Grammar American & British

Wednesday, July 8, 2020

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 16 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 16 )

                  استقبال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم عند مقدمه للمدينة .

  اضمر بعض اليهود سوءا للدعوة الاسلامية منذ وصول الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، فبينما كان المسلمون من الأ,س والخزرج ينتظرون قدوم النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن ترامت الأخبار الى مسامعهم بهجرته اليهم صاح بهم يهودى وقد لمح الركب النبوى :" يا بنى قيلة هذا جدكم قد جاء " ( نسب الأوس والخزرج يرجع الى أب وجد واحد الى أمهم " قيلة بنت بن عذرة " ولذا كانوا يسمون بأبناء قيلة ) ، وأخرج البخارى فى حديث الهجرة " أن المسلمين فى المدينة حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة كانوا يخرجون كل غداة الى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما الى أهليهم بعد أن طال انتظارهم فلما آوو الى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته :" يا معشر العرب هذا جدكم الذى تنتظرونه ، فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة " ، واشترك اليهود فى مجموعهم مع المهاجرين والأنصار فى حسن استقبال صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم ، وقد حدثت الأخبار الصحيحة أن بعض اليهود قد تنكر للدعوة الاسلامية وتوجس خيفة من صاحبها صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول من الهجرة ، فعن صفية بنت حيى بن أخطب رضى اله عنها قالت :" كنت أحب ولد أبى اليه ، والى عمى أبى اسر لم ألقهما فى ولد لهما قط وأهش اليهما الا أخذانى دونه ، فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم ونزل قباء فى بنى عمرو بن عوف غدا اليه أبى وعمى أبو ياسر مغلسين قالت :" فوالله ما رجعا الا مع مغيب الشمس ، قالت :" فرجعا الينا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ، فهششت اليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر الى واحد منهما ، مع ما بهما من الغم قالت :" وسمعت عمى أبا ياسر يقول لأبى :" أهو هو ؟ " ، قال :" نعم والله " ،قال :" أتعرفه بنعته وصفته ؟" ، قال :" نعم والله " ، قال :" فماذا فى نفسك منه ؟ ، قال :" عداوته والله ما بقيت " سيرة ابن هشام ج 2 ، وذكر موسى بن عقبة عن الزهرى أن أبا ياسر بن أخطب لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب اليه وسمع منه وحادثه ، ثم رجع الى قومه فقال :" يا قوم أطيعونى فان الله قد جاءكم بالذى كنتم تنتظرونه فاتبعوه ولا تخالفوه " ، فانطلق أخوه حيى بن أخطب فجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، ثم رجع الى قومه وكان فيهم مطاعا فقال :" أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا أبدا " ، فقال له أخوه ياسر :" يا أبن أمى أطعنى فى هذا الأمر ، واعصنى فيما شئت بعده لا تهلك " ، قال :" لا والله لا أطيعك أبدا " ، واستحوذ عليه الشيطان واتبعه قومه على رأيه  قلت :" أما أبو ياسر فلا أدرى ما آل اليه أمره ، وأما حييى فشرب عداوة النبى صلى الله عليه وسلم ولم يزل ذلك رأيه حتى هلك .

 الأمر الآخر كان بعد ستة عشر شهرا من مقدمه الى المدينة قبل وقعة بدر بضهرين فقد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حين قدم المدينة ستة عشر شهرا  ، وكان فى جعل القبلة الى بيت المقدس ثم تحويلها الى الكعبة حكم عظيمة : فانها القبلة التى تليق بهم وهم أهلها لأنها أوسط الأمم كما أختارلهم  أفضل الرسل وأفضل الكتب وأخرجهم فى خير القرون وخصهم بأفضل الشرائع ومعهم خير الأخلاق وأسكنهم خير الأرض وجعل منازلهم فى الجنة خير المنازل وموقفهم يوم القيامة خير المواقف ، فأتم الله نعمته عليهم مع القبلة بأن شرع لهم الآذان فى اليوم والليلة خمس مرات وزادهم فى الظهر والعصر والعشاء ركعتين أخرتين بعد أن كانت ثنائية ، فكل هذا كان بعد مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ،  وبلغ أصحابه بالحبشة هجرته الى المدينة فرجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ، فحبس منهم بمكة سبعة وانتهى بقيتهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم هاجر بقيتهم فى السفينة عام خيبر سنة سبع  ، عشر سنوات هى عمر الدولة الاسلامية على عهد النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة ،   يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة فيصدر " اعلانه الشهير " ، الذى يبرز عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم ، رجل السياسة والمواثيق والمعاهدات ، اورد ابن اسحاق نصا طويلا أطلق عليه اسم "صحيفة " لايوازيه فى طوله الا معاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل نجران ، كتاب فى تنظيم أحوال أهل المدينة وعلاقتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع بعضهم وقد نقله كذلك أبو داود فى السنن وأبو عبيد القاسم بن سلام فى الأحوال ، وابن سعد فى الطبقات وغيرهم كثير ، وروى ابن الأثير أن الصحيفة اصدرها الرسول صلى الله عليه ةوسلم فى اجتماع فى بيت أنس بن مالك ، ولابد أن الصحيفة كانت صادرة بعد الهجرة بزمن قليل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم انشغل على أثر الهجرة بمعالجة استقرار المهاجرين ، وآخى بين الأوس والخزرج ، ومن المعلوم أن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود  ابان الأشهر الأولى من الهجرة كانت سليمة ، وكانت هناك المعاملات فى الأسواق ، وكانت القبلة نحو بيت المقدس ، وصام المسلمون فى عاشوراء ، وهو يوم صلاة اليهود ،  وهذا الزمن لم يدم طويلا ،وقد أضمر بعض اليهود سوءا للدعوة الاسلامية منذ وصول الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، ومع ذلك تغاضى عن عداوة هذا البعض دون أن يجهلها ، وعمل على نشر روح التعاون والمودة مع اليهود فتحدث الى رؤسائهم وتحدثوا اليه وتقرب منهم وتقربوا منه ، وأباح للمسلمين أن يؤاكلوهم وأن يتزوجوا من نسائهم ، وفرح اليهود عندما رأوا النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين يستقبلون فى صلاتهم بيت المقدس ، الذى هو قبلة بنى اسرائيل فى صلاتهم ،وقد أراد النبى صلى الله عليه وسلم بجانب حسنمعاملته لهم أن يزيد فى أسباب التعاون وتبادل المنافع معهم فعقد بينه وبينهم معاهدة عادلة أو أصدر صحيفة ، والبنود الكثيرةالتى تعالج أمور السلم والحرب توحى أن الصحيفة صدرت بعد سرية نخلة التى كانت المرحلة الأولى من توجه الرسول صلى الله عليه وسلم لمقاتلة مشركى قريش ، وقد أعقبتها معركة بدر التى كانت أول قتال مسلح للرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة ، وقد أبرز هذا القتال الحاجة الى تنظيم العلاقات القتالية مع اليهود ، عالجت الصحيفة قضايا تنظيمية وادارية ولم تمس العقيدة والدين ، وهذه الصحيفة فى أوائل الهجرة الأولى تدل على فكرة التعايش ورغبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى مسالمة غير المسلمين ، وقد جاء فى نصوص الصحيفة ( وقد يسميها البعض معاهدة ) ما يلى : 1-) أن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، موليهم وأنفسهم . 2-) وأن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم . 3-) وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة . 4-) وأن بينهم النصح النصيحة ، والبر دون الأثم . 5-) وأنه لا يأثم أمرؤ بحليفه . 6-) وأن النصر للمظلوم . 7-) وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين . 8-) وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة . 9-) وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أوشتجار يخاف فساده فان مرده الى الله ، والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . 10-) وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها . 11-) وأن بينهم النصر على من دهم يثرب .. على كل أناس حصتهم من جانبهم الذى قبلهم . 12-) وأنه يحول هذا الكتاب دون ظلم أو أثم .

والوثيقة أقتصرت على ذكر المجموعات من العشائر وعلى اليهود ، فلم تذكر غيرهم من المجموعات الدينية بمن فيهم النصارى والصابئين والمجموعات التى ذكرها القرآن مما يدل على أنهم لم يكن لهم دور فاعل فى المدينة فى هذه الفترة المبكرة من الهجرة ، ولم يرد فى الوثيقة اسم شخص أو منصب محدد مما يشير الى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يهتم بالجماعة والأمة من دون الأشخاص ، ولم تذكر هذه الوثيقة يهود بنى قينقاع أو بنى النضير أو بنى قريظة وهذه المعاهدة التى عقدها النبى صلى الله عليه وسلم بين طوائف اليهود قد تضمنت كثيرا من المبادىء السامية ، والأسس التى يجب أن تقوم عليها العلاقات ين الأمم ، وهذه بعض الأمور التى يمكن أن تستخلص منها 1-) نصت المعاهدة على كفالة الحرية الدينية لليهود ، وأباحت لهم أن يقوموا بأداء شعائر دينهم ، بدليل أن من بين بنودها " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ) 2-) فى المعاهدة روح اجتماعية عالية فهى تقرر أن من الف نصا من نصوصها واعتدى على أحد ممن تكفل لهم الأمن والسلامة فان أهل الصحيفة كلهم حرب عليه ، وفى ذلك اعتراف صريح بشخصية الجماعة ، وأن لها حقوقا على الأفراد وعليها واجباتةنحوهم ، وان سلامة المدينة يشترك فى تحقيقها جميع سكانها . 3-) المعاهدة تنطق برغبة المسلمين فى التعاون الصادق مع اليهود من أجل نشر الطمأنينة والأمن فى المدينة والضرب على أيدى العادين ومدبرى الفتنة أيا كان دينهم أو جنسهم بدون تفرقة أة تمييز بين أحد واذا حصل عدوان خارجى على المدينة فالمسلمون واليهود يشتركون فى الدفاع عنها .4-) اشتملت المعاهدة على كثير من المبادىء الانسانية السامية كنصرة المظلوم وحماية الجار ورعاية الحقوق الخاصة والعامة والتعاون على دفع الدية ةافتدء الأسرى ومساعدة المدين الى غير ذلك من المبادىء التى تشعر أبناء البلدة الواحدة كأنهم أسرة واحدة . 5-) نصت المهاهدة على ما كان بين المسلمين وبين قريش من عداوة حينئذ وحرمت على من اشترك فيها من مسلمين أو يهود موالاة قريش أو مناصرتها أو ايواء أحد منها وأن من فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل . 6-) نصت الصحيفة على وجوب اشتراك اليهود مع المسلمين فى دفع ما عليهم من نفقات فى حالة الحرب ، كما نصت على وجوب مؤازرتهم ومناصرتهم للمسلمين بكل طريقة ممكنة ، فقد جاء فيها " وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين  وأن بينهم النصر على من حارب أهل الصحيفة وأن بينهم النصر على من دهم يثرب " . 7-) نصت الصحيفة على أن كل أمر يختلف فيه أهلها يكون مرد الحكم فيه الى النبى صلى الله عليه وسلم لأنه صاحب السلطة العليا فى المدينة . 8-) تضمنت الصحيفة أن من ارتكب اثما يوجب عقوبة نفذت عليه ، وأن اشتراكه فى هذه الصحيفة لا يعفيه من العقوبة ، ومن بين نصوصها " وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم " . 9-) من المكاسب التى نالها المسلمون عن طيق هذه الصحيفة أنهم أصبحوا أمام عدو واحد هو قريش ، لأن الصحيفة أمنتهم جانب اليهود لو أنهم – أى اليهود _ حافظوا على ما اشتملت عليه من مبادىء ولم ينقضوها بعد زمن قليل من كتابتها . 10-) ومن المكاسب التى ظفر بها اليهود بسبب هذه المعاهدة حماية المسلمين لهم من أى اعتداء عليهم ، فقد نصت المعاهدة على " أنه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم " ولكن اليهود لم يحافظوا على هه المكاسب لعدم وفائهم بعهودهم . وقد علق الأستاذ عبد الرحمن عزام " فى كتاب الرسالة الخالدة " على هذه الصحيفة بقوله ( هذه المعاهدة من أنفس العقود الدولية وأمتعها وأحقها بالنظر والتقدير من كافة الناس وما أولاها بأن تكون نبراسا للمسلمين فى أصول العلاقات الدولية بينهم وبين مخالفيهم من أهل الأديان الأخرى ، هذا فضلا عن أن عقدها ابتدأت به الدولة الاسلامية  حياتها وابتدأ الاعتراف بالمسلمين كدولة . هذه المعاهدة تعاقد فيها المسلمون مع غيرهم من أهل الديانات الأخرى ، فنشأ عن ذلك أول ميثاق  (لجمعية أمم ) أساسه النصر للمظلوم والنصح والنصيحة والبر دون الاثم ، وحرمة الأوطان المشتركة ، وحرمة من يدخل فى الميثاق ويقبل جواره على أن صان عقائد المتعاقدين وشعائهم وحريتهم ، ولقد سبق الاسلام بهذه المعاهدة عهد ( عصبة الأمم ) الحديثة بأكثر من ثلاثة عشر قرنا ، وهكذا وضع الرسول صلى الله عليه وسلم الأساس المتين للدولة العالمية وللمعاملات الدولية فى هذا الميثاق على أساس الحرية للمشتركين فيه وعلى مبدأ الاستقلال " ، ومن كل نعلم أن اليهود كانوا على علم بأخبار الدعوة الاسلامية فى مكة ، خصوصا السنوات الأخيرة التى سبقت الهجرة ، وأنهم فى مجموعهم قد استقبلوا النبى صلى الله عليه وسلم عند وصوله الى المدينة استقبالا فيه مجاملة وأن عهدا ليس بالطويل من العلاقات الهادئة بنهم وبين المسلمين قد ساد المدينة بعد الهجرة  ، وتثبت ما كانت عليه الدولة الاسلامية وهى فى المرحلة الأولى من البناء والتأسيس من حرية تامة وافساح للغير للمشاركة والمعايشة القائمة على احترام الآخر ، وكان التعايش السلمى الآمن مع من يعيش من اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين هو سمة الحياة داخل المدينة ، فبدأ التبادل التجارى بينهم حيث امتلأت أسواق اليهود فى المدينة بالمسلمين ، ومن أشهر أسواق اليهود سوق بنى قينقاع ، كما اشترى سيدنا عثمان رضى الله عنه بئر رومة من يهودى ، لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده 

المجتمع الاسلامى فى المدينة -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 15 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 15 )

                      3-) مرحلة الدولة وتكوين نواة المجتمع الاسلامى .   

  لما أراد الله تعالى اظهار دينه ساق الرسول صلى الله عليه وسلم الى الانصار فانتهى الى نفر منهم ستة وقيل ثمانية وهم يحلقون رؤوسهم عند عقبة منى أثناء موسم الحج فجلس اليهم ودعاهم الى وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا لله ولرسوله ورجعوا الى المدينة فدعوا قومهم الى الاسلام حتى فشا فيهم ولم يبق دار من دور الأنصار الا وفيه ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأول مسجد قرىء فيه القرآن بالمدينة مسجد بنى زريق ، ثم قدم مكة فى العام القابل اثنا عشر رجلا من الأنصار منهم خمسة من الستة الأولين فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء عند العقبة ثم انصرفوا الى المدينة فقدم عليه فى العام القابل منهم ثلاثة وسبعون رجلا وأمرأتان وهم أهل العقبة الأخيرة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم فترحل هو وأصحابه اليهم واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أثنى عشر نقيبا وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة الى المدينة فقدموا على الأنصار فى دورهم فآووهم ونصروهم وفشا الاسلام بالمدينة ثم أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة فخرج من مكة يوم الأثنين فى شهر ربيع الأول وقيل فى صفر وله اذ ذاك ثلاث وخمسون سنة ومعه أبو كر الصديق رضى الله عنه وعامر بن فهير مولى أبى بكر ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثى  ، وأول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم هو بناء أول مسجد فى الاسلام ، فقد بركت ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم موضع مسجده ، وكان مربدا لسهل وسهيل – غلامين يتيمين من الأنصار كانا فى حجر أسعد بن زرارة ، فساوم رسول الله صلى الله عليهوسلم الغلامين بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتاعه منهما بعشرة دنانير ، وكان جدارا ليس له سقف وفبلته الى بيت المقدس وكان يصلى فيه أسعد بن زرارة قبل مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل أساسه قريبا من ثلاثة أذرع ثم بنوه باللبن وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبنى معهم وينقل اللبن والحجارة بنفسه ويقول : اللهم لا عيش الا عيش الأخرة * فاغفر للانصار والمهاجرة ، فلما فرغ من البناء بنى بعائشة رضى الله عنها فى البيت الذى بناه لها شرقى المسجد ، وجعل لسودة بنت زمعة بيتا آخر ، ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك ، وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بالمدينة من اليهود وكتب بينه وبينهم كتابا وبادر حبرهم عبد الله بن سلام فدخل فى الاسلام وأبى عامتهم الا الكفر وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وحاربته الثلاثة ونزلت سورة الحشر فى بنى النضير وسورة الأحزاب فى بنى قريظة  ،

           علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود قبل قدومه الى المدينة 

  ان اليهود فى المدينة لم يكونوا يجهلون ظهور النبى صلى اللهة عليه وسلم فى مكة للأسباب الآتية 1-) كان بعض اليهود يأتون الى مكة لأشغال تجارية وأعمال مختلفة وأهل مكة أنفسهم كانوا يقصدون خيبر ليجلبوا منها حلى آل أبى الحقيق التى كانت نساؤهم وفتياتهم تتحلى بها حين زفافهن ، وكان سكان المدينة أيضا من الأوس والخزرج يأتون الى مكة لقصد التجارة والطواف بالكعبة وغير ذلك من أنواع الأعمال ، ولا شك أن هذه الاتصالات من تلك الأطراف كان تخللها الحديث عن الدين الجديد الذى جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . 2-) سبق لقريش خلال وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم أن بعثت " النضر بن الحارث " و " عقبة بن أبى معيط " الى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما :" سلاهما عن محمد صلى الله عليه وسلم وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله فانهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحباراليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم :" انكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا  هذا " ، فقالت لهم أحبار اليهود :" سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فان أخبركم بهن فهو نبى مرسل وان لم يفعل فالرجل متقول ، سلوه عن 1-) فتية ذهبوا فىالدهر الأول ، ما كان أمرهم فانه قد كان لهم حديث عجيب ؟ . 2-) عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ 3-) عن الروح ما هى ؟ ، فان أخبركم بذلك فاتبعوه فانه نبى وان لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا فيه ما بدا لكم " ، فانصرف " النضر بن الحارث " و" عقبة بن أبى معيط " حى قدما مكة وأخبرا قريشا بما سمعا من أحبار اليهود فجاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :" يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول وقد كانت لهم قصة عجب ، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وأخبرنا عن الروح ما هى ؟ " ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أخبركم غدا عما سألتم عنه " ولم يستثن – أى " لم يقل ان شاء الله " فانصرفوا عنه ، ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له فى لك وحي ، ولا يأتيه جبريل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا :" وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشىء عما سألناه عنه " وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاء جبريل عليه السلام من الله بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبة اياه على حزنه عليهم ، وفيها خبر ما سألوه عن أمر الفتية والرجل الطواف ، وجاءه بقوله تعالى " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا " الاسراء 85 3-) كان اليهود فى المدينة اا ما نشب بينهم وبين الأوس والخزرج نزاع هددوهم بقولهم :" ان نبينا مبعوثا الآن قد أظل زمانه ، واننا سنتبعه ، فنقتلكم معه قتل عاد وارم " ، وقد أشار القرآن الكريم الى ذلك بقوله " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " البقرة 89 ( لاستفتاح هو طلب الفتح أى النصر فقد قال تعالى " ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " الأنفال 19 ) فمعنى يستفتحون يستنصرون على المشركين اذا قاتلوهم فيقولون :" اللهم انصرنا بالنبى المبعوث فى آخر الزمان ، والذى نجد نعته فى التوراة " فلما جاءهم هذا النبى الذى استنصروا به لم يتبعوه وكفروا به فلعنة الله على الكافرين .4-) كان النبى صلى الله عليه وسلم فى السنوات القليلة التى سبقت الهجرة يلتقى خلال عرض دعوته على القبائل فى موسم الحج بأفراد من الأوس والخزرج وكان عندما يدعوهم الى الاسلام ينظر بعضهم الى بعض ويقول :" والله انه للنبى الذى تواعدكم به يهود فلا يسبقونكم اليه ".

وبعد بيعة العقبة الأولى أرسل النبى صلى الله عليه وسلم الى أهل المدينة مصعب بن عمير لكى يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم فى الدين ، فانشر الاسلام فى كثير من بيوت المدينة ، ثم كانت بعد ذلك بيعة العقبة الكبرى التى اشترك فيها اثنا عشر نقيبا من نقباء الأوس والخزرج والتى قال فيها الزعيم الخزرجى " أبو الهيثم بن النبهان " لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا رسول الله ان بيننا وبين الرجال – أى اليهود حبالا وانا قاطعوها ، فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا " ، فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال :" بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنتم منى ، وأنا أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " ( الهدم هو اهدار دم القتيل ويريد أن يقول " ان طلب دمكم فقد طلب دمى ، وان أهدر دمكم فقد أهدر دمى لاستحكام الألفة بيننا " ،والأمر الذى يهمنا هنا هو أن اليهود لم يكونوا يجهلون تلك المبايعات التى تمت ين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أهل المدينة قبل الهجرة ، ولم يكونوا غافلين عن اتجاه سير الدعوة الاسلامية صوب يثرب وانتشاها بين أهلها ، وكيف يجهلون والحال أن الاسلام لم ينتشر خفية فى المدينة ؟ ، فها هو ذا مصعب بن عمير يدعو الناس الى الله ورسوله أمام الجميع ، وها هو ذا ينتقل من حى الى حى ، ومن بطن الى بطن ، والغبطة تملأ فؤاده لأنه يرى أن الدعوة الاسلامية وجدت أرضا خصبة بين أهل المدينة وأن أتباعها فى يثرب يزداد كل يوم عددا وسلطانا ، ولكن ما هى الأسباب التى جعلت الأوس والخزرج يتقبلون دعوة الاسلام قبولا حسنا ويسارعون الى الدخول فيها بقلوب منشرحة ؟ ، ونقول ان اختلاط الأوس والخزرج بيهود يثرب كان له أثر روحى عميق فقد كان اليهود – وهم أهل كتاب ودعاة وحدانية يعيبون عليهم اتخاذهم الأوثان آلهة ، وكطانوا يتوعدونهم بظهور نبى جديد يتبعونه فيقتلونهم على يديه ، ويجعل ملك العالم تحت سلطانهم ، فهذه المناقشات الدينية – فضلا عن الفتن والحروب التى أنهكت الأوس والخزرج بسبب دس اليهود بينهم جعلت سكان يثرب يستقبلون الدعوة الاسلامية استقبالا طيبا ،ةويرون فيها وفى الداعى اليها صلى الله عليه وسلم المنقذ لهم مما هم فيه من شقاق واضطراب ، وبذلك يمكن القول بأن اليهود لم يكونوا على علم فقط بظهور النبى صلى الله عليه وسلم وبأخباره ، بل ان وجودهم بالمدينة وضواحيها كان من أهم الأسباب الت ساعدت على انتشار الاسلام فيها ، وان كان ذلك بطرية غير مباشرة ولا مقصودة منهم كما يقول الدكتور اسرائيل ولفنسون .

الرسول محمد صلعم والسياسة وقيادة الدعوة - اصطفاء الله لرشسوله محمد صلعم ( 14 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 14 )

الرسول صلى الله عليه وسلم والسياسة وقيادة الدعوة وتأسيس الدولة الاسلامية .  

 مر الرسول صلى الله عليه وسلم بمراحل حتى تأسست الدولة الاسلامية 1-) مرحلة ما قبل الدعوة .  وقد تكونت فى هذه المرحلة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم برعاية من الله ، حتى يتهيأ للدور الذى أعده له الله ، وقد تحدتث عن شخصية الرسول وأوضحت كيف كانت رعاية الله له واصطفاء الله له ليحمل الدعوة ويقود الأمة ، وهو القائل " أدبنى ربى فأحسن تأديبى " من الجامع الصغير عن ابن مسعود ، حتى فى زواجه من السيدة خديجة رضى الله عنها ، فقد تزوج من سيدة فى سن الأربعين ، وهى السن التى تتميز برجاحة العقل ، وتربى كما يجب أن تكون التربية ، وأعده الله كما يجب أن يكون الاعداد من التزام أخلاقى وحياة من الزهد والصبر ، وتحلى بالصدق والأمانة فى وسط مجتمع جاهلى ، وصفات الرسول التى خلقها الله عليها وما تحلى به من أخلاق لم تجتمع لأحد قبله ولا بعده ، حتى بلغ سن النضج وهى سن الأربعين أو الثالثة والأربعين التى أنزل عليه فيها الوحى فى غار حراء ، وكلفه الله بالرسالة " وأنزر عشيرتل الأقربين " ، فدخل مرحلة أخرى  2-) مرحلة الدعوة فى مكة .  تميزت هذه المرحلة بالصبر والثبات فى مواجهة كفار قريش ، ان أول ما أوحى الى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عند نزول الوحى عليه وهو فى غار حراء " اقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذى علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم " العلق 1-5 ، أمره أن يقرأ فى نفسه ولم يأمره اذ ذاك بالتبليغ ، ثم أنزل عليه " يا أيها المدثر * قم فأنزر * وربك فكبر * وثيلبك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر " المدثر 1-7 ، ثم أمره أن ينزر عشيرته الأقربين " فلا تدع مع الله آلها آخر فتكون من المعذبين * وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين * فان عصوك فقل انى برىء مما تعملون * وتوكل على العزيز الرحيم " الشعراء 213 – 217 ، حدث عمرو بن مرة عن سعيدأبن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال :" لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " خرج رسول الله صلى اله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صاحباه فقالوا :" من هذا ؟ فاجتمعوا اليه فقال :" أرأيتكم أن أخبرتكم أن خيلا تخرج من صفح هذا الجبل أكنتم مصدقى ؟ قالوا :" ما جربنا عليك كذبا " ، قال:" فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد ، فقالأبو لهب :" تبا لك ما جمعتنا الا لهذا ، ثم قام فنزلت " تبت يدا أبى لهب وتب " ، وفى رواية أخرى " حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال :" لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد النبى صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادى :" يا بنى فهر ، يا بنى عدى – لبكون قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل اذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى ؟ قالوا:" نعم ، ما جربنا عليك الا صدقا ، قال :" فانى نذير بين يدى عذاب شديد " ، فقال أبو لهب :" تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزات " تبت يدا أبى لهب وتب " ، ثم أنذر قومه وأهل مكة ومن حولها فى سورة الشورى " وكذلك أوحينا اليك قرءانا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق فى الجنة وفريق فى السعير " الشورى 7 وكان يدعو كل من حوله الى الاسلام  من قومه و من العرب ، ثم أنذر العالمين أى البشر كلهم " وما أرسلناك الا كافة  للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " سبأ 28 ، وفى آية أخرى " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " الأنبياء 107 ، وفى سورة الفرقان" تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " الفرقان 1 وتعرض أتباعه لكل أنواع التعذيب وبخاصة الممستضعفين منه ، فقد كان يلقى بلال بن رباح فى صحراء مكة وتوضع على صدره صخرة وهو يصيح تحت التعذيب " أحد أحد " ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للآل ياسر " اصبروا آل ياسر ان موعدكم الجنة " ، وهناك الكثير الذى يحكى عن ما لقيه الصحابة رضوان الله عليهم من عذاب على يد المشركين من أمثال " أمية بن خلف " ، و" ابو لهب " و" أبو جهل " وغيرهم ، وخاض الكفار ضد الرسول صلى الله عليه وسلم كل أنواع الحرب الاقتصادية لما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا على أن يتعاقدوا على بنى هاشم وبنى عبد المطلب وبنى عبد مناف أن لايبايعوهم ولايناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها فى سقف الكعبة ، يقال كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ، ويقال نضر بن الحرث ، والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم الا أبا لهب فانه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى هاشم وبنى المطلب ، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فى الشعب شعب أبى طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة ، وعلقت الصحيفة فى جوف الكعبة وبقوا محبوسين ومحصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغهم الجهد ، وسمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب ، وكانت قريش فى ذلك بين راض وكاره فى نقض الصحيفة ، فسعى فى نقض الصحيفة من كارها لها ، وكان القائم بذلك هشام بن عمرو بن الحرث بن حبيب بن نصير بن مالك ، مشى فى ذلك الى المطعم بن عدى وجماعة من قريش وأجابوه الى ذلك ، ثم أطلع  الله رسوله على أمر صحيفتهم وأنه أرسل عليه الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم الا ذكر الله عز وجل فأخبر بذلك عمه فخرج الى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا فان كان كاذبا خلينا بينكم وبينه وان كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا ، قالوا:" قد أنصفت ، فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا الى كفرهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب ، قال ابن عبد البر بعد عشرة أعوام من المبعث ، ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر وماتت السيدة خديجة بعده بثلاثة أيام  وقد قاطعوا قبيلته وأهله ، واستخدموا الحرب النفسية ضده وضد أصحابه بالاضافة الى البطش والتنكيل ، فقد عرضوا عليه الاغراءات " ان اردت الملك جعلناك ملكا علينا ، وان أردت المال جعلناك أغنانا ، وان كان الذى تعانى منه مرض عالجناك " ، هكذا تصورا حسب عقولهم ، وذهب أشراف قريش الى أبى طالب قائلين له :" يا أبا طالب ان لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وانا قد استنهيناك من ابن أخيك ، فلم تنهه عنا ، وانا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى نكفه عنا ، أو ننازله واياك فى ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين " ، ويبعث أبو طالب الى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول له :" يا ابن أخى ان قومك قد جاءونى وكلمونى فى أمرك ، فابق على وعلى نفسك ، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق " ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يرد :" يا عم والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى ، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته " ، فرد عليه :" قل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشىء أبدا " .

وفى عام الحزن الذى توفيت فيه السيدة خديجة وعم الرسول صلى الله عليه وسلم أشتد الأذى للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم ، فقد ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يوما الى الكعبة واذا هو يطوف بها وثب اليه أشراف قريش وأحاطوا به يقولون :" أنت الذى تقول فى آلهتنا كذا وكذا " ، فيجيب فى هدوء :" نعم ، أنا أقول ذلك !  " ، فيأخذون بمجمع ثوبه وأبو بكر يتوسل اليهم وهو يبكى ويقول : " أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ؟ "

الهجرة للحبشة ( حق اللجوء السياسى ) .  أخرج ابن اسحاق عن أم سلمة أنها قالت :" لما ضاقت مكة وأوذى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة فى دينهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منعة من قومه ومن عمه ، لايصل اليه شىء مما يكره ، ومما ينال أصحابه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده فألحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه " ، ووجههم مرتين الى الحبشة ، مرة فى السنة الخامسة ، فهاجر من المسلمين أثنا عشر رجلا وأربع نسوة منهم عثمان بن عفان وهو أول من خرج ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقاموا فى الحبشة فى أحسن جوار فبلغهم أن قريشا أسلمت وكان هذا الخبر كاذبا فرجعوا الى مكة فلما بلغهم أن الأمر أشد مما كان رجع منهم من رجع ودخل جماعة فلقوا   من قريش أذى شديدا وكان ممن دخل عبد الله بن مسعود ، ثم أذن لهم فى الهجرة الثانية وهذه المرة فى السنة السابعة فهاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلا ومن النساء ثمان عشرة أمرأة فأقاموا عند النجاشى على أحسن حال  ،حيث كان المسلمون مقدمين على أعظم مراحل الاضطهاد ومرحلة المقاطعة الشاملة ، وفى ذلك دلالة على مبلغ دقة الرسول صلى الله عليه وسلم فى توجيه أصحابه بالشكل الذى يحمون فيه ويأمنون ، ولم تسكت قريش فقد أرسلت وفدا الى النجاشى عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير المخزومى فى جماعة  ليسلمهم من عنده من المسلمين ، وتكون المواجهة بين وفد قريش والنجاشى والمسلمين ، ويقتنع النجاشى بعقيدة المسلمين عندما تتلى عليه سورة مريم ، ويحمى المسلمين عنده وصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، واشتد أذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحصروه وأهله فى الشعب شعب أبى طالب ثلاث سنين وقيل سنتين .

وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم الى الطائف ليدعو ثقيف الى الاسلام ، فأطلقوا عليه سفهاءهم وغلمانهم يقذفونه بالحجارة حتى أدميت قدماه ، وآوى الى بستان يحتمى بحائطه وناجى ربه :" اللهم اليك أشكو ضعف قوتى ، وقلة حيلتى وهوانى على الناس ..... " ، ونزل ملك الجبال قال:" يا محمد أمرنى ربى أن أكون طوع ارادتك لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين أى الجبلين " ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" لا يا أخى اللهم أهد قومى فانهم لا بعلمون ، أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا " متفق عليه عن عائشة رضى الله عنها ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" قيل يا رسول الله ادع على المشركين " ، قال:" انى لم أبعث لعانا ، وانما بعثت رحمة " رواه مسلم ، واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض الاسلام على القبائل ، فذهب الى " كندة " و"بنى حنيفة " و"بنى عامر " ، وكان أبو لهب يتجه قائلا للناس :" لا تصدقوه ، انما يدعوكم الى الضلال !

استمر الرسول صلى الله فى دعوته بمكة عشر سنوات ، حتى قابل أهل المدينة ودعوه الى زيارتهم والانتقال اليهم لينشر دعوته ، وكان قرار الهجرة ، ولم تسكت قريش فجهزت من كل قبيلة فتى ليقتلوه ويتفرق دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو هاشم المطالبة بدمه ، ويحثو على رؤوسهم التراب وهو متوجه الى المدينة حتى تبدا المرحلة الثالثة من نشأة الدولة الاسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم .

الرسول صلعم السياسى ورجل الدولة -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 13 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم (  13  ) 

                       الرسول صلى الله عليه وسلم السياسى ورجل الدولة .

حسب القاموس الموجود على شبكة " Politics “ هى " فن أو علم الحكم وبخاصة حكم ذاتية أو كيان سياسى مثل أمة بأسرها وادارة والتحكم فى شؤونها الداخلية والخارجية " وللامانة والدقة ساذكر التعريف كما ورد باللغة الانجليزية حتى لايحدث لبس أو 

غموض بسب الترجمة ومدلولا الألفاظ   Free Online Dictionary .

The art or science of  government or governing , especially the governing of a political entity such    as a nation and the administration and control of its internal and external affairs 

 أما التعريف الآخر فهو " فن أو علم الهيمنة على الناس على المستوى المدنى العام أو الفردى فى حالة وجود أكثر من شخصين " وبالانجليزيةWIKIPEDIA [ The Free Encyclopedia

Politics is the art or science of influencing people on a civic or individual level when there are  more than 2 people involved  

وبالنسبة لنا فان " سياسة " لغويا من ساس يسوس بمعنى قاد أو رأس ، واصطلاحا تعنى رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية وتعرف اجرائيا حسب هارولد لازول " بأنها دراسة السلطة التى تحدد من يحصل على ماذا ( المصادر المحدودة ) متى وكيف ؟ - أى دراسة تقسيم الموارد فى المجتمع عن طريق السلطة ( د ديفيد استون ) ، وعرفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات ، وعرفها الواقعيون بأنها " فن لممكن أى دراسة وتغيير الواقع الساسى موضوعيا " .

وتعبر السياسة عن عملية صنع قرارات ملزمة لكل المجتمع تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط وتتم عن طريق تحقيق أهدف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب أيديولوجيات معينة على مستوى محلى أو أقليمى أو دولى ، والسياسة هى علاقة بين حاكم ومحكوم ، وهى السلطة الأعلى فى المجتمعت الانسانية ، حيث السلطة السياسية تعنى القدرة على جعل المحكوم يعمل أو لايعمل أشياء سواء اد أو لم يرد ، وتمتاز بأنها عامة ، وتحتكر وسائل الاكراه كالجيش والشرطة وتحظى بالشرعية ، ومع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الدول وأمور الحكومات فان كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضا للدلالة على تسيير أمور أى جماعة وقيادتها ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الانسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد بما فى ذلك التجمعات الدينية والأكاديميات والمنظمات .

وأيضا السياسة هى القيام على الشىء بما يصلحه أى المفترض أن تكون الاجراءات والطرق وسائلها وغاياتها مشروعة ، فليست السياسة هى الغاية تبرر الوسيلة وليست ألعاب قذرة ، فهذا منطق المنافقين الانتهازيين .

أما العلوم السياسية فهى دراسة السلوك السياسى وتفحص نواحى وتطبيقات هذه السياسة واستخدام النفوذ ، أى القدرة على فرض رغبات شخص على الآخرين ،

وتعرف السياسة ايضا بأنها كيفية توزع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين ، ويذهب المعجم القانونى الى تعريف السياسة أنها " أصول أو فن ادارة الشؤون العامة " .

القرآن الكريم و" السياسة " نقلا عن موقع الشيخ يوسف القرضاوى .

لم يجىء القرآن بلفظ السياسة ، ولكن جاء بما يدل عليها وينبىء عنها مثل كلمة " الملك " الذى يعنى حكم الناس وأمرهم ونهيهم وقيادتهم فى أمورهم ، جاء ذلك فى القرآن بصيغ وأساليب شتى ، بعضها مدح وبعضها ذم ، فهناك الملك العادل ، وهناك الملك الظالم ، والملك الشورى ، والملك المستبد ، وقد ذكر القرآن فى الملك الممدوح ( أل ابراهيم ) " فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " النساء 54 ، وذكر من آل ابراهيم " يوسف " الذى ناجى ربه فقال " رب قد آتيتنى من الملك " يوسف 101 ، وانما قال من الملك لأنه لم يكن مستقلا بالحكم بل كان فوقه ملك ، وهو الذى قال له " انك اليوم لدينا مكين أمين " يوسف 54 ، وممن أتاهم الله الملك " طالوت " الذى بعثه الله ملكا لبنى اسرائيل ليقاتلوا تحت لوائه " وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا " البقرة7 24، وذكر القرآن من قصته مع جالوت التى أنهاها القرآن بقوله " وقتل داود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء " البقرة 51 2  ، وكذلك سليمان الذى آتاه الله ملكا لا ينبغى لأحد من بعده ، وممن ذكره القرآن من الملوك " ذو القرنين " الذى مكنه الله فى الأرض وآتاه الله من كل شىء سببا واتسع ملكه من المغرب الى المشرق وذكر الله قصته فى سورة الكهف مثنيا عليه ، وممن ذكره القرآن الكريم ملكة سبأ التى قام ملكها على الشورى لا على الاستبداد " ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " النمل 32 .

وفى مقابل هذا ذم القرآن الملك الظالم والنمتجبر المسلط على خلق الله مثل " النمروذ " الذى حاج ابراهيم فى ربه ان آتاه الله الملك " ألم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك اذ قال ابراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال ابراهيم فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين " البقرة 258 ، ومثل ملك فرعون الذى علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم ، انه كان من المفسدين " ، وقد ورد فى سورة القصص " طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * ان فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم انه كان من المفسدين " القصص 1-4 ، وبعض الملوك لم يمدحهم القرآن ولم يذمهم مثل ملك مصر فى عهد يوسف ، وهو الذى ولى يوسف على خزائن الأرض ،وان كان فى حديث القرآن عن بعض تصرفاته ما ينبىء عن حسن سياسته فى ملكه .

ومن ذلك كلمة " التمكين " كما فى قوله تعالى " وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض تبوأ منها حيث يشاء " يوسف 56 ، وقوله عن بنى اسرائيل " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " القصص 5 ، وقوله تعالى " الذين ان مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج 41 .

ومثل ذلك كلمة "الاستخلاف " وما يشتق منها مثل قوله تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لايشكون بى شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " النور 55 ، وقوله تعالى " قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأر فينظر كيف تعملون " الأعراف 129 .

ومثل كلمة " الحكم " وما يشتق منها ، مثل قوله تعلى " ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا " النساء 58 ، وهى الآية التى أدار عليها ابن تيمية نصف كتابه " السياسة الشرعية " ، وقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله " المائدة 49 ، وقوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " المائدة 50 ، وقوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " المائدة 45 ، وفى آية " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " المائدة 47 ، وفى آية ثالثة " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائدة 44

ما وردعن السياسة  فى السنة .  

 ورد فى السنة حديثا تضمن ما أشتق من السياسة وهو الحديث المتفق عليه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :ط كانت بنو اسرائيل تسوسهم  الأنبياء ، كلما هلك نبى خلفه نبى ، وأنه لانبى بعدى ، وسيكون حلفاء فيكثرون "، قالوا فما تأمرنا؟ ، قال :" فوا ببيعة الأول فالأول ، واعطوهم حقهم الذى جعل الله لهم ، فان الله سائلهم عما استرعاهم "

أول استخدام لكلمة سياسة فى معنى الولاية والحكم فى تراثنا :  وقد جاء فى الموسوعة الفقهية الكويتية فى مادة السياسة قولها : لعل أقدم نص ودت يه كلمة " السياسة " بالمعنى المتعلق بالحكم هو قول عمروبن العاص لأبى موسى الأشعى فى وصف معاوية " انى وجدته ولى عثمان الخليفة المظلوم ، والطالب بدمه ، الحسن السياسة   ، الحسن التدبير " ، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه والحاكم فى مستدركه عن المستظل أبن حصين قال :" خطب عمر بن الخطاب فقال :" قد علمت ورب الكعبة – متى تهلك العرب ! فقالم اليه رجل من المسلمين فقال :" متى يهلكون يا أمير المؤمنين ؟ قال :" حين يسوس  أمرهم من لم يعالج أمر الجاهلية ، ولم يصحب الرسول " ، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه وابن الجعد فى مسنده عن سيدنا على قال :" يا أهل الكوفة ! والله لتجدن فى أمر الله ، ولتقاتلن على طاعة الله ، او ليسوسنكم  أقوام أنتم أقرب الى الحق منهم ، فليعذبنكم ثم ليعذبنهم " رواه ابن تيمية فى المصنف – كتاب الفتن . 

الرسول صلعم القائد والسياسى ورجل الدولة -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 12 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 12 ) 

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم القائد والسياسى ورجل الدولة .

اجتمعت فى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل صفات القائد والسياسى ورجل الدولة ، كما لم تجتمع فى أحد من قبله ، كان العرب أتباعا فأصبحوا أسيادا ، وكانوا قبائل فأصبحوا اخوانا ينصر بعضهم بعضا ، وكانوا يحنون رؤوسهم لكسرى وقيصر ، ثم أصبحت جيوش كسرى وقيصر تفر من أمامهم ، حصل ذلك التحول بفعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ةتأييد الله له فى هذا الموضوع ، لقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هو رجل الدولة الأول سياسيا وعسكريا ، وكان فى قمة لا يرقى اليها أحد ، وهو الأمى الذى لا يعرف  قراءة ولا كتابة مما يدل على أن المسألة هنا ربانية المبدأ ولا بد لنجاح القيادة السياسية من نقاط تؤدى الى النجاح ،  وسوف أحاول أن أستعرض بعضا من هذا الجانب ردا على أولئك الذين يفصلون الدين عن الدولة ، وان صدق ذلك على أى دين آخر فانه لايصدق على الاسلام ، ولا على رسول الاسلام ، فلاسلام نظام حياة شامل ، ودين ودولة ، وليس مجرد طقوس أو شعائر دينية ، ولكن نظام حياة شامل بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فهو الدين الذى تعرض لكل أوجه الحيا للفرد وللمجتمع ، فهو ليس دين الفرد ، الذى يتعلم عبادات وطقوس يؤديها ثم تنقطع صلته به ، ويسعى الاسلام الى اقامة الدولة الاسلامية التى يحكمها خليفة المسلمين يطبق فيها ما شرع الله ، ولنا فى ذلك أسوة فى رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده ، ولقد أرسى رسول الله صلى الله وسلم أركان الدولة الاسلامية فى المدينة المنورة ، وقد بدأ رسول الله نواة الدعوة الاسلامية فى مكة وسط مجتمع مشرك يعبد الأصنام ، يقول ر . ف . بودلى ( كولونيل أمريكى اختلط بالعرب ودرس حياتهم الخاصة ، فأغراه ذلك الى دراسة حيلة نبيهم فدرسها دراسة واسعة شجعته على أن يكتب كتابا عن حياة هذا الرسول ومظاهر عظمته ) :" وان الدارس لقصة محمد لتبهره جكمته الساطعة ، وليرى محمدا شيئا مميزا لا يمت لعصره بسبب ، وانه ليعجب أحيانا من اعتدال أحكامه التى تعالج الأمور العامة ، كانت أفكاره سابقة لأفكار معاصريه ، لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم على نقيض من سبقه من الأنبياء ، فانه لم يكتف بالمسائل الآلهية ، بل تكشف له الدنيا ومشكلاتها ، فلم يغفل الناحية العملية الدنيوية فى دينه ، فوفق بين دنيا الناس ودينهم ، وبذلك تفادى أخطاء من سبقوه من المصلحين الذين حاولوا خلاص الناس عن طريق غير عملى ، لقد شبه الحياة بقافلة مسافرة يرعلها آله ، وأن الجنة نهاية المطاف ، وظلت أخلاقه ثابتة لا تتبدل أيا كان العمل الذى يعمله ، سواء أكان يرعى غنمهم فى سكون البادية ، أم يبيع عطوره أو أنماطه فى دمشق ، ولم تتبدل أمانته ، ولم يتغير صدقه ، بل بقيت فضائه ثابتة على الأيام ، حتى لقب " بالأمين " ولم تفتنه النساء قط ، ولم تفتنه الشهوات أيضا ، وبقيت غرائزه الجنسية مهذبة ، وكان حاضر البديهة ، عذب الحديث ، ميالا الى معاشرة الناس ، معتنيا دائما بملابسه وهندامه ، فكان يلبس للخيام لبسا وللطريق لبسا ، ويعتنى بلباسه غاية العناية اذا ما كان فى الدار ، وكا يهتم بعمامته وكانت ملابسه نظيفة أبدا ، وكا يفضل البياض ، وان كان لبس الألوان الزاهية فى أيامه الأخيرة .

وما كان محمد ثرثارا ، وان كان صادق الترحاب بمن يقبل عليه ، وكان على سليقته العربية لايتكلم الا اذا كان هناك ما يصلح للحديث ، وقد أعلن أن من الأيمان الاعراض عن اللغو ، وكان متوسط الحال ، وقد قال بعضهم فيه يوما :" انه أخفر من عذراء فى خدرها " ، ولم يثبت فى تاريخه حتى اليوم أنه أتى أمرا خارقا ، وأن الحادث التالى التالى الذى يذكر على سبيل التدليل على فطنته ، ليبرهن على أنه كان يتفوق على أقرانه برجاحة عقله ، فقد أثرت الأمطار فى الكعبة فتصدعت جدرانها ، وأصبح شد بنيانها أمرا ضروريا ، وأقبلت قريش على هذا العمل بعد احجام ، ولما آن وضع الحجر فى مكانه زاد الخصام واشتد الأمر واستفحل الخطب  ، وتحدث الكاتب عن تدخل الرسول صلى الله عليه وسلم لحل هذا الأمر كما تحدثنا من قبل .

أما زهد النبى صلى الله عليه وسلم وأتباعه فقد صوره المؤلف بفقراته التالية :" ولقد أوضح ممد صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى أن الاسلام يقوم على البساطة ، ولقد اعتنق أصحابه تلك المبادىء حتى بعد موته ، مما يروى أن خالدا قائد جيوش المسلمين فى الشام أيام خلافة عمر رضى الله عنه اجتمع بقائد الجيش الرومانى تحت خيمة كبيرة وكان الرومان يرتدون الكسى المزخرفة البراقة ويحملون سيوفا مرصعة بالجواهر المتلألئة ، أما خالد وأصحابه رضوان الله عليهم فكانوا يرتدون رداء الأعراب المقاتلين ، درعا بسيطة ، وسيوفهم الى جانبهم لا بريق فيه ولا زخرفة ، وألقى المسلمون التحية لدى دخولهم وجلسوا أرضا ، فسألهم القائد الرومانى :" لم لا يجلسون على المقاعد ، فأمعن خالد فيه النظر ثم قال :" لقد خلقت من الأرض ، منها ننبت واليها نعود ، الله خالق الأرض ، وما يخلقه الله أثمن من طنافسكم الحريرية ، وفى اليوم التالى هزم خالد وبدوه الزهاد جيش الرومان هزيمة لم يعرف لها مثيل من قبل ، واستولوا على القدس , حتى النبى عندما حقق انتصاره الأكبر ، ودخل مكة وحطم أصنام الكعبة ، وأتم فيها أهم جزء من رسالته بتطهير بيت الله من الأوثان ، نام على قطعة من الحصير ، كما كان ينام وهو أجير يقود القوافل للقرشيين ولخديجة بنت خويلد رضى الله عنها ، فلله در أولئك الزهاد الذين لم يقيسوا الدنيا بما فيها من غرور ، وانما عالجوها العلاج الذى يؤدى الى الخير ، والذين ساووا أنفسهم بأصغر صغير من أتباعهم ، لم تخدعهم المناصب ، ولم تغرهم أبهة السلطان " ، هذا ىما قاله أحد الأجانب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه وما رباهم  عليه فى مدرسة النبوة التى خرجت قادة عسكريين ورجال دولة ، بالمقارنة بمن كانوا فى عصهم وبعده ، وما حملوه من صفات تصلح للتمسك بها فى كل عصر ، فالانسان هو الانسان ، وان ما يتغير هو الوسائل التى تأتى بها الحضارة ، فلو رجع المسلمون لهذه الأخلاق وهذه المبادىء لسادوا كما ساد أجدادهم ، فبلاد المسلمين مليئة بالخيرات المادية التى يحسدهم عليه العالم ، وهناك من العلماء منهم من ينتشر فى كل مكان فى العالم ، وما يطمئن النفس أن هناك ارهاصات بعودة الروح الاسلامية الى الجسد الاسلامى ، الذى خر صريعا منذ أيام الاحتلال الأوربى  .

من سمات النبى صلى الله عليه وسلم أن يكون فى كل مناحى الحياة ، فالنبى صلى الله عليه وسلم يتميز عن غيره حتى من الأنبياء والرسل بأن سيرته المحفوظة وآثاره المعروفة شاملة كل مجالات الحياة ، يجد المعلم فيه أسوة ، ويجد الأب فيه أسوة ، ويجد التاجر فيه أسوة ، ويجد الفقير فيه أسوة ، ويجد القائد فيه اسوة ، وهكذا كل أصناف الناس وكل مجالات الحياة ، فهو مدرسة آلهية عظيمة ، فقد قال الله " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " الأحزاب 21 ، وسنتناول الرسول القائد ، وكذلك الرسول السياسى ورجل الدولة ، فقد كان صاحب المسؤلية فى دولته الكريمة التى أسسها على تقوى من الله ورضوان ، أقام دولة راشدة عادلة كريمة وملأ الحياة فيها خيرا وبركة ، ونعدد هنا بعضا من هذه الصفات 1-) قائد والد .   كان الرسو ل صلى الله عليه وسلم يرى نفسه من أمته بمنزلة الوالد ، فالقائد والد ومسؤول مسؤلية الوالد عن الأسرة ، لصيق بهم مسؤلا عنهم أبا روحيا ، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" كلكم راع ومسؤول عن رعيته : فالأمير الى على الناس راع ، وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته ، وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ، وهى مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده ، وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه الشيخان وغيرهما واللفظ للبخارى ، وفى حديث عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" انما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم " أخرجه أبو داود فى كتاب الطهارة وحسنه الألبانى ، حتى دين الميت كان يقضيه ان لم يترك له قضاء ، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل :" هل ترك لدينه فضلا ؟ " ، فان حدث أنه ترك لدينه وفاه صلى الله عليه وسلم ، والا قال للمسلمين :" صلوا على صاحبكم " ، فلما فتح الله عليه الفتوح قال:" أنا أولى بالمؤمنين من أنفسه ، فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته " أخرجه البخارى فى كتاب الكفالة / باب الدين / ومسلم فى كتاب " الفرائض " ، كان يهتم برعيته فيقول فى حديث عن معقل بن يسار المزنى :" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو عاق لرعيته الا حرم الله عليه الجنة " ، وفى رواية :" ما من أمير يلى أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح الا لم يدخل الجنة " أخرجه مسلم فى باب / استحقاق الوالى الناس لرعيته النار . 2-) قائد متواضع رفيق بالرعية.  فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :" كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل بنزع يده ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذى يصرفه ، ولم ير مقدما ركبته بين يدى جليس له " أخرجه الترمذى ، وتحلى الرسول صلى الله عليه سولم بالرفق فيقول :" ان الله رفيق يحب الرفق فى الأمر كله " أخرجه البخارى ، وفى رواية :" ان الله رفيق يحب الرفق ، ويعطى على الرفق ما لايعطى على العنف وما لا يعطى على سواه " أخرجه مسلم عن عائشة رضى الله عنها  ، ويقول :" من يحرم الرفق يحرم الخير " أخرجه مسلم عن جرير ، وعن عائشة قالت :" سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بيتى هذا :" اللهم من ولى من أمر أمتى شيئا فشق عليهم فأشق عليه ، ومن ولى من أمر أمتى شيئا فرفق هم فارفق به " أخرجه مسلم فى كتاب " الامارة " ، وقال الله عنه " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " التوبة 128

3-)قائد عادل يراعى الضعيف .  فهو يرعى العدل ويحث عليه فيقول :" ان المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا " أخرجه مسلم فىكتاب " الامارة " . 4-) حافظ لحرمات الناس لا يتنصت على رعيته .   فيقول :" من استمع الى حديث قوم يكرهونه صب فى أذنيه الأنك يوم القيامة ( أى الرصاص المذاب ) " عن أبن عباس أخرجه أحمد وححه ابن حبان ، ويرفض التجسس على الرعية ، فعن أبى برزة الأسلمى قال :" قال سول الله صلى الله عليه وسلم :" يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه .... لاتغتابوا المسلمين ..... ولا تتبعوا عوراتهم ، فان من اتبع عوراتهم يتتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه فى بيته"

 5-)الصبر على أصحابه وغيرهم .  ففى رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال :" لا يبلغنى أحد عن أحد من أصحابى شيئا ، فانى أحب أن أخرج اليهم وأنا سليم الصدر " ، قال عبد الله :" فأتى ر سول الله صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه ، فانتهيت الى رجلين جالسين وهما يقولان :" والله ما أراد محمد بقسمته التى قسمها وجه الله ولا الدار الآخرة ! ، فتثبت حين سمعتهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته ، فاحمر وجهه وقال :" دعنى عنك فقد أوذى موسى بأكثر من هذا فصبر " أخرجه الترمذى فى كتاب المناقب 6.-) الحرص على الشورى وحرية الرأى والتعبير والاستفادة من كل امكانيات أتباعه رضوان الله عليهم  .  فهو يقول لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما :" لو اجتمعتما فى مشورة ما خالفتكما " أخرجه أحمد ، وقد مارس الشورى فى مختلف القضايا الكبرى والصغرى التى تهم الأمة ، كان أبو هريرة يقول :" ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد وأخرجه الترمذى ، عندما تجىء غزوة بدر يجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحبه من المهاجرين والأنصار ليشاورهم فى الأمر ويقول :" أشيروا على أيها الناس " ، وينهض سعد بن معاذ زعيم الأوس ويقول :" يا رسول الله ، لقد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، ووالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته خضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، انا لصبر فى الحرب ، صدق فى اللقاء ، ولعل الله يريك ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله " ، وتألق وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال للمسلمين :" سيروا وأبشروا ، فان الله وعدنى احدى الطائفتين ، والله لكأنى أنظر الى مصارع القوم " ، وقبيل يوم أحد أستشار أصحابه وأخذ برأى الأغلبية ، وفى غزوة الخندق تجمع أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبى سفيان وعيينه بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كى ينتهوا من محمد صلى الله عليه وسلم ودينه وأصحابه ، جيش لايمثل قريش وحدها بل ومعه كل القبائل التى رأت فى الاسلام خطرا عليها ، ، اتفق المشركون مع زعماء غطفان وهى من أكبر قبائل العرب على الانضمام لجيش قريش ، وكان اليهود يقومون بدور تخريبى داخل المدينة وحولها فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ زعيم الأوس وسعد بن عبادة زعيم الخزرج الى " كعب ابن أسد " زعيم يهود بنى قريظة ليتبينا حقيقة موقفهم من الحرب وكان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين يهود بنى قريظة عهود ومواثيق ، فلما التقيا بزعيم بنى قريظة فوجئا به يقول لهم :" ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد ! " ، فكر الرسول صلى الله عليه وسلم فى عزل غطفان عن قريش فينقص الجيش المهاجم نصف عدده ونصف قوته ، وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم من هذه الحرب ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة ، ورضى قادة غطفان ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر فدعا اليه أصحابه ليشاورهم واهتم برأى سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة زعيما المدينة ، فقص عليهما حديث التفاوض مع غطفان وتقدم السعدان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا رسول الله أهذا رأى تختاره ، أم وحى أمرك الله به ؟ ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" بل أمر أختاره لكم ، والله ما أصنع ذلك الا لأننى رأيت العرب قد رمتكم عن وس واحد ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم الى أمر ما " ، فقال سعد بن معاذ زعيم الأوس :" يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لايطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة ، الا قرى ( أى كرما وضيافة ) أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالاسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك وبه نعطهم أموالنا ؟ والله ما لنا بهذا من حاجة ، ووالله لا نعطيهم الا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم " ، وعلى الفور عدل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن رأيه ، وأنبأ زعمء غطفان أن أصحابه فضوا مشروع المفاوضة وأنه أقر رأيهم والتزم به ، وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ليشاورهم فى ألمر فتقدم سلمان الفاسى بمقترحه الذى لم تعهده العرب ، وكان عبارة عن حفر خندق يغطى جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة ، وظلت قريش تحصر المدينة شهرا عاجزة عن اقتحامها حتى أرسل الله تعالى ريحا صرصرا عاتية اقتلعت الخيام وبددت الشمل . كما استشار أهل الاختصاص كما حدث فى حديث تلقيح النخل ، فقد روى رافع بن خديج رضى الله عنه قال :" قدم نبى الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون ( ى يلقحون ) النخل فقال :" ما تصنعون ؟ قالوا:" كنا نصنعه " ، قال:" لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا " ، فتركوه ، فتفضت أو فنقصت ، قال :" فذكر وا ذلك له فقال :" انما أنا بشر ، اذا أمرتكم بشىء من دينكم فخذوا به ، واذا أمرتكم بشىء من رأيى فانما أنا بشر " رواه مسلم فى الفضائل ، ، وفى رواية آخر عن طلحة قال :" مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فقال :" ما يصنع هؤلاء ؟ " ، فقالوا :" يلقحونه – يجعلون الذكر فى الأنثى فيلقح " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أظن بغنى ذلك شيئا " ، قال :" فأخبروه بذلك فتركوه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال :" ان كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فانى انما ظننت ظنا ، فلا تؤاخذونى بالظن ، ولكن اذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به ، فانى لن أكذب على الله عز وجل " أخرجه مسلم فى كتاب الفضائل ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم سمحاءكم ، وأموركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير لكم من بطنها ، واذا كان أمراؤكم شراركم ، واغنياؤكم بخلاءكم ، وأمركم الى نسائكم ، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها " أخرجه الترمذى فى كتاب الفتن ، ويوم الحديبية أشارت عليه أم سلمة زوجته رضى الله عنها فأخذ برأيها ، وفى القرآن الكريم سورة  "الشورى " ، وفى سورة الشورى يصف القرآن الكريم المؤمنين " والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون " الشورى 38 ، وفى سورة آل عمران " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر قاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين " 159  وكان كل من أبى بكر وعمر رضى الله عنهما يلقبهما الصحابة رضوان الله عليهم بالوزيرين له ، وكان يسمر معهما فى قضايا المسلمين ، ولما مرض أمر أبا بكر أن يصلى بالناس ، وهذا الذى جعل المسلمين يختارونه بعده خليفة ، ثم كان عمر رضى الله عنه الخليفة الثانى ، والناس يعرفون ماذا فعل أبو بكر وعمر رضى الله عنهما يوم حكما الناس هل يشك أحد أن تركيز الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما كان فى محله ، واختار زيد بن حارثة ليقود جيش المسلمين ، واختار السفراء والمبعوثين له وكان يختار كل شخص لما منحه من سجايا ، وكان أكثر الخلق فراسة فى اختيار الرجل المناسب للمقام المناسب .

7-)الثقة التى كان يتمتع بها صلى الله عليه وسلم عند أتباعه .   للثقة بيت الناس وقائدهم أهمية عظيمة عند أصحاب الفكر السياسى ، لذلك نرى فى أنظمة الحكم اليمقراطية أن الحكومة تبقى حاكمة ما دامت متمتعة بثقة شعبها ، أما اذا فقدت الثقة فقد تلاشى كل شىء وفقدت الأمة قوتها وضعف روحها المعنوية وضرب اقتصادها وبالتالى يهوى به ، وان تاريخ العالم كاه لا يعرف مثلا واحدا يشبه ما كانت عليه ثقة أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم به ، ان ثقة الناس بالقائد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت ثقة غير متناهية يكفى لادركها أن نرى بعضا من مواقف الصحابة رضوان الله عليهم فى أدق واصعب الأحوال يقول الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك  فاعف عنهم وشاورهم فى الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين " آل عمران 159 ، قال أبو الهيثم بن النبهان :" يا رسول الله وان بيننا وبين الناس حبالا ( أى أحىفا وعهود ) فلعلنا نقطعه ثم ترجع لى قومك وقد قطعنا الحبال وحاربنا الناس ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وقال :" الدم الدم ، الهدم الهدم " ، وفى رواية "بل الدم الد والهدم الهدم " ، أنا منكم وأنتم منى ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم ، ثم أقبل أبو الهيثم على قومه فقال :" يا قوم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أنه لصادق ، وانه اليوم فى حرم الله وأمنه وبين ظهرى قومه وعشيرته ، فاعلموا أن تخرجوه ، رمتكم العرب عن قوس احدة  ، فان كانت طابت أنفسكم بالقتال فى سبيل الله وذهاب الأمول والأولاد فادعوه الى أرضكم فانه رسول الله حقا ، وان خفتم خذلانا فمن الآن ، فقالوا عند ذلك :" قبلنا عن الله وعن رسوله ما أعطيانا ، وقد أعطينا من أنفسنا الذى سألنا رسول الله ، فخل بيننا يا أبا الهيثم وبين رسول الهه فلنبايعه  ، فقال أبو الهيثم :" أنا أول من بايع " ، ان شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كنت من الأسر والقوة والنفاذ بحيث لا يمكن من يخالطها الا أن يذوب فيها ، ولعل فى قصة زيد بن حارثة ما يؤكد هذا المعنى ، اذ أتى أبو زيد وأعمامه ليشروه ويرجعوا به الى أهله حرا ، ولكن زيد يختار صحبة محمد صلى الله عليه وسلم مع ( العبودية حسب تصور العرب ) على فراقه مع الحرية ولقاء الأهل ، وكان ذلك قبل النبوة ، ونذكر موقف زعيم الأنصار سعد بن معاذ عندما بايعه وقال له :" لو خضت بنا هذا البحر لاتبعناك وما تخلف منا رجل واحد " . 8-) قدرته على حل المشاكل الطارئة .   ان انهيار الدعوات والتنظيمات السياسية عادة ما يكون بسبب مشكلة طارئة لا تستطيع لقيدة حلها ، مما يؤدى الى الانقسام ، وكلما كانت القيادة قادرة على حل المشاكل كان ذلك أضمن لنجاح الدعوة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد الذى استطاع أن يدير هذه القبائل قوية المراس ، ومن أبرز الأمثلة حله مشكلة وضع الحجر الأسود فى الكعبة حين هدمها سيل وقررت قريش اعادة بناءها وذلك قبل النبوة وكان ذك يمكن أن يكون سببا للحرب بينها ، فارتضوه حكما فقال صلى الله عليه وسلم :" هلم الى ثوبا فأتى به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيد ثم قال :" لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعو جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه " ، وكان حل مشاكل الصحابة اليومية الفردية والجماعية ، قال عنه بنارد شو الكاتب المسرحى :" ما أ؛وج العالم لى رجل كمحمد يحل مشاكله وهو يشرب فنجانا من القهوة " ، وكان يسوس شعبا من اعصى شعوب العالم انقيادا وطاعة وسياسة .

9-) اتسامه ببعد النظر .  ان لدارس لتصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أنه لا يوجد تصرف الا وفيه عناية الحكمة ، وبعد النظر ويتجلى فى تخطيطه للمعارك كما حدث فى موقعتى بدر وأحد وغزوة مؤتة وغيرها ، وفى عقد الاتفاقات مثل صلح الحديبية واعطاءه العهود لأهل المدينة ، وفى زواجه من زوجاته بعد السيدة خديجة رضى الله عنها ، ان الأمثلة كثيرة ولكن يبقى أن ندرك الأفق الأعلى الذى كان ينظر منه عليه السلام وندرك أن قيادته جزء من صلته بالله المحيط بكل شىء ، فكان مسددا راشدا مهذبا .

اخلاق النبى صلعم - اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 11 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 11 ) 

                           أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وبعضا من صفاته الخلقية .

يقول القرآن الكريم " وانك لعلى خلق عظيم "القلم 4، لو تأملنا هذه الآية لوجدنا فيها بلاغة عظيمة فى تأكيد المعنى من استخدام "واو " القسم واستخدام " ان" وكذلك " اللام " للتأكيد والتشديد على خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وأتبع ذلك استخدام الصفة " عظيم " ، ولنا أن نصور منزلة الرسول عند ربه من هذه الآية ومدى ما يتمتع به من خلق ، و عن سعد بن هشام بن عامر قال :" أتيت عائشة رضى الله عنها فقلت :" يا أم المؤمنين أخبرينى بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، قالت :" كان خلقه القرآن ، أما تقرأ فى القرآن قول الله عز وجل " وانك لعلى خلق عظيم " ، وقال :" أدبنى ربى فأحسن تأديبى " من الجامع الصغير عن ابن مسعود ، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا " ، وعنه رضى الله عنه قال :" لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدى فانطلق بى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان أنسا غلام كيس فليخدمك قال :" فخدمته فى السفر والحضر والله ما قال لى لشىء صنعته لم صنعت هذا هكذا ؟ ولا لشىء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا ؟" رواه مسلم ، وعن أنس رضى الله عنه قال :" لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا ، وكان يقول عند المعتبة " ما له ترب جبينه " ( تقال ويقصد بها التلطف والترفق ) " رواه البخارى ، ، ولم يكن فاحشا أولعانا بل كان يدعو بخير ، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" قيل يا رسول الله ، ادع على المشركين " ، قال :ط انى لم أبعث لعانا ، وانما بعثت رحمة " ، وذلك مصداقا لقول الله تعالى " وما أرسناك الا رحمة للعالمين " الأنبياء 107 ، ويورد هذا الحديث الآتى بعضا من خلقه ، فعن ابن أبى أوفى رضى الله عنهما قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ، ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، ولايأنف أن يمشى مع الأرملة والمسكين فيقضى لهما الحاجة " رواه النسائى ، وذلك مصداقا لقول الله " قد أفلح المؤمنون * الذين هم فى صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون " المؤمنون 1-3، ومصداقا لقوله " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما * والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراما * انها ساءت مستقرا ومقاما " الفرقان 63 – 66

كثرة حيائه .وعن حياء الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أبى سعيد الخدرى : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءا من العذراء فى خدرها ، وكان اذا كره شيئا عرفناه فى وجهه " رواه مسلم

علمه بالله وشدة خشيته منه . فعن عائشة رضى الله عنها قالت :" صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخص فيه ، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه ، فبلغه ذلك ، فقام خطيبا فقال :" ما بال رجال بلغهم عنى أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه ، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية " رواه مسلم ( ترخص فى الأمر أى أخذ فيه بالرخصة ) .

اختياره من المباح أسهله .عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت :" ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمرين الا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن اثما ، وان كان اثما كان أبعد الناس منه ، وما أنتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه الا أن تنتهك حرمة الله عز وجل " رواه مسلم ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" ان الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد الا غلبه فسددوا ( أى أطلبوا السداد والاستقامة ) وقاربوا ( أقتصدوا فى الأمور ) ، وأبشروا ( أى تحدثوا بالخير السار ) ، واستعينوا بالغدوة ( بالفتح السير أول النهار ) والروحة ( السير بعد الزوال ) وشىء من الدلجة ( بالفتح السير آخر الليل وقيل الليل كله ) " أخرجه البخارى والنسائى واللفظ للبخارى ، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :" لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم ، فان قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم فى الصوامع ( مكان لعبادة النصارى ) والديار ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " أخرجه أبو داود واللفظ له ، وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب قالا :" كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فانما هلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم " رواه مسلم . .

بشاشته وتسامحه .  كان اذا تبسم لم يتجاوز الحد ، فقد كان بشوشا يتبسم ، ولم يكن مقطب الجبين ، حتى مع من أساء معه الأدب ، فعن عائشة رضى الله عنها قالت :" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ( بضم الميم وتسكين السين وفتح الحاء ) قط ضاحكا ، حتى ترى منه لهواته ( اللهاة اللحمة المشرفة على الحلق وجمعها لهوات ولهيات والمقصود أن أقصى ضحك للنبى صلى الله عليه وسلم التبسم وما رآه أحد يستغرق فى الضحك حتى تظهر لهواته ) ، اتما كان يتبسم " أخرجه الشيخان ، وروى جرير بن عبد الله رضى الله عنه قال :"  ما حجبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم قط منذ أسلمت ولا رآنى الا تبسم " ، وقال عبد الله بن الحارث :" ما رأيت أحدا أكثر تبسما من سول الله صلى الله عليه وسلم" كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم متسامحا لاينتقم الا لحدود الله ومحارمه ، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت :" ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ، ولا أمرأة ، ولا خادما ، الا أن يجاهد فى سبيل الله ! ، وما نيل منه شىء قط فينتقم من صاحبه ، الا أن ينتهك شىء من محارم الله ، فينتقم لله عز وجل ! " رواه مسلم ، وعن أنس رضى الله عنه قال :" كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابى فجبذه ( أى جذبه من ثوبه جذبا شديدا ) بردائه جبذة شديدة ، فنظرت الى صفحة عاتق النبى صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذنه ، ثم قال :" يا محمد ! مر لى من مال الله الذى عندك ! فالتفت اليه فضحك ثم أمر له بعطاء " . رواه الشيخان

رفقه ولينه وتواضعه . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقا بأمته حتى فى العبادات ، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ، وما سبح  (أى تنفل ) رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط ، وانى لأسبحها " رواه الشيخان واللفظ للبخارى ، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" انى لأدخل فى الصلاة وأنا أريد اطالتها فأسمع بكاء الصبى فأتجوز فى صلاتى مما أعلم من شدة وجد ( أى حزن ) أمه من بكائه ! " ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :ط قام أعرابى فبال فى المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم :" دعوه وهريقوا على بوله سجلا ( بفتح السين وتسكين النون  الدلو العظيمة ) من ماء ، أو ذنوبا من ماء ( بمعنى السجل ) ، فانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " ، وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهى تبكى فقال :" أنفست ؟ ( يعنى الحيضة ) ، قالت :" نعم " ،قال :" ان هذا شىء كتبه الله على بنات آدم ، فاقضى ما يقضى الحاج ، غير أنه لا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى " رواه مسلم ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت :" قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :" أتقبلون صبيانكم ؟ ، فقالوا :" نعم " ، فقالوا :" لكنا ما نتقبل ! ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو أملك ان كان الله نزع منكم الرحمة " رواه مسلم ، وبقول الله عز وجل " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " الأنبياء 107

وعن أنس رضى الله عنه أن أمرأة كان فى عقلها شىء فقالت :" يا رسول الله ان لى اليك حاجة " ، فقال :" يا أم فلان أنظرى أى السكك شئت ، حتى أقضى لك حاجتك ! ، فخلا معها فى بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها " ( أى وقف معها فى طريق مسلوك حتى أفتاها فيما سألت عنه ) رواه مسلم .

حب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم .  كان الصحابة رضوان الله عليهم يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم حبا كبيرا ، فعن أنس رضى الله عنه قال :" لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة الا فى يد رجل " رواه مسلم ، وقال أنس ضى الله عنه :" كان خدم المدينة يأتون فيها الماء فيغمس ( الرسول صلى الله عليه وسلم ) يده فيها للتبرك "

كرم الرسول صلى الله عليه وسلم وسخاؤه .   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سخى شديد الانفاق ، وعن موسى بن أنس عن أبيه قال :" ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا الا أعطاه ( أى ما سئل من متاع الدنيا ) ، قال :" فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع الى قومه فقال :" يا قوم أسلموا ، فان محمدا صلى الله عليه وسلم يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة " رواه مسلم ، وعن ابن عباس قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون فى شهر رمضان ، ان جبريل عليه السلام كان يلقاه فى كل سنة فى رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فاذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة " رواه مسلم ، وفى صحيح البخارى عن ابن عباس قال:ط كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكا أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة " ، وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لو كان لى مثل أحد ذهبا لسرنى أن لا تمر على ثلاث ليال وعندى منه شىء الا شىء أرصده لدين " أخرجه الشيخان ، وعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال :" كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال :" اشفعوا تؤجروا ، ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب " رواه الشيخان .

شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم . عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم الى الصوت وهو على فرس لأبى طلحة فى عنقه السيف وهو يقول :" لم تراعو ، لم تراعوا " ، فقال :ط وجدناه بحرا ، أو انه لبحر وكان فرسا يبطىء " رواه مسلم ، وقال على رضى الله عنه :" كنا اذا أحمر البأس ولقى القوم القوم أتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه " رواه الامام أحمد فى المسند ، وفى غزوة حنين ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم مع نفر قليل وأخذ يصيح :" أنا النبى لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " واجتمع حوله نفر من الصحابة حتى انقلب ميزان المعركة لصالح المسلمين ، وهناك الكثير من الأمثلة على بلائه فى الغزوات .

زهده فى الدنيا .  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم زاهدا فى الدنيا معرضا عنها ، وكان يكثر من الصدقات ، وينفق انفاق من لايخشى الفقر ابتغاءا للآخرة ولرضوان الله ، فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :" نام رسول الله صلى الله عليه وسام على حصير فقام وقد أثر فى جنبه ! قلنا :" يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء ؟ ( فراشا ناعما لينا ) ، فقال :" ما لى وللدنيا ( أى لا حاجة لى بها ) ما أنا فى الدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها " رواه الترمذى وقال حديث صحيح ، وعن ثابت بن أنس قال :" كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد " رواه الترمذى وقال حديث غريب ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت :" كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسام من آدم ( أى جلد ) حشوه ليف " رواه البخارى ، وعن عائشة رضى اله عنها قالت :" توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى فى شلاشين صاعا من شعير " رواه الشيخان ، وعن عمرو بن الحارث أخى جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضى الله عنهما قال :" ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا الا بغلته البيضاء التى كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لأبن السبيل صدقة " رواه البخارى ،  وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة ، فاذا هو بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما فقال :" ما أخرجكما من بيوتكما هذه لساعة ؟ " ، قالا :" الجوع يا رسول الله ! " ، قال :" وأنا والذى نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما ! قوما ! " ، فقاما معه فأتى رجلا من الأنصار قاذا هو ليس فى بيته فلما رأته المرأة قالت :" مرحبا وأهلا " ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أين فلان ؟ " قالت :" ذهب يستعذب لنا الماء ( أى يطلب الماء العذب ) ، اذ جاء الأنصارى فنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم قال :" الحمد لله ، ما أحد اليوم أكرم أضيافا منى ! " ، فانطلق فجاءهم بعذق ( بكسر العين وتسكين النون أى الغصن الذى فيه بلح ) فيه بسر ( بضم الباء ) وتمر ورطب فقال :" كلوا وأخ المدبة ( بضم الميم السكين ) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اياك والحلوب ( أى ذات اللبن ) فذبح لهم فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق وشربوا ، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما :" والذى نفسى بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " رواه مسلم ، وهذا الأنصارى الذى أتوه هو أبو الهيثم بن التيهان كما جاء مبينا فى بعض الروايات عن الترمذى وغيره ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت :" ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض ! " رواه الشيخان ، وعن أبن عباس رضى الله عنهما قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالى المتتابعة طاويا ( أى جائع ) وأهله لا يجدون عشاءأ ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير " رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح ، وعن النعمان بن بشير رضى الله عنهما قال :" لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من القل ما يملأ به بطنه ( الدقل تمر ردىء ) " رواه مسلم ، وعن أنس ضى الله عنه قال :" لم يأكل النبى صلى الله عليه وسلم على خوان ( بكسر أوله اسم ما يوضع عليه الطعام ) حتى مات ! وما أكل خبزا مرققا ( الأرغفة الواسعة الرقيقة ) " رواه البخارى ، وفى رواية له " ولا رأى شاة سميطا بعينه قط ( السميط هى الشاة التى تشوى بالنار بعد أن يزال عنها صوفها بالماء الحار ) ، وعن عروة عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تقول :" والله يا ابن أختى ان كنا لننظر الى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ، ثلاثة أهلة فى شهرين ، وما أوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ! ، قلت :" يا خالة فما كان يعيشكم " ، قالت :" الأسودان : التمر والماء ، الا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار ، وكانت لهم منايح ( مفرده منيحة وهى فى الأصل اسم لما يعطى من الشاة أو الناقة ، يقصد يشرب لبنها ) ، وكانوا يرسلون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا " رواه الشيخان .

أوصاف الرسول صلعم الخلقية - اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 10 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 10 ) 

                            أوصاف الرسول صلى لله عليه وسلم الخلقية     

  عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :ط كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ( أى المفرط الطول ) ولا بالقصير ، وليس بالأبيض الأمهق ( أى الذى بياضه خالص كلون الثلج واللبن لا تشوبه حمرة ) ، ولا بالآدم ( أى شديد السمرة ) ، وليس بالجعد القطط ( أى شديد الجعودة وهى تلبد الشعر ) ، ولا بالسبط ( أى الشعر المسترسل ومعنى الجملة أن شعره كان وسط بين الجعد والمسترسل ) ، بعثه الله على رأس أربعين سنة ، فأقام بمكة عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتوفاه الله على راس ستين سنة وليس فى رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء " رواه الشيخان واللفظ لمسلم فى كتاب الفضائل ( الصحيح عند أهل العلم أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة ، وأن عمره صلى الله عليه وسلم بلغ ثلاث وستون سنة ) ، وعن على بن أبى طالب رضى الله عليه وسلم قال :ط بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن ، فانى لأخطب يوما على الناس ، وحبر من أحبار اليهود ( بكسر الحاء أى عالم دين ) واقف ، فى يده سفر ينظر فيه فنادى الى فقال :" صف لنا أبا القاسم ، فقال على رضى الله عنه :" رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالقصير ولا بالطويل البائن ، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط ( القطط شديد الجعودة وهى خشونة الشعر وتلبده ، والسبط من الشعر المنبسط المسترسل ) ، هو رجل الشعر ( بفتح الحاء أى شعره كان وسطا بين الجعودة والسبوطة أسود اللون ) أسود ، ضخم الراس ، مشرب لونه حمرة ( بضم الميم وتسكين الشين وفتح الراء المراد لونه كان أبيض يميل الى الحمرة ) ، عظيم الكراديس ( هى رؤوس العظام واحدها كردوس وقيل هى ملتقى كل عظمتيمن ضخمتين كالركبة والمرفقين والمنكبين أراد أنه ضخم الأعضاء ) ، شتن الكفين والقدمين ( أى أنهما يميلان الى الغلظ والقصر وقيل الشتن هو الذى فى أنامله غلظ بلا قصر ويحمد ذلك فى الرجال) ، طويل المسربة ( بتسكين السين وضم الراء هو الشعر الذى يكون فى النحر الى السرة ) ، أهدب الأشفار ( الشفر هو حرف جفن العين الذى نبت عليه الشعر وكان أهدب الأشفار أى طويل شعر الأجفان ) ، مقرون الحاجبين ( القرن بفتح أوله وثانيه التقاء الحاجبين ) ، صلت الجبين ( أى واسعة جبينه ، وقيل الصلت الأملس وقيل البارز والجبين جانب الجبهة وهما جانبان عن يمين الجبهة وشمالها ) ، بعيد ما بين المنكبين ( المنكب مجتمع رأس العضد والكتف ) ، اذا مشى يتكفأ كأنما ينزل من صبب ( الصبب  بفتحتيم ، الموضع المنحدر ومعنى يتكفأ يتمايل الى قدام ) ، لم أر قبله مثله ، ولم أر بعده مثله ! ، قال على :" ثم سكت " ، فقال لى الحبر :" وماذا ؟ " ، قال على :" هذا ما يحضرنى " ، قال الحبر :" فى عينيه حمرة ، حسن اللحية ، حسن الفم ، تام الأذنين ، يقبل جميعأ ويدبر جميعا ( أى سريع الخطى ) ، فقال على :" هذه والله صفته " ، قال الحبر :" وشىء آخر" فقال على :" وما هو ؟ " ، قال الحبر :" وفيه جنأ ( ميل فى الظهر وقيل العنق وتفسير الجنأ بالأنكباب والميل وهو المناسب لتفسير على كرم الله وجهه ) ، قال على :" هو الذى قلت لك كأنما ينزل من صبب " ، قال الحبر :ط فانى أجد هذه الصفة فى سفر آبائى ، ونجده يبعث من حرم الله وأمنه وموضع بيته ، ثم يهاجر الى حرم يحرمه هو ويكون له حرمه كحرمة الحرم الذى حرم الله ، ونجد أنصاره الذين هاجر اليهم قوما من ولد عمرو بن عامر ، أهل نخل وأهل أرض قبلهم يهود " ، قال على :" هو هو ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، فقال الحبر :ط فانى أشهد أنه نبى الله وأنه رسوله صلى الله عليه وسلم الى الناس كافة ، فعلى ذلم أحيا وعليه أموت ، وعليه أبعث ان شاء الله " ، قال :" فكان يأتى عليا فيعلمه القرآن ويخبره بشرائع الاسلام ، ثم خرج على والحبر هنالك ، حتى مات فى خلافة أبى بكر ، وهو مؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يصدق به " رواه أبن سعد قال :ط أخبرنا محمد بن عمر الأسلمى حدثنى عبد الله بن محمد بن عمر بن على أبى طالب عن أبيه عن جده عن على ( طبقات أبن سعد الكبرى )  ، وعن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط ( الشمط بفتحتين اختلاط بياض الشعر بسواده ) مقدم رأسه ولحيته ، وكان اذا أدهن لم يتبين ، واذا شعث رأسه تبين ، وكان كثير شعر اللحية " ، فقال رجل :" وجهه مثل السيف ؟ " ، قال :" لا بل كان مثل الشمس والقمر ، وكان مستديرا ، ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده ( كان بين كتفيه صلى الله عليه وسلم قطعة لحم فى مثل بيضة الحمامة تشبه جسده ) ، وقال أبن عباس رضى الله عنه :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج ( الفلج بفتحتين تباعد ما بين القدمين وتباعد ما بين الأسنان ) الثنيتين ، اذا تكلم رؤى كالنور يخرج من بين ثناياه " رواه الدرامى والترمذى فى الشمائل ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :" ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأن الشمس تجرى فى جبهته ! وما رأيت أحدا أسرع مشيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنما الأرض تطوى له ! ، انا لنجهد أنفسنا وانه لغير مكترث ! " رواه الترمذى وأبن سعد ،وعن أنس رضى الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ( أى أبض منيرأ ) ، كأن عرقه اللؤلؤ ، اذا مشى تكفأ ( أى تمايل الى قدام كما تتمايل السفينة فىجريها ) ، ما مسست ديباجة ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من رائحة النبى صلى الله عليه وسلم " رواه الشيخان ، وعن جابر بن سمرة قال :" صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى ثم خرج الى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدى أحدهم واحدا واحدا " ، قال :" وأما أنا فمسح خدى " ، قال :" فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جونة ( التى يعد فيها الطيب ) عطار ! " أخرجه مسلم ، وعن أنس عن أم سليم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا ( فراش من جلد ) فيقيل عليه وكان كثير العرق فكانت تجمع عرقه فتجعله فى الطيب والقوارير فقال النبى صلى الله عليه وسلم :" يا أم سليم ما هذا ؟ " ، قالت :" عرقك أدوف به طيبى ( معناه أخلطه ) " أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم ، وأم سليم رضى الله عنها خالته صلى الله عليه وسلم من الرضاع " ، روى مسلم عن أنس رضى الله عنه قال :" ما شممت شيئا قط مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله صلى الله علي وسلم .

184- ] English Literature

184- ] English Literature Jane Austen  Austen’s novels: an overview Jane Austen’s three early novels form a distinct group in which a stro...