8- ) زيجات الرسول صلى الله عليه وسلم
واج النبى ﷺ من جويرية بنت الحارث
سيد بنى المصطلق من خزاعة
كانت بنت الحارث بن ضرار زعيم بنى
المصطلق وقائدهم ، كانت ممن وقع فى الأسر بعد هزيمة بنى المصطلق فى الغزوة المسماة
باسمهم فى سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها فقضى الرسول ﷺ كتابتها وتزوجها فى
شعبان سنة 6 هجرية وقيل سنة 5 هجرية ، توفيت فى ربيع الأول سنة 56 هجرية فى دولة
بنى أمية وصلى عليها عبد الملك بن مروان ولها 65 سنة وقيل سبعين سنة .
عندما استقر الرسول ﷺ بالمدينة عقد
معاهدة مع من كان بالمدينة ، وقال ابن اسحاق " وكتب رسول الله ﷺ كتابا بين
المهاجرين والانصار ووادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم
واشترط عليهم ونص المهاهدة موجود فى كتب الأحاديث وكتب السير وتعتبر المعاهدة من
أفضل النصوص فى حقوق الانسان وترد على كل من يقول أن الاسلام انتشر بالسيف ومن ضمن
نصوص المعاهدة " وان من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين
ومتناصر عليهم " ومن نصوصها " وأنكم مهما اختلفتم فيه من شىء فان مرده
الى الله والى محمد وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وان يهود بنى
عوف أمة من المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، بنى النجار مثل مواليهم
وأنفسهم الا من ظلم أو اثم فانه لا يوتع ( أى يهلك ) الا نفسه وأهل بيته وذكر مثل
ذلك لهود ( بنى النجار ) وبنى الحارث وبنى ساعدة وبنى جشم وبنى الأوس وبنى ثعلبة
وبنى الشطبة " ، ومن نصوص المعاهدة أيضا " وأن على اليهود نفقتهم وأن
على المسلمين نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح
والنصيحة والبر دون الاثم وأن بينهم النصر على من دهم يثرب " .
هذه بعض فقرات من المعاهدة التى تبرز
حرص الرسول ﷺ على الجوار والسلام يقول القرآن " وان جنحوا للسلم فاجنح لها
وتوكل على الله " فقد عاهد النبى ﷺ كل من كان بالمدينة ومن كان هم الأوس
والخزرج واليهود فاخى بين الأوس والخزرج وهى الانصار وعاهد اليهود ولكن لم يتركوه
ولم يلتزموا بنصوص المعاهدة وتآمروا عليه وتحالفوا مع قبائل الكفار من العرب
لينصروهم على المسلمين وبرز ذلك فى غزوة الخندق التى حاصر فيها الكفار المسلمين
لمدة شهر حتى نصرهم الله فما كان من الرسول ﷺ الا أن يرد لهم عدوانهم ليأمن نفسه
من شرورهم ومن بين مؤمراتهم المحاولات المتكررة بقتله بالسم والقاء حجر عليه .
وموقف الرسول ﷺ كان دائما يميل الى
السلم ولم يثبت أنه اعتدى على أحد ولكنه كان دائما يرد العدوان ، وسبب غزوة بنى
المصطلق وتسمى كذلك بغزوة المريسيع حسب ما ذكره ابن كثير عن ابن اسحاق " أن
الرسول ﷺ بلفه أن بنى المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبى ضرار أبو جويرية
التى تزوجها الرسول ﷺ فلما سمع بهم خرج اليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له
المريسيع من ناحية قديد الى الساحل فتزاحم الناس واقتتلوا فهزم الله بنى المصطلق
وقتل من قتل منهم ونقل رسول الله ﷺ أبناءهم وأموالهم فأفاءهم عليه وحديث السيدة
عائشة رضى الله عنها يتحدث عن زواج النبى ﷺ بجويرية بنت الحارث رضى الله عنها وهو
لم يستأثر بها لنفسه عند توزيع الغنائم بل كانت فى السهم لثابت بن قيس بن الشماس
أو لابن عم له فكاتبته على نفسها ( والمكاتبة هى أن ينجم ( والكلمة معناها يقسط )
المالك على عبده أو أمته مقدارا من المال اذا أداه صار حرا " ونرجع الى نص
الحديث لنخرج منه ببعض النتائج فقد ورد فى مسند أحمد عن عائشة أم المؤمنين رضى
الله عنها قالت " لم قسم رسول الله ﷺ سبايا بنى المصطلق وقعت جويرية بنت
الحارث فى السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها ، فكانت
امرأة حلوة ملاحة لا يراها رجل الا أخذت بنفسه فأتت النبى ﷺ تستعينه فى كتابتها
قالت " فو الله ما هو الا أن رأيتها على باب حجرتى فكرهتها وعرفت أنه سيرى
منها ما رأيت فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار
سيد قومه وقد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت فى السهم لثابت بن قيس بن
الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسى فجئت أستعينك على كتابتى قال : فهل لك فى
خير من ذلك ؟ قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : أقض كتابك وأتزوجك ، قالت : نعم
يارسول الله قال : قد فعلت قالت : وخرج الخبر الى الناس أن رسول الله ﷺ تزوج
جويرية بنت الحارث فقال الناس : أصهار رسول الله ﷺ فأرسلوا ما بأيديهم قالت : فلقد
اعتق بتزويجه اياها مائة أهل من بنى المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على
قومها منها "
والرسول ﷺ لو كان ينظر الى الأمور
نظرة أخرى لكان استبقاها لنفسه من البداية ولم يجعلها فى سهم أحد الصحابة ولكن كان
كل شىء قد تم ، ولو أنها لم تأتيه شاكية لاستمرت من نصيب الصحابى ولكنا اشتكت شكوى
العزيز الذى ذل وطلبت تدخل الرسول ﷺ فخيرها لتختار وتدخل الرسول ﷺ من باب ارحموا
عزيز قوم ذل فهى من السبايا وفى القديم نعلم ما كان يفعل فى السبايا حتى جاء
الاسلام وتدخل ليحل هذا الموضوع فأكثر من العتق وجعل تبادلا للأسرى بما يحفظ
الانسان كرامته ولا ننسى موقف الرسول ﷺ من أسرى بدر وكيف طلب منهم تعليم الصحابة
القراءة والكتابة فى مقابل فك أسرهم ، قالت بعد أن خيرت وكان لها حق الرفض والقبول
وكان ذلك دعوة لها أن تسلم : نعم يا رسول الله " فكان ذلك اقرار منها بدخول
الاسلام ولو دققنا النظر فى الحديث وربطنا نصه بما فى الواقع الموجود لخرجنا
بفائدة عظيمة وأن هذا الزواج ليس مجرد زواج عادى كما يتزوج رجل امرأة وينتهى الأمر
بل كان له نفع كبير على الدعوة الاسلامية وتدعيمها والرسول ﷺ كل ما يراه هو وحى
يوحى من ربه لا يعرف أثره من جانب من حوله فى حينه لعمق نظرته التى تختلف عن نظرة
غيره للامور فالسيدة عائشة رضى الله عنها نظرت الى الأمور نظرة المرأة المحبة
لزوجها الغيورة عليه التى تتمنى ألا يشاركها أحد فى حبه وكان لها مواقف ، منها
عندما تحدث الرسول ﷺ عن السيدة خديجة رضى الله عنها وقد توفيت فاصابت الغيرة قلب
السيدة عائشة رضى الله عنها من فرط حب الرسول ﷺ وحديثه عنها وهذه هى الطبيعة
البشرية للمرأة التى خلقها الله عليها والرسول ﷺ فى قلب الأحداث والدعوة وما يهمه
ليس الأمور الشخصية فهذه الأمور يقيمها من حيث نفعها وخدمتها للدعوة ، فجويرية لم
تكن فى سهمه بل فى سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ولو أنها استمرت على
وضعها ولم تذهب الى الرسول ﷺ لتشتكى ما حدث لها وهى كيف أنها بنت سيد قومها وكانت
عزيزة قومها وقد وقعت فى سهم فرد عادى ليس له سيادة أو نفوذ وكان العرب وغيرهم
ينظرون الى الزواج من حيث أن يكون هناك تكافؤ فالمجتمع لم يتسع لقيم المساواة فى
الاسلام وشكت له كذلك البلاء الذى وقع عليها وهو هزيمة قومها ووقوعها فى السبى على
عادة الحروب الأمر الذى جاء الاسلام ليضع له حل من عتق رقبة فابنة سيد القوم لابد
أن تتزوج أو تقع تحت من هو كفؤ لها واذا أتخذت سبية أو أمة قلل ذلك من شأنها أما
الزواج فهو لها رفعة وهو الحل الشرعى ليستبقيها الرسول ﷺ والزواج فى هذا المجتمع
الذى يعتمد على العصبية الجاهلية كان شرفا كبيرا فلم يكن هناك تحديد لعدد الزوجات
والواضح كذلك أنها أسلمت وأن قومها كانوا على الكفر ولا يجوز أن تعود الى قومها
وهم على الكفر ولو خرجت حرة بكتابتها لما وجدت عائلا فى هذا المجتمع الصعب والبيئة
الصحراوية القاسية وعادة العرب كذلك كانت عدم الاختلاط وليس كما فى عصرنا الحالى
وكانت جويرية بنت ألد أعداء الرسول ﷺ الذى كان يجهز العدة لمهاجمة الرسول ﷺ
والمسلمين فى المدينة فتحرك الرسول ﷺليشن حربا وقائية ضد أعدائه للدفاع عن نفسه
وعن المسلمين وقد نصره الله وهذا الزواج عاد بالنفع على قوم جويرية فعندما علم
الصحابة بخبر هذا الزواج قالوا " أصهار رسول الله ﷺ ( أى أن ما لديهم من
سبايا قومها أصبحوا أصهار رسول الله ﷺ
ولذلك يجب اكرامهم ) فأرسلوا ما بأيديهم ونتيجة لذلك أعتق مائة من أهل جويرية وروى
أنهم أكثر من سبعمائة وبذلك أمن الرسول ﷺ شرهم وجانبهم فبدلا من كونهم أعداء
للدعوة أصبحوا متخلين عن هذه العداوة وذلك أمر يرتفع عن الهوى والشهوة ويعضد
الدعوة .
No comments:
Post a Comment