Grammar American & British

Saturday, October 29, 2022

6 - ) حكم كلمة "قل" فى القرآن الكريم

 6 - ) حكم كلمة "قل " فى القرآن الكريم 

فى سورة التوبة

1 . " قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين " 24

" قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله يقول الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته وأموال يكتسبها ويحصلها وتجارة يحبها لطيبها وحسنها ويخشى عليها من البوار وسكن طيب مريح محبب الى النفس ان كانت هذه الأشياء أحب اليه على الله ورسوله وجهاد فى سبيله وعن زهرة بن معبد عن جده قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن لخطاب فقال : والله يا رسول الله لأنت أحب الى من كل شىء الا من نفسى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه " فقال عمر : فأنت الآن أحب الى من نفسى " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الآن يا عمر " وقد ثبت فى الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال " والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعين " وعن ابن عمر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا الى دينكم " ، " فتربصوا حتى يأتى الله بأمره " أى فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم ، " والله لا يهدى القوم الفاسقين" والله بعدله وحكمته لا يهدى من لا يستحق للهداية ويخرج عن طريق الحق والهداية .

2 . " قل لن يصيبنا لا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون " 51

أرشد الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جواب الكفار بعد أن علمه بعداوتهم له فهم يسوءهم ما أصابه من فتح ونصر وظفر على الأعداء مما يسره ويسر اصحابه فيرد الله عليهم ويأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويخبر هؤلاء نحن تحت مشيئة الله وقدره وهو سيدنا وملجؤنا ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل. 

3 . " قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا انا معكم متربصون * قل انفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين " 52 - 53

يقول الله تعالى "قل" لهم يا محمد " هل تربصون بنا " أى تنتظرون بنا ، " الا احدى الحسنيين " أحدى الحسنيين الشهادة أو الظفر بكم ، " ونحن نتربص بكم " أى ننتظر بكم ، " أن يصيبكم الله بعذاب من عنده و بأيدينا " أى ننتظر بكم أن يصيبكم عذاب الله أو أن يكون العذاب لكم بأيدينا بسبى أو بقتل ، " فتربصوا انا معكم متربصون " أى انتظروا ما سيحدث ونحن كذلك ننتظر ما سيحدث وسنرى ما سيحل بأحدنا ،  "قل أنفقوا طوعا أو كرها " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء الكفار مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو مكرهين ، " لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين " ان ذلك لن يتقبل منكم لأنكم كفرتم بالله ورسوله والأعمال انما تصح بالايمان .

4 . " ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم " 61

يقول الله تعالى ومن المنافقين قوم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلام فيه ، "ويقولون هوأذن"  أى يقولون من قال له شيئا صدقه فينا ومن حدثه صدقه فاذا جئناه وحلفنا له صدقنا ، " قل أذن خير لكم " يرد الله تعالى على هؤلاء المنافقين ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم بلغهم أنه هو أذن خير يعرف الصادق من الكاذب ، " يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " وهو كذلك يؤمن بالله ويصدق المؤمنين ، " ورحمة للذين آمنوا منكم " وهو كذلك رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين ولهذا قال " والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم " يتوعد الله ويهدد من يؤذى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعذاب الأليم .

5 . " ولئن سألتهم ليقولن انما كان نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون " 65

قال قتادة بينما النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونهاهيهات هيهات فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فقال " على بهؤلاء النفر " فدعاهم فقال " قلتم كذا وكذا " فحلفوا ما كنا الا نخوض ونلعب ، وعن عبد الله بن عمر قال قال رجل فى غزوة تبوك فى مجلس : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء " ، فقال رجل فى المسجد " كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر : أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله انما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن "، تبرز الآية تأييد الله ورعايته لرسوله صلى الله عليه وسلم وفضحه للمنافقين وتبليغه بما يقع منهم .

6 . " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون " 81

" فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " يقول تعالى ذاما المنافقين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وفرحوا بمقعدهم بعد خروجه ، " وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر " يتحدث الله عن هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا أنهم كرهوا الجهاد بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقال بعضهم لبض لا تخرجوا فى الحر وذلك أن الخروج فى غزوة تبوك كان فى شدة الحر عند طيب الظلال والثمار ، " قل نار جهنم أشد حرا " قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "قل" لهم نار جهنم التى تصيرون اليها بمخالفتكم وتخلفكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حرا مما فررتم منه من الحر بل أشد حرا من نار الدنيا ون أبى هريرة رضى الله عنه قال " نار بنى آدم التى توقدونها جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " فقالوا يا رسول الله ان كانت لكافية فقال " فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " ، " لو كانوا يفقهون " أى لو كانوا يفهمون ويعقلون هذا الأمر الذى بينه الله تعالى .

7 . " فان رجعك الله الى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين " 83

يقول الله تعالى آمرا لرسوله صلى الله عليه وسلم " فان رجعك الله" أى ردك من غزوتك هذه وهى غزوة تبوك ، " الى طائفة منهم " قال قتادة : ذكر لنا لأنهم كانوا اثنى عشر رجلا ، " فاستأذنوك للخروج " أى استأذنوك للخروج معك الى غزوة أخرى ، " فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا " يخبر الله تعالى رسوله أن يقول لهم تعزيرا لهم وعقوبة أنهم معاقبون بالحرمان من شرف الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاتلة العدو وما فيه من سمو وجزاء من الله ثم علل ذلك بقوله " انكم رضيتم بالقعود أول مرة " أى لأنكم تخلفتم عن الخروج فى المرة الأولى فان جزاء السيئة السيئة بعدها وهذا كقوله تعالى " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " ، " فاقعدوا مع الخالفين " قال ابن عباس أى الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة .

8 . " يعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " 94

" يعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم " أخبر الله تعالى عن المنافقين بانهم اذا رجعوا الى المدينة والمقصود الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه فان المنافقين يعتذرون اليهم وهذا الاعتذار لنيل عدم التأنيب لهم ، "قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم " يخبر الله تعالى رسوله أن يقول لهؤلاء لن نصدقكم ، " قد نبأنا الله من أخباركم " أى قد أعلمنا الله أحوالكم ، " وسيرى الله عملكم ورسوله " أى سيظهر ألله ورسوله أعمالكم للناس فى الدنيا ، " ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " يقول الله عز وجل لهم أنكم ستبعثون يوم القيامة من الله عالم كل الأمور الخفى منها والمعلن فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرا ويجزيكم عليها . 

9 . " وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " 105

" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون "هذا وعيد من الله يبلغه لرسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغه بالمخالفين لأوامر الله بأنهم مهما عملوا من عمل فان أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين وهذا كائن لا محالة يوم القيامة كما قال تعالى " يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " وقد يظهر الله تعالى ذلك للناس فى الدنيا كما قال الامام أحمد عن أبى سعيد مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لو أن أحدكم يعمل فى صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله مله للناس كائنا ما كان " ، وقد ورد أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر فى البرزخ فعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم فى قبورهم فان كن خيرا استبشروا به وان كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك " ، " وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " الآية تتحدث عن البعث يقول الله عز وجل لهم أنكم ستبعثون يوم القيامة من الله عالم كل الأمور الخفى منها والمعلن فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرا ويجزيكم عليها . 

10 . " فان تولوا فقل حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "129

يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم " فان تولوا " اذا بعدوا واعرضوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ، " فقل حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت " يبلغ الله تعالى رسوله أن يقول لهؤلاء أن الله كافى لا اله الا هو عليه توكلت كما قال تعالى " رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا "  ، " وهو رب العرش العظيم " أى هو مالك كل شىء وخالقه لأنه رب العرش العظيم الذى هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شىء وقدره نافذ فى كل شىء وهو على كل شىء وكيل .

فى سورة يونس

1 . " واذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا أو بدله قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى ان أتبع الا ما يوحى الى انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم * قل لم شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون "  16 -15

" واذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله " يخبر الله تعالى عن تعنت الكفار من مشركى قريش الجاحدين المعرضين عنه اذا قرأ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الله محجته الواضحة قالوا له ائت بقرآن غير هذا أى رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر أو بدله الى وضع آخر ، " قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء ليس هذا الى انما أنا عبد مأمور من الله ورسول مبلغ عنه ، " ان أتبع الا ما يوحى الى انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم " ثم قال محتجا عليهم فى صحة ما جاءهم به أنا أتبع ما يوحيه الى ربى ولا يمكن أن أعصيه فى أمر فانى أخشى ان فعلت ذلك عذاب يوم عظيم وهو يوم القيامة ، " قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله " ويقول الله آمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ويقول هذا الذى جئتكم به انما عن اذن الله لى فى ذلك ومشيئته وارادته والدليل على أنى لست أتقوله من عندى ولا افتريته أنكم عاجزون عن معارضته وانكم تعلمون صدقى وأمانتى منذ نشأت بينكم الى حين بعثنى الله عز وجل لا تنتقدون على شيئا تغمصونى به ولهذا قال " أفلا تقلون " أى أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل  ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه فيما سأله من صفة النبى صلى الله عليه وسلم قال هرقل لأبى سفيان هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قاله ؟ قال ابو سفيان فقلت لا ، وكان أبو سفيان اذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ومع هذا اعترف بالحق ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، فقال له هرقل فقد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله .  

2 . " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم فى السموات ولا فى الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " 18

ينكر الله تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله فأخبر تعالى أنها لا تضر ولا تنفع ولا تملك شيئا ،ولا ينفع شىء مما يزعمون فيها ولا يكون هذا أبدا ولهذا قال تعالى " قل أتنبئون الله بما  يعلم فى السموات ولا فى الأرض "ويرد الله عليه ويخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم وكما قال ابن جرير معناه أتخبرون الله بما لا يكون فى السموات ولا فى الأرض ؟ ،" سبحانه وتعالى عما يشركون " تنزه الله عن شركهم له أوثانا وأصناما فى عبادته وجعل له أندادا .

3 . " ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل انما الغيب لله فانتظروا انى معكم من المنتظرين " 20

" ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه " أى ويقول هؤلاء الكفرة المكذبون المعاندون لولا أنزل على محمد آية من ربه يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة أو ان يحول لهم الصفا ذهبا أو أن يزيح عليهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتينا وأنهارا أو نحو ذلك مما الله عليه قادر ولكنه حكيم فى أفعاله كقوله " وما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون " ولهذا لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عطائهم ما سألوا ، فان آمنوا والا عذبوا ، وبين انظارهم اختار انظارهم كما حلم عنهم غير مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال تعالى ارشادا لنبيه صلى الله عليه وسلم الى الجواب عما سألوا "فقل انما الغيب لله" أى الأمر كله لله وهو يعلم العواقب فى الأمور ، " فانتظروا انى معكم من المنتظرين " أى ان كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله فى وفيكم ، هذا مع أنهم قد شاهدوا من آياته صلى الله عليه وسلم أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم الى القمر ليلة ابداره فانشق اثنتين فرقة من وراء الجبل وفرقة من دونه ، وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا ومما لم يسألوا ، ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثبيتا لأجابهم ، ولكن علم أنهم انما يسألون عنادا وتعنتا فتركهم فيما رايهم وعلم أنهم لا يؤمن منهم أحد كقوله تعالى " ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شىء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله " .  

4 . " واذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم اذا لهم مكر فى آياتنا قل الله أسرع مكرا ان رسلنا يكتبون ما تمكرون " 21

" واذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم اذا لهم مكر فى آياتنا " يخبر الله تعالى أنه اذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم كالرخاء بعد الشدة ، والخصب بعد الجدب ، والمطر بعد القحط ونحو ذلك اذا هم لهم استهزاء وتكذيب كما قال مجاهد كقوله " واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " ، وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح على أثر سماء كانت من الليل أى مطر ثم قال " هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ " قالوا " الله ورسوله أعلم قال " قال أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بى كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بى مؤمن بالكوكب " ، " قل الله أسرع مكرا " أى أن الله أشد استدراجا وامهالا حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب وانما هو فى مهلة ثم يؤخذ على غرة منه والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ويحصونه عليه ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة فيجازيه على الجليل والحقير والنقير والقطمير .

5 . " قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون " 31

" قل من يرزقكم من السماء والأرض "  يحتج الله تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية الآلهة فيبلغ رسوله صلى الله عليه ويسلم أن يقول لهم من ذا الذى ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقا بقدرته ومشيئته فيخرج منها الخير من نبات ويعيش عليه الانسان والحيوان وهو منه كل شىء حى ، " أمن يملك السمع والأبصار " ويحتج الله عليهم فيقول لهم من الذى وهبكم هذه القوة السامعة والقوة الباصرة ولو شاء لذهب بها ولسلبكم اياها كقوله تعالى " قل هو الذى انشاكم وجعل لكم السمع والأبصار " ، " ومن يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى " ويحتج الله عليهم بالقول بالخلق فمن غيره يخرج الحى من الميت مثل اخراج النبات الحى من البذور الميتة والأجنة التى تخرج وتولد وهى لم تكن بها حياة فدبت فيها الحياة من الكائن الحى والعكس البذور التى تخرج من هذا النبات لتستمر دورة الحياة فى الكائنات ومن الكائنات ، " ومن يدبر الأمر " أى من يدير الأمور كلها والملك العلوى والسفلى وما فيهما من ملائكة وانس وجان فقيرون له خاضعون لديه ، " فسيقولون الله " أى هم يعلمون أن الذى يفعل ذلك ويقول للأمر كان فيكون هو الله سبحانه وتعالى ويعترفون به ، " فقل أفلا تتقون" أى أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم .   

6 . " قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون * قل هل من شركائكم من يهدى الى الحق قل الله يهدى للحق أفمن يهدى الى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدى الا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " 34 - 35

هذا ابطال لدعواهم فيما أشركوا بالله غيره ، وعبدوا من الأصنام والأنداد " قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده " يقول الله عز وجل لرسوله بلغ هؤلاء وقل لهم من بدأ خلق هذه السموات والأرض ثم ينشىء ما فيهما من الخلائق ، ويفرق أجرام السموات والأرض ويبدلهما بفناء ما فيهما ثم يعيد الخلق خلقا جديدا ، " قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده " يبلغ الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم جواب ذلك أن الذى يبدأ الخلق ثم يعيده بعد عدم هو الله وحده هو الذى يفعل ذلك ويستقل به وحده لا شريك له ، " فأنى تؤفكون " أى فكيف تصرفون عن طريق الرشد الى الباطل ، " قل هل من شركائكم من يهدى الى الحق قل الله يهدى الى الحق "يبلغ الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين هل يوجد أحد ممن تشركون من الأوثان والأصنام يهدى الى الحق والى الطريق المستقيم يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ هؤلاء أن الذى يهدى الى الحق هو الله الذى لا اله الا هو وهو الذى يهدى الحيارى والضلال ويقلب القلوب من الغى الى الرشد وأنتم تعلمون أن شركاءكم لا تقدر على هداية ضال ، " أفمن يهدى الى الحق أن يتبع أمن لا يهدى الا أن يهدى " أى أفيتبع العبد الذى يهدى الى الحق ويبصر بعد العمى أم الذى لا يهدى الى شىء الا أن يهدى لعماه وبكمه كما قال تعالى اخبارا عن ابراهيم عليه السلام " يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا " وكما قال لقومه " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون " الى غير ذلك من الآيات ، " فما لكم كيف تحكمون " أى ما بالكم أن يذهب بعقولكم أن سويتم بين الله وبين خلقه وعدلتم هذا بهذا وعبدتم هذا وهذا ؟ .

7 . " أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين " 38

" أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين " تنازل الله الى سورة واحدة فى تحد للكفارلادعاءهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذى وضع القرآن من عنده كذبا وزورا فأوحى الله الى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار وأن  يتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة ليدللوا على صدق دعواهم وافترائهم بعد أن كان تحداهم فى أول سورة هود أن يأتوا بعشر سور فقال" أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين" وأن يستعينوا بمن جعلوهم شركاء لله وأندادا .

8 . " وان كذبوك فقل لى عملى ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برىء مما تعملون " 41

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وان كذبك هؤلاء المشركون فتبرأ منهم ومن عملهم وقل لهم لى عملى وهو طريق الله والهداية وأنتم لكم شرككم وما تعملون من عبادة الأصنام والأوثان لى عقيدتى التى تقوم على وحدانية الله ولكم شرككم وكفركم وما تعملون من عمل ، كل منا بعيد ويتبرأ مما يعمل الآخر  كقوله تعالى " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولى دين " ، وكقول ابراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين  "انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله " .

9 . " ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين * قل لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا الا ما شاء الله لكل أمة أجل اذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون * قل أرأيتم ان أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون " 48 - 50

" ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين " يقول الله تعالى مخبرا عن كفر المشركين واستعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل التعيين مما لا فائدة لهم فيه ليدل ذلك على ما وعدهم به الله من هذا العذاب جزاء كفرهم ، " قل لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا الا ما شاء الله " أرشد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المشركين أنى لا أقول الا ما علمنى الله ولا أقدر على شىء مما استأثر به الا أن يطلعنى الله عليه فأنا عبده ورسوله اليكم وقد أخبرتكم بمجىء الساعة وأنها كائنة ولم يطلعنى على وقتها ولكن " لكل أمة أجل اذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " يقول تعالى أخبر هؤلاء أن لكل أمة مدة من العمر مقدرة فاذا انقضى أجلهم فلا يستطيعون أن يأخروه ساعة أو يقدموه كقوله تعالى " ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء أجلها " ماذا يفيدهم أمر الساعة يجب أن يفيدهم أمر آجالهم فقيامة العبد هو انتهاء أجله ، " قل أرأيتم ان أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أخبر المشركين أن عذابه سيأتيهم بغتة فلماذا يستعجلون العذاب وهو ممكن أن يحل بهم  فى أى وقت فى الليل أو النهار .

10 . " ويستنبئونك أحق هو قل اى وربى وانه لحق وما أنتم بمعجزين " 53

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء المشركون يستخبرونك أحق هو أى المعاد والقيامة من الأجداث بعد صيرورة الأجسام ترابا ، " قل اى وربى انه لحق ومآ أنتم بمعجزين " يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ان هذا اليوم حق أى سيتحقق لا محالة وليس صيرورتكم تراب بمعجز الله عن اعادتكم كما بدأكم من العدم فانما " أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " .

11 . " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " 58

يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم قل وأخبر المؤمنين ان يفرحوا بهذا الذى جاءهم به من الله من الهدى ودين الحق فانه أولى ما يفرحون به فذلك خير من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة وخير مما يجمعه الناس من حطامها الفانى فما عند الله باق وما عندكم ينفد . 

12 . " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آالله أذن لكم أم على الله تفترون " 59

قال ابن عباس وغيره نزلت انكارا على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصايل كقوله تعالى " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا " وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء التى لا مستند لها ولا دليل عليها وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقل لهم ذلك وينكره عليهم وأن يبلغهم أن الله لم يأذن لهم بذلك بل هم يفترون على الله بكذبهم وما يفعلونه بأهوائهم .

13 . " قالوا اتخذ الله ولد سبحانه هو الغنى له ما فى السموات وما قى الأرض ان عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " 69

" قالوا اتخذ الله ولد سبحانه هو الغنى " يقول الله منكرا على من ادعى أن له ولدا تنزه وتقدس عن ذلك هو الغنى عن كل ما سواه وكل فقير اليه "  له ما فى السموات وما قى الأرض " أى فكيف يكون له ولد مما خلق وكل شىء مملوك له عبد له ، " ان عندكم من سلطان بهذا " أى ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان ، " أتقولون على الله ما لا تعلمون " يقول تعالى منكرا عليهم ما يقولون فى وعيد وتهديد لهم كيف تقولون على الله كذبا ما ليس لكم به علم ؟ ، " قل ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بلغ هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب أنهم لن يصيبهم الفلاح والتوفيق والنجاح فى الدنيا والآخرة فيما يقولن ويفترون من اتخاذ الله ولدا .

14 . " قل انظروا ماذا فى السموات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون * فهل ينتظرون الا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا انى معكم من المنتظرين " 101- 102

" قل انظروا ماذا فى السموات والأرض "  يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويرشد عباده الى التفكر فى آلائه وما خلق فى السموات والأرض من الآسات الباهرة لذوى الألباب مما فى السموات من كواكب نيرات وثوابت وسيارات والشمس والقمر والليل والنهار واختلافهما وارتفاع السماء واتساعها وحسنها وما أنزل الله منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها وما أوجده فيها من أنهار وبحار وصحارى وسهول وثمار وزروع ونبات وحيوان وكل ذلك بتسخير من القدير الذى لا اله الا هو ولا رب سواه ، " وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " وأى شىء تغنى الآيات السماوية والأرضية والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها عن قوم لا يؤمنون كقوله تعالى " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون " ، " فهل ينتظرون الا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم " أى فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب الا مثل أيام الله فى الذين خلوا من قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلهم ،" قل فانتظروا انى معكم من المنتظرين " يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ هؤلاء المكذبون أن ينتظروا ويترقبوا ما سيحل بهم من وعد الله وأن ينتظر معهم كذلك ما سوف يأتيه من نصر الله وقد تحقق وعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من نصر الله له على أعدائه .

15 . " قل يا أيها الناس ان كنتم فى شك من دينى فلا أبد الذين تعبدون من دون الله الذى يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين " 104

يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل يا أيها الناس ان كنتم فى شك من صحة ما جئتكم به من الدين الحنيف الذى أوحاه الله الى فأنا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله من أصنام وأوثان ولكن أعبد الله وحده لا شريك له وهو الذى يتوفاكم كما أحياكم ثم اليه مرجعكم وأمرت من الله أن أتبع الهدى والايمان به الذى أوحاه الى.

16 . " قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل "108

" قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها " يقول الله تعالى آمرا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن الذى جاءهم به من عند الله هو الحق الذى لا مرية فيه ولا شك فيه فمن اهتدى به واتبعه فانما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه ومن ضل عنه فانما يرجع وبال ذلك عليه ، " وما أنا عليكم بوكيل " أى وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين وانما أنا نذير لكم والهداية على الله تعالى .

Friday, October 28, 2022

5 -) حكم كلمة "قل" فى القرأن الكريم

 5 _ ) حكم كلمة "قل" فى القرأن الكريم 

فى سورة الأعراف

1 . " واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليه آباءنا والله أمرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوا الله مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون " 28 - 29

قال مجاهد كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشىء ، ماعدا قريشا وكانت قريش وهم الحمس يطوفون فى ثيابهم ومن أعاره أحمسى ثوبا طاف فيه ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا اعاره أحمسى ثوبا طاف عريانا وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند الى أمر من الله وشرع فأنكر الله تعالى عليهم ذلك فقال " واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها " فقال تعالى ردا عليهم "قل" أى يا محمد لمن ادعى ذلك " ان الله لا يأمر بالفحشاء " أى هذا الذى تصنعونه فاحشة منكرة والله لا يأمر بمثل ذلك ، " أتقولون على الله ما لا تعلمون" أى أتسندون الى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته ، " قل أمر ربى بالقسط " يقول الله تالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد على هؤلاء ويقول لهم أن ربى أمر بالعدل والاستقامة ، " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين " أى أمركم بالاستقامة فى عبادته فى محالها وهى متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله وما جاءوا به من الشرائع وبلاخلاص له فى عبادته فانه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صوابا موافق الشريعة وأن يكون خالصا من الشرك ، " كما بدأكم تعودون " قال مجاهد يحييكم بعد موتكم وقال الحسن البصرى كما بدأكم فى الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء وقال قتادة بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم ذهبوا ثم يعيدهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما بدأكم كذلك يعيدكم آخرا وعن ابن عباس قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال " يا أيها الناس انكم تحشرون الى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين " .

2 . " قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون " 32

يقول تعالى ردا على من حرم شيئا من المآكل أو المشارب أو الملابس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم قال ابن عباس كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون فأنزل الله " من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق " فأمروا بالثياب ، " قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا " هى مخلوقة لمن آمن بالله وبدينه فى الحياة الدنيا وان شركهم فيها الكفار حبا فى الدنيا ، " خالصة يوم القيامة " فهى خالصة يوم القيامة للمؤمنين لا يشركهم فيها أحد من الكفار فان الجنة محرمة على الكافرين ، " كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون " يقول تعالى أنه يوضح ويفصل الآيات لمن يعقلونها ويفهمونها .  

3 . "قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " 33

يقول الله تعالى موجها امره لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويوجه كلامه وأن يتحدث عن ما حرم الله " انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن " تقدم الكلام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن فى سورة الأنعام ، " والاثم والبغى بغير الحق " قال السدى أما الاثم فالمعصية والبغى أن تبغى على الناس بغير الحق وقال مجاهد الاثم المعاصى كلها وأخبر أن الباغى بغيه على نفسه والبغى هو التعدى الى الناس فحرم الله هذا ، " وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا " وحرم الله أن يجعل له شركاء فى عبادته وهو لم ينزل أو يأذن بالشرك ، " وأن تقولوا على  الله ما لا تعلمون " وحرم الله تعالى الافتراء والكذب من دعوى أن له ولد ونحو ذلك مما لا علم لكم به كقوله " فاجتنبوا الرجس من الأوثان " .

4 . " قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا الذى له ملك السموات والأرض لا اله الا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " 158

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد " يا أيها الناس" وهذا خطاب للأسود والأبيض والعربى والعجمى وكل الناس جميعا من خلقه ، " انى رسول الله اليكم جميعا " أى جميعكم وهذا من شرفه وعظمة رسول الله صلى لله عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث الى الناس كافة كما قال تعالى " قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " ، " الذى له ملك السموات والأرض لا اله الا هو يحيى ويميت " صفة الله تعالى فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الذى أرسلنى هو خالق كل شىء وربه ومليكه الذى بيده الملك والاحياء والاماتة وله الحكم " ، " فآمنوا بالله ورسوله " أخبرهم الله أنه رسول الله اليهم ثم أمرهم باتباعه والايمان به ، " النبى الأمى " أى الذى وعدتم به وبشرتم به فى الكتب المتقدمة فانه منعوت بذلك فى كتبهم ولهذا قال ذلك ، " الذى يؤمن بالله وكلماته " أى يصدق قوله عمله وهو يؤمن بما أنزل اليه من ربه ،  " واتبعوه " أى اسلكوا طريقه واقتفوا أثره ، " لعلكم تهتدون " أى هو الذى يقودكم باتباعه الى الصراط المستقيم والى الهدى .

5 . " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل انما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم الا بغتة يسألونك كأنك حفى عنها قل انما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " 187

" يسالونك عن الساعة " قيل نزلت فى قريش وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعادا لوقوعها وتكذيبا بوجودها كما قال تعالى " ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين " وقال تعالى " يستعجل بها من لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا ان الذين يمارون فى الساعة لفى ضلال بعيد" ، " أيان مرساها " قال ابن عباس منتهاها أى متى محطها وأيان آخر مدة الدنيا الذى هو أول وقت الساعة ، " قل انما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها الا هو " أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم اذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها الى الله تعالى فانما هو الذى يجليها لوقتها أى يعلم جلية أمرها ومتى يكون على التحديد لا يعلم ذلك الا هو تعالى ولهذا قال " ثقلت فى السموات والأرض " قال ثقل علمها على أهل السموات والأرض أنهم لا يعلمون وقال الحسن اذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض يقول كبرت عليهم وقال ابن عباس ليس شىء من الخلق الا يصيبه من ضرر يوم القيامة وقال ابن جريج اذا جاءت انشقت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال وكان ما قال الله عز وجل كذلك قلها واختار ابن جرير أن المراد ثقل علم وقتها على أهل السموات والأرض وقال السدى خفيت فى السموات والأرض فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبى مرسل ، " لا تأتيكم الا بغتة" يبغتهم قيامها تأتيهم على غفلة وذكر لنا أن النبى الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " ان الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقى ماشيته والرجل يقيم سلعته فى السوق ويخفض ميزانه ويرفعه " ،  وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لاتقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى ايمانها خيرا ، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع أكلته الى فيه فلا يطعمها " ، " يسألونك كأنك حفى عنها " اختلف المفسرون فى معناه قال ابن عباس يقول كأنك بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم وقال ابن عباس لما سأل الناس النبى صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفى بهم فأوحى الله اليه انما علمها عنده استأثر به فلم يطلع الله عليها ملكا مقربا ولا رسولا وقال قتادة قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم ان بيننا وبينك قرابة فأسر الينا متى الساعة فقال الله عز وجل "يسألونك عن الساعة كأنك حفى عنها " وقال ابن عباس كأنك عالم بها لست تعلمها وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كأنك بها عالم وقد أخفى الله علمها على خلقه وقرأ " ان الله عنده علم الساعة " وهذا القول أرجح ، " قل انما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ويقول ان علم الساعة عند الله وحده وعن حذيفة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال " علمها عند ربى عز وجل لا يجليها لوقتها الا هو ولكن سأخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها ان بين يديها فتنة وهرجا " قالوا يا رسول الله الفتنة قد عرفناها فما الهرج ؟ قال بلسان الحبشة "القتل" قال " ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدا " وفيما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم من حديث أنس وسهل بن سعد رضى الله عنهما  "بعثت أنا والساعة كهاتين " وقرن بين أصبعيه السبابة والتى تليها ، ومع هذا كله قد أمره الله أن يرد علم وقت الساعة اليه اذا سئل عنها .

6 . " قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء ان أنا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون " 188

" قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله "أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويخبر أن كل الأمور بيد الله سبحانه وتعالى وأنه يفوض الأمور اليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شىء من ذلك الا بما أطلع الله عليه كما قال تعالى " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " ، " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " عن مجاهد قال المعنى لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملا صالحا وفيه نظر لأن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ديمة ، وفى رواية كان اذا عمل عملا أثبته فجميع عمله كان على منوال واحد كأنه ينظر الى الله عز وجل فى جميع أحواله اللهم لا أن يكون المراد أن يرشد غيره الى الاستعداد لذلك والأحسن ما رواه ابن عباس لاستكثرت من المال وفى رواية لعلمت اذا اشتريت شيئا ما أربح فيه فلا أبيع شيئا الا ربحت فيه ولا يصيبنى الفقر وقل ابن جرير وآخرون لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الغلاء من الرخص فاستعددت له من الرخص ، " وما مسنى السوء " قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعناه لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون وأتقيه ثم أخبر " ان أنا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون " أنه انما هو نذير وبشير أى نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات كما قال تعالى " فانما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا" .

7 . " ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون " 195

هذا انكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان وهى مخلوقة لله مربوبة مصنوعة لا تملك شيئا من الأمر ولا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها بل هى جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم ذكر الله تعالى أن هذه الأصنام عبيد مثل عابديها أى مخلوقات مثلهم بل الاناس أكمل منها لانها تسمع وتبصر وتبطش وتلك لا تفعل شيئا وقوله " قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون " أى استنصروا بها على فلا تؤخرونى طرفة عين واجهدوا جهدكم وهذا تحدى من الله للمشركين أن يبرزوا ما اتخذوهم من شركاء لله من أصنام وأوثان وأنداد أن ينصروهم من دون الله ولا ينتظروا شيئا اذا كانوا يستطيعون فعل شىء .

8 . " واذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل انما أتبع ما يوحى الى من ربى هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " 203

يتحدث الله تعالى عن الكفار " واذا لم تأتهم بآية " اذا لم تأتى الكفار بمعجزة وخارق ، " قالوا لولا اجتبيتها " يقول ابن عباس لولا تلقيتها من الله تعالى وقال الضحاك لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء  وقال مرة أخرى لولا أحدثتها فأنشأتها وقال مجاهد لولا اقتضيتها قالوا تخرجها عن نفسك يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ألا تجهد نفسك فى طلب الآيات من الله حتى نراها وتؤمن بها قال الله تعالى له  " قل انما أتبع ما يوحى الى من ربى " يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم أنا لا أتقدم اليه تعالى فى شىء وانما أتبع ما أمرنى به فأمتثل ما يوحيه الى فان بعث آية قبلتها وان منعها لم أسأله ابتداء اياها الا أن يأذن لى فى ذلك فانه حكيم عليم  ، " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " يرشد الله تعالى الى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبينات وهو هدى للؤمنين ورحمة لهم .

فى سورة الأنفال

1 . " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين " 1

" يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " الأنفال هى المغانم قال ابن عباس نزلت فى بدر قال ابن عباس الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شىء وفسر ابن عباس النفل بما ينفله الامام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصل المغنم وهو المتبادر الى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل وقال ابن مسعود ومسروق لا نفل يوم الزحف انما النفل قبل التقاء الصفوف " يسألونك عن الأنفال " يقول الله تعالى يسألونك فيما شذ من المشركين الى المسلمين فى غير قتال من دابة أو عبد أو أمة أو متاع فهو نفل للنبى صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء ، وهذا يقتضى أنه فسر الأنفال بالفىء وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال وقال على بن صالح بن حى السرايا ومعنى هذا ما ينفله الامام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش واختار ابن جرير أنها الزيادة على القسم ويشهد لذلك ما ورد فى سبب نزول الآية وهو ما رواه الامام أحمد حيث قال : عن سعد بن أبى وقاص قال : لما كان يوم بدر وقتل أخى عمير قتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فأتيت به النبى صلى الله عليه وسلم فقال " اذهب فاطرح فى القبض " قال فرجعت وبى ما لا يعلمه الا الله من قتل أخى وأخذ سلبى قال فلما جاوزت الا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال فقال لى رسول الله صلى الله ليه وسلم  "اذهب فخذ سلبك " وعن سعد قال : نزلت فى أربع آيات أصبت سيفا يوم بدر فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت نفلنيه ، فقال " ضعه من حيث أخذته ، مرتين ثم عاودته فقال النبى صلى الله عليه وسلم  "ضعه من حيث أخذته " فنزلت هذه الآية " يسالونك عن الأنفال " ، وتمام الحديث فى نزول " ووصينا الانسان بوالديه حسنا " وقوله تعالى " انما الخمر والميسر " وآية الوصية ، وعن أبى أمامة قال سألت عبادة عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء ، يقول عن سواء ، وقال الامام أبو عبيد الله القاسم بن سلام فى كتاب الأموال الشرعية وبيان جهتها ومصارفها : أما الأنفال فهى المغانم وكل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب ، فكانت الأنفال الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " فقسمها يوم بدر على ما أراه الله من غير أن يخمسها على ما ذكرناه فى حديث سعد ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس فنسخت الأولى ، والأنفال أصلها جماع الغنائم ومعنى الأنفال فى كلام العرب كل احسان فعله فاعل تفضلا من غير أن يجب ذلك عليه ، فذلك النفل الذى أحله الله المؤمنين من أموال عدوهم وانما هو شىء خصهم الله به تطولا منه عليهم بعد أن كانت المغانم محرمة على الأمم قبلهم فنفلها الله تعالى هذه الأمة فهذا أصل النفل ، وعن جابر رضى لله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى - فذكر الحديث الى أن قال " وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى " وذكر تمام الحديث ، " فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم" أى واتقوا الله فى أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظلموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه ، " وأطيعوا الله ورسوله " أى فى قسمة بينكم على ما أراده الله ، فانه انما يقسمه كما أمره الله من العدل والانصاف وقال ابن عباس هذا تخريج من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم .

2 . " قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وان يعودوا فقد مضت سنة الأولين " 38

" قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بلغ وقل للذين كفروا ان ينتهوا عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا فى الاسلام والطاعة والانابة يغفر لهم ما قد سلف أى من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم كما جاء فى الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحسن فى الاسلام لم يؤاخذ بما عمل فى الجاهلية ، ومن أساء فى الاسلام أخذ بالأول والآخر " وفى الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما كان قبلها ، " وان يعودوا " أى يستمروا على ما هم فيه ، " فقد مضت سنة الأولين " أى فقد مضت سنتنا فى الأولين لك أنهم اذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعالجهم بالعذاب والعقوبة وقال مجاهد فى قوله " فقد مضت سنة الأولين " أى فى قريش يوم بدر وغيرها من الأمم وقال السدى أى يوم بدر .

3 . " يا أيها النبى قل لمن فى آيديكم من الأسرى ان يعلم الله فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم " 70

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر " انى قد عرفت أن أناسا من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم أحدا منهم أى من بنى هاشم فلا يقتله : ومن لقى أبا البخترى بن هشام فلا يقتله ، ومن لقى العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فانه انما أخرج مستكرها " فقال أبو حذيفة بن عتبة أنقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله لئن لقيته لأجمته بالسيف فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب " يا أباحفص قال عمر والله انه لأول يوم كنانى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبا حفص " - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف ؟ فقال عمر يا رسول الله ائذن لى فأضرب عنقه فوالله لقد نافق ، فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك والله ما آمن من تلك التى قلت ولا أزال منها خائفا الا أن يكفرها الله تعالى عنى بشهادة ، فقتل يوم اليمامة شهيدا رضى الله عنه ، وبه عن ابن عباس قال لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثاق بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرا أول الليل فقال له أصحابه يا رسول الله ما لك لا تنام ؟ وقد أسر العباس رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سمعت أنين عمى العباس فى وثاقه فأطلقوه " فسكت فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال محمد بن اسحاق وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب وذلك أنه كان رجل موسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا " ، وعن الزهرى عن جماعة سماهم قالوا بعثت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فداء أسراهم ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا ، وقال العباس يارسول الله قد كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم باسلامك فان يكن كما تقول فان الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابنى أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبى طالب بن عبد الله ، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر " قال ما ذاك عندى يا رسول الله ؟ قال " فأين المال الذى دفنته أنت وأم الفضل ؟ قلت لها ان أصبت فى يومى هذا فهذا المال الذى دفنته لبنى الفضل وعبد الله وقثم " قال والله يا رسول الله انى لأعلم أنك رسول الله ان هذا لشىء ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل فأحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى عشرين أوقية من مال كان معى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا : ذاك شىء أعطانا الله تعالى منك " ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه فأنزل الله عز وجل الآية  " يا أيها النبى قل لمن فى آيديكم من الأسرى ان يعلم الله فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم " قال العباس فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية فى الاسلام عشرين عبدا كلهم مالى فى يدى مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل ،  عن جابر بن عبد الله بن رباب قال كان العباس بن عبد المطلب يقول فى نزلت والله حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم اسلامى وسألته أن يحاسبنى بالعشرين الأوقية التى أخذت منى فأبى فأبدلنى الله بها عشرين عبدا كلهم مالى فى يده .

4 - ) حكم كلمة "قل" فى القرآن الكريم

4 -) حكم كلمة "قل" فى القرآن الكريم 

فى سورة الأنعام

1 . " ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون * قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " 10 - 11

يتحدث الله تعالى عن ما وقع على الأنبياء قبل الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى ومن سخرية من قومهم وتقليل من قدرهم وشأنهم ووعيد من الله وتهديد لقريش أن يقع عليهم مثل ما وقع لغيرهم وهذه تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم فى تكذيب من كذبه من قومه ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة فى الدنيا والآخرة ثم قال تعالى " قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ويبلغ الله رسوله صلى الله ليه وسلم أن يقول لهم ويخبرهم أن فكروا فى أنفسكم وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم من العذاب والنكال والعقوبة فى الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم فى الآخرة وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين .

2 . " قل لمن ما فى السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " 12

يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالحقيقة الأزلية وتتكرر كلمة "قل" للتأكيد والتقرير لهذه الحقيقة أنه مالك السموات والأرض ومن فيهما وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة كما ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال النبى صلى الله عليه وسلم " ان الله لما خلق الخلق كتب كتابا عند فوق العرش ان رحمتى تغلب غضبى ، " ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه " هذه اللام" ليجمعنكم" هى الموطئة للقسم فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده الى "ميقات يوم معلوم" وهو يوم القيامة الذى لا ريب فيه أى لاشك فيه عند عباده المؤمنين فأما الجاحدون المكذبون فهم فى ريبهم يترددون ، " الذين خسروا أنفسهم " أى يوم القيامة يخسرون أنفسهم بدخول جهنم والعذاب الأليم ، " فهم لا يؤمنون " أى لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم .

3 . " قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل انى أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين * قل انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم * من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين " 14 - 16

تتحدث الآيات عن ايمان الرسول صلى الله عليه وسلم بربه وأنه وليه ومولاه المتوليه فى الدنيا والآخرة خالق السموات والأرض ويثير تساؤل يفيد تحقق الأمر والاقرار به والمعنى لا أتخذ وليا الا الله وحده لا شريك له فانه فاطر السموات والأرض أى خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق ، "وهو يطعم ولا يطعم" فهو الذى يرزق البشر ويطعمهم ولا يملكون له من رزق فهو الرزاق ذو القوة المتين ، "قل انى أمرت أن أكون أول من أسلم " " يقول الله تعالى لرسوله أن يقر ما أمره به من اسلام وارسال بالرسالة فهو أول من أسلم من هذه الأمة واختاره الله لتبليغ رسالته الى الانس والجن وأن يبتعد عن الشرك  ،  "ولا تكونن من المشركين " فى هذا بعد عن الشرك والبعد عنه من الجميع  فاستخدم لفظ " ولا تكونن " وليس " أكونن " ، " قل انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم " يأمر الله سبحانه رسوله أن يقول ويقر بخشيته من معصية الله وما يسفر عن ذلك من عذاب يوم عظيم وهو يوم القيامة ، " من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه " أى من يبعد عنه هذا العذاب يوم القيامة فقد رحمه الله ، " وذلك الفوز المبين " وهذا بعينه هو الفوز الواضح البين الذى لا شك فيه والفوز حصول الربح ونفى الخسارة .

4 . " قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أاشهد قل انما هو آله واحد واننى برىء مما تشركون " 19

يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأمر الله قرر وقل أى أعظم الأشياء شهادة أى التى تشهد على ايمان العبد وتكون هى الدليل والشاهد على ايمان العبد وتتكرر قل فى الجواب أى أن الاجابة بوحى الله لك أن تقول وتبلغ أن الشهيد على صدق الايمان وهو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلون لى  والحكم عليه بينى وبين من حولى هو الله وهو الذى أنزل الى هذا القرآن وهو نذير لكل من بلغه وعن محمد بن كعب فى قوله " ومن بلغ "من بلغه القرآن فكأنما رأى النبى صلى الله عليه وسلم (وكلمه كما زاد أبو خالد) وعن ابن جرير عن محمد بن كعب قال من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم وعن قتادة فى قوله تعالى "لأنذركم به ومن بلغ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله " وقال الربيع بن أنس حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذى دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينذر بالذى أنذر ، " أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى " تتحدث الآية عن المشركين أنهم يشركون مع الله ما يعبدون من الأصنام والأوثان ويجعلونهم أندادا لله ، " قل لا أشهد" وتكررت كلمة قل وهى اقرار بالقول الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يرد على المشركين أنه لا يمكن أن يشهد ويقر بالشرك وما كان عليه المشركون فى مكة وغيرهم كقوله تعالى " فان شهدوا فلا تشهد معهم " ، " قل انما هو اله واحد وأننى برىء مما تشركون"  يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهم وأقر قرارا واضحا أنه لا اله الا الله وحده لا شريك له ويقر ببرائته من الشرك الذى هم عليه ، هذه آية البراءة من الشرك والشهادة والاقرار لله بالوحدانية وتكررت كلمة "قل" التى تفيد ذلك الأمر وتؤكده .

5 . " قل أرئيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين " بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون " 40 - 41

يبلغ الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المكذبين المعاندين هل فكرتم وتدبرتم ورأت عقولكم

 ويبلغ وينذر ويحذر من وقوع عذاب الله ومن حدوث يوم القيامة وأهواله فهو الفعال لما يريد المتصرف فى خلقه بما يشاء وأنه لا معقب لحكمه ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه اذا وقع ذلك لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه ولهذا قال "ان كنتم صادقين" أى فى اتخاذكم آلهة معه ، "بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون " أى فى وقت الضرورة لا تدعون أحدا سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم  كقوله تعالى " واذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون الا اياه" ، تستخدم الآية المنطق  مع المشركين فى قضية قدرة الله والايمان به اله لايقدر أحد سواه بيده تسيير أمور الدنيا والآخرة .

6 . " قل أرءيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون * قل أرءيتكم ان أتاكم عذاب الله يغتة أوجهرة هل يهلك الا القوم الظالمون " 46 - 47

يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين هل فكرتم وتدبرتم ورأت عقولكم أن الله اذا سلبكم السمع والبصر فلا تسمعون ولا ترون وختم الله على قلوبكم فلا تعد مفتوحة لقبول الايمان كما أعطاكموها كما قال تعالى " هو الذى أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار " وكما قال تعالى "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " من غيره من الآلهة التى تدعون والأوثان يعيد لكم ذلك اذا سلبه منكم لا يقدر لى ذلك أحد سواه ولهذا قال "انظر كيف نصرف الآيات " يقول سبحانه أنظر وتأمل وتفكر كيف نوضح الآيات ونبينها ونفسرها دالة على أنه لا اله الا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل ، " ثم هم يصدفون " أى ثم هم مع هذا البيان يصدفون أى يعرضون عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه وقال ابن عباس يصدفون أى يعدلون وقال مجاهد وقتادة يعرضون وقال السدى يصدون ، " قل أرءيتكم ان أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك الا القوم الظالمون" ويعيد الله تعالى قوله ويبلغ رسوله بأمره أن يقول لهم هل تفكرتم وتدبرتم ورأت عقولكم أن عذاب الله اذا وقع عليكم وأنتم لا تشعرون به حتى يبغتكم ويفجأكم أو يقع ظاهرا عيانا فانه انما يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله وينجو الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وتبرز الآيتان قدرة الله وعدله فى الايقاع بالكافرين وتنجية المؤمنين به .

7 . " قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم انى ملك ان أتبع الا ما يوحى الى قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون " 50

تكررت كلمة قل فى الآية منفية وجاءت مثبتة لتأكيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرا رسولا مبعوث من ربه يوحى اليه رسالته فهو يقر ولا يمكنه القول انه يملك خزائن الله ويتصرف فيها ولا يمكنه القول أنه يعلم الغيب انما ذاك من علم الله عز وجل ولا يطلع منه الا على ما يطلعه الله عليه ولا يمكن القول والادعاء أنه ملك انما هو بشر يوحى اليه من الله عز وجل شرفه بذلك وأنعم عليه يه ولهذا قال " ان أتبع الا ما يوحى الى " أى لست أخرج عما يوحى الى قيد شبر ولا أدنى منه ، " قل هل يستوى الأعمى والبصير " تكررت قل للرد والفصل وجاء معها الاستفهام بهل أى هل يستوى من اتبع الحق وهدى اليه ومن ضل عنه فلم ينقد له من اتبع الحق شبه بالبصير الذى يبصر الحقيقة ومن اتبع الباطل وبعد عن الحق شبه بالأعمى الذى عمى عن الحق فلم يبصره ولم يتبعه فهما لا يستويان أبدا ، " أفلا تتفكرون " يوبخهم الله لعدم تفكرهم وتدبرهم للأمور وان كانت واضحة جلية .

8 . " واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم " 54

يامر الله تعالى رسوله الكريم باكرام من جاء اليه من المؤمنين بما أنزل الله وأن يبادرهم بقول السلام عليهم والآية مرتبطة بما سبقها من الآيات التى تحدثت عن طلب الكفار وأئمة الكفر وهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدى والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد عمروابن نوفل فى أشراف من بنى عبد مناف جاءوا الى أبى طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فانما هم عبيدنا وعتقاؤنا كان أعظم فى صدورنا وأطو له عندنا وأدنى لاتباعنا اياه وتصديقنا له فاتى أبو طالب فحدثه بذلك فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذى يريدون والى ما يصيرون من قولهم فأنزل الله " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم " الى قوله " أليس الله بأعلم بالشاكرين " ونزلت فى أئمة الكفر من قريش والموالى والحلفاء " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننأ " فلما نزلت أقبل عمر رضى الله عنه فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فاعتذر عن مقالته فأنزل الله عز وجل الآية " واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم " ومعنى الآية أن الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ان اذا جاءه المؤمنون فأكرمهم برد السلام عليهم وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم ولهذا قال " كتب ربكم على نفسه الرحمة " أى أوجبها على نفسه الكريمة تفضلا منه واحسانا وامتنانا ، " أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح " قال بعض السلف من عصى الله فهو جاهل وعن عكرمة قال الدنيا كلها جهالة أى من ارتكب ذنبا وعصى ربه ثم رجع عما كان عليه من المعاصى وأقلع وعزم على أن لا يعود وأصلح العمل فى المستقبل " فانه غفور رحيم " فالله يقبل هذه التوبة ويغفر الذنوب برحمته ، وهذا بلاغ من الله لرسوله أن يقول ويبلغ رحمة الله التى كتبها على نفسه وفرضها ومن رحمته قبول التوبة من الذنب وغفران الذنوب .

9 . "قل انى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت اذا وما أنا من المهتدين * قل انى على بينة من ربى وكذبتم به ما عندى ما تستعجلون به ان الحكم الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين * قل لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الأمر بينى وبينكم والله أعلم بالظالمين "  56 - 58

يبلغ الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعدة أقوال وبلاغات ليبلغها عنه وسبقت بأمره "قل" أولها أن يقول ويبلغ أنه نهى من الله عن الشرك والبعد عن ما يتخذه المشركون من أصنام وأوثان من دون الله وأن لا يتبع أهواء المشركين فلو فعل ذلك فقد ضل وبعد عن الحق وعن هدى الله " قل انى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت اذا وما أنا من المهتدين  ، " قل انى على بينة من ربى وكذبتم به ما عندى ما تستعجلون به ان الحكم الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين" تكررت قل فى موضوع آخر يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم للمشركين أنه على بصيرة من شريعة الله التى أوحاها اليه وهم قد كذبوا بالحق الذى جاءه من عند ربه وهم قد استعجلوا أن يوقع بهم العذاب من الله ليدلل على صدقه بما هددهم به فرد عليهم أنه ليس بيده ما يستعجلون به من العذاب فالحكم فى ذلك بيد الله يرجع اليه أمر ذلك ان شاء عجل لهم ما سألوه من ذلك وان شاء أنظرهم وأجلهم لما له فى ذلك من الحكمة العظيمة ولهذا قال " يقص الحق وهو خير الفاصلين " أىوهو خير من فصل القضايا وخير الفاتحين فى الحكم بين عباده ، " قل لو أن عندى ما تستجلون به لقضى الأمر بينى وبينكم " أى لو أن مرجع ذلك الى لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك والله وحده هو الذى بيده الأمر وهو العليم بما يفعل بالظالمين .

10 . " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون * قل هو القادر لى أن يبعث عليكم عذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون" 63 - 65 

يخبر الله تعالى رسوله أن يقول ويبلغ بفضله على عباده فهو المستحق الألوهية " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" يقول تعالى ممتنا على عباده فى انجائه المضطرين منهم من ظلمات البر والبحر أى الحائرين الواقعين فى المهامة البرية وفى اللجج البحرية اذا هاجت الرياح العاصفة فحينئذ يفردون الدعاء له وحده لا شريك له ويتوجهون اليه بالشكر وأن لا يكونوا مشركين بعدها  ، "قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون " وتتكرر كلمة قل أى بلغهم وأكد عليهم أن الله ينجيكم من هذا الكرب ومن كروب الدنيا جميعا وتدعون معه فى حال الرفاهية آلهة أخرى وترجعون الى الشرك ، " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم " يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر ويحدث على حقيقة أنه هو القادر بعد انجاءهم أن يبعث عليهم العذاب من كل مكان من السماء والأرض ، " أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض "قال ابن عباس وغير واحد يعنى يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل  والله قادر على أن يحولكم الى فرق متفرقة مختلفة تتقاتل وبأسها بينها شديد وعن سعد بن أبى وقاص قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال " أما انها كائنة ولم يأت تأويلها بعد " وقد وردت أحاديث فى هذه الآية منها عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " سألت ربى ثلاث خصال فأعطانى اثنتين ومنعنى واحدة فقلت يارب لا تهلك أمتى جوعا فقال هذه لك قلت يارب لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم يعنى أهل الشرك فيجتاحهم قال ذلك لك قلت يا رب لا تجعل بأسهم بينهم فمنعنى هذه " وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " دعوت ربى عز وجل أن يرفع عن أمتى أربعا فرفع الله عنهم اثنتين وأبى على أن يرفع عنهم اثنتين " ، دعوت ربى أن يرفع الرجم من السماء والغرق فى الأرض وأن لا يلبسهم شيعا وأن لايذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض ، وأبى الله أن يرفع اثنتين القتل والهرج وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " سألت ربى لأمتى أربع خصال فأعطانى ثلاثا ومنعنى واحدة سألته أن لا تكفر أمتى فأعطانيها وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا فاعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " ، "انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون " ويستطرد الله معقبا وداعيا الى النظر فى قدرته فى تبيين الآيات وتوضيحها وتفسيرها لعل العباد يفهمونها ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه .

11 . " وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل " 66

يتحدث الله تعالى الى رسوله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه للقرآن الذى جاءهم به والهدى والبيان ويعنى بقومه قريش وهو الحق الذى ليس وراءه حق وقال الله تعالى له صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ويبلغهم أنه ليس له عليهم سلطان فى قضية الكفر والايمان فانما عليه البلاغ وعليهم السمع والطاعة فمن تبعه سعد فى الدنيا والآخرة ومن خالفه فقد شقى فى الدنيا والآخرة .

12 . " قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل ان هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب لعالمين " 71

قال السدى قال المشركون للمسلمين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد فأنزل الله عز وجل " قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله " يقول سبحانه لرسوله قل لهؤلاء الكفار كيف ندعو أصناما وأوثانا لا تضر ولا تنفع أى لا تجلب لنا نفعا ولا ترد عنا أذى من دون الله مثلكم ثم نرد ونرجع الى الكفر والشرك بعد اذ هدانا الله ، " كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا" فيكون مثلنا مثل الذى استهوته الشياطين قال قتادة أضلته فى الأرض  يقول مثلكم ان كفرتم كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته فى الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه اليهم يقولون ائتنا فانا على الطريق فأبى أن يأتيهم فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذى يدعو الى الطريق والطريق هو الاسلام ، هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعون اليها والدعاة الذين يدعون الى هدى الله عز وجل كمثل رجل ضل عن الطريق تائها اذ ناداه مناد يافلان ابن فلان هلم الى الطريق وله أصحاب يدعونه يافلان هلم الى الطريق فان اتبع الداعى الأول انطلق به حتى يلقيه الى الهلكة وان أجاب من يدعوه الى الهدى اهتدى الى الطريق وقال ابن عباس الذى استهوته الشياطين فى الأرض هو الذى لا يستجيب لهدى الله وهو رجل أطاع الشيطان وعمل فى الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه وله أصحاب يدعونه الى الهدى ويزعمون أن الذى يأمرونه به هدى وهذا يقتضى أن أصحابه يدعونه الى الضلال ويزعمون أنه هدى وكما قال ابن جرير فان السياق يقتضى أن هذا الذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران وهو منصوب على الحال أى فى حل حيرته وضلاله وجهله توجه المحجة وله أصحاب على المحجة سائرون فجعلوا يدعونه اليهم والى الذهاب معهم على الطريق المثلى وتقدير الكلام فيأبى عليهم ولا يلتفت اليهم ولو شاء الله لهداه ولرد به الى الطريق ولهذا قال " قل ان هدى الله هو الهدى " ، " وأمرنا لنسلم لرب العالمين " وتختم الآية أننا أمرنا أن نخلص العبادة لله رب العالمين وحده لا شريك له .

13 . " وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزل الله على بشر قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون "91

قال ابن عباس ومجاهد نزلت فى قريش لأن قريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون ارسال محمد صلى الله عليه وسلم لأنه من البشر كما قال تعالى " أكان للناس عجبا أن أوحينا الى رجل منهم أن أنذر الناس " وكقوله تعالى " وما منع الناس أن يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"وهنا قال الله تعالى " وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء " ، فرد عليهم الله تالى وأوحى الى رسوله صلى الله ليه وسلم أن يقول لهؤلاء المنكرين لانزال شىء من الكتب من عند الله فى جواب سلبهم العام باثبات قضية جزئية موجبة " قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس " الكتاب الذى جاء به موسى عليه السلام هو التوراة التى قد علمتم وكل أحد أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران نورا وهدى للناس أى ليستضاء بها فى كشف المشكلات ويهتدى بها من ظلم الشبهات ، " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " أى تجعلون جملتها قراطيس أى قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلى الذى بأيديكم وتحرفون منها ما تحرفون وتبدلون وتتأولون وتقولون هذا من عند الله أى فى كتابه المنزل وما هو من عند الله ولهذا قال " تجعلونها قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " ، " وعلمتم ما لم تعلمون أنتم ولا آباؤكم " أى ومن أنزل القرآن الذى علمكم الله فيه من خبر ما سبق ونبأ ما يأتى ما لم تكونوا تعلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم ، "قل الله " يرد لله سبحانه وتعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم كما قال ابن عباس قل الله أنزله ، " ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون " أى ثم دعهم فى جهلهم وضلالهم يلعبون أى يتلهون ويبعدون ن الحق حتى يأتيهم من الله اليقين فسوف يعلمون ألهم العاقبة أم لعباد الله المتقين ؟ .

14 . " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل انما الآيات عند الله وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون " 109

يقول تعالى اخبارا عن المشركين أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم أى حلفوا أيمانا مؤكدة  ان جاءتهم معجزة وخارق ليصدقنها فيرد الله سبحانه عليهم ويوحى الى رسوله صلى الله عليه وسلم و يقول له قل يا محمد لهؤلاء الذين يسألونك الآيات تعنتا وكفرا وعنادا لا على سبيل الهدى والاسترشاد انما مرجع هذه الآيات الى الله ان شاء جاءكم بها وان شاء ترككم  وعن محمد بن كعب القرظى قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وتخبرنا أن عيسى كان يحيى الموتى وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أى شىء تحبون أن آتيكم به ؟ " قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا فقال لهم " فان فعلت تصدقونى ؟ " قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال له ما شئت ان شئت أصبح الصفا ذهبا ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم ، وان شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل يتوب تائبهم " فأنزل الله الآية والآيات الأخرى حتى قوله " ولكن أكثرهم يجهلون " كما قال تعالى " وما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون " .

15 . " قل يا قوم اعملوا على مكانتكم انى عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون " 135

" قل يا قوم اعملوا على مكانتكم انى عامل "هذا تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للمشركين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه من قريش استمروا على طريقتكم وناحيتكم ان كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتى ومنهجى كقوله " وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم انا عاملون وانتظروا انا منتظرون " ، " فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار انه لا يفلح الظالمون "يخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقون للمشركين سوف تعلمون من تكون له العاقبة أتكون لى أو لكم وقد أنجز الله موعوده لرسوله صلى الله عليه وسلم فانه تعالى مكنه فى البلاد وحكمه فى نواصى مخالفيه من العباد وفتح له مكة وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه واستقر أمره على سائر جزيرة العرب وكذلك اليمن والبحرين وكل ذلك فى حياته ثم فتحت الأمصار والأقاليم بعد وفاته فى أيام خلفائه رضى الله عنهم أجمعين كما قال الله تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلى ان الله قوى عزيز" ، "انه لا يفلح الظالمون " ينهى الله الآية بأنه لا فلاح للظالمين ولا توفيق لهم .    

16 . " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل أالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبؤنى بعلم ان كنتم صادقين * ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل ألذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدى القوم الظالمين " 132 - 144

هذا بيان لجهل العرب قبل الاسلام فيما كانوا حرموا من الأنعام وجعلوها أجزاء وأنواعا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما وغير ذلك من الأنواع التى ابتدعوها فى الأنعام والزروع والثمار فبين تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا ، ثم بين أصناف الأنعام الى غنم وهو الضأن والمعز ذكره وأنثاه والى ابل ذكورها واناثها وبقر ذكورها وأناثها وأنه تعالى لم يحرم شيئا من ذلك ولا شيئا من أولادها بل كلها مخلوقة لبنى آدم أكلا وركوبا وحمولة وحلبا وغير ذلك من وجوه المنافع كما قال " وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج " ، " أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " رد عليهم فى قولهم "ما فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " بقوله تعالى "نبئونى بعلم ان كنتم صادقين" أى أخبرونى عن يقين كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك قال ابن عباس قوله " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " فهذه أربعة أزواج "قل آلذكرين حرم أم الأنثيين " يقول لم أحرم شيئا من ذلك " أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " يعنى هل يشتمل الرحم الا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا ؟ فقال لهم سبحانه وتعالى  "نبئونى بعلم ان كنتم صادقين " يقول كله حلال وليس لكم علم يخبر بصدقكم فى تحريم هذا وتحليل ذلك وقوله تعالى " أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا " تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله من تحريم ما حرموه من ذلك ، " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم " أى لا أحد أكثر ظلما من الذى يكذب على الله ويفترى الكذب ليضل الناس وهو جاهل أو متعمد الكذب مثل الذين يدعون النبوة أو يغيرون فى الدين وأول من دخل فى هذه الآية عمرو بن لحى بن قمعة لأنه أول من غير دين الأنبياء وأول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامى كما ثبت ذلك فى الصحيح .

17. " قل لا أجد فى ما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن ضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم " 145

يقول الله تعالى آمرا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله " لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه " قيل معناه لا أجد شيئا مما حرمتم حراما على من يأكله سوى هذه وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا فى سورة المائدة ، " الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير " فلتحريم للميتة والدم المهراق وقال قتادة حرم من الدماء ما كان مسفوحا فأما اللحم خالطه الدم فلا بأس به وحرم لحم الخنزير وعن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية ياكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وقرأ هذه الآية " قل لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه " ، " فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به "ومن هذا الذى حرم  هوالرجس والفسق الذى أهل لغير الله به أى ذبح للاصنام والأوثان والذى لم يذكر اسم الله عليه  ، " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم " فمن اضطر الى أكل شىء مما حرم الله فى هذه الآية الكريمة وهو غير متلبس ببغى ولا عدوان فان الله غفور رحيم أى غفور له رحيم به والغرض من سياق هذه الآية الكريمة الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك فأمر رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه الله اليه أن ذلك محرم وانما حرم ما ذكر فى هذه اية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما عدا ذلك فلم يحرم وانما هو عفو مسكوت عنه فكيف تزعمون أنتم أنه حرام ومن أين حرمتموه ولم يحرمه لله ؟ كما جاء النهى عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذى مخلب من الطير على المشهور من مذاهب العلماء .  

18 . " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان أنتم الا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين * قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبو بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون " 148 - 150

هذه مناظرة ذكرها الله تعالى وشبهة تشبث بها المشركون فى شركهم وتحريم ما حرموا فان الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الايمان ويحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره فدل على أنه بمشيئته وارادته ورضاه منا بذلك فانهم قالوا عبادتنا الالهة تقربنا الى الله زلفى فأخبرهم الله أنها لا تقربهم وأن هذا شرك ولهذا قالوا " لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء " كما فى قوله تعالى " وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم " ، " كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا " أى بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء حتى وقع عليهم عذاب وبأس ربهم وهى حجة داحضة باطلة لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم رسله الكرام وأذاق المشركين من أليم الانتقام ، " قل هل من علم فتخرجوه لنا " يبلغ الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يواجه هؤلاء بحجتهم الباطلة ويقول لهم هل من عندكم علم بأن الله راض عنكم فيما أنتم فيه فتبرزوه وتظهروه وتبينوه لنا ، " ان تتبعون الا الظن " يرد الله عليهم أنكم لا تتبعون الا التوهم والخيال والمراد بالظن هنا الاعتقاد الفاسد ، " وان أنتم الا تخرصون " وأنتم تكذبون على الله فيما ادعيتموه ، " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين " يبلغ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم أن الله له الحكمة التامة والحجة البالغة فى هداية من هدى واضلال من ضل فكب ذلك بقدرته ومشيئته واختياره وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويبغض الكافرين كما قال تعالى " ولو شاء الله لجمعكم على الهدى " ، " قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا " ويقول الله سبحانه وتعالى لرسول صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المشركين احضروا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا الذى حرمتموه وكذبتم وافتريتم على الله فيه ، " فان شهدوا فلا تشهد معهم " ينهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ان كان  لهؤلاء شهود فلا ينساق معهم ولا يتبعهم لأنهم انما يشهدون والحالة هذه كذبا وزورا ، " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون " وينهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينساق الى ميول ورغبات الذين كذبوا بآياته والذين لايؤمنون بالآخرة ويشركون به ويجعلون له عديلا .

19 . " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون " 151

يبلغ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويبلغ هؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم "قل" لهم " تعالوا" أى هلموا وأقبلوا " أتل ما حرم ربكم عليكم " أى أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا لا تخرصا ولا ظنا بل وحيا منه وأمرا من عنده ، " ألا تشركوا به شيئا " عدم الشرك بالله مطلقا وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " ، " وبالولدين احسانا " أى وأوصاكم وأمركم بالاحسان الى الوالدين كما قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا " أى أحسنوا اليهم والله تعالى كثيرا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال " أن اشكر لى ولوالديك الى المصير وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروف واتبع سبيل من أناب الى ثم الى مرجعكم غأنبئكم بما كنتم تعملون " فأمر بالاحسان اليهما وان كانا مشركين بحسبهما وفى الصحيحين عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل ؟ قال " الصلاة على وقتها " قلت ثم أى ؟ قال " بر الوالدين " قلت ثم أى ؟ قال " الجهاد فى سبيل الله " قال ابن مسعود حدثنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادنى " ، " ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم " لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الاحسان الى الأبناء والأحفاد ونهى عن القتل والوأد خشية الفقر أو من الفقر نفسه فهو الذى يرزق الكل الآباء والأبناء وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك فكانوا يئدون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار وفى الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى اله عليه وسلم أى الذنب أعظم ؟ قال " أن تجعل لله أندادا وهو خلقك " قلت ثم أى قال " ان تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قلت ثم أى قال " أن تزنى حليلة جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس الى حرم الله الا بالحق ولا يزنون " ، وقوله تعالى " من املاق " قال ابن عباس وقتادة وغيرهما هو الفقر أى ولا تقتلوهم من فقرقكم الحاصل ، وقال فى سورة الاسراء " ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق " أى لا تقتلوهم خوفا من الفقر فى الآجل ولهذا قال هنا " نحن نرزقهم واياكم " فبدأ برزقهم للاهتمام بهم أى لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله وأما هنا فلما كان الفقر حاصلا قال " نحن نرزقكم واياهم " لأنه الأهم هنا ، " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " الفواحش جمع فاحشة وهى الرزائل التى حرمها الله الظاهرة أى الواضحة التى ترتكب علنا وثابتة بالدليل الواضح والتى ترتكب فى الخفاء أو دون دليل عليها ونهى الله عنها نهيا تاما ، " ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق " حرم الله تعالى قتل النفس الا بالحق فقد جاء فى الصحيحين عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " وفى لفظ لمسلم " والذى لا اله غيره لا يحل دم رجل مسلم " وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث خصال : زان محصن يرجم ، ورجل قتل متعمدا فيقتل ، ورجل يخرج من الاسلام وحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض "  وعن عثمان بن عفان رضى الله عنه أنه قال وهو محصور سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث : رجل كفر بعد اسلامه ، أو زنى بعد احصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس" فو الله ما زنيت فى جاهلية ولا اسلام ، ولا تمنيت أن لى بدينى بدلا منه بعد اذ هدانى الله ، ولا قتلت نفسا ، فبم تقتلونى " ،  " ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون " ينهى الله تعالى الآية بالتأكيد على أهمية هذه الأمور وأنها توصية منه واجبة التنفيذ لا محيد عنها ولا محيص منها وهى وصايا لابد أن تعقل وتفهم وتنفذ والتفسير أى هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه .  

20 . " هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو يأتى ربك أو يأتى بعض آيات ربك يوم يأتى بعض أيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون " 158

يقول تعالى متوعدا الكافرين به والمخالفين لرسله والمكذبين آياته والصادين عن سبيله " هل ينظرون الا أن تأنيهم الملائكة أو يأتى ربك " هل هؤلاء ينتظرون ولا يرجعون عما هم فيه ويتوبون حتى يقع يوم القيامة ويحل بهم مايحل فى اليوم الذى يتجلى فيه الله تعالى والملائكة ، " أو يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " وذلك يوم اذا وقعت آيات لا تنفع بعدها التوبة وهى قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا رآها الناس آمن من عليها " فذلك حين " لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " وفى قول آخر عن همام بن منبه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها " وفى لفظ " فاذ طلعت ورآها الناس أمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل " ثم قرأ هذه الآية ،  "أو كسبت فى ايمانها خيرا " أى ولا يقبل منها كسب عمل صالح اذا لم يكن عاملا به قبل ذلك ، " قل انتظروا انا منتظرون " تهديد شديد للكافرين ووعيد أكيد لمن سوف بايمانه وتوبته الى وقت لا ينفعه ذلك سبق هذا الوعيد بكلمة قل أى قل لهم ليفيد التأكيد والتحقق وهذا أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يبلغه ويقوله لمن يوجه اليه هذا الكلام منه .

21 . " قل اننى هدانى ربى الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين * قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العلمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " 162-163

يقول تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به علي من الهداية الى صراطه المستقيم الذى لا اعوجاج فيه ولا انحراف دينا قائما ثابتا على ملة ابراهيم عليه لسلام لا عوج فيه بعيدا عن الشرك وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة ابراهيم الحنيفية أن يكون ابراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما وأكملت له اكمالا تاما لم يسبقه أحد الى هذا الكمال ولهذا كان اتم النبيين وسيد ولد آدم على الاطلاق وصاحب المقام المحمود الذى يرغب اليه الخلق حتى الخليل عليه السلام وعن ابن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله اذا أصبح قل " أصبحنا على ملة الاسلام وكلمة الاخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ، " قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين " يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ويخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم فى ذلك فان صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له وهذا كقوله تعالى " فصلى لربك وانحر " أى أخلص له صلاتك وذبحك فان المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والاقبال بالقصد والنية والعزم على الاخلاص لله تعالى وقال مجاهد " ان صلاتى ونسكى " النسك الذبح فى الحج والعمرة وعن السدى " ونسكى " قال ذبحى وعن جابر بن عبد الله قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم النحر بكبشين وقال حين ذبحهما " وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ، وقوله " وأنا أول المسلمين " قال قتادة أى من هذه الأمة وهم كما قال فان جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم الى الاسلام وأصله عبادة الله وحده لا شريك له . 

22 . " قل أغير الله أبغى ربا وهو رب كل شىء ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " 164

يقول تعالى "قل" يا محمد لهؤلاء المشركين بالله فى اخلاص العبادة له والتوكل عليه " أغير الله أبغى ربا" أى أطلب ربا سواه يربينى ويحفظنى ويكلؤنى ويدبر أمرى ، أى لا أتوكل الا عليه ولا أنيب الا اليه ،   "وهو رب كل شىء " فهو رب كل شىء ومليكه وله الخلق والأمر ، ففى هذه الآية الأمر باخلاص التوكل كما تضمنت التى قبلها اخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرا فى القرآن كقوله تعالى مرشدا لعباده يقولوا له " اياك نعبد واياك نستعين " وكقوله " قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا " ، " ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى " اخبار عن الواقع يوم القيامة فى جزاء الله تعالى وحكمه وعدله أن النفوس انما تجازى بأعمالها ان خيرا فخير وان شرا فشر ، وأن لا يحمل من خطيئة أحد على أحد وهذا من عدله تعالى ، " ثم الى ربكم مرجعكم  فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " أى اعملوا على مكانتكم انا عاملون على ما نحن عليه فستعرضون ونعرض عليه وينبئنا واياكم بأعمالنا وأعمالكم وما كنا نختلف فيه فى الدار الدنيا كقوله تعالى " قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون * قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم " .


150-] English Literature

150-] English Literature Letitia Elizabeth Landon     List of works In addition to the works listed below, Landon was responsible for nume...