡتَٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ " يعنى كما اشتأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه ، " كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم " تكرر هذا الجزء من الآية مع تغيير طفيف " الآيات " حل محلها " آياته " فى هذه المرة ينسب الله الآيات اليه ليؤكد أن كل شىء مرده اليه وحده أن تلك الآيات التى تساق هى منه يبينها بعلمه وحكمته ، " وَٱلۡقَوَٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ " قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان وغيرهما القواعد من النساء هن اللواتى انقطع عنهن الحيض ويئسن الولد ، " ٱلَّٰتِي لَا يَرۡجُونَ نِكَاحٗا " لم يبق لهن تشوف الى التزوج ، " فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ " ليس عليهن من الحجر فى التستر كما على غيرهن من النساء قال أبن مسعود الجلباب أو الرداء وقال أبو صالح تضع الجلباب وتقوم بين يدى الرجل فى الدرع والخمار وقال سعيد بن جبير وغيره هو الجلباب فى الدرع والخمار فلا بأس أن يضعن عند غريب أو غيره بعد أن يكون عليها خمار صفيق ، " غَيۡرَ مُتَبَرِّجَٰتِۢ بِزِينَة" لا يتبرجن بوضع الجلباب ليرى ما عليهن من الزينة ،وعن أم الضياء قالت دخلت على عائشة رضى الله عنها فقلت يا أم المؤمنين ما تقولين فى الخضاب والصباغ والقرطين والخلخال وخاتم الذهب وثياب الرقاق فقالت : يا معشر النساء قصتكن كلها واحدة أحل الله لكن الزينة غير متبرجات ، أى لا يحل لكن أن يروا منكن محرما " ، " وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٞ لَّهُنّ " وان يستعففن عن وضع ثيابهن فهو أفضل لهن ، " وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم " والله يسمع كل ما تقولن ويعلم كل ما تفعلون ويعلم حركاتكم وسكناتكم .

لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٦١

قيل المراد هنا أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات فربما سبقه غيره الى ذلك ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه والمريض لا يستوفى من الطعام كغيره فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم فأنزل الله هذه الآية رخصة فى ذلك وهذا قول سعيد بن جبير ومقسم ، وقال الضحاك كانوا قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذذا وتعززا ولئلا يتفضلوا عليهم فأنزل الله هذه الآية ، وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى أو بالأعرج أو بالمريض الى بيت أبيه أو أخيه أو بيت أخته أو بيت عمته أو بيت خالته فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون انما يذهبون بنا الى بيوت عشيرتهم فنزلت هذه الآية رخصة لهم " لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَج"ليس هناك تأنف ولا قيد على أعمى أو أعرج أو مريض ، " وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ  "ذكر هذا وهومعلوم ليعطف عليه غيره فى اللفظ وليساويه ما بعده فى الحكم ، " أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ " أن يتناولوا الطعام فى بيت الشخص نفسه أو فى بيت الأب أو بيت الأم أو بيت الأخوة أو بيت العم أو بيت العمة أو بيت الخال أو بيت الخالة ولم يذكر الولد لأنه يدخل فى بيوتكم لأنه لم ينص عليهم ولهذا استدل بهذا ممن ذهب الى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه فقد جاء فى المسند والسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أنت ومالك لأبيك " ، " أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُ" قال سعيد بنجبير والسدى هو خادم الرجل من عبد فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف وعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان المسلمون يذهبون فى النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتحهم الى ضمنائهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم  اليه فكانوا يقولون انه لا يحل لنا أن نأكل ، انهم أذنوا لنا من غير طيب نفس ،وانما نحن أمناء فأنزل الله " أو ما ملكتم مفاتحه " ، " أَوۡ صَدِيقِكُمۡ " أى بيوت الأصدقاء والأصحاب فلا جناح فى الأكل منها اذا علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك وقال قتادة اذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير اذنه ، قال أبن عباس لما أنزل الله " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " قال المسلمون ان الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله الآيات " ليس على الأعمى حرج - الى قوله أو صديقكم " وكانوا أيضا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فى ذلك فقال " لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗا " ليس هناك حرج فى الأكل جميعا أو واحد لوحده فهذه رخصة من الله تعالى فى أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة وان كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل وعن عمر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " كلوا جميعا ولا تفرقوا فان البركة مع الجماعة " ، "فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ " قال سعيد بن جبير وغيره يعنى فليسلم بعضكم على بعض وعن أنس قال أوصانى النبى صلى الله عليه وسلم بخمس خصال قال " يا أنس أسبغ الوضوء يزد فى عمرك وسلم على من لقيك من أمتى تكثر حسناتك ، واذا دخلت - يعنى بيتك - فسلم على أهلك يكثر خير بيتك وصل صلاة الضحى فانها صلاة الأوابين قبلك ، يا أنس ارحم الصغير ووقر الكبير تكن من رفقائى يوم القيامة " ، " تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَة" التحية تكون بتحية الاسلام وهى  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن أبن عباس أنه كان يقول : ما أخذت التشهد الا من كتاب الله سمعت الله يقول " فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَة " فالتشهد فى الصلاة : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعل عباد الله الصالحين " ثم يدعو لنفسه ويسلم ، " كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ " لما ذكر الله تعالى ما فى هذه السورة الكريمة من الأحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة نبه تعالى عباده على أنه يبين لعباده الآيات بيانا شافيا ليتدبروها ويتعقلوها لعلهم يعقلون أى يفهمون ما فيها . 

إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَٔۡذِنُونَكَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٦٢

"إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَٔۡذِنُوهُ  "  هذا أيضا أدب أرشد الله عباده المؤمنين الذين يؤمنون بالله ورسوله اليه فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف لاسيما اذا كانوا فى أمر جامع مع الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاة جمعة أوعيد جمعة أو اجتماع فى مشورة ونحو ذلك أمرهم الله أن لا يتفرقوا عنه والحالة هذه الا بعد استئذانه ومشاورته ، " إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَٔۡذِنُونَكَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ "الاستئذان من الرسول صلى الله عليه وسلم هو من سمات الذين يؤمنون بالله ورسوله المؤمنين الكاملين ، " فَإِذَا ٱسۡتَٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم اذا استأذنه أحد منهم فى ذلك أن يأذن له ان شاء هذا وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"اذا انتهى أحدكم الى المجلس فليسلم فاذا اراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة" ،" وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم " يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاضافة للاذن أن يستغفر للمؤمنين الذين يأذنونه فيأذن لهم  فالله هو الغفور الذى يقبل التوبة ويغفر ذنوب عباده ويتجاوز عنها برحمته .

لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣

قال أبن عباس كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم فنهاهم الله عز وجل عن ذلك اعظاما لنبيه صلى الله عليه وسلم قال فقولوا يا نبى الله يا رسول الله وقال قتادة : أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود ، " لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗا " قال مقاتل لا تسموه اذا دعوتموه يا محمد ولا تقولوا يا ابن عبد الله ولكن شرفوه فقولوا يا نبى الله يا رسول الله وهذا كقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا - الى آخر الآية " وكقوله " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول  كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " ، فهذاكلهمن باب الأدب فى مخاطبة النبى صلى الله عليه وسلم والكلاممعه والكلام عنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجلته ، والقول الثانى فى ذلك أن المعنى فى " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " أى لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره فان دعاءه مستجاب فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا ، "  قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗا " قال مقاتل أبن حيان الذين يتسللون لواذا هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث فى يوم الجمعة ويعنى بالحديث الخطبة فيلودون ببعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حتى يخرجوا من المسجد وكان لا يصح للرجل أن يخرج من المسجد الا باذن من النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم الجمعة بعد ما يأخذ فى الخطبة وكان اذا أراد أحدهم الخروج أشار باصبعه الى النبى صلى الله عليه وسلم فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل لأن الرجل منهم كان اذا تكلم والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب جمعته بطلت جمعته ، وقال السدى :كانوا اذا كانوا معه فى جماعة لاذ بعضهم ببعض حتى يتغيبوا عنه فلا يراهم وقال قتادة يعنى لواذا عن نبى الله وعن كتابه وقال سفيان يتسللون من الصف ، " فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِ" يتهدد الله ويتوعد الذين يخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله فما وافق لك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان كما ثبت فى الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، "أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ " فليحذر هؤلاء وليخش من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا أن يحدث لهم فى قلوبهم كفرونفاق أو بدعة  ، " أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أو أن يقع بهم العذاب فى الدنيا بقتل أوحد أوحبس أو نحو ذلك وكذلك فى الآخرة بعقاب الله تعالى وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثلى ومثلكم كمثل رجل اتوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب الائى يقعن فى النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فذلك مثلى ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبونى وتقتحمون فيها " .

أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ ٦٤

" أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ "يخبر الله تعالى أنه مالك السموات والأرض ،" قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ" وهو عالم بما العباد عاملون فى سرهم وجهرهم هو عالم به مشاهد له لا يعزب عنه مثقال ذرة كما قال " قد سمع الله قول التى تجادلك " وكقوله " قد يعلم الله المعوقين منكم " ، " وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ" ويوم يرجع الخلائق الى الله وهو يوم القيامة ، " فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ  " يخبرهم الله بكل ما عملوه فى الدنيا من جليل وحقير وصغير وكبير كما قال تعالى " ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر " ، وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ"والله يحيط بعلمه كل ما فى السموات والأرض حتى دبيب النملة فى الصخرة الصماء .

تفسير الجزء الثامن عشر

تفسير سورة الفرقان

سورة الفرقان مكية فيها كل سمات السور المكية من اثبات قدرة الله فى الخلق وقضية التوحيد والآيات الكونية

تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا ١ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا ٢

يقول تعالى حامدا لنفسه الكريمة على ما نزله على رسوله صلى الله عليه وسلم من القرآن العظيم "تَبَارَكَ" أى أحاطة به البركة المستقرة الثابتة الدائمة كقوله " تبارك الذى بيده الملك " وهذا من المديح والثناء على الله ، " ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ الله الذى نزل الفرقان وهو اسم من أسماء القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل وبين الطريق المستقيم طريق الهدى وطريق الضلال والحلال والحرام والرشد والغى وفعل نزل من التكرر والتكثر لأن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة والقرآن نزل منجما متفرقا مفصلا آيات بعد آيات وأحكاما بعد أحكام وسورا بعد سور وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناء بمن أنزل عليه كما قال تعالى فى هذه السورة " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا "، " عَلَىٰ عَبۡدِهِ" أنزله الله على عبده ونبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وذكر الله عبده لأن هذه صفة مدح وثناء لأنه أضافه الى عبوديته كما وصفه فى أشرف أحواله وهى ليلة الاسراء بقوله " سبحان الذى اسرى بعبده من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله " وكما وصفه فى مقام الدعوة اليه " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " ، " لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا " بعثه بهذا القرآن للعالمين من الجن والانس كما فى قوله " الحمد لله رب العالمين " ليحذرهم من عذاب الله وينذرهم بما سيقع يوم القيامة من حساب على أعمالهم كما قال رسول الله صلى الله عليه " انى أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى " فذكر منهن " أنه كان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة " كما قال الله تعالى " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " ، " ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ" الله الذى له ملكوت السموات والأرض وكلما فى هذا الكون ، " وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ " الله وحده لا شريك له فى الملك لم يتخذ صاحبة ولا ولدا والله نزهنفسه عن الولد وعن الشريك " وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا " الله هو خالق كل شىء وربه ومليكه والهه وكل شىء مما سواه مخلوق مربوب وكل شىء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره .

وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا ٣

" وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَة" يخبر الله تعالى عن جهل المشركين فى اتخاذهم آلهة من دون الله الخالق لكل شىء المالك لأزمة الأمور الذى ما شاء كان ولم يشأ لم يكن ، " لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا " هذه الأصنام لا تقدر على خلق جناح بعوضة بل هم مخلقوقون لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فكيف يملكون لعابديهم ؟ ، " وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا " هذه الأصنام لا تملك شيئا فالحياة والخلق والموت والبعث كله بيد الله وحده لا شريك له ولا وزير ولا نظير بل هو الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد  ، وهذا توبيخ للمشركين وما يعبدون من دون الله .

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا ٤ وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا ٥ قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٦

يقول الله تعالى مخبرا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار فى قولهم عن القرآن " وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ " قال الذين كفروا عن القرآن انه كذب ، " ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَ " يقصدون ان النبى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذى جاء بهذا الكذاب افتراه من الفرية وهى الكذب واستعان بجمعه بقوم آخرين يقصدون أهل الكتاب من اليهود والنصارى وأنه نقل عنهم ، " فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا " ما يقوله هؤلاء الكفار هو قول باطل ظالم يتجاوز عن الحق وهم يعرفون أن ما يقولون باطل ويعرفون كذب أنفسهم فيما زعموه ، " وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا " يزعم هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نقل ونسخ ما جاء به من كتب الأوائل الذين سبقوه ، " فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا " وأن هذه الكتب التى ترده ممن سبقه تقرأ عليه فى أول النهار وآخره وهذا الكلام لسخافته وكذبه وبهته منهم يعلم كل أحد بطلانه فانه قد علم بالتواتر وبالضرورة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعانى شيئا من الكتابة لا فى أول عمره ولا فى آخره فهو أمى لا يعرف القراءة والكتابة وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده الى أن بعثه الله نحوا من أربعين سنة وهم يعرفون مدخله ومخرجه وصدقه ونزاهته وبره وأمانته وبعده عن الكذب والفجور وسائر الأخلاق الرذيلة حتى أنهم كانوا يسمونه فى صغره والى أن بعث بالصادق الأمين لما يعلمونه من صدقه وبره فلما أكرمه الله بما أكرمه به من النبوة والرسالة نصبوا له العداوة ورموهبهذه الأقوال التى يعلمكل عاقل براءته منها وحاروا فيما يقذفونه به فتارة من افكهم يقولون ساحر وتارة يقولون شاعر وتارة يقولون مجنون وتارة يقولون كذاب ، " قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ " قال الله تعالى فى جواب ما عاند الكفار وافتروا أنه هو الذى أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين اخبارا حقا صدقا مطابقا للواقع فى الخارج ماضيا ومستقبلا الذى يعلم السر الذى يعلم غيب السموات والأرض ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر ، " إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا " دعاء من الله للكفار الى التوبة والانابة واخبار لهم بأن رحمته واسعة وأن حلمه عظيم وأن من تاب تاب عليه فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتانهم وكفرهم وعنادهم وقولهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالوا يدعوهم الى التوبة والاقلاع عما هم فيه الى الاسلام والهدى وقال الحسن البصرى انظروا الى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم الى التوبة والرحمة .

وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا ٧ أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا ٨ ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَٰلَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا ٩ تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا ١٠ بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيرًا ١١ إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا ١٢ وَإِذَآ أُلۡقُواْ مِنۡهَا مَكَانٗا ضَيِّقٗا مُّقَرَّنِينَ دَعَوۡاْ هُنَالِكَ ثُبُورٗا ١٣ لَّا تَدۡعُواْ ٱلۡيَوۡمَ ثُبُورٗا وَٰحِدٗا وَٱدۡعُواْ ثُبُورٗا كَثِيرٗا ١٤

يخبر الله تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم وانما تعالوا بقولهم "وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ " يقولن منكرين كيف لهذا الرسول أن يأكل الطعامكما نأكله ويحتاج اليه كما نحتاج ويتردد فى الأسواق اليها طلبا للتكسب والتجارة ، " لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا " يقولون لولا أنزل اليه ملك فيكون معه نذيرا أو أنزل عليه ملكمن عند الله فيكون له شاهدا على صدق ما يدعبه ، "  أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ " وقال الكفار عن الرسول صلى الله عليه وسلم لولا علم كيف يكون له كنز كما كان قارون أو أن الله قد جعل له مالا كثيرا كحب له فهم يدعون أن ما معهم من مال هو محبة من الله وهذا كقول فرعون عن موسى عليه السلام " فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أوجاء معه الملائكة مقترنين " تشابهت قلوبهم ، " أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَا " أو تكون عنده جنة فيها من الثمار يأكل منها وتسير معه حيث سار ، وهذا كله يسير على الله ولكن له الحكمة فى ترك ذلك وله الحجة البالغة ، " وَقَالَ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا " قال الكفار عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ساحر أومسه السحر فهوساحر مسحور مجنون كذاب شاعر ، " ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَٰلَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا " كلها أقوال باطلة كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم على ذلك فقد بعدوا عن الهدى فلا مخرج لهم وذلك أنكل من خرج عن الحق وطريق الهدى فانه ضال حيثما توجه لأن الحق واحد ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضا ،وعن خيثمة قال قيل للنبى صلى الله عليه وسلم ان شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبيا قبلك ولا نعطى أحدا بعدك ولا ينقص ذلك مما لك عند الله فقال " اجمعوها لى فى الآخرة " فأنزل الله عز وجل فى ذلك "  تَبَارَكَ " ثناء على الله ومدح له جل ثناؤه ، "ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ " جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا " أنه لو شاء لجعل له خيرا أى أفضل مما قيل جعل لك جنات تجرى من تحتها الأنهار ويجعل له فيها قصورا وذلك فى الدنيا كما قال مجاهد وقال كذلك أن قريش كانوا يسمونكل بيتمن حجارة قصرا كبيرا كان أو صغيرا " بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيرًا " هؤلاء الكفار كذبوا بيوم القيامة وبالبعث بعد الموت وأرصد الله لمن كذب بيوم القيامة عابا أليما حارا لا يطاق فى نار جهنم ، " إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا " يتحدث الله عن جهنم أنها اذا رأت الكافرين يردون اليها من بعيد قال السدى من مسيرة مائة عام سمع هؤلاء الكافرون حنق جهنم عليهم وغضبها منهم كما قال تعالى " اذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تفور تكاد تميز من الغيظ " أى يكاد بعضها ينفصل من بعض من شدة غيظها على من كفر بالله وعنخالد بندريك باسناده عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يقل على ما لم أقل أو ادعى الى غير والديه أو انتمى الى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار - وفى رواية - فليتبوا بين عينى جهنم مقعدا " قيل يا رسول الله وهل لها عينين ؟ قال " أما سمعتم الله يقول " اذا رأتهم من مكان بعيد " ، " وَإِذَآ أُلۡقُواْ مِنۡهَا مَكَانٗا ضَيِّقٗا مُّقَرَّنِينَ دَعَوۡاْ هُنَالِكَ ثُبُورٗا لَّا تَدۡعُواْ ٱلۡيَوۡمَ ثُبُورٗا وَٰحِدٗا وَٱدۡعُواْ ثُبُورٗا كَثِيرٗا " يتحدث الله تعالى عن حال الكفار عند القائهم فى النار قال الضحاك الثبور الهلاك والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والحسرة والدمار كما قال موسى عليه السلام لفرعون " وانى لأظنك يا فرعون مثبورا " أى هالكا فهى تضيق عليهم فيدعون وينادون يا ثبوراه فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا وقال أبن عباس لا تدعوا اليوم ويلا واحدا وادعوا ويلا كثيرا .   

قُلۡ أَذَٰلِكَ خَيۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَآءٗ وَمَصِيرٗا ١٥ لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسُۡٔولٗا ١٦

" قُلۡ أَذَٰلِكَ خَيۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَآءٗ وَمَصِيرٗا " يقول تعالى : يا محمد هذا الذى وصفناه لك من حال الأشقياء الذين يحشرون على وجوههم الى جهنم فتلقاهم بوجه عبوس وتغيظ وزفير ويلقون فى أماكنها الضيق مقرنين لا يستطيعون حراكا ولا استنصارا ولا فكاكا مما هم فيه أهذا خيرا أم جنة الخلد التى وعدها الله المتقين من عباده التى أعدها لهم وجعلها لهم جزاءا ومصيرا على ما أطاعوه فى الدنيا ، " لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ " جعل الله لهم مآلهم اليها من الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ومناظر وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، " خَٰلِدِينَ" وهم فى ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال ولا انقضاء ولا يبغون عنها حولا وهذا من وعد الله الذى تفضل به عليهم وأحسن به اليهم ، "  "كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسُۡٔولٗا " وهذا وعد الله الواجب الذى يجب أن يقع وعن أبن عباس قال يقول تعالى سلوا الذين واعدتكم وقال أبوحازم اذا كان يوم القيامة قال المؤمنون ربنا عملنا لك بالذى أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا فذلك قوله " وعدا مسؤلا " .  

وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ ١٧ قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا ١٨ فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا ١٩

يقول الله تعالى مخبرا عما يقع يوم القيامة من تقريع الكفار فى عبادتهم من عبدوا من دون الله من الملائكة وغيرهم ويقول للكفار "وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ " يوم يحشر الله عباده يوم القيامة وما يعبدون من دون الله قال مجاهد ما يعبدون من دون الله هو عيسى وعزير والملائكة يقول تبارك وتعالى للمعبودين أأنتم دعوتم هؤلاء الى عبادتكم من دونى أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم من غير دعوة منكم لهم كما قال تعالى فى سورة المائدة " واذ قال الله يا عيسى أبن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك انك علام الغيوب * ما قلت لهم الا ما أمرتنى به " ، " قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ " يكون ردهم على الكفار أنهم ينزهون الله عما لا يليق به ويقولون ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك لا نحن ولا هم فنحن ما دعوناهم الى ذلك بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ورضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم ، " وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا " يقولون كذلك لله تعالى أنه قد أتاهم من النعم فى الحياة الدنيا هم ومن قبلهم آبائهم فاغتروا وطال عليهم العمر حتى نسوا ما أنزل الله اليهم على ألسنة رسله من الدعوة الى عبادته وحده لا شريك له وكانو قوما بورا أى هالكين كما قال أبن عباس وقال الزهرى أى لا خير فيهم ، " فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ " يقول الله تعالى للكفار كذبكم الذين عبدتم من دون الله فيما زعمتم أنهم لكم أولياء وأنهم يقربونكم الى الله زلفى ، " فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗا" وهؤلاء لا يقدرون على صرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم ، " وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ " أى من يشرك بالله ، " نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا " يذقه الله العذاب الكبير الشديد الأليم .  

وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا ٢٠ ۞

" وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ " يقول الله تعالى مخبرا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام ويحتاجون الى التغذى به ، " وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ" ويمشون فى الأسواق للتكسب والتجارة ، وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم فان الله تعالى جعل لهم من السمات الحسنة والصفات الجميلة والأقوال الفاضلة والأعمال الكاملة والخوارق الباهرة والأدلة القاهرة ما يستدل به كل ذى لب سليم وبصيرة مستقيمة على صدق ماجاءوا به من الله وهذا كقوله" وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحى اليهم من أهل القرى " وقوله" وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام " ، "وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُون" يقول تعالى اختبرنا بعضكم ببعض وبلونا بعضكم ببعض لنعلم من يطيع ممن يعصى ، " وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا  " الله بصير وعليم بمن يستحق أن يوحى اليه كما قال تعالى " الله أعلم حيث يجعل رسالته " ومن يستحق أن يهديه الله لما أرسلهم به ومن لا يستحق ذلك قال محمد بن اسحاق يقول الله لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلى فلا يخالفون لفعلت ولكنى قد أردت أن أبتلى العباد بهم وأبتليكم بهم وفى صحيح مسلم عن عياض بن حماد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى انى مبتليك ومبتلى بك " وفى المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو شئت لأجرى الله معى جبال الذهب والفضة " وفى الصحيح أنه عليه أفضل الصلاة والسلام خير بين أن يمون نبيا ملكا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا . 

No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...