Grammar American & British

Showing posts with label اصطفاء الله لرسولمحمد صلعم. Show all posts
Showing posts with label اصطفاء الله لرسولمحمد صلعم. Show all posts

Wednesday, July 8, 2020

غزوة مؤتة وفتح مكة -اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 19 )

اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 19 ) 

                                                غزوة مؤته .  

 بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتبه ، فبعث الحرث بن عمير الأزدى - احد بنى لهب بكتابه الى الشام الى ملك الروم أو بصرى ، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى فأوثقه ربطا ثم قدمه فضرب عنقه ، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غيره فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر ، وجهز جيشا قوامه ثلاثة آلاف استعمل عليه زيد بن حارثة ، وقال :" ان أصيب فجعفر بن أبى طالب ، فان أصيب فعبد الله بن رواحة ثم مضوا حتى نزلوا معان فبلغ الناس أن هرقل بالبلقاء فى مائة ألف من الروم وانضم اليهم مائة ألف من لخم وجذام وبلقين وبهرا وبلى ، فلما بلغ لك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظون فى أمرهم فقالوا :" نكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا ، فأما أن يمدنا بالرجال وأما أن يأمرنا بأمره ونمضى " ، ولكن عبد الله بن رواحة قال :" يا قوم والله ان الذى نكرهون للتى تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم الا بهذا الدين الذى أكرمنا به الله فانطلقوا ، وانما هى احدى الحسنيين ، اما ظفر واما شهادة " ، فمضى الناس حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع بقرية يقال لها مشارف فدنا العدو وانحاز المسلمون الى مؤتة فكانت غزوة مؤتة بأدنى البلقاء من أرض الشام وكانت فى جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة ، وقتل كل من شحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمل الراية حتى أخذها خالد بن الوليد فاستطاع أن يكر على جيش الروم على كثرة عدده وعاد بالجيش الى المدينة سالما ، لما دنا جيش المسلمين من دخول المدينة عائدا من غزوة مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، ولقيهم الصبيان يشتدون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال :" خذوا الصبيان فاحملوهم واعطونى ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذوه فحمله بين يديه ، وجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون :" يا فرار فى سبيل الله " ، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار ان شاء الله ! " وذلك عن عروة بن الزبير حسب رواية ابن اسحاق .

                                                     فتح مكة .

   كان سنة ثمان هجرية لعشر مضين من رمضان ، وكان سبب ذلك أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم حافاء المسلمين ، وهم على ماء يقال له الوقير فقتلوا منهم ، وأعانت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفيا ليلا وكان منهم صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ، حتى حازوا خزاعة الى الحرم ، فتوجه عمرو بن سالم الخزاعى حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوقف عليه وهو جالس فى المسجد بين أصحابه وأنشده قصيدة يطلب فيها المناصرة منها هذه الأبيات :

ان قريشا أخلفوك الموعدا   *ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لى فى كداء رصدا  * وزعموا أن لست تدعوا أحدا

وقتلونا ركعا سجدا .

يقول :" قتلنا وقد أسلمنا " ، فقال سول الله صلى الله عليه وسلم :" نصرت يا عمرو بن سالم " ، ثم خرج بديل بن ورقاء فى نفر من خزعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب فيهم وبمظاهرة قريش بنى بكر ثم رجعوا الى مكة ، وبعثت قريش أبى سفيان بن حرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد فى المدة ، وقد رهبوا الذى صنعوا ، فتوجه أبو سفيان الى ابنته أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة فلما ذهب ليجلس على فراش سول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه وقالت :" هو فراش سول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس " ، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ، وتوجه الى أبى بكر رضى الله عنه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" ما أنا بفاعل " ، فكلم عمر رضى الله عنه فقال :" أنا أشفع لكم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فو الله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم " ، ثم جاء الى على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال له :" يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه " ، ورجع أبو سفيان الى مكة ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجد والتجهيز لبلوغ مكة وقال :" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبعثها فى بلادها " ، وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمر حاطب بن أبى بلتعة الذى أرسل امرأة ومعها كتاب الى قريش يخبرها بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكة ، حيث وصله خبر من السماء فبعث عليا والزبير فى اثرها وفتشاها فلم يجدا معها شيئا ولكن عليا قال لها :" أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا لتخرجن الكتاب أو لنجردنك " ، فلما رأت الجد استخرجت الكتاب من شعرها ، وأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب فقال عمر رضى الله عنه :" دعنى يا رسول الله أضرب عنقه " ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" انه شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال :" اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ، فذرفت عينا عمر وقال :" الله ورسوله أعلم " .

مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم والناس صيام حتى نزل مر الظهران ومعه عشرة آلاف وعمى الله الأخبار عن قريش ، وكان العباس قد خرج بأهله وعياله مسلما مهاجرا فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة ولقيه أبو سفيان بن الحرث وعبد الله بن أبى أمية لقياه بالأنواء وهما ابن عمه وابن عمته فأعرض عنهما لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى والهجو فقالت له أم سلمة :" لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك " ، وقال أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله أخوة يوسف ليوسف :" تا الله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين " ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " ، وحسن اسلامه بعد ذلك ويقال أنه ما رفع رأسه الى رسول الله صلى الله علي وسلم منذ أسلم حياءا منه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وشهد له بالجنة ، ولما حضرته الوفاة قال :" لا تبكو على فوالله ما نطقت بخطيئة منذ أسلمت " .

وعندما أسلم أبو سفيان بن حرب وخرج وقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق قال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا " ، قال :" نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا " ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة من أعلاه وضرب له هنالك قبة ، وأمر خالد بن الوليد أن يدخلها من أسفلها ، وبعث الزبير على احدى المجنبتين ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر ، ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن التقوا به بالصفا وركزت راية رسول اللهصلى الله عليه وسلم بالحجون والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى دخل المسجد الحرام فأقبل الى الحجر ألسود فاستلمه ثم طاف بالبيت وفى يده قوس وحول البيت 360 صنما فجعل يطعنها بالقوس ويقول :" جاء الحق وزهق الباطل ، ان الباطل كان زهوقا ، جاء الحق وما يبدىء الحق وما يعيد " ، والأصنام تتساقط على وجوهها ، وكان طوافه على راحلته ولم يكن محرما فاقتصر على الطواف ، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة فأمر بها ففتحت فدخلها فرأى فيها الصور ، ورأى صورة ابراهيم واسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال :" قاتلهم الله ، والله لن استقسما بها قط " ، وعندما فتح باب الكعبة وقريش ملآت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع ، وألقى خطبة قصيرة وقال :" يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم ؟ " ، قالوا:" خيرا أخ كريم وابن أخ كريم " ، قال :" فانى أقول لكم كما قال يوسف لاخوته " لاتثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء " ، وأعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة وقال له :" خذوها خالة تالدة لا ينزعها منك الا ظالم " ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد فيؤذن على الكعبة ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانىء بنت أبى طلب فاغتسل وصلى ثمان ركعات فى بيتها – صلاة الفتح ، وكان أمراء الاسلام اذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة اقتداءا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس خطيبا وقال :" أيها الناس ! ان الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهى حرام بحرمة الله الى يوم القيامة فلا يحل لأمرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة " .

وفى سنة تسع هجرية كما قال جعفر فرضت الصدقات حسب الآية " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلواتك سكن لهم والله سميع عليم " التوبة 103  ، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم عماله على الصدقات ، وعن عبد الله بن أبى بكر قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات على كل ما أوطأ الاسلام من البلدان ، فبعث المهاجر  أبى أمية بن المغيرة الى صنعاء ، وبعث زياد بن لبيد أخا بنى بياضة الأنصارى الى حضرموت ، وبعث عدى بن حاتم على صدقة طىء وأسد ، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بنى حنظلة ، وبعث العلاء بن الحضرمى على البحرين ، وبعث على بن أبى طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم .

الحج عام 629 م -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 18 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 18 )

                                           الحج عام 629 م . 

 يمضى المؤلف قائلا " وفى العام التالى قصد النبى صلى الله عليه وسلم على رأس الحجاج الى مكة ، فلما أصبحوا على مرمى النظر ، خرج المكيون من منازلهم ، وتركوا المدينة وعسكروا خارجها ، ودخلها المسلمون ، فلما لمحوا الكعبة أنبعثت من حناجرهم التكبيرات " لبيك اللهم لبيك " ، وبعد أن أدوا مناسك الحج ( المراد العمرة ) باتوا ليلتهم حول الكعبة ، فلما أصبحوا أمر النبى بلالا أن يؤذن فأذن قائلا " الله أكبر ، الله أكبر " ، لقد كان لهذا الأذان وقع لايبارى .. لقد سمعه أهل مكة جليا ، ورأوا آلهتهم جامدة كالصخر ، لم تشر ولم تغضب لانتهاك حرمتها ، ولم ترسل الصواعق مدرارا على رؤوس أولئك الكفرة ... ولم تفجر ينابيع الأرض أو تشقق جوفها تحت أقدامهم .

رأى القرشيون ذلك وتأثروا به ، فكان أن قصد خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الى النبى بعد ثلاثة أشهر فى المدينة وأعلنوا اسلامهم ، ولم يقتصر الأمر على أهل مكة ، بل قصدته القبائل من كل أنحاء الجزبرة تعلن اسلامها " . وفى مقال للكتور محمد عمارة فى مجلة الأزهر بتحدث فيقول "لقد أبصرت العبقرية السياسية والحربية والدعوية للرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الصلح وهذه الهدنة المقدمة للفتح الأكبر والمبين ، الذى سيطوى صفحة الشرك والوثنية من شبه الجزيرة العربية فتعلوها رايات التوحيد فى الدين ، ورايات الوحدة فى الدولة ، لأول مرة فى التاريخ ، كانت قريش الشرك والوثنية هى العدو الأكبر ، الذى استمر فى جمع الحلفاء من الأعراب واليهود ، وتجييش الجيوش ، وفرض الحروب على المسلمين أكثر من عشرين غزوة وموقعة فى ست سنوات ! ، فجاء هذا الصلح – الهدنة  ليحيد العدو الأكبر والأشرس والأخطر للاسلام والمسلمين ، والدولة الاسلامية ، وكانت قريش حتى عقد الصلح لا تعترف بالدولة الاسلامية ، فكان اعترافها بها فى هذا الصلح لأول مرة فى تاريخ هذا الصراع ، لقد اعترفت بالدولة وان لم تعترف بالدين ... لكن هذه الدولة التى اعترفت بها كانت هى " دولة الدين " ، ولقد قلب هذا الاعتراف من قريش بالدولة الاسلامية موازين القوى فى سبه الجزيرة العربية بأسرها ، فالقبائل التى كانت تميل عن لاسلام ودولته استنادا الى قريش أو التى كانت مترددة فى حسم مكوقفها من هذا الصراع بدأت بعد هذا الاعتراف تفكر بالصلح هى الأخرى مع الدولة الاسلامية ، بل والدخول فى الدين الجديد ، كما أدى هذا الصلح الى عزل يهود خيبر ، أخطر المتآمرين على الاسلام وأمته ودولته ، وأخطر حلفاء قريش فى مناوأة الاسلام ، لقد عزلهم هذا الصلح ، فكان فتح خيبر من قبل المسلمين بعد أقل من شهرين على صلح الحديبية ، وبفتح خيبر التى كان يهودها قد تحلفوا مع يهود وادى القرى وتيماء للزحف على المدينة المنورة ، والذين كانوا الممول الأكبر لمرتزقة الأعراب وحشدهم وراء قريش فى محاربة الاسلام ... بفتح خيبر وهزيمة يهودها أصبحت الدولة الاسلامية هى القوة الأولى والكبرى فى شبه الجزيرة العربية كما تمتعت الدولة الاسلامية بالأمن ، بعد مهادنة قريش ، وفتح خيبر، الأمر الذى جعلها تتوجه الى دوائر وميادين كانت تشغلها عنها الحروب المتوالية والمخاطر الدائمة التى فرضتها قريش وحلفاؤها على امتداد السنوات الست الأولى من عمر دولة الاسلام ، لذلك وكثمرة من ثمرات هذا الصلح –الهدنة  الذى تجلت فيه عبقرية " الاستراتيجية السياسية والحربية للرسول صلى الله عليه وسلم سنة 7 هجرية / 628 م أى العام التالى لتحييد قريش وهزيمة اليهود ، ففى هذا العام خرج رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملين كتبه ورسائله الى قيصر الروم ، وكسرى الفرس ، والفادة والأمراء والشيوخ والرؤساء فى أطراف شبه الجزيرة العربية وما وراءها ، لقد كان الرومان يحتلون الشام ومصر وشمالى افريقيا ، وكان الفرس حتلون العراق والخليج – أى مشرق الدولة الاسلامية الوليدة ، وغربها وشمالها كانت تحت الاحتلال والقهر السياسى والحضارى ، ولقد تجلت فى " السياسة الخارجية " لدولة النبوة منذ فجرها وبواكيرها ولحظاتها الأولى " القسمة التحريرية " للشرق من هذا الاحتلال والقهر الحضارى والدينى والثقافى والسياسى ، الذى دام عشرة قرون : من الاسكندر الأكبر ( 356 – 324 ق. م ) ، فى القرن الرابع قبل الميلاد الى هرقل ( 610 – 641 م ) ، فى القرن السابع للميلاد ، فهذا التحرير لشعوب الشرق المستضعفة هو ضرورة لأمن الدولة الاسلامية الوليدة ، كما أنه فريضة دينية على هذه الدولة " وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا " النساء 75 ، ولذلك حملت مراسلات رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قادة الشرق سنة ( 7 هجرية / 628 م ) ، هذه الدلالات التحريرية لشعوب الشق المقهورة والمستضعفة ، فمع مراسلة الرسول صلى الله عليه وسلم لقيصر الروم – هرقل ، فلقد راسل المقوقس – عظيم القبط بمصر ، التى كانت يومئذ ولاية رومانية ، ليعلن بذلك عن أن مصر ليست شأنا رومانيا بيزنطيا يخاطب قيصر الروم فى شأنها ، وكذلك صنعت مراسلاته صلى الله عليه وسلم مع قادة ورؤساء القبائل التى كانت خاضعة لقهر الروم فى الشام ومع نظرائهم الذين كانوا خاضعين لقهر الفرس فى مشرق الدولة الاسلامية ، لقد خاطبتهم الدولة الاسلامية فى هذه المراسلات ، ولم تكتف بمخاطبة كسرى الفرس الساسانيين ، هكذا بدأت " الاشارات والتنبيهات " فى السياسة الخارجية لدولة النبوة ، مخاطبة أهالى المستعمرات مباشرة ، اعلانا عن ضرورة استقلالهم عن الفرس والروم ، وحتمية تحررهم من القهر الاستعمارى الى عانوا منه ويعانون ، والعام التالى لبدء هذه السياسة الخارجية سنة ( 8 هجرية / 629 م ) قد شهد أولى غزوات دولة النبوة ضد احتلال الرومان لأرض العرب فى الشام الكبير ، فكانت غزوة " مؤتة " ببلقاء لشام ، كما كانت غزوة تبوك سنة 9 هجرية / 630 م ) وهى آخر غزوات دولة النبوة ، ففى رسالته الى هرقل الروم البيزنطيين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الاسلام وحذره من الاثم الذى يرتكبه وترتكبه دولته وكنيسته الملكانية فى حق رعاياه من النصارى الموحدين " الأريسيين " أتباع " آريوس " ( 270 – 336 م ) الرافضين لتأليه المسيح ولعقائد الصلب والتثليث ، كما دعاه فى هذه الرسالة الى أن يخلى بين الفلاحين وبين حرية الاعتقاد ليدخل الى الاسلام منهم من يشاء بالحرية والاختيار ، وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته الى " كسرى أبرويز " ( 590 – 628 م ) عظيم الفرس الساسانيين ، فكما خاطبت هذه الرسائل مباشرة المقوقس – عظيم القبط بمص وقادة قبائل غساسنة الشام وشيوخها ، خاطبت مباشرة شيوخ قبائل المناذرة فى العراق والبحرين واليمامة وعمان والخليج ، وكذلك كانت المراسلات مع قادة عرب اليمن ، الذين ابتلوا باستعمار الفرس والأحباش فى كثير من الأحايين ، وهذه الاعلانات التى أفصحت عنها كتب الرسول صلى الله عليه وسلم ورسائله هى التى جسدتها وطبقتها بالفتوحات الاسلامية دولة الخلافة الرشيدة فى عهدى أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى 11 هجرية ، فلم يغادر هذه الدنيا حتى أعلنت السياسة الخارجية لدولته " الاعلان العالمى للحرية الدينية والسياسية للأمم والقبائل والشعوب ، فلما جاءت دولة الخلافة الرشيدة السالكة طريق دولة النبوة فتحت فى ثمانين عاما أوسع مما فتح الرومان فى ثملنية قرون ، وكان فتحها فتح تحرير الأوطان والضمائر والعقائد ، بينما كان فتح الرومان فتحا استعماريا كرس القهر الحضارى والدينى والثقافى والسياسى والأقتصادى فى الشرق لأكثر من عشرة قرون ، هكذا أبصرت عبقرية رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هذه الفتوحات الكبرى والمبينة ، وهى تعقد صلح الحديبية ، الذى بدا فى ظاهر شرطه جائرا بالاسلام والمسلمين ، ذلك أن هذه العبقرية كانت تنظر بنور الله سبحانه وتعالى ولقد أشارت الى هذه الفتوحات عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" اصبروا فان الله سيجعل هذا الصلح سببا الى ظهور دينه وسيجعل فيه للمسلمين فرجا " ( من مقال للدكتور محمد عمارة فى مجلة الأزهر – عبقرية تنظر بنور الله – عدد ربيع الأول 1434 / فبراير 2013  ، وهذه العبقرية التى تبصر بنور الله بدت واضحة جلية أثنا حفر الخندق ، فقد اعترضت المسلمين صخرة ، فذهب سلمان الفارسى الى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتجنبوا الصخرة ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم هوى بمعوله على الصخرة فصدر منها وهجا عاليا مضيئا يضىء جوانب المدينة ، وهتف الرسول صلى الله  عليه وسلم مكبرا فى الضربة الأولى :" الله أكبر ... أعطيت مفاتيح فارس ، ولقد أضاء لى منها قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وان أمتى ظاهرة عليها " ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم معوله وهوى به مرة ثانية فبرقت الصخرة بوهج مضىء وهلل الرسول صلى الله عليه وسلم مكبرا :" الله أكبر ... أعطيت مفاتيح الروم ، ولقد أضاء لى منها قصورها الحمراء ، وان أمتى ظاهرة عليها " ، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربته الثالثة فأضاءت وهلل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه وأنبأهم أنه يبصر قصور سوريا وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التى ستخفق فوقها اية الله يوما ، وصاح المسلمون :" هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، ولقد عاش سلمان الفارسى حتى تحققت كل هذه النبوءات .

كان الكفار بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح ، وأهل حرب ، وأهل ذمة ، وأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم وأمر أن يقاتل من نقض عهده ، ولما نزلت سورة براءة نزلت لبيان حكم هذه الأقسام ، فأمر بها أن يقاتل غيره من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ويدخلوا فى الاسلام وأمره فيها أن يجاهد الكفار ونبذ عهدهم ، وجعل أهل العهد ثلاثة أقسام : قسم أمره بقتالهم وهم الذين نقضوا عهده ولم يستقيموا له فحاربهم وظهر عليهم ، وقسما لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه فأمره أن يتم لهم عهدهم الى مدتهم ، وقسما لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه ، أو كان لهم عهد مطلق فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر فادا انسلخت قاتلهم وهى الأشهر الأربعة المذكورة " براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزى الله وأن الله مخزى الكافرين * وأذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برىء من المشركين ورسوله فان تبتم فهو خير لكم وان توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم * الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم ان الله يحب المتقين * فاذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حبث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم * التوبة 1- 5 ، بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسه هجرية ، وبعث عليا بن أبى طالب بثلاثين أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس ، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون فى الأرض ، فقرأ عليهم براءة يوم عرفة وقرأها عليهم فى منازلهم ، ولا يحججن بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، وأجل المشركين عشرين يوما من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر ،  وأنزلت آية فرض الجزية " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة 29 ، وكان هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقد الذمة وأخذ الجزية فانه لم يأخذ من الكفار جزية الا بعد نزول براءة فى السنة الثامنة من الهجرة ، فلما نزلت آية الجزية أخذها من المجوس وأخذها من أهل الكتاب وأخذها من النصارى ، وبعث معاذا رضى الله عنه الى اليمن فعقد لمن لم يسلم من يهودها الذمة وضرب عليهم الجزية ولم ياخها من يهود خيبر وظن بعض الغالطين المخطئين أن هذا حكم مختص بأهل خيبر وأنه لايؤخذ منهم جزية وان أخذت من سائر أهل الكتاب ، وهذا من عدم الفقه فى السير والمغازى ، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم وصالحهم على أن يقرهم فى الأرض ما شاء ولم تكن الجزية نزلت بعد فسبق عقد صلحهم واقرارهم فى أرض خيبر ونزول الجزية ، ثم أمره الله تعالى أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فلم يدخل فى هذا يهود خيبر أنذاك لأن العقد كان قديما بينه وبينهم على اقرارهم وأن يكونوا عمالا فى الأرض بالشطر فلم يطالبهم بشىء غير ذلك وطالب سواهم من أهل الكتاب ممن لم يكن بينه وبينهم عقد كعقدهم بالجزية كنصارى نجران ويهود اليمن وغيرهم ، فلما أجلاهم عمر الى الشام تغير ذلك العقد الذى تضمن اقرارهم فى أرض خيبر وصار لهم حكم غيرهم من أهل الكتاب ، وكان نزول الجزية عام تبوك بعد خيبر بثلاثة أعوام  ، لما نزلت الجزية أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثلاث طوائف : من المجوس واليهود والنصارى ، ولم يأخذها من عباد الأصنام فقيل لا يجوز أخذها من كافر غير هؤلاء ، ويقولون انما لم يأخذها من مشركى العرب لأنها انما نزل فرضها بعد أن أسلمت دارة العرب ولم يبق يها مشرك ولهذا غزا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفتح تبوك وكانوا نصارى ، قالوا وقد أخذها من المجوس وليسوا بأهل كتاب ، ولا يصح أنه كان لهم كتاب ورفع ولا فرق بين عباد النار وعباد الأصنام بل أهل الأوثان أقرب حالا من عباد النار وكان فيهم من التمسك بدين ابراهيم ، فاذا أخذت منهم الجزية فأخذها من عباد الأصنام أولى ، وعلى ذلك تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه فى صحيح مسلم أنه قال :" اذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى احدى خلال ثلاث وأيتهن أجابوك اليها فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم أمره أن يدعوهم الى الاسلام أو الجزية أو يقاتلهم ، وقال المغيرة لعامل كسرى :" أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله أو تؤدوا الجزية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش :" هل لكم فى كلمة تدين لكم بها العرب وتؤدى اعجم اليكم بها الجزية " ، قالوا :" ما هى ؟" ، قال :" لا آله الا الله " ، ولما كان فى مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك أخذت " خيلة أكيدر دومة " فصالحه على الجزية وحقن له دمه ، وصالح أهل نجران من النصارى على ألفى حلة ، النصف فى صفر والبقية فى رجب يؤدونها الى المسلمين ، وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون بها حتى يردها عليهم ان كان باليمن كيدة أو عذرة ، على أن لا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قسا ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا ربا ، وفى هذا دليل على انتقاض عهد الذمة بأحداث الحدث وأكل الربا اذا كان مشروطا عليهم ، ولما وجه معاذا الى اليمن أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا أو قيمته من المعارى ، وهى ثياب تكون باليمن ، وهذا دليل على أن الجزية غير مقدرة الجنس ولا القدر بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا وتزيد وتنقص حسب حاجة المسلمين واحتمال من تؤخذ منه وحاله فى الميسرة وما عنده من المال ، ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه فى الجزية بين العرب والعجم بل أخذهل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى العرب وأخذها من مجوس هجر وكانوا عربا فان العرب أمة ليس لها فلا الأصل كتاب وكانت كل طائفة تدين بدين من جاورها من الأمم فكانت عرب البحرين مجوسا لمجاورتها فارس ، وتنوخ وبهرا وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم الروم ، وكانت قبائل من اليمن يهود لمجاورتهم ليهود اليمن فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الجزية وقوله لمعاذ :" خذ من كل حالم دينارا " دليل على أنها لا تؤخذ من صبى ولا امرأة ، وأكثر من أخذ منهم النبى صلى الله عليه وسلم الجزية العرب من النصارى واليهود والمجوس وكا يعتبرهم بأديانهم لآبائهم .

استقرار الرسول صلعم فى المدينة -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 17 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 17 )
استقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة 

لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده المؤمنين وألف بين قلوبهم بعد العداوة والأحن التى كانت بينهم " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " آل عمران 103 ، فمنعته أنصار الله وكتيبة الاسلام وبذلوا نفوسهم دونه وقدموا محيته على محبة الآباء والأزواج وكان أولى بهم من أنفسهم ، رمته العرب واليهود عن قوس واحد وشمروا لهم عن ساق العداوة  والمحاربة ، وصاحوا بهم من كل جانب والله سبحانه يأمرهم بالصبر والتقوى الرباط يقول الله سبحانه وتعالى " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " آل عمران 200  ، وقويت شوكتهم واشتد الجناح فاذن لهم حينئذ فى القتال ولم يفرضه عليهم فقال " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير " الحج 38 ، وقالت طائفة أن هذا الأذن كان بمكة ، وهذا غلط لوجوه أحدها أن الله لم يأذن بمكة فى القتال ، ولا كان للمسلمين شوكة يتمكنون بها من القتال بمكة ، الثانى أن سياق الآية يدل عى أن الاذن بعد الهجرة واخراجهم من ديارهم  بغير الحق الا أن يقولوا ربنا الله وهؤلاء هم المهاجرون ، قال العوفى عن ابن عباس نزلت فى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم حين أخرجوا من مكة وقال مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف كابن عباس وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم هذه أول آية نزلت فى الجهاد واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية ، وهذا الجهاد فى سورة الحج يدخل فيه الجهاد بالسيف ، أم فى مكة " فلا تطع الكافرين وجاهدهم به ( أى القرآن ) جهادا كبيرا " الفرقان 52  وهذه سورة مكية والجهاد فيها هو التبليغ وجهاد الحجة ، بعد آية الجهاد أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم وصية لأصحابه " انطلقوا باسم الله ولا تقتلوا شيخا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ، ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا .... ان الله يحب المحسنين " ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بالاضافة لنهيه عن قتل النساء والولدان كان اذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله ويقول :" سيروا باسم الله وفى سبيل الله واتلوا من كفر بالله ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا " ، وكان ينهى عن السفر بالقرآن الى أرض العدو ، وكان ينهى فى مغازيه عن النهبة والمثلة ، وقال :" من انتهب نهبة فليس منا " ، ذكر أبوداود عن رجل من الأنصار قال :" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد وأصابوا غنما فانتهبوها ، وان قدورنا لتغلى اذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال :" ان النهبة ليست بأحل من الميتة ليست بأهل من النهبة ، وكان ينهى أن يركب الرجل دابة من الفىء حتى اذا أعجفها ردها فيه وأن يلبس الرجل ثوبا من الفىء حتى اذا أخلقه رده فيه ولم يمنع من الانتفاع به حال الحرب ، وكان يشدد فى الغلول جدا ويقول :" هو عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة " ، وتوفى رجل يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال :" ان صاحبكم غل فى سبيل الله شيئا ففتشوا متاعه فوجدوا خرزا من خرز يهود لا يساوى درهمين ، ولما فرض الجهاد وحث عليه الاسلام قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، نختار منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" غدوة فى سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه وتعالى :"  أيما عبد من عبادى خرج مجاهدا فى سبيلى ، ابتغاء مرضاتى ضمنت له أن أرجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة وان قبضته أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين كل درجتين كما بيت السماء والأرض ، فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فانه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوق عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة " ، وذكر ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أرسل بنفقة فى سبيل الله وأقام فى بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ، ومن غزا بنفسه فى سبيل الله وأنفق فى وجهه ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم ثم تلا هذه الآية " مثل الذين ينفقون أمواله فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " البقرة 261، وقال :" من أغبرت قدماه فى سبيل الله حرمهما الله على النار " ، وذكر الامام أحمد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله علي وسلم :" من أغبر قدماه فى سبيل الله ساعة من نهار فهما حرام على النار " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أغبرت قدماه فى سبيل الله ساعة من نهار فهما حرام على النار " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من جرح جراحة فى سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء ، له نور يوم القيامة لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك يعرفه بها الأولون والآخرون ، ويقولون فلان عليه طابع الشهدء " ، وذكر ابن ماجه عن الرسول صلى الله عليه وسلم :" من راح روحة فى سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من البار مسك يوم القيامة " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" رباط يوم فى سبيل الله خير من الدنيا وما عليها " ، وقال رسول الله عليه وسلم :ط ما من ميت يموت الا ختم على عمله ا من مات مرابطا فى سبيل الله فانه ينمو له عمله الى يوم القيامة وأمن من فتنة القبر " ، وذكر الترمذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رابط ليلة فى سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله ، وحرمت النار على عين سهرت فى سبيل الله " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان الله يدخل بالسهم الواحد الجنة صانعه يحتسب فى صنعته الخير ، والممد به ، والرامى به " ، وعند ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من تعلم الرمى فتركه فقد عصانى " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من مات ولم يغز ولم يحدث بغزو مات على شعبة من نفاق " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اذا ضن الناس بالدينار والدرهم ويبايعوا بالعين وأتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد فى سبيل الله أنزل الله بهم بلاءا فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم " ، وصح عنه أنه قال لعبد الله بن عمرو :" ان قاتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا ، وان قاتلت مرائيا مكاثرا بعثك الله مرائيا مكاثرا يا عبد الله بن عمرو على أى وجه قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والذى نفسى بيده لا يكلم أحد فى سبيل الله والله أعلم بمن يكلم فى سبيله الا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان للشهيد عند الله خصالا : أن يغفر له من أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلية الايمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج أثنتين وسبعين من الحور العين ، ويشفع فى سبعين انسانا من أقاربه " ذكره أحمد وصححه الترمذى ،   وكان هديه فى الأسارى يمن على بعضهم ويقتل بعضهم ويفادى بعضهم بالمال وبعضهم بأسرى المسلمين وقد فعل ذلك كله بحسب المصلحة ، ففادى أسارى بدر بمال ، وأسر ثمامة بن أثال سيد بنى حنيفة فربطه بسارية المسجد ثم أطلقه فأسلم ، وفدى رجلين من المسلمين برجل من عقيل ، وقتل عقبة بن أبى معيط من الأسرى ، وقتا النضر بن الحرث لشدة عداوتهما لله ورسوله ، وذكر الامام أحمد عن ابن عباس قال :" كان ناس من الأسرى لم يكن لهم مال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة  ، وهذا يدل على جواز الفداء بالعمل كما يجوز بالمال ، وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن من أسلم قبل الأسر لم يسترق ، ولما قسم سبايا بنى المصطلق وقعت جويرية بنت الحرث فى السبى لثابت بن قيس بن شماس فكاتبته على نفسها ففض رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها فأعتق بتزويجه اياها مائة من أهل بنى المصطلق اكراما لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنع التفريق فى السبى بين الوالدة وولدها ويقول :" من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " ، وكان يؤتى بالسبى فيعطى أهل البيت جميعا كراهية أن يفرق بينهم ، وكانت تقدم عليه رسل أعدائه وهم على عداوته فلا يهيجهم ولا يقتلهم ، ولما قدم عليه رسولا مسيلمة الكذاب وهما  عبد الله بن النواحة وابن أثال قال لهما :" فما تقولان أنتما " ، قالا :" نقول كما قال " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " ، فجرت سنته أن لايقتل رسولا ، وكان هديه أيضا أن لايحبس الرسول عنده اذا اختار دينه ويمنعه اللحاق بقومه بل يرده اليهم ، كما قال أبو رافع :"بعثتنى قريش الى النبى صلى الله عليه وسلم فلما أتيته وقع فى قلى الاسلام فقلت :" يا رسول الله لا أرجع اليهم ، فقال :" انى لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد  ( بضم الباء تعنى الرسل )  ، ارجع اليهم فان كان فى قلبك الذى فيه الآن فارجع " ، قال أبو داود وكان هذا فى المدة التى شرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد اليهم من جاء منهم وان كان مسلما وأما اليوم فلا يصلح هذا ، وفى قوله لا أحبس البرد ( أى الرسل ) اشعاربأن هذا الحكم يختص بالرسل مطلقا ، وأما الرسل فلهم حكم آخر فهو لم يتعرض لرسل مسيلمة الكذاب ، وقد سبق الاسلام كل المواثيق الدولية والقوانين الدولية التى سعت اليها المجتمعات الحديثة ، خصوصا فى القرن العشرين والقرن الحادى والعشرين والتى تسعى جميعها لوضع القواعد والمبادىء والنظم التى يمكن أن تخفف عن البشرية ويلات الحرب ، فى السنوات الست الأولى فرضت قريش وحلفاؤها من الأعراب واليهود على الدولة الاسلامية الوليدة أغلب وأكبر وخطر الحروب والغزوات ، احدى وعشرين غزوة من ثمان وعشرين ! هى مجموع الغزوات ! ، وثبت المسلمون فى مجتمعهم الاسلامى ، والرسول صلى الله عليه وسلم يرسى أركان الدولة فى مختلف المجالات ، وكان هو رجل الدولة ، وكان رجل السياسة بكل معانيها وأركانها كما تعرضنا لها فى تعريفاتها المختلفة ، وكانت الدولة وكان القائد وكان مجتمع المؤمنين ، وكان الدستور الحاكم وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونلاحظ أن الأحداث فى المدينة كانت متلاحقة سريعة ، فى كل الاتجاهات ، وتقريبا فان آيات التشريع فى القرآن الكريم كلها مدنية ، حيث لاتشريع بدون مجتمع ودولة ، على عكس الوضع الذى كان قائما فى مكة ، مجتمع الكفار والمشركين ، يعيش فيه أفراد قلائل من المؤمنين ، يتعرضون للعذاب ومحاولة القضاء عليهم ، ومجتمع اسلامى ، يخوض حرب البقاء ضد الكفار ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحفاظ على العهود :" من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقده ولا يشدها حتى يمضى أمده أو ينبذ اليهم على سواء " ، وقال :" من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا برىء من القاتل " ، وقال :" ما نقض قوم العهد الا أديل عليهم العدو " ، وقال:" لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به بقدر غدرته ، يقال هذه غدرة فلان بن فلان "، ولما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفار معه ثلاثة أقسام – قسم صالحهم ، وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة ، وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه بل انتظروا ما يؤول اليه أمر أعدائه ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره فى الباطن ، ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وانتصارهم ، ومنهم من دخل معه فى الظاهر ، وهو مع عدوه فى الباطن ليأمن الفريقين ، وهؤلاء هم المنافقون ، فعامل كل طائفة من هذه الطوائف بما أمره به ربه يبارك وتعالى .

حاربه بنو قينقاع بعد بدر بعد أن أظهروا البغى والحسد ، وكانوا أشجع يهود المدينة ، وكان حامل لواء المسلمين يومئذ حمزة بن عبد المطلب ، وحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة عشر ليلة ، وهم أول من حارب من اليهود ، وتحصنوا فى حصونهم ، فحاصرهم أشد الحصار وقذف الله فى قلوبهم الرعب ، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلم عبد الله بن أبى فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألح عليه فوهبهم له وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها فخرجوا الى أذرعات الشام ، ثم نقض العهد بنو النضير ، قال البخارى كان ذلك بعد بدر بستة أشهر ، قال عروة أنه صلى الله عليه وسلم خرج اليهم فى نفر من أصحابه وكلمهم أن يعينوه فى دية الكلابيين الذين قتلهم عمرو بن أمية الضمرى فقالوا نفعل يا أبا القاسم اجلس هنا حتى نقضى حاجتك ، فتآمروا بقتله وقالوا أيكم يأخذ هذه الرحا ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ، فقال أشقاهم عمرو بن جحاش أنا فقال لهم سلام بن مشكم لاتفعلوا فو الله ليخبرن بما هممتم به وانه لنقض للعهد الذى بيننا وبينه ، وجاء الوحى على الفور اليه من ربه بما هموا به فنهض مسرعا وتوجه الى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا نهضت ولم نشعر بك فأخبرهم بما همت يهود به وبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرجوا من المدينة ولا تساكنونى بها وقد أجلتكم عشرا فمن وجد بعد ذلك بها ضربت عنقه ، ولكن المنافق عبد الله بن أبى أوهم أن غطفان سوف تساندهم فلم يغادروا ، فحمل اللواء على بن أبى طالب ، وأجلوا الى خيبر وأستولى على أرضهم وديارهم ، وبنو قريظة كانوا أشد اليهود عداوة وتم اجلاؤهم بعد موقعة الخندق ، وهكذا تطهرت المدينة من الغادرين من اليهود .

وفى ذى القعدة من السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى 1400 من صحابته ، قاصدين مكة المكرمة لأداء العمرة ، لايريدون حربا وليس معهم من السلاح الا السيوف فى أغمادها .... وانما يسوقون "الهدى " ... وهم محرمون ، ولقد رمى الرسول صلى الله عليه وسلم بنداء السلام وحباله الى قريش ، العدو الرئيسى للاسلام ودولته ، وقتح أمامهم بابه فقال :" لا تدعونى قريش اليوم الى خطة يسألونى فيها صلة رحم الا أعطيتهم اياها " ، لكن قريشا أعترضت طريق المسلمين المسالمين ، ورفضت دخولهم مكة معتمرين ، ودارت مفاوضات بين المشركين والمسلمين " عند الحديبية " ، انتهت الى ما سمى بصلح الحديبية ، والاتفاق على 1-) رجوع المسلمين الى المدينة ، دون أن يدخلوا مكة ، هذا العام 2-) وأن يعودوا الى مكة معتمرين فى العام القادم . 3-) وأن يخلى المشركون لهم مكة ثلاثة أيام خلال وجودهم فيها معتمرين . 4-) وأن تضع الحرب بين الطرفين أوزارها مدة عشر سنوات " يتداخل فيها الناس ، ويأمن بعضهم بعضا " . 5-) وأن يرد المسلمون الى قريش من يسلم منهم ويهاجر الى المدينة ... دون أن ترد قريش الى المسلمين من يكفر ويغادر المدينة الى مكة ! 6-) وأن يشمل الأمن والأمان والعهد حلفاء الفريقين من القبائل العربية، ولقد رفضت قريش الاعتراف فى نص المعاهدة بلفظ الجلالة ، عنوان التوحيد الاسلامى ، والاعتراف بمحمد صلى الله عليه وسلم كرسول الله !

وصالح قريشا على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين على أن من جاءه منهم مسلما رده اليهم ومن جاءهم من عنده لايردونه اليه ، وكان اللفظ عاما فى الرجال والنساء فنسخ الله ذلك فى حق النساء وأبقاه فى حق الرجال وأمر الله نبيه والمؤمنين أن يمتحنوا من جاءهم من النساء وان علموها مؤمنة لم يردوها الى الكفار " يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنونهن الله أعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وأتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن اذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم ولبسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم  والله عليم حكيم " الممتحنة 10 ، وفيه دليل على تحريم نكاح المشركة على المسلم كما حرم نكاح المسلمة على الكافر ، ولقد رأى كثير من المسلمين يومئذ فى هذه الشروط تنازلات كبيرة من الحق للباطل ، لكن عبقرية الاستراتيجية السياسية ، بل والحربية ، فضلا عن الدعوية جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يقول لأصحابه :" اصبروا ، فان الله يجعل هذا الصلح سببا الى ظهور دينه ، وسيجعل فيه للمسلمين فرجا وقد كان ، يقول ر. ف . بودلى ( كلونيل أمريكى درس حياة النبى صلى الله عليه وسلم وألف كتابا فى ذلك ، وهذا نقلا عن ملحق مجلة الأزهر عن شهر ربيع الأول 1434 / فبراير 2013 ) من الحوادث التى تناولها  هذا المؤلف بالبحث والتحليل " صلح الحديبية " عام 628 م الذى وصفه بأنه نصر سياسى ودبلوماسى لنبى الاسلام جدير بالاعجاب والتسجيل ... وفى هذا الصدد كتب بودلى يقول :" وجد النبى بعد خروجه من مكة أن الأمل فى الاتفاق مع القرشيين ضعيف ، وأضعف منه أن يأخذ مكة بقوة السلاح ، لهذا سعى لتوطيد سلم بين مكة ومحمد بطريقة لا تجرح المسلمين ، وقد واتت محمدا فكرة بديعة هى أن يأخذ رجاله ، غير مسلحين ، ويشترك فى الحج السنوى وسيأمنون الغدر بهم لأنهم سيكونون فى الأسهر الحرم ، وفى فبراير سنة 628 م أجتمع خارج المدينة ألف وخمسمائة من حجاج المسلمين فى ثياب الأحرام البيض ، وتحركوا الى مكة حتى بلغوا مشارفها ، وضربوا خيامهم ، وتربص محمد ليرى كيف يتصرف القرشيون ، ولم يكن هؤلاء ينوون الاذعان بسهولة لهذه الجرأة فبعثوا الى النبى يفاوضونه فى أن يرجع هذا العام ويعود فى العام التالى فيحج الى الكعبة ، وانتهت المفاوضات بين الطرفين بعقد هذه المعاهدة فى مارس سنة 628 م ، وبمقتضى هذه المعاهدة بين محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو ، يتفق الطران على أن يعود محمد ورجاله فورا الى المدينة ، ويؤذن لهم بالرجوع فى العام التالى للحج ، وستخصص لهم ثلاثة أيام يؤدون فيها فرائضهم حول الكعبة وفى هذه الفترة يخلى القرشيون مكة ، ويعسكرون خارج أسوارها ، وسيكون على الحجيج من أتباع محمد أن بكزنوا غير مسلحين الا بالسيوف المغمدة التى يؤذن للراحلين بحملها للدفاع عن النفس ، وتدوم هذه المعاهدة عشر سنوات ، تجرى فيها قوافل الطرفين فى أرض مكة والمدينة بسلام ، ويعاد الى مكة كل المكيين الذبن يلجأون الى المدينة بقصد الاسلام دون موافقة عائلاتهم على ذلك ، ولا شك أن هذه المعاهدة كانت أعظم نصر دبلوماسى حقيقى لمحمد ، ففيها اعتراف به كزعيم لجماعة كبيرة من العرب لها حساب ، ولها قوة وحقوق ، وامضاء المعاهدة معه بهذا الوصف بعد طول الطراد والنزال نصر وأى نصر ، وكان محمد يتطلع الى أبعد من ذلك كان يرى المعاهدة مقدمة لها ما بعدها ، فان مجرد استطاعته وضع قدمه فى مكة كفيل بأن يبقيه فيها أبد الآبدين "

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 16 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 16 )

                  استقبال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم عند مقدمه للمدينة .

  اضمر بعض اليهود سوءا للدعوة الاسلامية منذ وصول الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، فبينما كان المسلمون من الأ,س والخزرج ينتظرون قدوم النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن ترامت الأخبار الى مسامعهم بهجرته اليهم صاح بهم يهودى وقد لمح الركب النبوى :" يا بنى قيلة هذا جدكم قد جاء " ( نسب الأوس والخزرج يرجع الى أب وجد واحد الى أمهم " قيلة بنت بن عذرة " ولذا كانوا يسمون بأبناء قيلة ) ، وأخرج البخارى فى حديث الهجرة " أن المسلمين فى المدينة حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة كانوا يخرجون كل غداة الى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما الى أهليهم بعد أن طال انتظارهم فلما آوو الى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته :" يا معشر العرب هذا جدكم الذى تنتظرونه ، فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة " ، واشترك اليهود فى مجموعهم مع المهاجرين والأنصار فى حسن استقبال صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم ، وقد حدثت الأخبار الصحيحة أن بعض اليهود قد تنكر للدعوة الاسلامية وتوجس خيفة من صاحبها صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول من الهجرة ، فعن صفية بنت حيى بن أخطب رضى اله عنها قالت :" كنت أحب ولد أبى اليه ، والى عمى أبى اسر لم ألقهما فى ولد لهما قط وأهش اليهما الا أخذانى دونه ، فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم ونزل قباء فى بنى عمرو بن عوف غدا اليه أبى وعمى أبو ياسر مغلسين قالت :" فوالله ما رجعا الا مع مغيب الشمس ، قالت :" فرجعا الينا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ، فهششت اليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر الى واحد منهما ، مع ما بهما من الغم قالت :" وسمعت عمى أبا ياسر يقول لأبى :" أهو هو ؟ " ، قال :" نعم والله " ،قال :" أتعرفه بنعته وصفته ؟" ، قال :" نعم والله " ، قال :" فماذا فى نفسك منه ؟ ، قال :" عداوته والله ما بقيت " سيرة ابن هشام ج 2 ، وذكر موسى بن عقبة عن الزهرى أن أبا ياسر بن أخطب لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب اليه وسمع منه وحادثه ، ثم رجع الى قومه فقال :" يا قوم أطيعونى فان الله قد جاءكم بالذى كنتم تنتظرونه فاتبعوه ولا تخالفوه " ، فانطلق أخوه حيى بن أخطب فجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، ثم رجع الى قومه وكان فيهم مطاعا فقال :" أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا أبدا " ، فقال له أخوه ياسر :" يا أبن أمى أطعنى فى هذا الأمر ، واعصنى فيما شئت بعده لا تهلك " ، قال :" لا والله لا أطيعك أبدا " ، واستحوذ عليه الشيطان واتبعه قومه على رأيه  قلت :" أما أبو ياسر فلا أدرى ما آل اليه أمره ، وأما حييى فشرب عداوة النبى صلى الله عليه وسلم ولم يزل ذلك رأيه حتى هلك .

 الأمر الآخر كان بعد ستة عشر شهرا من مقدمه الى المدينة قبل وقعة بدر بضهرين فقد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حين قدم المدينة ستة عشر شهرا  ، وكان فى جعل القبلة الى بيت المقدس ثم تحويلها الى الكعبة حكم عظيمة : فانها القبلة التى تليق بهم وهم أهلها لأنها أوسط الأمم كما أختارلهم  أفضل الرسل وأفضل الكتب وأخرجهم فى خير القرون وخصهم بأفضل الشرائع ومعهم خير الأخلاق وأسكنهم خير الأرض وجعل منازلهم فى الجنة خير المنازل وموقفهم يوم القيامة خير المواقف ، فأتم الله نعمته عليهم مع القبلة بأن شرع لهم الآذان فى اليوم والليلة خمس مرات وزادهم فى الظهر والعصر والعشاء ركعتين أخرتين بعد أن كانت ثنائية ، فكل هذا كان بعد مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ،  وبلغ أصحابه بالحبشة هجرته الى المدينة فرجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ، فحبس منهم بمكة سبعة وانتهى بقيتهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم هاجر بقيتهم فى السفينة عام خيبر سنة سبع  ، عشر سنوات هى عمر الدولة الاسلامية على عهد النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة ،   يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة فيصدر " اعلانه الشهير " ، الذى يبرز عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم ، رجل السياسة والمواثيق والمعاهدات ، اورد ابن اسحاق نصا طويلا أطلق عليه اسم "صحيفة " لايوازيه فى طوله الا معاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل نجران ، كتاب فى تنظيم أحوال أهل المدينة وعلاقتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع بعضهم وقد نقله كذلك أبو داود فى السنن وأبو عبيد القاسم بن سلام فى الأحوال ، وابن سعد فى الطبقات وغيرهم كثير ، وروى ابن الأثير أن الصحيفة اصدرها الرسول صلى الله عليه ةوسلم فى اجتماع فى بيت أنس بن مالك ، ولابد أن الصحيفة كانت صادرة بعد الهجرة بزمن قليل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم انشغل على أثر الهجرة بمعالجة استقرار المهاجرين ، وآخى بين الأوس والخزرج ، ومن المعلوم أن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود  ابان الأشهر الأولى من الهجرة كانت سليمة ، وكانت هناك المعاملات فى الأسواق ، وكانت القبلة نحو بيت المقدس ، وصام المسلمون فى عاشوراء ، وهو يوم صلاة اليهود ،  وهذا الزمن لم يدم طويلا ،وقد أضمر بعض اليهود سوءا للدعوة الاسلامية منذ وصول الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، ومع ذلك تغاضى عن عداوة هذا البعض دون أن يجهلها ، وعمل على نشر روح التعاون والمودة مع اليهود فتحدث الى رؤسائهم وتحدثوا اليه وتقرب منهم وتقربوا منه ، وأباح للمسلمين أن يؤاكلوهم وأن يتزوجوا من نسائهم ، وفرح اليهود عندما رأوا النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين يستقبلون فى صلاتهم بيت المقدس ، الذى هو قبلة بنى اسرائيل فى صلاتهم ،وقد أراد النبى صلى الله عليه وسلم بجانب حسنمعاملته لهم أن يزيد فى أسباب التعاون وتبادل المنافع معهم فعقد بينه وبينهم معاهدة عادلة أو أصدر صحيفة ، والبنود الكثيرةالتى تعالج أمور السلم والحرب توحى أن الصحيفة صدرت بعد سرية نخلة التى كانت المرحلة الأولى من توجه الرسول صلى الله عليه وسلم لمقاتلة مشركى قريش ، وقد أعقبتها معركة بدر التى كانت أول قتال مسلح للرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة ، وقد أبرز هذا القتال الحاجة الى تنظيم العلاقات القتالية مع اليهود ، عالجت الصحيفة قضايا تنظيمية وادارية ولم تمس العقيدة والدين ، وهذه الصحيفة فى أوائل الهجرة الأولى تدل على فكرة التعايش ورغبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى مسالمة غير المسلمين ، وقد جاء فى نصوص الصحيفة ( وقد يسميها البعض معاهدة ) ما يلى : 1-) أن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، موليهم وأنفسهم . 2-) وأن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم . 3-) وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة . 4-) وأن بينهم النصح النصيحة ، والبر دون الأثم . 5-) وأنه لا يأثم أمرؤ بحليفه . 6-) وأن النصر للمظلوم . 7-) وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين . 8-) وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة . 9-) وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أوشتجار يخاف فساده فان مرده الى الله ، والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . 10-) وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها . 11-) وأن بينهم النصر على من دهم يثرب .. على كل أناس حصتهم من جانبهم الذى قبلهم . 12-) وأنه يحول هذا الكتاب دون ظلم أو أثم .

والوثيقة أقتصرت على ذكر المجموعات من العشائر وعلى اليهود ، فلم تذكر غيرهم من المجموعات الدينية بمن فيهم النصارى والصابئين والمجموعات التى ذكرها القرآن مما يدل على أنهم لم يكن لهم دور فاعل فى المدينة فى هذه الفترة المبكرة من الهجرة ، ولم يرد فى الوثيقة اسم شخص أو منصب محدد مما يشير الى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يهتم بالجماعة والأمة من دون الأشخاص ، ولم تذكر هذه الوثيقة يهود بنى قينقاع أو بنى النضير أو بنى قريظة وهذه المعاهدة التى عقدها النبى صلى الله عليه وسلم بين طوائف اليهود قد تضمنت كثيرا من المبادىء السامية ، والأسس التى يجب أن تقوم عليها العلاقات ين الأمم ، وهذه بعض الأمور التى يمكن أن تستخلص منها 1-) نصت المعاهدة على كفالة الحرية الدينية لليهود ، وأباحت لهم أن يقوموا بأداء شعائر دينهم ، بدليل أن من بين بنودها " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ) 2-) فى المعاهدة روح اجتماعية عالية فهى تقرر أن من الف نصا من نصوصها واعتدى على أحد ممن تكفل لهم الأمن والسلامة فان أهل الصحيفة كلهم حرب عليه ، وفى ذلك اعتراف صريح بشخصية الجماعة ، وأن لها حقوقا على الأفراد وعليها واجباتةنحوهم ، وان سلامة المدينة يشترك فى تحقيقها جميع سكانها . 3-) المعاهدة تنطق برغبة المسلمين فى التعاون الصادق مع اليهود من أجل نشر الطمأنينة والأمن فى المدينة والضرب على أيدى العادين ومدبرى الفتنة أيا كان دينهم أو جنسهم بدون تفرقة أة تمييز بين أحد واذا حصل عدوان خارجى على المدينة فالمسلمون واليهود يشتركون فى الدفاع عنها .4-) اشتملت المعاهدة على كثير من المبادىء الانسانية السامية كنصرة المظلوم وحماية الجار ورعاية الحقوق الخاصة والعامة والتعاون على دفع الدية ةافتدء الأسرى ومساعدة المدين الى غير ذلك من المبادىء التى تشعر أبناء البلدة الواحدة كأنهم أسرة واحدة . 5-) نصت المهاهدة على ما كان بين المسلمين وبين قريش من عداوة حينئذ وحرمت على من اشترك فيها من مسلمين أو يهود موالاة قريش أو مناصرتها أو ايواء أحد منها وأن من فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل . 6-) نصت الصحيفة على وجوب اشتراك اليهود مع المسلمين فى دفع ما عليهم من نفقات فى حالة الحرب ، كما نصت على وجوب مؤازرتهم ومناصرتهم للمسلمين بكل طريقة ممكنة ، فقد جاء فيها " وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين  وأن بينهم النصر على من حارب أهل الصحيفة وأن بينهم النصر على من دهم يثرب " . 7-) نصت الصحيفة على أن كل أمر يختلف فيه أهلها يكون مرد الحكم فيه الى النبى صلى الله عليه وسلم لأنه صاحب السلطة العليا فى المدينة . 8-) تضمنت الصحيفة أن من ارتكب اثما يوجب عقوبة نفذت عليه ، وأن اشتراكه فى هذه الصحيفة لا يعفيه من العقوبة ، ومن بين نصوصها " وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم " . 9-) من المكاسب التى نالها المسلمون عن طيق هذه الصحيفة أنهم أصبحوا أمام عدو واحد هو قريش ، لأن الصحيفة أمنتهم جانب اليهود لو أنهم – أى اليهود _ حافظوا على ما اشتملت عليه من مبادىء ولم ينقضوها بعد زمن قليل من كتابتها . 10-) ومن المكاسب التى ظفر بها اليهود بسبب هذه المعاهدة حماية المسلمين لهم من أى اعتداء عليهم ، فقد نصت المعاهدة على " أنه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم " ولكن اليهود لم يحافظوا على هه المكاسب لعدم وفائهم بعهودهم . وقد علق الأستاذ عبد الرحمن عزام " فى كتاب الرسالة الخالدة " على هذه الصحيفة بقوله ( هذه المعاهدة من أنفس العقود الدولية وأمتعها وأحقها بالنظر والتقدير من كافة الناس وما أولاها بأن تكون نبراسا للمسلمين فى أصول العلاقات الدولية بينهم وبين مخالفيهم من أهل الأديان الأخرى ، هذا فضلا عن أن عقدها ابتدأت به الدولة الاسلامية  حياتها وابتدأ الاعتراف بالمسلمين كدولة . هذه المعاهدة تعاقد فيها المسلمون مع غيرهم من أهل الديانات الأخرى ، فنشأ عن ذلك أول ميثاق  (لجمعية أمم ) أساسه النصر للمظلوم والنصح والنصيحة والبر دون الاثم ، وحرمة الأوطان المشتركة ، وحرمة من يدخل فى الميثاق ويقبل جواره على أن صان عقائد المتعاقدين وشعائهم وحريتهم ، ولقد سبق الاسلام بهذه المعاهدة عهد ( عصبة الأمم ) الحديثة بأكثر من ثلاثة عشر قرنا ، وهكذا وضع الرسول صلى الله عليه وسلم الأساس المتين للدولة العالمية وللمعاملات الدولية فى هذا الميثاق على أساس الحرية للمشتركين فيه وعلى مبدأ الاستقلال " ، ومن كل نعلم أن اليهود كانوا على علم بأخبار الدعوة الاسلامية فى مكة ، خصوصا السنوات الأخيرة التى سبقت الهجرة ، وأنهم فى مجموعهم قد استقبلوا النبى صلى الله عليه وسلم عند وصوله الى المدينة استقبالا فيه مجاملة وأن عهدا ليس بالطويل من العلاقات الهادئة بنهم وبين المسلمين قد ساد المدينة بعد الهجرة  ، وتثبت ما كانت عليه الدولة الاسلامية وهى فى المرحلة الأولى من البناء والتأسيس من حرية تامة وافساح للغير للمشاركة والمعايشة القائمة على احترام الآخر ، وكان التعايش السلمى الآمن مع من يعيش من اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين هو سمة الحياة داخل المدينة ، فبدأ التبادل التجارى بينهم حيث امتلأت أسواق اليهود فى المدينة بالمسلمين ، ومن أشهر أسواق اليهود سوق بنى قينقاع ، كما اشترى سيدنا عثمان رضى الله عنه بئر رومة من يهودى ، لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده 

المجتمع الاسلامى فى المدينة -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 15 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 15 )

                      3-) مرحلة الدولة وتكوين نواة المجتمع الاسلامى .   

  لما أراد الله تعالى اظهار دينه ساق الرسول صلى الله عليه وسلم الى الانصار فانتهى الى نفر منهم ستة وقيل ثمانية وهم يحلقون رؤوسهم عند عقبة منى أثناء موسم الحج فجلس اليهم ودعاهم الى وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا لله ولرسوله ورجعوا الى المدينة فدعوا قومهم الى الاسلام حتى فشا فيهم ولم يبق دار من دور الأنصار الا وفيه ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأول مسجد قرىء فيه القرآن بالمدينة مسجد بنى زريق ، ثم قدم مكة فى العام القابل اثنا عشر رجلا من الأنصار منهم خمسة من الستة الأولين فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء عند العقبة ثم انصرفوا الى المدينة فقدم عليه فى العام القابل منهم ثلاثة وسبعون رجلا وأمرأتان وهم أهل العقبة الأخيرة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم فترحل هو وأصحابه اليهم واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أثنى عشر نقيبا وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة الى المدينة فقدموا على الأنصار فى دورهم فآووهم ونصروهم وفشا الاسلام بالمدينة ثم أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة فخرج من مكة يوم الأثنين فى شهر ربيع الأول وقيل فى صفر وله اذ ذاك ثلاث وخمسون سنة ومعه أبو كر الصديق رضى الله عنه وعامر بن فهير مولى أبى بكر ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثى  ، وأول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم هو بناء أول مسجد فى الاسلام ، فقد بركت ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم موضع مسجده ، وكان مربدا لسهل وسهيل – غلامين يتيمين من الأنصار كانا فى حجر أسعد بن زرارة ، فساوم رسول الله صلى الله عليهوسلم الغلامين بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتاعه منهما بعشرة دنانير ، وكان جدارا ليس له سقف وفبلته الى بيت المقدس وكان يصلى فيه أسعد بن زرارة قبل مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل أساسه قريبا من ثلاثة أذرع ثم بنوه باللبن وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبنى معهم وينقل اللبن والحجارة بنفسه ويقول : اللهم لا عيش الا عيش الأخرة * فاغفر للانصار والمهاجرة ، فلما فرغ من البناء بنى بعائشة رضى الله عنها فى البيت الذى بناه لها شرقى المسجد ، وجعل لسودة بنت زمعة بيتا آخر ، ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك ، وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بالمدينة من اليهود وكتب بينه وبينهم كتابا وبادر حبرهم عبد الله بن سلام فدخل فى الاسلام وأبى عامتهم الا الكفر وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وحاربته الثلاثة ونزلت سورة الحشر فى بنى النضير وسورة الأحزاب فى بنى قريظة  ،

           علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود قبل قدومه الى المدينة 

  ان اليهود فى المدينة لم يكونوا يجهلون ظهور النبى صلى اللهة عليه وسلم فى مكة للأسباب الآتية 1-) كان بعض اليهود يأتون الى مكة لأشغال تجارية وأعمال مختلفة وأهل مكة أنفسهم كانوا يقصدون خيبر ليجلبوا منها حلى آل أبى الحقيق التى كانت نساؤهم وفتياتهم تتحلى بها حين زفافهن ، وكان سكان المدينة أيضا من الأوس والخزرج يأتون الى مكة لقصد التجارة والطواف بالكعبة وغير ذلك من أنواع الأعمال ، ولا شك أن هذه الاتصالات من تلك الأطراف كان تخللها الحديث عن الدين الجديد الذى جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . 2-) سبق لقريش خلال وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم أن بعثت " النضر بن الحارث " و " عقبة بن أبى معيط " الى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما :" سلاهما عن محمد صلى الله عليه وسلم وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله فانهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحباراليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم :" انكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا  هذا " ، فقالت لهم أحبار اليهود :" سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فان أخبركم بهن فهو نبى مرسل وان لم يفعل فالرجل متقول ، سلوه عن 1-) فتية ذهبوا فىالدهر الأول ، ما كان أمرهم فانه قد كان لهم حديث عجيب ؟ . 2-) عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ 3-) عن الروح ما هى ؟ ، فان أخبركم بذلك فاتبعوه فانه نبى وان لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا فيه ما بدا لكم " ، فانصرف " النضر بن الحارث " و" عقبة بن أبى معيط " حى قدما مكة وأخبرا قريشا بما سمعا من أحبار اليهود فجاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :" يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول وقد كانت لهم قصة عجب ، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وأخبرنا عن الروح ما هى ؟ " ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أخبركم غدا عما سألتم عنه " ولم يستثن – أى " لم يقل ان شاء الله " فانصرفوا عنه ، ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له فى لك وحي ، ولا يأتيه جبريل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا :" وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشىء عما سألناه عنه " وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاء جبريل عليه السلام من الله بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبة اياه على حزنه عليهم ، وفيها خبر ما سألوه عن أمر الفتية والرجل الطواف ، وجاءه بقوله تعالى " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا " الاسراء 85 3-) كان اليهود فى المدينة اا ما نشب بينهم وبين الأوس والخزرج نزاع هددوهم بقولهم :" ان نبينا مبعوثا الآن قد أظل زمانه ، واننا سنتبعه ، فنقتلكم معه قتل عاد وارم " ، وقد أشار القرآن الكريم الى ذلك بقوله " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " البقرة 89 ( لاستفتاح هو طلب الفتح أى النصر فقد قال تعالى " ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " الأنفال 19 ) فمعنى يستفتحون يستنصرون على المشركين اذا قاتلوهم فيقولون :" اللهم انصرنا بالنبى المبعوث فى آخر الزمان ، والذى نجد نعته فى التوراة " فلما جاءهم هذا النبى الذى استنصروا به لم يتبعوه وكفروا به فلعنة الله على الكافرين .4-) كان النبى صلى الله عليه وسلم فى السنوات القليلة التى سبقت الهجرة يلتقى خلال عرض دعوته على القبائل فى موسم الحج بأفراد من الأوس والخزرج وكان عندما يدعوهم الى الاسلام ينظر بعضهم الى بعض ويقول :" والله انه للنبى الذى تواعدكم به يهود فلا يسبقونكم اليه ".

وبعد بيعة العقبة الأولى أرسل النبى صلى الله عليه وسلم الى أهل المدينة مصعب بن عمير لكى يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم فى الدين ، فانشر الاسلام فى كثير من بيوت المدينة ، ثم كانت بعد ذلك بيعة العقبة الكبرى التى اشترك فيها اثنا عشر نقيبا من نقباء الأوس والخزرج والتى قال فيها الزعيم الخزرجى " أبو الهيثم بن النبهان " لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا رسول الله ان بيننا وبين الرجال – أى اليهود حبالا وانا قاطعوها ، فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا " ، فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال :" بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنتم منى ، وأنا أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " ( الهدم هو اهدار دم القتيل ويريد أن يقول " ان طلب دمكم فقد طلب دمى ، وان أهدر دمكم فقد أهدر دمى لاستحكام الألفة بيننا " ،والأمر الذى يهمنا هنا هو أن اليهود لم يكونوا يجهلون تلك المبايعات التى تمت ين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أهل المدينة قبل الهجرة ، ولم يكونوا غافلين عن اتجاه سير الدعوة الاسلامية صوب يثرب وانتشاها بين أهلها ، وكيف يجهلون والحال أن الاسلام لم ينتشر خفية فى المدينة ؟ ، فها هو ذا مصعب بن عمير يدعو الناس الى الله ورسوله أمام الجميع ، وها هو ذا ينتقل من حى الى حى ، ومن بطن الى بطن ، والغبطة تملأ فؤاده لأنه يرى أن الدعوة الاسلامية وجدت أرضا خصبة بين أهل المدينة وأن أتباعها فى يثرب يزداد كل يوم عددا وسلطانا ، ولكن ما هى الأسباب التى جعلت الأوس والخزرج يتقبلون دعوة الاسلام قبولا حسنا ويسارعون الى الدخول فيها بقلوب منشرحة ؟ ، ونقول ان اختلاط الأوس والخزرج بيهود يثرب كان له أثر روحى عميق فقد كان اليهود – وهم أهل كتاب ودعاة وحدانية يعيبون عليهم اتخاذهم الأوثان آلهة ، وكطانوا يتوعدونهم بظهور نبى جديد يتبعونه فيقتلونهم على يديه ، ويجعل ملك العالم تحت سلطانهم ، فهذه المناقشات الدينية – فضلا عن الفتن والحروب التى أنهكت الأوس والخزرج بسبب دس اليهود بينهم جعلت سكان يثرب يستقبلون الدعوة الاسلامية استقبالا طيبا ،ةويرون فيها وفى الداعى اليها صلى الله عليه وسلم المنقذ لهم مما هم فيه من شقاق واضطراب ، وبذلك يمكن القول بأن اليهود لم يكونوا على علم فقط بظهور النبى صلى الله عليه وسلم وبأخباره ، بل ان وجودهم بالمدينة وضواحيها كان من أهم الأسباب الت ساعدت على انتشار الاسلام فيها ، وان كان ذلك بطرية غير مباشرة ولا مقصودة منهم كما يقول الدكتور اسرائيل ولفنسون .

الرسول محمد صلعم والسياسة وقيادة الدعوة - اصطفاء الله لرشسوله محمد صلعم ( 14 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 14 )

الرسول صلى الله عليه وسلم والسياسة وقيادة الدعوة وتأسيس الدولة الاسلامية .  

 مر الرسول صلى الله عليه وسلم بمراحل حتى تأسست الدولة الاسلامية 1-) مرحلة ما قبل الدعوة .  وقد تكونت فى هذه المرحلة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم برعاية من الله ، حتى يتهيأ للدور الذى أعده له الله ، وقد تحدتث عن شخصية الرسول وأوضحت كيف كانت رعاية الله له واصطفاء الله له ليحمل الدعوة ويقود الأمة ، وهو القائل " أدبنى ربى فأحسن تأديبى " من الجامع الصغير عن ابن مسعود ، حتى فى زواجه من السيدة خديجة رضى الله عنها ، فقد تزوج من سيدة فى سن الأربعين ، وهى السن التى تتميز برجاحة العقل ، وتربى كما يجب أن تكون التربية ، وأعده الله كما يجب أن يكون الاعداد من التزام أخلاقى وحياة من الزهد والصبر ، وتحلى بالصدق والأمانة فى وسط مجتمع جاهلى ، وصفات الرسول التى خلقها الله عليها وما تحلى به من أخلاق لم تجتمع لأحد قبله ولا بعده ، حتى بلغ سن النضج وهى سن الأربعين أو الثالثة والأربعين التى أنزل عليه فيها الوحى فى غار حراء ، وكلفه الله بالرسالة " وأنزر عشيرتل الأقربين " ، فدخل مرحلة أخرى  2-) مرحلة الدعوة فى مكة .  تميزت هذه المرحلة بالصبر والثبات فى مواجهة كفار قريش ، ان أول ما أوحى الى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عند نزول الوحى عليه وهو فى غار حراء " اقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذى علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم " العلق 1-5 ، أمره أن يقرأ فى نفسه ولم يأمره اذ ذاك بالتبليغ ، ثم أنزل عليه " يا أيها المدثر * قم فأنزر * وربك فكبر * وثيلبك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر " المدثر 1-7 ، ثم أمره أن ينزر عشيرته الأقربين " فلا تدع مع الله آلها آخر فتكون من المعذبين * وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين * فان عصوك فقل انى برىء مما تعملون * وتوكل على العزيز الرحيم " الشعراء 213 – 217 ، حدث عمرو بن مرة عن سعيدأبن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال :" لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " خرج رسول الله صلى اله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صاحباه فقالوا :" من هذا ؟ فاجتمعوا اليه فقال :" أرأيتكم أن أخبرتكم أن خيلا تخرج من صفح هذا الجبل أكنتم مصدقى ؟ قالوا :" ما جربنا عليك كذبا " ، قال:" فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد ، فقالأبو لهب :" تبا لك ما جمعتنا الا لهذا ، ثم قام فنزلت " تبت يدا أبى لهب وتب " ، وفى رواية أخرى " حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال :" لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد النبى صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادى :" يا بنى فهر ، يا بنى عدى – لبكون قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل اذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى ؟ قالوا:" نعم ، ما جربنا عليك الا صدقا ، قال :" فانى نذير بين يدى عذاب شديد " ، فقال أبو لهب :" تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزات " تبت يدا أبى لهب وتب " ، ثم أنذر قومه وأهل مكة ومن حولها فى سورة الشورى " وكذلك أوحينا اليك قرءانا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق فى الجنة وفريق فى السعير " الشورى 7 وكان يدعو كل من حوله الى الاسلام  من قومه و من العرب ، ثم أنذر العالمين أى البشر كلهم " وما أرسلناك الا كافة  للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " سبأ 28 ، وفى آية أخرى " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " الأنبياء 107 ، وفى سورة الفرقان" تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " الفرقان 1 وتعرض أتباعه لكل أنواع التعذيب وبخاصة الممستضعفين منه ، فقد كان يلقى بلال بن رباح فى صحراء مكة وتوضع على صدره صخرة وهو يصيح تحت التعذيب " أحد أحد " ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للآل ياسر " اصبروا آل ياسر ان موعدكم الجنة " ، وهناك الكثير الذى يحكى عن ما لقيه الصحابة رضوان الله عليهم من عذاب على يد المشركين من أمثال " أمية بن خلف " ، و" ابو لهب " و" أبو جهل " وغيرهم ، وخاض الكفار ضد الرسول صلى الله عليه وسلم كل أنواع الحرب الاقتصادية لما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا على أن يتعاقدوا على بنى هاشم وبنى عبد المطلب وبنى عبد مناف أن لايبايعوهم ولايناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها فى سقف الكعبة ، يقال كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ، ويقال نضر بن الحرث ، والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم الا أبا لهب فانه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى هاشم وبنى المطلب ، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فى الشعب شعب أبى طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة ، وعلقت الصحيفة فى جوف الكعبة وبقوا محبوسين ومحصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغهم الجهد ، وسمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب ، وكانت قريش فى ذلك بين راض وكاره فى نقض الصحيفة ، فسعى فى نقض الصحيفة من كارها لها ، وكان القائم بذلك هشام بن عمرو بن الحرث بن حبيب بن نصير بن مالك ، مشى فى ذلك الى المطعم بن عدى وجماعة من قريش وأجابوه الى ذلك ، ثم أطلع  الله رسوله على أمر صحيفتهم وأنه أرسل عليه الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم الا ذكر الله عز وجل فأخبر بذلك عمه فخرج الى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا فان كان كاذبا خلينا بينكم وبينه وان كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا ، قالوا:" قد أنصفت ، فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا الى كفرهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب ، قال ابن عبد البر بعد عشرة أعوام من المبعث ، ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر وماتت السيدة خديجة بعده بثلاثة أيام  وقد قاطعوا قبيلته وأهله ، واستخدموا الحرب النفسية ضده وضد أصحابه بالاضافة الى البطش والتنكيل ، فقد عرضوا عليه الاغراءات " ان اردت الملك جعلناك ملكا علينا ، وان أردت المال جعلناك أغنانا ، وان كان الذى تعانى منه مرض عالجناك " ، هكذا تصورا حسب عقولهم ، وذهب أشراف قريش الى أبى طالب قائلين له :" يا أبا طالب ان لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وانا قد استنهيناك من ابن أخيك ، فلم تنهه عنا ، وانا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى نكفه عنا ، أو ننازله واياك فى ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين " ، ويبعث أبو طالب الى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول له :" يا ابن أخى ان قومك قد جاءونى وكلمونى فى أمرك ، فابق على وعلى نفسك ، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق " ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يرد :" يا عم والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى ، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته " ، فرد عليه :" قل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشىء أبدا " .

وفى عام الحزن الذى توفيت فيه السيدة خديجة وعم الرسول صلى الله عليه وسلم أشتد الأذى للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم ، فقد ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يوما الى الكعبة واذا هو يطوف بها وثب اليه أشراف قريش وأحاطوا به يقولون :" أنت الذى تقول فى آلهتنا كذا وكذا " ، فيجيب فى هدوء :" نعم ، أنا أقول ذلك !  " ، فيأخذون بمجمع ثوبه وأبو بكر يتوسل اليهم وهو يبكى ويقول : " أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ؟ "

الهجرة للحبشة ( حق اللجوء السياسى ) .  أخرج ابن اسحاق عن أم سلمة أنها قالت :" لما ضاقت مكة وأوذى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة فى دينهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منعة من قومه ومن عمه ، لايصل اليه شىء مما يكره ، ومما ينال أصحابه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده فألحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه " ، ووجههم مرتين الى الحبشة ، مرة فى السنة الخامسة ، فهاجر من المسلمين أثنا عشر رجلا وأربع نسوة منهم عثمان بن عفان وهو أول من خرج ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقاموا فى الحبشة فى أحسن جوار فبلغهم أن قريشا أسلمت وكان هذا الخبر كاذبا فرجعوا الى مكة فلما بلغهم أن الأمر أشد مما كان رجع منهم من رجع ودخل جماعة فلقوا   من قريش أذى شديدا وكان ممن دخل عبد الله بن مسعود ، ثم أذن لهم فى الهجرة الثانية وهذه المرة فى السنة السابعة فهاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلا ومن النساء ثمان عشرة أمرأة فأقاموا عند النجاشى على أحسن حال  ،حيث كان المسلمون مقدمين على أعظم مراحل الاضطهاد ومرحلة المقاطعة الشاملة ، وفى ذلك دلالة على مبلغ دقة الرسول صلى الله عليه وسلم فى توجيه أصحابه بالشكل الذى يحمون فيه ويأمنون ، ولم تسكت قريش فقد أرسلت وفدا الى النجاشى عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير المخزومى فى جماعة  ليسلمهم من عنده من المسلمين ، وتكون المواجهة بين وفد قريش والنجاشى والمسلمين ، ويقتنع النجاشى بعقيدة المسلمين عندما تتلى عليه سورة مريم ، ويحمى المسلمين عنده وصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، واشتد أذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحصروه وأهله فى الشعب شعب أبى طالب ثلاث سنين وقيل سنتين .

وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم الى الطائف ليدعو ثقيف الى الاسلام ، فأطلقوا عليه سفهاءهم وغلمانهم يقذفونه بالحجارة حتى أدميت قدماه ، وآوى الى بستان يحتمى بحائطه وناجى ربه :" اللهم اليك أشكو ضعف قوتى ، وقلة حيلتى وهوانى على الناس ..... " ، ونزل ملك الجبال قال:" يا محمد أمرنى ربى أن أكون طوع ارادتك لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين أى الجبلين " ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" لا يا أخى اللهم أهد قومى فانهم لا بعلمون ، أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا " متفق عليه عن عائشة رضى الله عنها ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" قيل يا رسول الله ادع على المشركين " ، قال:" انى لم أبعث لعانا ، وانما بعثت رحمة " رواه مسلم ، واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض الاسلام على القبائل ، فذهب الى " كندة " و"بنى حنيفة " و"بنى عامر " ، وكان أبو لهب يتجه قائلا للناس :" لا تصدقوه ، انما يدعوكم الى الضلال !

استمر الرسول صلى الله فى دعوته بمكة عشر سنوات ، حتى قابل أهل المدينة ودعوه الى زيارتهم والانتقال اليهم لينشر دعوته ، وكان قرار الهجرة ، ولم تسكت قريش فجهزت من كل قبيلة فتى ليقتلوه ويتفرق دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو هاشم المطالبة بدمه ، ويحثو على رؤوسهم التراب وهو متوجه الى المدينة حتى تبدا المرحلة الثالثة من نشأة الدولة الاسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم .

الرسول صلعم السياسى ورجل الدولة -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 13 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم (  13  ) 

                       الرسول صلى الله عليه وسلم السياسى ورجل الدولة .

حسب القاموس الموجود على شبكة " Politics “ هى " فن أو علم الحكم وبخاصة حكم ذاتية أو كيان سياسى مثل أمة بأسرها وادارة والتحكم فى شؤونها الداخلية والخارجية " وللامانة والدقة ساذكر التعريف كما ورد باللغة الانجليزية حتى لايحدث لبس أو 

غموض بسب الترجمة ومدلولا الألفاظ   Free Online Dictionary .

The art or science of  government or governing , especially the governing of a political entity such    as a nation and the administration and control of its internal and external affairs 

 أما التعريف الآخر فهو " فن أو علم الهيمنة على الناس على المستوى المدنى العام أو الفردى فى حالة وجود أكثر من شخصين " وبالانجليزيةWIKIPEDIA [ The Free Encyclopedia

Politics is the art or science of influencing people on a civic or individual level when there are  more than 2 people involved  

وبالنسبة لنا فان " سياسة " لغويا من ساس يسوس بمعنى قاد أو رأس ، واصطلاحا تعنى رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية وتعرف اجرائيا حسب هارولد لازول " بأنها دراسة السلطة التى تحدد من يحصل على ماذا ( المصادر المحدودة ) متى وكيف ؟ - أى دراسة تقسيم الموارد فى المجتمع عن طريق السلطة ( د ديفيد استون ) ، وعرفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات ، وعرفها الواقعيون بأنها " فن لممكن أى دراسة وتغيير الواقع الساسى موضوعيا " .

وتعبر السياسة عن عملية صنع قرارات ملزمة لكل المجتمع تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط وتتم عن طريق تحقيق أهدف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب أيديولوجيات معينة على مستوى محلى أو أقليمى أو دولى ، والسياسة هى علاقة بين حاكم ومحكوم ، وهى السلطة الأعلى فى المجتمعت الانسانية ، حيث السلطة السياسية تعنى القدرة على جعل المحكوم يعمل أو لايعمل أشياء سواء اد أو لم يرد ، وتمتاز بأنها عامة ، وتحتكر وسائل الاكراه كالجيش والشرطة وتحظى بالشرعية ، ومع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الدول وأمور الحكومات فان كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضا للدلالة على تسيير أمور أى جماعة وقيادتها ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الانسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد بما فى ذلك التجمعات الدينية والأكاديميات والمنظمات .

وأيضا السياسة هى القيام على الشىء بما يصلحه أى المفترض أن تكون الاجراءات والطرق وسائلها وغاياتها مشروعة ، فليست السياسة هى الغاية تبرر الوسيلة وليست ألعاب قذرة ، فهذا منطق المنافقين الانتهازيين .

أما العلوم السياسية فهى دراسة السلوك السياسى وتفحص نواحى وتطبيقات هذه السياسة واستخدام النفوذ ، أى القدرة على فرض رغبات شخص على الآخرين ،

وتعرف السياسة ايضا بأنها كيفية توزع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين ، ويذهب المعجم القانونى الى تعريف السياسة أنها " أصول أو فن ادارة الشؤون العامة " .

القرآن الكريم و" السياسة " نقلا عن موقع الشيخ يوسف القرضاوى .

لم يجىء القرآن بلفظ السياسة ، ولكن جاء بما يدل عليها وينبىء عنها مثل كلمة " الملك " الذى يعنى حكم الناس وأمرهم ونهيهم وقيادتهم فى أمورهم ، جاء ذلك فى القرآن بصيغ وأساليب شتى ، بعضها مدح وبعضها ذم ، فهناك الملك العادل ، وهناك الملك الظالم ، والملك الشورى ، والملك المستبد ، وقد ذكر القرآن فى الملك الممدوح ( أل ابراهيم ) " فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " النساء 54 ، وذكر من آل ابراهيم " يوسف " الذى ناجى ربه فقال " رب قد آتيتنى من الملك " يوسف 101 ، وانما قال من الملك لأنه لم يكن مستقلا بالحكم بل كان فوقه ملك ، وهو الذى قال له " انك اليوم لدينا مكين أمين " يوسف 54 ، وممن أتاهم الله الملك " طالوت " الذى بعثه الله ملكا لبنى اسرائيل ليقاتلوا تحت لوائه " وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا " البقرة7 24، وذكر القرآن من قصته مع جالوت التى أنهاها القرآن بقوله " وقتل داود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء " البقرة 51 2  ، وكذلك سليمان الذى آتاه الله ملكا لا ينبغى لأحد من بعده ، وممن ذكره القرآن من الملوك " ذو القرنين " الذى مكنه الله فى الأرض وآتاه الله من كل شىء سببا واتسع ملكه من المغرب الى المشرق وذكر الله قصته فى سورة الكهف مثنيا عليه ، وممن ذكره القرآن الكريم ملكة سبأ التى قام ملكها على الشورى لا على الاستبداد " ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " النمل 32 .

وفى مقابل هذا ذم القرآن الملك الظالم والنمتجبر المسلط على خلق الله مثل " النمروذ " الذى حاج ابراهيم فى ربه ان آتاه الله الملك " ألم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك اذ قال ابراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال ابراهيم فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين " البقرة 258 ، ومثل ملك فرعون الذى علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم ، انه كان من المفسدين " ، وقد ورد فى سورة القصص " طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * ان فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم انه كان من المفسدين " القصص 1-4 ، وبعض الملوك لم يمدحهم القرآن ولم يذمهم مثل ملك مصر فى عهد يوسف ، وهو الذى ولى يوسف على خزائن الأرض ،وان كان فى حديث القرآن عن بعض تصرفاته ما ينبىء عن حسن سياسته فى ملكه .

ومن ذلك كلمة " التمكين " كما فى قوله تعالى " وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض تبوأ منها حيث يشاء " يوسف 56 ، وقوله عن بنى اسرائيل " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " القصص 5 ، وقوله تعالى " الذين ان مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج 41 .

ومثل ذلك كلمة "الاستخلاف " وما يشتق منها مثل قوله تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لايشكون بى شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " النور 55 ، وقوله تعالى " قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأر فينظر كيف تعملون " الأعراف 129 .

ومثل كلمة " الحكم " وما يشتق منها ، مثل قوله تعلى " ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا " النساء 58 ، وهى الآية التى أدار عليها ابن تيمية نصف كتابه " السياسة الشرعية " ، وقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله " المائدة 49 ، وقوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " المائدة 50 ، وقوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " المائدة 45 ، وفى آية " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " المائدة 47 ، وفى آية ثالثة " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائدة 44

ما وردعن السياسة  فى السنة .  

 ورد فى السنة حديثا تضمن ما أشتق من السياسة وهو الحديث المتفق عليه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :ط كانت بنو اسرائيل تسوسهم  الأنبياء ، كلما هلك نبى خلفه نبى ، وأنه لانبى بعدى ، وسيكون حلفاء فيكثرون "، قالوا فما تأمرنا؟ ، قال :" فوا ببيعة الأول فالأول ، واعطوهم حقهم الذى جعل الله لهم ، فان الله سائلهم عما استرعاهم "

أول استخدام لكلمة سياسة فى معنى الولاية والحكم فى تراثنا :  وقد جاء فى الموسوعة الفقهية الكويتية فى مادة السياسة قولها : لعل أقدم نص ودت يه كلمة " السياسة " بالمعنى المتعلق بالحكم هو قول عمروبن العاص لأبى موسى الأشعى فى وصف معاوية " انى وجدته ولى عثمان الخليفة المظلوم ، والطالب بدمه ، الحسن السياسة   ، الحسن التدبير " ، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه والحاكم فى مستدركه عن المستظل أبن حصين قال :" خطب عمر بن الخطاب فقال :" قد علمت ورب الكعبة – متى تهلك العرب ! فقالم اليه رجل من المسلمين فقال :" متى يهلكون يا أمير المؤمنين ؟ قال :" حين يسوس  أمرهم من لم يعالج أمر الجاهلية ، ولم يصحب الرسول " ، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه وابن الجعد فى مسنده عن سيدنا على قال :" يا أهل الكوفة ! والله لتجدن فى أمر الله ، ولتقاتلن على طاعة الله ، او ليسوسنكم  أقوام أنتم أقرب الى الحق منهم ، فليعذبنكم ثم ليعذبنهم " رواه ابن تيمية فى المصنف – كتاب الفتن . 

150-] English Literature

150-] English Literature Letitia Elizabeth Landon     List of works In addition to the works listed below, Landon was responsible for nume...