Grammar American & British

Saturday, February 18, 2023

11- ) شخصيات من القرآن الكريم - اسماعيل عليه السلام

11- ) شخصيات من القرآن الكريم 

اسماعيل عليه السلام 

 بِكرُ إبراهيمَ وابنُه من هاجر، تركه إبراهيم مع أمه في واد غير ذي زرع وهو لا يزال رضيعًا، وترك عند أمه جرابًا من تمر وسقاءَ ماءٍ وعاد إلى فلسطين، كان ذلك عن أمر الله، فلما اطمأنت هاجر إلى أن هذا المنفى هو إرادة ربانية، قالت: فإذًا لن يضيعنا الله، فلما فني الزاد ونضب الماء وعطش الولد وجف عند هاجر الضرع قامت تبحث عن الماء هائمة على وجهها مضطربة تعلو جبل الصفا وتنظر فلا تجد شيئًا، وتهبط الوادي وهي تتلفت يمينًا وشمالًا ثم تصعد جبل المروة وتتطلع بعيدًا بعيدًا، فترجع من هذا وذاك صِفْرَ اليدين، وكررت هذا المشهد سبع مرات، ثم أحست بصوت خافت منبعث من بعيد، فقالت لنفسها: صه، تريد أن تسمع بوضوح، فإذا بجبريل عليه السلام يضرب الأرض قرب قدمي ولدها إسماعيل، فينبجس الماء، وتسرع إلى الماء تحبسه وتملأ السقاء، وتنعَم بماء زمزم المبارك.

ويشب إسماعيل قويًّا حليمًا مطيعًا لوالديه بالرغم من قلة زيارات والده إبراهيم له، ثم يخضع إسماعيل لأقسى امتحان يتعرض له فتى في مثل سنه: ﴿ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات: 102]، وكان جواب الابن البار: ﴿ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، فنجَح في الامتحان صابرًا، وفداه الله بذبح ثمين؛ لذلك اكتسب صفةَ الصبر: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ (الأنبياء: 85).

ولما اشتد عوده ساعَد والدَه في بناء الكعبة: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96].

وعاش بين قبيلة جرهم التي نزلت بجوارهم، وشب قويًّا فصيحًا بينهم، فزوجوه منهم، ثم توفيت والدته وهو في ريعان شبابه وفتوته، وزاره والدُه قادمًا من فلسطين، لكنه لم يره، فسأل زوجته عنه فقالت: هو في الصيد، فسألها عن أحوالهما - وهي لا تعرف أنه والد إسماعيل - فقالت: نحن في أسوأ حال، ونعيش في ضنك وفاقة، ولم تحمَدِ الله على نعمه، فعرَف مِن كلامها جهلها، ولا ينبغي أن تكون زوجة نبي، فقال لها: إن حضر، أقرِئيه السلام وقولي له يغير عتبة بيته، وعاد إسماعيل من رحلته محملًا بالصيد، فقال لزوجته: أمر بكم أحد؟ قالت: نعم، شيخ كبير جليل مهاب، قال إسماعيل: أقال لك شيئًا؟ قالت: نعم، يسلم عليك، ويأمرك بتغيير عتبة بيتك، فقال: هذا أبي، وقد أمرني بأن أطلقك، ثم غاب إبراهيم عليه السلام ما شاء الله له أن يغيب، وعاد إلى الحجاز يتفقد ابنه، فحضر ولم يجده، فسأل زوجته، فقالت: هو في الصيد، فسألها عن أحوالهما، فقالت: نحن بخير والحمد لله، وتغمرنا نِعم الله، ثم قالت: انزل ضيفًا علينا؛ فلا يلبث إسماعيل أن يحضر، فقال: أقرئيه السلام وقولي له يثبت عتبة بيته، وحضر بعد مدة إسماعيل، وسألها إن كان قد حضر أحد في غيابه، فذكرت له حضور شيخ مهيب، فقال: هل قال شيئًا؟ قالت: نعم، يسلم عليك ويطلب منك تثبيت عتبة بيتك، قال لها: هذا أبي، وقد أمرني بأن أتمسك بك، وعاشت معه تتحمل مسؤولية البيت في صبر واقتدار، وحق لها بهذه الأخلاق أن تكون زوجة نبي؛ فقد نُبِّئَ إسماعيل عليه السلام وهو في الأربعين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55]، فكان رسولًا إلى قومه من العرب، وكان يأمرهم بالصلاة والزكاة؛ فهم أهله وعشيرته، والأمر عام غيرُ مقتصر على الأهل، وقد سار في قومه سيرة فيها الحب والرحمة؛ فاكتسب محبتهم وعاش بينهم مكرمًا مبجلًا، ﴿ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ﴾ [ص: 48].

وأما شريعتُه فهي شريعة إبراهيم، دِين الحنيفية السَّمْحة: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [البقرة: 136]، فهذه الآية تظهر أن المُنزَّل إلى إبراهيم وأبنائه وأسباطه واحد، علمًا بأن الدين المنزل على كل الأنبياء واحد أيضًا؛ قال الله تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13].

أما دعوة إسماعيل فإن القُرْآن قد ذكرها مقتضبة؛ ربما لأنها فعلًا دعوة إبراهيم نفسها، فهي استمرار لها، وكما مر سابقًا فإن إبراهيم أقام مدة في الحجاز يبني البيت، ويعلم الناس الحج ومَن لبى نداء الحج الذي نادى به إبراهيم، فإنه ولا شك حجَّ وَفْق شريعة إبراهيم، وعلى هذا فرسالة إسماعيل هي امتداد لرسالة والده؛ لذلك كان العرب يقولون: نحن على دِين الحنيفية، ثم دخَلها - لطول الفترة بين الرسل - التحريف، كما حدَث لغيرها من الرسالات في الأمم الأخرى، لكن تُطالعنا السيرة أن نفرًا من العرب استمروا على المنهج الصحيح لا يسجدون للأصنام ولا يقدِّسونها، وينبِذون ما انغمست فيه قريش مِن الوثنية، وكان من هؤلاء: ورقة بن نوفل، وعبيدالله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقالوا فيما بينهم: تعلمون والله ما قومكم على شيء، أخطؤوا دِين أبيهم إبراهيم، ما حجَر نطوف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع!.

وذكر في السيرة أيضًا: أن إسماعيل خلف اثني عشر رجلًا، أكبرهم نابت، وهو الجد التاسع لعدنان، ومِن عدنان تفرقت القبائل مِن ولد إسماعيل، وذكر أهل التواريخ أن إسماعيل عاش مائة وثلاثين سنة، والله أعلم، وورد أنه أول مَن استأنس الخيل في بلاد العرب فأصبحت مطية الإنسان السريعة في الصيد والحرب، والكَر والفَر، وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على نفر مِن أسلم ينتضلون - يتبارَوْن برمي السهام على أهداف نصبوها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان))، قال: فأمسَك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لكم لا ترمون؟))، فقالوا: يا رسول الله، نرمي وأنت معهم؟ قال: ((ارموا وأنا معكم كلِّكم))، وهذا الحديثُ يشهد على مهارة إسماعيل في الرمي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يُحْيِيَ عندهم هذه الخَصلة والمهارة في الرمي؛ لأنها مهمة في الحرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع على الرمي، وورد في ذلك أحاديثُ كثيرة، منها: ما أخرجه البخاري عن عبدالرحمن بن أبي حسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ارموا واركبوا، ولأن ترموا أحبُّ إليَّ مِن أن تركبوا، كلُّ ما يلهو به الرجلُ المسلم باطلٌ، إلا رميَه بقوسِه، وتأديبَه فرَسَه، وملاعبتَه أهلَه، فإنهن من الحق)).

قصة اسماعيل عليه السلام كامله و صحيحة

إسماعيل (عليه السلام(

كان إبراهيم -عليه السلام- يحب أن تكون له ذرية صالحة تعبد الله -عز وجل- وتساعده في السعي على مصالحه، فعلمت السيدة سارة ما يريده زوجها، وكانت عاقرًا لا تلد فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها؛ لعلها تنجب له الولد، فلما تزوجها إبراهيم -عليه السلام- حملت منه،وأنجبت له إسماعيل، وبعد مرور فترة من ولادة إسماعيل أمر الله -عز وجل- إبراهيم أن يذهب بزوجته هاجر وولده إلى مكة، فاستجاب إبراهيم لأمر ربه، وسار بهما حتى وصلوا إلى جبال مكة عند موضع بناء الكعبة، وظل معهما فترة قصيرة، ثم تركهما في هذا المكان وأراد العودة إلى الشام، فلما رأته زوجته هاجر عائدًا أسرعت خلفه، وتعلقت بثيابه، وقالت له: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يرد عليها إبراهيم -عليه السلام- وظل صامتًا، فألحت عليه زوجته هاجر، وأخذت تكرر السؤال نفسه، لكن دون فائدة، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم: نعم، فقالت هاجر: إذن لن يضيعنا، ثم رجعت.

وسار إبراهيم -عليه السلام- وترك زوجته وولده، وليس معهما من الطعام والماء إلا القليل، ولما ابتعد عنها إبراهيم، رفع يده داعيًا ربه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم واصل السير إلى الشام، وظلت هاجر وحدها، ترضع ابنها إسماعيل، وتشرب من الماء الذي تركه لها إبراهيم حتى نفد ما في السقاء، فعطشت، وعطش ابنها فتركته وانطلقت تبحث عن الماء، بعدما بكى الطفل بشدة، وأخذ يتلوى، ويتمرغ أمامها من شدة العطش.

وأخذت هاجر تمشي حتى وصلت إلى جبل الصفا، فصعدت إليه ثم نظرت إلى الوادي يمينًا ويسارًا؛ لعلها ترى بئرًا أو قافلة مارة من الطريق فتسألهم الطعام أو الماء، فلم تجد شيئًا، فهبطت من الصفا، وسارت في اتجاه جبل المروة فصعدته وأخذت تنظر بعيدًا لترى مُنقِذًا ينقذها هي وابنها مما هما فيه، إلا أنها لم تجد شيئًا كذلك، فنزلت من جبل المروة صاعدة جبل الصفا مرة أخرى لعلها تجد النجاة وظلت هكذا تنتقل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا سبع مرات.

وقد أصبح هذا السعي شعيرة من شعائر الحج، وذلك تخليدًا لهذه الذكرى، قال تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أواعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم } [البقرة:158] وبعد أن تعبت هاجر، وأحست بالإجهاد والمشقة، عادت إلى ابنها دون أن يكون معها قطرة واحدة من الماء، وهنا أدركتها رحمة الله -سبحانه- فنزل الملك جبريل -عليه السلام- وضرب الأرض، فتفجرت وتدفقت منها بئر زمزم وتفجر منها ماء عذب غزير، فراحت هاجر تغرف بيدها وتشرب وتسقى ابنها، وتملأ سقاءها، وشكرت الله -عز وجل- على نعمته، وعلى بئر زمزم التي فجرها لها.

ومرت أيام قليلة، وجاءت قافلة من قبيلة جرهم -وهي قبيلة عربية يمنية- فرأت طيرًا يحوم فوق مكان هاجر وابنها، فعلموا أن في ذلك المكان ماء، فأقبلوا نحو المكان الذي يطير فوقه الطير، فوجدوا بئر زمزم فتعجبوا من وجودها في هذه المكان، ووجدوا أم إسماعيل تجلس بجواره، فذهبوا إليها، وعرفوا قصتها فاستأذنوها في الإقامة بجوار هذه البئر، فأذنت لهم، وعاشت معهم هي وابنها وتعلم منهم إسماعيل اللغة العربية، وأخذت هاجر تربي ابنها إسماعيل تربية حسنة وتغرس فيه الخصال الطيبة والفضائل الحميدة، حتى كبر قليلاً، وصار يسعى في مصالحه لمساعدة أمه.

وكان إبراهيم -عليه السلام- يزور هاجر وولده إسماعيل من حين لآخر لكي يطمئن عليهما، وذات يوم رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل الذي جاء بعد شوق طويل، فلما قام من نومه، علم أن ما رآه ما هو إلا أمر من الله؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، فذهب إبراهيم إلى ابنه، وقال له: {يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات:102] فقال إسماعيل: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} (الصافات:102).. وأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل وذهب به إلى مِنَى ثم ألقاه على وجهه كي لا يرى وجهه عند الذبح، فيتأثر بعاطفة الأبوة، واستسلم إسماعيل لأمر الله ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل ليذبحه، وقبل أن يمر السكين سمع إبراهيم نداء الله تعالى يقول له: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات:104-106] وبعد لحظات من النداء الإلهي رأى إبراهيم الملك جبريل -عليه السلام- ومعه كبش عظيم، فأخذه إبراهيم وذبحه بدلاً من ابنه إسماعيل.

لقد أراد الله -عز وجل- أن يختبر إبراهيم في التضحية بابنه إسماعيل، فلما وجده قد امتثل لأمره دون كسل واعتراض كشف الله هذا البلاء، وفدى إسماعيل بكبش عظيم، وقد أصبح يوم فداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا للمسلمين يسمي بعيد الأضحى، يذبح فيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله وتخليدًا لهذه الذكري الطيبة، وعاد إبراهيم بولده إلى البيت، ففرحت الأم بنجاة ولدها فرحًا شديدًا، وكبر إسماعيل حتى أصبح شابًّا قويًّا، وتزوج امرأة من إحدى القبائل التي استقرت حول بئر زمزم.

وذات يوم زار إبراهيم -عليه السلام- ابنه إسماعيل، فلم يجده في بيته، ووجد زوجته وكانت لا تعرفه، فسألها إبراهيم عن زوجها إسماعيل، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقًا، فسألها عن عيشهم، فقالت: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إبراهيم : إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه، فلما عاد إسماعيل سأل زوجته: هل زارنا أحد اليوم؟ قالت له: نعم، زارنا شيخ صفته كذا وكذا، فقال إسماعيل: هل قال لك شيئًا؟قالت: سألني عنك وعن حالتنا وعيشتنا، فقال لها: وماذا قلت له؟ قالت: قلت له: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إسماعيل: وهل أوصاك بشيء؟ قالت: قال لي: قولي لزوجك عندما يعود أن يغير عتبة بابه، فقال إسماعيل: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فألحقي بأهلك فطلقها إسماعيل، وتزوج بغيرها.

ومرت فترة من الزمن، ثم عاد إبراهيم لزيارة ابنه إسماعيل، ولم يجده أيضًا، ووجد زوجته، وكانت هي أيضا لا تعرفه، فسألها أين زوجك إسماعيل؟ قالت له: خرج يبتغي لنا رزقًا، فقال إبراهيم: وكيف أنتم؟ قالت: نحن بخير وسعة، ففرح إبراهيم بهذه الزوجة، واطمأن لحالها، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي له مني السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل أخبرته زوجته بما حدث، وأثنت على إبراهيم، فقال إسماعيل: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك. (البخاري)

وعاد إبراهيم إلى فلسطين، وظل بها مدة طويلة يعبد الله -عز وجل- ثم ذهب لزيارة إسماعيل، فوجده يبري نبلاً له قرب بئر زمزم، فلما رآه إسماعيل قام إليه واحتضنه واستقبله أحسن استقبال، ثم قال إبراهيم لابنه: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمرٍ. فقال إسماعيل: اصنع ما أمرك به ربك، فقال إبراهيم: وتعينني عليه؟ قال إسماعيل: وأعينك عليه، فقال إبراهيم: إن الله أمرني أن أبني هنا بيتًا، كي يعبده الناس فيه، فوافق إسماعيل أباه، وبدأ ينقل معه الحجارة اللازمة لبناء هذا البيت، وكان إبراهيم يبني، وإسماعيل يعينه، حتى إذا ما ارتفع البناء واكتمل جاء جبريل بحجر من الجنة، وأعطاه لإبراهيم، ليضعه في الكعبة، وهو ما يسمى بالحجر الأسود.

وبعد أن انتهى إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- من بناء الكعبة وقفا يدعوان ربهما: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128] وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل -عليه السلام- ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة، وأنه كان يأمر أهله بأدائها، قال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} (مريم:54-55).

وكان إسماعيل رسولاً إلى القبائل التي سكنت واستقرت حول بئر زمزم، وأوحى الله إليه، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة:163] وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} [النساء:163] وكان إسماعيل -عليه السلام- أول من رمى بسهم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشجع الشباب على الرمي بقوله: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا) [البخاري].

وإسماعيل -عليه السلام- هو جد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو العرب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم].

فقد وردت قصة إسماعيل عليه السلام في القرآن الكريم مجملة من غير تفصيل في بعض المواطن.

فقد قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا {مريم:54-55} وقال تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ {الأنبياء:85} وفصلت بعض الشيء في سورة الصافات فقال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {الصَّفات:101-107

وقد وردت مفصلة تفصيلا أكثر في السنة. ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هناك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقاً فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات فرفع يديه فقال: {رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} حتى بلغ {يشكرون} (إبراهيم 37)

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل تر أحداً فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <فلذلك سعي الناس بينهما> فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت صه (تريد نفسها) ثم تسمعت فسمعت أيضاً فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تُحَوِّضُهُ وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. وفي رواية: بقدر ما تغرف.

قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <رحم اللَّه أم إسماعيل لو تركت زمزم> أو قال: <لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً>  قال فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن ههنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن اللَّه لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهُم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء! فأرسلوا جرياً أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عباس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <فألفي ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا فأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، وفي رواية: يصيد لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدة، وشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول: غير عتبة بابك. قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اللَّه ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسأل عنه، قالت خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على اللَّه تعالى، فقال: ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه> قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.

وفي رواية: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد، فقالت امرأته: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟ قال: وما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم وشرابنا الماء. قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال أبو القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <بركة دعوة إبراهيم> قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت نعم يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء اللَّه ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم؛ فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، قال: يا إسماعيل إن اللَّه أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال وتعينني؟ قال وأعينك، قال: فإن اللَّه أمرني أن أبني بيتاً ههنا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وأما قصة الذبح فقد جاءت في القرآن الكريم بشيء من التفصيل ولكن أهل العلم اختلفوا في الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق.

والذي رحجه المحققون من أهل العلم كابن كثير وغيره أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام. يقول الله تعالى: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ {الصّافات:101}  إلى قوله: سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {الصَّافات:109}

وبإمكانك أن ترجع إلى تفاصيل هذه القصة في كتاب قصص الأنبياء لابن كثير، وفي كتب التفسير عند تفسير الآية المذكورة.

وبعد قصة الذبح عاش إسماعيل عليه السلام حياته العادية، وكان نبيا ورسولا .

والله أعلم

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

إسماعيل

الذبيح، صادق الوعد، الغلام الحليم

الولادة  بلاد الشام

الوفاة   مكة

في      اليهودية ، المسيحية ،الإسلام ، البهائية

النسب  أبوه: إبراهيم

أمه: هاجر

إخوته: إسحاق

ذريّته: الإسماعليون

إِسْمَاعِيْل بن إبراهيم بن تارح هو عند المسلمين نبي من أنبياء الله، وابن النبي إبراهيم، بينما في اليهودية والمسيحية عبارة عن شخصية تاريخية تم ذكرها في العهد القديم، وهو يعتبر أب النسب للعرب الإسماعيليين أي العرب القيدرايون والنبط والعدنانيون، وجد في عمود نسب النبي محمد. و إسماعيل ربِّيَ في البادية، و كان راميًا بالقوس شأن أهل البادية العربية؛ وأنه خلف اثني عشر ولدًا أسماؤهم تطابق أسماء بعض القبائل العربية الشمالية وأن أولاده و نسله هم آباء القبائل العربية التي أقامت ما بين "حويلة" إلى "شورة"، وكانت شورة عند برزخ السويس وحويلة عند خولان في شمال اليمن وبينهما الحجاز، ونجد وتهامة وجزيرة سيناء.

في المسيحية واليهودية

رسم تخيلي يعود لعام 1820، إسماعيل وأمه هاجر بعد أن خرجا إلى الصحراء.

إسماعيل (بالعبرية: יִשְׁמָעֵאל) وتفسيره في كلتا اللغتين (سَمِعَ الله) بمعنى (لبى الله دعاء إبراهيم بأن يكون له ولد فمنحه إسماعيل). وكان إسماعيل الابن الأكبر لإبراهيم من هاجر جارية زوجته سارة. وكان إسماعيل أول من ذٌكر في سفر التكوين من كتاب التوراة كألابن الأكبر لإبراهيم من هاجر جارية سارة «المصرية». ولا تعترف اليهودية والمسيحية بنبوة إسماعيل.

إسماعيل في التوراة

في كتاب التوراة العهد القديم، يوجد شرح لحياة إسماعيل في سفر التكوين اصحاح 16 ومايليه. ويرد فيه:

سارة، زوجة إبراهيم منحت خادمتها هاجر لإبراهيم حتى تحبل منه وتلد له ولدا تتبناه لأعتقادها بأن الله حرمها الحمل (التكوين اصحاح 16:2). حملت هاجر وبدأت بأهانة سارة، لذلك طردتها من بيت إبراهيم في ثورة غضب. هربت على إثرها هاجر إلى البرية. وهناك ظهر لها ملاك، أمرها بأن ترجع إلى بيت إبراهيم وقال لها: «لأُكَثِّرَنَّ نَسْلَكِ فَلاَ يَعُودُ يُحْصَى» وأكمل قائلاً: «هُوَذَا أَنْتِ حَامِلٌ، وَسَتَلِدِينَ ابْناً تَدْعِينَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ شَقَائِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ» (تكوين اصحاح 16)

عادت هاجر إلى بيت إبراهيم ومعها ابنها الذي اسمته إسماعيل. وبعد أن بلغ إسماعيل الرابعة عشرة من عمره، حملت سارة باسحق ولد إبراهيم. وعند بلوغ إسماعيل سن السادسة عشرة أغضَبَ سارة، فطلبت من إبراهيم أن يطرد هاجر وإبنها.

كَبٌرَ اسحق، وفي اليوم الذي فٌطم فيه أقام إبراهيم وليمة كبيرة، لكن سارة لاحظت بأن إسماعيل يسخر من ابنها اسحق، لذلك طلبت سارة من إبراهيم: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، فَإِنَّ ابْنَ الْجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِي إِسْحقَ» (تكوين اصحاح 10-21:8).

وبالرغم من أن إبراهيم لم يكن مرتاحا من مسألة طرد هاجر وإسماعيل، لكنه انصاع إلى أمر امرأته بعدما وعده الله بأنه سيعتني بأبنه إسماعيل ويجعل له نسلاً كما لاسحق.

ضايق هذا إبراهيم كثيرا لان إسماعيل كان ابنه ولكن الله قال له «لاَ يَسُوءُ فِي نَفْسِكَ أَمْرُ الصَّبِيِّ أَوْ أَمْرُ جَارِيَتِكَ، وَاسْمَعْ لِكَلاَمِ سَارَةَ فِي كُلِّ مَا تُشِيرُ بِهِ عَلَيْكَ لأَنَّهُ بِإِسْحقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَسَأُقِيمُ مِنِ ابْنِ الْجَارِيَةِ أُمَّةً أَيْضاً لأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ» (تكوين اصحاح 13-21:11)

ذهب هاجر وإسماعيل إلى برية بئر سبع، وعندها مرت هاجر وابنها بفترة عصيبة، فسمعت صوتا من السماء يقول: «فسمع الله صوت الغلام.ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها ما لك يا هاجر.لا تخافي لان الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. 18 قومي احملي الغلام وشدي يدك به.لاني ساجعله امة عظيمة.» (تكوين اصحاح 21.)

وبذلك سكن هاجر وإسماعيل في صحراء فاران وبرَع إسماعيل باستخدام القوس ورمي النبال. اتخَذَت لهٌ أمه زوجةً.

وعد الله لإبراهيم

وذكر في العهد القديم لإبراهيم: «فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق. وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده. 20 وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. هأنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا. اثني عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة. 21 ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية».

«وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إِسْمَاعِيلَ مَدَوَّنَةً حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلاَدَتِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ، وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا، وَحَدَارُ وَتَيْمَا وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ.» ولإسماعيل ابنة اسمها بَسْمَةَ، حيث تزوجها عيسو على غير رضا أهله.

نسل إسماعيل

ويظهر إسماعيل مع أخيه في دفن ابيهما إبراهيم «فَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إِسْحاقُ وَإِسْمَاعِيلُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الْحِثِّيِّ مُقَابِلَ مَمْرَا». وقد صار أبناء إسماعيل الإثني عشر رؤساء لاثنتي عشرة قبيلة وانتشرت ذريته من حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الْمُتَاخِمَةِ لِمِصْرَ فِي اتِّجَاهِ أَشُّورَ. وفي أيامه كانوا يسمون المقاطعات العربية بأسماء القبائل.

تسلسل أولاد إسماعيل وفقاً لتأريخ ميلادهم حسب سفر التكوين

نَبَايُوتُ،قِيدَارُ،أَدَبْئِيلُ،مِبْسَامُ،مِشْمَاعُ،دُومَةُ،مَسَّا،حَدَارُ،تَيْمَا،يَطُورُ،نَافِيشُ،قِدْمَةُ.

في فترة ما قبل الإسلام

كان عرب الحجاز يؤمنون أنهم من ذرية إسماعيل، ولهذا فقد ذكروه في أشعارهم وأخبارهم.

هناك إشارة محتملة إلى إسماعيل في إحدى قصائد الشعر الجاهلي المنسوبة لأمية بن أبي الصلت وهو يحكي قصة تضحية إبراهيم بابنه، حيث قال فيها:

ولإبراهيـم الموفـي بـالنـذر إحسـابـا وحامـل الأجـزال

بكره لـم يـكن لصبر عنـه أو يــراه فـي مـعشر أقتـال

أبنـي إنـي نـذرت لله شحـيــطـا فـاصبـر فـدى لك خـالي

فـأجاب الغــلام أن قـال فيـه كل شـيء لله غـير انتحـال

أبتــي إننــي جزيتــك بالله تقيـا بـه علـى كـل حــال

فـاقض مـا قد نذرت لله واكفف عن دمـي أن يـمسه سربـالي

واشدد الصفد لا أحيد عن السكيـن حيد الأسيـر ذي الأغـلال

بينمـا يـخلع السرابيـل عنــه فكـه ربـه بـكبش جــلال

قـال خـذه وأرسل أبنك إني للـذي قد فعلتما غير قـالي

ربمـا تكـره النفـوس من الشر لـه فرجة كحــل العقـال

و في بعض أخبار عرب الجاهلية، نجد أن بعض العرب رفضوا الوثنية وتعدد الآلهة واتبعوا الحنيفية والتوحيد التي آمنوا بأنها ديانة أبيهم إسماعيل على حسب قولهم، مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي رفض السجود للات والعزى وقال أنه لا يسجد إلا للكعبة التي سجد إليها إبراهيم وإسماعيل.

وكان عرفا بين قبائل الحجاز في غرب شبه الجزيرة العربية أن تفتتح خطابات المصالحة بين القبائل المتناحرة بعبارة: « نحن آل إبراهيم وذرية إسماعيل... »، مثلما فعل عبد المطلب بن هاشم عندما كان يحاول المصالحة بين قبيلتي قريش وخزاعة. كما قال ابن كثير عن إسماعيل:« جميع عرب الحجاز على اختلاف قبائلهم يرجعون في أنسابهم إلى ولديه نابت وقيدار» وذكر الطبري والأزرقي والفاكهي: « فمن نابت وقيدار نشر الله العرب»

في الإسلام

هاجَر إبراهيم من العراق (من أرض أور) مع زوجته سارة وابن أخيه لوط، قاصدين مملكة الأقباط، وهناك حدثت قصة الملك مع سارة وأن إبراهيم قال لها: قولي: أنا أخته. وأهدى الملك إياها هاجر ثم خرجوا من مصر.

مضى إبراهيم إلى فلسطين، وفي طريقه وعند وصلوهم قرية سدوم على سواحل البحر الميت، أمر إبراهيم لوطاً أن يسكن تلك القرية، ويدعو أهلها إلى عبادة الله.

أما إبراهيم فقد واصل طريقه مع زوجته سارة وهاجر، إلى أرض فلسطين. رأى إبراهيم وادياً جميلاً تحيطه الراوبي والتلال فألقى رحله هناك. ومنذ ذلك التاريخ وقبل آلاف السنين سكن إبراهيم الأرض التي تدعى اليوم بمدينة الخليل.

ضرب إبراهيم خيامه في ذلك الوادي الفسيح وترك ماشيته ترعى بسلام، كان ذلك الوادي في طريق القوافل المسافرة، لهذا كان يقصده الكثير من المسافرين فيجدون عنده الماء العذب، والطعام الطيب والكرم والاستقبال الحسن، ويجدون عنده الكلمات الطيبة.

كان إبراهيم يتحدث مع ضيوفه، وكان همّه أن يعبد الناس الله الواحد الأحد لا شريك له، ولا معبود سواه.

و تمرّ الأيام والأعوام وعرف الناس إبراهيم الرجل الصالح الكريم. عرفوا أخلاقه وكرمه وحبّه للضيوف، عرفوا صلاحه وعبادته وتقواه، عرفوا حبّه للخير والناس.

منزلته في القرآن الكريم

وصفه القرآن أنه من الصابرين ومن الصالحين حيث يقول تعالى ) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ. (سورة الأنبياء، الآيتان 85و86.

الرحيل

وهب الله إبراهيم ولداً هو إسماعيل. كان طفلاً محبوباً ملأ قلب أبيه فرحاً ومسرَّة. لهذا كان يحتضنه ويقبّله وكان يقضي بعض أوقاته في خيمة أمّه هاجر.

سارة المرأة الصالحة كانت تحبّ إبراهيم، وتحبّ أن يفرح زوجها، ولكنها بدأت تغار من هاجر التي رزقت طفلاً أمّا هي فظلّت محرومة، من أجل هذا طلبت من إبراهيم أن يقوم بإبعاد هاجر، لأنها لا تريد رؤيتها، لئلا تحزن وتغار، فقام إبراهيم بإرسال زوجته وولده إلى مكة.

إلى البيت العتيق

و شاء الله أن يأخذ إبراهيم هاجر وابنهما إسماعيل إلى أرض بعيدة هي أرض مكة في الجنوب. وامتثل إبراهيم لأمر الله فشدّ الرحال إلى مكة المكرمة التي لم يذهب إليها من قبل. سار إبراهيم مع زوجته هاجر، ومعهما إسماعيل الطفل الرضيع أيّاماً طويلة. وفي كل مرّة وعندما يرى إبراهيم مكاناً جميلاً أو وادياً معشباً كان ينظر إلى السماء، كان يتمنّى أن يكون قد وصل المكان الموعود. لكن الملاك يهبط من السماء ويخبره باستئناف المسير. وبعد أيام طويلة وصلوا أرضاً جرداء عبارة عن وادٍ ليس فيه سوى الرمال، وبعض شجيرات الصحاري الجافّة. في ذلك المكان هبط الملاك وأخبر إبراهيم بأنه قد وصل الأرض المقدسة. نزل إبراهيم في ذلك الوادي. واد خال من الحياة ليس فيه نهر ولا نبع ولا يعيش فيه إنسان. إنها إرادة الله أن يعيش الصبي إسماعيل وامّه في هذا المكان.

الوداع

قبّل إبراهيم طفله إسماعيل. بكى من أجله. على إبراهيم أن يعود ويترك هاجر وابنها في هذا المكان بكى إبراهيم من أجلها وهو يبتعد عائداً إلى فلسطين. التفتت هاجر حواليها لم تر شيئاً سوى الرمال وصخور الجبال الصماء. قالت لزوجها: " أتتركنا هنا في هذا الوادي؟ " ولم تغضب لأن من صفات زوجات الأنبياء الصبر. وسألته: " آلله أمرك بهذا؟ " فأشار برأسه أن نعم. فقالت: " ما دام الله قد أمرك فلن يضيعنا. وابتعد إبراهيم بعد أن ودّع ابنه وزوجته. وقف فوق التلال ونظر إلى السماء وابتهل إلى الله أن يحفظهما من الشرور. وقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (سورة إبراهيم، الآية 37.

اختفى إبراهيم في الافق البعيد. لم تعد هاجر تراه، أمّا إسماعيل فكان رضيعا ولم يكن يعلم ماذا يجري حوله. فرشت هاجر لابنها جلد كبش، وقامت تصنع لها ولطفلها خيمة صغيرة. كانت تعمل بكل طمأنينة، وكأنها في بيتها. كانت تؤمن أن هناك من يرعاها ويرعى وليدها. في النهار تجمع بعض الحطب وفي المساء توقد النار وتصنع لها رغيفاً تتعشّى به، وكانت تسهر معظم الليل وهي تنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم. مضت عدّة أيام وهاجر على هذه الحال. نفذ ما معها من ماء، ولم يبق منه في القربة شيء. والوادي الموحش يملأه الصمت. راحت هاجر تدير بصرها في جنبات الوادي. ولكن لا شيء، أيقنت أن هذه أرض جرداء خالية من الماء. لم يمرّ بها إنسان من قبل ولا يطير في سمائها طائر. بكى إسماعيل الطفل الرضيع من العطش يبحث عن قطرة ماء. إنه لا يدرك ما يجري حوله. لا يدري في أي مكان هو في هذه الأرض. نظرت أمّه إليه باشفاق. ماذا تفعل؟ من أين لها أن تأتي بالماء في هذه الصحراء؟! فجأة تفجَّرت في قلبها إرادة الأمومة. لا بدّ أن تفعل شيئاً. لا بد أن يوجد في هذه الأرض ماء ولو قطرة. لعل في خلف هذا الجبل غديرا أو نبعا. لعل خلف ذاك التلّ بئرا حفره إنسان طيّب من أجل القوافل المسافرة. نهضت هاجر، ونظرت حواليها لتتأكد من عدم وجود ذئب أو ضبع يفترس ابنها الرضيع. لا شيء سوى شجيرات الشوك هنا وهناك. ركضت باتجاه جبل الصفا. كانت تركض بعزم وأمل وكان هناك خوف في قلبها. فقد يختطف ذئب صغيرها الظامئ إسماعيل. كان صراخ إسماعيل يدوّي في أذنها. ارتقت هاجر قمّة جبل الصفا. فنظرت في الوادي. رأت ما يشبه تموجات الماء. انحدرت باتجاه الوادي. ولكن لا شيء، رمال ومآل. لقد كان ما رأته في قلب الوادي مجرد سراب. عادت تركض نحو طفلها إسماعيل. ما يزال يبكي يصرخ يريد ماءً. نظرت إلى جبل المروة في أمل لعلها تجد هناك ماءً. راحت تركض بأقصى سرعة. وكانت الرمال تتطاير تحت قدميها. تراءى لها ما يشبه الماء. ركضت. وركضت بسرعة. ولكن لا شيء سوى السراب. انقطع بكاء إسماعيل غاب عن بصرها. عادت بسرعة. رأته من بعيد يبكي. ما يزال يطلب الماء. وربّما كان يبحث عن أمّه. كان خائفاً. راحت هاجر تعدو بين جبل الصفا وجبل المروة تبحث عن ماء لوليدها إسماعيل. سيموت من الظمأ، سيموت من العطش. نظرت إلى السماء صاحت من كل قلبها: «يا رب!» ارتقت جبل المروة غاب إسماعيل عن بصرها. انقطع بكاؤه. خافت أن يكون قد مات. ربّما افترسه ذئب جائع. أقبلت تعدو بكل ما أُوتيت من قدرة رأت من بعيد إسماعيل هادئاً كان يحرّك يديه وقدميه وكان هناك نبع قد تفجّر عند قدميه الصغيرتين. نظرت هاجر إلى السماء وهي تبكي، لقد استجاب الله دعوتها فتدفق الماء من قلب الرمال. أسرعت هاجر لتصنع حوضاً حول الماء. ليكون فيما بعد بئر زمزم.

قبيلة جرهم

رأت الطيور الماء فراحت تدور حول النبع سعيدة. فرحت هاجر بمنظر الطيور البيضاء وهي تحلق في سماء الوادي. إسماعيل أيضاً كان سعيداً وهو يراها تلعب في الفضاء. كان السكان في تلك الصحاري يعيشون حياة الرحّل. ذات يوم مرّت قبيلة جرهم من اليمن قريباً من الوادي فرأى الناس طيوراً تحلق في السماء فعرفوا أنّ في ذلك الوادي ماء. فتوجهوا نحوه. عندما انحدرت قوافلهم في الوادي مقبلة من طريق كداء (موضع في شمالي مكة) شاهدوا منظراً عجيباً لم يكن هناك سوى امرأة مع ابنها الرضيع. قالت لهم المرأة: «أنا هاجر زوجة إبراهيم خليل الرحمن». كان أفراد قبيلة جرهم أُناساً طيبين. قالوا لهاجر: «هل تسمحين لنا في السكن في هذا الوادي؟» فأجابتهم: «حتى أستأذن لكم خليل الرحمن». ضرب أفراد جرهم خيامهم قريباً من الوادي ريثما يأتي إبراهيم فيستأذنوه. جاء إبراهيم ورأى مضارب الخيام. رأى قطعان الماشية والجمال لهذا فرح بقدوم تلك القبيلة اليمنية العربية. ومنذ ذلك الوقت استوطنت قبيلة جرهم الوادي وتركوا الترحال الذي اعتادوا عليه لما وجدو في مكة من رغد العيش الذي لم يكن في ديارهم، وعاش إسماعيل وهاجر حياة طيبة. أفراد القبيلة قدّموا لإسماعيل كثيراً من الخراف، وضربوا له ولوالدته خيمة جميلة تقيهم حرّ الشمس صيفا وتحميهم من المطر شتاء. كبر إسماعيل وتعلّم لغة العرب. كان فتى طيباً ورث أخلاق أبيه إبراهيم وتأثَّر بأخلاق العرب الطيبين تعلّم منهم الكرم والضيافة والشجاعة والفروسية.

زواج إسماعيل

بعدما تعلم إسماعيل اللغة العربية من القبيلة، أعجبهم إسماعيل فزوجوه إحدى بناتهم، وماتت والدته هاجر، وجاء في صحيح البخاري؛ أن إبراهيم جاء لزيارة ابنه فلم يجده، فسأل امرأته عنه فقالت: «خرج يبتغي لنا»، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: «نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ»، فشكت إليه، فقال لها: «فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ»، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا، فقال: «هل جاءكم من أحد» قالت: «نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة»، قال: «فهل أوصاك بشيء»، قالت: «نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك». قال: «ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها». وتزوج منهم أخرى. ثم أتاهم إبراهيم مرة أخرى، فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: «خرج يبتغي لنا». قال: «كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم» فقالت: «نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ» فقال: «ما طعامكم؟» قالت: «اللحم»، قال: «فما شرابكم؟» قالت: «الماء» قال: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ»، علًّق النبي محمد قائلًا: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ». ثم قال إبراهيم: «فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ». فلما جاء إسماعيل قال: «هل أتاكم من أحد؟» قالت: «نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك»، قال: «ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك».

بناء الكعبة

أمر الله إبراهيم أن يبني الكعبة بيت الله الحرام ليكون رمزاً للتوحيد ومكاناً لعبادة الله. قال إبراهيم لولده: إنّ الله يامرني أن أبني بيته فوق هذا التل الصغير!. لبّى إبراهيم أمر الله ولبّى إسماعيل دعوة أبيه لبناء بيت الله. كان على إبراهيم الشيخ الكبير وإسماعيل الفتى أن ينهضا بهذه المهمة الشاقة. فعليهما أولاً أن ينقلا الصخور المناسبة للبناء من الجبال المحيطة بالوادي، وعليهما أن يجمعا التراب ويوفرا الماء الكافي لصنع الملاط اللازم في بناء البيت. وبدآ البناء، فنقلا أوّلاً الصخور من الجبال المحيطة بالوادي وصنعا حوضاً للماء وجمعا التراب. كان الفتى إسماعيل يتولّى حمل الصخور، وكان يختار من بينها الصلبة لتكون أساساً قوياً للبناء. جمع كثيراً من الصخور خضراء اللون، ثم صبَّ الماء في حوض التراب ليصنع طيناً لزجاً يشدّ الصخور إلى بعضها. وكان إبراهيم يرصف الصخور الخضراء الواحدة بعد الأخرى ليبني أساس البيت، وابنه إسماعيل يناوله الصخور. في كل يوم كانا يبنيان سافاً واحداً، ثم يعودان في اليوم التالي لبناء ساف آخر وهكذا. وكل يوم كان البناء يرتفع قليلاً قليلاً. وفي كل يوم كان إبراهيم وإسماعيل يطوفان حول البيت ويقولان: ربّنا تقبل منّا إنك أنت السميع العليم. وارتفع البيت في السماء تسعة أذرع أي ما يقارب الثمانية أمتار، رأى إبراهيم فراغاً في زارية البيت العليا. وفي تلك الليلة كانت الشهب تتوهّج في السماء وسقط نيزك فوق سفوح الجبال القريبة. وفي الصباح، انطلق إبراهيم إلى الجبل المطلّ على الوادي وقعت عيناه على حجر أبيض مثل الثلج كان حجراً بحجم الفراغ، فحمله ووضعه في مكانه.

انتهى بناء البيت، بيت الله الحرام ليكون أول بيت يعبد فيه الله وحده لا شريك له. كان للكعبة بابان باب شرقي وآخر غربي. جمع إبراهيم نباتاً طيب الرائحة يدعى «الأذخر» فوضعه على الباب، وجاءت هاجر أم إسماعيل وأهدت إلى الكعبة كساءً.

الحج الإبراهيمي

انطلق إبراهيم فجعل لا يمر بقوم إلا قال يا أيها الناس إنه قد بنى لكم بيت فحجوه فجعل لا يسمعه أحد لا صخرة ولا شجرة ولا شئ إلا قال لبيك اللهم لبيك وكان بين قوله ربنا إنى أسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم وبين قوله الحمد لله الذي وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق كذا وكذا عاما لم يحفظ عطاء. هبط الملاك جبريل يُعلّم إبراهيم مناسك الحج. اغتسلوا بمياه زمزم وارتدوا ثياباً بيضاء ناصعة وبدؤوا طوافهم حول الكعبة سبع مرات، وأدّوا الصلاة ودعوا الله أن يتقبل منهم أعمالهم. وبعدها انطلقوا لقطع الوادي بين جبلي الصفا والمروة وتذكرت هاجر تفاصيل ذلك اليوم قبل أكثر من اثني عشر عاماً عندما كان إسماعيل صبياً في المهد. تذكّرت بكاءه وبحثها عن الماء. تذكّرت كيف قطعت هذا الوادي الموحش سبعة أشواط تبحث عن الماء وكيف توجهت بقلبها إلى السماء، وكيف تدفق الماء عند قدمي إسماعيل! الله ربّنا أراد لهذه الحوادث أن تبقى في ذاكرة البشر، يتذكّروا دائماً أن الله هو وحده القادر على كل شيء. صعد إبراهيم وابنه إسماعيل جبل الصفا ونظرا إلى بيت الله بخشوع وهتفا: « لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ».

المصادر

 "ص312 - كتاب الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي - إسماعيل بن إبراهيم نبى - المكتبة الشاملة". المكتبة الشاملة. مؤرشف من الأصل في 2021-08-22. اطلع عليه بتاريخ 2021-08-22.

 (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) مريم/54

 نسبة العرب إلى إسماعيل بن إبراهيم - من كتاب البداية والنهاية - المكتبة الإسلامية نسخة محفوظة 12 نوفمبر 2017 على موقع واي باك مشين.

 "ص100 - كتاب تاريخ الفكر الديني الجاهلي - عرب الشمال عرب عدنانالإسماعيليون الحجاز - المكتبة الشاملة". shamela.ws. اطلع عليه بتاريخ 2023-01-15.

 سفر التكوين، إصحاح[؟] 17.

 سفر التكوين، إصحاح[؟] 25.

 سفر التكوين، إصحاح[؟] 36:3.

 سفر التكوين، إصحاح[؟] 28:9.

 سفر التكوين، إصحاح[؟] 25:9.

 خزانة الأدب، البغدادي[؟]، باب الشاهد السابع والثلاثون بعد الأربعمائة.

 البدء والتاريخ، (البدء والتأريخ)، المطهر بن طاهر المقدسي، المجلد الثالث، الباب العاشر.

 البداية والنهاية، ابن كثير، المجلد الثالث، الصفحة 323.

 جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، (1/75).

 أعلام النبوة، أبو الحسن المارودي، الباب الثامن عشر، الصفحة 215.

 جزيره العرب - 2. IslamKotob. مؤرشف من الأصل في 2020-04-14.

 علي سعد علي حجازي ،لواء (1 يناير 2008). الجوهر الثمين في سيرة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. Dar Al Kotob Al Ilmiyah دار الكتب العلمية. ISBN 978-2-7451-5735-5. مؤرشف من الأصل في 2020-04-14.

 dar el؛ الطبري؛ islamicbooks (20 نوفمبر 2017). تاريخ الطبري المجلد الأول 17*24 Tarikh Al Tabari 1c. Dar El Fikr for Printing publishing and distribution (S.A.L.) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ش.م.ل. بيروت - لبنان. مؤرشف من الأصل في 2020-04-14.

 "(6) هجرة إبراهيم عليه السلام - إن إبراهيم كان أمة". ar.islamway.net. مؤرشف من الأصل في 2021-07-17. اطلع عليه بتاريخ 2022-02-21.

 القرآن الكريم، سورة الأنبياء، الآيتان 85و86

 القرآن الكريم، سورة إبراهيم، الآية 37

 نواصرة، (2002). أثر فتح مكة في أدب صدر الإسلام. مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر،. مؤرشف من الأصل في 2020-04-21.

 يسأل عن مقولة إبراهيم عليه السلام لإسماعيل : غيّر عتبة بابك، موقع الإسلام سؤال وجواب نسخة محفوظة 21 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.

 الزيلعي/جمال الدين محمد بن عبد (1 يناير 2010). تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ومعه حاشية الشيخ الشلبي1-7 ج1. Dar Al Kotob Al Ilmiyah دار الكتب العلمية. ISBN 978-2-7451-2677-1. مؤرشف من الأصل في 2020-04-21.

 إسماعيل حقي بن مصطفى (1 يناير 2018). روح البيان في تفسير القرآن 1-10 ج1. Dar Al Kotob Al Ilmiyah دار الكتب العلمية. ISBN 978-2-7451-3634-3. مؤرشف من الأصل في 2020-04-21.

 dar el؛ السيوطي؛ islamicbooks (25 نوفمبر 2015). الدر المنثور مجلد سادس 17*24 AL Durr el manthur V6. Dar El Fikr for Printing publishing and distribution (S.A.L.) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ش.م.ل. بيروت - لبنان. مؤرشف من الأصل في 2020-04-21.

 Geness 20:12: Sarah was the half–sister of Abraham

 (سفر التكوين25: 13 - 15)

 Genesis 22:21-22: Uz, Buz, Kemuel, Chesed, Hazo, Pildash, and Jidlaph 

No comments:

214- ] English Literature

214- ] English Literature D. H. Lawrence Summary D.H. Lawrence (1885-1930)  is best known for his infamous novel 'Lady Chatterley'...