الفرعونية فى القران الكريم 11
الفارق
بين صفات الفرعون فى القرآن وصفاته فى الواقع الثقافى الحاضر
الأشخاص فى القصة القرآنية رموز معبرة عن مواقف ومعا نى ودلالات ، ولاتذكر
الشخصية الا فى موطن التعبير عن معانى معينة دالة على أحداث القصة القرآنية ، ولا
تراد الشخصية بذاتها ، فالقرآن ليس قصة
ولا رواية تاريخية ، وليس ذلك من أهدافه ، ولهذا تقتصر الرواية على ما يدل على
الهدف ، وتركزت العبارات حول ذلك الحدث المراد ، والذى يبرز ظاهرة الفرعونية
وسماتها على مدار الزمان ومع اختلاف المكان متمثلة فى فرعون وسلوكه وصفاته التى
يحملها ، والجزئيات الخارجة عن نطاق الهدف من القصة ليست مرادة وليست ضرورية ،
ولهذا جاءت القصة فى القرآن موجزة ، بآيات قليلة وباشارات واضحة ، ولكنها تبرز
الكثير ، وأشخاص القصة القرآنية كما وردت فى قصة موسى عليه السلام انحصرت فى موسى
وأخيه الذى يمثل جانب الدعوة والايمان ، وكذلك أم موسى التى حمت ابنها الوليد من
بطش الفرعونية ، وكان هناك أشخاص عابرون فى القصة القرآنية لايذكرون الا فى معرض الاشارة
الى دورهم كالرجلين الذين كانا يتقاتلان ، أحدهما من شيعة موسى عليه السلام ،
والآخر من شيعة فرعون ، وهذه الاشارة تبرز صفة من صفات سيدنا موسى عليه السلام ،
وهى القوة الجسدية التى ساعدته فى رحلته الى سيناء قبل الدعوة ، وتبرز كيف كان يتم
الاضطهاد لبنى اسرائيل على يد فرعون وقومه ، وجبروت قوم فرعون وضعف بنى اسرائيل ،
وهى عوامل مهمة تبرز سطوة الفرعونية ومن يحيطون بها واضطهادهم لباقى الشعب .
وكمثال على أن التاريخ يعيد نفسه دائما ، والصفات التى وصف بها القرآن
فرعون وقومه جعلت فرعون يمثل الفرعونية فى كل زمان ومكان ، وهى الحاكم المستبد
الطاغية المعاند الذى يكفر بآيات الله ويكذب بها ، ويدعى الألوهية والملك والسلطان
، ويظلم ويقتل ، واتجهت دعوة الأنبياء والرسل التى تمثل معسكر المقاومة لهؤلاء
الطغاة لتحرير الانسان الذى وقع عليه الظلم ، ولتقويته ولشد أزره لكى يقاوم ويرفض
الظلم ، ولتقويته ولشد أزره لكى يقاوم ويرفض ويتمرد ، ومن الطبيعى أن يستجيب
الضعفاء لدعوة الأبنياء وأن يسقف الأنبياء الى جانب هؤلاء المستضعفين لتخليصهم من
سوء العذاب الذى يسلطه عليه الفراعنة لكى تستقيم سيرة البشرية .
وعلى سبيل المثال فقد قال آل فرعون لموسى ما قاله المشركون لسيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم فاتهموه بالسحر ، وهذا تسليم بالعجز واعتراف بعظمة التأثير ، وقال
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين ما قاله له موسى عليه السلام لآل فرعون
" انى رسول من رب العالمين وسخر فرعون من موسى عليه السلام كما سخر المشركون
من محمد صلى الله عليه وسلم ، قال فرعون " ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم
الا سبيل الرشاد " غافر 29 ، وشخصية فرعون هى احدى الشخصيات التى اعتمدت
علتها القصة فى القرآن الكريم لأن دعوة موسى ومحمد واحدة ، ما لاقاه محمد صلى الله
عليه وسلم من القوم شبيه بما لاقاه موسى من آل فرعون والفرعونية وما تحمله ،
وانتهت قصة موسى وفرعون بانتصار الحق على الباطل ، ولابد أن ينتصر محمد والمؤمنون
كما انتصر موسى على فرعون وآل فرعون وقهروا الفرعونية ، وسوف يقهر ايمان أمة محمد
صلى الله عليه وسلم فرعونية العصر الحديث كما قهرت من قبل ويقول الله تعالى "
انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع
الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " غافر 51 – 52 .
ان شخصية فرعون فى القرآن الكريم يتمثل فيها البعد الواقعى ، فقد تتهيأ
الظروف لوجود مثل هذه الشخصية أو بعض صفاتها فى الواقع المعاصر ، وفرعون نموذج لكل
حاكم طاغية ، فالفرعونية ترادف النازية والفاشية والصهيونية والبلشفية ، وهتلر
وموسولينى واستالين وكثير من حكام العالم عبر التاريخ من عرب وعجم يحملون صفات
فرعون والفرعونية ، فحتى فى العامية المصرية فان الفرعنة تعنى التجبر والكبر ففى
المثل العامى " يا فرعون من فرعنك ؟ قال ما لقيتش حد يلمنى " ، أى ان
سبب الفرعنة أو الفرعونية هو عدم التصدى للشخص التجبر أو المتكبر لنهيه عن ذلك ،
والقرآن هدف الى ابراز شخصية فرعون بغض النظر عن الأسم لأنها تمثل ظاهرة الفرعونية
عبر الزمان والمكان .
كما
قلنا فان القرآن أراد أن يجعل من شخصية فرعون عبرة فهو نموذج بشرى لكل حاكم أو شخص
مستبد يحمل الصفات التى ذكرناها آنفا ، وفى العصر الحديث كان هناك نماذج عنصرية
تتسم بالكبر والطغيان والقسوة والكراهية والتعصب والعنصرية وتشترك مع فرعون فى
معظم صفاته وفى العالم فان كل الحكام العسكريين والكتاتوريين هم فراعنة الأرض ،
فهم يزجون بالناس فى السجون لأتفه سبب ، ويسيمونهم سوء العذاب , ويستحيون النساء
وينتهكون أعراضهم من اغتصاب وتحرش وسجن ، وتمارس أشد أنواع التعذيب فى السجون ,
وتنتهك كرامة الانسان ، وحتى العالم الغربى الذى يدعى التحضر فهو يقهر شعوب العالم
باحدث الأسلحة ، ويتهم الآخرين بالارهاب ، ومعظم دول العالم تضطهد فيها الأقليات ،
وبخاصة الأقليات المسلمة ، كما هو الحال فى ميانمار أو برما سابقا ، وفى الهند حيث
يضطهد المسلمين على يدى الهندوس ، وفى الصين من اضطهاد لمسلمين ويمنعون من المصاحف
والصيام ،وحتى فى العالم العربى والاسلامى تضطهد المعارضة وتوجه لها تهمة الارهاب
، واثارة الفتنة ، وقلب نظام الحكم ، وغير ذلك من التهم ،، وكل يوم يقتل المئات بل
الآلاف ، وهناك الآلف الذين تمتلىء بهم
السجون، وعلى سبيل المثال الرئيس الأمريكى
دونالد ترامب الذى يظهر كراهيته للمسلمين ، ويفرض على دول الخليج
كما يقال الجزية لحمايتهم ، فهو فرعون الأرض ، ولا يردعه الا القوة ، ولا ننسى
موقفه مع كوريا الشمالية ، عندما انتابه الفرح لأن زعيم هذه الدولة الصغيرة يملك
السلاح الفتاك ، ونحن المسلمون فى غاية الضعف غثاء كغثاء السيل ، كل ذلك بسبب
الحكام الذين لاهم لهم سوى الحكم يستعينون على شعوبهم بالخارج ويستقوون ، ويبيعون
أرض بلادهم ، ونحن كشعوب مستضعفة مستذلة مستباحة يجب أن نتغير لأن الله لايغير ما
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وأثناء البحث تحدثت عن كثير من التشابه بين الغد
واليوم ، بين الماضى والحاضر ، فدائما يعيد التاريخ نفسه ، وفى الواقع الثقافى
المعاصر هناك حكام وأولهم حكام من العرب
والمسلمين يتصفون بالقسوة والفرعونية والكبر والتعالى على الأقل على شعوبهم ،
فالصورة باختصار فى الواقع الثقافى المعاصر هى لحكام يتسمون بالفرعونية وشعوب
مستباحة مستضعفة مستذلة ، وهذا وحده يحتاج لصفحات من الكتب لذكره وتوضيحه .