Grammar American & British

Wednesday, July 8, 2020

قالوا عن محمد صلعم اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 23 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم  ( 23 ) 
قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ظل الفكر الغربى قرونا طويلة يكيد للاسلام ويشوهه ويشوه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا ننسى ما حدث فى محاكم التفتيش فى الأندلس من حرق للمسلمين أحياء ، وحرق للمكتبات والتراث الاسلامى ، واستمر هذا النهج مع الحروب الصليبة ( 489 – 690 هجرية / 1096 – 1291 م ) واستمر نهج الاحتلال الغربى لبلاد المسلمين ، ويستمر فى العصر الحديث ، واذا أردنا الاشارة الى نماذج من هذه الشهادات الغربية على هذه الافتراءات فاننا نستطع على سبيل المثال أن نشير الى شهادة المستشرق الفرنسى الكبير " مكسيم رودنسون " ( 1915 – 2004 ) وهو من أصل يهودى والذى تحدث عن الصورة التى يعاد تقديمها أفلاما ورسوما ومقالات هذه الأيام ! ، لقد تحدث عن هذه الصورة فقال :" لقد حدث أن الكتاب اللاتينيين الذين أخذوا على عاتقهم بين سنة 1100 – 1140 م اشباع حاجة الانسان العامى الى كراهية الاسلام ورسوله .. أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد ، دون اعتبار للدقة ، فاطلقوا العنان  " لجهل الخيال المنتصر " .. فى الحروب الصليبية – فكان محمد فى عرفهم ساحرا ، هدم الكنيسة فى افريقيا والشرق عن طريق السحر والخديعة ، وضمن نجاحه بأن اباح الاتصالات الجنسية ! ، وكان محمد – كما صورته الملاحم الشعبية الغربية الصنم الرئيسى الذى يعبده المسلمون !.. وكا معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة البدو ... وكانت تماثيله حسب أقوالهم تصنع من مواد ثمينة ، وذات أحجام هائلة ! " هكذا حكى " مكسيم ردونسون " طرفا من الصورة التى زيفها العقل الصليبى لرسول الاسلام صلى الله عليه وسلم ، والتى صاغها هذا العقل شعرا وملاحم شعبية أشاعها الشعراء الجوالون بين الجماهير والدهماء ، لتستق فى مخزون الثقافة الغربية ، وتشيع فى الكتب الدراسية ، وليستدعيها الرسامون ومنتجو الأفلام فى هذه الأيام ! ، ويحكى المفكر الألمانى " هوبرت مومر " – فى كتابه " صورة الاسلام فى التراث الغربى " " كيف أن الأوربيين ادعوا أت رسول الاسلام كان كاردينالا كاثوليكيا ، تجاهلته الكنيسة فى انتخابات البابا فقام بتأسيس طائفة ملحدة فى الشق انتقاما من الكنيسة ، واعتبرت أوروبا المسيحية – فى القرون الوسطى – محمد المرتد الأكبر عن المسيحية ، الذى يتحمل وزر انقسام البشرية عن الديانة المسيحية ! " ، ويكشف هذا المفكر الألمانى عن أن هذه الصورة الصليبية الزائفة لرسول الاسلام قد شارك فى صنعها كبا الفلاسفة والقديسين والمفكرين الغربيين ! ، فأكبر فلاسفة الكاثوليكية " توما الأكوينى " ( 1225 – 1274 م ) يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انه هو الذى أغوى الشعوب من خلال وعوده الشهوانية ، وقام بتحريف جميع الأدلة الواردة فى التوراة والأناجي من خلال الأساطير والخرافات التى كان يتلوها على أصحابه ولم يؤمن برسالة محمد الا المتوحشون من البشر ، الذين كانوا يعيشون فى البادية ! " هكذا زيف أكبر فلاسفة الكاثوليكية صورة نبى الاسلام صلى الله عليه وسلم ، الذى جاء بكتاب مصدق لما بين الكتب السماوية جميعا ! والذى أعلن أنه لايفرق بين أحد من رسل الله ، ويا ليت توما الأكوينى كان حيا اليوم ليرى حفاظ الاسلام والمسلمين على الأسرة والعفة ، فى الوقت الذى أفلست فيه كثير من الابراشيات الغربية بسبب التعويضات التى تدفع للأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية من كبار وصغار رجال الدين ! ، وياليته يرى ما يحدث من اعتراف بزواج الثليين فى البلاد الأوربية وقيا بعض الكنائس بتوثيق هذا العقد !
واذا كان واقعنا المعاصر يشهد تدنيس المصحف الشريف واحراقه من قبل كنائس بروتستانتية غربية ، فان المفكر الأمانى " هوبرت كومر " يكشف لنا عن حقيقة أن هذه الكنائس البروتستانتية انما تغترف من ثقافة الكراهية السوداء التى وضع أساسها زعيم البوتستانتية " مارتن وثر " ( 1483 – 1546 م ) الذى وصف القرآن الكريم بأنه " كتاب بغيض وفظيع وملعون وملىء بالأكايب والخرافات والفظائع ! " ، ثم نصح أتباعه بتزييف صورة القرآن ، فبدلا من فهم آياته ومقاصده ، دعا الى استخدام الصورة المزيفة لترجمة القرآن وتعرف المسيحيين عليه ، وعلى القساوسة أن يخطبوا أمام الشعب عن ظائع محمد ، حتى يزداد المسيحيون عداوة له ، وأيضا ليقوى ايمانهم بالمسيحية ، وتتضاع جسارتهم وبسالتهم فى الحرب ضد الأتراك المسلمين ، وليضحوا بأموالهم وأنفسهم فى هذه الحروب ! " كما قال مارتن لوثر " ، أما المستشرقة الألمانية " سيجريد هونكة " ( 1913 – 1999  م ) فانه تحكى كيف صورت الكنيسة الأوربية بلاد الاسلام عالما من الخرافات والأساطير ، عبدة الشيطان والسحرة المتضرعين الى الشيطان .. بلاد الأضاحى البشرية من أجل صنم هبى ، تسهر على سلامته عصبة من الشياطين أسمه محمد ! " من مقال الدكتور محمد عمارة فى افتتاحية كتاب الأزهر " نبى الاسلام فى مرآة الفكر الغربى " هدية مجلة " الأزهر " عدد ربيع الآول 1434 هجرية / فبراير 2013   وعلى النقيض من ذلك كان هناك المنصفون الذين درسوا الفكر الاسلامى وكان لهم رأيهم الخاص ، وسوف نورد بعضا من هذا الفكر لبعض منهم .
توماس كارليل ( 1795 – 1881 م ) الكاتب الأنجليزى .   تناول فى كتابه " الأبطال " حياة محمدا صلى الله عليه وسلم بالبحث والتحليل قائلا :" من العار أن يصغى أى انسان متمدين من أبناء هذا الجيل الى وهم القائلين أن دين الاسلام كذب وأن محمدا لم يكن على حق ، لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة ، فالرسالة التى دعا اليها هذا النبى ظلت سراجا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمان ، لملايين كثيرة من الناس ، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التى عاشت عليها هذه الملايين وماتت اكذوبة كاذب أو مخادع ؟ ، ولو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفا وعبثا ، وكان الأجدر بها ألا توجد ، هل رأيتم رجلا كاذبا يستطيع أن يخلق دينا ويتعهده بالنشر بهذه الصورة ؟ ، ان الرجل الكاذب لايستطيع أن يبنى بيتا من الطوب لجهله بخصائص مواد البناء ، واذا بناه فما ذال الذى يبنيه الا كومة من أخلاط هذه المواد ، فما بالك بالذى يبنى بيتا تبقى دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه هذه الملايين الكثيرة من الناس ؟!  ، وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمدا رجلا كاذبا متصنعا متذرعا بالحيل والوسائل لغلية أو مطمع ، وما الرسالة التى أداها الا الصدق والحق ، وما كلمته الا صوت حق صادق صادر من العالم المجهول ، وما هو الا شهاب أضاء العالم أجمع ، ذلك أمر الله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهب جدلا أن لمحمد هفوات ، فانه ليس فى مقدور هذه الهفوات أن تستمر تلك الحقبة الكبرى وهى أنه رجل صادق ونبى مرسل، ثم استرسل توماس كارليل يقول :" أحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع ، ولقد كان ابن الصحراء مستقل الرأى ، لا يعتمد الا على نفسه ، ولا يدعى ما ليس فيه ، ولم يكن متكبرا ، ولا ذليلا ،فهو قائم فى ثوبه المرقع ، كما أوجده الله ، يخاطب بقوله الحر المبين أكاسرةالعجم وقياصرة الروم ، يرشدهم الى ما يجب عليهم لهذه الحياة ، وللحيا ىلآخرة ، وما كان محمد بعابث قط ، وشاب قوله شائبة لعب ولهو ، فكانت المسائل عنده مسئألة فناء وبقاء ، أما التلاعب بالأقوال والعبث بالحقائق فما كان من عادته قط ، وكان محمد اذا سئل أن يأتى بمعجزة قال حسبكم بالكون معجزة ، انظروا الى هه الأرض ، أليست من عجائب صنع الله ؟! ، أليست آية من آيات عظمته ، أنظروا الى هذه الأرض التى خلقها الله لتمشوا فى مناكبها ولتأكلوا من رزقها ، أنظروا الى هذا السحاب المسير فى الآفاق كيف يتحول الى ماء يروى الأرض ويخرج به النبات والزرع ، ألستم أنت معجزات ؟ ، لقد كنتم صغارا ، وقبل ذلك لم تكونوا أبدا ، ثم لكم جمال وقوة وعقل ، ثم يلأتيكم المشيب ثم تموتون ، لقد كان الكون نفسه فى نظره معجزة ! ، لقد كان يرى كل ما كان يراه كبار المفكرين ، وهو أن هذا الكون المادى انما هو فى الحقيقة لا شىء ، وهو ظل علقة الله فى الفضاء لا غير ، وان دل على شىء فهو يدل على أنه آية من آيات الله  ويزعم المتعصبون أن محمدا لم يكن يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والجاه والسلطان ، كلا وأيم الله ، لقد انطلقت من فؤاد ذلك الرجل الكبير النفس – المملوء رحمة وبرا وحنانا وخيرا ونورا وحكمة ، أفكار غير الطمع الدنيوى وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطان ، لم يكن كغيره يرضى بالأوضاع الكاذبة ، ويسير تبعا للاعتبارات الباطلة ، ولم يقبل أن يتشح بالأكاذيب والأباطيل ، لقد كان منفردا بنفسه العظيمة وبحقائق الكون والكائنات ،لقد كان سر الوجود أمام عينيه بأهواله ومحاسنه ومخاوفه ، لهذا جاء صوت الرجل منبعثا من قلب الطبيعة ذاتها ، لهذا وجدنا الآذان اليه مصغية والقلوب لما يقول واعية ، لقد كان يجول فى خاطره منذ رحلاته وأسفاره آلاف من الأفكار ، ماذا أنا ؟ ، ماهى الحياة ؟ ، ما هو الموت ؟ ماذا أفعل ؟ ، لقد أحس هذا الرجل ابن الصحراء أن هذه هى كبرى المسائل وأهمها ، وكل شىء عديم الوجود بجانبها ، ثم استطرد  توماس كارليل يصو شخصية هذا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الى أن قال :" لقد كان زاهدا متقشفا فى مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله ، فكان طعامه عادة الخبز والماء ، وكثيرا ما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار ، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة ؟ فحبذا محمد من رجل متقشف ، خشن الملبس والمأكل ، مجتهد فى الله ، دائب فى نشر دين الله ، غير طامح الى ما يطمح اليه غيره من رتبة أو دولة أو سلطان ، ولو كان غير ذلك لما استطاع أن يلاقى من العرب الغلاظ احتراما واجلالا واكبارا ، ولما استطاع أن يقودهم ويعاشرهم معظم وقته ، ثلاثا وعشرين حجة ، وهم ملتفون حوله ، يقاتلون بين يديه ويجاهدون حوله ؟ ، لقد كان فى قلوب العرب جفاء وغلظة ، وكان من الصعب قيادتهم وتوجيههم ، لهذا كان من يقدر على ترويضهم وتذليلهم بطلا وأيم الله ، ولولا ما وجدوا فيه من آيات النبل والفضل لما خضعوا لارادته ولما انقادوا لمشيئته ، وفى ظنى أنه لو وضع قيصر بتاجه وصولجانه وسط هؤلاء القوم بدل هذا النبى لما أستطاع قيص أن يجبرهم على طاعته كما استطاع هذا النبى فى ثوبه المرقع ! ، هكذا تكون العظمة ؟! ، وهكذا تكون البطولة ؟! ، وهكذا تكون العبقرية ؟! .
تناول " توماس كارليل " الدين الاسلامى ببعض البحث والتحليل فكتب يقول :" لقد أخرج الله العرب  بالاسلام من الظلمات الى النو وأحيا به أمة هامدة ، وما كانت هذه الأمة الا فئة جوالة فى الصحراء خاملة فقفيرة تجوب الفلاوات ، ومنذ بدء العالم لا يسمع لها صوت ولا تحس منها حركة ، فأرسل الله لهم نبيا بكلمة من عنده ورسالة من فبله ، فاذا بالخمول قد استحال شهرة ، والغموض بنباهة ، والضعف قوة ، واذا بالضوء الخافت قد أضحى نورا وهاجا يملأ الأنحاء ويعم الأرجاء ، وما هو الا قرن حتى امتدت دولة العرب الى الهند والى بلاد الأندلس ، وظلت هذه الدولة تشرق حقبا عديدة ودهوا مديدة بين احق والمروءة والعدل والشهامة والنبل .
وفى موضع آخر كتب يقول :" وفى الاسلام صفة أراها أشرف الصفات وأعظمها وهى المساواة بين الناس ، وهذا يدل على صدق النظر وصواب الرأى ، والاسلام لم يقنع بجعل الصدقة سنة محبوبة ، بل جعلها فرضا على كل مسلم ، وجعلها قاعدة من قواعد الاسلام ، وقدرها بنسبة من الثروة ، تعطى للفقراء والمساكين والمنكوبين ، جميل والله كل هذا !! ، جميل والله أن ينبعث صوت الرحمة والاخاء والانسانية من فؤاد هذا النبى الكريم ابن القفار والصحراء ، ولقد رأى توماس كلرليل فى هاتين الميزتين مظهرين مختلفين من مظاهر اصلاح المجتمعات وتقويمها ، لقد رأى فى الصدقات مظهرا من مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعى بين طبقات الشعب الواحد .
وفى معرض الدفاع عن الدين الاسلامى كتب يقول :" وأى دليل يشهد ببراءة الاسلام من الميل الى الملذات من شهر مضان الذى تلجم فيه الشهوات وتزجر فيه النفوس ، ان أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سطان ، وألا يجعل من لذاته أغلالا تقيده ، بل يجعل منها حليا وزخارف متى شاء خلعها ومتى شاء نزعها ، كذلك أمر رمضان ، حيث تلجم فيه الشهوات وتخضع ، ثم استطرد فى دفاعه عن الاسلام يقول :" لقد مضت على هذا الدين مئتان وألف عام وهو الدين القويم والصراط المستقيم لأكثر من سدس سكان العالم ( يكون المسلمين اليوم نحو ربع سكان العالم ) ، ومازال فوق ذلك دينا يؤمن به أهله من حبات أفئدتهم ، ولا احسب أن أمة اعتصمت بدينها اعتصام المسلمين باسلامهم اذ يوقنون به كل اليقين ، ويواجهون به الدهر أبدا ، ان كلمة التوحيد والتكبير لترن آناء الليل وأطراف النهار فى صدور تلك الملايين من البشر ، وان الفقهاء ذوى الغيرة فى الله والتفانى فى حبه يذهبون الى الشعوب الوثنية بالهند والصين والمالاى فيهدمون أضاليلهم ويشيدون مكانها قواعد الاسلام ، ونعم ما يفعلون .
أما عن القرآن فكتب توماس كارليل يقول :" لقد نظر العرب اليه نظرة معجزة لما بين آياته وأذواقهم من ملائمة ، ولعدم وجود ترجمة تذهب بحسنه وابداعه ، لقد أعطاه العرب من النبجيل أكثر مما أعطاه أهل الأديان الأخرى لأديانهم وما برح فى كل زمان ومكان قاعدة التشريع والعمل ، والقانون المتبع فى شئون الحياة ومسائلها ، والوحى المنزل من السماء هدى للناس وسراجا منيرا يضىء لهم سبل العيش ويهديهم صراطا مستقيما ، ومصدر أحكام القضاة ، والدس الواجب على كل مسلم حفظه والاستنارة به فى غياهب الحياة وكذلك ما برح هذا الكتاب يرن صوته فى آذان الألوف من خلق الله وفى قلوبهم فى كل آن ولحظة . 

مرض الرسول صلعم - اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 22 )

اصطفاء الله رسوله محمد صلعم ( 22 )

                 بدء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحلته مع المرض . 

 انصف رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره بعد فراغه من حجه الى منزله بالمدينة فى بقية ذى الحجة فأقام بها ما بقى من ذى الحجة والمحرم والصفر ثم ابتدىء شكواه فى ليال بقين من صفر أو فى أول شهر ربيع لأول ، وكان قد أعد بعثة الشام فى شهر محرم سنة 11 هجرية وأمر عليها أسامة بن زيد بن حارثة لتقوم بحملة على تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، وفى سيرة ابن هشام " حدثنا ابن سعد قال :" حدثنى عمى يعقوب بن ابراهيم قال :" أخبرنا سيف قال :" حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال :" اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذى توفاه الله به فى عقب المحرم " ، وقال الواقدى :" بدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه لليلتين بقيتا من صفر " ، وقال " حدثت عن هشام بن محمد عن أبى مخنف قال :" حدثنا الصقعب بن زهير عن فقهاء أهل الحجاز أن رسول الله صلى اله عليه وسلم وجع وجعه الذى قبض فيه فى آخر صفر فى أيام بقين منه ، وهو ى بيت زينب بنت جحش "  وقال ابن هشا م :" حدثنى محمد بن عمر بن الصباح الهمدانى قال :" حدثنا يحيى بن عبد الرحمن قال :" حدثنا مسلم بن جعفر البجلى قال :" سمعت عبد الملك بن الأصبهانى عن خلاد الأسدى قال :" قال عبد الله بن مسعود نعى الينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر ، فلما دنا الفراق جمعنا فى بيت أمنا عائشة فنظر الينا وشدد ، فدمعت عينه وقال :" مرحبا بكم ! رحمكم الله ! آواكم الله ! حفظكم الله ! رفعكم الله ! نفعكم الله ! وفقكم الله ! نصركم الله ! سلمكم الله ! رحمكم الله ! قبلكم الله ! أوصيكم بتقوى الله ، وأوصى الله بكم ، وأستخلفه عليكم ، وأؤديكم اليه ، انى لكم نذير وبشير ، لا تعلوا على الله فى عباده وبلاده ، فانه قال لى ولكم " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " القصص 83 ، وقال " أليس فى جهنم مثوى للمتكبرين " الزمر 60 ، فقلنا :" متى أجلك ؟" ، قال :" قد دنا الفراق والمنقلب الى الله ، والى سدرةالمنتهى " ، قلنا :" فمن يغسلك يا نبى الله ؟ قال :" أهلى الأدنى فالأدنى " ، قلنا :" ففيم نكفنك يا نبى الله ؟ " ، قال :" فى ثيابى هذه ان شئتم ، أو فى بياض مصر ، أو حلة يمانية " ، قلنا :" فمن يصلى عليك يا نبى الله ؟ " ، قال :" مهلا غفر الله لكم ، وجزاكم عن نبيكم خيرا ! " ، فبكينا وبكى النبى صلى الله عليه وسلم وقال :" اذا غسلتمونى وكفنتمونى فضعونى على سريرى فى بيتى هذا ، على شفير قبرى ، ثم اخرجوا عنى ساعة فان أول من يصلى على جليسى وخليلى جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم اسرفيل ، ثم ملك الموت مع جنود كثير من الملائكة بأجمعها ، ثم ادخلوا على فوجا فوجا ، فصلوا على وسلموا تسليما ، ولا تؤذونى بتزكية ولا برنة ولا صيحة ، وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتى ، ثم نساؤهم ، ثم أنتم بعد ، أقرئوا أنفسكم منى السلام ، فانى أشهدكم أنى قد سلمت على من بايعنى على دينى من اليوم الى يوم القيامة " ، قلنا :" فمن يدخلك فى قبرك يا نبى الله ؟ " ، قال :" أهلى مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم " ، فى هذا الحديث يعلم الرسو ل صلى الله عليه وسلم الصحابة أدب التعامل مع الميت ، ومع زيارته  ، والتوصية بالسلام عليه لأنه يبلغه السلام الى يوم القيامة ، وبخاصة عند زيارته فى قبره ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبى مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" بعثنى رسول لله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال لى :" يا أبا مويهبة انى قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع " ، فانطلق معى ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال :" السلام عليكم أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح النا فيه !  أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى " ، ثم أقبل على فقال :" يا أبا مويهبة انى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، خيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة ، فاخترت لقاء ربى والجنة " ، قال :" قلت بأبى أنت وأمى ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة " ، فقال :" لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاءربى والجنة " ، ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف فبدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجعه الذى قبض فيهوعن عائشة رضى الله عنها قالت :" رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى وأنا أقول :" وارأساه ! "قال :" بل أنا والله يا عائشة وارأساه ! " ، ثم قال :" ما ضرك لو مت قبلى فقمت عليك وكفنتك ، وصليت عليك ، ودفنتك ! " ، قلت :" والله لكأنى بك لو فعلت لك رجعت الى بتى فأعست ببعض نسائك " ، قالت :" فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به ( بضم السين أى اشتد به وجعه وغلبه على نفسه ) وهو فى بيت ميمونة ، فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض فى بيتى فأذن له ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخط قدماه الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيى " ، قال عبيد الله :" فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال :" هل تدرى من الرجل ؟ " ، قلت :" لا " ، قال :" على بن أبى طالب " ، ثم غمر ( بضم العين وكسر الميم  أى أصابته غمرة المرض وهى شدته ) رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الوجع فقال :" أهريقوا على من سبع قرب من آبار شتى ، حتى أخرج الى الناس فأعهد اليهم " ، قالت :" فأقعدناه فى مخضب ) اناء يغتسل فيه ) لحفصة بنت عمر ثم صبينا عليه الماء حتى طفق بقول :" حسبكم ، حسبكم ! " ، وعن ابن عباس عن أخيه الفضل بن عباس قال :" جاءنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت اليه فوجدته موعوكا قد عصب  رأسه فقال :" خذ بيدى يا فضل " ، فأخذت بيده حتى جلس على المنبر ثم قال :" ناد فى الناس " ،  فاجتمعوا اليه فقال :" أما بعد أيها الناس فانى أحمد اليكم الله الذى لا آله الا هو ، وانه قد دنا منى حقوق  من بين أظهركم ، فمن كنت جلت له ظهرا فهذا ظهرى فليستقدمنه ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضى فليستقدمنه ، ألا وان الشحناء ليست من طبعى ولا من شأنى ، ألا وان أحبكم الى من أخذ منى حقا ان كان له ، أو حللنى فلقيت الله وأنا أطيب النفس ، وقد أرى أن هذا غير مغن عنى حتى أقوم فيكم مرارا " ، قال الفضل :" ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر " ، وحث ابن حميد فقال  : " حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن الزهرى عن أيوب بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، ثم كان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم ، وأكثر الصلاة عليهم ، ثم قال :" ان عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند اله " ، قال :"" ففهمها أبو بكر الصديق وعلم أن نفسه يريد فبكى وقال :" بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا " ، فقال :" على رسلك يا أبا بكر ! أنظروا هذه الأبواب الشوارع اللافظة ( الافظة فى المسجد النافذة اليه ) فى المسجد فسدوها الا ما كان من بيت أبى بكر ، فانى لا أعلم أحدا كان أفضل عندى فى الصحبة يدا منه " ، وحدث ابن حميد فقال :" حدثنا سلمة عن محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن عبد الله عن بعض آل أبى سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ فى كلامه هذا :" فانى لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صحبة واخاء ايمان حتى يجمع الله بيننا عنده " ، وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما على المنبر فقال :" ان عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله " ، فبكى أبو بك ثم قال :" فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ! ، قال : فتعجبنا له ، وقال الناس :" انظروا الى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد يخير ويقول :" فديناك بآبائنا وأمهاتنا ! ، قال :" فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان أمن الناس على فى صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خيلا ، ولكن أخوة الاسلام ، لا تبق خوخة فى المسجد الا خوخة أبى بكر " .

وعن ابن عباس قال :" يوم الخميس وما يوم الخميس ! " ، قال :" اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال :" أئتونى أكتب كتابا لا تضلوا بعدى أبدا فتنازعوا ! ولا ينبغى عند نبى أن يتنازع – فقالوا :" ما شأنه ؟ أهجر ! ( أى اختلف كلامه بسبب المرض ) استفهموه ! ، فذهبوا يعيدون عليه فقال :" دعونى فما أنا فيه خير مما تدعون اليه " ، وأوصى بثلاث قال :" أخرجوا المشكين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم " ، وسكت عن الثالثة عمدا – وقال :" فنسيتها " ، وعن ابن عباس أن على بن أبى طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجعه الذى توفى فيه فقال الناس :" يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله ؟ " ، قال :" أصبح بحمد الله بارئا " ، فأخذ بيده بن عاس بن عبد المطلب فقال :ط ألا ترى أنك بعد ثلاث عبد العصا ! ، وأنى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفى فى وجعه هذا ، وانى لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت ، فاذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله فيمن يكون هذا الأمر ؟ فان كان فينا علمنا ذلك ، وان كان فى غيرنا أمر به فأوصى بنا"  ، قال على :" والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا ، والله لا أسألها رسول الله أبدا " ، وعن ابنعباس قال :" خرج يومئذ على بن أبى طالب على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه ، غير أنه قال فى حديثه :" أحلف بالله لقد عرفت الموت فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كنت أعرفه فى وجوه بنى عبد المطلب  ، فانطلق بنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فان كان هذا الأمر فينا علمنا ، وان كان فى غيرنا أمرنا فأوصى بنا الناس ، وزاد فيه أيضا " فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من لك اليوم "  ، وحدث أبو كريب فقال :" حدثنا بن بكير قال حدثنا يونس ب عمرو عن أبيه عن الأرقم بن شرحبيل قال :" سألت ابن عباس :" أوصى رسول الله ؟ قال :" لا " ، قلت :" فكيف كان ذلك ؟ " ، قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ابعثوا الى على فادعوه " ، فقالتعائشة :" لو بعثت الى أبى بكر ! " ، وقالت حفصة :" لو بعث الى عمر ! " فاجتمعوا عنده جميعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" انصرفوا! فان تك لى حاجة أبعث اليكم فانصرفوا " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" آن الصلاة ؟" ، قيل :" نعم " ، قال :" فأمروا أبا بكر ليصلى بالناس " فقالت عائشة :" انه رجل رقيق فمر عمر " ، فقال :" مروا عمر " ، فقال عمر :" ما كنت لأتقدم وأبو بكر شاهد " ، فتقدم أبو بكر ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج ، فلما سمع أبو بكر حركته تأخر فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فأقامه مكانه وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ من حيث انتهى أبو بكر " ، وعن عائشة قالت :ط لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المرض الذى مات يه أذن بالصلاة فقال :" مروا أبا بكر أن يصلى بالناس فقلت :" ان أبا بكر رجل رقيق ، وانه متى يقوم مقامك لا يطيق ! ، فقال :ط مروا أبا بكر يصلى يالناس " ، فقلت مثل ذلك فغضب وقال :" انكن صواحب يوسف .... مروا أبا بكر يصلى بالناس " فخرج يهادى بين رجلين وقدماه تخطان فى الأرض ، فلما دنا من أبى بكر تأخر أبو بكر فأشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم فى مقامك ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الى جنب أبى بكر جالسا ، قالت :" فكان أبو بكر يصلى بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم ، وكان الناس يصلون بصلاة أبى بكر " اللفظ لحديث عيسى بن عثمان ، قال الواقدى :" سألت ابن أبى سبرة كم صلى أبو بكر بالناس ؟ ، قال :" سبع عشرة صلاة " ، قلت :ط من أخبرك ؟ " ، قال :" أيوب بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة  عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم  ، وقال الواقدى :" وحدثنا ابن أبى سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عكرمة قال :" صلى بهم أبو بكر ثلاث أيام " ، وعن عائشة قالت :ط رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت وعنده قدح فيه ماء يدخل يده فى القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول :" اللهم أعنى على سكرة الموت !

قال أنس بن مالك :" لما كان يوم الأثنين اليوم الذى قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى الناس وهم يصلون الصبح فرفع الستر ، وفتح الباب فخرج  رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام بباب عائشة فكاد المسلمون أن يفتنوا فى صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فرحا به وتفرجوا فأشار بيده ان اثبتوا على صلاتكم وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا لما رأى من هيئتهم فى صلاتهم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة ، ثم رجع وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه فرجع أبو بكر الى أهله بالسنح " ، وحث ابن حميد فقال :" حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن أبى كر بن عبد الله بن أبى مليكة قال :" لما كان يوم الأثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه الى الصبح وأبو بكر يصلى بالناس فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم بفعلوا ذلك الا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظهره وقال :" صل بالناس " ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس وكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول :" يا أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ! وانى والله لا تمسكون على شيئا ، انى لم أحل لكم الا ما أحل لكم القرآن ، ولم أحرم عليكم الا ما حرم عليكم القرآن " ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه قال له أبو بكر :" يا نبى الله انى أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب ، واليوم يوم ابنة خارجة فآتيها ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر الى أهله بالسنح " ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت :" رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم حين دخل من المسجد فاضطجع فى حجرى فدخل على رجل من آل بكر فى يده سواك أخضر قالت فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يده نظرا فعرفت أنه يريده فأخذته فمضغته حتى ألنته ثم أعطيته اياه قالت :" فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك فبله ثم وضعه ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل فى حجرى ، قالت :" فذهبت أنظر فى وجهه فاذا نظره قد شخص وهو يقول :" بل الرفيق الأعلى من الجنة ! " ، قالت :" قلت خيرت فاخترت والذى بعثك بالحق ! " ، قالت :" وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وعن يحيى بن عباد بن الزبير عن أبيه عباد قال :" سمعت عائشة تقول :" مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرى ونحرى وفى دورى ، ولم أظلم فيه أحدا ، فمن سفهى وحاثة سنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو فى حجرى ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهى " ، وعن عائشة رضى الله عنها قالت :" كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء ( ثوب خز أو صوف معلم ) حين اشتد به وجعه " ، قالت :" فهو يضعها على وجهه ومرة يكشفها عنه ويقول :" قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ! " ، وعن عائشة ضى الله عنها قالت :" كان آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا يترك بجزيرة العرب دينان " ، وهكذا كما نرى ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اللحظة الأخيرة من حياته يعلم أمته ويرشدهم ، وذلك يبرز عظمة القائد الذى يضع أمته معه حتى على فراش المرض ، وقال أبو بكر الصديق ضى الله عنه :" انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما قبض نبى الا يدفن حيث قبض " ، فرفه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى توفى عليه فحفر تحته ، ودخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا ( جماعة بعد جماعة ) حتى اذا فرغ الرجال أدخل النساء ، حتى اذا فرغ النساء أدخل الصبيان ، ثم أدخل العبيد ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الليل ليلة الأربعاء وكان قد توفى يوم الأثنين 12 ربيع الأول سنة عش من الهجرة ، وقال الواقدى :" توفى يوم الأثنين لأثنتى عشرة ليلة خلت من شهر بيع الأول 11 هجرية ، ودفن من الغد نصف النهار ، وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى فى ناحية البيت عليه برد حبرة ( ضرب من ثياب اليمن ) فأقبل حتى كشف عن وجهه ثم أقبل عليه فقبله ، ثم رد الثوب على وجهه ، وخرج على الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :" أيها الناس انه من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت " ، ثم تلا آية " وما محمد الا سول قد خلت من قبله الرسل افئن مات أو قيل انتقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين " آل عمران 144 ، وكتن عمر بن الخطاب له رأى آخر فكما قال أبو هريرة :" لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فقال :" ان رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى وان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، ولكنه ذهب ال ربه كما ذهب موسى بن عمران عليه لسلام ، فغاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع بعد أن قيل قد مات ، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات " .


حجة الوداع -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 21 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 21 ) 

                                                    حجة الوداع . 

 كانت آخر حجة حجها الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانت سنة عشر من الهجرة ، وألقى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة ، وتبرز شخصية الرسول القائد فقد وردت فى هذه الخطبة عدة أمور 1-) ذكر الرسول صلى الله عليه فى خطبته أنه قد لايلقاهم أبدا بعد عامهم هذا ، وهنا نبوءة بوفاته وبخاصة بعد أن أنزلت  " ..... اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت ليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم " المائدة 3 ، فعن هارون بن عنترة عن أبيه قال :" لما أنزلت " اليوم أكملت لكم دينكم " وذلك يوم الحج الأكبر فى يوم عرفة بعد العصر فى حجة الوداع سنة عشر هجرية وكان يوم جمعة بكى عمر فقال له النبى صلى الله عليه وسلم :" ما يبكيك ؟ " ، قال :" أبكانى أنا كنا فى زيادة من ديننا فأما اذا أكمل فانه لم يكمل شىء الا نقص " ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم :" صدقت " ، وكانت هذه الآية نعى للنبى صلى الله عليه وسلم ، وعاش بعدها 81 يوما ، وهذا قول أبن عباس والسدى . 2-) دعاهم الى تأدية الأمانة . 3-) دعاهم الى ترك الربا . 4-) مراعاة حرمة دمائهم وأموالهم بينهم . 5-) مراعاة حقوق النساء والتوصية بهن " ان لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا " ، وتوصية النساء بمراعاة حقوق أزواجهن من ألا يوطئن فراش أزواجهن أحدا يكرهونه ( عدم الزنا ) ، وألا يأتين بفاحشة مبينة ، كما أوصى الرجال خيرا بالنساء فقال " واستوصوا بالنساء خيرا ، فانهن عندكم عوان ( جمع عانية وهى الأسيرة ) لا يملكن لأنفسهن شيئا وانكم انما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " . 6-) التوصية بالتمسك بكتاب الله وسنته فقد قال :" فأعقلوا أيها الناس واسمعوا قولى فانى قد بلغت وتركت فيكم ما ان أعتصمتم به فلن تضلوا أبدا : كتاب الله وسنة نبيه " . 7-) الدعوة الى الأخوة بين المسلمين وعدم سلب حقوق بعضهم فقد قال :" كل مسلم أخو المسلم ، وان المسلمين اخوة ، فلا يحل لأمرىء من أخيه الا ما أعطاه عن طيب نفس فلا تظلموا أنفسكم " ، تعتبر هذه الخطبة ميثاق وتوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين فى كل عهد ، توصية من قائد الى أتباعه وأحبابه ليعملوا بها ، وكانت شاملة فليتنا نتمسك بما جاء بها ، وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل وقت يرسل نفحاته لأمته ، علنا نتبع هداه وهديه فهو نعم القائد لنا والقدوة التى ليس بعدها قدوة .

رحلة مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته . عمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته . 
لا خلاف بين أهل العلم بالأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الأثنين من شهر ربيع الأول ، قالت السيدة عائشة رضى الله عنها :" توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول فى اليوم الذى قدم فيه المدينة مهاجرا فاستكمل فى هجرته عشر سنين كوامل " ، واختلف فى مبلغ سنه يوم توفى فقال بعضهم له يومئذ 63 سنة ، فى سيرة ابن هشام يقول :" حدثنا ابن المثنى قال حدثنا حجاج بن المنهال قال :" حدثنا حماد يعنى ابن سلمة عن أبى حمزة عن العباس قال :" أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى اليه ، وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن 63 سنة " وأيضا " حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا يحيى بن سعيد قال :" سمعت سعيد بن المسيب يقول :" أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بعث بالوحى ) وهو ابن 43 سنة وأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفى وهو ابن 63 سنة " وجاء أ يضا " حدثنا محمد بن خلف العسقلانى قال حدثنا آدم قال :" حدثنا بن سلمة قال :" حدثنا أبو حمزة الضبعى ( بضم الضاد ) عن ابن عباس قال :" بعث رسول الله لأربعين سنة ، وأقام بمكة ثلاث عشرة يوحى اليه ، وبالمدينة غشرا ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة "  ، وعن اليوم والشهر اللذين توفى فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " حدثنى ابراهيم بن سعيد الجوهرى قال :" حدثنا موسى بن داود عن ابن لهيعة عن خالد بن أبى عمران عن حنش الصنعانى عن ابن عباس قال :" ولد النبى صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين ، واستنبىء يوم الأثنين ( أى صار نبيا ينزل عليه الوحى ) ، ورفع الحجر يوم الأثنين ، وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الأثنين ، وقدم المدينة يوم الأثنين ، وقبض يوم الأثنين ".

غزو الرسول صلعم لهوازن وثقيف بحنين اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 20 )

اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 20 )

              غزو الرسول صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف بحنين .

  نزلت هوازن وثقيف بحنين ، وهو واد الى جنب ذى المجاز يريدون قتال النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة وهم يظنون أنه انما يريدهم فلما أتاهم أنه قد نزل مكة أقبلت هوازن عامدين الى النبى صلى الله عليه وسلم وأقبلت معهم النساء والصبيان والأموال ورئيس هوازن مالك بن عوف وأقبلت معهم ثقيف حتى نزلوا حنينا ، فعمد النبى صلى الله عليه وسلم فوافاهم بحنين ، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة فكانوا أتنى عشر ألفا واستعمل رسول الله عتاب بن أسيد ابن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس أميرا على مكة ثم مضى يريد هوازن ، وفى عماية الصبح كمن هوازن فى شعاب الوادى وأحنائه ومضايقه وشدوا على المسلمين شدة رجل واحد وانهزموا ، وانحاز الرسول صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال :" أين أيها الناس ! هلم الى ! أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله " ، وبقى مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر الصديق وعمر ، ومن أهل بيته على بن أبى طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وابمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن واسامة بن زيد ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" يا عباس اصدح ! يا معشر الأنصار ! يا أصحاب السمرة ! " ، فناديت :" يا معشر الأنصار ! يا معشر أصحاب السمرة ! " ، قال :" فأجابوا :"ان لبيك لبيك ! " ، حتى اجتمع اليه مائة منهم ، وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم :" الآن حمى الوطيس ! " ، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يرتجز :" أنا النبى لا كذب ! أنا ابن عبد المطلب ! " ، فما رئى من الناس أشد منه ، واستمرت المعركة وهزم الكفار .

وحدث بعد تقسيم الغنائم فى حنين أمر نرى كيف تصرف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبى سعيد الخدرى قال :" لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا فى قريش وقبائل العرب ولم يكن فى الأنصار منها شىء وجد هذا الحى من الأنصار فى أنفسهم حتى كثرت منهم القالة ( القالة هى الكلام السىء ) حتى قال قائلهم :" لقى والله رسول الله قومه ! " ، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال :" يا رسول الله ! ان هذا الحى من الأنصار قد وجدوا عليك فى أنفسهم لما صنعت فى هذا الفىء الذى أصبت ، قسمت فى قومك ، وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب، ولم يكن فى هذا الحى من الأنصار شىء " ، قال :" فأين أنت من ذلك يا سعد ! " ، قال :" يا رسول الله ما أنا الا من قومى !" قال :" فاجمع لى قومك فى الحظيرة " ، قال :" فخرج سعد فجمع الأنصار فى تلك الحظيرة  ، فجاءه رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا اليه أتا سعد فقال :" قد اجتمع لك هذا الحى من الأنصار " ، وأتاهم سول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذى هو له أهل ثم قال :" يا معشر الأنصار مقالة بلغتنى عنكم وموجدة ( بفتح الحاء وتسكين الواو وكسر الجيم ) وجدتموها فى أنفسكم ! ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فاغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوكم ! " ، قالوا :" بلى لله ولرسولهالمن والفضل ! ، فقال : ألا تجيبونى يا معشر الأنصار ! " ،قالوا :" وبماذا نجيبك يا رسول الله ، لله ولرسوله المن والفضل ! " ، قال :" أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم ، ولصدقتم ، أتيتنا مكذبا فصددقناك ، ومخذولا فنصرناك ،  وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، وجددتم فى أنفسكم يا معشر الأنصار فى لعاعة ( بضم الام وفتح العين قال السهيل اللعاعة بقلة ناعمة ) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتم الى اسلامكم ! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم ! فو الذى نفسى بيده لولا الهجرة لكنت أمرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ! اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصر وأبناء أبناء الأنصار ! " ، قال :" فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا :" رضينا برسول الله قسما وحظا " ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا ، ولنا هنا أن نرى رسول الله القائد الذى يتدخل بما له من صيد ومحبة بين أصحابه ليمنع الفتن ومن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لها! ، وفى حيا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحدث فتنة قط ، فقد تدخل فى المواقف بما له من بعد نظر وبصيرة وما له من مكانة ، تتدخل لتحسم المواقف ، وبعد النظر هذا يذكرنا بموقف آخر فقد كان كعب بن مالك من الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وقاطعهم المسلمون حتى أتى أمر الله بالتوبة فكان أعظم من فرح فقال :" يا رسول الله ان من توبتى أن أنخلع من مالى " ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :" أمسك عليك بعض مالك " ، وقد اختلفت الرواية فى ذلك فى الصحيحين " أن النيى صلى الله عليه وسلم قال له أمسك عليك بعض مالك ولم يعين له قدرا بل أطلق ووكله له اجتهاده فى قدر الكفاية وهذا هو الصحيح فان ما نقص عن كفايته وكفاية أهله لا يجوز له التصدق به فنذره لا يكون طاعة فلا يجب الوفاء به وما زاد على قدر كفايته وحاجته فأخراجه والصدقة به أفضل ، وقد نص الامام أحمد على أن من نذر الصدقة بماله كله أجزأه ثلثه واحتج له أصحابه بما روى فى قصة كعب هذه أنه قال :" يا رسول الله ان من توبى الى الله ورسوله أن أخرج من مالى كله الى الله ورسوله صدقة " قال :" لا " قلت :" فنصفه " قال :" لا " قلت :" فثلثه " قال :" نعم " قلت :" فانى أمسك سهمى الذى بخيبر"رواه أبو داود ، وروى الامام أحمد فى مسنده أن أبا لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال :" يا رسول الله ان من توبتى أن أهجر دار قومى فأساكنك وأن أنخلع من مالى صدقة لله عز وجل ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يجزى عنك الثلث " ، والذى جاء بالصرة ليتصدق بها بضربه بها ولم يقبلها منه خوفا عليه من الفقر وعدم الصبر والأرجح أن النبى صلى الله عليه وسلم عامل كل واحد ممن أراد الصدقة بماله بما يعلم من حاله : فمكن أبا بكر الصديق من اخراج ماله كله ، وقال :" ما أبقيت لأهلك " ، فقال :" أبقيت لهم الله ورسوله " ، فلم ينكر عليه ، وأقر عمر على الصدقة بشطر ماله ، ومنع صاحب الصرة من التصدق بها وقال لكعب " أمسك عليك بعض مالك " ، وقال لأبى لبابه :" يجزيك الثلث "

لقد عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بكل مبادىء الحرب المعروفة كقائد ، بالاضافة الى مزاياه الشخصية الأخرى فى القيادة ، لهذا أنتصر على أعدائه ولو أغفل شيئا من الحذر والحيطة والاستعداد لتبدل الحال عير الحال ولكن الله سلم ورعاه حتى يتم أمره ولنا أن نتأمل هذه المواقف من الغزوات الكبرى التى تبرز عظمة القائد فى كل المواقف فى السلم كما فى الحرب : 1-) ماذا كان يحدث لو تردد قبل معركة بدر الكبرى عندما رأى المشركين متفوقين على أصحابه فى العدد والعدة ؟ . 2-) ماذا كان يحدث لو استسلم فى معركة أحد بعد أن طوقته قوات المشركين من كل جانب  ؟.

3-) ماذا كان يحدث لو ضعفت مقاومته للأحزاب فى غزوة الخندق وبخاصة بعد خيانة اليهود حين أصبح مهددا من خارج المدينة المنورة وداخلها ؟

4-) ماذا كان بحدث لو لم يثبت الرسول صلى الله عليه وسلم مع عشرة فقط من آل بيته والمهاجرين بعد فرار المسلمين فى غزوة حنين ؟ 

غزوة مؤتة وفتح مكة -اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 19 )

اصطفاء الله لنبيه محمد صلعم ( 19 ) 

                                                غزوة مؤته .  

 بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتبه ، فبعث الحرث بن عمير الأزدى - احد بنى لهب بكتابه الى الشام الى ملك الروم أو بصرى ، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى فأوثقه ربطا ثم قدمه فضرب عنقه ، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غيره فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر ، وجهز جيشا قوامه ثلاثة آلاف استعمل عليه زيد بن حارثة ، وقال :" ان أصيب فجعفر بن أبى طالب ، فان أصيب فعبد الله بن رواحة ثم مضوا حتى نزلوا معان فبلغ الناس أن هرقل بالبلقاء فى مائة ألف من الروم وانضم اليهم مائة ألف من لخم وجذام وبلقين وبهرا وبلى ، فلما بلغ لك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظون فى أمرهم فقالوا :" نكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا ، فأما أن يمدنا بالرجال وأما أن يأمرنا بأمره ونمضى " ، ولكن عبد الله بن رواحة قال :" يا قوم والله ان الذى نكرهون للتى تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم الا بهذا الدين الذى أكرمنا به الله فانطلقوا ، وانما هى احدى الحسنيين ، اما ظفر واما شهادة " ، فمضى الناس حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع بقرية يقال لها مشارف فدنا العدو وانحاز المسلمون الى مؤتة فكانت غزوة مؤتة بأدنى البلقاء من أرض الشام وكانت فى جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة ، وقتل كل من شحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمل الراية حتى أخذها خالد بن الوليد فاستطاع أن يكر على جيش الروم على كثرة عدده وعاد بالجيش الى المدينة سالما ، لما دنا جيش المسلمين من دخول المدينة عائدا من غزوة مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، ولقيهم الصبيان يشتدون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال :" خذوا الصبيان فاحملوهم واعطونى ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذوه فحمله بين يديه ، وجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون :" يا فرار فى سبيل الله " ، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار ان شاء الله ! " وذلك عن عروة بن الزبير حسب رواية ابن اسحاق .

                                                     فتح مكة .

   كان سنة ثمان هجرية لعشر مضين من رمضان ، وكان سبب ذلك أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم حافاء المسلمين ، وهم على ماء يقال له الوقير فقتلوا منهم ، وأعانت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفيا ليلا وكان منهم صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ، حتى حازوا خزاعة الى الحرم ، فتوجه عمرو بن سالم الخزاعى حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوقف عليه وهو جالس فى المسجد بين أصحابه وأنشده قصيدة يطلب فيها المناصرة منها هذه الأبيات :

ان قريشا أخلفوك الموعدا   *ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لى فى كداء رصدا  * وزعموا أن لست تدعوا أحدا

وقتلونا ركعا سجدا .

يقول :" قتلنا وقد أسلمنا " ، فقال سول الله صلى الله عليه وسلم :" نصرت يا عمرو بن سالم " ، ثم خرج بديل بن ورقاء فى نفر من خزعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب فيهم وبمظاهرة قريش بنى بكر ثم رجعوا الى مكة ، وبعثت قريش أبى سفيان بن حرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد فى المدة ، وقد رهبوا الذى صنعوا ، فتوجه أبو سفيان الى ابنته أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة فلما ذهب ليجلس على فراش سول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه وقالت :" هو فراش سول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس " ، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ، وتوجه الى أبى بكر رضى الله عنه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" ما أنا بفاعل " ، فكلم عمر رضى الله عنه فقال :" أنا أشفع لكم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فو الله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم " ، ثم جاء الى على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال له :" يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه " ، ورجع أبو سفيان الى مكة ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجد والتجهيز لبلوغ مكة وقال :" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبعثها فى بلادها " ، وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمر حاطب بن أبى بلتعة الذى أرسل امرأة ومعها كتاب الى قريش يخبرها بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكة ، حيث وصله خبر من السماء فبعث عليا والزبير فى اثرها وفتشاها فلم يجدا معها شيئا ولكن عليا قال لها :" أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا لتخرجن الكتاب أو لنجردنك " ، فلما رأت الجد استخرجت الكتاب من شعرها ، وأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب فقال عمر رضى الله عنه :" دعنى يا رسول الله أضرب عنقه " ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" انه شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال :" اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ، فذرفت عينا عمر وقال :" الله ورسوله أعلم " .

مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم والناس صيام حتى نزل مر الظهران ومعه عشرة آلاف وعمى الله الأخبار عن قريش ، وكان العباس قد خرج بأهله وعياله مسلما مهاجرا فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة ولقيه أبو سفيان بن الحرث وعبد الله بن أبى أمية لقياه بالأنواء وهما ابن عمه وابن عمته فأعرض عنهما لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى والهجو فقالت له أم سلمة :" لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك " ، وقال أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله أخوة يوسف ليوسف :" تا الله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين " ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " ، وحسن اسلامه بعد ذلك ويقال أنه ما رفع رأسه الى رسول الله صلى الله علي وسلم منذ أسلم حياءا منه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وشهد له بالجنة ، ولما حضرته الوفاة قال :" لا تبكو على فوالله ما نطقت بخطيئة منذ أسلمت " .

وعندما أسلم أبو سفيان بن حرب وخرج وقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق قال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا " ، قال :" نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا " ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة من أعلاه وضرب له هنالك قبة ، وأمر خالد بن الوليد أن يدخلها من أسفلها ، وبعث الزبير على احدى المجنبتين ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر ، ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن التقوا به بالصفا وركزت راية رسول اللهصلى الله عليه وسلم بالحجون والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى دخل المسجد الحرام فأقبل الى الحجر ألسود فاستلمه ثم طاف بالبيت وفى يده قوس وحول البيت 360 صنما فجعل يطعنها بالقوس ويقول :" جاء الحق وزهق الباطل ، ان الباطل كان زهوقا ، جاء الحق وما يبدىء الحق وما يعيد " ، والأصنام تتساقط على وجوهها ، وكان طوافه على راحلته ولم يكن محرما فاقتصر على الطواف ، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة فأمر بها ففتحت فدخلها فرأى فيها الصور ، ورأى صورة ابراهيم واسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال :" قاتلهم الله ، والله لن استقسما بها قط " ، وعندما فتح باب الكعبة وقريش ملآت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع ، وألقى خطبة قصيرة وقال :" يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم ؟ " ، قالوا:" خيرا أخ كريم وابن أخ كريم " ، قال :" فانى أقول لكم كما قال يوسف لاخوته " لاتثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء " ، وأعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة وقال له :" خذوها خالة تالدة لا ينزعها منك الا ظالم " ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد فيؤذن على الكعبة ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانىء بنت أبى طلب فاغتسل وصلى ثمان ركعات فى بيتها – صلاة الفتح ، وكان أمراء الاسلام اذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة اقتداءا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس خطيبا وقال :" أيها الناس ! ان الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهى حرام بحرمة الله الى يوم القيامة فلا يحل لأمرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة " .

وفى سنة تسع هجرية كما قال جعفر فرضت الصدقات حسب الآية " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلواتك سكن لهم والله سميع عليم " التوبة 103  ، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم عماله على الصدقات ، وعن عبد الله بن أبى بكر قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات على كل ما أوطأ الاسلام من البلدان ، فبعث المهاجر  أبى أمية بن المغيرة الى صنعاء ، وبعث زياد بن لبيد أخا بنى بياضة الأنصارى الى حضرموت ، وبعث عدى بن حاتم على صدقة طىء وأسد ، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بنى حنظلة ، وبعث العلاء بن الحضرمى على البحرين ، وبعث على بن أبى طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم .

الحج عام 629 م -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 18 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 18 )

                                           الحج عام 629 م . 

 يمضى المؤلف قائلا " وفى العام التالى قصد النبى صلى الله عليه وسلم على رأس الحجاج الى مكة ، فلما أصبحوا على مرمى النظر ، خرج المكيون من منازلهم ، وتركوا المدينة وعسكروا خارجها ، ودخلها المسلمون ، فلما لمحوا الكعبة أنبعثت من حناجرهم التكبيرات " لبيك اللهم لبيك " ، وبعد أن أدوا مناسك الحج ( المراد العمرة ) باتوا ليلتهم حول الكعبة ، فلما أصبحوا أمر النبى بلالا أن يؤذن فأذن قائلا " الله أكبر ، الله أكبر " ، لقد كان لهذا الأذان وقع لايبارى .. لقد سمعه أهل مكة جليا ، ورأوا آلهتهم جامدة كالصخر ، لم تشر ولم تغضب لانتهاك حرمتها ، ولم ترسل الصواعق مدرارا على رؤوس أولئك الكفرة ... ولم تفجر ينابيع الأرض أو تشقق جوفها تحت أقدامهم .

رأى القرشيون ذلك وتأثروا به ، فكان أن قصد خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الى النبى بعد ثلاثة أشهر فى المدينة وأعلنوا اسلامهم ، ولم يقتصر الأمر على أهل مكة ، بل قصدته القبائل من كل أنحاء الجزبرة تعلن اسلامها " . وفى مقال للكتور محمد عمارة فى مجلة الأزهر بتحدث فيقول "لقد أبصرت العبقرية السياسية والحربية والدعوية للرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الصلح وهذه الهدنة المقدمة للفتح الأكبر والمبين ، الذى سيطوى صفحة الشرك والوثنية من شبه الجزيرة العربية فتعلوها رايات التوحيد فى الدين ، ورايات الوحدة فى الدولة ، لأول مرة فى التاريخ ، كانت قريش الشرك والوثنية هى العدو الأكبر ، الذى استمر فى جمع الحلفاء من الأعراب واليهود ، وتجييش الجيوش ، وفرض الحروب على المسلمين أكثر من عشرين غزوة وموقعة فى ست سنوات ! ، فجاء هذا الصلح – الهدنة  ليحيد العدو الأكبر والأشرس والأخطر للاسلام والمسلمين ، والدولة الاسلامية ، وكانت قريش حتى عقد الصلح لا تعترف بالدولة الاسلامية ، فكان اعترافها بها فى هذا الصلح لأول مرة فى تاريخ هذا الصراع ، لقد اعترفت بالدولة وان لم تعترف بالدين ... لكن هذه الدولة التى اعترفت بها كانت هى " دولة الدين " ، ولقد قلب هذا الاعتراف من قريش بالدولة الاسلامية موازين القوى فى سبه الجزيرة العربية بأسرها ، فالقبائل التى كانت تميل عن لاسلام ودولته استنادا الى قريش أو التى كانت مترددة فى حسم مكوقفها من هذا الصراع بدأت بعد هذا الاعتراف تفكر بالصلح هى الأخرى مع الدولة الاسلامية ، بل والدخول فى الدين الجديد ، كما أدى هذا الصلح الى عزل يهود خيبر ، أخطر المتآمرين على الاسلام وأمته ودولته ، وأخطر حلفاء قريش فى مناوأة الاسلام ، لقد عزلهم هذا الصلح ، فكان فتح خيبر من قبل المسلمين بعد أقل من شهرين على صلح الحديبية ، وبفتح خيبر التى كان يهودها قد تحلفوا مع يهود وادى القرى وتيماء للزحف على المدينة المنورة ، والذين كانوا الممول الأكبر لمرتزقة الأعراب وحشدهم وراء قريش فى محاربة الاسلام ... بفتح خيبر وهزيمة يهودها أصبحت الدولة الاسلامية هى القوة الأولى والكبرى فى شبه الجزيرة العربية كما تمتعت الدولة الاسلامية بالأمن ، بعد مهادنة قريش ، وفتح خيبر، الأمر الذى جعلها تتوجه الى دوائر وميادين كانت تشغلها عنها الحروب المتوالية والمخاطر الدائمة التى فرضتها قريش وحلفاؤها على امتداد السنوات الست الأولى من عمر دولة الاسلام ، لذلك وكثمرة من ثمرات هذا الصلح –الهدنة  الذى تجلت فيه عبقرية " الاستراتيجية السياسية والحربية للرسول صلى الله عليه وسلم سنة 7 هجرية / 628 م أى العام التالى لتحييد قريش وهزيمة اليهود ، ففى هذا العام خرج رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملين كتبه ورسائله الى قيصر الروم ، وكسرى الفرس ، والفادة والأمراء والشيوخ والرؤساء فى أطراف شبه الجزيرة العربية وما وراءها ، لقد كان الرومان يحتلون الشام ومصر وشمالى افريقيا ، وكان الفرس حتلون العراق والخليج – أى مشرق الدولة الاسلامية الوليدة ، وغربها وشمالها كانت تحت الاحتلال والقهر السياسى والحضارى ، ولقد تجلت فى " السياسة الخارجية " لدولة النبوة منذ فجرها وبواكيرها ولحظاتها الأولى " القسمة التحريرية " للشرق من هذا الاحتلال والقهر الحضارى والدينى والثقافى والسياسى ، الذى دام عشرة قرون : من الاسكندر الأكبر ( 356 – 324 ق. م ) ، فى القرن الرابع قبل الميلاد الى هرقل ( 610 – 641 م ) ، فى القرن السابع للميلاد ، فهذا التحرير لشعوب الشرق المستضعفة هو ضرورة لأمن الدولة الاسلامية الوليدة ، كما أنه فريضة دينية على هذه الدولة " وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا " النساء 75 ، ولذلك حملت مراسلات رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قادة الشرق سنة ( 7 هجرية / 628 م ) ، هذه الدلالات التحريرية لشعوب الشق المقهورة والمستضعفة ، فمع مراسلة الرسول صلى الله عليه وسلم لقيصر الروم – هرقل ، فلقد راسل المقوقس – عظيم القبط بمصر ، التى كانت يومئذ ولاية رومانية ، ليعلن بذلك عن أن مصر ليست شأنا رومانيا بيزنطيا يخاطب قيصر الروم فى شأنها ، وكذلك صنعت مراسلاته صلى الله عليه وسلم مع قادة ورؤساء القبائل التى كانت خاضعة لقهر الروم فى الشام ومع نظرائهم الذين كانوا خاضعين لقهر الفرس فى مشرق الدولة الاسلامية ، لقد خاطبتهم الدولة الاسلامية فى هذه المراسلات ، ولم تكتف بمخاطبة كسرى الفرس الساسانيين ، هكذا بدأت " الاشارات والتنبيهات " فى السياسة الخارجية لدولة النبوة ، مخاطبة أهالى المستعمرات مباشرة ، اعلانا عن ضرورة استقلالهم عن الفرس والروم ، وحتمية تحررهم من القهر الاستعمارى الى عانوا منه ويعانون ، والعام التالى لبدء هذه السياسة الخارجية سنة ( 8 هجرية / 629 م ) قد شهد أولى غزوات دولة النبوة ضد احتلال الرومان لأرض العرب فى الشام الكبير ، فكانت غزوة " مؤتة " ببلقاء لشام ، كما كانت غزوة تبوك سنة 9 هجرية / 630 م ) وهى آخر غزوات دولة النبوة ، ففى رسالته الى هرقل الروم البيزنطيين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الاسلام وحذره من الاثم الذى يرتكبه وترتكبه دولته وكنيسته الملكانية فى حق رعاياه من النصارى الموحدين " الأريسيين " أتباع " آريوس " ( 270 – 336 م ) الرافضين لتأليه المسيح ولعقائد الصلب والتثليث ، كما دعاه فى هذه الرسالة الى أن يخلى بين الفلاحين وبين حرية الاعتقاد ليدخل الى الاسلام منهم من يشاء بالحرية والاختيار ، وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته الى " كسرى أبرويز " ( 590 – 628 م ) عظيم الفرس الساسانيين ، فكما خاطبت هذه الرسائل مباشرة المقوقس – عظيم القبط بمص وقادة قبائل غساسنة الشام وشيوخها ، خاطبت مباشرة شيوخ قبائل المناذرة فى العراق والبحرين واليمامة وعمان والخليج ، وكذلك كانت المراسلات مع قادة عرب اليمن ، الذين ابتلوا باستعمار الفرس والأحباش فى كثير من الأحايين ، وهذه الاعلانات التى أفصحت عنها كتب الرسول صلى الله عليه وسلم ورسائله هى التى جسدتها وطبقتها بالفتوحات الاسلامية دولة الخلافة الرشيدة فى عهدى أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى 11 هجرية ، فلم يغادر هذه الدنيا حتى أعلنت السياسة الخارجية لدولته " الاعلان العالمى للحرية الدينية والسياسية للأمم والقبائل والشعوب ، فلما جاءت دولة الخلافة الرشيدة السالكة طريق دولة النبوة فتحت فى ثمانين عاما أوسع مما فتح الرومان فى ثملنية قرون ، وكان فتحها فتح تحرير الأوطان والضمائر والعقائد ، بينما كان فتح الرومان فتحا استعماريا كرس القهر الحضارى والدينى والثقافى والسياسى والأقتصادى فى الشرق لأكثر من عشرة قرون ، هكذا أبصرت عبقرية رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هذه الفتوحات الكبرى والمبينة ، وهى تعقد صلح الحديبية ، الذى بدا فى ظاهر شرطه جائرا بالاسلام والمسلمين ، ذلك أن هذه العبقرية كانت تنظر بنور الله سبحانه وتعالى ولقد أشارت الى هذه الفتوحات عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" اصبروا فان الله سيجعل هذا الصلح سببا الى ظهور دينه وسيجعل فيه للمسلمين فرجا " ( من مقال للدكتور محمد عمارة فى مجلة الأزهر – عبقرية تنظر بنور الله – عدد ربيع الأول 1434 / فبراير 2013  ، وهذه العبقرية التى تبصر بنور الله بدت واضحة جلية أثنا حفر الخندق ، فقد اعترضت المسلمين صخرة ، فذهب سلمان الفارسى الى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتجنبوا الصخرة ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم هوى بمعوله على الصخرة فصدر منها وهجا عاليا مضيئا يضىء جوانب المدينة ، وهتف الرسول صلى الله  عليه وسلم مكبرا فى الضربة الأولى :" الله أكبر ... أعطيت مفاتيح فارس ، ولقد أضاء لى منها قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وان أمتى ظاهرة عليها " ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم معوله وهوى به مرة ثانية فبرقت الصخرة بوهج مضىء وهلل الرسول صلى الله عليه وسلم مكبرا :" الله أكبر ... أعطيت مفاتيح الروم ، ولقد أضاء لى منها قصورها الحمراء ، وان أمتى ظاهرة عليها " ، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربته الثالثة فأضاءت وهلل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه وأنبأهم أنه يبصر قصور سوريا وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التى ستخفق فوقها اية الله يوما ، وصاح المسلمون :" هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، ولقد عاش سلمان الفارسى حتى تحققت كل هذه النبوءات .

كان الكفار بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح ، وأهل حرب ، وأهل ذمة ، وأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم وأمر أن يقاتل من نقض عهده ، ولما نزلت سورة براءة نزلت لبيان حكم هذه الأقسام ، فأمر بها أن يقاتل غيره من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ويدخلوا فى الاسلام وأمره فيها أن يجاهد الكفار ونبذ عهدهم ، وجعل أهل العهد ثلاثة أقسام : قسم أمره بقتالهم وهم الذين نقضوا عهده ولم يستقيموا له فحاربهم وظهر عليهم ، وقسما لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه فأمره أن يتم لهم عهدهم الى مدتهم ، وقسما لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه ، أو كان لهم عهد مطلق فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر فادا انسلخت قاتلهم وهى الأشهر الأربعة المذكورة " براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزى الله وأن الله مخزى الكافرين * وأذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برىء من المشركين ورسوله فان تبتم فهو خير لكم وان توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم * الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم ان الله يحب المتقين * فاذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حبث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم * التوبة 1- 5 ، بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسه هجرية ، وبعث عليا بن أبى طالب بثلاثين أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس ، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون فى الأرض ، فقرأ عليهم براءة يوم عرفة وقرأها عليهم فى منازلهم ، ولا يحججن بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، وأجل المشركين عشرين يوما من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر ،  وأنزلت آية فرض الجزية " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة 29 ، وكان هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقد الذمة وأخذ الجزية فانه لم يأخذ من الكفار جزية الا بعد نزول براءة فى السنة الثامنة من الهجرة ، فلما نزلت آية الجزية أخذها من المجوس وأخذها من أهل الكتاب وأخذها من النصارى ، وبعث معاذا رضى الله عنه الى اليمن فعقد لمن لم يسلم من يهودها الذمة وضرب عليهم الجزية ولم ياخها من يهود خيبر وظن بعض الغالطين المخطئين أن هذا حكم مختص بأهل خيبر وأنه لايؤخذ منهم جزية وان أخذت من سائر أهل الكتاب ، وهذا من عدم الفقه فى السير والمغازى ، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم وصالحهم على أن يقرهم فى الأرض ما شاء ولم تكن الجزية نزلت بعد فسبق عقد صلحهم واقرارهم فى أرض خيبر ونزول الجزية ، ثم أمره الله تعالى أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فلم يدخل فى هذا يهود خيبر أنذاك لأن العقد كان قديما بينه وبينهم على اقرارهم وأن يكونوا عمالا فى الأرض بالشطر فلم يطالبهم بشىء غير ذلك وطالب سواهم من أهل الكتاب ممن لم يكن بينه وبينهم عقد كعقدهم بالجزية كنصارى نجران ويهود اليمن وغيرهم ، فلما أجلاهم عمر الى الشام تغير ذلك العقد الذى تضمن اقرارهم فى أرض خيبر وصار لهم حكم غيرهم من أهل الكتاب ، وكان نزول الجزية عام تبوك بعد خيبر بثلاثة أعوام  ، لما نزلت الجزية أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثلاث طوائف : من المجوس واليهود والنصارى ، ولم يأخذها من عباد الأصنام فقيل لا يجوز أخذها من كافر غير هؤلاء ، ويقولون انما لم يأخذها من مشركى العرب لأنها انما نزل فرضها بعد أن أسلمت دارة العرب ولم يبق يها مشرك ولهذا غزا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفتح تبوك وكانوا نصارى ، قالوا وقد أخذها من المجوس وليسوا بأهل كتاب ، ولا يصح أنه كان لهم كتاب ورفع ولا فرق بين عباد النار وعباد الأصنام بل أهل الأوثان أقرب حالا من عباد النار وكان فيهم من التمسك بدين ابراهيم ، فاذا أخذت منهم الجزية فأخذها من عباد الأصنام أولى ، وعلى ذلك تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه فى صحيح مسلم أنه قال :" اذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى احدى خلال ثلاث وأيتهن أجابوك اليها فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم أمره أن يدعوهم الى الاسلام أو الجزية أو يقاتلهم ، وقال المغيرة لعامل كسرى :" أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله أو تؤدوا الجزية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش :" هل لكم فى كلمة تدين لكم بها العرب وتؤدى اعجم اليكم بها الجزية " ، قالوا :" ما هى ؟" ، قال :" لا آله الا الله " ، ولما كان فى مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك أخذت " خيلة أكيدر دومة " فصالحه على الجزية وحقن له دمه ، وصالح أهل نجران من النصارى على ألفى حلة ، النصف فى صفر والبقية فى رجب يؤدونها الى المسلمين ، وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون بها حتى يردها عليهم ان كان باليمن كيدة أو عذرة ، على أن لا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قسا ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا ربا ، وفى هذا دليل على انتقاض عهد الذمة بأحداث الحدث وأكل الربا اذا كان مشروطا عليهم ، ولما وجه معاذا الى اليمن أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا أو قيمته من المعارى ، وهى ثياب تكون باليمن ، وهذا دليل على أن الجزية غير مقدرة الجنس ولا القدر بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا وتزيد وتنقص حسب حاجة المسلمين واحتمال من تؤخذ منه وحاله فى الميسرة وما عنده من المال ، ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه فى الجزية بين العرب والعجم بل أخذهل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى العرب وأخذها من مجوس هجر وكانوا عربا فان العرب أمة ليس لها فلا الأصل كتاب وكانت كل طائفة تدين بدين من جاورها من الأمم فكانت عرب البحرين مجوسا لمجاورتها فارس ، وتنوخ وبهرا وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم الروم ، وكانت قبائل من اليمن يهود لمجاورتهم ليهود اليمن فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الجزية وقوله لمعاذ :" خذ من كل حالم دينارا " دليل على أنها لا تؤخذ من صبى ولا امرأة ، وأكثر من أخذ منهم النبى صلى الله عليه وسلم الجزية العرب من النصارى واليهود والمجوس وكا يعتبرهم بأديانهم لآبائهم .

استقرار الرسول صلعم فى المدينة -اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 17 )

اصطفاء الله لرسوله محمد صلعم ( 17 )
استقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة 

لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده المؤمنين وألف بين قلوبهم بعد العداوة والأحن التى كانت بينهم " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " آل عمران 103 ، فمنعته أنصار الله وكتيبة الاسلام وبذلوا نفوسهم دونه وقدموا محيته على محبة الآباء والأزواج وكان أولى بهم من أنفسهم ، رمته العرب واليهود عن قوس واحد وشمروا لهم عن ساق العداوة  والمحاربة ، وصاحوا بهم من كل جانب والله سبحانه يأمرهم بالصبر والتقوى الرباط يقول الله سبحانه وتعالى " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " آل عمران 200  ، وقويت شوكتهم واشتد الجناح فاذن لهم حينئذ فى القتال ولم يفرضه عليهم فقال " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير " الحج 38 ، وقالت طائفة أن هذا الأذن كان بمكة ، وهذا غلط لوجوه أحدها أن الله لم يأذن بمكة فى القتال ، ولا كان للمسلمين شوكة يتمكنون بها من القتال بمكة ، الثانى أن سياق الآية يدل عى أن الاذن بعد الهجرة واخراجهم من ديارهم  بغير الحق الا أن يقولوا ربنا الله وهؤلاء هم المهاجرون ، قال العوفى عن ابن عباس نزلت فى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم حين أخرجوا من مكة وقال مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف كابن عباس وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم هذه أول آية نزلت فى الجهاد واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية ، وهذا الجهاد فى سورة الحج يدخل فيه الجهاد بالسيف ، أم فى مكة " فلا تطع الكافرين وجاهدهم به ( أى القرآن ) جهادا كبيرا " الفرقان 52  وهذه سورة مكية والجهاد فيها هو التبليغ وجهاد الحجة ، بعد آية الجهاد أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم وصية لأصحابه " انطلقوا باسم الله ولا تقتلوا شيخا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ، ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا .... ان الله يحب المحسنين " ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بالاضافة لنهيه عن قتل النساء والولدان كان اذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله ويقول :" سيروا باسم الله وفى سبيل الله واتلوا من كفر بالله ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا " ، وكان ينهى عن السفر بالقرآن الى أرض العدو ، وكان ينهى فى مغازيه عن النهبة والمثلة ، وقال :" من انتهب نهبة فليس منا " ، ذكر أبوداود عن رجل من الأنصار قال :" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد وأصابوا غنما فانتهبوها ، وان قدورنا لتغلى اذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال :" ان النهبة ليست بأحل من الميتة ليست بأهل من النهبة ، وكان ينهى أن يركب الرجل دابة من الفىء حتى اذا أعجفها ردها فيه وأن يلبس الرجل ثوبا من الفىء حتى اذا أخلقه رده فيه ولم يمنع من الانتفاع به حال الحرب ، وكان يشدد فى الغلول جدا ويقول :" هو عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة " ، وتوفى رجل يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال :" ان صاحبكم غل فى سبيل الله شيئا ففتشوا متاعه فوجدوا خرزا من خرز يهود لا يساوى درهمين ، ولما فرض الجهاد وحث عليه الاسلام قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، نختار منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" غدوة فى سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه وتعالى :"  أيما عبد من عبادى خرج مجاهدا فى سبيلى ، ابتغاء مرضاتى ضمنت له أن أرجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة وان قبضته أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين كل درجتين كما بيت السماء والأرض ، فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فانه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوق عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة " ، وذكر ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أرسل بنفقة فى سبيل الله وأقام فى بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ، ومن غزا بنفسه فى سبيل الله وأنفق فى وجهه ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم ثم تلا هذه الآية " مثل الذين ينفقون أمواله فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " البقرة 261، وقال :" من أغبرت قدماه فى سبيل الله حرمهما الله على النار " ، وذكر الامام أحمد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله علي وسلم :" من أغبر قدماه فى سبيل الله ساعة من نهار فهما حرام على النار " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أغبرت قدماه فى سبيل الله ساعة من نهار فهما حرام على النار " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من جرح جراحة فى سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء ، له نور يوم القيامة لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك يعرفه بها الأولون والآخرون ، ويقولون فلان عليه طابع الشهدء " ، وذكر ابن ماجه عن الرسول صلى الله عليه وسلم :" من راح روحة فى سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من البار مسك يوم القيامة " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" رباط يوم فى سبيل الله خير من الدنيا وما عليها " ، وقال رسول الله عليه وسلم :ط ما من ميت يموت الا ختم على عمله ا من مات مرابطا فى سبيل الله فانه ينمو له عمله الى يوم القيامة وأمن من فتنة القبر " ، وذكر الترمذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رابط ليلة فى سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله ، وحرمت النار على عين سهرت فى سبيل الله " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان الله يدخل بالسهم الواحد الجنة صانعه يحتسب فى صنعته الخير ، والممد به ، والرامى به " ، وعند ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من تعلم الرمى فتركه فقد عصانى " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من مات ولم يغز ولم يحدث بغزو مات على شعبة من نفاق " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اذا ضن الناس بالدينار والدرهم ويبايعوا بالعين وأتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد فى سبيل الله أنزل الله بهم بلاءا فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم " ، وصح عنه أنه قال لعبد الله بن عمرو :" ان قاتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا ، وان قاتلت مرائيا مكاثرا بعثك الله مرائيا مكاثرا يا عبد الله بن عمرو على أى وجه قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والذى نفسى بيده لا يكلم أحد فى سبيل الله والله أعلم بمن يكلم فى سبيله الا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان للشهيد عند الله خصالا : أن يغفر له من أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلية الايمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج أثنتين وسبعين من الحور العين ، ويشفع فى سبعين انسانا من أقاربه " ذكره أحمد وصححه الترمذى ،   وكان هديه فى الأسارى يمن على بعضهم ويقتل بعضهم ويفادى بعضهم بالمال وبعضهم بأسرى المسلمين وقد فعل ذلك كله بحسب المصلحة ، ففادى أسارى بدر بمال ، وأسر ثمامة بن أثال سيد بنى حنيفة فربطه بسارية المسجد ثم أطلقه فأسلم ، وفدى رجلين من المسلمين برجل من عقيل ، وقتل عقبة بن أبى معيط من الأسرى ، وقتا النضر بن الحرث لشدة عداوتهما لله ورسوله ، وذكر الامام أحمد عن ابن عباس قال :" كان ناس من الأسرى لم يكن لهم مال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة  ، وهذا يدل على جواز الفداء بالعمل كما يجوز بالمال ، وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن من أسلم قبل الأسر لم يسترق ، ولما قسم سبايا بنى المصطلق وقعت جويرية بنت الحرث فى السبى لثابت بن قيس بن شماس فكاتبته على نفسها ففض رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها فأعتق بتزويجه اياها مائة من أهل بنى المصطلق اكراما لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنع التفريق فى السبى بين الوالدة وولدها ويقول :" من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " ، وكان يؤتى بالسبى فيعطى أهل البيت جميعا كراهية أن يفرق بينهم ، وكانت تقدم عليه رسل أعدائه وهم على عداوته فلا يهيجهم ولا يقتلهم ، ولما قدم عليه رسولا مسيلمة الكذاب وهما  عبد الله بن النواحة وابن أثال قال لهما :" فما تقولان أنتما " ، قالا :" نقول كما قال " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " ، فجرت سنته أن لايقتل رسولا ، وكان هديه أيضا أن لايحبس الرسول عنده اذا اختار دينه ويمنعه اللحاق بقومه بل يرده اليهم ، كما قال أبو رافع :"بعثتنى قريش الى النبى صلى الله عليه وسلم فلما أتيته وقع فى قلى الاسلام فقلت :" يا رسول الله لا أرجع اليهم ، فقال :" انى لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد  ( بضم الباء تعنى الرسل )  ، ارجع اليهم فان كان فى قلبك الذى فيه الآن فارجع " ، قال أبو داود وكان هذا فى المدة التى شرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد اليهم من جاء منهم وان كان مسلما وأما اليوم فلا يصلح هذا ، وفى قوله لا أحبس البرد ( أى الرسل ) اشعاربأن هذا الحكم يختص بالرسل مطلقا ، وأما الرسل فلهم حكم آخر فهو لم يتعرض لرسل مسيلمة الكذاب ، وقد سبق الاسلام كل المواثيق الدولية والقوانين الدولية التى سعت اليها المجتمعات الحديثة ، خصوصا فى القرن العشرين والقرن الحادى والعشرين والتى تسعى جميعها لوضع القواعد والمبادىء والنظم التى يمكن أن تخفف عن البشرية ويلات الحرب ، فى السنوات الست الأولى فرضت قريش وحلفاؤها من الأعراب واليهود على الدولة الاسلامية الوليدة أغلب وأكبر وخطر الحروب والغزوات ، احدى وعشرين غزوة من ثمان وعشرين ! هى مجموع الغزوات ! ، وثبت المسلمون فى مجتمعهم الاسلامى ، والرسول صلى الله عليه وسلم يرسى أركان الدولة فى مختلف المجالات ، وكان هو رجل الدولة ، وكان رجل السياسة بكل معانيها وأركانها كما تعرضنا لها فى تعريفاتها المختلفة ، وكانت الدولة وكان القائد وكان مجتمع المؤمنين ، وكان الدستور الحاكم وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونلاحظ أن الأحداث فى المدينة كانت متلاحقة سريعة ، فى كل الاتجاهات ، وتقريبا فان آيات التشريع فى القرآن الكريم كلها مدنية ، حيث لاتشريع بدون مجتمع ودولة ، على عكس الوضع الذى كان قائما فى مكة ، مجتمع الكفار والمشركين ، يعيش فيه أفراد قلائل من المؤمنين ، يتعرضون للعذاب ومحاولة القضاء عليهم ، ومجتمع اسلامى ، يخوض حرب البقاء ضد الكفار ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحفاظ على العهود :" من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقده ولا يشدها حتى يمضى أمده أو ينبذ اليهم على سواء " ، وقال :" من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا برىء من القاتل " ، وقال :" ما نقض قوم العهد الا أديل عليهم العدو " ، وقال:" لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به بقدر غدرته ، يقال هذه غدرة فلان بن فلان "، ولما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفار معه ثلاثة أقسام – قسم صالحهم ، وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة ، وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه بل انتظروا ما يؤول اليه أمر أعدائه ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره فى الباطن ، ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وانتصارهم ، ومنهم من دخل معه فى الظاهر ، وهو مع عدوه فى الباطن ليأمن الفريقين ، وهؤلاء هم المنافقون ، فعامل كل طائفة من هذه الطوائف بما أمره به ربه يبارك وتعالى .

حاربه بنو قينقاع بعد بدر بعد أن أظهروا البغى والحسد ، وكانوا أشجع يهود المدينة ، وكان حامل لواء المسلمين يومئذ حمزة بن عبد المطلب ، وحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة عشر ليلة ، وهم أول من حارب من اليهود ، وتحصنوا فى حصونهم ، فحاصرهم أشد الحصار وقذف الله فى قلوبهم الرعب ، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلم عبد الله بن أبى فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألح عليه فوهبهم له وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها فخرجوا الى أذرعات الشام ، ثم نقض العهد بنو النضير ، قال البخارى كان ذلك بعد بدر بستة أشهر ، قال عروة أنه صلى الله عليه وسلم خرج اليهم فى نفر من أصحابه وكلمهم أن يعينوه فى دية الكلابيين الذين قتلهم عمرو بن أمية الضمرى فقالوا نفعل يا أبا القاسم اجلس هنا حتى نقضى حاجتك ، فتآمروا بقتله وقالوا أيكم يأخذ هذه الرحا ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ، فقال أشقاهم عمرو بن جحاش أنا فقال لهم سلام بن مشكم لاتفعلوا فو الله ليخبرن بما هممتم به وانه لنقض للعهد الذى بيننا وبينه ، وجاء الوحى على الفور اليه من ربه بما هموا به فنهض مسرعا وتوجه الى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا نهضت ولم نشعر بك فأخبرهم بما همت يهود به وبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرجوا من المدينة ولا تساكنونى بها وقد أجلتكم عشرا فمن وجد بعد ذلك بها ضربت عنقه ، ولكن المنافق عبد الله بن أبى أوهم أن غطفان سوف تساندهم فلم يغادروا ، فحمل اللواء على بن أبى طالب ، وأجلوا الى خيبر وأستولى على أرضهم وديارهم ، وبنو قريظة كانوا أشد اليهود عداوة وتم اجلاؤهم بعد موقعة الخندق ، وهكذا تطهرت المدينة من الغادرين من اليهود .

وفى ذى القعدة من السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى 1400 من صحابته ، قاصدين مكة المكرمة لأداء العمرة ، لايريدون حربا وليس معهم من السلاح الا السيوف فى أغمادها .... وانما يسوقون "الهدى " ... وهم محرمون ، ولقد رمى الرسول صلى الله عليه وسلم بنداء السلام وحباله الى قريش ، العدو الرئيسى للاسلام ودولته ، وقتح أمامهم بابه فقال :" لا تدعونى قريش اليوم الى خطة يسألونى فيها صلة رحم الا أعطيتهم اياها " ، لكن قريشا أعترضت طريق المسلمين المسالمين ، ورفضت دخولهم مكة معتمرين ، ودارت مفاوضات بين المشركين والمسلمين " عند الحديبية " ، انتهت الى ما سمى بصلح الحديبية ، والاتفاق على 1-) رجوع المسلمين الى المدينة ، دون أن يدخلوا مكة ، هذا العام 2-) وأن يعودوا الى مكة معتمرين فى العام القادم . 3-) وأن يخلى المشركون لهم مكة ثلاثة أيام خلال وجودهم فيها معتمرين . 4-) وأن تضع الحرب بين الطرفين أوزارها مدة عشر سنوات " يتداخل فيها الناس ، ويأمن بعضهم بعضا " . 5-) وأن يرد المسلمون الى قريش من يسلم منهم ويهاجر الى المدينة ... دون أن ترد قريش الى المسلمين من يكفر ويغادر المدينة الى مكة ! 6-) وأن يشمل الأمن والأمان والعهد حلفاء الفريقين من القبائل العربية، ولقد رفضت قريش الاعتراف فى نص المعاهدة بلفظ الجلالة ، عنوان التوحيد الاسلامى ، والاعتراف بمحمد صلى الله عليه وسلم كرسول الله !

وصالح قريشا على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين على أن من جاءه منهم مسلما رده اليهم ومن جاءهم من عنده لايردونه اليه ، وكان اللفظ عاما فى الرجال والنساء فنسخ الله ذلك فى حق النساء وأبقاه فى حق الرجال وأمر الله نبيه والمؤمنين أن يمتحنوا من جاءهم من النساء وان علموها مؤمنة لم يردوها الى الكفار " يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنونهن الله أعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وأتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن اذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم ولبسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم  والله عليم حكيم " الممتحنة 10 ، وفيه دليل على تحريم نكاح المشركة على المسلم كما حرم نكاح المسلمة على الكافر ، ولقد رأى كثير من المسلمين يومئذ فى هذه الشروط تنازلات كبيرة من الحق للباطل ، لكن عبقرية الاستراتيجية السياسية ، بل والحربية ، فضلا عن الدعوية جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يقول لأصحابه :" اصبروا ، فان الله يجعل هذا الصلح سببا الى ظهور دينه ، وسيجعل فيه للمسلمين فرجا وقد كان ، يقول ر. ف . بودلى ( كلونيل أمريكى درس حياة النبى صلى الله عليه وسلم وألف كتابا فى ذلك ، وهذا نقلا عن ملحق مجلة الأزهر عن شهر ربيع الأول 1434 / فبراير 2013 ) من الحوادث التى تناولها  هذا المؤلف بالبحث والتحليل " صلح الحديبية " عام 628 م الذى وصفه بأنه نصر سياسى ودبلوماسى لنبى الاسلام جدير بالاعجاب والتسجيل ... وفى هذا الصدد كتب بودلى يقول :" وجد النبى بعد خروجه من مكة أن الأمل فى الاتفاق مع القرشيين ضعيف ، وأضعف منه أن يأخذ مكة بقوة السلاح ، لهذا سعى لتوطيد سلم بين مكة ومحمد بطريقة لا تجرح المسلمين ، وقد واتت محمدا فكرة بديعة هى أن يأخذ رجاله ، غير مسلحين ، ويشترك فى الحج السنوى وسيأمنون الغدر بهم لأنهم سيكونون فى الأسهر الحرم ، وفى فبراير سنة 628 م أجتمع خارج المدينة ألف وخمسمائة من حجاج المسلمين فى ثياب الأحرام البيض ، وتحركوا الى مكة حتى بلغوا مشارفها ، وضربوا خيامهم ، وتربص محمد ليرى كيف يتصرف القرشيون ، ولم يكن هؤلاء ينوون الاذعان بسهولة لهذه الجرأة فبعثوا الى النبى يفاوضونه فى أن يرجع هذا العام ويعود فى العام التالى فيحج الى الكعبة ، وانتهت المفاوضات بين الطرفين بعقد هذه المعاهدة فى مارس سنة 628 م ، وبمقتضى هذه المعاهدة بين محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو ، يتفق الطران على أن يعود محمد ورجاله فورا الى المدينة ، ويؤذن لهم بالرجوع فى العام التالى للحج ، وستخصص لهم ثلاثة أيام يؤدون فيها فرائضهم حول الكعبة وفى هذه الفترة يخلى القرشيون مكة ، ويعسكرون خارج أسوارها ، وسيكون على الحجيج من أتباع محمد أن بكزنوا غير مسلحين الا بالسيوف المغمدة التى يؤذن للراحلين بحملها للدفاع عن النفس ، وتدوم هذه المعاهدة عشر سنوات ، تجرى فيها قوافل الطرفين فى أرض مكة والمدينة بسلام ، ويعاد الى مكة كل المكيين الذبن يلجأون الى المدينة بقصد الاسلام دون موافقة عائلاتهم على ذلك ، ولا شك أن هذه المعاهدة كانت أعظم نصر دبلوماسى حقيقى لمحمد ، ففيها اعتراف به كزعيم لجماعة كبيرة من العرب لها حساب ، ولها قوة وحقوق ، وامضاء المعاهدة معه بهذا الوصف بعد طول الطراد والنزال نصر وأى نصر ، وكان محمد يتطلع الى أبعد من ذلك كان يرى المعاهدة مقدمة لها ما بعدها ، فان مجرد استطاعته وضع قدمه فى مكة كفيل بأن يبقيه فيها أبد الآبدين "

184- ] English Literature

184- ] English Literature Jane Austen  Austen’s novels: an overview Jane Austen’s three early novels form a distinct group in which a stro...